alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السماع والكتابة - للجاحظ

اذهب الى الأسفل

السماع والكتابة - للجاحظ Empty السماع والكتابة - للجاحظ

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء يونيو 29, 2010 10:32 pm

فالإنسان لا يعلمُ حتى يكثُرَ سماعُه، ولا بُدَّ من أن تكون كتبُه أكثرَ من سَمَاعِه؛ ولا يعلمُ، ولا يجمع العلم، ولا يُخْتَلَف إليه، حتى يكون الإنفاقُ عليه من ماله، ألذَّ عندَه من الإنفاق من مال عدوِّه، ومَن لم تكن نفقتُه التي تخرج في الكتب، ألذَّ عنده مِن إنفاق عُشَّاق القيان، والمستهتَرين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغاً رضِيّاً، وليس يَنتفِع بإنفاقِه، حتَّى يؤثِر اتِّخاذَ الكتبِ إيثارَ الأعرابي فرسَه باللبن على عياله، وحتَّى يؤَمِّل في العلم ما يؤَمِّل الأعرابي في فرسه، - حرص الزنادقة على تحسين كتبهم. وقال إبراهيم بن السِّنديّ مرة: ودِدْتُ أنَّ الزنادقة لم يكونوا حرصاء على المغالاة بالورق النقيِّ الأبيض، وعلى تخيُّر الحبرِ الأسودِ المشرِق البرَّاق، وعلى استجادةِ الخطِّ والإرغاب لمن يخطّ، فإنِّي لم أَرَ كورَق كتبِهم ورقاً، ولا كالخطوط التي فيها خطّاً، وإذا غرِمتُ مالاً عظيماً - مع حبِّي للمال وبُغْضِ الْغُرْم - كان سخاءُ النفس بالإنفاق على الكتب، دليلاً على تعظيمِ العلمِ، وتعظيمُ العلم دليل على شرف النفس، وعلى السلامَة من سُكْر الآفات، قلت لإبراهيم: إنّ إنفاقَ الزنادقةِ على تحصيل الكتب، كإنفاق النصارى على البِيَع، ولو كانت كتبُ الزنادقةِ كتبَ حكمٍ وكتبَ فلسفة، وكتبَ مقاييسَ وسُنَنٍ وتبيُّنٍ وتبيين، أو لو كانت كتُبهم كتباً تُعرِّف الناسَ أبوابَ الصِّناعات، أو سُبُلَ التكسُّب والتجارات، أو كتبَ ارتفاقاتٍ ورياضاتٍ، أو بعض ما يتعاطاه الناسُ من الفطن والآداب - وإنْ كان ذلك لا يقرِّب من غِنًى ولا يُبْعِد من مأثَم - لكانوا ممَّن قد يجوز أن يُظَنَّ بهم تعظيمُ البيان، والرغبةُ في التبيُّن، ولكنَّهم ذهبوا فيها مذهبَ الدِّيانة، وعلى طريقِ تعظيم المِلّة، فإنّما إنفاقهم في ذلك، كإنفاق المجوس على بيت النار، وكإنفاقِ النصارَى على صُلْبان الذهب، أو كإنفاق الهند على سَدَنةِ البِدَدَة، ولو كانوا أرادوا العلمَ لكان العلمُ لهم مُعرضاً، وكتبُ الحكمة لهم مبذولةً، والطرقُ إليها سهْلةً معروفة، فما بالُهُم لا يصنعون ذلك إلاّ بكتُب دياناتهم، كما يزخرفُ النصارى بيوتَ عباداتهم ولو كان هذا المعنى مستحسَناً عند المسلمين، أو كانوا يرون أنّ ذلك داعيةٌ إلى
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45184
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

السماع والكتابة - للجاحظ Empty رد: السماع والكتابة - للجاحظ

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء يونيو 29, 2010 10:36 pm

العبادة، وباعثةٌ على الخٌشوع، لبلَغُوا في ذلك بعَفْوهم، ما لا تبلُغُه النصارى بغاية الجَهْد.
مسجد دمشق وقد رأيتُ مسجِدَ دِمَشْق، حين استجاز هذا السبيل ملِكٌ من ملوكها، ومَنْ رآه فقد علم أنّ أحداً لا يرومه، وأنَّ الرومَ لا تسخوا أنفُسهم به، فلمَّا قام عمرُ بنُ عبد العزيز، جَلَّله بالجِلال، وغَطَّاه بالكرابيس، وطبَخَ سلاسلَ القناديلِ حتَّى ذهب عنها ذلك التلألؤُ والبريق؛ وذهب إلى أنّ ذلك الصنيعَ مجانِبٌ لسنَّة الإسلام، وأنَّ ذلك الحُسنَ الرائعَ والمحاسنَ الدِّقاق، مَذهَلةٌ للقلوب، وَمشغَلةٌ دونَ الخشوع، وأنّ البالَ لا يكون مجتمِعاً وهناك شيء يفرِّقه ويعترض عليه.
صفة كتب الزنادقة والذي يدلُّ على ما قلنا، أنّه ليس في كتبهم مثلٌ سائر، ولا خبرٌ طَريف، ولا صنعةُ أدبٍ، ولا حكمةٌ غرِيبة، ولا فلسفةٌ، ولا مسألةٌ كلاميَّة، ولا تعريفُ صِناعة، ولا استخراجُ آلة، ولا تعليمُ فِلاحةٍ، ولا تدبير حرب، ولا مقارَعة عن دِين، ولا مناضَلة عن نِحْلة، وجُلُّ ما فيها ذِكر النور والظلمة، وتناكُحُ الشياطين، وتسافُدُ العفاريت، وذكر الصنديد، والتهويل بعمود السنخ، والإخبار عن شقلون، وعن الهامة والهمامة، وكلُّه هَذْرٌ وعِيٌّ وخُرافة، وسُخْريَة وتكذُّب، لا ترى فيه موعظةً حسنة، ولا حديثاً مُونِقاً، ولا تدبيرَ مَعاشٍ، ولا سياسةَ عامة، ولا ترتيبَ خاصَّة، فأيُّ كتابٍ أجهلُ، وأيُّ تدبيرٍ أفسدُ من كتابٍ يوجِب على الناس الإطاعة، والبخوع بالديانة، لا على جهة الاستبصار والمحبَّة، وليس فيه صلاحُ مَعاشٍ ولا تصحيحُ دين? والناسُ لا يحبُّون إلا ديناً أو دنيا: فأمَّا الدّنيا فإقامةُ سوقها وإحضار نفعها، وأما الدِّين فأقلُّ ما يُطمع في استجابة العامة، واستمالة الخاصَّة، أنْ يصوَّر في صورةٍ مغلِّطة، ويموَّهَ تمويهَ الدِّينارِ الْبَهْرَج، والدرهمِ الزائف الذي لا يغلط فيه الكثير، ويعرفُ حقيقته القليل، فليس إنفاقُهم عليها من حيثُ ظننت، وكلُّ دين يكون أظهر اختلافاً وأكثرَ فساداً، يحتاج من الترقيع والتمويه، ومن الاحتشاد له والتغليظ فيه إلى أكثر، وقد علمْنا أنَّ النصرانيَّةَ أشدُّ انتشاراً من اليهوديَّة تعبداً، فعلى حسب ذلك يكون تزيُّدُهم في توكِيده، واحتفالُهم في إظهار تعليمه.
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45184
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى