alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير - سورة الأنبياء

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:30 pm

وقد عرف داود - عليه السلام - بمزاميره . وهي تسابيح لله كان يرتلها بصوته الحنون , فتتجاوب أصداؤها حوله , وترجع معه الجبال والطير . .
وحينما يتصل قلب عبد بربه فإنه يحس الاتصال بالوجود كله ; وينبض قلب الوجود معه ; وتنزاح العوائق والحواجز الناشئة عن الشعور بالفوارق والفواصل التي تميز الأنواع والأجناس , وتقيم بينها الحدود والحواجز , وعندئذ تتلاقى ضمائرها وحقائقها في ضمير الكون وحقيقته .
وفي لحظات الإشراق تحس الروح باندماجها في الكل , واحتوائها على الكل . . عندئذ لا تحس بأن هنالك ما هو خارج عن ذاتها ; ولا بأنها هي متميزة عما حولها . فكل ما حولها مندمج فيها وهي مندمجة فيه .
ومن النص القرآني نتصور داود وهو يرتل مزاميره , فيسهو على نفسه المنفصلة المتميزة المتحيزة . وتهيم روحه في ظلال الله في هذا الكون ومجاليه ومخلوقاته الجوامد منها والأحياء . فيحس ترجيعها , ويتجاوب معها كما تتجاوب معه . وإذا الكون كله فرقة مرتلة عازفة مسبحة بجلال الله وحمده . (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). . إنما يفقهه من يتجرد من الحواجز والفواصل , وينطلق مع أرواح الكائنات , المتجهة كلها إلى الله .
(وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير). . (وكنا فاعلين)فما هنالك من شيء يعز على القدرة أو يتأبى حين تريد . يستوي أن يكون مألوفا للناس أو غير مألوف .
(وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم , فهل أنتم شاكرون ?). .
تلك هي صنعة الدروع حلقا متداخلة , بعد أن كانت تصنع صفيحة واحدة جامدة . والزرد المتداخل أيسر استعمالا وأكثر مرونة , ويبدو أن داود هو الذي ابتدع هذا النوع من الدروع بتعليم الله . والله يمن على الناس أن علم داود هذه الصناعة لوقايتهم في الحرب: (لتحصنكم من بأسكم)وهو يسألهم سؤال توجيه وتحضيض: (فهل أنتم شاكرون ?). .
والحضارة البشرية سارت في طريقها خطوة خطوة وراء الكشوف . ولم تجيء طفرة , لأن خلافة الأرض تركت لهذا الإنسان , ولمداركه التي زوده الله بها ليخطو في كل يوم خطوة ; ويعيد تنسيق حياته وفق هذه الخطوة . وإعادة تنسيق الحياة وفق نظام جديد ليست سهلة على النفس البشرية ; فهي تهز أعماقها ; وتغير عاداتها ومألوفها ; وتقتضي فترة من الزمان لإعادة الاستقرار الذي تطمئن فيه إلى العمل والإنتاج . ومن ثم شاءت حكمة الله أن تكون هناك فترة استقرار تطول أو تقصر . بعد كل تنسيق جديد .
والقلق الذي يستولي على أعصاب العالم اليوم منشؤه الأول سرعة توالي الهزات العلمية والاجتماعية التي لا تدع للبشرية فترة استقرار , ولا تدع للنفس فرصة التكيف والتذوق للوضع الجديد .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:30 pm

ذلك شأن داود . فأما شأن سليمان فهو أعظم:


وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
(ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ; وكنا بكل شيء عالمين . ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك . وكنا لهم حافظين). .
وتدور حول سليمان روايات وتصورات وأقاويل , معظمها مستمد من الإسرائيليات والتخيلات والأوهام . ولكن لا نضل في هذا التيه . فإننا نقف عند حدود النصوص القرآنية وليس وراءها أثر مستيقن في قصة سليمان بالذات .
والنص القرآني هنا يقرر تسخير الريح - وهي عاصفة - لسليمان , تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها . وهي في الغالب الشام لسبق الإشارة إليها بهذه الصفة في قصة إبراهيم . . فكيف كان هذا التسخير ?
هنالك قصة بساط الريح الذي قيل:إن سليمان كان يجلس عليه وهو وحاشيته فيطير بهم إلى الشام في فترة وجيزة . وهي مسافة كانت تقطع في شهر على الجمال . ثم يعود كذلك . . وتستند هذه الرواية إلى ما ورد في سورة "سبأ" من قوله: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر). .
ولكن القرآن لم يذكر شيئا عن بساط الريح ذاك ; ولم يرد ذكره كذلك في أي أثر مستيقن . فليس لنا ما نستند عليه لنقرر مسألة البساط .
والأسلم إذن أن نفسر تسخير الريح بتوجيهها - بأمر الله - إلى الأرض المباركة في دورة تستغرق شهرا طردا وعكسا . . كيف ? لقد قلنا:إن القدرة الإلهية الطليقة لا تسأل كيف ? فخلق النواميس وتوجيهها هو من اختصاص تلك القدرة الطليقة . والمعلوم للبشر من نواميس الوجود قليل . ولا يمتنع أن تكون هناك نواميس أخرى خفية على البشر تعمل , وتظهر آثارها عندما يؤذن لها بالظهور: (وكنا بكل شيء عالمين). . العلم المطلق لا كعلم البشر المحدود .
وكذلك تسخير الجن لسليمان - عليه السلام - ليغوصوا في أعماق البحر أو أعماق اليابسة . ويستخرجوا كنوزها المخبوءة لسليمان ; أو ليعملوا له أعمالا غير هذا وذاك . . فالجن كل ما خفي . وقد قررت النصوص القرآنية أن هناك خلقا يسمون الجن خافين علينا , فمن هؤلاء سخر الله لسليمان من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك . وحفظهم فلا يهربون ولا يفسدون ولا يخرجون على طاعة عبده . وهو القاهر فوق عباده يسخرهم حين يشاء كيف يشاء .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:31 pm

وعند هذا الحد المأمون نقف في ظلال النصوص . فلا نسبح في الإسرائيليات .
لقد ابتلى الله داود وسليمان - عليهما السلام - بالسراء . وفتنتهما في هذه النعمة . فتن داود في القضاء . وفتن سليمان بالخيل الصافنات - كما سيأتي في سورة ص - فلا نتعرض هنا لتفصيلات الفتنة حتى يأتي ذكرها في موضعها . إنما نخلص إلى نتائجها . . لقد صبر داود , وصبر سليمان للابتلاء بالنعمة - بعد الاستغفار من الفتنة - واجتازوا الامتحان في النهاية بسلام ; فكانا شاكرين لنعمة الله .
الدرس السادس:83 - 84 لقطة من ابتلاء أيوب
والآن نجيء إلى الابتلاء بالضراء في قصة أيوب عليه السلام:
(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر , وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر , وآتيناه أهله ومثلهم معهم , رحمة من عندنا وذكرى للعابدين). .


وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85)
وقصة ابتلاء أيوب من أروع قصص الابتلاء . والنصوص القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل . وهي في هذا الموضع تعرض دعاء أيوب واستجابة الله للدعاء . لأن السياق سياق رحمة الله بأنبيائه , ورعايته لهم في الابتلاء . سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم وإيذائهم , كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح . أو بالنعمة في قصة داود وسليمان . أو بالضر كما في حال أيوب . .
وأيوب هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله: (أني مسني الضر). . ووصف ربه بصفته: (وأنت أرحم الراحمين). ثم لا يدعو بتغيير حاله , صبرا على بلائه , ولا يقترح شيئا على ربه , تأدبا معه وتوقيرا . فهو نموذج للعبد الصابر لا يضيق صدره بالبلاء , ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار . بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه , فيدع الأمر كله إليه , اطمئنانا إلى علمه بالحال وغناه عن السؤال .
وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه بهذه الثقة وبذلك الأدب كانت الاستجابة , وكانت الرحمة , وكانت نهاية الابتلاء: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر , وآتيناه أهله ومثلهم معهم). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:31 pm

رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح . ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم , ورزقه مثلهم . وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثليهم . أو أنه وهب له أبناء وأحفادا .
(رحمة من عندنا)فكل نعمة فهي رحمة من عند الله ومنة . (وذكرى للعابدين). تذكرهم بالله وبلائه , ورحمته في البلاء وبعد البلاء . وإن في بلاء أيوب لمثلا للبشرية كلها ; وإن في صبر أيوب لعبرة للبشرية كلها . وإنه لأفق للصبر والأدب وحسن العاقبة تتطلع إليه الأبصار .
والإشارة(للعابدين)بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها . فالعابدون معرضون للابتلاء والبلاء . وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة وتكاليف الإيمان . والأمر جد لا لعب . والعقيدة أمانة لا تسلم إلا للأمناء القادرين عليها , المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها الشفاه , ولا دعوى يدعيها من يشاء . ولا بد من الصبر ليجتاز العابدون البلاء . .
الدرس السابع:85 - 86 إشارة لإسماعيل وإدريس وذي الكفل
بعد ذلك يشير السياق مجرد إشارة إلى إسماعيل وإدريس وذي الكفل:
وإسماعيل وإدريس وذاالكفل . كل من الصابرين . وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين . .
فهو عنصر الصبر كذلك يشير إليه في قصص هؤلاء الرسل .
فأما إسماعيل فقد صبر على ابتلاء ربه له بالذبح فاستسلم لله وقال: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
وأما إدريس فقد سبق إن زمانه مجهول وكذلك مكانه , وإن هنالك قولا بأنه , أوزوريس الذي عبده المصريون بعد موته , وصاغوا حوله الأساطير . بوصف المعلم الأول للبشر , الذي علمهم الزراعة والصناعة !


وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
ولكننا لا نملك على هذا دليلا . فلنعلم أنه كان من الصابرين على نحو من أنحاء الصبر الذي يستحق التسجيل في كتاب الله الباقي .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:31 pm

وأما ذو الكفل فهو كذلك مجهول لا نملك تحديد زمانه ولا مكانه . والأرجح أنه من أنبياء بني إسرائيل . وقيل:إنه من صالحيهم , وأنه تكفل لأحد أنبيائهم قبل موت هذا النبي , بأن يخلفه في بني إسرائيل على أن يتكفل بثلاث:أن يقوم الليل ويصوم النهار ولا يغضب في القضاء . فوفى بما تكفل به وسمي ذا الكفل لذاك - ولكن هذه ليست سوى أقوال لا دليل عليها . والنص القرآني يكفي في هذا الموضع لتسجيل صفة الصبر لذي الكفل .
(وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين). . وهذا هو المقصود بذكرهم في هذا السياق .
الدرس الثامن:87 - 88 لقطة من قصة يونس ذي النون
ثم تجيء قصة يونس - عليه السلام - وهو ذو النون .
(وذا النون إذ ذهب مغاضبا . فظن أن لن نقدر عليه . فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم . وكذلك ننجي المؤمنين). .
وقصة يونس تأتي هنا في صورة إشارة سريعة مراعاة للتناسق في السياق , وتفصل في سورة الصافات . ولكن لا بد لنا من بعض التفصيل هنا لهذه الإشارة كي تكون مفهومة .
لقد سمي ذا النون - أي صاحب الحوت - لأن الحوت التقمه ثم نبذه . وقصة ذلك أنه أرسل إلى قرية فدعا أهلها إلى الله فاستعصوا عليه , فضاق بهم صدرا , وغادرهم مغاضبا , ولم يصبر على معاناة الدعوة معهم . ظانا أن الله لن يضيق عليه الأرض , فهي فسيحة , والقرى كثيرة , والأقوام متعددون . وما دام هؤلاء يستعصون على الدعوة , فسيوجهه الله إلى قوم آخرين .
ذلك معنى (فظن أن لن نقدر عليه)أي أن لن نضيق عليه .
وقاده غضبه الجامح , وضيقه الخانق , إلى شاطيء البحر , فوجد سفينة مشحونة فركب فيها . حتى إذا كانت في اللجة ثقلت , وقال ربانها:إنه لا بد من إلقاء أحد ركابها في البحر لينجو سائر من فيها من الغرق . فساهموا فجاء السهم على يونس , فألقوه أو ألقى هو بنفسه . فالتقمه الحوت . مضيقا عليه أشد الضيق ! فلما كان في الظلمات:ظلمة جوف الحوت , وظلمة البحر , وظلمة الليل نادى: (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فاستجاب الله دعاءه , ونجاه من الغم الذي هو فيه . ولفظه الحوت على الساحل . ثم كان من أمره ما يفصله في سورة الصافات . فحسبنا هذا في هذا السياق .
إن في هذه الحلقة من قصة يونس - عليه السلام - لفتات ولمسات نقف أمامها لحظات .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:32 pm

إن يونس لم يصبر على تكاليف الرسالة , فضاق صدرا بالقوم , وألقى عبء الدعوة , وذهب مغاضبا , ضيق الصدر , حرج النفس ; فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين . ولولا أن ثاب إلى ربه ! واعترف بظلمه لنفسه ودعوته وواجبه . لما فرج الله عنه هذا الضيق . ولكنها القدرة حفظته ونجته من الغم الذي يعانيه .
وأصحاب الدعوات لا بد أن يحتملوا تكاليفها , وأن يصبروا على التكذيب بها , والإيذاء من أجلها . وتكذيب الصادق الواثق مرير على النفس حقا . ولكنه بعض تكاليف الرسالة . فلا بد لمن يكلفون حمل


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
الدعوات أن يصبروا ويحتملوا , ولا بد أن يثابروا ويثبتوا . ولا بد أن يكرروا الدعوة ويبدئوا فيها ويعيدوا .
إنهم لا يجوز لهم أن ييأسوا من صلاح النفوس واستجابة القلوب , مهما واجهوا من إنكار وتكذيب , ومن عتو وجحود . فإذا كانت المرة المائة لم تصل إلى القلوب , فقد تصل المرة الواحدة بعد المائة . . وقد تصل المرة الواحدة بعد الألف . . ولو صبروا هذه المرة وحاولوا ولم يقنطوا لتفتحت لهم أرصاد القلوب !
إن طريق الدعوات ليس هينا لينا . واستجابة النفوس للدعوات ليست قريبة يسيرة . فهناك ركام من الباطل والضلال والتقاليد والعادات , والنظم والأوضاع , يجثم على القلوب . ولا بد من إزالة هذا الركام . ولا بد من استحياء القلوب بكل وسيلة . ولا بد من لمس جميع المراكز الحساسة . ومن محاولة العثور على العصب الموصل . . وإحدى اللمسات ستصادف مع المثابرة والصبر والرجاء . ولمسة واحدة قد تحول الكائن البشري تحويلا تاما في لحظة متى أصابت اللمسة موضعها . وإن الإنسان ليدهش أحيانا وهو يحاول ألف محاولة , ثم إذا لمسة عابرة تصيب موضعها في الجهاز البشري فينتفض كله بأيسر مجهود , وقد أعيا من قبل على كل الجهود !
وأقرب ما يحضرني للتمثيل لهذه الحالة جهاز الاستقبال عند البحث عن محطة إرسال . . إنك لتحرك المشير مرات كثيرة ذهابا وإيابا فتخطى ء المحطة وأنت تدقق وتصوب . ثم إذا حركة عابرة من يدك . فتتصل الموجة وتنطلق الأصداء والأنغام !
إن القلب البشري هو أقرب ما يكون إلى جهاز الاستقبال . وأصحاب الدعوات لا بد أن يحاولوا تحريك المشير ليتلقى القلب من وراء الأفق . ولمسة واحدة بعد ألف لمسة قد تصله بمصدر الإرسال !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:33 pm

إنه من السهل على صاحب الدعوة أن يغضب لأن الناس لا يستجيبون لدعوته , فيهجر الناس . . إنه عمل مريح , قد يفثأ الغضب , ويهدى ء الأعصاب . . ولكن أين هي الدعوة ? وما الذي عاد عليها من هجران المكذبين المعارضين ?!
إن الدعوة هي الأصل لا شخص الداعية ! فليضق صدره . ولكن ليكظم ويمض . وخير له أن يصبر فلا يضيق صدره بما يقولون !
إن الداعية أداة في يد القدرة . والله أرعى لدعوته وأحفظ . فليؤد هو واجبه في كل ظرف , وفي كل جو , والبقية على الله . والهدى هدى الله .
وإن في قصة ذي النون لدرسا لأصحاب الدعوات ينبغي أن يتأملوه .
وإن في رجعة ذي النون إلى ربه واعترافه بظلمه لعبرة لأصحاب الدعوات ينبغي أن يتدبروها .
وإن في رحمة الله لذي النون واستجابة دعائه المنيب في الظلمات لبشرى للمؤمنين: (وكذلك ننجي المؤمنين). .
الدرس التاسع:89 - 90 لقطة من قصة زكريا ويحيى
ثم إشارة إلى قصة زكريا ويحيى - عليهما السلام - واستجابة الله لزكريا عندما دعاه:
(وزكريا إذ نادى ربه . رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له , ووهبنا له يحيى , وأصلحنا له زوجه . إنهم كانوا يسارعون في الخيرات , ويدعوننا رغبا ورهبا , وكانوا لنا خاشعين). .
وقصة مولد يحيى سبقت مفصلة في سورة مريم وفي سورة آل عمران . وهي ترد هنا متناسقة مع السياق .


وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
فتبدأ بدعاء زكريا: (رب لا تذرني فردا)بلا عقب يقوم على الهيكل:وكان زكريا قائما على هيكل العبادة في بني إسرائيل قبل مولد عيسى - عليه السلام - ولا ينسى زكريا أن الله هو وارث العقيدة ووارث المال:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:33 pm

(وأنت خير الوارثين)إنما هو يريد من ذريته من يحسن الخلافة بعده في أهله ودينه وماله . لأن الخلق ستار القدرة في الأرض .
وكانت الاستجابة سريعة ومباشرة: (فاستجبنا له , ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه)وكانت عقيما لا تصلح للنسل . . ويختصر السياق تفصيلات هذا كله ليصل مباشرة إلى استجابة الله للدعاء .
(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات). . فسارع الله في استجابة الدعاء .
(ويدعوننا رغبا ورهبا). . رغبة في الرضوان ورهبة للغضب . فقلوبهم وثيقة الصلة دائمة التطلع . (وكانوا لنا خاشعين). . لا متكبرين ولا متجبرين . .
بهذه الصفات في زكريا وزوجه وابنهما يحيى استحق الوالدان أن ينعم عليهما بالابن الصالح . فكانت أسرة مباركة تستحق رحمة الله ورضاه .
الدرس العاشر:91 إشارة إلى مريم وعيسى
أخيرا يذكر مريم بمناسبة ذكر ابنها عليه السلام:
(والتي أحصنت فرجها , فنفخنا فيها من روحنا , وجعلناها وابنها آية للعالمين). .
ولا يذكر هنا اسم مريم , لأن المقصود في سلسلة الأنبياء هو ابنها - عليه السلام - وقد جاءت هي تبعا له في السياق . إنما يذكر صفتها المتعلقة بولدها: (والتي أحصنت فرجها). أحصنته فصانته من كل مباشرة . والإحصان يطلق عادة على الزواج بالتبعية , لأن الزواج يحصن من الوقوع في الفاحشة . أما هنا فيذكر في معناه الأصيل , وهو الحفظ والصون أصلا من كل مباشرة شرعية أو غير شرعية . وذلك تنزيها لمريم عن كل ما رماها به اليهود مع يوسف النجار الذي كان معها في خدمة الهيكل . والذي تقول عنه الأناجيل المتداولة , إنه كان قد تزوجها ولكنه لم يدخل بها ولم يقربها .
لقد أحصنت فرجها (فنفخنا فيها من روحنا)والنفخ هنا شائع لا يحدد موضعه كما في سورة التحريم - وقد سبق الحديث عن هذا الأمر في تفسير سورة مريم - ومحافظة على أن نعيش في ظلال النص الذي بين أيدينا فإننا لا نفصل ولا نطول , فنمضي مع النص إلى غايته:
(وجعلناها وابنها آية للعالمين). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:34 pm

وهي آية غير مسبوقة ولا ملحوقة . آية فذة واحدة في تاريخ البشرية جميعا . ذلك أن المثل الواحد من هذا النوع يكفي لتتأمله البشرية في أجيالها جميعا ; وتدرك يد القدرة الطليقة التي تخلق النواميس , ولكنها لا تحتبس داخل النواميس .
الدرس الحادي عشر:92 أمة الأنبياء
وفي نهاية الاستعراض الذي شمل نماذج من الرسل , ونماذج من الابتلاء , ونماذج من رحمة الله - يعقب بالغرض الشامل من هذا الاستعراض:
(إن هذه أمتكم أمة واحدة , وأنا ربكم فاعبدون). .
إن هذه أمتكم . أمة الأنبياء . أمة واحدة . تدين بعقيدة واحدة . وتنهج نهجا واحدا . هو الاتجاه إلى الله دون سواه .


وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
أمة واحدة في الأرض , ورب واحد في السماء . لا إله غيره ولا معبود إلا إياه .
أمة واحدة وفق سنة واحدة , تشهد بالإرادة الواحدة في الأرض والسماء .
وهنا يلتقي هذا الاستعراض بالمحور الذي تدور عليه السورة كلها ; وتشترك في تقرير عقيدة التوحيد , تشهد بها مع سنن الكون وناموس الوجود . .
الوحدة الرابعة:93 - 112 الموضوع:من مشاهد البعث والحشر والحساب والنعيم والعذاب موضوع الوحدة
هذا الشوط الأخير في السورة بعد عرض سنن الله الكونية , الشاهدة بوحدة الخالق ; وسنن الله في إرسال الرسل بالدعوات الشاهدة بوحدة الأمة ووحدة العقيدة . . يعرض السياق فيه مشهدا للساعة وأشراطها , يتبين فيه مصير المشركين بالله ومصير الشركاء ; ويتفرد الله ذو الجلال بالتصريف فيه والتدبير .
ثم يقرر سنة الله في وراثة الأرض , ورحمة الله للعالمين المتمثلة في رسالة محمد [ ص ] .
وعندئذ يؤمر الرسول [ ص ] أن ينفض يده منهم , وأن يدعهم لمصيرهم , فيترك الحكم لله فيهم ; ويستعين به على شركهم وتكذيبهم واستهزائهم , وانصرافهم إلى اللعب واللهو , ويوم الحساب قريب .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:34 pm

الدرس الأول:93 - 95 الإختلاف في الدنيا والجزاء في الآخرة
(وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون . فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه , وإنا له كاتبون . وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون). .
إن أمة الرسل واحدة تقوم على عقيدة واحدة وملة واحدة , أساسها التوحيد الذي تشهد به نواميس الوجود ; والذي دعت إليه الرسل منذ أولى الرسالات إلى أخراها دون تبديل ولا تغيير في هذا الأصل الكبير .
إنما كانت التفصيلات والزيادات في مناهج الحياة القائمة على عقيدة التوحيد , بقدر استعداد كل أمة , وتطور كل جيل ; وبقدر نمو مدارك البشرية ونمو تجاربها , واستعدادها لأنماط من التكاليف ومن التشريعات ; وبقدر حاجاتها الجديدة التي نشأت من التجارب , ومن نمو الحياة ووسائلها وارتباطاتها جيلا بعد جيل .
ومع وحدة أمة الرسل , ووحدة القاعدة التي تقوم عليها الرسالات . . فقد تقطع أتباعها أمرهم بينهم , كأنما اقتطع كل منهم قطعة وذهب بها . وثار بينهم الجدل , وكثر بينهم الخلاف , وهاجت بينهم العداوة والبغضاء . . وقع ذلك بين أتباع الرسول الواحد حتى ليقتل بعضهم بعضا باسم العقيدة . والعقيدة واحدة , وأمة الرسل كلها واحدة .
لقد تقطعوا أمرهم بينهم في الدنيا . ولكنهم جميعا سيرجعون إلى الله , في الآخرة: (كل إلينا راجعون)فالمرجع إليه وحده , وهو الذي يتولى حسابهم ويعلم ما كانوا عليه من هدى أو ضلال:
(فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن , فلا كفران لسعيه , وإنا له كاتبون). .
هذا هو قانون العمل والجزاء . . لا جحود ولا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان . . وهو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب .
ولا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته , بل ليثبت للعمل الصالح وجوده . ولا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته , بل لتثبت للإيمان حقيقته .
إن الإيمان هو قاعدة الحياة , لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود , والرابطة التي تشد الوجود بما فيه ومن فيه إلى خالقه الواحد , وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه , ولا بد من القاعدة ليقوم البناء . والعمل الصالح هو هذا البناء . فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته .
والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده وحيويته في الضمير . والإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر . . والثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:36 pm

ومن ثم يقرن القرآن دائما بين الإيمان والعمل الصالح كلما ذكر العمل والجزاء . فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل ولا يثمر . ولا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان .
والعمل الطيب الذي لا يصدر عن إيمان إنما هو مصادفة عابرة , لأنه غير مرتبط بمنهج مرسوم , ولا موصول بناموس مطرد . وإن هو إلا شهوة أو نزوة غير موصولة بالباعث الأصيل للعمل الصالح في هذا


وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
الوجود . وهو الإيمان بإله يرضى عن العمل الصالح , لأنه وسيلة البناء في هذا الكون , ووسيلة الكمال الذي قدره الله لهذه الحياة . فهو حركة ذات غاية مرتبطة بغاية الحياة ومصيرها , لا فلتة عابرة , ولا نزوة عارضة , ولا رمية بغير هدف , ولا اتجاها معزولا عن اتجاه الكون وناموسه الكبير .
والجزاء على العمل يتم في الآخرة حتى ولو قدم منه قسط في الدنيا . فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير , وعدم عودتها ممتنعة , فهي راجعة بكل تأكيد .
(وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون). .
إنما يفرد السياق هذه القرى بالذكر بعد أن قال: (كل إلينا راجعون)لأنه قد يخطر للذهن أن هلاكها في الدنيا كان نهاية أمرها , ونهاية حسابها وجزائها . فهو يؤكد رجعتها إلى الله , وينفي عدم الرجعة نفيا قاطعا في صورة التحريم لوقوعه . . وهو تعبير فيه شيء من الغرابة , مما جعل المفسرين يؤولونه فيقدرون أن "لا" زائدة . وأن المعنى هي نفي رجعة القرى إلى الحياة في الدنيا بعد إهلاكها . أو نفي رجوعهم عن غيهم إلى قيام الساعة . وكلاهما تأويل لا داعي له . وتفسير النص على ظاهره أولى , لأن له وجهه في السياق على النحو الذي ذكرنا .
الدرس الثاني:96 - 104 من مشاهد يوم الفزع الأكبر
ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة يبدؤه بالعلامة التي تدل على قرب الموعد . وهو فتح يأجوج ومأجوج:
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون , واقترب الوعد الحق , فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا . يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا , بل كنا ظالمين . إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون . لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها , وكل فيها خالدون . لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون . إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون , لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ,
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:37 pm

لا يحزنهم الفزع الأكبر , وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون . يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب , كما بدأنا أول خلق نعيده , وعدا علينا إنا كنا فاعلين . .
وقد قلنا من قبل عند الكلام على يأجوج ومأجوج في قصة ذي القرنين في سورة الكهف:اقتراب الوعد الحق الذي يقرنه السياق بفتح يأجوج ومأجوج , ربما يكون قد وقع بانسياح التتار وتدفقهم شرقا وغربا , وتحطيم الممالك والعروش . . لأن القرآن قد قال منذ أيام الرسول [ ص ] (اقتربت الساعة). غير أن اقتراب الوعد الحق لا يحدد زمانا معينا للساعة . فحساب الزمن في تقدير الله غيره في تقدير البشر , (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون).
إنما المقصود هنا هو وصف ذلك اليوم حين يجيء , والتقديم له بصورة مصغرة من مشاهد الأرض , هي تدفق يأجوج ومأجوج من كل حدب في سرعة واضطراب . على طريقة القرآن الكريم في الاستعانة بمشاهدات البشر والترقي بهم من تصوراتهم الأرضية إلى المشاهد الأخروية .
وفي المشهد المعروض هنا يبرز عنصر المفاجأة التي تبهت المفجوئين !
(فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا). .
لا تطرف من الهول الذي فوجئوا به . ويقدم في التعبير كلمة(شاخصة)لترسم المشهد وتبرزه !
ثم يميل السياق عن حكاية حالهم إلى إبرازهم يتكلمون , وبذلك يحيي المشهد ويستحضره:


إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
(يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا , بل كنا ظالمين). .
وهو تفجع المفجوء الذي تنكشف له الحقيقة المروعة بغتة ; فيذهل ويشخص بصره فلا يطرف , ويدعو بالويل والهلاك , ويعترف ويندم , ولكن بعد فوات الأوان !
وحين يصدر هذا الاعتراف في ذهول المفاجأة يصدر الحكم القاطع الذي لا مرد له:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:37 pm

إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون). .
وكأنما هم اللحظة في ساحة العرض , يردون جهنم هم وآلهتهم المدعاة ; وكأنما هم يقذفون فيها قذفا بلا رفق ولا أناة ; وكأنما تحصب بهم حصبا كما تحصب بالنواة ! وعندئذ يوجه إليهم البرهان على كذب ما يدعون لها من كونها آلهة . يوجه إليهم البرهان من هذا الواقع المشهود:
(لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها). .
وهو برهان وجداني ينتزع من هذا المشهد المعروض عليهم في الدنيا , وكأنما هو واقع في الآخرة . . ثم يستمر السياق على أنهم قد وردوا جهنم فعلا , فيصف مقامهم فيها , ويصور حالهم هناك ; وهي حال المكروب المذهوب بإدراكه من هول ما هو فيه:
(وكل فيها خالدون . لهم فيها زفير , وهم فيها لا يسمعون).
وندع هؤلاء لنجد المؤمنين في نجوة من هذا كله , قد سبقت لهم الحسنى من الله , وقدر لهم الفوز والنجاة:
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون . .
ولفظة(حسيسها)من الألفاظ المصورة بجرسها لمعناها . فهو تنقل صوت النار وهي تسري وتحرق , وتحدث ذلك الصوت المفزع . وإنه لصوت يتفزع له الجلد ويقشعر . ولذلك نجي الذين سبقت لهم الحسنى من سماعه - فضلا على معاناته - نجوا من الفزع الأكبر الذي يذهل المشركين . وعاشوا فيما تشتهي أنفسهم من أمن ونعيم . وتتولى الملائكة استقبالهم بالترحيب , ومصاحبتهم لتطمئن قلوبهم في جو الفزع المرهوب:
(لا يحزنهم الفزع الأكبر , وتتلقاهم الملائكة . هذا يومكم الذي كنتم توعدون). .
ويختم المشهد بمنظر الكون الذي آل إليه . وهو يشارك في تصوير الهول الآخذ بزمام القلوب , وبزمام الكائنات كلها في ذلك اليوم العصيب:
(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب). .
فإذا السماء مطوية كما يطوي خازن الصحائف صحائفه ; وقد قضي الأمر , وانتهى العرض , وطوي الكون الذي كان يألفه الإنسان . . وإذا عالم جديد وكون جديد:
(كما بدأنا أول خلق نعيده). . (وعدا علينا إنا كنا فاعلين). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:37 pm

الدرس الثالث:105 سنة الله في توريث الأرض للعابدين
ومن هذا المشهد المصور لنهاية الكون والأحياء في الآخرة يعود السياق لبيان سنة الله في وراثة الأرض , وصيرورتها للصالحين من عبادة في الحياة . وبين المشهدين مناسبة وارتباط:
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). .
أو الزبور أما أن يكون كتابا بعينه هو الذي أوتيه داود عليه السلام . ويكون الذكر إذن هو التوراة التي


وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (108) فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109)
سبقت الزبور . وإما أن يكون وصفا لكل كتاب بمعنى قطعة من الكتاب الأصيل الذي هو الذكر وهو اللوح المحفوظ , الذي يمثل المنهج الكلي , والمرجع الكامل , لكل نواميس الله في الوجود .
وعلى أية حال فالمقصود بقوله: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر . . .)هو بيان سنة الله المقررة في وراثة الأرض: (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). .
فما هي هذه الوراثة ? ومن هم عباد الله الصالحون ?
لقد استخلف الله آدم في الأرض لعمارتها وإصلاحها , وتنميتها وتحويرها , واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها , واستغلال الثروات الظاهرة والمخبوءة , والبلوغ بها إلى الكمال المقدر لها في علم الله .
ولقد وضع الله للبشر منهجا كاملا متكاملا للعمل على وفقه في هذه الأرض . منهجا يقوم على الإيمان والعمل الصالح . وفي الرسالة الأخيرة للبشر فصل هذا المنهج , وشرع له القوانين التي تقيمه وتحرسه ; وتكفل التناسق والتوازن بين خطواته .
في هذا المنهج ليست عمارة الأرض واستغلال ثرواتها والانتفاع بطاقاتها هو وحده المقصود . ولكن المقصود هو هذا مع العناية بضمير الإنسان , ليبلغ الإنسان كماله المقدر له في هذه الحياة . فلا ينتكس حيوانا في وسط الحضارة المادية الزاهرة ; ولا يهبط إلى الدرك بإنسانيته وهو يرتفع إلى الأوج في استغلال موارد الثروة الظاهرة والمخبوءة .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:38 pm

وفي الطريق لبلوغ ذلك التوازن والتناسق تشيل كفة وترجح كفة . وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة . وقد يغلب عليها همج ومتبربرون وغزاة . وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا . . ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق . والوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين , الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح . فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم .
وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ . ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح . وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان , وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح , وإلى عمارة الأرض , والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان .
وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم , وهو العمل الصالح , والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله , وتجري سنته: (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). . فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون . .
الدرس الرابع:106 - 107 الرسول رحمة للعالمين
وفي النهاية يجيء إيقاع الختام في السورة مشابها لإيقاع الافتتاح !
(إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين . وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . قل:إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ? فإن تولوا فقل:آذنتكم على سواء , وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون . إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون . وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين . . قال:رب احكم بالحق , وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون). .
(إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين). . إن في هذا القرآن وما يكشفه من سنن في الكون والحياة . ومنمصائر الناس في الدنيا والآخرة . ومن قواعد العمل والجزاء . . إن في هذا لبلاغا وكفاية للمستعدين لاستقبال هدى الله . ويسميهم(عابدين)لأن العابد خاشع القلب طائع متهيى ء للتلقي والتدبر والانتفاع .
ولقد أرسل الله رسوله رحمة للناس كافة ليأخذ بأيديهم إلى الهدى , وما يهتدي إلا أولئك المتهيئون المستعدون . وإن كانت الرحمة تتحقق للمؤمنين ولغير المؤمنين . .
إن المنهج الذي جاء مع محمد [ ص ] منهج يسعد البشرية كلها ويقودها إلى الكمال المقدر لها في هذه الحياة .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:38 pm

ولقد جاءت هذه الرسالة للبشرية حينما بلغت سن الرشد العقلي:جاءت كتابا مفتوحا للعقول في مقبل الأجيال , شاملا لأصول الحياة البشرية التي لا تتبدل , مستعدا لتلبية الحاجات المتجددة التي يعلمها خالق البشر , وهو أعلم بمن خلق , وهو اللطيف الخبير .
ولقد وضع هذا الكتاب أصول المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة . وترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة , واستنباط وسائل تنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة وملابساتها , دون اصطدام بأصول المنهج الدائم .
وكفل للعقل البشري حرية العمل , بكفالة حقه في التفكير , وبكفالة مجتمع يسمح لهذا العقل بالتفكير . ثم ترك له الحرية في دائرة الأصول المنهجية التي وضعها لحياة البشر , كيما تنمو وترقى وتصل إلى الكمال المقدر لحياة الناس في هذه الأرض .
ولقد دلت تجارب البشرية حتى اللحظة على أن ذلك المنهج كان وما يزال سابقا لخطوات البشرية في عمومه , قابلا لأن تنمو الحياة في ظلاله بكل ارتباطاتها نموا مطردا . وهو يقودها دائما , ولا يتخلف عنها , ولا يقعد بها , ولا يشدها إلى الخلف , لأنه سابق دائما على خطواتها متسع دائما لكامل خطواتها .
وهو في تلبية لرغبة البشرية في النمو والتقدم لا يكبت طاقاتها في صورة من صور الكبت الفردي أو الجماعي , ولا يحرمها الاستمتاع بثمرات جهدها وطيبات الحياة التي تحققها .
وقيمة هذا المنهج أنه متوازن متناسق . لا يعذب الجسد ليسمو بالروح , ولا يهمل الروح ليستمتع الجسد . ولا يقيد طاقات الفرد ورغائبه الفطرية السليمة ليحقق مصلحة الجماعة أو الدولة . ولا يطلق للفرد نزواته وشهواته الطاغية المنحرفة لتؤذي حياة الجماعة , أو تسخرها لإمتاع فرد أو أفراد .
وكافة التكاليف التي يضعها ذلك المنهج على كاهل الإنسان ملحوظ فيها أنها في حدود طاقته , ولمصلحته ; وقد زود بالاستعدادات والمقدرات التي تعينه على أداء تلك التكاليف , وتجعلها محببة لديه - مهما لقي من أجلها الآلام أحيانا - لأنها تلبي رغيبة من رغائبه , أو تصرف طاقة من طاقاته .
ولقد كانت رسالة محمد [ ص ] رحمة لقومه ورحمة للبشرية كلها من بعده والمباديء التي جاء بها كانت غريبة في أول الأمر على ضمير البشرية , لبعد ما كان بينها وبين واقع الحياة الواقعية والروحية من مسافة . ولكن البشرية أخذت من يومها تقرب شيئا فشيئا من آفاق هذه المبادى ء . فتزول غرابتها في حسها , وتتبناها وتنفذها ولو تحت عنوانات أخرى .
لقد جاء الإسلام لينادي بإنسانية واحدة تذوب فيها الفوارق الجنسية والجغرافية . لتلتقي في عقيدة واحدة ونظام اجتماعي واحد . . وكان هذا غريبا على ضمير البشرية وتفكيرها وواقعها يومذاك . والأشراف يعدونأنفسهم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:38 pm

من طينة غير طينة العبيد . . ولكن ها هي ذي البشرية في خلال نيف وثلاثة عشر قرنا تحاول أن تقفو خطى الإسلام , فتتعثر في الطريق , لأنها لا تهتدي بنور الإسلام الكامل . ولكنها تصل إلى شيء من ذلك المنهج - ولو في الدعاوي والأقوال - وإن كانت ما تزال أمم في أوربا وأمريكا تتمسك بالعنصرية البغيضة التي حاربها الإسلام منذ نيف وثلاث مائة وألف عام .
ولقد جاء الإسلام ليسوي بين جميع الناس أمام القضاء والقانون . في الوقت الذي كانت البشرية تفرق الناس طبقات , وتجعل لكل طبقة قانونا . بل تجعل إرادة السيد هي القانون في عهدي الرق والإقطاع . . فكان غريبا على ضمير البشرية يومذاك أن ينادي ذلك المنهج السابق المتقدم بمبدأ المساواة المطلقة أمام القضاء . . ولكن ها هي ذي شيئا فشيئا تحاول أن تصل - ولو نظريا - إلى شيء مما طبقه الإسلام عمليا منذ نيف وثلاث مائة وألف عام .
وغير هذا وذلك كثير يشهد بأن الرسالة المحمدية كانت رحمة للبشرية وأن محمدا [ ص ] إنما أرسل رحمة للعالمين . ومن آمن به ومن لم يؤمن به على السواء . فالبشرية كلها قد تأثرت بالمنهج الذي جاء به طائعة أو كارهة , شاعرة أو غير شاعرة ; وما تزال ظلال هذه الرحمة وارفة , لمن يريد أن يستظل بها , ويستروح فيها نسائم السماء الرخية , في هجير الأرض المحرق وبخاصة في هذه الأيام .
وإن البشرية اليوم لفي أشد الحاجة إلى حس هذه الرحمة ونداها . وهي قلقة حائرة , شاردة في متاهات المادية , وجحيم الحروب , وجفاف الأرواح والقلوب . .
الدرس الخامس:108 - 111 إبلاغ الرسول للدعوة وتوكيل الأمر إلى الله
وبعد إبراز معنى الرحمة وتقريره يؤمر الرسول [ ص ] بأن يواجه المكذبين المستهزئين , بخلاصة رسالته التي تنبع منها الرحمة للعالمين:
(قل:إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد . فهل أنتم مسلمون ?).
فهذا هو عنصر الرحمة الأصيل في تلك الرسالة . عنصر التوحيد المطلق الذي ينقذ البشرية من أوهام الجاهلية , ومن أثقال الوثنية , ومن ضغط الوهم والخرافة . والذي يقيم الحياة على قاعدتها الركينة , فيربطها بالوجود كله , وفق نواميس واضحة وسنن ثابتة , لا وفق أهواء ونزوات وشهوات . والذي يكفل لكل إنسان أن يقف مرفوع الرأس فلا تنحني الرؤوس إلا لله الواحد القهار .
هذا هو طريق الرحمة . . (فهل أنتم مسلمون ?).
وهذا هو السؤال الواحد الذي يكلف رسول الله [ ص ] أن يلقيه على المكذبين المستهزئين .
(فإن تولوا فقل:آذنتكم على سواء). .
أي كشفت لكم ما عندي فأنا وأنتم على علم سواء . والإيذان يكون في الحرب لإنهاء فترة السلم , وإعلام الفريق الآخر أنها حرب لا سلام . . أما هنا - والسورة مكية ولم يكن القتال قد فرض بعد - فالمقصود هو أن يعلنهم بأنه قد نفض يده منهم , وتركهم عالمين بمصيرهم , وأنذرهم عاقبة أمرهم . فلم يعد لهم بعد ذلك عذر , فليذوقوا وبال أمرهم وهم عالمون . .
(وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون). .
آذنتكم على سواء . ولست أدري متى يحل بكم ما توعدون . فهو غيب من غيب الله . لا يعلمه إلا الله .


إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
وهو وحده يعلم متى يأخذكم بعذابه في الدنيا أو في الآخرة سواء . وهو يعلم سركم وجهركم , فما يخفى عليه منكم خافية:
(إنه يعلم الجهر من القول , ويعلم ما تكتمون). .
فأمركم كله مكشوف له , وحين يعذبكم يعذبكم بما يعلم من أمركم ظاهره وخافيه . وإذا أخر عنكم العذاب فحكمة تأخيره عند الله:
(وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين). .
وما أدري ما يريد الله بهذا التأخير . فلعله يريد أن يكون فتنة لكم وابتلاء , فيمتعكم إلى أجل , ثم يأخذكم أخذ عزيز مقتدر .
وبهذا التجهيل يلمس قلوبهم لمسة قوية , ويدعهم يتوقعون كل احتمال , ويتوجسون خيفة من المفاجأة التي تأخذهم بغتة . وتوقظ قلوبهم من غفلة المتاع فلعل وراءه الفتنة والبلاء . وتوقع العذاب على غير موعد مضروب كفيل بأن يترك النفس متوجسة , والأعصاب متوفزة , ترتقب في كل لحظة أن يرفع الستار المسدل , عن الغيب المخبوء .
وإن القلب البشري ليغفل عما ينتظره من غيب الله , وإن المتاع ليخدع , فينسى الإنسان أن وراء الستار المسدل ما وراءه مما لا يدريه ولا يكشف عنه إلا الله في موعده المغيب المجهول .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء - صفحة 2 Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:39 pm

فهذا الإنذار يرد القلوب إلى اليقظة , ويعذر إليها بين يدي الله قبل فوات الأوان .
الدرس السادس:112 الحكم والفصل بيد الله والإستعانة به
وهنا يتوجه الرسول [ ص ] إلى ربه . وقد أدى الأمانة , وبلغ الرسالة . وآذنهم على سواء , وحذرهم بغتة البلاء . . يتوجه إلى ربه الرحمن يطلب حكمه الحق بينه وبين المستهزئين الغافلين , ويستعينه على كيدهم وتكذيبهم . وهو وحده المستعان:
(قال:رب احكم بالحق , وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون). .
وصفة الرحمة الكبيرة هنا ذات مدلول . فهو الذي أرسله رحمة للعالمين , فكذب به المكذبون واستهزأ به المستهزئون . وهو الكفيل بأن يرحم رسوله ويعينه على ما يصفون .
وبهذا المقطع القوي تختم السورة كما بدأت بذلك المطلع القوي . فيتقابل طرفاها في إيقاع نافذ قوي مثير عميق .
الحج
الوحدة الأولى:1 - 24 الموضوع من أهوال القيامة والأدلة على البعث والخضوع الصادق لله وخضوع المخلوقات له ولقطة من النعيم والعذاب
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45230
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى