فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 3
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
سورة الأحزاب
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)
سورة الأحزاب
الوحدة الأولى:1 - 8 الموضوع:توجيهات للنبي وإبطال الظهار وميثاق الأنبياء التعريف بسورة الأحزاب
هذه السورة تتناول قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة , في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى , إلى ما قبل صلح الحديبية , وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة تصويرا واقعيا مباشرا . وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة , والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشىء .
والتوجيهات والتعقيبات على هذه الأحداث والتنظيمات قليلة نسبيا ; ولا تشغل من جسم السورة إلا حيزا محدودا , يربط الأحداث والتنظيمات بالأصل الكبير . أصل العقيدة في الله والاستسلام لقدره . ذلك كافتتاح السورة: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين , إن الله كان عليما حكيما . واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا , وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا . ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه . . .). . وكالتعقيب على بعض التنظيمات الاجتماعية في أول السورة: (كان ذلك في الكتاب مسطورا . وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم , وأخذنا منهم ميثاقا غليظا , ليسأل الصادقين عن صدقهم , وأعد للكافرين عذابا أليما). . والتعقيب على موقف المرجفين "يوم الأحزاب" التي سميت السورة باسمها . (قل:لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل , وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل:من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ? ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا). . ومثل قوله في صدد أحد التنظيمات الاجتماعية الجديدة , المخالفة لمألوف النفوس في الجاهلية: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . وأخيرا ذلك الإيقاع الهائل العميقإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها , وأشفقن منها , وحملها الإنسان , إنه كان ظلوما جهولا). .
ولهذه الفترة التي تتناولها السورة من حياة الجماعة المسلمة سمة خاصة , فهي الفترة التي بدأ فيها بروز ملامح الشخصية المسلمة في حياة الجماعة وفي حياة الدولة ; ولم يتم استقرارها بعد ولا سيطرتها الكاملة . كالذي تم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا , واستتباب الأمر للدولة الإسلامية , وللنظام الإسلامي .
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)
سورة الأحزاب
الوحدة الأولى:1 - 8 الموضوع:توجيهات للنبي وإبطال الظهار وميثاق الأنبياء التعريف بسورة الأحزاب
هذه السورة تتناول قطاعا حقيقيا من حياة الجماعة المسلمة , في فترة تمتد من بعد غزوة بدر الكبرى , إلى ما قبل صلح الحديبية , وتصور هذه الفترة من حياة المسلمين في المدينة تصويرا واقعيا مباشرا . وهي مزدحمة بالأحداث التي تشير إليها خلال هذه الفترة , والتنظيمات التي أنشأتها أو أقرتها في المجتمع الإسلامي الناشىء .
والتوجيهات والتعقيبات على هذه الأحداث والتنظيمات قليلة نسبيا ; ولا تشغل من جسم السورة إلا حيزا محدودا , يربط الأحداث والتنظيمات بالأصل الكبير . أصل العقيدة في الله والاستسلام لقدره . ذلك كافتتاح السورة: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين , إن الله كان عليما حكيما . واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا , وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا . ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه . . .). . وكالتعقيب على بعض التنظيمات الاجتماعية في أول السورة: (كان ذلك في الكتاب مسطورا . وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم , وأخذنا منهم ميثاقا غليظا , ليسأل الصادقين عن صدقهم , وأعد للكافرين عذابا أليما). . والتعقيب على موقف المرجفين "يوم الأحزاب" التي سميت السورة باسمها . (قل:لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل , وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل:من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ? ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا). . ومثل قوله في صدد أحد التنظيمات الاجتماعية الجديدة , المخالفة لمألوف النفوس في الجاهلية: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . وأخيرا ذلك الإيقاع الهائل العميقإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها , وأشفقن منها , وحملها الإنسان , إنه كان ظلوما جهولا). .
ولهذه الفترة التي تتناولها السورة من حياة الجماعة المسلمة سمة خاصة , فهي الفترة التي بدأ فيها بروز ملامح الشخصية المسلمة في حياة الجماعة وفي حياة الدولة ; ولم يتم استقرارها بعد ولا سيطرتها الكاملة . كالذي تم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا , واستتباب الأمر للدولة الإسلامية , وللنظام الإسلامي .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
والسورة تتولى جانبا من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة , وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة ; وبيان أصولها من العقيدة والتشريع ; كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها ; وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد .
وفي ثنايا الحديث عن تلك الأوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة الأحزاب , وغزوة بني قريظة , ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما , ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة , وما وقع من خلخلة وأذى بسبب هذه الدسائس وتلك المواقف . كما تعرض بعدها دسائسهم وكيدهم للمسلمين في أخلاقهم وآدابهم وبيوتهم ونسائهم .
ونقطة الاتصال في سياق السورة بين تلك الأوضاع والنظم وهاتين الغزوتين وما وقع فيهما من أحداث , هي علاقة هذه وتلك بمواقف الكافرين والمنافقين واليهود ; وسعي هذه الفئات لإيقاع الاضطراب في صفوف الجماعة المسلمة . سواء عن طريق الهجوم الحربي والإرجاف في الصفوف والدعوة إلى الهزيمة ; أو عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية والآداب الخلقية . . ثم ما نشأ من الغزوات والغنائم من آثار في حياة الجماعة المسلمة تقتضي تعديل بعض الأوضاع الاجتماعية والتصورات الشعورية ; وإقامتها على أساس ثابت يناسب تلك الآثار التي خلفتها الغزوات والغنائم في واقع الجماعة المسلمة .
ومن هذا الجانب وذاك تبدو وحدة السورة , وتماسك سياقها , وتساوق موضوعاتها المنوعة . وهذا وذلك إلى جانب وحدة الزمن التي تربط بين الأحداث والتنظيمات التي تتناولها السورة .
تبدأ السورة ذلك البدء بتوجيه الرسول [ ص ] إلى تقوى الله وعدم الطاعة للكافرينوالمنافقين , واتباع ما يوحي إليه ربه , والتوكل عليه وحده . وهو البدء الذي يربط سائر ما ورد في السورة من تنظيمات وأحداث بالأصل الكبير الذي تقوم عليه شرائع هذا الدين وتوجيهاته . ونظمه وأوضاعه , وآدابه وأخلاقه . . أصل استشعار القلب لجلال الله , والاستسلام المطلق لإرادته ; واتباع المنهج الذي اختاره , والتوكل عليه وحده والاطمئنان إلى حمايته ونصرته .
وبعد ذلك يلقي بكلمة الحق والفصل في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية . مبتدئا بإيقاع حاسم يقرر حقيقة واقعة: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). . يرمز بها إلى أن الإنسان لا يملك أن يتجه إلى أكثر من أفق واحد , ولا أن يتبع أكثر من منهج واحد , وإلا نافق , واضطربت خطاه . وما دام لا يملك إلا قلبا واحدا , فلا بد أن يتجه إلى إله واحد وأن يتبع نهجا واحدا ; وأن يدع ما عداه من مألوفات وتقاليد وأوضاع وعادات .
ومن ثم يأخذ في إبطال عادة الظهار - وهو أن يحلف الرجل على امرأته أنها عليه كظهر أمه فتحرم عليه حرمة أمه: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم). ويقرر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ولا ينشئ حقيقة وراءه , بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أما بهذا الكلام . . ويثني بإبطال عادة التبني وآثاره: (وما
وفي ثنايا الحديث عن تلك الأوضاع والنظم يرد الحديث عن غزوة الأحزاب , وغزوة بني قريظة , ومواقف الكفار والمنافقين واليهود فيهما , ودسائسهم في وسط الجماعة المسلمة , وما وقع من خلخلة وأذى بسبب هذه الدسائس وتلك المواقف . كما تعرض بعدها دسائسهم وكيدهم للمسلمين في أخلاقهم وآدابهم وبيوتهم ونسائهم .
ونقطة الاتصال في سياق السورة بين تلك الأوضاع والنظم وهاتين الغزوتين وما وقع فيهما من أحداث , هي علاقة هذه وتلك بمواقف الكافرين والمنافقين واليهود ; وسعي هذه الفئات لإيقاع الاضطراب في صفوف الجماعة المسلمة . سواء عن طريق الهجوم الحربي والإرجاف في الصفوف والدعوة إلى الهزيمة ; أو عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية والآداب الخلقية . . ثم ما نشأ من الغزوات والغنائم من آثار في حياة الجماعة المسلمة تقتضي تعديل بعض الأوضاع الاجتماعية والتصورات الشعورية ; وإقامتها على أساس ثابت يناسب تلك الآثار التي خلفتها الغزوات والغنائم في واقع الجماعة المسلمة .
ومن هذا الجانب وذاك تبدو وحدة السورة , وتماسك سياقها , وتساوق موضوعاتها المنوعة . وهذا وذلك إلى جانب وحدة الزمن التي تربط بين الأحداث والتنظيمات التي تتناولها السورة .
تبدأ السورة ذلك البدء بتوجيه الرسول [ ص ] إلى تقوى الله وعدم الطاعة للكافرينوالمنافقين , واتباع ما يوحي إليه ربه , والتوكل عليه وحده . وهو البدء الذي يربط سائر ما ورد في السورة من تنظيمات وأحداث بالأصل الكبير الذي تقوم عليه شرائع هذا الدين وتوجيهاته . ونظمه وأوضاعه , وآدابه وأخلاقه . . أصل استشعار القلب لجلال الله , والاستسلام المطلق لإرادته ; واتباع المنهج الذي اختاره , والتوكل عليه وحده والاطمئنان إلى حمايته ونصرته .
وبعد ذلك يلقي بكلمة الحق والفصل في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية . مبتدئا بإيقاع حاسم يقرر حقيقة واقعة: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). . يرمز بها إلى أن الإنسان لا يملك أن يتجه إلى أكثر من أفق واحد , ولا أن يتبع أكثر من منهج واحد , وإلا نافق , واضطربت خطاه . وما دام لا يملك إلا قلبا واحدا , فلا بد أن يتجه إلى إله واحد وأن يتبع نهجا واحدا ; وأن يدع ما عداه من مألوفات وتقاليد وأوضاع وعادات .
ومن ثم يأخذ في إبطال عادة الظهار - وهو أن يحلف الرجل على امرأته أنها عليه كظهر أمه فتحرم عليه حرمة أمه: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم). ويقرر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ولا ينشئ حقيقة وراءه , بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أما بهذا الكلام . . ويثني بإبطال عادة التبني وآثاره: (وما
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
جعل أدعياءكم أبناءكم)فلا يعودون بعد اليوم يتوارثون , ولا تترتب على هذا التبني آثاره الأخرى [ التي سنفصل الحديث عنها فيما بعد ] . ويستبقي بعد ذلك أو ينشىء الولاية العامة لرسول الله [ ص ] على المؤمنين جميعا ; ويقدم هذه الولاية على ولايتهم لأنفسهم ; كما ينشيء صلة الأمومة الشعورية بين أزواج النبي [ ص ] وجميع المؤمنين: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم). . ثم يبطل آثار المؤاخاة التي تمت في أول الهجرة ; ويرد الأمر إلى القرابة الطبيعية في الإرث والدية وما إليها: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين . وبذلك يعيد تنظيم الجماعة الإسلامية على الأسس الطبيعية ويبطل ما عداها من التنظيمات الوقتية .
ويعقب على هذا التنظيم الجديد , الذي يستمد من منهج الإسلام وحكم الله ; بالإشارة إلى أن ذلك مسطور في كتاب الله القديم , وإلى الميثاق المأخوذ على النبيين , وعلى أولي العزم منهم بصفة خاصة . على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات , والمبادئ , والتوجيهات , لتقر في الضمائر والأخلاد .
وهذا هو إجمال الشوط الأول في السورة .
ويتناول الشوط الثاني بيان نعمة الله على المؤمنين , إذ رد عنهم كيد الأحزاب والمهاجمين . ثم يأخذ في تصوير وقعتي الأحزاب وبني قريظة تصويرا حيا , في مشاهد متعاقبة , ترسم المشاعر الباطنة , والحركات الظاهرة , والحوار بين الجماعات والأفراد . وفي خلال رسم المعركة وتطوراتها تجيء التوجيهات في موضعها المناسب ; وتجيء التعقيبات على الأحداث مقررة للمنهج القرآني في إنشاء القيم الثابتة التي يقررها للحياة , من خلال ما وقع فعلا , وما جاش في الأخلاد والضمائر .
وطريقة القرآن الدائمة في مثل هذه الوقائع التي يتخذ منها وسيلة لبناء النفوس , وتقرير القيم , ووضعالموازين وإنشاء التصورات التي يريد لها أن تسود . . طريقة القرآن في مثل هذه الوقائع أن يرسم الحركة التي وقعت , ويرسم معها المشاعر الظاهرة والباطنة , ويسلط عليها الأضواء التي تكشف زواياها وخباياها . ثم يقول للمؤمنين حكمه على ما وقع , ونقده لما فيه من خطأ وانحراف , وثناءه على ما فيه من صواب واستقامة , وتوجيهه لتدارك الخطأ والانحراف , وتنمية الصواب والاستقامة . وربط هذا كله بقدر الله وإرادته وعمله ونهجه المستقيم , وبفطرة النفس , ونواميس الوجود .
وهكذا نجد وصف المعركة يبدأ بقوله تعالىيا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها , وكان الله بما تعملون بصيرا). . ويتوسطها قوله . (قل:لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل:من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة . ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا). . وبقولهلقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). . ويختمها بقولهليجزي الله الصادقين بصدقهم , ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما). .
ويعقب على هذا التنظيم الجديد , الذي يستمد من منهج الإسلام وحكم الله ; بالإشارة إلى أن ذلك مسطور في كتاب الله القديم , وإلى الميثاق المأخوذ على النبيين , وعلى أولي العزم منهم بصفة خاصة . على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات , والمبادئ , والتوجيهات , لتقر في الضمائر والأخلاد .
وهذا هو إجمال الشوط الأول في السورة .
ويتناول الشوط الثاني بيان نعمة الله على المؤمنين , إذ رد عنهم كيد الأحزاب والمهاجمين . ثم يأخذ في تصوير وقعتي الأحزاب وبني قريظة تصويرا حيا , في مشاهد متعاقبة , ترسم المشاعر الباطنة , والحركات الظاهرة , والحوار بين الجماعات والأفراد . وفي خلال رسم المعركة وتطوراتها تجيء التوجيهات في موضعها المناسب ; وتجيء التعقيبات على الأحداث مقررة للمنهج القرآني في إنشاء القيم الثابتة التي يقررها للحياة , من خلال ما وقع فعلا , وما جاش في الأخلاد والضمائر .
وطريقة القرآن الدائمة في مثل هذه الوقائع التي يتخذ منها وسيلة لبناء النفوس , وتقرير القيم , ووضعالموازين وإنشاء التصورات التي يريد لها أن تسود . . طريقة القرآن في مثل هذه الوقائع أن يرسم الحركة التي وقعت , ويرسم معها المشاعر الظاهرة والباطنة , ويسلط عليها الأضواء التي تكشف زواياها وخباياها . ثم يقول للمؤمنين حكمه على ما وقع , ونقده لما فيه من خطأ وانحراف , وثناءه على ما فيه من صواب واستقامة , وتوجيهه لتدارك الخطأ والانحراف , وتنمية الصواب والاستقامة . وربط هذا كله بقدر الله وإرادته وعمله ونهجه المستقيم , وبفطرة النفس , ونواميس الوجود .
وهكذا نجد وصف المعركة يبدأ بقوله تعالىيا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها , وكان الله بما تعملون بصيرا). . ويتوسطها قوله . (قل:لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلا . قل:من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة . ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا). . وبقولهلقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). . ويختمها بقولهليجزي الله الصادقين بصدقهم , ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
وهذا إلى جانب عرض تصورات المؤمنين الصادقين للموقف , وتصورات المنافقين والذين في قلوبهم مرض عرضا يكشف عن القيم الصحيحة والزائفة من خلال تلك التصوراتوإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). .(ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا:هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله , وما زادهم إلا إيمانا وتسليما). . ثم تجيء العاقبة بالقول الفصل والخبر اليقينورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا , وكفى الله المؤمنين القتال , وكان الله قويا عزيزا). .
بعد ذلك يجيء قرار تخيير أزواج النبي [ ص ] اللواتي طالبنه بالتوسعة في النفقة عليهن بعدما وسع الله عليه وعلى المسلمين من فيء بني قريظة العظيم وما قبله من الغنائم . تخييرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وإيثار الله ورسوله والدار الآخرة . وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة , ورضين هذا المقام الكريم عند الله ورسول الله [ ص ] , وآثرنه على متاع الحياة . ومن ثم جاءهن البيان عن جزائهن المضاعف في الأجر إن اتقين وفي العذاب إن ارتكبن فاحشة مبينة . وعلل هذه المضاعفة بمقامهن الكريم وصلتهن برسول الله [ ص ] ونزول القرآن في بيوتهن وتلاوته , والحكمة التي يسمعنها من النبي [ ص ] واستطرد في بيان جزاء المؤمنين كافة والمؤمنات .
وكان هذا هو الشوط الثالث .
فأما الشوط الرابع فتناول إشارة غير صريحة إلى موضوع تزويج زينب بنت جحش القرشية الهاشمية بنت عمة رسول الله [ ص ] من زيد بن حارثة مولاه . وما نزل في شأنه أولا من رد أمر المؤمنين والمؤمنات كافة إلى الله , ليس لهم منه شيء , وليس لهم في أنفسهم خيرة . إنما هي إرادة الله وقدره الذي يسير كل شيء , ويستسلم له المؤمن الاستسلام الكامل الصريحوما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). .
ثم يعقب حادث الزواج حادث الطلاق ; وما وراءه من إبطال آثار التبني , الذي سبق الكلام عليه في أولالسورة . إبطاله بسابقة عملية ; يختار لها رسول الله [ ص ] بشخصه , لشدة عمق هذه العادة في البيئة العربية , وصعوبة الخروج عليها . فيقع الابتلاء على رسول الله [ ص ] ليحملها فيما يحمل من أعباء الدعوة وتقرير أصولها في واقع المجتمع , بعد تقريرها في أعماق الضمير: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا). .
وبهذه المناسبة يوضح حقيقة العلاقة بين رسول الله [ ص ] والمؤمنين كافة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين). .
ويختم هذا الشوط بتوجيهات للرسول [ ص ] ومن معه من المؤمنين . .(ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). .
بعد ذلك يجيء قرار تخيير أزواج النبي [ ص ] اللواتي طالبنه بالتوسعة في النفقة عليهن بعدما وسع الله عليه وعلى المسلمين من فيء بني قريظة العظيم وما قبله من الغنائم . تخييرهن بين متاع الحياة الدنيا وزينتها وإيثار الله ورسوله والدار الآخرة . وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة , ورضين هذا المقام الكريم عند الله ورسول الله [ ص ] , وآثرنه على متاع الحياة . ومن ثم جاءهن البيان عن جزائهن المضاعف في الأجر إن اتقين وفي العذاب إن ارتكبن فاحشة مبينة . وعلل هذه المضاعفة بمقامهن الكريم وصلتهن برسول الله [ ص ] ونزول القرآن في بيوتهن وتلاوته , والحكمة التي يسمعنها من النبي [ ص ] واستطرد في بيان جزاء المؤمنين كافة والمؤمنات .
وكان هذا هو الشوط الثالث .
فأما الشوط الرابع فتناول إشارة غير صريحة إلى موضوع تزويج زينب بنت جحش القرشية الهاشمية بنت عمة رسول الله [ ص ] من زيد بن حارثة مولاه . وما نزل في شأنه أولا من رد أمر المؤمنين والمؤمنات كافة إلى الله , ليس لهم منه شيء , وليس لهم في أنفسهم خيرة . إنما هي إرادة الله وقدره الذي يسير كل شيء , ويستسلم له المؤمن الاستسلام الكامل الصريحوما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). .
ثم يعقب حادث الزواج حادث الطلاق ; وما وراءه من إبطال آثار التبني , الذي سبق الكلام عليه في أولالسورة . إبطاله بسابقة عملية ; يختار لها رسول الله [ ص ] بشخصه , لشدة عمق هذه العادة في البيئة العربية , وصعوبة الخروج عليها . فيقع الابتلاء على رسول الله [ ص ] ليحملها فيما يحمل من أعباء الدعوة وتقرير أصولها في واقع المجتمع , بعد تقريرها في أعماق الضمير: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا). .
وبهذه المناسبة يوضح حقيقة العلاقة بين رسول الله [ ص ] والمؤمنين كافة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين). .
ويختم هذا الشوط بتوجيهات للرسول [ ص ] ومن معه من المؤمنين . .(ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
ويبدأ الشوط الخامس ببيان حكم المطلقات قبل الدخول . ثم يتناول تنظيم الحياة الزوجية للنبي [ ص ] فيبين من يحل له من النساء المؤمنات ومن يحرمن عليه . ويستطرد إلى تنظيم علاقة المسلمين ببيوت النبي وزوجاته , في حياته وبعد وفاته وتقرير احتجابهن إلا على آبائهن أو أبنائهن أو إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن , أو ما ملكت أيمانهن . وإلى بيان جزاء الذين يؤذون رسول الله [ ص ] في أزواجه وبيوته وشعوره ; ويلعنهم في الدنيا والآخرة . مما يشي بأن المنافقين وغيرهم كانوا يأتون من هذا شيئا كثيرا .
ويعقب على هذا بأمر أزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين كافة أن يدنين عليهن من جلابيبهن (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). . وبتهديد المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة بإغراء النبي [ ص ] بهم وإخراجهم من المدينة كما خرج من قبل بنو قينقاع وبنو النضير , أو القضاء عليهم كما وقع لبني قريظة أخيرا . وكل هذا يشير إلى شدة إيذاء هذه المجموعة للمجتمع الإسلامي في المدينة بوسائل شريرة خبيثة .
والشوط السادس والأخير في السورة يتضمن سؤال الناس عن الساعة , والإجابة على هذا التساؤل بأن علم الساعة عند الله , والتلويح بأنها قد تكون قريبا . ويتبع هذا مشهد من مشاهد القيامةيوم تقلب وجوههم في النار يقولون:يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا). . ونقمتهم على سادتهم وكبرائهم الذين أطاعوهم فأضلوهم: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا). .
ثم تختم السورة بإيقاع هائل عميق الدلالة والتأثيرإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها , وحملها الإنسان , إنه كان ظلوما جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات , ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات . وكان الله غفورا رحيما). .
وهو إيقاع يكشف عن جسامة العبء الملقى على عاتق البشرية , وعلى عاتق الجماعة المسلمة بصفة خاصة ; وهي التي تنهض وحدها بعبء هذه الأمانة الكبرى . أمانة العقيدة والاستقامة عليها . والدعوة والصبر على تكاليفها , والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم . مما يتمشى مع موضوع السورة , وجوها ; وطبيعة المنهج الإلهي الذي تتولى السورة تنظيم المجتمع الإسلامي على أساسه .
والآن نتناول السورة بالتفصيل بعد هذا الإجمال السريع .
الدرس الأول:1 - 3 توجيهات للنبي عليه السلام وللأمة من بعده
(يا أيها النبي اتق الله , ولا تطع الكافرين والمنافقين , إن الله كان عليما حكيما . واتبع ما يوحى إليك من ربك , إن الله كان بما تعملون خبيرا . وتوكل على الله , وكفى بالله وكيلا). .
ويعقب على هذا بأمر أزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين كافة أن يدنين عليهن من جلابيبهن (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). . وبتهديد المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة بإغراء النبي [ ص ] بهم وإخراجهم من المدينة كما خرج من قبل بنو قينقاع وبنو النضير , أو القضاء عليهم كما وقع لبني قريظة أخيرا . وكل هذا يشير إلى شدة إيذاء هذه المجموعة للمجتمع الإسلامي في المدينة بوسائل شريرة خبيثة .
والشوط السادس والأخير في السورة يتضمن سؤال الناس عن الساعة , والإجابة على هذا التساؤل بأن علم الساعة عند الله , والتلويح بأنها قد تكون قريبا . ويتبع هذا مشهد من مشاهد القيامةيوم تقلب وجوههم في النار يقولون:يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا). . ونقمتهم على سادتهم وكبرائهم الذين أطاعوهم فأضلوهم: (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا). .
ثم تختم السورة بإيقاع هائل عميق الدلالة والتأثيرإنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها , وحملها الإنسان , إنه كان ظلوما جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات , ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات . وكان الله غفورا رحيما). .
وهو إيقاع يكشف عن جسامة العبء الملقى على عاتق البشرية , وعلى عاتق الجماعة المسلمة بصفة خاصة ; وهي التي تنهض وحدها بعبء هذه الأمانة الكبرى . أمانة العقيدة والاستقامة عليها . والدعوة والصبر على تكاليفها , والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم . مما يتمشى مع موضوع السورة , وجوها ; وطبيعة المنهج الإلهي الذي تتولى السورة تنظيم المجتمع الإسلامي على أساسه .
والآن نتناول السورة بالتفصيل بعد هذا الإجمال السريع .
الدرس الأول:1 - 3 توجيهات للنبي عليه السلام وللأمة من بعده
(يا أيها النبي اتق الله , ولا تطع الكافرين والمنافقين , إن الله كان عليما حكيما . واتبع ما يوحى إليك من ربك , إن الله كان بما تعملون خبيرا . وتوكل على الله , وكفى بالله وكيلا). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
هذا هو ابتداء السورة التي تتولى تنظيم جوانب من الحياة الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي الوليد . وهو ابتداء يكشف عن طبيعة النظام الإسلامي والقواعد التي يقوم عليها في عالم الواقع وعالم الضمير .
إن الإسلام ليس مجموعة إرشادات ومواعظ , ولا مجموعة آداب وأخلاق , ولا مجموعة شرائع وقوانين , ولا مجموعة أوضاع وتقاليد . . إنه يشتمل على هذا كله . ولكن هذا كله ليس هو الإسلام . إنما الإسلام الاستسلام . الاستسلام لمشيئة الله وقدره ; والاستعداد ابتداء لطاعة أمره ونهيه ; ولاتباع المنهج الذي يقرره دون التلفت إلى أي توجيه آخر وإلى أي اتجاه . ودون اعتماد كذلك على سواه . وهو الشعور ابتداء بأن البشر في هذه الأرض خاضعون للناموس الإلهي الواحد الذي يصرفهم ويصرف الأرض , كما يصرف الكواكب والأفلاك ; ويدبر أمر الوجود كله ما خفي منه وما ظهر , وما غاب منه وما حضر , وما تدركه منه العقول وما يقصر عنه إدراك البشر . وهو اليقين بأنهم ليس لهم من الأمر شيء إلا اتباع ما يأمرهم به الله والانتهاء عما ينهاهم عنه ; والأخذ بالأسباب التي يسرها لهم , وارتقاب النتائج التي يقدرها الله . . هذه هي القاعدة . ثم تقوم عليها الشرائع والقوانين , والتقاليد والأوضاع , والآداب والأخلاق . بوصفها الترجمة العملية لمقتضيات العقيدة المستكنة في الضمير ; والآثار الواقعية لاستسلام النفس لله , والسير على منهجه في الحياة . . إن الإسلام عقيدة . تنبثق منها شريعة . يقوم على هذه الشريعة نظام . وهذه الثلاثة مجتمعة مترابطة متفاعلة هي الإسلام . .
ومن ثم كان التوجيه الأول في السورة التي تتولى تنظيم الحياة الاجتماعية للمسلمين بتشريعات وأوضاع جديدة , هو التوجيه إلى تقوى الله . وكان القول موجها إلى النبي [ ص ] القائم على تلك التشريعات والتنظيمات . . (يا أيها النبي اتق الله). . فتقوى الله والشعور برقابته واستشعار جلاله هي القاعدة الأولى , وهي الحارس القائم في أعماق الضمير على التشريع والتنفيذ . وهي التي يناط بها كل تكليف في الإسلام وكل توجيه .
وكان التوجيه الثاني هو النهي عن طاعة الكافرين والمنافقين , واتباع توجيههم أو اقتراحهم , والاستماع إلى رأيهم أو تحريضهم: (ولا تطع الكافرين والمنافقين). . وتقديم هذا النهي على الأمر باتباع وحي الله يوحي بأن ضغط الكافرين والمنافقين في المدينة وما حولها كان في ذلك الوقت عنيفا , فاقتضى هذا النهي عن اتباع آرائهم وتوجيهاتهم , والخضوع لدفعهم وضغطهم . ثم يبقى ذلك النهي قائما في كل بيئة وكل زمان , يحذر المؤمنين أن يتبعوا آراء الكافرين والمنافقين إطلاقا , وفي أمر العقيدة وأمر التشريع وأمر التنظيم الاجتماعي بصفة خاصة . ليبقى منهجهم خالصا لله , غير مشوب بتوجيه من سواه .
ولا ينخدع أحد بما يكون عند الكافرين والمنافقين من ظاهر العلم والتجربة والخبرة - كما يسوغ بعض المسلمين لأنفسهم في فترات الضعف والانحراف - فإن الله هو العليم الحكيم ; وهو الذي اختار للمؤمنين منهجهم وفق علمه وحكمته: (إن الله كان عليما حكيما). . وما عند البشر إلا قشور , وإلا قليل !
إن الإسلام ليس مجموعة إرشادات ومواعظ , ولا مجموعة آداب وأخلاق , ولا مجموعة شرائع وقوانين , ولا مجموعة أوضاع وتقاليد . . إنه يشتمل على هذا كله . ولكن هذا كله ليس هو الإسلام . إنما الإسلام الاستسلام . الاستسلام لمشيئة الله وقدره ; والاستعداد ابتداء لطاعة أمره ونهيه ; ولاتباع المنهج الذي يقرره دون التلفت إلى أي توجيه آخر وإلى أي اتجاه . ودون اعتماد كذلك على سواه . وهو الشعور ابتداء بأن البشر في هذه الأرض خاضعون للناموس الإلهي الواحد الذي يصرفهم ويصرف الأرض , كما يصرف الكواكب والأفلاك ; ويدبر أمر الوجود كله ما خفي منه وما ظهر , وما غاب منه وما حضر , وما تدركه منه العقول وما يقصر عنه إدراك البشر . وهو اليقين بأنهم ليس لهم من الأمر شيء إلا اتباع ما يأمرهم به الله والانتهاء عما ينهاهم عنه ; والأخذ بالأسباب التي يسرها لهم , وارتقاب النتائج التي يقدرها الله . . هذه هي القاعدة . ثم تقوم عليها الشرائع والقوانين , والتقاليد والأوضاع , والآداب والأخلاق . بوصفها الترجمة العملية لمقتضيات العقيدة المستكنة في الضمير ; والآثار الواقعية لاستسلام النفس لله , والسير على منهجه في الحياة . . إن الإسلام عقيدة . تنبثق منها شريعة . يقوم على هذه الشريعة نظام . وهذه الثلاثة مجتمعة مترابطة متفاعلة هي الإسلام . .
ومن ثم كان التوجيه الأول في السورة التي تتولى تنظيم الحياة الاجتماعية للمسلمين بتشريعات وأوضاع جديدة , هو التوجيه إلى تقوى الله . وكان القول موجها إلى النبي [ ص ] القائم على تلك التشريعات والتنظيمات . . (يا أيها النبي اتق الله). . فتقوى الله والشعور برقابته واستشعار جلاله هي القاعدة الأولى , وهي الحارس القائم في أعماق الضمير على التشريع والتنفيذ . وهي التي يناط بها كل تكليف في الإسلام وكل توجيه .
وكان التوجيه الثاني هو النهي عن طاعة الكافرين والمنافقين , واتباع توجيههم أو اقتراحهم , والاستماع إلى رأيهم أو تحريضهم: (ولا تطع الكافرين والمنافقين). . وتقديم هذا النهي على الأمر باتباع وحي الله يوحي بأن ضغط الكافرين والمنافقين في المدينة وما حولها كان في ذلك الوقت عنيفا , فاقتضى هذا النهي عن اتباع آرائهم وتوجيهاتهم , والخضوع لدفعهم وضغطهم . ثم يبقى ذلك النهي قائما في كل بيئة وكل زمان , يحذر المؤمنين أن يتبعوا آراء الكافرين والمنافقين إطلاقا , وفي أمر العقيدة وأمر التشريع وأمر التنظيم الاجتماعي بصفة خاصة . ليبقى منهجهم خالصا لله , غير مشوب بتوجيه من سواه .
ولا ينخدع أحد بما يكون عند الكافرين والمنافقين من ظاهر العلم والتجربة والخبرة - كما يسوغ بعض المسلمين لأنفسهم في فترات الضعف والانحراف - فإن الله هو العليم الحكيم ; وهو الذي اختار للمؤمنين منهجهم وفق علمه وحكمته: (إن الله كان عليما حكيما). . وما عند البشر إلا قشور , وإلا قليل !
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
والتوجيه الثالث المباشر: (واتبع ما يوحى إليك من ربك). فهذه هي الجهة التي تجيء منها التوجيهات , وهذا هو المصدر الحقيق بالاتباع . والنص يتضمن لمسات موحية تكمن في صياغة التعبير: (واتبع ما يوحى
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
إليك من ربك). فالوحي(إليك)بهذا التخصيص . والمصدر (من ربك)بهذه الإضافة . فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة , فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع . . والتعقيب: (إن الله كان بما تعملون خبيرا). . فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون ; وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون , ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير .
والتوجيه الأخير: (وتوكل على الله , وكفى بالله وكيلا). . فلا يهمنك أكانوا معك أم كانوا عليك ; ولا تحفل كيدهم ومكرهم ; وألق بأمرك كله إلى الله , يصرفه بعلمه وحكمته وخبرته . . ورد الأمر إلى الله في النهاية والتوكل عليه وحده , هو القاعدة الثابتة المطمئنة التي يفيء إليها القلب ; فيعرف عندها حدوده , وينتهي إليها ; ويدع ما وراءها لصاحب الأمر والتدبير , في ثقة وفي طمأنينة وفي يقين .
وهذه العناصر الثلاثة:تقوى الله . واتباع وحيه . والتوكل عليه - مع مخالفة الكافرين والمنافقين - هي العناصر التي تزود الداعية بالرصيد ; وتقيم الدعوة على منهجها الواضح الخالص . من الله , وإلى الله , وعلى الله . (وكفى بالله وكيلا).
ويختم هذه التوجيهات بإيقاع حاسم مستمد من مشاهدة حسية:
(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
إنه قلب واحد , فلا بد له من منهج واحد يسير عليه . ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه . ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم , ويقوم به الأحداث والأشياء . وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى , ولم يستقم على اتجاه .
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ; ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ; ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ; ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع . . فهذا الخليط لا يكون إنسانا له قلب . إنما يكون مزقا وأشلاء ليس لها قوام !
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
إليك من ربك). فالوحي(إليك)بهذا التخصيص . والمصدر (من ربك)بهذه الإضافة . فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة , فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع . . والتعقيب: (إن الله كان بما تعملون خبيرا). . فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون ; وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون , ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير .
والتوجيه الأخير: (وتوكل على الله , وكفى بالله وكيلا). . فلا يهمنك أكانوا معك أم كانوا عليك ; ولا تحفل كيدهم ومكرهم ; وألق بأمرك كله إلى الله , يصرفه بعلمه وحكمته وخبرته . . ورد الأمر إلى الله في النهاية والتوكل عليه وحده , هو القاعدة الثابتة المطمئنة التي يفيء إليها القلب ; فيعرف عندها حدوده , وينتهي إليها ; ويدع ما وراءها لصاحب الأمر والتدبير , في ثقة وفي طمأنينة وفي يقين .
وهذه العناصر الثلاثة:تقوى الله . واتباع وحيه . والتوكل عليه - مع مخالفة الكافرين والمنافقين - هي العناصر التي تزود الداعية بالرصيد ; وتقيم الدعوة على منهجها الواضح الخالص . من الله , وإلى الله , وعلى الله . (وكفى بالله وكيلا).
ويختم هذه التوجيهات بإيقاع حاسم مستمد من مشاهدة حسية:
(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
إنه قلب واحد , فلا بد له من منهج واحد يسير عليه . ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه . ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم , ويقوم به الأحداث والأشياء . وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى , ولم يستقم على اتجاه .
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ; ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ; ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ; ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع . . فهذا الخليط لا يكون إنسانا له قلب . إنما يكون مزقا وأشلاء ليس لها قوام !
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقا , ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها , صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا . لا يملك أن يقول كلمة , أو يتحرك حركة , أو ينوي نية . أو يتصور تصورا , غير محكوم في هذا كله بعقيدته - إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه - لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد , يخضع لناموس واحد , ويستمد من تصور واحد , ويزن بميزان واحد .
لا يملك صاحب العقيدة أن يقول عن فعل فعله:فعلت كذا بصفتي الشخصية . وفعلت كذا بصفتي الإسلامية ! كما يقول رجال السياسة أو رجال الشركات . أو رجال الجمعيات الاجتماعية أو العلمية وما إليها في هذه الأيام ! إنه شخص واحد له قلب واحد , تعمره عقيدة واحدة . وله تصور واحد للحياة , وميزان واحد للقيم . وتصوره المستمد من عقيدته متلبس بكل ما يصدر عنه , في كل حالة من حالاته على السواء .
وبهذا القلب الواحد يعيش فردا , ويعيش في الأسرة , ويعيش في الجماعة , ويعيش في الدولة . ويعيش في العالم . ويعيش سرا وعلانية . ويعيش عاملا وصاحب عمل . ويعيش حاكما ومحكوما . ويعيش في السراء والضراء . . فلا تتبدل موازينه , ولا تتبدل قيمه , ولا تتبدل تصوراته . . (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
ومن ثم فهو منهج واحد , وطريق واحد , ووحي واحد , واتجاه واحد . وهو استسلام لله وحده . فالقلب الواحد لا يعبد إلهين , ولا يخدم سيدين , ولا ينهج نهجين , ولا يتجه اتجاهين . وما يفعل شيئا من هذا إلا أن يتمزق ويتفرق ويتحول إلى أشلاء وركام !
الدرس الثاني:4 - 5 إبطال الظهار والتبني
وبعد هذا الإيقاع الحاسم في تعيين المنهج والطريق يأخذ في إبطال عادة الظهار وعادة التبني . ليقيم المجتمع على أساس الأسرة الواضح السليم المستقيم:
(وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم . وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ذلكم قولكم بأفواهكم , والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم . وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم . وكان الله غفورا رحيما).
كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته:أنت علي كظهر أمي . أي حرام محرمة كما تحرم علي أمي . ومن ساعتئذ يحرم عليه وطؤها ; ثم تبقى معلقة , لا هي مطلقة فتتزوج غيره , ولا هي زوجة فتحل له . وكان في هذا من القسوة ما فيه ; وكان طرفا من سوء معاملة المرأة في الجاهلية والاستبداد بها , وسومها كل مشقة وعنت .
لا يملك صاحب العقيدة أن يقول عن فعل فعله:فعلت كذا بصفتي الشخصية . وفعلت كذا بصفتي الإسلامية ! كما يقول رجال السياسة أو رجال الشركات . أو رجال الجمعيات الاجتماعية أو العلمية وما إليها في هذه الأيام ! إنه شخص واحد له قلب واحد , تعمره عقيدة واحدة . وله تصور واحد للحياة , وميزان واحد للقيم . وتصوره المستمد من عقيدته متلبس بكل ما يصدر عنه , في كل حالة من حالاته على السواء .
وبهذا القلب الواحد يعيش فردا , ويعيش في الأسرة , ويعيش في الجماعة , ويعيش في الدولة . ويعيش في العالم . ويعيش سرا وعلانية . ويعيش عاملا وصاحب عمل . ويعيش حاكما ومحكوما . ويعيش في السراء والضراء . . فلا تتبدل موازينه , ولا تتبدل قيمه , ولا تتبدل تصوراته . . (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
ومن ثم فهو منهج واحد , وطريق واحد , ووحي واحد , واتجاه واحد . وهو استسلام لله وحده . فالقلب الواحد لا يعبد إلهين , ولا يخدم سيدين , ولا ينهج نهجين , ولا يتجه اتجاهين . وما يفعل شيئا من هذا إلا أن يتمزق ويتفرق ويتحول إلى أشلاء وركام !
الدرس الثاني:4 - 5 إبطال الظهار والتبني
وبعد هذا الإيقاع الحاسم في تعيين المنهج والطريق يأخذ في إبطال عادة الظهار وعادة التبني . ليقيم المجتمع على أساس الأسرة الواضح السليم المستقيم:
(وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم . وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ذلكم قولكم بأفواهكم , والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم . وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم . وكان الله غفورا رحيما).
كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته:أنت علي كظهر أمي . أي حرام محرمة كما تحرم علي أمي . ومن ساعتئذ يحرم عليه وطؤها ; ثم تبقى معلقة , لا هي مطلقة فتتزوج غيره , ولا هي زوجة فتحل له . وكان في هذا من القسوة ما فيه ; وكان طرفا من سوء معاملة المرأة في الجاهلية والاستبداد بها , وسومها كل مشقة وعنت .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
فلما أخذ الإسلام يعيد تنظيم العلاقات الإجتماعية في محيط الأسرة ; ويعتبر الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى ; ويوليها من عنايته ما يليق بالمحضن الذي تنشأ فيه الأجيال . . جعل يرفع عن المرأة هذا الخسف ; وجعل يصرف تلك العلاقات بالعدل واليسر . وكان مما شرعه هذه القاعدة: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم). . فإن قولة باللسان لا تغير الحقيقة الواقعة , وهي أن الأم أم والزوجة زوجة ; ولا تتحول طبيعة العلاقة بكلمة ! ومن ثم لم يعد الظهار تحريما أبديا كتحريم الأم كما كان في الجاهلية .
وقد روي أن إبطال عادة الظهار شرع فيما نزل من "سورة المجادلة " عندما ظاهر أوس بن الصامت من زوجه خولة بنت ثعلبة , فجاءت إلى رسول الله [ ص ] تشكو تقول:يا رسول الله , أكل مالي , وأفنى شبابي , ونثرت له بطني . حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي , ظاهر مني . فقال [ ص ] " ما أراك إلا قد حرمت عليه " . فأعادت ذلك مرارا . فأنزل الله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله , والله يسمع تحاوركما , إن الله سميع بصير . الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم , إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم , وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا . وإن الله لعفو غفور . والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - من قبل أن يتماسا - ذلكم توعظون به . والله بما تعملون خبير . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ; فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا . ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله . وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم . . فجعل الظهار تحريما مؤقتا للوطء - لا مؤبدا ولا طلاقا - كفارته عتق رقبة , أو(صيام شهرين متتابعين أو(إطعام ستين مسكينا). وبذلك تحل الزوجة مرة أخرى , وتعود الحياة الزوجية لسابق عهدها . ويستقر الحكم الثابت المستقيم على الحقيقة الواقعة: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم). . وتسلم الأسرة من التصدع بسبب تلك العادة الجاهلية , التي كانت تمثل طرفا من سوم المرأة الخسف والعنت , ومن اضطراب علاقات الأسرة وتعقيدها وفوضاها , تحت نزوات الرجال وعنجهيتهم في المجتمع الجاهلي .
هذه مسألة الظهار . فأما مسألة التبني , ودعوة الأبناء إلى غير آبائهم , فقد كانت كذلك تنشأ من التخلخلفي بناء الأسرة , وفي بناء المجتمع كله .
ومع ما هو مشهور من الاعتزاز بالعفة في المجتمع العربي , والاعتزاز بالنسب , فإنه كانت توجد إلى جانب هذا الاعتزاز ظواهر أخرى مناقضة في المجتمع , في غير البيوت المعدودة ذات النسب المشهور .
كان يوجد في المجتمع أبناء لا يعرف لهن آباء ! وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه . يدعوه ابنه , ويلحقه بنسبه , فيتوارث وإياه توارث النسب .
وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون . ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء فيأخذه لنفسه , ويتبناه , ويلحقه بنسبه , فيعرف بين الناس باسم الرجل الذي تبناه , ويدخل في أسرته . وكان هذا يقع بخاصة في السبي ,
وقد روي أن إبطال عادة الظهار شرع فيما نزل من "سورة المجادلة " عندما ظاهر أوس بن الصامت من زوجه خولة بنت ثعلبة , فجاءت إلى رسول الله [ ص ] تشكو تقول:يا رسول الله , أكل مالي , وأفنى شبابي , ونثرت له بطني . حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي , ظاهر مني . فقال [ ص ] " ما أراك إلا قد حرمت عليه " . فأعادت ذلك مرارا . فأنزل الله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله , والله يسمع تحاوركما , إن الله سميع بصير . الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم , إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم , وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا . وإن الله لعفو غفور . والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - من قبل أن يتماسا - ذلكم توعظون به . والله بما تعملون خبير . فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ; فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا . ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله . وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم . . فجعل الظهار تحريما مؤقتا للوطء - لا مؤبدا ولا طلاقا - كفارته عتق رقبة , أو(صيام شهرين متتابعين أو(إطعام ستين مسكينا). وبذلك تحل الزوجة مرة أخرى , وتعود الحياة الزوجية لسابق عهدها . ويستقر الحكم الثابت المستقيم على الحقيقة الواقعة: (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم). . وتسلم الأسرة من التصدع بسبب تلك العادة الجاهلية , التي كانت تمثل طرفا من سوم المرأة الخسف والعنت , ومن اضطراب علاقات الأسرة وتعقيدها وفوضاها , تحت نزوات الرجال وعنجهيتهم في المجتمع الجاهلي .
هذه مسألة الظهار . فأما مسألة التبني , ودعوة الأبناء إلى غير آبائهم , فقد كانت كذلك تنشأ من التخلخلفي بناء الأسرة , وفي بناء المجتمع كله .
ومع ما هو مشهور من الاعتزاز بالعفة في المجتمع العربي , والاعتزاز بالنسب , فإنه كانت توجد إلى جانب هذا الاعتزاز ظواهر أخرى مناقضة في المجتمع , في غير البيوت المعدودة ذات النسب المشهور .
كان يوجد في المجتمع أبناء لا يعرف لهن آباء ! وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه . يدعوه ابنه , ويلحقه بنسبه , فيتوارث وإياه توارث النسب .
وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون . ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء فيأخذه لنفسه , ويتبناه , ويلحقه بنسبه , فيعرف بين الناس باسم الرجل الذي تبناه , ويدخل في أسرته . وكان هذا يقع بخاصة في السبي ,
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
حين يؤخذ الأطفال والفتيان في الحروب والغارات ; فمن شاء أن يلحق بنسبه واحدا من هؤلاء دعاه ابنه , وأطلق عليه اسمه , وعرف به , وصارت له حقوق البنوة وواجباتها .
ومن هؤلاء زيد بن حارثة الكلبي . وهو من قبيلة عربية . سبي صغيرا في غارة أيام الجاهلية ; فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة - رضي الله عنها - فلما تزوجها رسول الله [ ص ] وهبته له . ثم طلبه أبوه وعمه فخيره رسول الله [ ص ] فاختار رسول الله [ ص ] فأعتقه , وتبناه , وكانوا يقولون عنه:زيد بن محمد . وكان أول من آمن به من الموالي .
فلما شرع الإسلام ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبيعي لها , ويحكم روابطها , ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه . . أبطل عادة التبني هذه ; ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية . . علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية . وقال: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم). . (ذلكم قولكم بأفواهكم). . والكلام لا يغير واقعا , ولا ينشئ علاقة غير علاقة الدم , وعلاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة , وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي !
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل). .
يقول الحق المطلق الذي لا يلابسه باطل . ومن الحق إقامة العلاقات على تلك الرابطة الحقة المستمدة من اللحم والدم , لا على كلمة تقال بالفم . (وهو يهدي السبيل)المستقيم , المتصل بناموس الفطرة الأصيل , الذي لا يغني غناءه سبيل آخر من صنع البشر , يصنعونه بأفواههم . بكلمات لا مدلول لها من الواقع . فتغلبها كلمة الحق والفطرة التي يقولها الله ويهدي بها السبيل .
(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). .
وإنه لقسط وعدل أن يدعى الولد لأبيه . عدل للوالد الذي نشأ هذا الولد من بضعة منه حية . وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه , ويرثه ويورثه , ويتعاون معه ويكون امتدادا له بوراثاته الكامنة , وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده . وعدل للحق في ذاته الذي يضع كل شيء في مكانه ; ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري , ولا يضيع مزية على والد ولا ولد ; كما أنه لا يحمل غير الوالد الحقيقي تبعة البنوة , ولا يعطيه مزاياها . ولا يحمل غير الولد الحقيقي تبعة البنوة ولا يحابيه بخيراتها !
وهذا هو النظام الذي يجعل التبعات في الأسرة متوازنة . ويقيم الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع . وهو في الوقت ذاته يقيم بناء المجتمع على قاعدة حقيقية قوية بما فيها من الحق ومن مطابقة الواقع الفطري العميق . . وكل نظام يتجاهل حقيقة الأسرة الطبيعية هو نظام فاشل , ضعيف , مزور الأسس ,
ومن هؤلاء زيد بن حارثة الكلبي . وهو من قبيلة عربية . سبي صغيرا في غارة أيام الجاهلية ; فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة - رضي الله عنها - فلما تزوجها رسول الله [ ص ] وهبته له . ثم طلبه أبوه وعمه فخيره رسول الله [ ص ] فاختار رسول الله [ ص ] فأعتقه , وتبناه , وكانوا يقولون عنه:زيد بن محمد . وكان أول من آمن به من الموالي .
فلما شرع الإسلام ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبيعي لها , ويحكم روابطها , ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه . . أبطل عادة التبني هذه ; ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية . . علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية . وقال: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم). . (ذلكم قولكم بأفواهكم). . والكلام لا يغير واقعا , ولا ينشئ علاقة غير علاقة الدم , وعلاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة , وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي !
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل). .
يقول الحق المطلق الذي لا يلابسه باطل . ومن الحق إقامة العلاقات على تلك الرابطة الحقة المستمدة من اللحم والدم , لا على كلمة تقال بالفم . (وهو يهدي السبيل)المستقيم , المتصل بناموس الفطرة الأصيل , الذي لا يغني غناءه سبيل آخر من صنع البشر , يصنعونه بأفواههم . بكلمات لا مدلول لها من الواقع . فتغلبها كلمة الحق والفطرة التي يقولها الله ويهدي بها السبيل .
(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). .
وإنه لقسط وعدل أن يدعى الولد لأبيه . عدل للوالد الذي نشأ هذا الولد من بضعة منه حية . وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه , ويرثه ويورثه , ويتعاون معه ويكون امتدادا له بوراثاته الكامنة , وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده . وعدل للحق في ذاته الذي يضع كل شيء في مكانه ; ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري , ولا يضيع مزية على والد ولا ولد ; كما أنه لا يحمل غير الوالد الحقيقي تبعة البنوة , ولا يعطيه مزاياها . ولا يحمل غير الولد الحقيقي تبعة البنوة ولا يحابيه بخيراتها !
وهذا هو النظام الذي يجعل التبعات في الأسرة متوازنة . ويقيم الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع . وهو في الوقت ذاته يقيم بناء المجتمع على قاعدة حقيقية قوية بما فيها من الحق ومن مطابقة الواقع الفطري العميق . . وكل نظام يتجاهل حقيقة الأسرة الطبيعية هو نظام فاشل , ضعيف , مزور الأسس ,
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (5)
لا يمكن أن يعيش !
ونظرا للفوضى في علاقات الأسرة في الجاهلية والفوضى الجنسية كذلك , التي تخلف عنها أن تختلط الأنساب , وأن يجهل الآباء في بعض الأحيان , فقد يسر الإسلام الأمر - وهو بصدد إعادة تنظيم الأسرة , وإقامة النظام الاجتماعي على أساسها - فقرر في حالة عدم الاهتداء إلى معرفة الآباء الحقيقيين مكانا للأدعياء في الجماعة الإسلامية , قائما على الأخوة في الدين والموالاة فيه:
(فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم). .
وهي علاقة أدبية شعورية ; لا تترتب عليها التزامات محددة , كالتزام التوارث والتكافل في دفع الديات - وهي التزامات النسب بالدم , التي كانت تلتزم كذلك بالتبني - وذلك كي لا يترك هؤلاء الأدعياء بغير رابطة في الجماعة بعد إلغاء رابطة التبني .
وهذا النص: (فإن لم تعلموا آباءهم). . يصور لنا حقيقة الخلخلة في المجتمع الجاهلي . وحقيقة الفوضى في العلاقات الجنسية . هذه الفوضى وتلك الخلخلة التي عالجها الإسلام بإقامة نظام الأسرة على أساس الأبوة . وإقامة نظام المجتمع على أساس الأسرة السليمة .
وبعد الاجتهاد في رد الأنساب إلى حقائقها فليس على المؤمنين من مؤاخذة في الحالات التي يعجزون عن الاهتداء فيها إلى النسب الصحيح:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ; ولكن ما تعمدت قلوبكم). .
وهذه السماحة مردها إلى أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالغفران والرحمة , فلا يعنت الناس بما لا يستطيعون:
(وكان الله غفورا رحيما). .
ولقد شدد رسول الله [ ص ] في التثبت والتأكد من النسب لتوكيد جدية التنظيم الجديد الذي يلغي كل أثر للتخلخل الاجتماعي الجاهلي . وتوعد الذين يكتمون الحقيقة في الأنساب بوصمة الكفر . قال ابن جرير:حدثنا يعقوب بن إبراهيم . حدثنا ابن علية . عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال:قال أبو بكر - رضي الله عنه - قال الله عز وجل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله , فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم
لا يمكن أن يعيش !
ونظرا للفوضى في علاقات الأسرة في الجاهلية والفوضى الجنسية كذلك , التي تخلف عنها أن تختلط الأنساب , وأن يجهل الآباء في بعض الأحيان , فقد يسر الإسلام الأمر - وهو بصدد إعادة تنظيم الأسرة , وإقامة النظام الاجتماعي على أساسها - فقرر في حالة عدم الاهتداء إلى معرفة الآباء الحقيقيين مكانا للأدعياء في الجماعة الإسلامية , قائما على الأخوة في الدين والموالاة فيه:
(فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم). .
وهي علاقة أدبية شعورية ; لا تترتب عليها التزامات محددة , كالتزام التوارث والتكافل في دفع الديات - وهي التزامات النسب بالدم , التي كانت تلتزم كذلك بالتبني - وذلك كي لا يترك هؤلاء الأدعياء بغير رابطة في الجماعة بعد إلغاء رابطة التبني .
وهذا النص: (فإن لم تعلموا آباءهم). . يصور لنا حقيقة الخلخلة في المجتمع الجاهلي . وحقيقة الفوضى في العلاقات الجنسية . هذه الفوضى وتلك الخلخلة التي عالجها الإسلام بإقامة نظام الأسرة على أساس الأبوة . وإقامة نظام المجتمع على أساس الأسرة السليمة .
وبعد الاجتهاد في رد الأنساب إلى حقائقها فليس على المؤمنين من مؤاخذة في الحالات التي يعجزون عن الاهتداء فيها إلى النسب الصحيح:
(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ; ولكن ما تعمدت قلوبكم). .
وهذه السماحة مردها إلى أن الله سبحانه وتعالى يتصف بالغفران والرحمة , فلا يعنت الناس بما لا يستطيعون:
(وكان الله غفورا رحيما). .
ولقد شدد رسول الله [ ص ] في التثبت والتأكد من النسب لتوكيد جدية التنظيم الجديد الذي يلغي كل أثر للتخلخل الاجتماعي الجاهلي . وتوعد الذين يكتمون الحقيقة في الأنساب بوصمة الكفر . قال ابن جرير:حدثنا يعقوب بن إبراهيم . حدثنا ابن علية . عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال:قال أبو بكر - رضي الله عنه - قال الله عز وجل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله , فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
فأنا ممن لا يعرف أبوه , فأنا من إخوانكم في الدين . . قال أبي [ من كلام عيينة بن عبد الرحمن ]:والله إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه . وقد جاء في الحديث:" من ادعى إلى غير أبيه - وهو يعلم - إلا كفر " . . وهذا التشديد يتمشى مع عناية الإسلام بصيانة الأسرة وروابطها من كل شبهة ومن كل دخل ; وحياطتها بكل أسباب السلامة والاستقامة والقوة والثبوت . ليقيم عليها بناء المجتمع المتماسك السليم النظيف العفيف .
الدرس الثالث:6 ولاية النبي وولاية أولي الأرحام
بعد ذلك يقرر إبطال نظام المؤاخاة كما أبطل نظام التبني . ونظام المؤاخاة لم يكن جاهليا ; إنما هو نظام استحدثه الإسلام بعد الهجرة , لمواجهة حالة المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأهليهم في مكة ; ومواجهة الحالة كذلك بين المسلمين في المدينة ممن انفصلت علاقاتهم بأسرهم نتيجة لإسلامهم . . وذلك مع تقرير الولاية العامة
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (
للنبي [ ص ] وتقديمها على جميع ولايات النسب ; وتقرير الأمومة الروحية بين أزواجه [ ص ] وجميع المؤمنين:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وأزواجه أمهاتهم ; وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين . إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا . كان ذلك في الكتاب مسطورا . .
لقد هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة , تاركين وراءهم كل شيء , فارين إلى الله بدينهم , مؤثرين عقيدتهم على وشائج القربى , وذخائر المال , وأسباب الحياة , وذكريات الطفولة والصبا , ومودات الصحبة والرفقة , ناجين بعقيدتهم وحدها , متخلين عن كل ما عداها . وكانوا بهذه الهجرة على هذا النحو , وعلى هذا الانسلاخ من كل عزيز على النفس , بما في ذلك الأهل والزوج والولد - المثل الحي الواقع في الأرض على تحقق العقيدة في صورتها الكاملة , واستيلائها على القلب , بحيث لا تبقى فيه بقية لغير العقيدة . وعلى توحيد الشخصية الإنسانية لتصدق قول الله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
الدرس الثالث:6 ولاية النبي وولاية أولي الأرحام
بعد ذلك يقرر إبطال نظام المؤاخاة كما أبطل نظام التبني . ونظام المؤاخاة لم يكن جاهليا ; إنما هو نظام استحدثه الإسلام بعد الهجرة , لمواجهة حالة المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأهليهم في مكة ; ومواجهة الحالة كذلك بين المسلمين في المدينة ممن انفصلت علاقاتهم بأسرهم نتيجة لإسلامهم . . وذلك مع تقرير الولاية العامة
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (
للنبي [ ص ] وتقديمها على جميع ولايات النسب ; وتقرير الأمومة الروحية بين أزواجه [ ص ] وجميع المؤمنين:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وأزواجه أمهاتهم ; وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين . إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا . كان ذلك في الكتاب مسطورا . .
لقد هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة , تاركين وراءهم كل شيء , فارين إلى الله بدينهم , مؤثرين عقيدتهم على وشائج القربى , وذخائر المال , وأسباب الحياة , وذكريات الطفولة والصبا , ومودات الصحبة والرفقة , ناجين بعقيدتهم وحدها , متخلين عن كل ما عداها . وكانوا بهذه الهجرة على هذا النحو , وعلى هذا الانسلاخ من كل عزيز على النفس , بما في ذلك الأهل والزوج والولد - المثل الحي الواقع في الأرض على تحقق العقيدة في صورتها الكاملة , واستيلائها على القلب , بحيث لا تبقى فيه بقية لغير العقيدة . وعلى توحيد الشخصية الإنسانية لتصدق قول الله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
كذلك وقع في المدينة شيء من هذا في صورة أخرى . فقد دخل في الإسلام أفراد من بيوت , وظل آخرون فيها على الشرك . فانبتت العلاقة بينهم وبين قرابتهم . ووقع على أية حال تخلخل في الروابط العائلية ; وتخلخل أوسع منه في الارتباطات الاجتماعية .
وكان المجتمع الإسلامي لا يزال وليدا , والدولة الإسلامية الناشئة أقرب إلى أن تكون فكرة مسيطرة على النفس , من أن تكون نظاما مستندا إلى أوضاع مقررة .
هنا ارتفعت موجة من المد الشعوري للعقيدة الجديدة , تغطي على كل العواطف والمشاعر , وكل الأوضاع والتقاليد , وكل الصلات والروابط . لتجعل العقيدة وحدها هي الوشيجة التي تربط القلوب , وتربط - في الوقت ذاته - الوحدات التي انفصلت عن أصولها الطبيعية في الأسرة والقبيلة ; فتقوم بينها مقام الدم والنسب , والمصلحة والصداقة والجنس واللغة وتمزج بين هذه الوحدات الداخلة في الإسلام , فتجعل منها كتلة حقيقية متماسكة متجانسة متعاونة متكافلة . لا بنصوص التشريع , ولا بأوامر الدولة ; ولكن بدافع داخلي ومد شعوري . يتجاوز كل ما ألفه البشر في حياتهم العادية . وقامت الجماعة الإسلامية على هذا الأساس , حيث لم يكن مستطاعا أن تقوم على تنظيم الدولة وقوة الأوضاع .
نزل المهاجرون على إخوانهم الأنصار , الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم ; فاستقبلوهم في دورهم وفي قلوبهم , وفي أموالهم . وتسابقوا إلى إيوائهم ; وتنافسوا فيهم حتى لم ينزل مهاجري في دار أنصاري إلا بقرعة . إذ كان عدد المهاجرين أقل من عدد الراغبين في إيوائهم من الأنصار . وشاركوهم كل شيء عن رضى نفس , وطيب خاطر , وفرح حقيقي مبرأ من الشح الفطري , كما هو مبرأ من الخيلاء والمراءاة !
وآخى رسول الله [ ص ] بين رجال من المهاجرين ورجال من الأنصار . وكان هذا الإخاء صلة فريدة في تاريخ التكافل بين أصحاب العقائد . وقام هذا الإخاء مقام أخوة الدم , فكان يشمل التوارث والالتزامات الأخرى الناشئة عن وشيجة النسب كالديات وغيرها .
وارتفع المد الشعوري في هذا إلى ذروة عالية ; وأخذ المسلمون هذه العلاقة الجديدة مأخذ الجد - شأنهم فيها شأنهم في كل ما جاءهم به الإسلام - وقام هذا المد في إنشاء المجتمع الإسلامي وحياطته مقام الدولة المتمكنة والتشريع المستقر والأوضاع المسلمة . بل بما هو أكثر . وكان ضروريا لحفظ هذه الجماعة الوليدة وتماسكها في مثل تلك الظروف الاستثنائية المتشابكة التي قامت فيها .
وإن مثل هذا المد الشعوري لضروري لنشأة كل جماعة تواجه مثل تلك الظروف , حتى توجد الدولة المتمكنة والتشريع المستقر والأوضاع المسلمة , التي توفر الضمانات الاستثنائية لحياة تلك الجماعة ونموها وحمايتها . وذلك إلى أن تنشأ الأحوال والأوضاع الطبيعية .
وكان المجتمع الإسلامي لا يزال وليدا , والدولة الإسلامية الناشئة أقرب إلى أن تكون فكرة مسيطرة على النفس , من أن تكون نظاما مستندا إلى أوضاع مقررة .
هنا ارتفعت موجة من المد الشعوري للعقيدة الجديدة , تغطي على كل العواطف والمشاعر , وكل الأوضاع والتقاليد , وكل الصلات والروابط . لتجعل العقيدة وحدها هي الوشيجة التي تربط القلوب , وتربط - في الوقت ذاته - الوحدات التي انفصلت عن أصولها الطبيعية في الأسرة والقبيلة ; فتقوم بينها مقام الدم والنسب , والمصلحة والصداقة والجنس واللغة وتمزج بين هذه الوحدات الداخلة في الإسلام , فتجعل منها كتلة حقيقية متماسكة متجانسة متعاونة متكافلة . لا بنصوص التشريع , ولا بأوامر الدولة ; ولكن بدافع داخلي ومد شعوري . يتجاوز كل ما ألفه البشر في حياتهم العادية . وقامت الجماعة الإسلامية على هذا الأساس , حيث لم يكن مستطاعا أن تقوم على تنظيم الدولة وقوة الأوضاع .
نزل المهاجرون على إخوانهم الأنصار , الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم ; فاستقبلوهم في دورهم وفي قلوبهم , وفي أموالهم . وتسابقوا إلى إيوائهم ; وتنافسوا فيهم حتى لم ينزل مهاجري في دار أنصاري إلا بقرعة . إذ كان عدد المهاجرين أقل من عدد الراغبين في إيوائهم من الأنصار . وشاركوهم كل شيء عن رضى نفس , وطيب خاطر , وفرح حقيقي مبرأ من الشح الفطري , كما هو مبرأ من الخيلاء والمراءاة !
وآخى رسول الله [ ص ] بين رجال من المهاجرين ورجال من الأنصار . وكان هذا الإخاء صلة فريدة في تاريخ التكافل بين أصحاب العقائد . وقام هذا الإخاء مقام أخوة الدم , فكان يشمل التوارث والالتزامات الأخرى الناشئة عن وشيجة النسب كالديات وغيرها .
وارتفع المد الشعوري في هذا إلى ذروة عالية ; وأخذ المسلمون هذه العلاقة الجديدة مأخذ الجد - شأنهم فيها شأنهم في كل ما جاءهم به الإسلام - وقام هذا المد في إنشاء المجتمع الإسلامي وحياطته مقام الدولة المتمكنة والتشريع المستقر والأوضاع المسلمة . بل بما هو أكثر . وكان ضروريا لحفظ هذه الجماعة الوليدة وتماسكها في مثل تلك الظروف الاستثنائية المتشابكة التي قامت فيها .
وإن مثل هذا المد الشعوري لضروري لنشأة كل جماعة تواجه مثل تلك الظروف , حتى توجد الدولة المتمكنة والتشريع المستقر والأوضاع المسلمة , التي توفر الضمانات الاستثنائية لحياة تلك الجماعة ونموها وحمايتها . وذلك إلى أن تنشأ الأحوال والأوضاع الطبيعية .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
وإن الإسلام - مع حفاوته بذلك المد الشعوري , واستبقاء ينابيعه في القلب مفتوحة دائما فوارة دائما , مستعدة للفيضان . لحريص على أن يقيم بناءه على أساس الطاقة العادية , للنفس البشرية لا على أساس الفورات الاستثنائية , التي تؤدي دورها في الفترات الاستثنائية ; ثم تترك مكانها للمستوى الطبيعي , وللنظام العادي , متى انقضت فترة الضرورة الخاصة .
ومن ثم عاد القرآن الكريم - بمجرد استقرار الأحوال في المدينة شيئا ما بعد غزوة بدر , واستتباب الأمر للدولة الإسلامية , وقيام أوضاع اجتماعية مستقرة بعض الاستقرار , ووجود أسباب معقولة للارتزاق , وتوفر قدر من الكفاية للجميع على إثر السرايا التي جاءت بعد غزوة بدر الكبرى , وبخاصة ما غنمه المسلمون من أموال بني قينقاع بعد إجلائهم . . عاد القرآن الكريم بمجرد توفر هذه الضمانات إلى إلغاء نظام المؤاخاة من ناحية الالتزامات الناشئة من الدم والنسب , مستبقيا إياه من ناحية العواطف والمشاعر , ليعود إلى العمل إذا دعت الضرورة . ورد الأمور إلى حالتها الطبيعية في الجماعة الإسلامية . فرد الإرث والتكافل في الديات إلى قرابة الدم والنسب - كما هي أصلا في كتاب الله القديم وناموسه الطبيعي: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا . كان ذلك في الكتاب مسطورا . .
وقرر في الوقت ذاته الولاية العامة للنبي [ ص ] وهي ولاية تتقدم على قرابة الدم , بل على قرابة النفس !: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). . وقرر الأمومة الشعورية لأزواج النبي [ ص ] بالنسبة لجميع المؤمنين: (وأزواجه أمهاتهم). .
وولاية النبي [ ص ] ولاية عامة تشمل رسم منهاج الحياة بحذافيرها , وأمر المؤمنين فيها إلى الرسول - عليه صلوات الله وسلامه - ليس لهم أن يختاروا إلا ما اختاره لهم بوحي من ربه:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
وتشمل مشاعرهم فيكون شخصه [ ص ] أحب إليهم من أنفسهم . فلا يرغبون بأنفسهم عنه ; ولا يكون في قلوبهم شخص أو شيء مقدم على ذاته ! جاء في الصحيح:" والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين " . وفي الصحيح أيضا أن عمر - رضي الله عنه - قال:يا رسول الله , والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال [ ص ]:" لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك " . فقال:يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي . فقال [ ص ]:" الآن يا عمر " .
وليست هذه كلمة تقال , ولكنها مرتقى عال , لا يصل إليه القلب إلا بلمسة لدنية مباشرة تفتحه على هذا الأفق السامي الوضيء ; الذي يخلص فيه من جاذبية الذات وحبها المتوشج بالحنايا والشعاب . فإن الإنسان ليحب ذاته ويحب كل ما يتعلق بها حبا فوق ما يتصور , وفوق ما يدرك ! وإنه ليخيل إليه أحيانا أنه طوع مشاعره
ومن ثم عاد القرآن الكريم - بمجرد استقرار الأحوال في المدينة شيئا ما بعد غزوة بدر , واستتباب الأمر للدولة الإسلامية , وقيام أوضاع اجتماعية مستقرة بعض الاستقرار , ووجود أسباب معقولة للارتزاق , وتوفر قدر من الكفاية للجميع على إثر السرايا التي جاءت بعد غزوة بدر الكبرى , وبخاصة ما غنمه المسلمون من أموال بني قينقاع بعد إجلائهم . . عاد القرآن الكريم بمجرد توفر هذه الضمانات إلى إلغاء نظام المؤاخاة من ناحية الالتزامات الناشئة من الدم والنسب , مستبقيا إياه من ناحية العواطف والمشاعر , ليعود إلى العمل إذا دعت الضرورة . ورد الأمور إلى حالتها الطبيعية في الجماعة الإسلامية . فرد الإرث والتكافل في الديات إلى قرابة الدم والنسب - كما هي أصلا في كتاب الله القديم وناموسه الطبيعي: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا . كان ذلك في الكتاب مسطورا . .
وقرر في الوقت ذاته الولاية العامة للنبي [ ص ] وهي ولاية تتقدم على قرابة الدم , بل على قرابة النفس !: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). . وقرر الأمومة الشعورية لأزواج النبي [ ص ] بالنسبة لجميع المؤمنين: (وأزواجه أمهاتهم). .
وولاية النبي [ ص ] ولاية عامة تشمل رسم منهاج الحياة بحذافيرها , وأمر المؤمنين فيها إلى الرسول - عليه صلوات الله وسلامه - ليس لهم أن يختاروا إلا ما اختاره لهم بوحي من ربه:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
وتشمل مشاعرهم فيكون شخصه [ ص ] أحب إليهم من أنفسهم . فلا يرغبون بأنفسهم عنه ; ولا يكون في قلوبهم شخص أو شيء مقدم على ذاته ! جاء في الصحيح:" والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين " . وفي الصحيح أيضا أن عمر - رضي الله عنه - قال:يا رسول الله , والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي . فقال [ ص ]:" لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك " . فقال:يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي . فقال [ ص ]:" الآن يا عمر " .
وليست هذه كلمة تقال , ولكنها مرتقى عال , لا يصل إليه القلب إلا بلمسة لدنية مباشرة تفتحه على هذا الأفق السامي الوضيء ; الذي يخلص فيه من جاذبية الذات وحبها المتوشج بالحنايا والشعاب . فإن الإنسان ليحب ذاته ويحب كل ما يتعلق بها حبا فوق ما يتصور , وفوق ما يدرك ! وإنه ليخيل إليه أحيانا أنه طوع مشاعره
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
, وراض نفسه , وخفض من غلوائه في حب ذاته , ثم ما يكاد يمس في شخصيته بما يخدش اعتزازه بها , حتى ينتفض فجأة كما لو كانت قد لدغته أفعى ! ويحس لهذه المسة لذعا لا يملك انفعاله معه , فإن ملكه كمن في مشاعره , وغار في أعماقه ! ولقد يروض نفسه على التضحية بحياته كلها ; ولكنه يصعبعليه أن يروضها على تقبل المساس بشخصيته فيما يعده تصغيرا لها , أو عيبا لشيء من خصائصها , أو نقدا لسمة من سماتها , أو تنقصا لصفة من صفاتها . وذلك رغم ما يزعمه صاحبها من عدم احتفاله أو تأثره ! والتغلب على هذا الحب العميق للذات ليس كلمة تقال باللسان , إنما هو كما قلنا مرتقى عال لا يصل إليه القلب إلا بلمسة لدنية ; أو بمحاولة طويلة ومرانة دائمة , ويقظة مستمرة ورغبة مخلصة تستنزل عون الله ومساعدته . وهي الجهاد الأكبر كما سماه رسول الله [ ص ] ويكفي أن عمر - وهو من هو - قد احتاج فيها إلى لفتة من النبي [ ص ] كانت هي اللمسة التي فتحت هذا القلب الصافي .
وتشمل الولاية العامة كذلك التزاماتهم . جاء في الصحيح . . " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة . اقرأوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا . وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " . والمعنى أنه يؤدي عنه دينه إن مات وليس له مال يفي بدينه ; ويعول عياله من بعده إن كانوا صغارا .
وفيما عدا هذا فإن الحياة تقوم على أصولها الطبيعية التي لا تحتاج إلى مد شعوري عال , ولا إلى فورة شعورية استثنائية . مع الإبقاء على صلات المودة بين الأولياء بعد إلغاء نظام الإخاء . فلا يمتنع أن يوصي الولي لوليه بعد مماته ; أو أن يهبه في حياته . .(إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا). .
ويشد هذه الإجراءات كلها إلى العروة الأولى , ويقرر أن هذه إرادة الله التي سبق بها كتابه الأزلي: (كان ذلك في الكتاب مسطورا). . فتقر القلوب وتطمئن ; وتستمسك بالأصل الكبير الذي يرجع إليه كل تشريع وكل تنظيم .
بذلك تستوي الحياة على أصولها الطبيعية ; وتسير في يسر وهوادة ; ولا تظل معلقة مشدودة إلى آفاق لا تبلغها عادة إلا في فترات استثنائية محدودة في حياة الجماعات والأفراد .
ثم يستبقي الإسلام ذلك الينبوع الفياض على استعداد للتفجر والفيضان , كلما اقتضت ذلك ضرورة طارئة في حياة الجماعة المسلمة .
الدرس الرابع:7 - 8 ميثاق الله على الأنبياء
وبمناسبة ما سطر في كتاب الله , وما سبقت به مشيئته , ليكون هو الناموس الباقي , والمنهج المطرد , يشير إلى ميثاق الله مع النبيين عامة , والنبي [ ص ] وأولي العزم من الرسل خاصة , في حمل أمانة هذا المنهج ,
وتشمل الولاية العامة كذلك التزاماتهم . جاء في الصحيح . . " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة . اقرأوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا . وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه " . والمعنى أنه يؤدي عنه دينه إن مات وليس له مال يفي بدينه ; ويعول عياله من بعده إن كانوا صغارا .
وفيما عدا هذا فإن الحياة تقوم على أصولها الطبيعية التي لا تحتاج إلى مد شعوري عال , ولا إلى فورة شعورية استثنائية . مع الإبقاء على صلات المودة بين الأولياء بعد إلغاء نظام الإخاء . فلا يمتنع أن يوصي الولي لوليه بعد مماته ; أو أن يهبه في حياته . .(إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا). .
ويشد هذه الإجراءات كلها إلى العروة الأولى , ويقرر أن هذه إرادة الله التي سبق بها كتابه الأزلي: (كان ذلك في الكتاب مسطورا). . فتقر القلوب وتطمئن ; وتستمسك بالأصل الكبير الذي يرجع إليه كل تشريع وكل تنظيم .
بذلك تستوي الحياة على أصولها الطبيعية ; وتسير في يسر وهوادة ; ولا تظل معلقة مشدودة إلى آفاق لا تبلغها عادة إلا في فترات استثنائية محدودة في حياة الجماعات والأفراد .
ثم يستبقي الإسلام ذلك الينبوع الفياض على استعداد للتفجر والفيضان , كلما اقتضت ذلك ضرورة طارئة في حياة الجماعة المسلمة .
الدرس الرابع:7 - 8 ميثاق الله على الأنبياء
وبمناسبة ما سطر في كتاب الله , وما سبقت به مشيئته , ليكون هو الناموس الباقي , والمنهج المطرد , يشير إلى ميثاق الله مع النبيين عامة , والنبي [ ص ] وأولي العزم من الرسل خاصة , في حمل أمانة هذا المنهج ,
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
والاستقامة عليه , وتبليغه للناس , والقيام عليه في الأمم التي أرسلوا إليها ; وذلك حتى يكون الناس مسؤولين عن هداهم وضلالهم وإيمانهم وكفرهم , بعد انقطاع الحجة بتبليغ الرسل عليهم صلوات الله وسلامه:
(وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم , ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ; وأخذنا منهم ميثاقا غليظا . ليسأل الصادقين عن صدقهم , وأعد للكافرين عذابا أليما). .
إنه ميثاق واحد مطرد من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتم النبيين محمد [ ص ] ميثاق واحد , ومنهج واحد , وأمانة واحدة يتسلمها كل منهم حتى يسلمها .
وقد عمم النص أولا: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم). . ثم خصص صاحب القرآن الكريم وصاحب الدعوة العامة إلى العالمينومنك). . ثم عاد إلى أولي العزم من الرسل , وهم أصحاب أكبر الرسالات -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)
الوحدة الثانية:9 - 27 الموضوع:مشاهد ولقطات من غزوة الأحزاب الرسالة الأخيرة - (ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم). .
وبعد بيان أصحاب الميثاق عاد إلى وصف الميثاق نفسه: (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا). . ووصف الميثاق بأنه غليظ منظور فيه إلى الأصل اللغوي للفظ ميثاق - وهو الحبل المفتول - الذي استعير للعهد والرابطة . وفيه من جانب آخر تجسيم للمعنوي يزيد إيحاءه للمشاعر . . وإنه لميثاق غليظ متين ذلك الميثاق بين الله والمختارين من عباده , ليتلقوا وحيه , ويبلغوا عنه , ويقوموا على منهجه في أمانة واستقامة .
(ليسأل الصادقين عن صدقهم). . والصادقون هم المؤمنون . فهم الذين قالوا كلمة الصدق , واعتنقوا عقيدة الصدق . ومن سواهم كاذب , لأنه يعتقد بالباطل ويقول كلمة الباطل . ومن ثم كان لهذا الوصف دلالته وإيحاؤه . وسؤالهم عن صدقهم يوم القيامة كما يسأل المعلم التلميذ النجيب الناجح عن إجابته التي استحق بها النجاح والتفوق , أمام المدعوين لحفل النتائج ! سؤال للتكريم , وللإعلان والإعلام على رؤوس الأشهاد , وبيان الاستحقاق , والثناء على المستحقين للتكريم في يوم الحشر العظيم !
فأما غير الصادقين . الذين دانوا بعقيدة الباطل , وقالوا كلمة الكذب في أكبر قضية يقال فيها الصدق أو يقال فيها الكذب . قضية العقيدة . فأما هؤلاء فلهم جزاء آخر حاضر مهيأ , يقف لهم في الانتظار: (وأعد للكافرين عذابا أليما). .
(وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم , ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ; وأخذنا منهم ميثاقا غليظا . ليسأل الصادقين عن صدقهم , وأعد للكافرين عذابا أليما). .
إنه ميثاق واحد مطرد من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتم النبيين محمد [ ص ] ميثاق واحد , ومنهج واحد , وأمانة واحدة يتسلمها كل منهم حتى يسلمها .
وقد عمم النص أولا: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم). . ثم خصص صاحب القرآن الكريم وصاحب الدعوة العامة إلى العالمينومنك). . ثم عاد إلى أولي العزم من الرسل , وهم أصحاب أكبر الرسالات -
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)
الوحدة الثانية:9 - 27 الموضوع:مشاهد ولقطات من غزوة الأحزاب الرسالة الأخيرة - (ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم). .
وبعد بيان أصحاب الميثاق عاد إلى وصف الميثاق نفسه: (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا). . ووصف الميثاق بأنه غليظ منظور فيه إلى الأصل اللغوي للفظ ميثاق - وهو الحبل المفتول - الذي استعير للعهد والرابطة . وفيه من جانب آخر تجسيم للمعنوي يزيد إيحاءه للمشاعر . . وإنه لميثاق غليظ متين ذلك الميثاق بين الله والمختارين من عباده , ليتلقوا وحيه , ويبلغوا عنه , ويقوموا على منهجه في أمانة واستقامة .
(ليسأل الصادقين عن صدقهم). . والصادقون هم المؤمنون . فهم الذين قالوا كلمة الصدق , واعتنقوا عقيدة الصدق . ومن سواهم كاذب , لأنه يعتقد بالباطل ويقول كلمة الباطل . ومن ثم كان لهذا الوصف دلالته وإيحاؤه . وسؤالهم عن صدقهم يوم القيامة كما يسأل المعلم التلميذ النجيب الناجح عن إجابته التي استحق بها النجاح والتفوق , أمام المدعوين لحفل النتائج ! سؤال للتكريم , وللإعلان والإعلام على رؤوس الأشهاد , وبيان الاستحقاق , والثناء على المستحقين للتكريم في يوم الحشر العظيم !
فأما غير الصادقين . الذين دانوا بعقيدة الباطل , وقالوا كلمة الكذب في أكبر قضية يقال فيها الصدق أو يقال فيها الكذب . قضية العقيدة . فأما هؤلاء فلهم جزاء آخر حاضر مهيأ , يقف لهم في الانتظار: (وأعد للكافرين عذابا أليما). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
مقدمة الوحدة
في معترك الحياة ومصطرع الأحداث كانت الشخصية المسلمة تصاغ . ويوما بعد يوم وحدثا بعد حدث كانت هذه الشخصية تنضج وتنموا , وتتضح سماتها . وكانت الجماعة المسلمة التي تتكون من تلك الشخصيات تبرز إلى الوجود بمقوماتها الخاصة وقيمها الخاصة . وطابعها المميز بين سائر الجماعات .
وكانت الأحداث تقسو على الجماعة الناشئة حتى لتبلغ أحيانا درجة الفتنة , وكانت فتنة كفتنة الذهب , تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف ; وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها , فلا تعود خليطا مجهول القيم .
وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه , يصور الأحداث , ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه , فتنكشف المواقف والمشاعر , والنوايا والضمائر . ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة في النور , عارية من كل رداء وستار ; ويلمس فيها مواضع التأثر والإستجابة ; ويربيها يوما بعد يوم , وحادثا بعدحادث ; ويرتب تأثراتها واستجاباتها وفق منهجه الذي يريد .
ولم يترك المسلمون لهذا القرآن , يتنزل بالأوامر والنواهي , وبالتشريعات والتوجيهات جملة واحدة ; إنما أخذهم الله بالتجارب والابتلاءات , والفتن والامتحانات ; فقد علم الله أن هذه الخليقة البشرية لا تصاغ صياغة سليمة , ولا تنضج نضجا صحيحا , ولا تصح وتستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية , التي تحفر في القلوب , وتنقش في الأعصاب ; وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة ومصطرع الأحداث . أما القرآن فيتنزل ليكشف لهذه النفوس عن حقيقة ما يقع ودلالته ; وليوجه تلك القلوب وهي منصهرة بنار الفتنة , ساخنة بحرارة الابتلاء , قابلة للطرق , مطاوعة للصياغة !
ولقد كانت فترة عجيبة حقا تلك التي قضاها المسلمون في حياة الرسول [ ص ] فترة اتصال السماء بالأرض اتصالا مباشرا ظاهرا , مبلورا في أحداث وكلمات . ذلك حين كان يبيت كل مسلم وهو يشعر أن عين الله عليه , وأن سمع الله إليه ; وأن كل كلمة منه وكل حركة , بل كل خاطر وكل نية , قد يصبح مكشوفا للناس , يتنزل في شأنه قرآن على رسول الله [ ص ] . وحين كان كل مسلم يحس الصلة المباشرة بينه وبين ربه ; فإذا حزبه أمر , أو واجهته معضلة , انتظر أن تفتح أبواب السماء غدا أو بعد غد ليتنزل منها حل لمعضلته , وفتوى في أمره , وقضاء في شأنه . وحين كان الله سبحانه بذاته العلية , يقول:أنت يا فلان بذاتك قلت كذا , وعملت كذا وأضمرت كذا وأعلنت كذا . وكن كذا , ولا تكن كذا . . ويا له من أمر هائل عجيب ! يا له من أمر هائل عجيب أن يوجه الله خطابه المعين إلى شخص معين . . هو وكل من على هذه الأرض , وكل ما في هذه الأرض , وكل هذه الأرض . ذرة صغيرة في ملك الله الكبير !
لقد كانت فترة عجيبة حقا , يتملاها الإنسان اليوم , ويتصور حوادثها ومواقفها , وهو لا يكاد يدرك كيف كان ذلك الواقع , الأضخم من كل خيال !
في معترك الحياة ومصطرع الأحداث كانت الشخصية المسلمة تصاغ . ويوما بعد يوم وحدثا بعد حدث كانت هذه الشخصية تنضج وتنموا , وتتضح سماتها . وكانت الجماعة المسلمة التي تتكون من تلك الشخصيات تبرز إلى الوجود بمقوماتها الخاصة وقيمها الخاصة . وطابعها المميز بين سائر الجماعات .
وكانت الأحداث تقسو على الجماعة الناشئة حتى لتبلغ أحيانا درجة الفتنة , وكانت فتنة كفتنة الذهب , تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف ; وتكشف عن حقائق النفوس ومعادنها , فلا تعود خليطا مجهول القيم .
وكان القرآن الكريم يتنزل في إبان الابتلاء أو بعد انقضائه , يصور الأحداث , ويلقي الأضواء على منحنياته وزواياه , فتنكشف المواقف والمشاعر , والنوايا والضمائر . ثم يخاطب القلوب وهي مكشوفة في النور , عارية من كل رداء وستار ; ويلمس فيها مواضع التأثر والإستجابة ; ويربيها يوما بعد يوم , وحادثا بعدحادث ; ويرتب تأثراتها واستجاباتها وفق منهجه الذي يريد .
ولم يترك المسلمون لهذا القرآن , يتنزل بالأوامر والنواهي , وبالتشريعات والتوجيهات جملة واحدة ; إنما أخذهم الله بالتجارب والابتلاءات , والفتن والامتحانات ; فقد علم الله أن هذه الخليقة البشرية لا تصاغ صياغة سليمة , ولا تنضج نضجا صحيحا , ولا تصح وتستقيم على منهج إلا بذاك النوع من التربية التجريبية الواقعية , التي تحفر في القلوب , وتنقش في الأعصاب ; وتأخذ من النفوس وتعطي في معترك الحياة ومصطرع الأحداث . أما القرآن فيتنزل ليكشف لهذه النفوس عن حقيقة ما يقع ودلالته ; وليوجه تلك القلوب وهي منصهرة بنار الفتنة , ساخنة بحرارة الابتلاء , قابلة للطرق , مطاوعة للصياغة !
ولقد كانت فترة عجيبة حقا تلك التي قضاها المسلمون في حياة الرسول [ ص ] فترة اتصال السماء بالأرض اتصالا مباشرا ظاهرا , مبلورا في أحداث وكلمات . ذلك حين كان يبيت كل مسلم وهو يشعر أن عين الله عليه , وأن سمع الله إليه ; وأن كل كلمة منه وكل حركة , بل كل خاطر وكل نية , قد يصبح مكشوفا للناس , يتنزل في شأنه قرآن على رسول الله [ ص ] . وحين كان كل مسلم يحس الصلة المباشرة بينه وبين ربه ; فإذا حزبه أمر , أو واجهته معضلة , انتظر أن تفتح أبواب السماء غدا أو بعد غد ليتنزل منها حل لمعضلته , وفتوى في أمره , وقضاء في شأنه . وحين كان الله سبحانه بذاته العلية , يقول:أنت يا فلان بذاتك قلت كذا , وعملت كذا وأضمرت كذا وأعلنت كذا . وكن كذا , ولا تكن كذا . . ويا له من أمر هائل عجيب ! يا له من أمر هائل عجيب أن يوجه الله خطابه المعين إلى شخص معين . . هو وكل من على هذه الأرض , وكل ما في هذه الأرض , وكل هذه الأرض . ذرة صغيرة في ملك الله الكبير !
لقد كانت فترة عجيبة حقا , يتملاها الإنسان اليوم , ويتصور حوادثها ومواقفها , وهو لا يكاد يدرك كيف كان ذلك الواقع , الأضخم من كل خيال !
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
ولكن الله لم يدع المسلمين لهذه المشاعر وحدها تربيهم , وتنضج شخصيتهم المسلمة . بل أخذهم بالتجارب الواقعية , والابتلاءات التي تأخذ منهم وتعطي ; وكل ذلك لحكمة يعلمها , وهو أعلم بمن خلق , وهو اللطيف الخبير .
هذه الحكمة تستحق أن نقف أمامها طويلا , ندركها ونتدبرها ; ونتلقى أحداث الحياة وامتحاناتها على ضوء ذلك الإدراك وهذا التدبير .
وهذا المقطع من سورة الأحزاب يتولى تشريح حدث من الأحداث الضخمة في تاريخ الدعوة الإسلامية , وفي تاريخ الجماعة المسلمة ; ويصف موقفا من مواقف الامتحان العسيرة , وهو غزوة الأحزاب , في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة الامتحان لهذه الجماعة الناشئة , ولكل قيمها وتصوراتها . ومن تدبر هذا النص القرآني , وطريقة عرضه للحادث , وأسلوبه في الوصف والتعقيب ووقوفه أمام بعض المشاهد والحوادث , والحركات والخوالج , وإبرازه للقيم والسنن . من ذلك كله ندرك كيف كان الله يربي هذه الأمة بالأحداث والقرآن في آن .
ولكي ندرك طريقة القرآن الخاصة في العرض والتوجيه فإننا قبل البدء في شرح النص القرآني , نثبت رواية الحادث كما عرضتها كتب السيرة - مع الاختصار المناسب - ليظهر الفارق بين سرد الله سبحانه , وسرد البشر للوقائع والأحداث .
عن محمد بن إسحاق قال - بإسناده عن جماعة:
إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري , وحيي بن أخطب النضري , وكنانة ابن أبي الحقيق النضري , وهوذة بن قيس الوائلي , وأبو عمار الوائلي , في نفر من بني النضير , ونفر من بني وائل , وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله [ ص ] خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة , فدعوهم إلى حرب رسول الله [ ص ] وقالوا:إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله . فقالت لهم قريش:يا معشر يهود , إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه ? قالوا:بل دينكم خير من دينه , وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله تعالى فيهمألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت , ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)إلى قوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ; فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا).
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله [ ص ] واتعدوا له .
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان - من قيس عيلان - فدعوهم إلى حرب رسول الله [ ص ] , وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه , وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك , فاجتمعوا معهم فيه .
هذه الحكمة تستحق أن نقف أمامها طويلا , ندركها ونتدبرها ; ونتلقى أحداث الحياة وامتحاناتها على ضوء ذلك الإدراك وهذا التدبير .
وهذا المقطع من سورة الأحزاب يتولى تشريح حدث من الأحداث الضخمة في تاريخ الدعوة الإسلامية , وفي تاريخ الجماعة المسلمة ; ويصف موقفا من مواقف الامتحان العسيرة , وهو غزوة الأحزاب , في السنة الرابعة أو الخامسة للهجرة الامتحان لهذه الجماعة الناشئة , ولكل قيمها وتصوراتها . ومن تدبر هذا النص القرآني , وطريقة عرضه للحادث , وأسلوبه في الوصف والتعقيب ووقوفه أمام بعض المشاهد والحوادث , والحركات والخوالج , وإبرازه للقيم والسنن . من ذلك كله ندرك كيف كان الله يربي هذه الأمة بالأحداث والقرآن في آن .
ولكي ندرك طريقة القرآن الخاصة في العرض والتوجيه فإننا قبل البدء في شرح النص القرآني , نثبت رواية الحادث كما عرضتها كتب السيرة - مع الاختصار المناسب - ليظهر الفارق بين سرد الله سبحانه , وسرد البشر للوقائع والأحداث .
عن محمد بن إسحاق قال - بإسناده عن جماعة:
إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري , وحيي بن أخطب النضري , وكنانة ابن أبي الحقيق النضري , وهوذة بن قيس الوائلي , وأبو عمار الوائلي , في نفر من بني النضير , ونفر من بني وائل , وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله [ ص ] خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة , فدعوهم إلى حرب رسول الله [ ص ] وقالوا:إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله . فقالت لهم قريش:يا معشر يهود , إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه ? قالوا:بل دينكم خير من دينه , وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله تعالى فيهمألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت , ويقولون للذين كفروا:هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)إلى قوله: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ; فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا).
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله [ ص ] واتعدوا له .
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان - من قيس عيلان - فدعوهم إلى حرب رسول الله [ ص ] , وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه , وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك , فاجتمعوا معهم فيه .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب , وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة , والحارث بن عوف من بني مرة , ومسعر بن رخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع .
فلما سمع بهم رسول الله [ ص ] وما أجمعوا لهم من الأمر ضرب الخندق على المدينة ; فعمل فيه رسول الله [ ص ] وعمل معه المسلمون فيه . فدأب فيه ودأبوا . وأبطأ عن رسول الله [ ص ] وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين , وجعلوا يورون بالضعيف من العمل , ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله [ ص ] ولا إذن . وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله [ ص ] ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له , فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له . فأنزل الله في أولئك المؤمنين . .(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله , وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه . إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم , واستغفر لهم الله , إن الله غفور رحيم). . ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل , ويذهبون بغير إذن من النبي [ ص ]لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا , فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). .
ولما فرغ رسول الله [ ص ] من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة , في عشرة الاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة . وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد . وخرج رسول الله [ ص ] والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة الاف من المسلمين ; فضرب هناك عسكره والخندق بينه وبين القوم ,وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام [ أي الحصون ] .
وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم . وكان قد وادع رسول الله [ ص ] عن قومه , وعاقده على ذلك وعاهده . . فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب [ أي ما زال يروضه ويخاتله ] حتى سمح له - على أن أعطاه عهدا وميثاقا:لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك . فنقض كعب ابن أسد عهده , وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله [ ص ] .
وعظم عند ذلك البلاء , واشتد الخوف ; وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم , حتى ظن المؤمنون كل ظن , ونجم النفاق من بعض المنافقين , حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر , وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ! وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث:يا رسول الله , إن بيوتنا عورة من العدو - وذلك عن ملأ من رجال قومه - فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا , فإنها خارج من المدينة .
فلما سمع بهم رسول الله [ ص ] وما أجمعوا لهم من الأمر ضرب الخندق على المدينة ; فعمل فيه رسول الله [ ص ] وعمل معه المسلمون فيه . فدأب فيه ودأبوا . وأبطأ عن رسول الله [ ص ] وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين , وجعلوا يورون بالضعيف من العمل , ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله [ ص ] ولا إذن . وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله [ ص ] ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له , فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له . فأنزل الله في أولئك المؤمنين . .(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله , وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه . إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم , واستغفر لهم الله , إن الله غفور رحيم). . ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل , ويذهبون بغير إذن من النبي [ ص ]لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا , فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). .
ولما فرغ رسول الله [ ص ] من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة , في عشرة الاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة . وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد . وخرج رسول الله [ ص ] والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة الاف من المسلمين ; فضرب هناك عسكره والخندق بينه وبين القوم ,وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام [ أي الحصون ] .
وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم . وكان قد وادع رسول الله [ ص ] عن قومه , وعاقده على ذلك وعاهده . . فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب [ أي ما زال يروضه ويخاتله ] حتى سمح له - على أن أعطاه عهدا وميثاقا:لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك . فنقض كعب ابن أسد عهده , وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله [ ص ] .
وعظم عند ذلك البلاء , واشتد الخوف ; وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم , حتى ظن المؤمنون كل ظن , ونجم النفاق من بعض المنافقين , حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر , وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ! وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث:يا رسول الله , إن بيوتنا عورة من العدو - وذلك عن ملأ من رجال قومه - فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا , فإنها خارج من المدينة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
فأقام رسول الله [ ص ] وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة , قريبا من شهر . لم تكن بينه وبينهم حرب إلا الرميا بالنبل والحصار .
فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله [ ص ] إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث ابن عوف - وهما قائدا غطفان - فأعطاهما ثلث ثمار المدينة , على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه , فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتابة ; ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح , إلا المراوضة في ذلك . فلما أراد رسول الله [ ص ] أن يفعل , بعث إلى سعد بن معاذ [ سيد الأوس ] وسعد بن عبادة [ سيد الخزرج ] فذكر ذلك لهما . و استشارهما فيه , فقالا له:يا رسول الله , أمرا تحبه فنصنعه ? أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به ? أم شيئا تصنعه لنا ? قال:" بل شيء أصنعه لكم , والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب , فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما " . فقال سعد بن معاذ:يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان , لا نعبد الله ولا نعرفه , وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا . أفحين أكرمنا الله بالإسلام , وهدانا له , وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ? والله ما لنا بهذا من حاجة , والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم . قال رسول الله [ ص ]:" فأنت وذاك " . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة , فمحا ما فيها من الكتاب , ثم قال:ليجهدوا علينا .
وأقام رسول الله [ ص ] وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة , لتظاهر عدوهم عليهم , وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر [ من غطفان ] أتى رسول الله [ ص ] فقال:يا رسول الله إني قد أسلمت , وإن قومي لم يعلموا بإسلامي , فمرني بما شئت . فقال رسول الله [ ص ]:" إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت , فإن الحرب خدعة " .
[ وقد فعل حتى أفقد الأحزاب الثقة بينهم وبين بني قريظة في تفصيل مطول تحدثت عنه روايات السيرة ونختصره نحن خوف الإطالة ] . . .
وخذل الله بينهم - وبعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد . فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم [ يعني خيامهم وما يتخذونه للطبخ من مواقد . . . الخ ] .
فلما انتهى إلى رسول الله [ ص ] ما اختلف من أمرهم , وما فرق الله من جماعتهم , دعا حذيفة بن اليمان , فبعثه إليهم لينظر ما فعله القوم ليلا .
قال ابن إسحاق:فحدثني زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال:
فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله [ ص ] إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث ابن عوف - وهما قائدا غطفان - فأعطاهما ثلث ثمار المدينة , على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه , فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتابة ; ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح , إلا المراوضة في ذلك . فلما أراد رسول الله [ ص ] أن يفعل , بعث إلى سعد بن معاذ [ سيد الأوس ] وسعد بن عبادة [ سيد الخزرج ] فذكر ذلك لهما . و استشارهما فيه , فقالا له:يا رسول الله , أمرا تحبه فنصنعه ? أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به ? أم شيئا تصنعه لنا ? قال:" بل شيء أصنعه لكم , والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب , فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما " . فقال سعد بن معاذ:يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان , لا نعبد الله ولا نعرفه , وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا . أفحين أكرمنا الله بالإسلام , وهدانا له , وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ? والله ما لنا بهذا من حاجة , والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم . قال رسول الله [ ص ]:" فأنت وذاك " . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة , فمحا ما فيها من الكتاب , ثم قال:ليجهدوا علينا .
وأقام رسول الله [ ص ] وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة , لتظاهر عدوهم عليهم , وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر [ من غطفان ] أتى رسول الله [ ص ] فقال:يا رسول الله إني قد أسلمت , وإن قومي لم يعلموا بإسلامي , فمرني بما شئت . فقال رسول الله [ ص ]:" إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت , فإن الحرب خدعة " .
[ وقد فعل حتى أفقد الأحزاب الثقة بينهم وبين بني قريظة في تفصيل مطول تحدثت عنه روايات السيرة ونختصره نحن خوف الإطالة ] . . .
وخذل الله بينهم - وبعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد . فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم [ يعني خيامهم وما يتخذونه للطبخ من مواقد . . . الخ ] .
فلما انتهى إلى رسول الله [ ص ] ما اختلف من أمرهم , وما فرق الله من جماعتهم , دعا حذيفة بن اليمان , فبعثه إليهم لينظر ما فعله القوم ليلا .
قال ابن إسحاق:فحدثني زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان:يا أبا عبد الله . أرأيتم رسول الله [ ص ] وصحبتموه ? قال:نعم يا ابن أخي . قال:فكيف كنتم تصنعون ? قال:والله لقد كنا نجهد . فقال:والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض , ولحملناه على أعناقنا . قال:فقال حذيفة:يا ابن أخي . والله لقد رأيتنا مع رسول الله [ ص ] بالخندق , وصلى رسول الله - هويا من الليل ; ثم التفت إلينا فقال:" من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم , ثم يرجع , يشرط له رسول الله [ ص ] الرجعة . أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة ? " فما قام رجل من القوم من شدة الخوف , وشدة الجوع , وشدة البرد . فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله [ ص ] فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني . فقال:" يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون , ولا تحدث شيئا حتى تأتينا " قال:فذهبت فدخلت في القوم , والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل , ولا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء . فقام أبو سفيان فقال:يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه . قال حذيفة:فأخذت الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت:من أنت ? قال:فلان ابن فلان ! ثم قال أبو سفيان:يا معشر قريش , إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام . لقد هلك الكراع والخف [ يعني الخيل والجمال ] وأخلفتنا بنو قريظة , وبلغنا عنهم الذي نكره , ولقينا من شدة الريح ما ترون . ما تطمئن لنا قدر , ولا تقوم لنا نار , ولا يستمسك لنا بناء . . فارتحلوا فإني مرتحل . . ثم قام إلى جمله وهو معقول , فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث . فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم . ولولا عهد رسول الله [ ص ] إلي ألا تحدث شيئا حتى تأتيني , ثم شئت لقتلته بسهم .
قال حذيفة:فرجعت إلى رسول الله [ ص ] وهو قائم يصلي في مرط [ أي كساء ] لبعض نسائه مرجل [ من وشي اليمن ] فلما رآني أدخلني إلى رجليه , وطرح علي طرف المرط ; ثم ركع وسجد وإني لفيه . فلما سلم أخبرته الخبر . . وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
إن النص القرآني يغفل أسماء الأشخاص , وأعيان الذوات , ليصور نماذج البشر وأنماط الطباع . ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع , ليصور القيم الثابتة والسنن الباقية . هذه التي لا تنتهي بانتهاء الحادث , ولا تنقطع بذهاب الأشخاص , ولا تنقضي بانقضاء الملابسات , ومن ثم تبقى قاعدة ومثلا لكل جيل ولكل قبيل . ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص , ويظهر فيها يد اللهالقادرة وتدبيره اللطيف , ويقف عند كل مرحلة في المعركة للتوجيه والتعقيب والربط بالأصل الكبير .
ومع أنه كان يقص القصة على الذين عاشوها , وشهدوا أحداثها , فإنه كان يزيدهم بها خبرا , ويكشف لهم من جوانبها ما لم يدركوه وهم أصحابها وأبطالها ! ويلقي الأضواء على سراديب النفوس ومنحنيات القلوب ومخبآت الضمائر ; ويكشف للنور الأسرار والنوايا والخوالج المستكنة في أعماق الصدور .
ذلك إلى جمال التصوير , وقوته , وحرارته , مع التهكم القاصم , والتصوير الساخر للجبن والخوف والنفاق والتواء الطباع ! ومع الجلال الرائع والتصوير الموحي للإيمان والشجاعة والصبر والثقة في نفوس المؤمنين .
قال حذيفة:فرجعت إلى رسول الله [ ص ] وهو قائم يصلي في مرط [ أي كساء ] لبعض نسائه مرجل [ من وشي اليمن ] فلما رآني أدخلني إلى رجليه , وطرح علي طرف المرط ; ثم ركع وسجد وإني لفيه . فلما سلم أخبرته الخبر . . وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
إن النص القرآني يغفل أسماء الأشخاص , وأعيان الذوات , ليصور نماذج البشر وأنماط الطباع . ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع , ليصور القيم الثابتة والسنن الباقية . هذه التي لا تنتهي بانتهاء الحادث , ولا تنقطع بذهاب الأشخاص , ولا تنقضي بانقضاء الملابسات , ومن ثم تبقى قاعدة ومثلا لكل جيل ولكل قبيل . ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص , ويظهر فيها يد اللهالقادرة وتدبيره اللطيف , ويقف عند كل مرحلة في المعركة للتوجيه والتعقيب والربط بالأصل الكبير .
ومع أنه كان يقص القصة على الذين عاشوها , وشهدوا أحداثها , فإنه كان يزيدهم بها خبرا , ويكشف لهم من جوانبها ما لم يدركوه وهم أصحابها وأبطالها ! ويلقي الأضواء على سراديب النفوس ومنحنيات القلوب ومخبآت الضمائر ; ويكشف للنور الأسرار والنوايا والخوالج المستكنة في أعماق الصدور .
ذلك إلى جمال التصوير , وقوته , وحرارته , مع التهكم القاصم , والتصوير الساخر للجبن والخوف والنفاق والتواء الطباع ! ومع الجلال الرائع والتصوير الموحي للإيمان والشجاعة والصبر والثقة في نفوس المؤمنين .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
إن النص القرآني معد للعمل - لا في وسط أولئك الذين عاصروا الحادث وشاهدوه فحسب . ولكن كذلك للعمل في كل وسط بعد ذلك وفي كل تاريخ . معد للعمل في النفس البشرية إطلاقا كلما واجهت مثل ذلك الحادث أو شبهه في الآماد الطويلة , والبيئات المنوعة . بنفس القوة التي عمل بها في الجماعة الأولى .
ولا يفهم النصوص القرآنية حق الفهم إلا من يواجه مثل الظروف التي واجهتها أول مرة . هنا تتفتح النصوص عن رصيدها المذخور , وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة . وهنا تتحول تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات . وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها . تنتفض خلائق حية , موحية , دافعة , دافقة , تعمل في واقع الحياة , وتدفع بها إلى حركة حقيقية , في عالم الواقع وعالم الضمير .
إن القرآن ليس كتابا للتلاوة ولا للثقافة . . وكفى . . إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة ; وإيحاء متجدد في المواقف والحوادث ! ونصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة , متى وجد القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب , ووجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السر العجيب !
وإن الإنسان ليقرآ النص القرآني مئات المرات ; ثم يقف الموقف , أو يواجه الحادث , فإذا النص القرآني جديد , يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط , ويجيب على السؤال الحائر , ويفتي في المشكلة المعقدة , ويكشف الطريق الخافي , ويرسم الاتجاه القاصد , ويفيء بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه , وإلى الاطمئنان العميق .
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث .
يبدأ السياق القرآني الحديث عن حادث الأحزاب بتذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم أن رد عنهم الجيش الذي هم أن يستأصلهم , لولا عون الله وتدبيره اللطيف . ومن ثم يجمل في الآية الأولى طبيعة ذلك الحادث , وبدءه ونهايته , قبل تفصيله وعرض مواقفه . لتبرز نعمة الله التي يذكرهم بها , ويطلب إليهم أن يتذكروها ; وليظهر أن الله الذي يأمر المؤمنين باتباع وحيه , والتوكل عليه وحده , وعدم طاعة الكافرين والمنافقين , هو الذي يحمي القائمين على دعوته ومنهجه , من عدوان الكافرين والمنافقين:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود , فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها , وكان الله بما تعملون بصيرا). .
وهكذا يرسم في هذه البداءة المجملة بدء المعركة وختامها , والعناصر الحاسمة فيها . . مجيء جنود الأعداء . وإرسال ريح الله وجنوده التي لم يرها المؤمنون . ونصر الله المرتبط بعلم الله بهم , وبصره بعملهم .
ولا يفهم النصوص القرآنية حق الفهم إلا من يواجه مثل الظروف التي واجهتها أول مرة . هنا تتفتح النصوص عن رصيدها المذخور , وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة . وهنا تتحول تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات . وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها . تنتفض خلائق حية , موحية , دافعة , دافقة , تعمل في واقع الحياة , وتدفع بها إلى حركة حقيقية , في عالم الواقع وعالم الضمير .
إن القرآن ليس كتابا للتلاوة ولا للثقافة . . وكفى . . إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة ; وإيحاء متجدد في المواقف والحوادث ! ونصوصه مهيأة للعمل في كل لحظة , متى وجد القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب , ووجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السر العجيب !
وإن الإنسان ليقرآ النص القرآني مئات المرات ; ثم يقف الموقف , أو يواجه الحادث , فإذا النص القرآني جديد , يوحي إليه بما لم يوح من قبل قط , ويجيب على السؤال الحائر , ويفتي في المشكلة المعقدة , ويكشف الطريق الخافي , ويرسم الاتجاه القاصد , ويفيء بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه , وإلى الاطمئنان العميق .
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث .
يبدأ السياق القرآني الحديث عن حادث الأحزاب بتذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم أن رد عنهم الجيش الذي هم أن يستأصلهم , لولا عون الله وتدبيره اللطيف . ومن ثم يجمل في الآية الأولى طبيعة ذلك الحادث , وبدءه ونهايته , قبل تفصيله وعرض مواقفه . لتبرز نعمة الله التي يذكرهم بها , ويطلب إليهم أن يتذكروها ; وليظهر أن الله الذي يأمر المؤمنين باتباع وحيه , والتوكل عليه وحده , وعدم طاعة الكافرين والمنافقين , هو الذي يحمي القائمين على دعوته ومنهجه , من عدوان الكافرين والمنافقين:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود , فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها , وكان الله بما تعملون بصيرا). .
وهكذا يرسم في هذه البداءة المجملة بدء المعركة وختامها , والعناصر الحاسمة فيها . . مجيء جنود الأعداء . وإرسال ريح الله وجنوده التي لم يرها المؤمنون . ونصر الله المرتبط بعلم الله بهم , وبصره بعملهم .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)
ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير:
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ; وإذ زاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . وإذ قالت طائفة منهم:يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . ويستأذن فريق منهم النبي , يقولون:إن بيوتنا عورة - وما هي بعورة . إن يريدون إلا فرارا . .
إنها صورة الهول الذي روع المدينة , والكرب الذي شملها , والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ; وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب , وظنها بالله , وسلوكها في الشدة , وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج . ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا . والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه .
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته , وكل انفعالاته , وكل خلجاته , وكل حركاته , ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير .
ننظر فنرى الموقف من خارجه: إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . .
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر). . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق , يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب .
(وتظنون بالله الظنونا). . ولا يفصل هذه الظنون . ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج , وذهابها كل مذهب , واختلاف التصورات في شتى القلوب .
ثم تزيد سمات الموقف بروزا , وتزيد خصائص الهول فيه وضوحاهنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا). . والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا .
قال محمد بن مسلمة وغيره:كان ليلنا بالخندق نهارا ; وكان المشركون يتناوبون بينهم , فيغدو أبو سفيان ابن حرب في اصحابه يوما , ويغدو خالد بن الوليد يوما , ويغدو عمرو بن العاص يوما , ويغدو هبيرة ابن أبي
ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير:
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ; وإذ زاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . وإذ قالت طائفة منهم:يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . ويستأذن فريق منهم النبي , يقولون:إن بيوتنا عورة - وما هي بعورة . إن يريدون إلا فرارا . .
إنها صورة الهول الذي روع المدينة , والكرب الذي شملها , والذي لم ينج منه أحد من أهلها . وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب . من أعلاها ومن أسفلها . فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب ; وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب , وظنها بالله , وسلوكها في الشدة , وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج . ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا . والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه .
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته , وكل انفعالاته , وكل خلجاته , وكل حركاته , ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير .
ننظر فنرى الموقف من خارجه: إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم . .
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: (وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر). . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق , يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب .
(وتظنون بالله الظنونا). . ولا يفصل هذه الظنون . ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج , وذهابها كل مذهب , واختلاف التصورات في شتى القلوب .
ثم تزيد سمات الموقف بروزا , وتزيد خصائص الهول فيه وضوحاهنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا). . والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا .
قال محمد بن مسلمة وغيره:كان ليلنا بالخندق نهارا ; وكان المشركون يتناوبون بينهم , فيغدو أبو سفيان ابن حرب في اصحابه يوما , ويغدو خالد بن الوليد يوما , ويغدو عمرو بن العاص يوما , ويغدو هبيرة ابن أبي
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: فى ظلال القرأن - للسيد صادق - صورة الأحزاب
وهب يوما , ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما . ويغدو ضرار بن الخطاب يوما . حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفا شديدا .
ويصور حال المسلمين ما رواه المقريزي في إمتاع الأسماع . قال:
ثم وافى المشركون سحرا , وعبأ رسول الله [ ص ] أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هوي من الليل , وما يقدر رسول الله [ ص ] ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم . وما قدر رسول الله [ ص ] على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء " فجعل أصحابه يقولون:يا رسول الله ما صلينا ! فيقول . ولا أنا والله ما صليت ! حتى كشف الله المشركين , ورجع كل من الفريقين إلى منزله , وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق , فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة - وعليها خالد بن الوليد - فناوشهم ساعة , فزرق وحشى الطفيل بن النعمان بن خنساء الأنصاري السلمي بمزراق , فقتله كما قتل حمزة - رضي الله عنه - بأحد . وقال رسول الله [ ص ] يومئذ:" شغلنا
وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (15) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16) قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18)
المشركون عن صلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا " . .
وخرجت طليعتان للمسلمين ليلا فالتقتا - ولا يشعر بعضهم ببعض , ولا يظنون إلا أنهم العدو . فكانت بينهم جراحة وقتل . ثم نادوا بشعار الإسلام ! (حم . لا ينصرون)فكف بعضهم عن بعض . فقال رسول الله [ ص ]:" جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد " . .
ولقد كان أشد الكرب على المسلمين , وهم محصورون بالمشركين داخل الخندق , ذلك الذي كان يجيئهم من انتقاض بني قريظة عليهم من خلفهم . فلم يكونوا يأمنون في أية لحظة أن ينقض عليهم المشركون من الخندق , وأن تميل عليهم يهود , وهم قلة بين هذه الجموع , التي جاءت بنية استئصالهم في معركة حاسمة أخيرة .
ذلك كله إلى ما كان من كيد المنافقين والمرجفين في المدينة وبين الصفوف:
(وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). .
ويصور حال المسلمين ما رواه المقريزي في إمتاع الأسماع . قال:
ثم وافى المشركون سحرا , وعبأ رسول الله [ ص ] أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هوي من الليل , وما يقدر رسول الله [ ص ] ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم . وما قدر رسول الله [ ص ] على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء " فجعل أصحابه يقولون:يا رسول الله ما صلينا ! فيقول . ولا أنا والله ما صليت ! حتى كشف الله المشركين , ورجع كل من الفريقين إلى منزله , وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق , فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة - وعليها خالد بن الوليد - فناوشهم ساعة , فزرق وحشى الطفيل بن النعمان بن خنساء الأنصاري السلمي بمزراق , فقتله كما قتل حمزة - رضي الله عنه - بأحد . وقال رسول الله [ ص ] يومئذ:" شغلنا
وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (15) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16) قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18)
المشركون عن صلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله أجوافهم وقلوبهم نارا " . .
وخرجت طليعتان للمسلمين ليلا فالتقتا - ولا يشعر بعضهم ببعض , ولا يظنون إلا أنهم العدو . فكانت بينهم جراحة وقتل . ثم نادوا بشعار الإسلام ! (حم . لا ينصرون)فكف بعضهم عن بعض . فقال رسول الله [ ص ]:" جراحكم في سبيل الله ومن قتل منكم فإنه شهيد " . .
ولقد كان أشد الكرب على المسلمين , وهم محصورون بالمشركين داخل الخندق , ذلك الذي كان يجيئهم من انتقاض بني قريظة عليهم من خلفهم . فلم يكونوا يأمنون في أية لحظة أن ينقض عليهم المشركون من الخندق , وأن تميل عليهم يهود , وهم قلة بين هذه الجموع , التي جاءت بنية استئصالهم في معركة حاسمة أخيرة .
ذلك كله إلى ما كان من كيد المنافقين والمرجفين في المدينة وبين الصفوف:
(وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45400
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» فى ظلال القرأن - صورة الأاحقاف - للسيد قطب
» الفقى يأمر بايقاف برنامج ظلال و اضواء بعد مهاجمة صادق للداخلية
» فى ظلال القرأن - سورة الإسراء
» فى ظلال القرأن الجزء الأول سورة إبراهيم
» فى ظلال القرآن ـ سيد قطب - صورة الأنعام
» الفقى يأمر بايقاف برنامج ظلال و اضواء بعد مهاجمة صادق للداخلية
» فى ظلال القرأن - سورة الإسراء
» فى ظلال القرأن الجزء الأول سورة إبراهيم
» فى ظلال القرآن ـ سيد قطب - صورة الأنعام
صفحة 1 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى