alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المجتمع المدني هوية الاختلاف

4 مشترك

صفحة 3 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:27 pm

المجتمع يغير الطبيعة، يحول الفرد الطبيعي إلى مواطن، يحول جميع غرائزه ويبدلها كيمياوياً. لأن الإنسان يكون قد نقل أناه ووضعه في الوحدة المشتركة بحيث لا يعود كل فرد خاص يعتقد نفسه أحداً، بل جزء من الكل. وفي هذا الانتقال يكون الإنسان قد كسب من جديد كل ما كان قد خسره من حالة الطبيعة. " هذا الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية ينتج في الإنسان تغيراً نوعياً؛ إذ تحل العدالة في سلوكه محل الغريزة، ويعطي لجميع أعماله طابعاً أخلاقياً كان ينقصها من قبل. ويحل الواجب محل الشهوة والاندفاع الغريزيين، ويجد نفسه مرغماً على الفعل بحسب مبادئ أخرى، وعلى استشارة عقله قبل الاستماع إلى ميـوله. ومهما حرم نفسه من مزايا كانت له في حالة الطبيعة، يكسب مزايا أخرى كبيرة؛ ملكاته وقدراته تتمرس وتتطور، أفكاره تتوسع، عواطفه تتسامى، نفسه كلها ترتفع بحيث يبارك على الدوام اللحظة السعيدة التي انتزعته من شرطه الطبيعي، من حيوانية بليدة ومحدودة، وجعلته كائناً ذكياً وإنساناً. وجعلته من ثم جزءاً من جسد السيد، أي الشعب.
السيادة تنبع منطقياً من الأصل التعاقدي للسيد، ومن تعريف السيد المكون بالعقد الاجتماعي بأنه الشعب. وإرادة السيد أو الإرادة العامة، هي السيد نفسه، والقانون وحده هو تعبيرها. "السيادة، أي سلطة الجسم السياسي على كل أعضائه تتطابق في الهوية مع الإرادة العامة، وسماتها هي عين سمات هذه الإرادة، إنها لا تنخلع ولا تنقسم، وهي مطلقة ومعصومة عن الخطأ". السلطة تتغير وتنتقل، ولكن السيادة والإرادة العامة لا تتغيران ولا تنتقلان. والسيادة لا تُمثَّل؛ أعضاء الهيئة التشريعية الذين ينتخبون ليسوا ممثلي الشعب، بل هم مفوضوه فحسب. الشعب لا يتنازل عن سيادته وإرادته، وحين يفعل ذلك يكف عن كونه شعباً. السيادة أما أن تكون تامة أو لا تكون، إما أن تكون دائمة أو لا تكون، وإما أن تكون عامة وكلية أو لا تكون، ليس هناك من حال وسط.. الإرادة هي إرادة الجسم السياسي (الشعب) كله، لا إرادة هذا الجزء أو ذاك من أجزائه. وفصل السلطات لا يجوز أن يكون تقسيماً للسيادة، أو الإرادة العامة؛ فليس لأي واحدة من هذه السلطات سيادة بمفردها. إنها لا تعدو كونها "انبثاقات" من السيادة أو "صدورات" عنها. وهي لا تخطئ لأنها تتجه دوماً نحو المصلحة العامة أو المنفعة العامة. " السيد بحكم كونه كائناً فحسب، هو دوماً ما يجب أن يكونه". ولما كان السيد مؤلفاً من أفراد فلا يمكن أن تكون له مصلحة مضادة لمصلحتهم مجتمعين.
للدولة بصفتها تعبيراً عن الإرادة العامة وعن سيادة الشعب، سلطة مطلقة على جميع مواطنيها. ولكي لا يلغي الجسم السياسي السيد وإرادته العامة أفرادية الواقع، ولكي لا يعتدى على حقوق الإنسان يجمع روسو في منظومته النظرية بين حرية الفرد التي كانت نقطة انطلاقه ومطلقية الديمقراطية التي انتهى إليها، "موزعاً بين الصرامة الجدلية للتسلطي هوبز (مراجعاً من بعض الحيثيات على يد اسبينوزا) والابتكارية المرنة لـ لوك الفردوي الليبرالي الحريص على إنقاذ حقوق الإنسان في وجه الدولة". وذلك بتمييز حقوق لمواطنين، بصفتهم حكاماً من وجهة نظر السيادة، ومحكومين بالقانون الذي وضعوه لأنفسهم والتزموا طاعته، من الحق الطبيعي الذي يجب أن يتمتعوا به بصفتهم بشراً. فمن "المتفق عليه أن ما خلعه كل واحد من حريته، بالعقد الاجتماعي، هو فقط ذلك الجزء من كل ذلك الذي يهم الجماعة استخدامه". "السؤال إلى أين تمتد حقوق السيد وحقوق المواطنين، هو السؤال إلى أي نقطة يستطيع هؤلاء أن يلتزموا مع أنفسهم، وكل منهم نحو الجميع، والجميع نحو كل منهم". لقد قلب روسو عبارة لويس الرابع عشر "أنا الدولة" لتصير "نحن الدولة". أي إنه وضع الديمقراطية المطلقة في معارضة الملكية المطلقة.
القانون هو تعبير الإرادة العامة، يضعه روسو في مصاف المقدس، ويرى فيه مناط العدالة والحرية، والعلاج الوحيد لنزوات البشر وعسف الحكام. القانون وحده يقيد الأفراد بإرادتهم، ويخضعهم ليجعلهم أحراراً، وبفضله يخدمون و "ليس لهم سيد". القانون وحده علم البشر أن يضعوا في هذه الدنيا ثبات المراسيم الإلهية. مسألة روسو السياسية هي "إيجاد شكل حكومي يضع القانون فوق الإنسان". ولما كان كذلك فإنه لا يمكن أن يكون عسفياً أو ظالماً، ولا يمكن أن يكون إلا عاماً. موضوعه جميع الأفراد بوصفهم مواطنين، لا بالصفات الشخصية، البدنية والذهنية والنفسية لكل منهم؛ أي إن موضوعه ما هو عام في كل منهم. ولذلك "يستطيع القانون أن يرسم أنه ستكون هناك امتيازات، ولكنه لا يستطيع أن يعطي امتيازات لشخص بعينه، القانون يستطيع أن يقيم عدة طبقات من المواطنين، بل أن يعين الصفات التي ستعطي حق الانتماء إلى هذه الطبقات، ولكنه لا يستطيع أن يسمي هؤلاء وأولئك ليقبلوا فيها، بوسعه أن يقيم حكومة ملكية و خلافة وراثية، ولكن ليس بوسعه أن ينتخب ملكاً، ولا أن يسمي أسرة ملكية؛ بكلمة: كل وظيفة تنسب إلى موضوع فردي ليست ملكاً للسلطان التشريعي". ولما كان الشعب نفسه هو السيد الذي يضع القانون فإن القانون الذي يضعه لا يمكن أن يكون ظالماً. "السيد هو كل منا، ولا أحد منا ظالم حيال نفسه". وما من حاكم يمكن أن يكون فوق القانون، ما دام كل حاكم مندوباً عن السيد. ومع أن الجمهرة عمياء وعارية عن الحس النقدي، أعطيت وسام السيادة الجليل، وسلم لها بشرعية وضع القانون الذي هو شرط الاجتماع البشري؛ لأن "الشعب الخاضع للقوانين يجب أن يكون هو صانعها، للذين يجتمعون، لا لسواهم، أن يضبطوا شروط المجتمع". على أن المشرع ينبغي أن يكون في مستوى هذه المهمة الجليلة حكمة وتبصراً وتنوراً وقدرة على "أن ينطق الآلهة"، ولا يتأتى له ذلك بغير الاسترشاد بالأخلاق والعادات وبالرأي العام. وإنه لا يمكن التأكد من أن إرادة المشرع "الخاصة" متوافقة مع الإرادة العامة "إلا بعد إخضاعها لأصوات الشعب الحرة"، وهو ما يسمى اليوم الاستفتاء على الدستور
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:27 pm

"لا يغدو أحدنا إنساناً إلا بعد أن يصير مواطناً" هذا ما قرره روسو في العقد الاجتماعي. وهي "الفكرة التي ستغذي أكثر المحاولات طموحاً في خلق مجتمع جديد، أي سلطة سياسية جديدة تولد إنساناً جديداً. فنزعة الحداثة تحرض الإرادة الجماعية على النضال ضد التفاوت والنتائج السلبية للإثراء، باسم العقل الذي يتحول إلى سيادة شعبية لإقامة التحالف بين الإنسان والطبيعة. وهذا التحالف ضروري عند روسو لحذف التعارض بين النظام الطبيعي والنظام الاجتماعي، أي بين نظام المجتمع ونظام العقل. وهو نظام يؤكد الفردية في تعريفها الإيجابي بوصفها نزعة طبيعية وبسيكولوجية سواء بسواء. ولكن ما موقع هذه النزعة الفردية إزاء الإرادة العامة؟ روسو لا يرى أن مجرد قيام المجتمع على مبدأ العقد الاجتماعي يعني أنه قد غدا عقلانياً. فثمة التفاوت والنزعات الأنانية وآليات المنفعة وغيرها تجب معارضتها بالعودة إلى الطبيعة، أي إلى العقل، والعثور من جديد على ائتلاف الإنسان والعالم. من فكر روسو تصدر في آن واحد فكرة السيادة الشعبية التي ستغذي كثيراً من الأنظمة الديمقراطية، وستغذي أيضاً أنظمة استبدادية وشمولية، وفكرة الفرد ممثلاً للطبيعة حيال الدولة. ومن روسو يمضي النقد الجذري للمجتمع إلى فكرة السيادة السياسية في خدمة العقل. وبعد ذلك سوف يقول كانط: إن ما يحدد الخير الأسمى هو الاتحاد بين الفضيلة والسعادة، أي بين القانون والفرد، بين النظام والإنسان الفاعل. وذلك بارتقاء الإنسان فوق جميع ميوله وفوق أي موضوع أو سلوك مطابق للخير، أي نحو ما هو عام وشامل في الإنسان، نحو العقل. فالخير عند كانط هو العمل المطابق للعقل، والخاضع من ثم للقانون الأخلاقي الذي هو البحث عن العام والشامل في الخاص، وذلك باختيار شيئين في آن واحد هما السلوك القابل للعمومية والشمول، واتخاذ الإنسان غاية لا وسيلة. الإنسان عند كانط ذات أخلاقية، لاحين يسعى إلى سعادته أو إلى ما تعلمه بأنه فاضل، وإنما حين يمتثل للواجب، وليس الواجب سوى سلطان العام الشامل الذي هو واجب المعرفة.
"التوازي مدهش بين أخلاق كانط وسياسة روسو التي تقترح خضوع الفرد المطلق لإرادة عامة تبني مجتمعاً إرادياً وطبيعياً في آن واحد، أي المجتمع الذي يؤمِّن التواصل بين الفرد والجماعة، ويؤسس الرابط الاجتماعي كضرورة وكحرية معاً" .
سمة القانون الأساسية هي العمومية، ولكن تنفيذ القانون يقع على الأشخاص والحالات الخاصة. أحكام القانون عامة تنطبق على جميع مواطني الدولة التي وضع القانون ليناسب روحها العام وليعبر عن إرادتها العامة، ونعني بالدولة الأرض والشعب والحكومة. الشعب السيد يضع القانون تعبيراً عن إرادته العامة، لكن من ينفذه هي الحكومة، أو السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. وهما مأخوذتين كلاً على حدة شكل التوسط بين العام والخاص. وهذا ما يضع الفرق بين الدولة والحكومة، أو بين المجتمع / الدولة والسلطة السياسية. وبحسب صياغة روسو: السيد يريد والحكومة تفعل، وهي أي الحكومة قوة في خدمة الإرادة العامة، تنفذ القوانين، ولا شيء سوى القوانين، وتحافظ على الحرية المدنية والسياسية. الشعب السيد لا يجوز أن يكون له رئيس، وإلا فإن سيادته ناقصة أو وهمية؛ إذ لا يمكن أن يكون هناك أي عقد آخر إلى جانب العقد الاجتماعي الذي يؤسس السيادة. الفعل أو القرار الذي يؤسس الشعب بموجبه حكومة هو قانون، لا عقد. "إن مستودعي السلطان التنفيذي ليسوا سادة الشعب قط، بل هم موظفوه، بإمكانه أن ينصبهم وأن ينزلهم حين يشاء، ليس لهم أن يتعاقدوا، بل أن يطيعوا". وإذ ينفرد الشعب بالسلطة التشريعية بوساطة مفوضيه الذين ينتخبهم بحرية تامة، فإن السلطة السياسية أو الحكومة إنما تستمد شرعيتها من السيد وحده. وتصنف الحكومات بحسب عدد أعضاء الجسم الوسيط المكلف تنفيذ القوانين، فتكون ديمقراطية أو أرستقراطية أو مونارشية (ملكية دستورية).
الحكومة الديمقراطية عند روسو حكومة سيئة، لأن من يضع القوانين هو الذي ينفذها. "لو كان هناك شعب من آلهة لحكم نفسه ديمقراطياً". موقف روسو هذا يذكر بنقد أفلاطون للنظام الديمقراطي، وكلاهما: موقف روسو ونقد أفلاطون لا ينفيان ميلهما إلى الديمقراطية بقدر ما يشيران إلى تناقضاتها الداخلية. الدولة الأرستقراطية الانتخابية هي الأفضل؛ لأن السلطة تفوض لمن هم أكثر حكمة بشرط أن يحكموا لمصلحة الشعب لا لمصلحتهم. هذه الحكومة تتطلب فضائل أقل مما تتطلبه الحكومة الديمقراطية: تتطلب "الاعتدال في الأغنياء والاكتفاء في الفقراء". ذلك لأن التفاوت هو الذي يتطور في المجتمع الحديث، ويفضي إلى نظام سياسي معارض للمجتمع المدني الذي ليس له من ضمانة إزاء الجور والعسف الناجمين عن التفاوت سوى الإرادة العامة التي كان يرى فيها أداة للكفاح ضد التفاوت.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:27 pm

لعل الملكية الدستورية هي الأفضل عند روسو، ففي مثل هذا النظام تتحد إرادة الشعب وإرادة الأمير وقوة الحكومة الخاصة "كل شيء يستجيب للدافع نفسه، كل نوابض الآلة في يد واحدة، كل شيء يسير إلى الهدف نفسه، ليس ثمة حركات متعارضة يدمر بعضها بعضاً، ولا يمكن أن نتصور أي نوع من دستور ينتج فيه جهد أقل عملاً أكبر". في الحاصل ليس هتاك حكومة هي الأفضل. إن مسألة أفضل حكومة غير قابلة للحل. "أو إذا شئتم، لها حلول جيدة بقدر ما هناك من تراكبات ممكنة في المواقع المطلقة والنسبية للشعوب". و"كما أن الإرادة الخاصة تفعل باستمرار ضد الإرادة العامة، كذلك فالحكومة تبذل جهداً دائماً ضد السيادة". الحكومة، بما هي جسم سياسي يتوسط بين السيد والمواطن، لها مصالحها الخاصة، إنها أنا خاص إزاء الأنا المشترك، تنطوي على نزوع دائم إلى إنماء قوتها الخاصة وإرادتها الخاصة بصفتها جسماً سياسياً خاصاً داخل الجسم السياسي العام؛ ومن ثم، فإن "العيب الملازم والمحتوم الذي منذ ولادة الجسم السياسي يتجه بلا كلل إلى تدميره، كما الشيخوخة والموت يدمران أخيراً جسم الإنسان".
الثورة الفرنسية على الأبواب، ثورة الطبقة الثالثة على الملك والإكليروس والنبلاء، الطبقة البورجوازية التي تعرِّف نفسها بأنها "كل شيء، ولكنها في النظام السياسي الملكي المطلق "لا شيء"، وتريد أن تكون شيئاً ما. "نحن لا شيء، ولكننا نريد أن نكون شيئاً ما"، بل أكثر من ذلك، أمة تامة. ولكي تبقى الطبقة الثالثة أمة وتزدهر لا بد من"أعمال خاصة ووظائف عامة". هكذا وضع سييس المسألة في كتابه "ما هي الطبقة الثالثة" عام 1789 ، عام قيام الثورة الفرنسية التي ستعيد تشكيل الجسم السياسي، لا في فرنسا فقط، بل في القارة الأوربية، وفي العالم كله من بعد. والتي، بحسب أهم مطالبها، يمكن وصفها بالثورة الدستورية التي استلهم المفكرون الذين مهدوا لها فكرياً وأخلاقياً الدستور الإنكليزي والدستور الأمريكي الذي جمع مونتسكيو وروسو. الثورة الفرنسية لم تكن ثورة على ذوي الامتيازات فقط، بل على مبدأ الامتيازات ذاته أساساً، المبدأ الذي يقبع في أساس الاستبداد، وفي مستوى أعمق، يمكن القول إنها كنست جميع مخلفات العصور الوسطى الإقطاعية، الفكرية والسياسية والأخلاقية.
كانت الطبقة الوسطى، البورجوازية، المدينية التي مبدؤها "العمل عبادة"، تتهيأ لتقديم نفسها على أنها ممثلة المجتمع ومعبرة عن كليته، فأحلت مفهوم الأمة محل الملك، محل "الشعب في ملك"، ثم قدمت نفسها على أنها هي الأمة، وإرادتها هي الإرادة العامة، ومن ثم فهي مصدر السيادة والشرعية. "من سيجرؤ إذاً على القول إن الطبقة الثالثة ليس عندها كل ما يلزم لتشكيل أمة بتمامها؟ إنها الرجل القوي والمتين الذي ما زالت إحدى ذراعيه مقيدة. إذا رفعنا الصف ذا الامتياز، لن تكون الأمة شيئاً ما أقل، بل شيئاً ما أكثر. هكذا فما هي الطبقة الثالثة؟ كل شيء، ولكن معوَّق ومضطهد. ماذا تكون بدون الصف ذي الامتياز؟ كل شيء، ولكن حر ومزدهر. لا شيء يمكن أن يسير بدونها، كل شيء يسير على نحو أفضل إلى ما لا نهاية بدون الآخرين". أصحاب الامتيازات هم الملك والإكليروس وطبقة النبلاء، بل طبقة النبلاء بوجه خاص.
الطبقة الثالثة كانت ممثلة في مجلس الطبقات، لكن من يمثلها هم النبلاء الذين نالوا امتيازات بوظائفهم، ومن ثم فهي ليست حرة؛ ومن المستحيل، يقول سييس، أن تصير الأمة في جسم، أو أن تصير أي هيئة حرة، إذا لم تكن الطبقة الثالثة حرة. ليس المرء حراً بامتيازات، بل بالحقوق التي هي ملك للجميع". حين تحل الحقوق محل الامتيازات تتغير العلاقات الاجتماعية جذرياً من علاقات التبعية والولاء الشخصي المكافأ عليه بالامتيازات إلى علاقات المواطنة القائمة على اعتراف الجميع بحقوق الجميع، المدنية والسياسية على السواء. وضمانة ذلك أن ينتخب النواب أو المفوضون مباشرة من الشعب، وأن تجري الانتخابات على أساس الرأس لا على أساس الصف أو الطبقة، وبهذا فقط تكون الطبقة الثالثة مشاركة فعلياً في الدولة، وجزءاً من الجسم السياسي.
لعل امتياز سييس المدافع عن حق خمسة وعشرين مليون فرنسي في أن يكونوا شيئاً ما إزاء مئتي ألف من ذوي الامتيازات، من النبلاء والإكليروس، يكمن في وضع مفهوم الأمة، بوصفه التعبير المجرد عن الكل الاجتماعي، محل مفهوم الجسم السياسي، أو المجتمع المدني. ومن هذه اللحظة سوف يتطابق مفهوم المجتمع المدني ومفهوم الأمة. وسوف يفصح إعلان حقوق الإنسان الفرنسي عن العقيدة الأساسية للحق العام: "إن مبدأ كل سيادة قائم جوهرياً في الأمة". الثورة الفرنسية بذرت بذور الحرية والعدالة والمساواة، وسيادة الشعب وحكم القانون، ولسوف تنمو هذه البذور ببطء، ولكن بقوة وثبات.
ليس هناك ما هو أفضل للمجتمع المدني من دراسة شهادات خصومه، وليس ما هو أفضل للديمقراطية من التفكير ملياً في نقد نقادها، ولا سيما حين ينطلق هؤلاء وأولئك من المبادئ ذاتها التي قامت عليها فكرة المجتمع المدني وقضية الديمقراطية، فإن في هذا وذاك ما يؤكد رسوخ المبادئ ومشروعيتها العقلية والتاريخية. النقد المحافظ للثورة الفرنسية، الذي عززه الإرهاب الذي مارسته الثورة نفسها، مفيد في كثير من جوانبه. (راجع برك ص 189 وما بعدها)
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:28 pm

لقد خسرنا كل شيء، ولكن تبقى لنا التربية. هكذا كان فيخته، الفيلسوف الألماني يعلم، بعد معركة يينا، وسيطرة نابليون على ألمانيا. فيخته العالمي النزعة يتحول إلى مدافع عنيد عن الوطنية (= القومية). التربية الجديدة والشعور القومي لذات جريحة يتضافران مع الدعوة إلى الاستقلال والحرية والسيادة، انطلاقاً من مبدأ راسخ بما فيه الكفاية: " المطر والندى والسنوات الخصبة أو المجدبة يمكن أن تأتينا من قوة مجهولة، مطروحة من تأثيرنا، ولكن وجود البشر الخاص تماماً، كل وضعية الجنس البشري، لا يتوقفان إلا على البشر .. البشر لا يصيرون لعبة هذه القوة الخفية إلا إذا كانوا جميعاً بالتساوي عمياناً وجهلة؛ ولكن لهم ألا يكونوا لا عمياناً ولا جهلة".
لا يزال يراود المرء شعور عميق، كذلك الذي كان يساور النهضويين العرب، في العهد الليبرالي، بأهمية الإصلاح وضرورة النهضة. النهضة على نحو ما حدثت هناك، في الغرب الذي يزيدنا نفوراً من سياساته و "ثقافته" الجديدة، ثقافة ما بعد الحداثة التي تلقفها بعضنا، كما يتلقف أي سلعة جديدة تغريه بها قطعة لحم بشري شبقة. مبادئ النهضة التي حدثت هناك، المبادئ العقلية والأخلاقية التي تأبى إلا أن تكون عالمية وإنسانية. تلك المبادئ التي يخيل لمن يدرس تاريخ الأفكار السياسية أنها صنعت التاريخ. المجتمع إنسان صنعي، قابل للتحسن كصانعه تماماً. الإنسان قابل للتحسن. العمل، الممارسة، تدخل واع وغير واع في التاريخ. السياسة شأن دنيوي، فيها جميع سمات البشر وخصائص دنياهم. وهي تنمو وتتطور بنمو المعرفة والعمل، أو المعرفة / العمل، كأنها تحمل، من اللحظة التي اعترفت بنفسها واعترف بها شأناً دنيوياً أولاً وشأناً عاما ً ثانياً، بذور الديمقراطية.
"قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد لأن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك" هذا هو فولتير الخالد (1694-1778)، داعية الحرية والمساواة والعدالة. واسمه الحقيقي فرانسوا ماري أرويه. ولد في عهد لويس الرابع عشر، حين كانت السلطة الملكية المطلقة تبدو في أوجها؛ لكن القوى التي أقامت هذا النظام كانت آخذة في التفكك والانحلال داخل الجسم الاجتماعي، وكان فولتير قد أدرك، قبل نفيه إلى إنكلترة، أن "على المرء في فرنسا أن يكون إما مطرقة وإما سنداناً"، وكان هذا الإدراك مصدر سخطه وثورته على تلك الأوضاع، خاصة بعد أن تعرف في إنكلترة نظاماً دستورياً مختلفاً عن مونارشية لويس الرابع عشر، وعاد منها رائداً لحركة الأنوار الفرنسية التي ستمهد الأرض للثورة البوجوازية العظمى. و "بات فولتير يرى في كتاباته الأدبية سلاحاً من أسلحة الصراع في سبيل مستقبل البشرية الأفضل (لاحظ جيداً: في سبيل مستقبل البشرية، لا في سبيل مستقبل فرنسا فحسب) وكان الوصول إلى هذا المستقبل الأفضل مرهوناً، في نظره، بتقدم الأنوار، بانتصار العدالة المرهون بدوره بانتصار العقل والحقيقة. وهذا ما حدا به إلى نذر حياته من أجل تحقيق مهمة واحدة، مهمة نشر الأنوار لتحرير العقل البشري من عبء الأفكار المسبقة" . وكانت رسائله الفلسفية (الرسائل الفلسفية) من الأعمال المهمة التي دكت صرح النظام القديم، وقد استعدت عليه الحكم والبرلمان واليسوعيين والجانسينيين، على الرغم من خلافاتهم ومشاحناتهم.
"احتلت حربه على الأباطيل والخرافات والأحكام المسبقة المرتبطة بالدين .. مكان الصدارة في نشاطه الفكري والتثقيفي الجديد, وكانت الكنيسة العدو الرئيس في نظره، لا لأن الأباطيل والأحكام المسبقة الدينية هي الأكثر تنافياً مع العقل السليم، والأوسع انتشاراً والأعمق جذوراً فحسب، بل لأنها تتسبب في توليد أكثر المصائب الاجتماعية خطورة وفي تسويغها. ولئن أعطى فولتير تحرير العقول والضمائر من الأحكام المسبقة تلك الأهمية الفائقة فلأن هذا التحرير يفسح في المجال أمام فهم صحيح للكون، ولأنه ضمانة لإعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية وفقاً لمبادئ العقل" .
إذاً تحرير العقول والضمائر من ربقة التقليد ومن الصورة الوهمية أو الزائفة التي أنشأها التقليد عن العالم، ومن وهم الحياة الآخرة التي لا يكون الفلاح فيها بغير المكابدة والشقاء في الحياة الأولى، بغية الالتفات إلى العالم الواقعي، عالم الشهادة، لا عالم الغيب، والانشغال به والاشتغال فيه، وإطلاق طاقات الإنسان الخيرة، وإعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية وفقاً لمبادئ العقل التي هي مبادئ الكون ومبادئ الطبيعة البشرية. الإنسان طبيعة واعية، وكون صغير، يستمد قيمته من ذاته، من الطبيعة التي يعتمد وجوده عليها، ومن الكون الاجتماعي الذي يؤسس ذاته فيه على أنه كونه وتجلي ماهيته.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:28 pm

الحرب على الكنيسة لا تعني في التحليل الأخير سوى الحرب على جعل الرابطة المذهبية رابطة سياسية تولد منها جميع أشكال التعصب والعنف والتمييز، ومحاكم التفتيش والحروب الدينية والمذهبية، ومحاكمة المختلفين والمبدعين على أنهم هراطقة. حرب على الجزئية التي تسيطر على الحقيقة وعلى اللغة والتاريخ والرموز وتحول بين الفرد وبين الاندماج في المجتمع. ولذلك لجأ فولتير إلى السخرية السوداء والهجاء اللاذع اللذين كانا ينمان على نوع من غضب مستنير بالعقل وبجدارة الروح الإنساني بالحياة والحرية. وهو ما يكشف عن الدوافع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية الخافية والبينة في كتاباته الفلسفية وإبداعه الأدبي. بيد أن حرب فولتير على الكنيسة، وعلى الدين الوضعي، كانت مقترنة بالتبشير بالكائن الأسمى، فاطر الكون، وأساس بنيته العقلانية. هذا الكائن الذي فطر الطبيعة وصاغ قوانين الوجود لا يتدخل في مسارات تطوره اللاحقة، فهو كما يبدو لنا ضرورة أخلاقية لجعل النظام الاجتماعي ملبياً لمطالب العقل وموافقاً لقوانين الطبيعة.
ولكن فلسفة فولتير تنفي الأصل الإلهي للأخلاق، وترى في الأخلاق ظاهرة طبيعية موضوعية ونتيجة حتمية للعلاقات الاجتماعية، تخضع لحاجات المجتمع المعني. وللقوانين الأخلاقية عنده قيمة عامة وشاملة، أسوة بقانون الجاذبية، على سبيل المثال، وهي واحدة لدى البشر جميعاً، على الرغم من تنوع العادات والتقاليد والقوانين، وما هذه الوحدة سوى تعبير عن وحدة الطبيعة البشرية. الأخلاق الطبيعية تتوازى مع القانون الطبيعي، إن على صعيد بنيتها المنطقية أو على صعيد وظيفتها الاجتماعية. "فإذا كان القانون الطبيعي للقرن الثامن عشر قد عارض الطابع المتنافر للنظام الإقطاعي بنظام معاييره القانونية المتجانس، "الأبدي"، العقلاني الأسس، والملبي لحاجات المجتمع البورجوازي، فإن أخلاق فولتير الطبيعية قد عارضت من جهتها هذا الخليط من العادات والأعراف والأحكام المسبقة الأخلاقية بنظام واحد قائم على العقل، نظام أبدي من المعايير الأخلاقية موائم لهذا المجتمع".
طبيعة الإنسان تدفعه لا محالة إلى الحياة الاجتماعية؛ فقد خلق البشر كيما يعيشوا معاً. وتنزع الأخلاق النابعة من الطبيعة الاجتماعية للكائن البشري إلى الخير العام بطبيعة الحال، فما يفيد المجتمع هو الخير والفضيلة، وما يضر المجتمع هو الشر والرذيلة. إذاً فالفكرة المحورية في فلسفة فولتير الأخلاقية ليست إصلاح الكائن البشري، بل فكرة المنفعة العامة" . ولعل بناء الأخلاق الاجتماعية على مبدأ المنفعة كان نتيجة اعتراف فولتير بالإنسان الواقعي الحسي وبمشروعية حاجاته الأساسية، وبحقه في إشباع رغباته وشهواته وفي التمتع بملذات الحياة ومباهجها. ولعل بعضاً من هذا كان رد فعل على دعاوى التقشف والزهد وهجر المتع والملذات الحسية وعلى نزعة احتقار الجسد.
"تكمن إحدى السمات المميزة لأخلاق فولتير في رد الاعتبار إلى الإنسان الحسي الشهواني وإلى حاجاته وملذانه، فبعض صفحاته، ولا سيما في كتاباته الأولى، أشبه ما تكون بتسبيح لملذات الجسد" . وما ذلك سوى احتجاج على أخلاق الكنيسة في العصر الوسيط، لتحرير الضمير الفردي من الجمود والتزمت والطهرانية والزهد والتقشف التي وسمت الأخلاق الكنسية في زمنه.
الاعتراف بحقوق الإنسان، الفرد الواقعي، والاعتراف بحقوق الجسد خاصة خطوة متقدمة جداً، إذ لا تزال أكثرية البشرية، حتى يومنا، لا تعترف بحقوق الجسد، ولا تزال تميز الجسد من النفس أو الروح أو العقل، ولا تزال تنزل الجسد منزلة دنيا. قبل فولتير بزمن طويل كان أبو حيان التوحيدي قد عرف كلاً من النفس والجسد على نحو يجعل كرامة أحدهما رهناً بكرامة الآخر، إذ قال: "النفس لطيف الجسد والجسد كثيف النفس"؛ فإن أهم ما يلفت النظر عدا تحديد النفس والجسد بمقولتي اللطافة والكثافة، هو إضافة اللطافة إلى الجسد والكثافة إلى النفس. ومن ثم فإن وجود النفس يعتمد على وجود الجسد، وهو ما يمنح الجسد شرفاً وكرامة تستمد منهما "النفس" شرفها وكرامتها. وها انا أدعو القارئ إلى تأمل معنى التركيب الإضافي، في اللغة العربية، وفي غيرها من اللغات أيضاً، إذ المضاف والمضاف إليه يتضافران على إنتاج معنى جديد ليس في أي منهما مأخوذاً على حدة. وإذا مضينا خطوة أخرى في التجريد يمكننا القول إن الروح هي لطيف المادة والمادة هي كثيف الروح، وإن وجود الروح أو الفكر أو العقل إنما يعتمد على وجود المادة، وإن وحدة العالم هي ماديته. بهذا المعنى يمكن الحديث عن روحانية المادة ومادية الروح وعن قابلية العالم للتعقل. الروح هو شكل المادة ومبدأ تشكلها اللامتناهي. المادة تتشكل والشكل يتمودد. الاعتراف بحقوق الإنسان العياني، الواقعي، الحسي، هو المعنى الأعمق للحرية عند فولتير.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:29 pm

ولكن ما الطبيعة البشرية التي تدفع البشر إلى الاجتماع، والتي استمد منها فولتير مبادئ الأخلاق العامة التي تواضعت عليها البشرية ولا تزال ترى فيها قيماً مشتركة؟ يعتقد الكاتب أنها النقص والاحتياج والنزوع إلى الكمال والرغبة في إشباع الحاجات الإنسانية، لا لحفظ الوجود الإنساني فحسب، بل لترقيته أيضاً. وحفظ الوجود الإنساني وترقيته كلاهما لا يتحققان إلا في المجتمع المدني الذي يغدو معناه مرادفاً لمعاني الخير العام والنفع العام والمصلحة العامة والإرادة العامة. ويلاحظ القارئ أن العمومية هي القاسم المشترك بين هذه المعاني جميعاً. ولا تتجلى العمومية في شيء أكثر مما تتجلى في الدولة السياسية، المقدمة اللازمة منطقياً وتاريخياً للدولة الديمقراطية.
لم يدخل فولتير تاريخ الحركة التحريرية في القرن الثامن عشر بصفته ناقداً للدين والكنيسة فحسب، بل أسهم في صوغ الأيديولوجية السياسية للثورة التي كانت عناصرها تتراكم في الحياة الفرنسية، وإن يكن تأثيره في هذا المضمار أقل من تأثير مونتسكيو وروسو.
كانت "نظرية الحق الطبيعي" هي الأكثر رواجاً في الفكر السياسي في معارضة الأفكار والتصورات الوسطوية ونقدها؛ وأهم خصائص هذه النظرية هي عموميتها، أي كونيتها، إذ تتعلق بحقوق الشخص الإنساني أينما وجد، وعلى الرغم من طابعها هذا، فإنها أساس النظرة أو الرؤية الجديدة إلى المجتمع والدولة. والقوانين الطبيعية عند فولتير هي "تلك التي تعينها الطبيعة في الأزمان كافة وللبشر قاطبة من أجل الحفاظ على العدالة" وتتفق مع مصالح البشر ومع العقل في الوقت ذاته. ومن ثم فإن القانون الطبيعي هو الحرية. فإن الحياة الحقة، الحياة الطبيعية هي أن يكون الإنسان حراً ومتساوياً مع الجميع، وكل حياة أخرى لا تعدو كونها خدعة حقيرة وملهاة رديئة يؤدي فيها أحدهم دور المعلم والآخر دور العبد. ولكي ندرك معنى الحق الطبيعي والإنسان الطبيعي في منظومته الفكرية والأخلاقية لا بد أن نلاحظ قوله: إن المتوحشين لا يعيشون تحت سلطان القانون الطبيعي، بل على العكس من ذلك إنهم يفسدون الطبيعة، في حين إن المتحضرين هم الذين يتبعونها. أفليس التقدم قانوناً من قوانين الطبيعة؟ إن الغريزة وملكة الحكم اللتين منحتنا إياهما الطبيعة تدفعان بنا إلى الأمام، وتدفعاننا إلى أن نسعى وراء الرفاهية بالتعاضد والمساعدة المتبادلة. وكلما كانت الصنائع أكثر تطوراً كانت القوانين أقرب إلى الكمال، وكلما كانت الملكية مضمونة كان القانون الطبيعي مطبقاً على نحو أفضل .
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:29 pm

الجمهورية التي انبثقت من اتحاد الأسر، هي الشكل البدائي للدولة؛ وتلك هي مسيرة التطور الطبيعي، لأن هذا الاتحاد تحكمه المصلحة المشتركة والعقل، أما النظام الملكي فهو ابن العنف والسلب والنهب. ولذلك فإن المساواة لا تتحقق إلا في حالة السلم؛ وتلكم التفاتة مهمة جديرة بالتوقف عندها. من المهم أن نلاحظ أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السلم والمساواة والحرية والعدالة. الاجتماع المدني هو نفي الحرب والعنف من المجتمع واستئصال شأفتهما من العلاقات الاجتماعية والسياسية، والحياة الإنسانية اللائقة هي نفي الحرب كلياً واستئصال شأفتها من العلاقات الدولية. البشرية العاقلة لا تسلم زمام أمورها لقادة الحروب الذين غالباً ما يصيرون ملوكاً مستبدبن.
لم يتبن فولتير "نظرية العقد الاجتماعي" ولم يتمكن من دحضها، كما يبدو لي، ووضع بدلاً منها "القوانين الطبيعية" و "الحق الطبيعي" و "المساواة الطبيعية"، على أن القوانين الطبيعية هي قوانين الله العادلة والخالدة. ولم يوافق مونتسكيو بصدد تقلب دوافع البشر مع تغير الأنظمة (الفضيلة في ظل النظام الجمهوري، والشرف في ظل النظام الملكي، والخوف في ظل الحكم الاستبدادي) فحوافز الأفعال البشرية عنده واحده في كل مكان، والمصلحة هي الدافع العام لأفعال البشر في ظل شتى أنواع الحكم. والنظام الاجتماعي الأكثر إنصافاً وعدلاً، في نظره، هو النظام القائم على الحرية والملكية والمساواة في الحقوق. والحرية هي ألا يخضع المرء إلا للقوانين. وهي بالتحديد حرية الشخص الإنساني، حرية الفرد؛ أولها حرية الرأي والتعبير وحرية الضمير وحرية العمل. والشعب الذي يفقد حريته يفقد القدرة على مقاومة الأعداء. وكما ترتبط المساواة بالسلم، ترتبط الحرية بالملكية. والمساواة ليست بعد مساواة في الثروة والملكية، بل مساواة في حق التملك، ومساواة أمام القانون. ذلك لأن التفاوت الاجتماعي في نظره هو من طبيعة الأمور؛ "فلو كانت هذه الأرض كما ينبغي أن تكون، لو كان الإنسان يجد في كل مكان فيها قوتاً مؤمناً وسهل المنال .. لاستحال على أي إنسان أن يستعبد آخر". المساواة أمر طبيعي ووهمي في آن واحد. ويمكن أن نستنتج أن المساواة الاجتماعية ممكنة مع الكفاية، ووهمية مع الاحتياج؛ ولا يزال الاحتياج يحدد العلاقات الاجتماعية والسياسية. لذلك لا بد أن يكون الإنسان مالكاً كيما يتمتع بجميع حقوقه المدنية. وبنظرته الخاصة إلى الحرية والمساواة والملكية كان فولتير الملهم الساسي لواضعي شرعة حقوق الإنسان في عام 1789 .
أليكسي دي توكفيل، مونتسكيو القرن التاسع عشر، سينمي البذور الديمقراطية في الفكر الليبرالي، في كتابه الشهير "الديمقراطية في أمريكة" الذي ألفه بين عامي 1835 و 1840 ، في عهد الملكية "مونارشية تموز" (1830 – 1848)، في فرنسا.
لاحظ توكفيل في مدخل كتابه أن المجتمع الأمريكي "كي يبلغ هدفه يرتاح على المصلحة الشخصية، ويدع قوة الفرد وعقله يفعلان بدون أن يقودهما. (المجتمع) الروسي يركز نوعاً ما في رجل كل قدرة المجتمع. الحرية لدى الأول وسيلة فعل رئيسية. ولدى الآخر العبودية. نقطة انطلاقهما مختلفة، سبلهما متنوعة، إلا أن كلاً منهما يبدو مدعواً بقصد سري من العناية الإلهية إلى أن يمسك في يده ذات يوم مصائر نصف العالم". هل قرأ لينين كتاب توكفيل؟
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:29 pm

تلفت النظر ملاحظة توكفيل أن الثورة الديمقراطية لم تكن حدثاً عارضاً ومحلياً ومؤقتاً، بل كانت ذات طابع كلي وكوني. فهي تبدو له أقرب ما تكون إلى تدبير من العناية الإلهية "النمو التدريجي لتساوي الشروط هو إذاً واقعة من العناية الإلهية، له سماتها الرئيسة، إنه راسخ دائم يفلت كل يوم من سلطة البشر؛ كل الأحداث وكل البشر تخدم نموه وتطوره. أيكون من الحكمة الاعتقاد أن حركة اجتماعية تأتي من بعيد كهذه يمكن أن توقفها جهود جيل؟ هل يفكرون بأن الديمقراطية بعد أن دمرت الإقطاع وهزمت الملوك ستتراجع أمام البورجوازيين والأغنياء؟ هل ستتوقف الآن وقد أضحت بهذه القوة وأضحى خصومها بهذا الضعف؟" كل شيء كان يدفع باتجاه الديمقراطية، توكفيل كان يصيخ السمع لهمس التاريخ حيث تنمو الديمقراطية وتنبسط تحت جميع الوقائع والظاهرات، ثورة اجتماعية ونقلة نوعية في تاريخ البشرية تشمل جميع مجالات الحياة الاجتماعية.
عنصر الديمقراطية الأساسي عند توكفيل هو المساواة، لا الحرية؛ "الحرية هي السم المضاد الضروري للمساواة" المساواة هي الترجمة الواقعية للعدالة، ولا سيما المساواة في الحرية. المساواة الاجتماعية تقود إلى المساواة السياسية، وهذه الأخيرة لا تتحقق إلا بسيادة الشعب وعدم وجود أي سلطة خارجية عن الجسم الاجتماعي. النموذج الأمريكي كان يتوفر على جميع الإنماءات العملية لهذه السيادة؛ " الشعب يشارك في تأليف القوانين باختياره المشرعين، وفي تطبيقها بانتخاب وكلاء السلطة التنفيذية؛ يمكن القول: إنه يحكم بنفسه، لشدة ما القسط المتروك للإدارة ضعيف وضيق، لشدة ما هذه الأخيرة تحس بأثر أصلها الشعبي، وتطيع السلطان الذي صدرت عنه. الشعب يسود على العالم السياسي الأمريكي كما الله على الكون. إنه سبب وغاية كل الأشياء: كل شيء يخرج منه وكل شيء يمتص فيه". ولكن هذه السلطة التي يتمتع بها الشعب إنما هي سلطة مطلقة، سلطة العدد الأكبر، الأكثرية، وهي بمعنى ما دكتاتورية الأكثرية؛ "خارج الأكثرية في الديمقراطيات لا يوجد شيء، قوة حق وحيدة، الأكثرية هي أيضاً قوة واقع ورأي جبارة، ترتكز إمبراطوريتها المعنوية على الفكرة القائلة: إنه يوجد من النور والحكمة في كثير من البشر المجتمعين أكثر مما يوجد في واحد". وفي هذا تهديد مخيف للمستقبل، للحرية. طغيان الأكثرية هو أحد أخطار الحالة الاجتماعية الديمقراطية. هذا النقد المهم يذكرنا بنقد أفلاطون للديمقراطية في عهد بيركليس، وقد أسسه على جهل الأكثرية بعلم السياسة. ولكن ثمة خطر آخر لم تستطع الديمقراطية الأمريكية تلافيه، وهو اليوم أحد الأمراض المستعصية في النظام الديمقراطي الأمريكي الذي نوه به توكفيل ونقده على نحو أذهل الأمريكيين أنفسهم. هذا الخطر هو الفردانية المفرطة، بل المطلقة، حتى لتغدو المعادلة: سلطة مطلقة للأكثرية وحرية مطلقة للفرد. بالحفر عميقاً تحت الطبقة السطحية للسياسة حيث تتشكل الأفكار والعواطف البشرية وتمد الأخلاق الخاصة جذورها، لاحظ توكفيل أنه "في معظم عمليات الذهن لا يستنجد كل أمريكي إلا بالجهد الفردي لعقله" لا بالتقاليد ولا بأجداده ولا بالرجال المتفوقين لزمنه. " كل لا يأخذ إلا في نفسه قاعدة حكمه، كل، منحبساً في نفسه، يزعم من هنا الحكم على العالم. كل منحمل بنفس الحركة على استنتاج أن كل شيء في العالم قابل للتعليل، وأن لا شيء فيه يتعدى حدود ذكائه. لدينا هنا، عدا ذلك، تطبيق غير واع من جانب الأمريكيين لطريقة الفحص الحر الفردي لجميع المعتقدات. طريقة عممها، ولكن لم يخترعها، فلاسفة القرن الثامن عشر الفرنسيون، طريقة تسمح بالتعرض بسهولة لكل الأشياء القديمة، وفتح الطريق لكل الأشياء الجديدة، طريقة كانت بهذا المعنى لا فرنسية فقط، بل ديمقراطية، الأمر الذي يفسر لماذا قبلت بهذه السهولة في كل أوربة، فأسهمت إلى هذا الحد في تغيير وجهها" لكن للاستقلال الفردي في مجال الفكر حدوداً ينتهي معها بعدم ثقة أي فرد برأي فرد آخر، بل برأي الأكثرية، أي إنه ينتهي إلى الاعتراف بـ "عصمة الجمهور". "الجمهور له إذاً عند الشعوب الديمقراطية سلطان فريد ما كانت الأمم الأرستقراطية تستطيع حتى أن تتصور فكرته. إنه لا يُقنِع بمعتقداته، إنه يفرضها ويجعلها تدخل في النفوس بنوع من ضغط جبار من روح الجميع على ذكاء كل واحد". في هذه الحال يخشى أن تطفئ الديمقراطية جذوة الإبداع والاستقلال الفكري، في الوقت الذي تيسر لهما جميع الشروط. "الروح الإنساني بعد أن حطم كل القيود التي كانت تفرضها عليه بالأمس طبقات أو رجال يقيد نفسه تقييداً وثيقاً بالإرادات العامة للعدد الأكبر". توكفيل يرفض هذا الاستبداد الفكري، لأنه يرفض مبدأ الاستبداد. إلى انطفاء الاستقلال الفكري بحكم طغيان الأكثرية ومعصوميتها، يضاف جفاف العاطفة والأنانية بحكم الفردانية المطلقة؛ " الفردوية هي عاطفة متفكرة وهادئة تهيئ كل مواطن للانعزال عن جمهور أقرانه، وللانسحاب جانباً مع عائلته وأصدقائه، إذ بعد أن يكون قد خلق على هذا النحو مجتمعاً صغيراً لاستعماله، يتخلى طوعاً عن المجتمع الكبير لنفسه". هذه العاطفة الغريبة تنشأ للأسف عن المساواة. فالديمقراطية إذ تحطم سلسلة الولاءات والحمايات التي ميزت التنظيم التراتبي الهيرارشي، وإذ حطمت أو قطعت العلاقات بين الأجيال، الأموات والأحياء والذين سيولدون، تنتج فرداً منبتَّاً؛ "لحمة الزمن تنقطع في كل لحظة، وأثر الأجيال يمحي، الأقربون وحدهم يهمون. هكذا، الديمقراطية لا تنسي كل إنسان أجداده فقط، بل تخفي عنه أحفاده وتفصله عن معاصريه. إنها تعيده باستمرار نحو وحده، وتهدد بأن تحبسه أخيراً بكامله في عزلة فؤاده الخاص". وهذا داء أخلاقي، أو مرض حقيقي للأخلاق العامة، يؤدي إلى انخفاض الصفة الإنسانية بتفاهة الرغبات. "الفردية داء سياسي واجتماعي أسوأ أيضاً، إنها "صدأ المجتمعات". تفرغ المواطن من كل ماهية، بإفراغها إياه من المدنية الوطنية، تُنضب عنده نبع الفضائل العامة المجتمعية، تجعله من جديد رعية، إن لم يكن عبدأ يتذبذب بلا كرامة من العبودية إلى الإباحية". الفوضى والاستبداد ثمرة مزدوجة للفردوية التي هي بنت المساواة. "البشر المنعزلون الذين لا فعل لبعضهم على البعض الآخر لا توقفهم إلا السلطة، فحين تنفقد هذه يشد كل واحد منهم على جهته بدلاً من أن يتحد مع أقرانه. البلبلة تبلغ كل طفحها، يبدو أن الجسم الاجتماعي فجأة تحول إلى غبار، غبار من أفراد متساوين جميعاً، وغرباء جميعاً بعضهم عن البعض الآخر، هذه هي الفوضى، أو اللاسلطة ( الأنارخية Anarchie ). لهذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا تزال تحتاج إلى دولة قوية, فالدولة وحدها، وهي دولة قانون بالدرجة الأولى، هي التي تربط أجزاء الجسم الاجتماعي الذي ينطوي على تعدد واختلاف لا نظير لهما. ويبدو أن الولايات المتحدة قاومت ولا تزال تقاوم هذا الاتجاه إلى اللاسلطة المشتق بصورة غير مباشرة من المساواة. وإذ ترى الشعوب هذا الاتجاه وتقاومه بسهولة إنما تدع نفسها تنساق في طريق طويلة وخفية وآمنة إلى العبودية. لعل الفارق بين النظم الديمقراطية التي عرفتها أوربة الغربية والشمالية، والديمقراطية الأمريكية، يكمن في أن الأولى تتوفر على أجسام وسيطة بين الفرد والدولة، لا تتوفر عليها الديمقراطية الأمريكية. هنا توكفيل أقرب إلى مونتسكيو في ميله إلى المجتمعات الأرستقراطية. فضلاً عن الفروق النوعية بين مجتمعات الاستقرار التاريخي ومجتمعات الاستيطان.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:30 pm

أما على صعيد العواطف والمشاعر، فإن "رجال العصور المساواتية الذين ينتزعون أنفسهم بصعوبة من شؤونهم الخاصة لأجل شؤونهم العامة المشتركة يميلون إلى ترك السلطة المركزية تأخذ حقوقاً أكبر على الدوام، فهي الممثل الوحيد المرئي والدائم لمصالح الجماعة. وهم فضلاً عن ذلك ضعفاء بقدر ما هم مستقلون، وهذا الضعف يوجه أنظارهم دوماً نحو هذا الكائن الجبار، الدولة التي هي ملاذهم الوحيد، والتي ترتفع وحدها وسط الانخفاض العام. وأخيراً يدفع الحقد على الامتياز بجميع الأفراد إلى التنازل للدولة التي هي فوق الجميع عن جميع الصلاحيات، ويغدو الجميع في علاقة تبعية مشتركة للسيد نفسه. هذا الاشتراك في المشاعر يوحد باستمرار كل فرد وصاحب السيادة في فكرة واحدة، ويقيم بينهما تعاطفاً خفياً ودائماً.
الحروب والثورات ونمو الصناعة تساعد هي الأخرى، لأسباب مختلفة، على تسيد الدولة المركزية التي تغدو في الديمقراطية المساواتية كل شيء. الحروب تزيد محمولات الدولة المنساقة بصورة قسرية إلى مركزة قيادة البشر والأشياء. "كل عباقرة الحرب يحبون المركزية، وكل عباقرة المركزية يحبون الحرب". وكذلك الثورات المساواتية التي تحذف جميع الأشكال الوسيطة بين المواطن والدولة، ولا تبقي سوى جمهور غير قادر على أي فعل منسق. وتغدو الدولة مدعوة إلى حمل كل شيء. وحين تنمو الصناعة وتظهر فئات جديدة من العمال وأرباب العمل، تقوم بينهم علاقات معقدة تغدو الدولة مدعوة إلى ضبطها، إضافة إلى الأشغال العامة. بل إن الدولة تتجه إلى أن تجعل نفسها صاحبة صناعة ومال وأعمال، ثم لا تلبث أن تصير سيد جميع الصناعيين وأرباب المال والأعمال. فضلاً عن الضمان الاجتماعي الذي كان من قبل من أعمال الإحسان، وعن التربية التي كانت من الشؤون الخاصة: المركزية تنمو في كل مكان بألف شكل وشكل، الحروب والثورات والاستيلاءات خدمت تطورها، والجميع عملوا على إنمائها، "غريزة المركزة كانت النقطة الوحيدة الثابتة في حركة وجودهم وأفكارهم الفريدة". المركزة "قناع حيادي وعصري للعبودية، اختناق مميت للحرية" في عصر يفاخر بالحرية والانعتاق. المركزة التي كانت عملية تدمير بطيء للمؤسسات الإقطاعية، وللنظام التراتبي الهيرارشي غدت قيداً ثقيلاً على الحرية. كل شيء يجاوز حده ينقلب إلى ضده، المركزية المفرطة في الدولة الديمقراطية الحديثة مثل اللامركزية المفرطة في النظام الإقطاعي القديم؛ إنها "حالة شبيهة بتلك القرون الفظيعة من الطغيان الروماني: أخلاق فاسدة وآراء مهترئة مترنحة وحرية مطرودة من القوانين، ومواطنون محرومون من أي ضمانات، وأباطرة يتعبون رحمة السماء أكثر مما يتعبون صبر رعاياهم الذليلين البليدين". هذا النوع الجديد من الاستبداد المريء، استبداد الأوصياء لا استبداد الطغاة يلف الجميع. يقول توكفيل: " أريد أن أتصور تحت أية ملامح جديدة يمكن أن يحصل الاستبداد في العالم؛ أرى جمهرة لا تعد من بشر متماثلين ومتساوين يدورون بلا راحة على أنفسهم لكي يحصلوا على لذات صغيرة ومبتذلة يملؤون بها أنفسهم. كل منهم منطو منسحب جانباً كأنه غريب عن مصير جميع الآخرين؛ أولاده وأصدقاؤه الخاصون يشكلون بالنسبة له كل النوع الإنساني ... فوق أولئك ترتفع سلطة جبارة ووصية تضطلع وحدها بتأمين تمتعاتهم والسهر على نصيبهم. إنها مطلقة تفصيلية نظامية متداركة وعذبة. لكانت تشبه سلطان الأب لو، مثله، كان لها كموضوع وغرض تهيئة البشر لسن الرجال، لكنها لا تسعى، بالعكس، إلا إلى تثبيتهم نهائياً في الطفولة؛ إنها تحب أن يفرح المواطنون شريطة ألا يفكروا إلا بأن يفرحوا. إنها تعمل طوعاً لسعادتهم، ولكنها تريد أن تكون وكيلهم الوحيد وحكمهم الأوحد؛ تتدبر أمنهم، ترى سلفاً وتؤمن حاجاتهم، تسهل لذاتهم، تسير شؤونهم الرئيسية، تقود صناعتهم، تضبط أعقابهم، تقسم تركاتهم؛ أوليس بوسعها أن ترفع عنهم تماماً كدر أن يفكروا ومشقة أن يعيشوا؟"
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:30 pm

هل هذا المعتقل المذل والعذب هو مستقبل البشرية الذي تدفع إليه ميول البشر الديمقراطية التي يبدو أنها لا تقهر؟ هذه الثورة الديمقراطية التي لا بد منها تنطوي على وسائل تجعلها في مصلحة البشرية؛ في مقدمة هذه الوسائل هناك الحرية السياسية، بصفتها "السم المضاد للمساواة، لتساوي الشروط؛ فهي وحدها تجعل الديمقراطية القريبة دوماً من توليد الاستبداد في مصلحة البشرية. لذلك لا بد من "إخراج (استخراج) الحرية من حضن المجتمع الديمقراطي". الحرية السياسية لا تتجلى إلا في المؤسسات المجتمعية الحرة وفي الدين، وفي الكومونات المحلية (اللامركزية) ؛ فـ "إن في الكومونة تكمن قوة الشعوب الحرة، الكومونة للحرية كالمدارس للتعليم؛ تضعها في متناول الشعب، تجعله يتذوق استعمالها، وتعوده على استخدامها. بدون مؤسسات كومونية تستطيع أمة أن تعطي نفسها حكومة حرة، لكن ليس عندها روح الحرية. إن أهواء عابرة، مصالح لحظة، مصادفة الظروف، يمكن أن تعطيها أشكال الاستقلال الخارجية، لكن الاستبداد المكبوح داخل الجسم الاجتماعي يعود إلى الظهور عاجلاً أو آجلاً على السطح". ليس كافياً وجود تمثيل قومي لإدارة الشؤون العامة؛ لا بد من مؤسسات مجتمعية لإدارة الشؤون الخاصة الصغيرة، كي تتسنى للمواطنين فرص العمل معاً، والاهتمام معاً بالخير العام، وتنمية الشعور لدى كل منهم بأنهم يعيشون في تبعية متبادلة أواعتماد متبادل، أي إنهم يعيشون في مجتمع، ويكتشفون في كل حين الروابط التي توحد المصالح الخاصة بالمصلحة العامة المشتركة. المؤسسات المجتمعية هي المؤسسات الوسيطة بين الفرد والدولة التي تجعل ثقل الدولة المركزية على الفرد أخف وطأة، وتوفر من ثم الأطر المناسبة لنمو الحرية، في ضوء مبدأ المصلحة المفهومة جيداً. الحريات المحلية تعيد الناس دوماً بعضهم إلى بعض، وتكون لديهم عواطف جديدة معاكسة لتلك التي تولدها الفردوية المفرطة، وتخلق من جديد في وجه السلطة السيدة أجساماً وسيطة أو ثانوية هي حواجز وكوابح تحول دون اشتطاط السلطة. أهم هذه المؤسسات الوسيطة أو الأجسام الوسيطة هي الجمعيات الحرة التي تغطي جميع المجالات، تضم كل منها مواطنين من مختلف الأعمار والذهنيات والشروط الاجتماعية، بحسب وظيفة كل منها؛ جمعيات حرة يتحد المواطنون في أطرها للعمل بأنفسهم دون الاستنجاد بالسلطة الاجتماعية، لمعالجة جميع أدواء الحياة ومشكلاتها: الأولاد في المدرسة يضبطون فيما بينهم ألعابهم، ويعاقبون فيما بينهم ذنوباً معرفة من قبلهم، المارة أمام حادث سير يشكلون مع الجيران جمعية مرتجلة ستعالج الداء بدون انتظار الشرطة، المواضيع الأخطر والأتفه، الأعم والأخص تثير العمل المشترك، تنظيم أعياد، تأسيس سمنارات، بناء فنادق تشييد كنائس، توزيع كتب، إرسال مبشرين إلى أقاصي المعمورة، مكافحة الإفراط في الشرب، توضيح حقيقة دينية أو فلسفية ... "لا يوجد شيء تيئس الإرادة البشرية من بلوغه بالفعل الحر لقدرة الأفراد الجماعية ... حيثما على رأس مشروع جديد ترون في فرنسا الحكومة، وفي إنكلترة سيداً نبيلاً، احسبوا أنكم ستشاهدون في الولايات المتحدة جمعية". ثمة علاقة ضرورية بين الجمعيات والمساواة الديمقراطية. "العواطف والأفكار لا تتجدد، القلب لا يكبر، والروح البشري لا ينمو إلا بالفعل المتبادل للبشر" الفعل المتبادل الذي يولده ويصونه ويغذيه الاجتماع، ويطفئه ويقتله تدخل السلطة. إن علم الاجتماع والتشارك عند توكفيل هو العلم الأم. فلكي يبقى البشر متمدنين، أو ليصيروا كذلك، يجب أن ينمو ويتحسن بينهم فن الاجتماع بنفس النسبة التي ينمو بها تساوي الشروط أو الأحوال.
وأخيراً، الدين والحرية لا ينبغي أن يسيرا في اتجاهين متعاكسين. الدين يؤمن الأخلاق العامة، وبدون أخلاق عامة لا يوجد حرية. "الاستبداد هو الذي يستطيع الاستغناء عن الإيمان لا الحرية". ولئن كان بوسع الحرية أن ترخي الرابط السياسي، فلأن الإيمان يوثق الرابط الأخلاقي. " في الوقت نفسه الذي فيه يسمح القانون للشعب الأمريكي أن يعمل كل شيء، الدين يمنعه من أن يتصور كل شيء، ويمنعه من أن يجرؤ على كل شيء". الديمقراطية حركة دائمة وخض مستمر للعالم السياسي. الدين هو سرمدية العالم الأخلاقي وثباته، هذا يعوض ذاك. ولكن توكفيل يؤكد أنه ما كان يمكن للدين أن يسدي هذه الخدمة للدولة الأمريكية إلا لأنه منفصل عنها، ولا يتدخل مباشرة في حكومة المجتمع السياسية. النفوس وحدها له، المواطنون يفلتون منه. "كاثوليك الولايات المتحدة هم في آن المؤمنون الأكثر رضوخاً والمواطنون الأكثر استقلالاً". الدين يخدم أيضاً الحرية بمساعدتها على الكفاح، في نفس المواطن وقلبه، ضد الميول الديمقراطية الوخيمة: فردوية وحسد مسكين وحب الرفاه الذي ينتهي إلى كونه حاطاً. بلا هوادة، رفع النفوس وإبقاؤها منتصبة نحو السماء، والسعي الدائم إلى تذوق اللانهاية والشعور بالعظيم وحب الديمقراطية.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:30 pm

المساواة، عند توكفيل، يمكن أن تقود إلى العبودية أو إلى الحرية، إلى الأنوار أو إلى البربرية، إلى الازدهار أو إلى البؤس والتعاسة. وهذا يتوقف على الأمة المعنية والمجتمع المعني.
أفكار توكفيل ورصفائه مهدت للثورة / الثورات الديمقراطية في أوربة، مهدت لربيع الشعوب الذي بدأ عام 1848. الميل إلى العدالة والمساواة اتخذ لنفسه اسماَ آخر قديماً، "الاشتراكية"، أو اسماً أثار من المخاوف، بل من الرعب بقدر ما أنعش من الآمال، وبقدر ما كان له من السحر: "الشيوعية"، في ضوء التعارضات الاجتماعية الجديدة التي نجمت عن تقدم الصناعة ونموها، وما رافقها من نمو الاستغلال والاستلاب. أراد توكفيل أن يثبت أن ميل البشر إلى حكم أنفسهم بأنفسهم ميل أصيل لديهم، وكذلك ميلهم إلى العدالة والمساواة. ولكنه لم يشر، كما فعل مواطنه جان جاك روسو، إلى أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الاجتماعي كانت ولا تزال تكبح هذه الميول، وتولد من البؤس والشقاء ما يدفع إلى الثورة.
إخفاق ثورات 1848 الديمقراطية يؤذن بعودة الملكية المطلقة ونمو النزعة القومية التي ما إن تبلورت وتجسدت في "دولة قومية" حتى تنكرت لأصلها الليبرالي / الديمقراطي، لنقل إنها نزعة قومية متطرفة سوف تنجب حركة الاستعمار والإمبريالية والنازية والفاشية والاشتراكية القومية التي كانت الستالينية إحدى تجلياتها. يشترك في الهجوم على الديمقراطية البرلمانية القوميون والاشتراكيون والقوميون الاشتراكيون، هتلر وموسيليني وستالين
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:31 pm

3 - في العقد الاجتماعي
نحو إعادة التفكير في الحداثة
يتوهم كثيرون عندنا أن الحديث عن المجتمع المدني يرمي إلى التقليل من أهمية الدولة الوطنية والتشكيك بسيادتها، أو الانتقاص منها، والحد من سلطتها، أو إنه نوع من رؤية سوسيولوجية محضة ومتطرفة تريد أن تنأى عن السياسة وتعزز من ثم عزوف المجتمع عنها. في حين يبين هذا العرض استحالة الفصل الميكانيكي بين المجتمع المدني والدولة الوطنية، بوصفهما مقولتين مركزيتين في نسق الحداثة، ومعلمين أساسيين من معالمها. فمقولة العقد الاجتماعي التي لا يزال هناك نوع من إجماع على أنها أساس نشوء المجتمع المدني تذهب في خط مستقيم إلى الدولة العلمانية الحديثة، فلا يمكن أن نرى فيها سوى أساس منطقي لنشوء الدولة، أو هيئة السيادة، بتعبير روسو. بيد أن مضمون اعتراض المعترضين على فكرة المجتمع المدني ينصب على نفي فكرة الإرادة العامة، لمصلحة إرادت خاصة لا تزال تسيطر على الحقل السياسي العربي، وعلى "العقل" السياسي العربي سواء بسواء.
استهل جان جاك روسو (1712-1778) كتابه الشهير "العقد الاجتماعي" بقوله: أمن الممكن المستطاع الاهتداء، في النظام المدني، إلى قاعدة للإدارة شرعية أكيدة، إذا نظر إلى الناس باعتبار ما هم عليه، وإلى القوانين باعتبار ما يمكن أن تكون؟" هذا الاستهلال يشير إلى إشكالية الكتاب: هل في مستطاع المجتمعات أن تهتدي إلى قاعدة شرعية أكيدة للحكم؟ قاعدة تنطلق من الواقع كما هو، من البشر الواقعيين، منظوراً إليهم في واقعهم الفعلي، وإلى ما يمكن أن تكون عليه القوانين التي تنظم شؤون حياتهم؟. وهي إشارة مهمة إلى مصدر التشريع الذي ينظم الاجتماع المدني؛ ولا يماري روسو في كونه دنيوياً خالصاً. ويضيف: وها أنا ذا أخوض في بحثي دون أن أجيء بالدليل على ما لموضوعي من خطورة. وقد يسألني سائل: أأنت أمير مؤمَّر أم أنت مشرِّع؟ وجوابي عن ذلك: أنا لست هذا ولا ذاك، ولهذا السبب أكتب في السياسة. ولو أنني كنت أميراً مؤمراً أو مشرعاً لما أضعت وقتي في قول ما يجب عمله، بل كنت أقدمت على العمل أو لزمت الصمت. أما وقد ولدت مواطناً في دولة حرة، وأما إذ أنا عضو في هيئة السيادة (= مواطن، أو عضو في المجتمع المدني وفي الدولة) فمهما كان عليه صوتي من ضعف تأثير في الشؤون العامة، فإن حق الإدلاء بصوتي هذا، فيما يتعلق بتلك الشؤون، هو كاف لأن يفرض علي واجب الإلمام بها". (ص 10) الشؤون السياسية شؤون عامة، ومن حق أي مواطن أن يدلي برأيه فيها، لأنها شؤون عامة. هاتان مسلمتان لا تحتاجان إلى برهان، وإن كان أي رأي يدلي به المواطن في الشؤون العامة يحتاج إلى برهان.
"ولد الإنسان حراً طليقاً، ومع ذلك، فهو مثقل بالقيود في كل مكان. ولرب رجل يتوهم أنه سيد الآخرين، وهو لا يني يرسف في أغلال من العبودية هي أثقل من أغلالهم" (ص 11). تلكم نظرة متفائلة إلى طبيعة الإنسان، لا تريد أن تقول إن الحرية هي ماهية الإنسان فحسب، بل تذهب إلى أن العقد الاجتماعي عقد طوعي أساسه الحرية؛ بخلاف نظرة هوبز السوداوية (الإنسان ذئب الإنسان) التي انطلقت من افتراض أن الاجتماع البشري قائم على الضرورة. الاجتماع البشري عند روسو مؤسس على الحرية، وهو، من ثم فضاء الحرية؛ مجتمع قائم على التعاقد الطوعي الحر.
قبل روسو بأكثر من ألف عام قال عمر بن الخطاب: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟. ولا يزال السؤال قائماً: هل ولد الإنسان حراً طليقاً؟ هل الحرية من جبلَّة الإنسان وفطرته، أم هي إحدى قابلياته؟ ثمة أطروحتان متعارضتان في الإجابة عن هذا السؤال، نجدهما في هذا البحث عند هوبز وروسو، وكثيرين غيرهما. وما من شك في أن الإنسان ولد مقيداً بالضرورة / الضرورات الطبيعية، ثم تحرر منها بالاجتماع، ولا أريد أن أقول بالوعي، لأن الوعي اجتماعي مهما تظاهر في صور فردية لا حصر لها، ومهما تظاهر في صور فئوية أو طبقية أو دينية أو مذهبية. إلا أن الاجتماع الذي أساسه العمل هو الذي حرر الإنسان تدريجاً من هذه الضرورات التي ليس بوسع الإنسان حذفها أو إلغاؤها، فجل ما يستطيع فعله هو فهمها والسيطرة عليها إلى هذا الحد أو ذاك. ومن المهم أن نؤكد أن الاجتماع هو الذي حرر الإنسان من الضرورة الطبيعية؛ فليس من حرية خارج نطاق المجتمع الذي سيبدو لنا ضرورة وضرورات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية جديدة تتوقف حرية الإنسان على مدى وعيها والسيطرة عليها. وليست السيطرة على هذه الضرورة سوى المعنى المرادف لسيطرة الإنسان على نتاجات عمله
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:31 pm

ثمة أطروحتان: الضرورة التي قال بها هوبز وغيره والحرية التي قال بها روسو وغيره، قبله وبعده؛ والأطروحتان صحيحتان معاً، وكل منهما خاطئة وحدها؛ فليس ثمة حرية بلا ضرورة؛ ومن ثم فإن الحرية قابلية في الإنسان. ولا بد هنا من تمييز الحرية من التحرر، إذ التحرر يعني الفكاك من قيد خارجي، فهو فعل خارجي، كالتحرر من الاستعمار أو من الاستبداد السياسي، بخلاف الحرية التي هي فعل داخلي، في الفرد والمجتمع والجماعة البشرية. الإنسان قابل للحرية وقابل للعبودية، وهذه القابلية مشروطة بالوعي ومحددة به. والوعي هو الوجود مدركاً على نحو ما، هو شكل وجودنا المادي؛ ولا حجة لمن يظن أننا نرد الظاهرة المادية إلى أسباب غير مادية.
غير أن روسو يتلمس على نحو عبقري جدلية العبد والسيد، فمن يتوهم أنه سيد الآخرين هو عبد، لا لأوهامه فحسب، بل للذين يتوهم أنه سيدهم. ذلكم معنى آخر للحرية، معنى سياسي إذا شئتم: العبد هو السيد والسيد هو العبد. وهذا المعنى يقبع في أساس فكرة المجتمع المدني بوصفه مسرح التاريخ وفضاء الحرية في الوقت ذاته. ولا تفصح جدلية السيد والعبد عن جميع مكنوناتها إلا في نطاق النظام الاجتماعي الذي يعده روسو حقاً مقدساً هو أساس جميع الحقوق، على أنه لا ينبثق من الطبيعة قط، بل يقوم على أساس من التعاقد بين ذوات حرة ومستقلة. ولكي نفهم حدود الحرية والسيادة والاستقلال على نحو ينأى بها عن المجردات الأثيرية، يحسن بنا لا أن نتحدث عن جدل الحرية والضرورة فحسب، بل أن نقرن جدل الحرية والضرور بجدل العشوائية والانتظام الذي أزعم أنه قانون المجتمع المدني. وهو ما يؤكد ما ذهب إليه روسو من أن النظام الاجتماعي حق مقدس وأساس لجميع الحقوق. العقد الاجتماعي هو أساس الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الاجتماع المدني.
الأسرة عند روسو هي أقدم المجتمعات، وهي وحدها المجتمع الطبيعي. ومع ذلك "فإن الأولاد لا يدوم ارتباطهم بأبيهم إلا طول الزمان الذي يحتاجون فيه إلى ضمان بقائهم، وحالما تنقضي تلك الحاجة تنحل تلك الرابطة الطبيعية. فالأولاد وقد أصبحوا مُعفيَن من الطاعة التي كانت مفروضة عليهم لأبيهم، والأب وقد أعفي من ضروب العناية التي كان ملزماً ببذلها لهم، ينالون كلهم، على السواء، استقلالهم بأنفسهم. وإذا حدث أن ظلوا مؤتلفين مجتمعين، فلا يكون هذا طبيعياً، كما كان من قبل، بل بمحض إرادتهم ورضاهم. كما أن الأسرة نفسها لا يدوم بقاؤها إلا بالتراضي والاتفاق" . الأسرة عند روسو، وعند هيغل وماركس من بعده، هي الأساس الطبيعي للمجتمع المدني. وأفرادها كلهم أفراد طبيعيون صرفاً ما داموا محكومين بضرورة البقاء على قيد الحياة، أي قبل أن ينالوا استقلالهم جميعاً ويتحولوا إلى ذوات حرة. الاستقلال والحرية شرطان رئيسان لصيرورة الفرد الطبيعي عضواً في المجتمع المدني، الذي ليس مجتمعاً طبيعياً بحال من الأحوال، وعضواً في الدولة السياسية، على السواء، في الوقت ذاته. الأسرة التي استقل أفرادها هي النموذج الأول، المايكرو، لجماعة سياسية: "فالرئيس هو صورة الأب، والشعب صورة الأولاد، وكلهم وقد ولدوا متساوين وأحراراً لا ينزلون عن حريتهم إلا لمنفعتهم. في العقد الاجتماعي ينزل الأفراد عن بعض من حريتهم في سبيل نفعهم جميعاً، فغاية العقد الاجتماعي هي النفع العام، وبهذا العقد بين أحرار متساوين ينتقل الأفراد من الحق الطبيعي الذي قال به كل من هوبز وغروسيوس، منطلقين من عدم المساواة الطبيعية التي قال بها من قبل أرسطو وكاليجولا، إلى الحقوق المدنية والحقوق السياسية، وإلى المساواة السياسية
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:31 pm

الفروق الطبيعية بين الأفراد، ولا سيما في القوة والضعف أو في الثروة والملك وما إليها لا يجوز أن تنجم عنها حقوق وواجبات، وإلا فإن الحق لا يقوم إلا على قاعدة غير مؤكدة وغير ثابتة، ناهيكم عن عدم شرعيتها. إذا كانت القوة هي التي تقرر الحقوق للأقوياء والواجبات على الضعفاء، فإن الأقوى يزيح من هو أقل قوة منه ويقرر حقوقا جديدة وواجبات جديدة، فما قيمة الحق الذي يزول عند انقطاع القوة ما دام من الطبيعي أن هنالك دوماً من هو أقوى، وما دام يمكن لضعيفين أن يغلبا قوياً، بالحيلة والمكر أو بالقوة العارية ؟. فلا يجوز والحال هذه أن يكون لكل من الحق بقدر ما له من القوة؛ هذا المبدأ لا يقيم نظاماً اجتماعياً، بل فوضى فحسب. فهل يعقل أن تتحدد العلاقات بين مواطني الدولة وفق القواعد التي تقررها الحروب بين الدول ؟
ليس بوسعنا أن نفسر الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية سوى بتطور الحاجات وتحسين شروط إشباعها. فالمجتمع المدني هو منظومة الحاجات، كما عرفه هيغل، وهو الحالة الاجتماعية التي تضع حداً لسطوة القوة وتطرفها. فـ "ليس لإنسان ما سلطان طبيعي على مثله، والقوة لا تخول أي حق كان، لذلك فإن العهود تظل أسَّاً لكل سلطة شرعية بين الناس... وتوصلاً إلى جعل الحكومة الإرادية التحكمية حكومة شرعية، يجب إذاً أن يكون الشعب في كل جيل هو السيد في قبولها أو رفضها، ولكن هذه الحكومة لا تعود عندئذ تحكمية (ص 17).
نزول الإنسان عن حريته، أو تخليه عنها، هو نزوله عن صفته إنساناً، وعن حقوق الإنسانية، وتخل عن واجباته أيضاً، فكيف يمكن أن يتخلى إنسان عن حريته وقوته وهما أداتا حفظه من غير أن ينزل ضرراً بنفسه؟ الجواب عند روسو هو "الاهتداء إلى شركة (أي إلى نوع من أنواع الاجتماع المدني) تدافع عن الشركاء، وتحمي، بجميع ما لها من القوة الجماعية، شخص كل مشترك وأمواله، شركة ينضم فيها كل مشترك إلى شركائه ويتحد بهم، ولكنه، مع ذلك، لا يطيع إلا نفسه، ويظل متمتعاً بالحرية نفسها التي كانت له". هذه الشركة هي العقد الاجتماعي الذي مبدؤه الحرية والاستقلال، وقوامه الشراكة أو المشاركة وغايته النفع العام أو المصلحة العامة المشتركة بين الجميع. وشروط هذا العقد، أو هذه الشراكة، واحدة في كل مكان، تردُّ جميعُها إلى شرط واحد هو: "أن يبيع كل مشترك نفسه وجميع حقوقه إلى الشركة بأكملها بيعاً شاملاً كاملاً؛ وذلك أولاً، لأن كلاً من الشركاء قد وهب نفسه كلها، فتمت المساواة بين الجميع، وإذ إن الشرط يقيم المساواة بين الجميع، فليس لأحدهم من مصلحة في أن يجعله شديد الوطأة على الآخرين. أما وقد وقع البيع دون تحفظ، فإن الاتحاد يكون على أتم ما يمكن من الكمال، ولا يبقى لمشترك ما يطالب به؛ لأنه لو بقي لبعض الأفراد حقوق، ولم يكن للشركة رئيس عام يمكنه أن يفصل بينهم وبين الجمهور، فانتحل كل منهم صفة القاضي لنفسه، بل شيئاً فشيئاً للآخرين، لكان من نتيجة ذلك أن بقيت حالة الطبيعة قائمة، ولأصبحت الشركة طاغية أو باطلة بحكم الضرورة. وأما وكل فرد بهبته نفسه للجميع لم يهبها لأحد، وأما إذ ليس هناك من مشترك لا يكتسب الحق نفسه الذي قد نزل له عنه شركاؤه، فإنه بهذا يظفر بما يساوي جميع ما فقده، ويكسب فوق ذلك مزيداً من القوة لحفظ ما له. فإذا اطُّرح من الميثاق الاجتماعي ما ليس من جوهره حُصر هذا الميثاق في الكلمات الآتية: إن كلاً منا يضع شخصه وكل قوته شركةً تحت إدارة الإرادة العامة العليا، ونحن نقبل أيضاً كل عضو كجزء من كل غير قابل للانقسام. فعقد الشركة هذا يوجد في الحال بدلاً من شخصية الفرد الخاصة هيئة معنوية (اعتبارية) متضامنة تتألف من عدد من الأعضاء مناسب لعدد أصوات المجلس، وتستمد الهيئة من هذا العدد نفسه وحدتها وأناها أو شخصيتها المشتركة وحياتها وإرادتها، وهذه الشخصية العامة هي الجمهورية والشركاء هم الشعب والأفراد هم المواطنون المشتركون في سلطة السيادة والخاضعون في الوقت ذاته لقوانين الدولة. (ص 26-27). المواطن والشعب والجمهورية ثلاثة اقانيم في الديمقراطية، إذا جاز استعمال هذا التعبير.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:36 pm

إذاً، الحرية والاستقلال والمشاركة هي مبادئ العقد الاجتماعي، أو مبادئ الشراكة السياسية التي ينشأ بموجتها "الجسم السياسي" أو المجتمع السياسي، في اللحظة التي نكاد لا نميز فيها أحدهما من الآخر، وهي لحظة الوحدة المباشرة التي لا تصير وحدة فعلية إلا بعد استقلال المجتمع السياسي وامتيازه من المجتمع المدني، بعد كفاح طويل، في ميدان العمل والإنتاج الاجتماعي، وفي الميدان السياسي الذي يأخذ بالتمايز شيئاً فشيئاً. مبدأ المجتمع المدني، في هذه الحيثية، هو الانتقال من الوحدة البسيطة، وحدة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية، إلى الوحدة المركبة التي لا تصير كذلك إلا بعد استقلال مجالات الحياة الاجتماعية المذكورة وتمايزها، والتي ليست بعد سوى هوية الاختلاف. وقد توهم كثيرون في تفسير تطابق مفهوم المجتمع المدني والمجتمع السياسي، لأنهم أغفلوا الفرق بين الوحدة البسيطة والوحدة المركبة، أي بين الوحدة المباشرة والوحدة الموسَّطة، بلغة الفلسفة. ومعيارنا في ذلك هو انتقال الإنسان من حالة الوحدة البسيطة والمباشرة مع الطبيعة إلى الوحدة المركبة أو الموسَّطة بالعمل والإنتاج الاجتماعي. ومن ثم فإن المعنى العميق للسياسة يكمن في العمل البشري والإنتاج الاجتماعي؛ ولذلك رأيت فيهما أساساً للمجتمع المدني والدولة الوطنية على السواء.
وشروط العقد الاجتماعي أو الشراكة السياسية واحدة في كل مكان وزمان، ترد جميعها إلى شرط واحد، هو التعاقد على نظام عام (قانون عام) يضمن حقوق جميع المتعاقدين ومصالحهم ويصون حريتهم وكرامتهم، ويحقق مساواتهم جميعاً أمام القانون، ويوفر لهم الحماية والأمن، على الصعيدين: الداخلي والخارجي، ويحول دون نشوء أي نوع من الامتيازات التي تثلم مبدأ المساواة بين المتعاقدين. وغاية العقد هي حفظ بقاء الجميع وتحقيق المصلحة المشتركة أو المصلحة العامة التي تعيد تعريف المصالح الخاصة وتحديدها، من دون أن تضر بها. فتغدو مقولات النظام العام والمصلحة العامة والنفع المشترك والإرادة العامة مطابقة لمعنى المجتمع المدني والدولة السياسية. وتتجلى هذه جميعاً في المؤسسة التشريعية بوجه خاص، ولذلك وجب أن يكون أعضاء هذه المؤسسة منتخبين من الشعب ومسؤولين أمامه فقط، وهو ما يجعل منه مصدراً وحيداً للسيادة.
الدولة السياسية أو هيئة السيادة أو الإرادة العامة العليا تستمد من الشعب نفسه وحدتها وأناها أو شخصيتها المشتركة وحياتها وإرادتها وجميع خصائصها الأخرى، فتغدو بذلك شخصية اعتبارية عامة وذاتاً عليا. وبمقدار ما يتمتع به أعضاؤها من حرية واستقلال تكون حرة ومستقلة.
ولا يبعدن بنا الوهم عن الواقع حين نفكر بالعقد الاجتماعي؛ فكل جماعة ترغب في العيش المشترك وتريد ذلك، وكل جماعة أو مجموعة أفراد تريد القيام بعمل مشترك، أو بتأسيس شركة، بالمعنى المباشر للكلمة، أو بإقامة جمعية أو نقابة أو حزب سياسي، أو غير ذلك من الأعمال والأنشطة المشتركة، لا بد أن تتوافق وتتواثق وتتعاهد وتتعاقد على نظام عام، تكون بموجبه هي صاحبة السيادة، ويلتزمه أفرادها التزاماً تاماً ويخضعون له. والإخلال بأي شرط من شروط العقد هو إخلال بالعقد كله من شأنه إما أن يخرج الفرد المخل من إطار الجماعة وإما أن يحدث تغييراً في مضمون الإرادة العامة، فتطغى عليها الإرادة / الإرادات الخاصة وتتحول إلى إرادة تعسفية مثلاً، أو تعصف الامتيازات بمبدأ المساواة بين المشاركين، أو غير ذلك من الأمراض والانحرافات التي تصيب سائر أنواع التضامنيات.
بخلاف أرسطو الذي وصف الإنسان بأنه "حيوان اجتماعي" أو اجتماعي بطبعه، مما يوحي بأن المجتمع من إنتاج الطبيعة، ذهب روسو إلى أن الاجتماع عامة والاجتماع المدني خاصة من إنتاج البشر، من إنتاج الوعي والإرادة، أي من إنتاج التاريخ، من دون أن يتوقف عند السؤال: أيهما كان أولاً. ولعله قدم الوعي على الوجود. ولن نتوقف عند هذه المسألة، فقد سبقت الإشارة إلى أن العمل، عمل الرأس واليدين، هو أساس الاجتماع البشري. لكن ما نريد توكيده أن الاجتماع البشري ابن التاريخ، لا ابن الطبيعة، ومن صنع البشر أنفسهم، لا من صنع أي قوة غير بشرية، متعالية كانت أم محايثة، وهذا هو رهان العلمانية الرئيس. ومن ثم فإن روسو على الخط الذاهب إلى هيغل فماركس في هذه المسألة. أعضاء المجتمع المدني شركاء في هيئة سيادية واحدة (دولة) لا تنقسم ولا تتجزأ، وهم متساوون في هذه الشراكة، ليس لأحدهم أو لبعضهم أي حق ليس للجميع، وليس أي منهم مواطناً أكثر من الآخر؛ ومن هنا قولنا: المواطنة كالإنسانية صفة لا تقبل التفاوت والتفاضل. وهم متساوون لأن كلاً منهم عضو كامل العضوية في الهيئة السيادية، وليس بوسعه أن يكون أكثر أو أقل ويبقى مواطناً وإنساناً. الاجتماع هو أول مظهر من مظاهر إنسانية الإنسان، فليس من إنسانية خارج إطاره.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:37 pm

بموجب العقد الاجتماعي، وعلى شروطه، يدخل كل شريك، أي كل مواطن، في علاقة مزدوجة: علاقة مع الأفراد الآخرين تتعين بموجبها الحقوق المدنية، وعلاقة مع هيئة السيادة نفسها تتعين بموجبها الحقوق السياسية، وتفرض هذه العلاقة المزدوجة التزامات متبادلة. "لكن قاعدة الحقوق المدنية التي بمقتضاها "لا يلزم الإنسان سوى باحترام الالتزامات التي أخذها على نفسه" لا تنطبق على هذا التعاقد، فيما يخص التزامات هيئة السيادة؛ فمما ينافي طبيعة الهيئات السياسية أن تفرض هيئة السيادة على نفسها قانوناً لا تستطيع نقضه، ومن ثم ليس هناك أي نوع من القوانين الأساسية، حتى العقد الاجتماعي نفسه، من شأنه إلزام هيئة الشعب. فعلى الرغم من سمو الدستور والقانون وقدسيتهما إذا شئتم، فإن بوسع الشعب أن يعدلهما أو يغيرهما حين يصيران عقبة في سبيل تقدمه. فإن من يضع الدستور والقانون بوسعه أن يعدلهما ويغيرهما، لأن سيادة القانون ليست سوى التعبير الحقوقي عن سيادة الشعب؛ والسيادة هي ألا يكون الشعب ملزماً إلا بما يلزم نفسه به، وهذا هو قوام حريته. فالهيئة السياسية أو هيئة السيادة المستمدة كيانها من قدسية العقد، لا يمكنها أن تلتزم، حتى إزاء غيرها، ما من شأنه أن يخالف هذا العقد الأصلي، كأن تبيع جزءاً منها أو تخضع لهيئة سيادية أخرى؛ لأن من خرق عقداً به وجوده فقد لاشى وجوده، وما ليس بشيء لا ينتج شيئاً. ومن الضروري تمييز السيادة من هيئة السيادة؛ السيادة هي سيادة الشعب، وهي واحدة لا تتجزأ، ودائمة لا تتبدل، ومستمرة لا تنقطع، وأصلية لا تفوَّض، وثابتة لا تتغير، بخلاف هيئة السيادة. وهي، أي السيادة، محتوى الإرادة العامة والمصلحة العامة ومضمونهما، فهي من ثم محتوى الدولة ومضمونها، والدولة شكلها السياسي فحسب. وهدف الكفاح السياسي في كل أمه هو جعل الشكل مطابقاً للمضمون، أي جعل الدولة ديمقراطية، تكون فيها السيادة الفعلية للشعب.
وما أن تنتظم الجماعة في هيئة فإنه "لا يمكن أن يساء إلى عضو منها دون أن يساء إليها كلها. وأشد من ذلك أن يساء إلى الهيئة، فإن الإهانة تصيب جميع الأعضاء. تلكم هي القاعدة الذهبية التي ينبغي أن نأخذ بها، والتي تغدو قيمة الذهب معها أقل بما لا يقاس. والمصلحة والواجب يفرضان على المتعاقدين أن يتعاونوا، وهؤلاء المواطنون الأحرار أنفسهم يجب عليهم أن يعملوا في هدي هاتين الرابطتين، على استجماع جميع المزايا والفوائد الناجمة عنهما. ولما كانت سيادة الشعب، ولا يستثنى من الشعب أي من أفراده، هي مضمون الإرادة العامة، فإن هذه لا يمكن أن تكون ظالمة وتعسفية، ولا يجوز أن تكون كذلك؛ فالظلم والتعسف اللذان يقعان على فرد أو عدة أفراد أو على جماعة معينة، لأسباب تتعلق بتحديداتهم أو تحديداتها الذاتية، كالدين أو المذهب أو اللغة أو الثقافة أو الانتماء الإثني أو السياسي أو غيرها، إنما يقع على الشعب السيد كله وعلى هيئة السيادة كلها، لأنه، وهذه الحال، يمكن أن يقع على كل واحد وعلى كل فئة. وحين تكون الإرادة العامة ظالمة وتعسفية على هذا النحو يعني أن مبدأ السيادة، مبدأ الدولة، قد أصابه الفساد، وأن العقد الاجتماعي أخذ يتفكك. ولا يمكن أن يشعر المواطنون جميعاً أن الإهانة الواقعة على هيئة السيادة هي إهانة لكل منهم ما لم يكن مبدأ السيادة سليماً، وما لم يكن العقد الاجتماعي وثيقاً، وما لم تكن هيئة السيادة عادلة. ولنقل إن العدل هو مبدأ العلاقة بين المواطن والدولة، العلاقة التي تتعين بموجبها الحقوق السياسية، أو حقوق المواطن، ويتأسس عليها مبدأ المواطنة
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:37 pm

"أما وهيئة السيادة لا تتكون إلا من الأفراد الذين يؤلفونها فليس لها ولا يمكن أن يكون لها مصالح مضادة لمصالحهم، وعلى هذا فسلطة هذه الهيئة لا تحتاج إلى من يضمنها تجاه الرعايا، لأن من المحال أن تتعمد إضرار جميع أعضائها. .. وليس باستطاعتها أن تنزل ضرراً بأحد منهم خاصة. هذه الهيئة قد وُجدت، وهي، لسبب هذا وحده، ما يجب أن تكون عليه دائماً. ولكن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بموقف الرعايا تجاه هيئة السيادة، إذ لا شيء يضمن التزامهم لها، رغم وجود المصلحة المشتركة، إلا إذا اهتدت إلى وسائل تضمن بها ولاءهم. أجل، إن كل فرد يمكن بصفة كونه إنساناً أن تكون له إرادة خاصة مضادة أو غير مماثلة للإرادة العامة التي له بصفة كونه مواطناً: قد توحي إليه مصلحته الخاصة ما لا يتفق والمصلحة المشتركة؛ ووجوده المطلق الذي هو أيضاً بحكم طبيعته مستقل يمكن أن يدفعه إلى أن يعتبر أن ما هو مدين به للمصلحة المشتركة مساهمةٌ منه دون مقابل، وأن خسارتها على الآخرين تكون أقل ضرراً مما سيثقل به كاهله لو قام بدفع ماعليه. ثم إنه ينظر إلى الشخصية المعنوية التي للدولة كأنها كائن من عقل، لأنها ليست إنساناً، فيكون قد تمتع بحقوق المواطن بدون أن يقوم بواجبات الرعية. هذا جور إذا فشا أدى إلى انهيار الهيئة السياسية.
ولكي لا يكون هذا العقد الاجتماعي مجموعة أصول لا طائل تحتها، فقد حوى إلزاماً ضمنياً، لأن هذا الإلزام وحده يمكن أن يكسب الالتزامات الأخرى قوة مؤداها: "إن من يرفض أن يطيع الإرادة العامة ترغمه هيئة السيادة كلها على الطاعة" وهذا لا يعني إلا أنه "يُرغم على أن يكون حراً؛ لأن هذا هو الشرط الذي بمقتضاه يوهب كل مواطن للوطن، فيضمن له الإفلات من كل تبعية شخصية؛ ولأن هذا هو الشرط الذي يوجد أساليب السياسة وينظم تسيير دفتها، وهو وحده الذي يجعل الالتزامات المدنية شرعية؛ ولولا هذا لأصبحت غير معقولة وطاغية واستبدادية، وعرضة لأسوإ أعمال تجاوز حدود السلطة". (راجع ص 29-30).
يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارضاً بين الإرغام الذي يحق لهيئة السيادة أن تمارسه على من لا يطيع الإرادة العامة، أي على من لا يطيع إرادته العاقلة، وبين الحرية؛ فهل يسوغ أن يُرغَم أحد على أن يكون حراً ؟! يفترض روسو أن الحرية، لا الاضطرار، هي أساس العقد الاجتماعي، الذي ليس في التحليل الأخير سوى عنصر الكلية في الفرد الطبيعي الذي صار مواطناً، ومن ثم فإن محاولة الخروج على هذا العقد أو الخروج عنه هو انتكاس إلى الجزئية الخاصة والفردية المحضة، أي انتكاس المواطن إلى الفرد الطبيعي؛ ومن ثم فإن وظيفة الإرغام هي مساعدة الفرد على استعادة كونه مواطناً، أي على إيقاظ عنصر الكلية الذي يتوفر عليه بحكم كونه إنساناً، من جهة، وحماية العقد الاجتماعي الذي هو تعبير الإرادة العامة الحرة من جهة أخرى. إن هدف الإرغام هو خير المواطن ومنفعته، وخير المجتمع الذي قام على التعاقد في الوقت ذاته، وليس من تعارض بين هذا وذاك. ولكن السؤال هنا ينصرف إلى موضوع العقد الاجتماعي الذي ينحصر، كما أرى، في ما هو مشترك بين المتعاقدين، ولا يشمل ما هو غير مشترك مما يجعل من كل فرد كائناً فريداً. في هذه الحيثية فقط يظهر الفارق بين الظلم والجور والإرغام والإكراه والتعسف والطغيان وما إليها وبين القصاص الذي فيه حياة للفرد والمجتمع، والذي ليس سوى التطبيق العادل للقانون. أما في نطاق ما يختلف فيه كل فرد عن الآخرين، فليس ثمة قانون أو نظام عام سوى قانون المجموعات الحرة الرياضي؛ ومن ثم فإن الإرغام والإكراه في هذا المجال ظلم وجور وطغيان واستبداد تتعارض كلها مع مبدأ الحرية المقدس. وحين تتعدى هيئة السيادة حدودها، فتتدخل بقوة العرف أو العادة أو القانون الوضعي في ما ليس موضوعاً للعقد، مما يقع في دائرة الحياة الشخصية الخاصة، تكف عن كونها هيئة سيادة، عامة، وتكف السياسة معها عن كونها سياسة. هناك فارق نوعي بين سيادة القانون وتسويغ العسف والإكراه والظلم والجور والاستبداد باسم القانون. لقد وجد القانون، وهو المعنى الحقوقي للعقد الاجتماعي، من أجل البشر، من أجل خيرهم ومنفعتهم وعيشهم المشترك، ولم يوجد البشر من أجل القانون.
"الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية أوجد في الإنسان تبدلاً ملحوظاً، إذ أحل في سلوكه العدل محل الوهم الفطري، وأكسب أفعاله أدباً كان يعوزها من قبل. .. وقصارى القول: إن ما يفقده الإنسان بالعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية والحق غير المحدود الذي كان له على كل ما يستهويه ويمكنه الوصول إليه؛ وأما ما يكسبه فـهو الحرية المدنية وملكية جميع ما يقتنيه. واجتناباً لوقوع الخطإ في هذه المقاصات يجب الحرص على التمييز بين الحرية الطبيعية التي لا حدود لها إلا قوى الفرد، والحرية المدنية التي تحدها الإرادة العامة، والتمييز بين وضع اليد أوالاستيلاء الذي ليس إلا نتيجة القوة أو حق المستولي الأول، والتملك والملكية التي لا تقوم إلا على سند عملي إيجابي. ويمكننا أن نضيف إلى مقتنى الحال المدنية الحرية الأدبية التي هي وحدها تجعل الرجل سيد نفسه، لأن الباعث المندفع من الشهية وحدها هو "عبودية"؛ والطاعة للقانون الذي فرضناه على أنفسنا هي "حرية" (ص 31-32).
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:37 pm

تتعين الإرادة في الملكية أو في التملك، وهذه الإرادة إما أن تكون ذاتية ومطلقة، فيغدو التملك عدم تملك، لأن ملكية كل شيء هي ملكية لا شيء، وإما أن تكون إرادة موضوعية محدودة بحدود الإرادة العامة، فيغدو التملك حقاً مكتسباً للمالك لا ينازعه فيه أحد، بقدر ما لا ينازع هذا المالك أحداً غيره في ملكيته بغير حق. وما دام الأمر كذلك، فثمة رابطة ضرورية بين الحرية والملكية. والملكية خاصة وعامة، ملكية الفرد أو العائلة، وملكية هيئة السيادة، أي ملكية الدولة، وليس من تناقض بينهما في الدولة المعتدلة. "صحيح أن لكل إنسان طبيعي حق في كل ما هو ضروري له، إلا أن العقد الواقعي الذي يجعله مالكاً لبعض الأموال أو الأعيان يقصيه عما تبقى منها، فإذا ما تقرر نصيبه وجب عليه أن يكتفي به، ولم يعد له حق ما قِبَل الجماعة، ولهذا كان حق الحائز الأول البالغ الضعف في حال الطبيعة مرعياً لدى كل إنسان مدني". وإننا بمراعاة هذا الحق إنما نحترم ما ليس لنا بقدر ما نحترم ما لنا. بل إن ما يصون حقنا فعلاً هو احترامنا ما لسوانا. إن حق الملكية بما هو تعبير عن موضوعية الإرادة يفرض أن الحكام ليسوا سادة الناس ورؤساءهم، بل رؤساء البلاد. وإذا كانت جميع ممتلكات الأفراد مشمولة بالسيادة العامة، فإن "الفريد في أمر نقل الملكية هذا هو أن الشركة الجماعية، بقبولها هبة أملاك الأفراد، لا تجردهم منها، بل بعكس ذلك، تؤمن لهم الحيازة الشرعية وتستبدل بالاغتصاب حقاً صريحاً، وبالانتفاع ملكية؛ فالملاك - إذ اعتبروا مستودعين للملك العام، وإذ أصبحت حقوقهم مرعية محترمة من جميع أعضاء الدولة ومستمسكاً بها بجميع القوى تجاه الأجنبي – قد استردوا بما قاموا به من نزول مجدٍ للمصلحة العامة وأكثر جدوى لهم، جميع ما وهبوا. وهذا التناقض تمكن إزالته بالتمييز بين حقوق هيئة السيادة وحقوق الأفراد على الممتلكات نفسها. إن الحق الذي لكل فرد على عقاره الخاص هو دائماً معلق على حق الجماعة الواقع على الكل، ولولا ذلك لما كان للرابطة الجماعية قوة حقيقية في ممارسة السيادة. ولما كان العدل هو الأساس المفترض لهذه الرابطة فإن هيئة السيادة لا يمكن أن تكون ظالمة أو متحيزة فتعتدي على ملكية الأفراد الخاصة باسم "حق الجماعة" وتظل مع ذلك تعبيراً عن الإرادة العامة.
بموجب العقد الاجتماعي يتخلى كل فرد من أفراد المجتمع عن "الحق المطلق" الذي كان له، في حالة الطبيعة، على كل شيء، وعن رغبته في تملك كل ما يستطيع الحصول عليه بالقوة، وعن حق المستولي الأول، أي عن حريته الطبيعية الذاتية المطلقة، ليستبدل بها جميعاً حقاً مدنياً يحميه القانون على ملكية لا ينازعه فيها أحد، ولا تنتقل بغير إرادته الحرة أو بحق الإرادة العامة المشروطة برضاه وموافقته، وحرية سياسية موضوعية تحدها الإرادة العامة وحقوق المجتمع. صحيح أن حق الفرد معلق على حق المجتمع وإرادته العامة، ولكن حق المجتمع وإرادته لا يكونان حقاً عاماً وإرادة عامة إذا تعارضا مع حق الفرد المكتسب بالقانون ومع إرادته الواعية؛ ولذلك كانت العدالة شرطاً لازماً من شروط الحق العام والإرادة العامة، وإلا جاز لسلطة جائرة أن تهضم حقوق الأفراد باسم المصلحة العامة التي لا تكون في هذه الحال سوى مصلحتها الخاصة. ومن ذلك مثلاً تأميم الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها من دون موافقة أصحابها ومن دون تعويضهم عنها. فلا يحق للدولة تغيير شكل الملكية من دون موافقة الشعب، فاستفتاء الشعب على ذلك ضرورة لا محيد عنها، ولو كان التأميم من قبيل تحقيق المساواة الاجتماعية التي لا معنى لها من دون المساواة السياسية. إن تغيير أشكال الملكية منوط بتحولات نوعية في الحياة الاجتماعية بوجه عام وفي العلاقات الطبقية بوجه خاص، تتجلى هذه التحولات في نمو الوعي الاجتماعي، وفي نمو العلاقة بين المجتمع والدولة وتقدمها باطراد، وفي تحسن نوعية الحياة العامة باطراد. وهنا تكمن الفائدة المعيارية لتجارب "الاشتراكية المحققة"، كما وصفها سمير أمين.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:38 pm

الميثاق الأساسي (العقد الاجتماعي الذي سيعبر عنه الدستور) في أي نظام اجتماعي "لا يقضي على المساواة الطبيعية، بل إنه على العكس يقيم مساواة معنوية وشرعية لما استطاعت الطبيعة أن توجده من تفاوت طبيعي بين الناس، فيصبحون كلهم متساوين بالعهد الذي عقد فيما بينهم، وبحكم القانون، ولو أن بينهم تفاوتاً في القوة أو أو في الثروة أو في الذكاء وتفوق المواهب (راجع الصفحات من 33-36). لا مساواة بلا تفاوت؛ محاولة إلغاء التفاوت، لو كان ذلك ممكناً، هي إلغاء المساواة. سيظل التفاوت ملازماً لبني الإنسان وللمجتمعات والدول، ولا سبيل إلى غير ذلك، لكن المساواة السياسية تحققت بالفعل في المجتمعات المتقدمة، على الرغم من بعض الهنات هنا أو هناك؛ والمساواة الاجتماعية ممكنة وواجبة، ولكن مع لزوم الاختلاف والتفاوت وبقائهما. القيمة البيداغوجية والأخلاقية للمساواة تكمن في وعي الاختلاف والتفاوت، وفي الحد من آثارهما الضارة في الفرد والمجتمع، وفي الجماعة الإنسانية، وفي استثمارهما من أجل حياة أكثر غنى وخصباً وثراء.
تنجم عن العقد الاجتماعي إرادة عامة "توجه قوى الدولة وفقاً للغرض الذي أنشئت من أجله، وهو الخير العام؛ ذلك لأنه إذا كان تناقض المصالح الخاصة قد جعل إنشاء الشركات أمراً ضرورياً، فإن اتفاق هذه المصالح ذاتها هو الذي جعل إنشاءها ممكناً. إن ما هو مشترك في هذه المنافع المختلفة هو الذي يؤلف الرابطة الاجتماعية. ولو لم يكن هناك نقطة اتفاق تلتقي عندها جميع المصالح لم يكن لأي شركة وجود. فعلى أساس هذه المصلحة المشتركة فقط يجب تسيير الإدارة. الإدارة العامة، مفهومة على هذا النحو، هي ممارسة السيادة، هي الصيغة العملية أو الإجرائية للسيادة، والسيادة لا يمكن التصرف بها. "إن هيئة السيادة التي ليست إلا كائناً مشتركاً على وجه جماعي لا تستطيع أن تمثل نفسها إلا بنفسها، لأن السلطة لا الإرادة يمكن نقلها إلى الغير. الإرادة العامة هي أساس الإدارة العامة، ومن ثم فإن الإدارة العامة هي ممارسة السلطة بتفويض من الإرادة العامة، أو من هيئة السيادة.
ولا بد أن يستوقفنا هذا الروح الديمقراطي، روح الاعتدال، والديمقراطية مقترنة بالاعتدال، الروح الديمقراطي الذي لا يرى اختلاف الأفراد فحسب، بل يرى اتفاقهم وتماثلهم، ولا اختلاف بلا تماثل؛ ولا يرى تناقض المصالح فقط، بل يرى اتفاقها وتقاطعها، فالتناقض ليس مطلقاً إلا في الفكر؛ ولا يرى الضرورة وحدها، بل يرى الإمكان الذي يلازمها؛ الواقع جملة من العلاقات الضرورية، لكن جميع العلاقات الضرورية هي بنت الإمكان؛ الواقع إمكاني واحتمالي، لأنه تناقضي، ولأن تناقضاته غير مطلقة، ولأن كل شيء فيه يتوقف على كل شيء، ويتأثر به، ويؤثر فيه؛ وهذا كله كان حاضراً في المقدمات الأولية للرؤية الديمقراطية. الديمقراطية، في هذا المستوى، وثيقة الصلة بنظرية المعرفة، بطريقة تعقل العالم كما هو. ليس هناك "نظرية ديمقراطية"، بل نظرية معرفة ديمقراطية هي الديالكتيك، الديمقراطية نسق مفتوح ومولِّد، لأن افتراضه الأولي يقوم على حرية جميع عناصره وعلى الجدل الذي يحكم العلاقات الضرورية والإرادية فيما بينها، ولنقل إنه يقوم على منطق الإمكان والاحتمال.
الواقع، في علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي، هو المجتمع بما هو عليه، وما يمكن أن يكون عليه، المجتمع التقليدي أو المجتمع المدني، والعلاقات التي تجعل منه هذا أو ذاك، والظاهرات وأشكال التنظيم التي تنجم عن هذه العلاقات، بما في ذلك الدولة. الواقع جملة عينية وعلائقية إمكانية واحتمالية وتناقضية، وكذلك المجتمع. والفارق بين المجتمع التقليدي والمجتمع الحديث، في هذه الحيثية، يكمن في مدى تناسب قوة الجذب إلى المركز وقوة النبذ منه. في المجتمع المدني ثمة تناسب بين قوى الجذب إلى المركز وقوى النبذ منه، لأن العلاقات الاجتماعية والسياسية تتمحور على ما هو عام ومشترك بين المواطنين وبين جميع القوى والفئات الاجتماعية؛ وهذا العنصر العام والمشترك لا يقل واقعية عن عنصر الاختلاف والتباين والتعارض؛ بل إن الثاني هو شرط الأول. التمائل هو الأصل، لأنه حالة اللاتعيُّن، والاختلاف عارض، لأنه سمة المتعين المختوم بخاتم الهلاك، والمحكوم بمبدأ الشكل والتشكل، مبدأ الشكلية القطعية، وبمنطق الصيرورة، فكل كائن، متعيِّن، هو ناتج وصائر. والواقع في علم السياسة هو الشعب والدولة السياسية، وعالم الأمم والشعوب والدول.
"إذا لم يكن من المحال أن تتوافق إرادة خاصة مع الإرادة العامة، في بعض نقاط، فمن المحال، في الأقل، أن يظل هذا التوافق مستمراً وثابتاً؛ لأن الإرادة الخاصة تميل إلى التفضيل والإرادة العامة إلى المساواة" (ص 39). هذا يعني أن العقد الاجتماعي مفتوح على التطور والنمو والتغير من دون أن يفقد صفته التعاقدية. ومن ثم فإن مقولة المجتمع المدني تفقد مضمونها ما لم توضع تحت مقولة التقدم وتنقد بدلالتها باستمرار. بيد أن ما يلفت النظر عند روسو قوله إن ما هو أكثر استحالة من ديمومة الاتفاق بين الإرادة الخاصة والإرادة العامة هو أن نجد ضامناً لهذا الاتفاق الذي يجب أن يوجد، وهو حين يوجد لا يكون سوى نتيجة المصادفة. فالاضطراب السياسي الذي لم تخل منه دولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات كان يفضي دوماً إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي، وفق شروط الواقع المتغير. الاضطراب السياسي هو اختلال التوازن بين الإرادات والمصالح، أو بين الإرادات / المصالح. كما أن المصادفة هي التي تحمل القانون؛ ومن ثم فليس بوسعنا التسليم بأن اتفاق الإرادة الخاصة والإرادة العامة هو محض مصادفة، بل هو القانون الذي تضعه المصادفة ذاتها. وحين تستجيب هيئة السيادة لإرادة خاصة فإما أنها قد أخذت تجنح إلى الفساد، وإما أن في تلك الإرادة الخاصة عنصراً عاماً لم يكن كذلك من قبل. ومع أنه لا يجوز نفي العشوائية والمصادفة في الحياة الاجتماعية، إلا أن هيئة السيادة لا يمكن أن تكون سوى شكل من أشكال القانونية والانتظام. الإرادة العامة لا يمكن أن تكون عشوائية، ولا يجوز أن تكون عشوائية وتظل، مع ذلك، إرادة عامة. والإرادة العامة لا يمكن أن تهدف إلا إلى الخير العام. وحالما يوجد سيد بصفته الفردية والشخصية تنتفي هيئة السيادة، ثم يتلاشى الهيكل السياسي.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:38 pm

الإرادة العامة ليست كذلك، أي ليست إرادة عامة، إلا في ما يجمع عليه المواطنون كافة، فكل امتناع أو اعتراض صريح يزيل صفة العمومية؛ حتى لو صدر هذان الامتناع والاعتراض عن شخص واحد أو عن عدد قليل من الأشخاص, وهذه من أكثر مسائل السياسة غموضاً وتعقيداً، مسائل الإجماع الوطني، ومفهوم المعارضة السياسية وعلاقة الأكثرية السياسية بالأقلية السياسية، في صفوف السلطة والمعارضة على السواء، وحدود الاتفاق والاختلاف بين الإرادات والمصالح الخاصة من جهة وبينها وبين الإرادة العامة من جهة أخرى، ومسألة المسائل، مسألة الانتقال من نظام اجتماعي سياسي إلى آخر، ومن يقرر هذا الانتقال وكيف يتقرر .. إلخ. ونعتقد أن مفهوم المجتمع المدني، بوصفه ميدان العشوائية وفضاء الحرية ومسرح التاريخ ينطوي دوماً على حلول مبتكرة لهذه التعارضات، لا من خلال تنظيماته القائمة والممكنة فحسب، بل من خلال قدرته على تحويل هذه الحلول إلى قوانين تتوقف نجاعتها على مدى حضوره في الدولة السياسية، وقدرته على توجيه دفتها. وليس ذلك فحسب، بل إن مجموعات المعترضين، على اختلاف الموضوعات والمسائل التي يعترضون عليها، يسهمون في إثارة هذه المسائل وإدارة الحوار حولها، بقدر ما يتحولون إلى تنظيمات اجتماعية، كالجمعيات والأحزاب السياسية التي تعبر عن حيوية المجتمع وغناه وسعيه إلى التوازن، وإلى التقدم. ومع أننا لا نستطيع أن نتصور إجماعاً عاماً واتفاقاً كلياً على جميع القضايا، فإننا نفترض أن العقد الاجتماعي يتوفر دوماً على إجماع عام على قضية أساسية واحدة هي إرادة العيش المشترك في دولة واحدة. وحين لا يتوافر مثل هذا الإجماع نكون إزاء مشكلة سياسية تحتاج إلى حل. ومن مصلحة الجميع أن يكون هذا الحل ديمقراطياً؛ فعدم توافر الإجماع هو مما يجعل العقد الاجتماعي باطلاً. ولعل "حق تقرير المصير" هو أحد الضمانات الأساسية لسلامة العقد الاجتماعي، فإن شعباً ما لا يستطيع أن يفرض حتى السعادة على غيرة من دون أن يقوض شروط سعادته وأمنه واستقراره.
بيد أن السيادة غير قابلة للتجزئة والانقسام، للأسباب المانعة للتصرف؛ لأن الإرادة العامة إما أن تكون عامة وإما ألا تكون، وما دامت إرادة عامة فإن لها قوة القانون. وفصل السلطات هو بالأحرى تقسيم للوظائف، لا تقسيم للسيادة، تقسيم أوجبه تقسيم العمل واستقلال مجالات الحياة الاجتماعية في المجتمع المعني. والسيادة ليست ولا يمكن أن تكون جمعاً حسابياً للسلطات التي تقوم كل منها ببعض وظائفها كالتشريع والتنفيذ والقضاء والتربية والأشغال العامة وغيرها. فمؤسسات الدولة عدا المؤسسة التشريعية، لا تعدو كونها مؤسسات وظيفية، لا مؤسسات سيادية. وحدها المؤسسة التشريعية تجمع الصفتين السيادية والوظيفية، على أن الوظيفية تابعة. وثمة فارق جوهري بين إرادة الجميع والإرادة العامة، الأولى جمع حسابي للإرادات، أما الثانية فتجريد منطقي لما هو مشترك بين جميع المواطنين، يتجلى في القانون الأساسي أو الدستور، ولنقل إن هذا التجريد يتجلى في القانون بصفته العامة والمجردة. القانون الذي يراعي ما هو عام ومشترك، ولا يوضع لأي حالة خاصة، ولا يراعي الحالات الخاصة والفروق الفردية.
يعقب روسو على قول المركيز دارجنسون: " إن لكل مصلحة مبادئ مختلفة، واتفاق مصلحتين خاصتين يتم بمضادة مصلحة ثالثة"، بقوله: كان يمكنه أن يزيد: واتفاق جميع المصالح يتم خلافاً لما لكل منها. ولولا تعدد المصالح المختلفة لما أحس الناس بالمصلحة المشتركة التي لا تجد عقبة تقف في وجهها، فيسير كل بنفسه، وتنقطع السياسة عن أن تكون فناً" (ص 44). لولا الاختلاف والتعارض في المصالح، وفي الأفكار والتصورات والعقائد التي تعبر عنها، لما كان هناك حاجة إلى السياسة بما هي تركيب جدلي لجميع الاختلافات والتعارضات، ولا إلى قيام هيئة السيادة بما هي تجريد للعمومية. ويحدد الإرادة العامة بقوله: "وهناك في الغالب، فرق كبير بين إرادة الجميع والإرادة العامة، فهذه لا تلتفت إلا إلى المصلحة العامة، وتلك إلى المصلحة الخاصة وليست هذه إلا مجموعة من إرادات فردية؛ فإذا طرحتَ من هذه الإرادات أنفسها الأقلَّ والأكثر فتلاشى، نتج لك حاصل من الفروق هو الإرادة العامة" (ص 44) وهذا هو التجريد الذي من عمل العقل.
ويضيف:" وللتوصل إلى التعبير الصحيح عن الإرادة العامة، يجب ألا يكون في الدولة جمعية جزئية (لأن كل جمعية أو حزب هي أو هو تعبير عن العمومية في نظر أعضائها أو أعضائه، وتعبير عن الخصوصية في نظر الدولة)، وألا يعبر كل مواطن إلا عن الرأي الذي يراه، وعلى مثل هذا سارت تلك المؤسسة السياسية الفريدة التي أنشأها ليكورج. وإذا كانت هناك شركات جزئية فيجب تكثير عددها والحرص على اجتناب عدم المساواة فيها، كما فعل سولون ونوما وسرفيوس. هذه الاحتياطات هي وحدها صالحة لأن تجعل الإرادة العامة مستنيرة دائماً لئلا يخدع الشعب" (ص 45).
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:39 pm

ولما كانت الدولة شخصاً معنوياً تقوم حياته على اتحاد أعضائه، وحفظ حياته هو أهم ما يعنى به، وجب أن تكون لها قوة شاملة لتحريك جميع أجزائها وإعداد كل منها على أكثر الوجوه ملاءمة للكل (راجع ص 46 ). وهذا يعني أن سيادتها مطلقة وسلطتها مطلقة أيضاً؛ ولكن النظر إلى حقوق الشخص العام المعنوي لا ينبعي أن يصرفنا عن حقوق المواطنين الذين تتألف السيادة منهم، وهم مستقلون عنها حياة وحرية، بحكم الطبيعة. هذه الموازنة بين حقوق الدولة وحقوق المواطن كانت ولا تزال إحدى المشكلات المعقدة. ولذلك شعر روسو عند هذه المسألة بصعوبة شرح موقفه الموزع بين مطلبين مهمين: حقوق الدولة، وحقوق المواطن. ولعل تشبيه الدولة بالشخص، وإن وصف بأنه معنوي، زاد المشكلة تعقيداً؛ ذلك أن حرية الشخص تغني عن حرية كل عضو من أعضائه، أو كل جزء من أجزائه. ما من شك في أن الدولة السياسية هي دولة جميع مواطنيها، ولكن معنى السيادة، بحسب روسو نفسه، لا يحيل على الجمع الحسابي، بل على ما هو مشترك بين جميع المواطنين الذين هم أعضاء فيها بحكم هذه العناصر المشركة فحسب، ومستقلون عنها فيما عدا ذلك، وإلا لما أمكن قيام العقد الاجتماعي ولما نشأت الهيئات السيادية. في حالة الاختلاف المطلق لا يمكن قيام عقد اجتماعي، وفي حالة الاتفاق المطلق لا حاجة إلى العقد أصلاً. ومن نقيضة الاتفاق والاختلاف ينتج كون المواطن حاكماً ومحكوماً في الوقت ذاته؛ الحاكم أو السيد هو المشترك بين جميع المواطنين، هو الإرادة العامة، والمحكوم هو المختلف والمعارض في كل مواطن على حدة؛ الاختلاف هو ما يوجب التعاقد، والاتفاق هو ما يجعله ممكناً. بعكس العبودية والاستبداد، وهما صنوان، إذ الاختلاف (الإرادة الفردية) هو الحاكم والسيد، والاتفاق هو المحكوم (الإرادة العامة). الاختلاف هو علة نشوء الدولة ، ولسوء الحظ، فإن الاختلاف والمعارضة والتمرد هي مواطن الإبداع والتجديد. الإبداع والتجديد كلاهما اختلاف وخروج على السائد والنمطي والمألوف. والدول التي حاولت أن تسيطر على الاختلاف وتلغيه تحولت إلى دول شمولية تسلطية واستبدادية ثم انهارت، وكانت هذه المحاولة، بما فيها من عسف وقسر وإكراه ومعاندة لطبيعة الأشياء، في أساس انهيارها. وبغض النظر عن جميع التفصيلات الأخرى، فإن أسباب انهيار الدول الشمولية والتسلطية هو مخالفتها لـ "قوانين الطبيعة" التي هي قوانين العقل.
وهذا التناقض بين الاختلاف والاتفاق هو تناقض جدلي بالطبع، أي إن الحاكم يمكن أن يصير محكوماً والمحكوم يمكن أن يصير حاكماً، بحكم استحالة دوام الاتفاق، كما أشار روسو، أي بحكم استحالة ثبات أوضاع المجتمع، أي مجتمع، على ما هو عليه، وبحكم عدم ثبات الأفراد على ما هم عليه.
والدولة لا تستمد سيادتها من عدد مواطنيها، وإلا لكان هناك تفاوت وتفاضل في السيادة بين الدول، بحسب عدد السكان، والواقع لم يقل ذلك، ولا يقول ذلك اليوم. لا تفاوت ولا تفاضل بين المواطنين الأحرار والمستقلين في الدولة الواحدة، ولا تفاوت ولا تفاضل في السيادة بين الدول الحرة والمستقلة؛ الاستقلال والسيادة مقولتان متلازمتان، سواء على صعيد الأفراد أو على صعيد المجتمعات والدول. السيادة، بما هي إرادة عامة، أو بما هي سيادة الأمة وسيادة الشعب، دائمة بدوام هذه الإرادة، وشاملة بشمولها، وغير قابلة للتصرف، وغير قابلة للتفويض للأسباب ذاتها. ولكنها في جميع الأحوال ليست سيادة مباشرة على الأفراد، وقد صاروا مواطنين أحراراً ومستقلين؛ بل موسَّطة بالقانون؛ فعلاقة الفرد بالدولة لم تعد علاقة مباشرة وشخصية، أي علاقة تبعية، بل صارت علاقة موسطة وغير مباشرة وغير شخصية، تجري في تنظيمات المجتمع المدني ومؤسساته، فهذه المؤسسات والتنظيمات، ولا سيما النقابات والأحزاب السياسية، هي شكل التوسط لعلاقة الفرد بالدولة، وميدان ممارسته السياسة بمعناها الحديث، وقد غدت لصيقة بمفهوم المواطنة وملازمة له. وهي، فضلاً عن ذلك، الأطر التي تجري فيها التعارضات الاجتماعية، وقد كفت عن كونها تعارضات مباشرة، وصار لها شكل ثقافي وأيديولوجي وسياسي.
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:39 pm

يقول روسو: "التعهدات التي تربطنا بالهيئة الاجتماعية ليست ملزمة لنا إلا لأنها متبادلة، وطبيعتها تظل كما هي، حتى إن الواحد لا يمكنه أن يعمل لغيره دون أن يعمل لنفسه أيضاً: لمَ تكون الإرادة العامة على صواب في كل وقت؟ ولماذا يريد الجميع دائماً سعادة كل "واحد" من المجموع إلا إذا كان ذاك لسبب أنه ما من "أحد" إلا يستملك لنفسه كلمة "كل واحد"، ولا يحلم إلا بنفسه عند التصويت للجميع؟ ويثبت هذا أن المساواة في الحق وإدراك العدل الذي ينجم عن هذه المساواة يتفرعان من إيثار النفس، وبالنتيجة، من طبيعة الإنسان؛ وأن الإرادة العامة لكي تكون هي إياها يجب أن تكون في غرضها وجوهرها، وأن تصدر عن الجميع لكي تطبق على الجميع؛ وأنها تضل جادة السداد والصواب عنما تهدف إلى غرض شخصي معين؛ لأننا عندما نحكم على شخص غريب عنا لا يكون لدينا مبدأ من الإنصاف يهدينا" (ص 47). إن شرط تطبيق أحكام الإرادة العامة (أحكام الدستور والقانون) على الجميع هو صدورها عن الجميع؛ وهو ما يجعل تطبيق هذه الأحكام مقبولاً من الجميع. وإن عبارة الجميع هنا تكافئ عبارة كل واحد التي تنطبق على كل مواطن. وبغير ذلك لا تكون الإرادة عامة.
ولا يتأتى ذلك إلا إذا نأت الإرادة العامة بنفسها عن الفصل في القضايا الخاصة، بغير طريق القضاء المستقل؛ فليس من شأن الإرادة العامة أن تعاقب الأفراد أو تثيبهم، أو تحمل أحدهم أو بعضهم أعباء غير التي يتحملها الآخرون، وحين تفعل ذلك تغدو طرفاً في الخصومة مع إرادة خاصة. ليس للإرادة العامة أن تكون مشرعاً وقاضياً ومنفذاً في الوقت نفسه، وهو ما أوجب فصل السلطات وسيادة القانون. "هيئة السيادة لا تعرف إلا هيكل الأمة" (ص 48) فلا تعنى إلا بما هو عام. "بالميثاق الاجتماعي وهبنا للهيئة السياسية الوجود والحياة، فعلينا الآن أن نهب لها الحركة والإرادة؛ لأن العهد البدائي الذي به تتكون هذه الهيئة لا يحدد شيئاً مما يجب أن تعمله لحفظ نفسها .. لذلك وجب أن تكون هناك عهود وقوانين للجمع بين الحقوق والواجبات، ولرد العدالة إلى غرضها. ففي الحالة الطبيعية، حيث الأشياء كلها مشتركة، أنا لست مديناً بشيء لمن لم أعده بشيء، ولا أعترف لسواي بملكية شيء، إلا إذا كان هذا غير نافع لي؛ وليس الأمر هكذا في الحال المدنية التي حدد فيها القانون جميع الحقوق.
مبدأ القانون أن "الإرادة العامة لا تقع على غرض خاص". فالقانون يمكن أن يمنح امتيازات، ولكن ليس بوسعه أن يمنحها لأشخاص محددين بأعيانهم، وإلا كف عن كونه قانوناً، لأنه كف عن كونه عاماً. حتى التكريم المعنوي، لأشخاص بأعيانهم لخدمات جليلة وأعمال استثنائية، لا تكون بقانون بل بمرسوم. وليس بوسع القانون كذلك أن يعاقب على أفعال أو أعمال خاصة محددة لأشخاص معينين، ويظل مع ذلك عاماً. القانون لا ينظر إلا إلى الأشخاص المجردين والأفعال المجردة؛ فهو إذ يعاقب على السرقة والاختلاس، مثلاً، لا يسمي سارقاً بعينه أو مختلساً بعينه، ولا يسمي المال الذي يقع عليه فعل السرقة أو الاختلاس، ولا يسمي كذلك أنواع السرقات والاختلاسات وحالاتها التي لا تقع تحت حصر، بل يترك ذلك لاجتهاد القضاء في كل حالة خاصة على حدة. إن عمومية القانون وتجرده يحددان الفارق النوعي بين الدولة الحديثة وأنظمة ما قبل الدولة. "والقوانين ليست في ذاتها إلا شروط الشركة المدنية. فالشعب الخاضع لهذه القوانين يجب أن يكون هو الواضع لها، لأن الشركاء الذين يؤلفون الشركة يملكون وحدهم حق وضع شروطها" (ص 55) ولذلك فإن كل دولة يحكمها القانون هي "جمهورية" بالمعنى الذي أشرنا إليه مراراً، أياً كان شكل إدارتها أو نظام حكمها. وتجدر الإشارة إلى أن روسو يعرف الإرادة العامة بأنها القانون. وقد أشرنا إلى أن القانون هو روح الدولة وماهيتها، وليس ذلك إلا لأنه روح الشعب. والقانون لا يكون كذلك إلا إذا توفر على عمومية الإرادة وعمومية الهدف، وإلا فلا موجب لطاعته واحترامه والعمل بمقتضاه، ولا مسوغ لسموه. وما دام الأمر كذلك فإن هيئة السيادة بحصر المعنى هي التي تضع القانون، وليست هذه سوى السلطة التشريعية المنتخبة انتخاباً صحيحاً. على أن من الواجب أن تكون هيئة السيادة مستنيرة، ولا يتأتى لها ذلك إلا باجتماع الإرادة والفهم. (وحدة الفكر والسياسة).
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأحد يوليو 18, 2010 8:39 pm

الخير العام الذي تنشده الإرادة العامة وتضطلع به هيئة السيادة مرده، عند روسو إلى غرضين أصليين: "الحرية والمساواة؛ الحرية، لأن كل تبعية خاصة هي انتزاع مقدار من القوة من جسم الدولة؛ والمساواة، لأن الحرية لا تستطيع أن تبقى من دونها". والمساواة التي لا تستطيع الحرية أن تبقى من دونها ليست مساواة في القوة والغنى على الإطلاق، بيد أن القوة لا ينبغي أن تمارس إلا "بمقتضى المرتبة والقوانين" .. "فيجب ألا يكون أي من المواطنين على درجة من الثراء تمكنه من شراء غيره، وألا يكون هناك مواطن بلغ من الفقر حداً يضطر معه إلى بيع نفسه. وهذا ما يفترض الاعتدال عند الأغنياء والفقراء، ويفترض أن تضع الإرادة العامة حداً للتطرف من أي جهة أتى، التطرف في الغنى والثراء، أو التطرف في الطمع وطلب ما للغير أو مال الغير. هذا الاعتدال (التقريب بين الدرجات القصوى في الغنى والفقر) يمنح الدولة قوة وصلابة وتوازناً واستقراراً. "بيد أن هذه الأغراض العامة التي لكل مؤسسة صالحة، يجب أن يصار إلى تعديلها في كل بلد، بمراعاة العلاقات التي تنشأ عن الوضع المحلي، وعن طبائع السكان .. والذي يجعل تكوين الدولة متيناً متانة حقيقية هو مراعاة التوافق مراعاة تامة، بحيث تتفق العلاقات الطبيعية دائماً مع القوانين على النقاط ذاتها، وتنحصر مهمة هذه القوانين في تثبيت تلك العلاقات ومماشاتها وتصحيحها. .. وإذا ما أخطأ المشترع في غرضه واتخذ مبدأ يخالف المبدأ الذي ينبثق من طبيعة الأشياء .. فإنك ترى القوانين آخذة في الضعف .. والبنية آخذة في الفساد، ولا تنقطع الدولة عن الاضطراب حتى تتداعى أو تتبدل وحتى تكون الطبيعة التي لا تغلب قد استعادت سلطانها. (ص 73-74)
أجل إن مراعاة التوافق بين قوانين الدولة وطبيعة الأشياء هو ما يجعل سياستها عقلانية ومستنيرة. وطبيعة الأشياء في هذا السياق لا تعدو أن تكون منطق الواقع، ببعديه الزماني والمكاني، التاريخي والكوني. والاستقرار الاجتماعي والسياسي، وفق منطق التوافق، يعني اتساق القوانين العامة والممارسة السياسية مع منطق الواقع المتغير باستمرار، وإلا فإن الاستقرار يغدو ركوداً تتفسخ معه بنى المجتمع والدولة على السواء. وبمقدار توافق قوانين الدولة وقوانين الواقع الذي هو واقع البشر أنفسهم ومن إنتاجهم، تتحول القوانين، في نهاية المطاف إلى نوع من قانون أخلاقي يجعل من احترام حقوق الآخرين وحرياتهم موقفاً جوانياً هو سمة الإنسان المتمدن. فإن غاية القوانين القصوى هي أنسنة العلاقات الاجتماعية، بما فيها العلاقات السياسية بالطبع. ومن ثم فإن معيار قوة الدولة السياسية التي تؤكدها جميع البحوث النظرية هو قدرتها على حماية الحرية، حرية جميع مواطني الدولة بلا استثناء. ولا ضير في توكيد حقيقة أن الدولة الحرة هي تلك التي يكون جميع مواطنيها أحراراً
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28418
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف الموسيقار الأربعاء سبتمبر 22, 2010 2:38 pm

الفكرة السورية أقتربت أن تتحقق في مصر ربنا يستر .
الموسيقار
الموسيقار
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50509
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Empty رد: المجتمع المدني هوية الاختلاف

مُساهمة من طرف احمد حسانين الناظر الأحد ديسمبر 05, 2010 1:38 am

المجتمع المدني هوية الاختلاف  - صفحة 3 Zohd-7ozn0004
احمد حسانين الناظر
احمد حسانين الناظر
عضو مميز
عضو مميز

رقم العضوية : 325
عدد المساهمات : 1059
المهارة : 11168
تاريخ التسجيل : 29/10/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 3 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى