حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
صفحة 1 من اصل 1
حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
حوار في الكلب والديك
وقلت: ولو تمَّ للكلب معنى السبع وطباعه، لما أَلف الإنسانَ، واستوحش من السبع، وكرِه الغياض، وألِف الدُّور، واستوحَشَ من البرارِي وجانب القفار، وألِفَ المجالسَ والدِّيار، ولو تمَّ له معنى البهيمة في الطبع والخلق والغذاءِ، لما أكل الحيوانَ، وكَلِب على النَّاس، نعمْ حتَّى رُبَّما كلِب وَوَثَبَ على صاحبِه وكلِبَ على أهله، وقد ذكر ذلك طرفةُ فقال:
تَقْتُلُ حالَ النَّعِيم بالبُؤُس كُنْتَ لَنَا والدُّهـورَ آوِنةً
يَعُلُّه بالحَليبِ في الغَلَسِ ككَلْبِ طَسْمٍ وقد تَرَبَّبـه
إلاَّ يَلَغ في الدماءِ يَنْتهِسِ ظلَّ عليه يوماً يُفَرْفِـرُه
وقال حاجب بن دينار المازِنيُّ في مثل ذلك:
بمالٍ وسُلطانٍ إذا سَلِم الـحَـبْـلُ وكم من عدُوٍّ قد أعنتمْ عـلـيكُـم
بإحدى الدَّواهي حينَ فَارَقَه الجهلُ كذِي الكلبِ لمَّا أسمَنَ الكَلْبَ رابَهُ
وقال عوف بن الأحوص:
تُخَدِّشُهُ أَنْيَابُه وأظَافِـرُه فإنِّي وقيساً كالمسمِّنِ كَلْبَه
وأنشد ابن الأعرابي لبعضهم:
ولو ظَفِروا بالحزْمِ مَا سُمِّنَ الكَلْبُ وهُمْ سَمَّنُوا كلباً ليأكُلَ بعضَـهـمْ
وفي المثل: سمِّن كَلْبَكَ يَأْكُلْك.
وكان رجلٌ من أهل الشام مع الحجَّاج بن يوسف، وكان يحضُر طعامَه، فكتب إلى أهله يخبرُهم بما هو فيه من الخِصْب، وأنه قد سَمِن فكتبت إليه امرأته:
وأنتَ على بابِ الأمـيرِ بَـطِـينُ أتُهدِي ليَ القِرطَاسَ والخبْزُ حاجَتِي
فأنتَ على ما في يَدَيك ضَـنِـينُ إذا غِبْتَ لم تَذْكُرْ صَدِيقاً وإن تقـمْ
فيُهْزَلُ أهلُ الكلب وهو سَـمِـينُ فأنت ككَلْبِ السَّوْءِ في جُوعِ أهلِـه
وفي المثل: سمن كلب في جوعِ أهلِه، وذلك أنه عند السُّواف يصيب المال، والإخداجِ يعرض للنُّوق، يأكُلُ الجِيفَ فيسمَن، وعلى أنه حارِسٌ مُحتَرَسٌ منه، ومؤنسٌ شديد الإيحاش من نفسه، وأليفٌ كثير الخيانةِ على إلفِه، وإنما اقتنوه على أنْ ينذِرَهم بموضع السارق، وتركوا طَرده لينبههُم على مكان
وقلت: ولو تمَّ للكلب معنى السبع وطباعه، لما أَلف الإنسانَ، واستوحش من السبع، وكرِه الغياض، وألِف الدُّور، واستوحَشَ من البرارِي وجانب القفار، وألِفَ المجالسَ والدِّيار، ولو تمَّ له معنى البهيمة في الطبع والخلق والغذاءِ، لما أكل الحيوانَ، وكَلِب على النَّاس، نعمْ حتَّى رُبَّما كلِب وَوَثَبَ على صاحبِه وكلِبَ على أهله، وقد ذكر ذلك طرفةُ فقال:
تَقْتُلُ حالَ النَّعِيم بالبُؤُس كُنْتَ لَنَا والدُّهـورَ آوِنةً
يَعُلُّه بالحَليبِ في الغَلَسِ ككَلْبِ طَسْمٍ وقد تَرَبَّبـه
إلاَّ يَلَغ في الدماءِ يَنْتهِسِ ظلَّ عليه يوماً يُفَرْفِـرُه
وقال حاجب بن دينار المازِنيُّ في مثل ذلك:
بمالٍ وسُلطانٍ إذا سَلِم الـحَـبْـلُ وكم من عدُوٍّ قد أعنتمْ عـلـيكُـم
بإحدى الدَّواهي حينَ فَارَقَه الجهلُ كذِي الكلبِ لمَّا أسمَنَ الكَلْبَ رابَهُ
وقال عوف بن الأحوص:
تُخَدِّشُهُ أَنْيَابُه وأظَافِـرُه فإنِّي وقيساً كالمسمِّنِ كَلْبَه
وأنشد ابن الأعرابي لبعضهم:
ولو ظَفِروا بالحزْمِ مَا سُمِّنَ الكَلْبُ وهُمْ سَمَّنُوا كلباً ليأكُلَ بعضَـهـمْ
وفي المثل: سمِّن كَلْبَكَ يَأْكُلْك.
وكان رجلٌ من أهل الشام مع الحجَّاج بن يوسف، وكان يحضُر طعامَه، فكتب إلى أهله يخبرُهم بما هو فيه من الخِصْب، وأنه قد سَمِن فكتبت إليه امرأته:
وأنتَ على بابِ الأمـيرِ بَـطِـينُ أتُهدِي ليَ القِرطَاسَ والخبْزُ حاجَتِي
فأنتَ على ما في يَدَيك ضَـنِـينُ إذا غِبْتَ لم تَذْكُرْ صَدِيقاً وإن تقـمْ
فيُهْزَلُ أهلُ الكلب وهو سَـمِـينُ فأنت ككَلْبِ السَّوْءِ في جُوعِ أهلِـه
وفي المثل: سمن كلب في جوعِ أهلِه، وذلك أنه عند السُّواف يصيب المال، والإخداجِ يعرض للنُّوق، يأكُلُ الجِيفَ فيسمَن، وعلى أنه حارِسٌ مُحتَرَسٌ منه، ومؤنسٌ شديد الإيحاش من نفسه، وأليفٌ كثير الخيانةِ على إلفِه، وإنما اقتنوه على أنْ ينذِرَهم بموضع السارق، وتركوا طَرده لينبههُم على مكان
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
المبيِّت، وهو أسرقُ من كل سارق، وأدومُ جنايةً من ذلك المبيِّت، ويدلُّ على أنَّه سروقٌ عندَهم، قولُ الشاعر:
وجَبْجَبةً للوَطب لَيْلَى تُطلقُ أَفِي أَنْ سرَى كلبٌ فبيَّت جُلَّةً
فهو سَرَّاق، وصاحب بَيات، وهو نَبَّاشٌ، وآكلُ لحومِ النَّاس، أَلا إنَّه يجمعُ سِرقة الليل مع سرقة النّهار، ثم لا تجده أبداً يمشي في خِزانةٍ، أَو مطبَخ، أَو عَرْصةِ دار، أو في طريقٍ، أَو في بَراريَّ، أَو في ظهرِ جَبل، أو في بَطْن وادٍ، إلاَّ وخطمُه في الأرض يتشمَّم ويستروح، وإنْ كانت الأرضُ بيضاءَ حَصَّاءَ ودَوِّيَّةً ملساءَ، أو صخرةً خلقاء؛ حرصاً وجشعاً، وشرهاً وطمعاً، نعم حتَّى لا تجده أيضاً يرى كلباً إلاَّ اشتمَّ استَه، ولا يتشمَّم غيرهَا مِنهُ، ولا تراه يُرمَى بحجر أيضاً أبداً إلاَّ رجَع إليه فعضَّ عليه؛ لأنَّه لمَّا كان لا يكاد يأكلُ إلاَّ شيئاً رمَوا به إليه صار ينسَى لِفَرْط شرَهِه وغلَبة الجشعِ على طبعه، أنَّ الراميَ إنَّما أراد عقْره أو قتلَه، فيظنّ لذلك أنَّه إنَّما أراد إطعامه والإحسانَ إليه، كذلك يخيِّل إليه فرْطُ النَّهم وتُوهِمُه غلبَةُ الشَّرَه، ولكنَّه رَمى بنفسِه على الناس عجزاً ولؤماً، وفُسولةً ونقصاً، وخافَ السباعَ واستوحش من الصَّحارى.
ولَمَّا سمِعوا بعضَ المفسِّرين يقول في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" إنَّ المحروم هو الكلب؛ وسمِعوا في المثل: اصنَعُوا المعروفَ ولو إلى الكلب عَطفُوا عليه واتَّخَذُوه في الدُّور، وعلى أنَّ ذلك لا يكون إلاَّ من سِفْلتهم وأغبيائهم، ومن قلَّ تقزُّزُهُ وكثُر جهلُه، وردَّ الآثارَ إمَّا جهلاً وإمَّا معانَدة.
وأما الديك فمِن بهائم الطير وبغاثها، ومن كلولِها والعِيال على أربابها، وليس مِنْ أحرارها ولا مِنْ عِتاقِها وجوارحها، ولا ممَّا يطرِب بصوته ويُشجِي بلحنه، كالقَماريِّ والدَّباسيِّ والشَّفَانين والوراشِين والبلابل والفواخت، ولا ممَّا يُونِق بمنظره ويمتع الأبصار حسنُه، كالطواويس والتَّدارِج، ولا مما يعجِب
وجَبْجَبةً للوَطب لَيْلَى تُطلقُ أَفِي أَنْ سرَى كلبٌ فبيَّت جُلَّةً
فهو سَرَّاق، وصاحب بَيات، وهو نَبَّاشٌ، وآكلُ لحومِ النَّاس، أَلا إنَّه يجمعُ سِرقة الليل مع سرقة النّهار، ثم لا تجده أبداً يمشي في خِزانةٍ، أَو مطبَخ، أَو عَرْصةِ دار، أو في طريقٍ، أَو في بَراريَّ، أَو في ظهرِ جَبل، أو في بَطْن وادٍ، إلاَّ وخطمُه في الأرض يتشمَّم ويستروح، وإنْ كانت الأرضُ بيضاءَ حَصَّاءَ ودَوِّيَّةً ملساءَ، أو صخرةً خلقاء؛ حرصاً وجشعاً، وشرهاً وطمعاً، نعم حتَّى لا تجده أيضاً يرى كلباً إلاَّ اشتمَّ استَه، ولا يتشمَّم غيرهَا مِنهُ، ولا تراه يُرمَى بحجر أيضاً أبداً إلاَّ رجَع إليه فعضَّ عليه؛ لأنَّه لمَّا كان لا يكاد يأكلُ إلاَّ شيئاً رمَوا به إليه صار ينسَى لِفَرْط شرَهِه وغلَبة الجشعِ على طبعه، أنَّ الراميَ إنَّما أراد عقْره أو قتلَه، فيظنّ لذلك أنَّه إنَّما أراد إطعامه والإحسانَ إليه، كذلك يخيِّل إليه فرْطُ النَّهم وتُوهِمُه غلبَةُ الشَّرَه، ولكنَّه رَمى بنفسِه على الناس عجزاً ولؤماً، وفُسولةً ونقصاً، وخافَ السباعَ واستوحش من الصَّحارى.
ولَمَّا سمِعوا بعضَ المفسِّرين يقول في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" إنَّ المحروم هو الكلب؛ وسمِعوا في المثل: اصنَعُوا المعروفَ ولو إلى الكلب عَطفُوا عليه واتَّخَذُوه في الدُّور، وعلى أنَّ ذلك لا يكون إلاَّ من سِفْلتهم وأغبيائهم، ومن قلَّ تقزُّزُهُ وكثُر جهلُه، وردَّ الآثارَ إمَّا جهلاً وإمَّا معانَدة.
وأما الديك فمِن بهائم الطير وبغاثها، ومن كلولِها والعِيال على أربابها، وليس مِنْ أحرارها ولا مِنْ عِتاقِها وجوارحها، ولا ممَّا يطرِب بصوته ويُشجِي بلحنه، كالقَماريِّ والدَّباسيِّ والشَّفَانين والوراشِين والبلابل والفواخت، ولا ممَّا يُونِق بمنظره ويمتع الأبصار حسنُه، كالطواويس والتَّدارِج، ولا مما يعجِب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
بهدايته ويُعقَد الذمام بإلْفه ونِزاعه، وشدةِ أُنسه وحنينه، وتُرِيده بإرادته لك، وتَعطِف عليهِ لحبِّهِ إياك، كالحمام، ولا هو أيضاً من ذوات الطيران منها، فهو طائرٌ لا يطير، وبهيمةٌ لا يَصيد، ولا هو أيضاً مما يكون صيداً فيمْتِع من هذه الجهة ويُراد لهذه اللَّذة.
والخُفَّاش أمرَطُ، وهو جيِّدُ الطيران، والدِّيكُ كاسٍ وهو لا يطير، وأيُّ شيءٍ أعجبُ من ذي ريشٍ أرضيٍّ، ومن ذي جلدةٍ هوائيّ. وأجمعُ الخلق لخصال الخير الإنسان، وليس الزِّواجُ إلاّ في الإنسان وفي الطير، فلو كان الديك من غير الطير ثمَّ كان ممن لا يزاوج، لقد كان قد مُنِع هذه الفضيلة وعَدِم هذه المشاكَلَة الغريبة، وحُرم هذا السَّببَ الكريم والشِّبْه المحمود، فكيف وهو لا يزاوج، وهو من الطيرِ الذي ليس الزواجُ والإلْف وثباتُ العهْد، وطلَبُ الذرء وحبُّ النَّسل، والرجوعُ إلى السكن والحنين إلى الوطن - إلاَّ له وللإنسان، وكلُّ شيء لا يزاوج فإنَّما دخله النقصُ وخسِر هذه الفضيلَة من جهةٍ واحدة، وقد دخل الديكَ النقص مِنْ جهتين، ووصف أبو الأخزَر الحِمَّانيُّ الحِمارَ وعَيْر العانةِ خاصَّة، فإنَّه أمثلُ في باب المعرفة من الأهْليّ، فذكركيف يضرِب في الأُتُن، ووصَفَ استبهامَه عن طلب الولد، وجهلَه بموْضِع الذَّرْء، وأنَّ الولدَ لم يجئ منه عن طلبٍ له، ولكن النُّطفة البريئة من الأسقام، إذا لاقت الأرحام البريئَة مِن الأسقام حَدَث النِّتاج على الخلقة، وعلى ما سوِّيت عليه البِنية، وذكر أنّ نزوَه على الأتان، من شكل نَزْوه على العير، وإنَّما ذلك على قدْر ما يحضُره من الشَّبَق، ثمَّ لا يلتفِت إلى دُبرٍ من قُبُل، وإلى ما يَلقَحُ من مثلِه ممَّا لا يُلقَحُ فقال:
لا مُبْتَغِي الضِّنْءِ ولا بالعازلِ
يقول: هو لا يريد الولَد ولا يعزل.
والأشياء التي تألفُ الناسَ ولا تريدُ سِواهم، ولا تحنُّ إلى غيرهم، كالعصفور والخُطّاف والكلْب والسِّنَّور، والدِّيك لا يألَفُ منزِلَه ولا رَبْعه ولا يُنازع إلى دجاجته ولا طَرُوقته، ولا يحنُّ إلى ولده، بل لم
والخُفَّاش أمرَطُ، وهو جيِّدُ الطيران، والدِّيكُ كاسٍ وهو لا يطير، وأيُّ شيءٍ أعجبُ من ذي ريشٍ أرضيٍّ، ومن ذي جلدةٍ هوائيّ. وأجمعُ الخلق لخصال الخير الإنسان، وليس الزِّواجُ إلاّ في الإنسان وفي الطير، فلو كان الديك من غير الطير ثمَّ كان ممن لا يزاوج، لقد كان قد مُنِع هذه الفضيلة وعَدِم هذه المشاكَلَة الغريبة، وحُرم هذا السَّببَ الكريم والشِّبْه المحمود، فكيف وهو لا يزاوج، وهو من الطيرِ الذي ليس الزواجُ والإلْف وثباتُ العهْد، وطلَبُ الذرء وحبُّ النَّسل، والرجوعُ إلى السكن والحنين إلى الوطن - إلاَّ له وللإنسان، وكلُّ شيء لا يزاوج فإنَّما دخله النقصُ وخسِر هذه الفضيلَة من جهةٍ واحدة، وقد دخل الديكَ النقص مِنْ جهتين، ووصف أبو الأخزَر الحِمَّانيُّ الحِمارَ وعَيْر العانةِ خاصَّة، فإنَّه أمثلُ في باب المعرفة من الأهْليّ، فذكركيف يضرِب في الأُتُن، ووصَفَ استبهامَه عن طلب الولد، وجهلَه بموْضِع الذَّرْء، وأنَّ الولدَ لم يجئ منه عن طلبٍ له، ولكن النُّطفة البريئة من الأسقام، إذا لاقت الأرحام البريئَة مِن الأسقام حَدَث النِّتاج على الخلقة، وعلى ما سوِّيت عليه البِنية، وذكر أنّ نزوَه على الأتان، من شكل نَزْوه على العير، وإنَّما ذلك على قدْر ما يحضُره من الشَّبَق، ثمَّ لا يلتفِت إلى دُبرٍ من قُبُل، وإلى ما يَلقَحُ من مثلِه ممَّا لا يُلقَحُ فقال:
لا مُبْتَغِي الضِّنْءِ ولا بالعازلِ
يقول: هو لا يريد الولَد ولا يعزل.
والأشياء التي تألفُ الناسَ ولا تريدُ سِواهم، ولا تحنُّ إلى غيرهم، كالعصفور والخُطّاف والكلْب والسِّنَّور، والدِّيك لا يألَفُ منزِلَه ولا رَبْعه ولا يُنازع إلى دجاجته ولا طَرُوقته، ولا يحنُّ إلى ولده، بل لم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
يَدرِ قطُّ أنّ له ولداً؛ ولو دَرَى لكان على دِرايتِهِ دليل، فإذ قد وجدناه لبيضِه وفراريجهِ الكائنةِ منه، كما نجدُه لما لم يلدْه ولِمَا ليسَ من شَكلهِ ولا يرجِع إلى نسبه، فكيف تُعرَف الأمور إلاَّ بهذا وشبهه، وهو مع ذلك أبلَهُ لا يعرِف أهلَ دارِه، ومبهوتٌ لا يُثْبِتُ وَجهَ صَاحِبه، وهو لم يُخْلَق إلاَّ عندَه وفي ظلِّه، وفي طعامِه وشرابِه، وتَحْتَ جناحه.
والكلْبُ على ما فيه يعرف صاحبَهُ، وهو والسِّنَّور يعرِفان أسماءهما، ويألَفَان موضعَهما، وإن طُردا رَجعا، وإن أُجِيعا صَبَرَا، وإن أُهِينا احتملا.
والديك يكون في الدار من لَدُنْ كانَ فَرُّوجاً صغيراً إلى أن صار ديكاً كبيراً، وهو إن خرَج من باب الدار، أو سقط على حائط من حيطان الجيران، أو على موضعٍ من المواضع، لم يعرِفْ كيف الرُّجوعُ، وإن كان يُرَى منزلُه قريباً، وسهل المطلبِ يسيراً، ولا يَذكُر ولا يتذَكَّر، ولا يهتدي ولا يتصوَّر لَه كيف يكونُ الاهتداء، ولو حنَّ لَطَلَبَ، ولو احتاج لالتمس، ولو كان هذا الخُبْرُ في طباعه لظَهَر، ولكنَّهَا طبيعةٌ بلهاءُ مستبهِمة، طامحة وذاهلة، ثمَّ يسفَدُ الدَّجاجةَ ولا يعرفُها، هذا مع شدَّةِ حاجته إليهنَّ وحِرصِه على السِّفاد، والحاجةُ تفتِقُ الحِيلَة، وتَدُلُّ على المعرفة، إلاَّ ما عليه الديك؛ فإنَّه مع حِرصهِ على السِّفاد، لا يعرفُ التي يسفَد، ولا يقصِد إلى ولدٍ، ولا يحضُن بيضاً ولا يعطِفُه رَحِمٌ، فهو من ها هنا أحمقُ من الحُبارَى وأعقُّ من الضبِّ، وقال عثمان بن عفَّان رضي اللّه تعالى عنه: كلُّ شيءٍ يحبُّ ولدَه حتى الحُبَارى، فضرَب بها المثلَ كما ترى في المُوقِ والغفْلة، وفي الجهل والبَلَه، وتقول العرب: أعَقُّ من الضَّبِّ؛ لأنَّه يأكلُ حُسُولَه.
أكل الهرة أولادها وكرُمَ عند العرَب حظُّ الهِرَّة، لقولهم: أَبَرُّ مِنْ هِرَّة، وأعقُّ مِنْ ضَبٍّ، فوَجَّهوا أكلَ الهرَّةِ أولادَها على شدَّة الحبِّ لها، ووجَّهوا أَكْلَ الضبِّ لها على شدَّةِ البغْض لها، وليس ينجو مِنْهُ شيءٌ
والكلْبُ على ما فيه يعرف صاحبَهُ، وهو والسِّنَّور يعرِفان أسماءهما، ويألَفَان موضعَهما، وإن طُردا رَجعا، وإن أُجِيعا صَبَرَا، وإن أُهِينا احتملا.
والديك يكون في الدار من لَدُنْ كانَ فَرُّوجاً صغيراً إلى أن صار ديكاً كبيراً، وهو إن خرَج من باب الدار، أو سقط على حائط من حيطان الجيران، أو على موضعٍ من المواضع، لم يعرِفْ كيف الرُّجوعُ، وإن كان يُرَى منزلُه قريباً، وسهل المطلبِ يسيراً، ولا يَذكُر ولا يتذَكَّر، ولا يهتدي ولا يتصوَّر لَه كيف يكونُ الاهتداء، ولو حنَّ لَطَلَبَ، ولو احتاج لالتمس، ولو كان هذا الخُبْرُ في طباعه لظَهَر، ولكنَّهَا طبيعةٌ بلهاءُ مستبهِمة، طامحة وذاهلة، ثمَّ يسفَدُ الدَّجاجةَ ولا يعرفُها، هذا مع شدَّةِ حاجته إليهنَّ وحِرصِه على السِّفاد، والحاجةُ تفتِقُ الحِيلَة، وتَدُلُّ على المعرفة، إلاَّ ما عليه الديك؛ فإنَّه مع حِرصهِ على السِّفاد، لا يعرفُ التي يسفَد، ولا يقصِد إلى ولدٍ، ولا يحضُن بيضاً ولا يعطِفُه رَحِمٌ، فهو من ها هنا أحمقُ من الحُبارَى وأعقُّ من الضبِّ، وقال عثمان بن عفَّان رضي اللّه تعالى عنه: كلُّ شيءٍ يحبُّ ولدَه حتى الحُبَارى، فضرَب بها المثلَ كما ترى في المُوقِ والغفْلة، وفي الجهل والبَلَه، وتقول العرب: أعَقُّ من الضَّبِّ؛ لأنَّه يأكلُ حُسُولَه.
أكل الهرة أولادها وكرُمَ عند العرَب حظُّ الهِرَّة، لقولهم: أَبَرُّ مِنْ هِرَّة، وأعقُّ مِنْ ضَبٍّ، فوَجَّهوا أكلَ الهرَّةِ أولادَها على شدَّة الحبِّ لها، ووجَّهوا أَكْلَ الضبِّ لها على شدَّةِ البغْض لها، وليس ينجو مِنْهُ شيءٌ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
منها إلاّ بشغْلِه بِأَكْل إخْوته عنه، وليس يحرُسُها ممَّا يأكلُها إلاَّ ليأكلَها، ولذلك قال العَمَلَّسُ بن عَقيل، لأبيه عَقيل بن عُلَّفَة:
وَجدتَ مَرارةَ الكلأ الوبيل أكلْتَ بَنِيك أكْلَ الضَّبِّ حتَّى
منَعْتَ فِناءَ بيتك من بَجيلِ فلو أنَّ الأُلَى كانوا شهـوداً
وقال أيضاً:
ترَكت بَنِيك لَيْسَ لَهُمْ عديد أكلْت بَنِيك أَكل الضَّبِّ حتَّى
وشبَّه السّيِّدُ بن محمَّد الحميريُّ، عائشةَ رضي اللّه تعالى عنها في نصْبِها الحربَ يوم الجملِ لقتال بنيها، بالهرَّةِ حين تأكلُ أولادَها، فقال:
تُزْجِي إلى البَصْرَةِ أجْنَادَها جَاءَتْ معَ الأَشْقَينَ في هَوْدَجٍ
تُريدُ أن تـأكُـلَ أولادَهَـا كأنَّها في فِعـلِـهـا هِـرَّةٌ
رعاية الذئبة لولد الضبع وتقول العرب أيضاً: أحمَقُ مِنْ جَهِيزَة، وهي عِرس الذئب؛ لأنَّها تدعُ ولدها وترضع ولد الضبع.
قال: وهذا معنى قولِ ابن جِذْل الطِّعَان.
بَنِيهَا فلم تَرْقَع بذلك مَرْقَـعـا كَمُرضِعَةٍ أولادَ أُخرَى وضَيَّعَتْ
رعاية الذئب لولد الضبع ويقولون: إنَّ الضبعَ إذا صِيدَت أو قُتلت، فإنَّ الذئب يأتي أولادَها باللحم، وأنشد الكُميت:
لِذِي الحبل حتى عَال أوسٌ عِيالها كما خَامَرَتْ في حِضْنِها أمُّ عامرٍ
وأوس هو الذئب، وقال في ذلك:
ضِغْثٌ يَزيد على إبَالَه في كلِّ يومٍ من ذُؤَالَه
أوساً أُويسُ من الهباله فلأحْشأنَّك مِشْقَـصـاً
الأوس: الإعطاء، وأويس هو الذئب، وقال في ذلك الهذليّ:
وَجدتَ مَرارةَ الكلأ الوبيل أكلْتَ بَنِيك أكْلَ الضَّبِّ حتَّى
منَعْتَ فِناءَ بيتك من بَجيلِ فلو أنَّ الأُلَى كانوا شهـوداً
وقال أيضاً:
ترَكت بَنِيك لَيْسَ لَهُمْ عديد أكلْت بَنِيك أَكل الضَّبِّ حتَّى
وشبَّه السّيِّدُ بن محمَّد الحميريُّ، عائشةَ رضي اللّه تعالى عنها في نصْبِها الحربَ يوم الجملِ لقتال بنيها، بالهرَّةِ حين تأكلُ أولادَها، فقال:
تُزْجِي إلى البَصْرَةِ أجْنَادَها جَاءَتْ معَ الأَشْقَينَ في هَوْدَجٍ
تُريدُ أن تـأكُـلَ أولادَهَـا كأنَّها في فِعـلِـهـا هِـرَّةٌ
رعاية الذئبة لولد الضبع وتقول العرب أيضاً: أحمَقُ مِنْ جَهِيزَة، وهي عِرس الذئب؛ لأنَّها تدعُ ولدها وترضع ولد الضبع.
قال: وهذا معنى قولِ ابن جِذْل الطِّعَان.
بَنِيهَا فلم تَرْقَع بذلك مَرْقَـعـا كَمُرضِعَةٍ أولادَ أُخرَى وضَيَّعَتْ
رعاية الذئب لولد الضبع ويقولون: إنَّ الضبعَ إذا صِيدَت أو قُتلت، فإنَّ الذئب يأتي أولادَها باللحم، وأنشد الكُميت:
لِذِي الحبل حتى عَال أوسٌ عِيالها كما خَامَرَتْ في حِضْنِها أمُّ عامرٍ
وأوس هو الذئب، وقال في ذلك:
ضِغْثٌ يَزيد على إبَالَه في كلِّ يومٍ من ذُؤَالَه
أوساً أُويسُ من الهباله فلأحْشأنَّك مِشْقَـصـاً
الأوس: الإعطاء، وأويس هو الذئب، وقال في ذلك الهذليّ:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
ما فَعَلَ اليومَ أُويسٌ في الغنمْ يا ليتَ شعري عنك والأَمْرُ أَمَمْ
وقال أميَّةُ بن أبي الصّلْت:
وَيُحوطُهم في كلِّ عامٍ جامد وأبو اليتامى كانَ يُحْسِنُ أوسهم
حمق النعامة ويقولون: أحْمَقُ مِنْ نَعَامة كما يقولون: أَشْرَدُ مِنْ نعامة قالوا ذلك لأنّها تدَعُ الحَضْن على بيضِها ساعةَ الحاجة إلى الطُّعم، فإن هي في خروجِها ذلك رأتْ بيضَ أخرى قد خرجت للطُّعم، حضَنت بيضَها ونسِيت بيضَ نفسها، ولعلَّ تلك أن تُصادَ فلا ترجعُ إلى بيضها بالعَرَاء حتَّى تهلِك، قالوا: ولذلك قال ابن هَرْمة:
وقَدْحِي بكَفِّيَ زَنْداً شَحَاحا فإنِّي وتَرْكي نَدَى الأَكرَمِينَ
ومُلبِسةٍ بَيضَ أُخْرَى جناحا كتاركةٍ بيضَها بالـعَـرَاء
وقد تحضُن الحمامُ على بيض الدَّجاج، وتحضُن الدَّجاجةُ بيضَ الطاوُس، فأمَّا أن يَدَعَ بَيضَه ويحضُنَ بيضَ الدَّجاجة، أو تَدَعَ الدجاجةُ بيضَها وتحضُن بيضَ الطاوس فلا، فأمَّا فَرُّوجُ الدَّجاجة إذا خرج من تحت الحمامة؛ فإنَّهُ يكونُ أكيسَ، وأَمَّا الطاوُس الذي يخرج من تحت الدَّجاجة فيكون أقلَّ حسناً وَأَبْغَضَ صوتاً.
الفرخ والفروج وكلُّ بيضةٍ في الأرض فإنَّ اسمَ الذي فيها والذي يخرُج منها فرخ، إلاَّ بيضَ الدَّجاج فإنَّه يسمى فرُّوجاً، ولا يسمَّى فرخاً، إلاَّ أن الشعراء يجعلون الفَرُّوج فَرخاً على التوسُّع في الكلام، ويجوِّزون في الشعر أشياءَ لا يجوِّزونها في غير الشعر، قال الشاعر:
وسَودٌ تَدَاعى بالعشيِّ نَـواعِـبُـه لَعَمْرِي لأَصْواتُ المَكَاكيِّ بالضُّحَى
ومِنْ دِيكِ أنباطٍ تَنُوسُ غباغِـبُـه أحبُّ إلينـا مـن فِـراخِ دَجـاجةٍ
وقال الشمَّاخ بن ضِرار:
تأمَّلْ حِينَ يضربُك الشِّتـاءُ ألا مَنْ مُبلغٌ خاقانَ عـنِّـي
ومن شيخٍ أَضرَّ به الفَنـاءُ فتجعل في جنابك من صغير
يَلُذْنَ به إذا حَمِس الوَغَـاء فراخ دَجاجةٍ يَتْبَعْـنَ دِيكـاً
وقال أميَّةُ بن أبي الصّلْت:
وَيُحوطُهم في كلِّ عامٍ جامد وأبو اليتامى كانَ يُحْسِنُ أوسهم
حمق النعامة ويقولون: أحْمَقُ مِنْ نَعَامة كما يقولون: أَشْرَدُ مِنْ نعامة قالوا ذلك لأنّها تدَعُ الحَضْن على بيضِها ساعةَ الحاجة إلى الطُّعم، فإن هي في خروجِها ذلك رأتْ بيضَ أخرى قد خرجت للطُّعم، حضَنت بيضَها ونسِيت بيضَ نفسها، ولعلَّ تلك أن تُصادَ فلا ترجعُ إلى بيضها بالعَرَاء حتَّى تهلِك، قالوا: ولذلك قال ابن هَرْمة:
وقَدْحِي بكَفِّيَ زَنْداً شَحَاحا فإنِّي وتَرْكي نَدَى الأَكرَمِينَ
ومُلبِسةٍ بَيضَ أُخْرَى جناحا كتاركةٍ بيضَها بالـعَـرَاء
وقد تحضُن الحمامُ على بيض الدَّجاج، وتحضُن الدَّجاجةُ بيضَ الطاوُس، فأمَّا أن يَدَعَ بَيضَه ويحضُنَ بيضَ الدَّجاجة، أو تَدَعَ الدجاجةُ بيضَها وتحضُن بيضَ الطاوس فلا، فأمَّا فَرُّوجُ الدَّجاجة إذا خرج من تحت الحمامة؛ فإنَّهُ يكونُ أكيسَ، وأَمَّا الطاوُس الذي يخرج من تحت الدَّجاجة فيكون أقلَّ حسناً وَأَبْغَضَ صوتاً.
الفرخ والفروج وكلُّ بيضةٍ في الأرض فإنَّ اسمَ الذي فيها والذي يخرُج منها فرخ، إلاَّ بيضَ الدَّجاج فإنَّه يسمى فرُّوجاً، ولا يسمَّى فرخاً، إلاَّ أن الشعراء يجعلون الفَرُّوج فَرخاً على التوسُّع في الكلام، ويجوِّزون في الشعر أشياءَ لا يجوِّزونها في غير الشعر، قال الشاعر:
وسَودٌ تَدَاعى بالعشيِّ نَـواعِـبُـه لَعَمْرِي لأَصْواتُ المَكَاكيِّ بالضُّحَى
ومِنْ دِيكِ أنباطٍ تَنُوسُ غباغِـبُـه أحبُّ إلينـا مـن فِـراخِ دَجـاجةٍ
وقال الشمَّاخ بن ضِرار:
تأمَّلْ حِينَ يضربُك الشِّتـاءُ ألا مَنْ مُبلغٌ خاقانَ عـنِّـي
ومن شيخٍ أَضرَّ به الفَنـاءُ فتجعل في جنابك من صغير
يَلُذْنَ به إذا حَمِس الوَغَـاء فراخ دَجاجةٍ يَتْبَعْـنَ دِيكـاً
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
فإنْ قلت: وأيُّ شيء بلَغَ من قدْر الكلبِ وفضيلة الديك، حتَّى يتفرّغ لذكر محاسِنهما ومساويهما، والموازنة بينهما والتنوية بذكرهما، شيخان من عِلْيةِ المتكلِّمين، ومن الجلة المتقدِّمين، وعلى أنَّهما متى أبرما هذا الحكمَ وأفصحا بهذه القضيَّة، صار بهذا التدبير بهما حظٌّ وحكمة وفضيلة وديانة، وقلدَهما كلُّ مَن هو دونَهما، وسيعودُ ذلك عذراً لهما إذا رأيتهما يوازيان بين الذِّبَّان وبناتِ وَرْدانَ، وبين الخنافس والجِعْلان، وبينِ جميع أجناس الهمَج وأصناف الحشراتِ، والخشاش، حتَّى البعوض والفَراش والديدان والقِردان فإن جاز هذا في الرأي وتمَّ عليه العمل، صار هذا الضَّربُ من النظر عِوضاً من النَّظَر في التوحيد، وصار هذا الشكلُ من التمييز خَلَفاً من التعديل والتجوير، وسقَط القولُ في الوعد والوعيد، ونُسي القياسُ والحكم في الاسم، وبطَلَ الردُّ على أهلِ الملل، والموازنةُ بين جميع النِّحَل، والنظرُ في مراشد الناس ومصالحهم، وفي منافِعهم ومَرافقهم؛ لأنَّ قلوبَهم لا تتَّسع للجميع، وألسنَتهم لا تنطِلق بالكلِّ، وإنَّما الرأيُ أن تبدأ من الفتق بالأعظم، والأخوف فالأخوف.
وقلتَ: وهذا بابٌ من أبواب الفراغ وشكل من أشكال التطرُّف وطريق من طرق المزاح، وسَبيلٌ من سُبُل المضاحك، ورجالُ الجدَِّ غير رجالِ الهزْل، وقد يحسُن بالشَّبَابِ ويقبُح مثلُه من الشيوخ، ولولا التحصيلُ والموازنَة، والإبقاء على الأدب، والدَّيانة بشدَّة المحاسبة، لما قالوا: لكلِّ مقامٍ مقال، ولكلِّ زمانٍ رجالٌ، ولكلِّ ساقطةٍ لاقطة، ولكلِّ طعامٍ أكلة.
تنوع الملكات وقوتها وضرورة ظهورها قد زعم أناسٌ أنَّ كلِّ إنسانٍ فيه آلةِ لَمِرْفِقٍ من المرافق، وأداةٌ لمنفعةٍ من المنافع، ولا بدَّ لتلك الطبيعة من حركةٍ وإنْ أبطأَت، ولا بدَّ لذلك الكامنِ من ظهور، فإنْ أمكَنهُ ذلك بعثَه، وإلاَّ سَرَى إليه كما يسري السمُّ في البدن، ونمَى كما يَنْمِي العرق، كما أنّ البُزور البرّيَّة، والحبَّةَ الوحشيَّة الكامنةَ في أرحام الأَرَضين، لا بدَّ لها من حركةٍ عندَ زمانِ الحركة، ومن التفتُّق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
البرّيَّة، والحبَّةَ الوحشيَّة الكامنةَ في أرحام الأَرَضين، لا بدَّ لها من حركةٍ عندَ زمانِ الحركة، ومن التفتُّق والانتشار في إبَّانِ الانتشار، وإذا صارت الأمطارُ لتلك الأرحامِ كالنُّطفة، وكان بعضُ الأرض كالأُم الغاذية فلا بدَّ لكلِّ ثديٍ قوِيٍّ أن يُظهِر قُوَّتَه، كما قال الأوّلُ:
ولا بدَّ للمصدور يوماً من النَّفْثْ
وقال:ولا بدَّ من شَكوى إذا لم يكنْ صبرُ ولذلك صارَ طلبُ الحسابِ أخفَّ على بعضهم، وطلبُ الطِّبِّ أحبَّ إلى بعضهم، وكذلك النِّزاع إلى الهندسة، وشغَفُ أهلِ النُّجوم بالنُّجوم، وكذلك أىضاً ربَّما تحرَّك له بعد الكَبرَة، وصَرف رغبتَه إليه بعد الكهولة، على قدر قوَّة العِرق في بدنه، وعلى قدْر الشَّواغل له وما يعترضُ عليه، فتجد واحداً يَلهج بطلب الغِناء واللحون، وآخر يلهج بشهوة القتال، حتى يَكْتَتِبَ مع الجُند، وآخر يختار أن يكون ورّاقاً، وآخر يختارُ طلبَ الملك، وتجِدُ حرصَهم على قدر العلل الباطِنة المحرِّكة لهم، ثمَّ لا تَدْرِي كيف عرضَ لهذا هذا السّببُ دونَ الآخَرِ إلاَّ بجملة من القول، ولا تجدُ المختارَ لبعض هذه الصناعات على بعضٍ يعَلمْ لم اختارَ ذلك في جملةٍ ولا تفسير، إذْ كان لم يَجْرِ منه عَلَى عِرْق، ولا اختارَه على إرْث.
من سار على غير طبعه وليس العجبُ من رجلٍ في طباعه سببٌ يَصِل بينه وبينَ بعض الأمور ويحرِّكه في بعض الجهات، ولكنَّ العجبَ ممَّن يموت مغنِّياً وهو لا طبعَ له في معرفة الوزن، وليس له جِرمٌ حسَن، فيكون إن فاته أن يكون معلِّماً ومغنِّيَ خاصَّة أنْ يكون مُطرباً ومُغَنِّيَ عامّة، وآخر قد ماتَ أن يُذكرَ بالجود، وأن يسخَّى على الطعام، وهو أبِخلُ الخلق طبعاً، فتراه كلفاً باتِّخاذ الطيِّبات ومستَهتَراً بالتكثير منها، ثمّ هو أبداً مفْتَضِحٌ وأبداً منتقض الطباع، ظاهرُ الخطأ، سيِّئ الجزع عندَ مؤاكلةِ من كان هو الداعيَ له، والمرسِلَ إليه، والعارفِ مقْدارَ لَقْمِه ونهايةَ أكله، فإنْ زعمتم أنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاء إنَّما هو رهنٌ بأسبابه، وأسيرٌُ في أيدي عِلَله، عذَرتم جميعَ اللئام وجميع المقصِّرين، وجميعَ الفاسقين والضالِّين، وإن كان الأمر إلى التمكين دونَ التسخير،أفَليس من أعجبِ العجبَ ومن أسوأ التقدير التمثيل بين
ولا بدَّ للمصدور يوماً من النَّفْثْ
وقال:ولا بدَّ من شَكوى إذا لم يكنْ صبرُ ولذلك صارَ طلبُ الحسابِ أخفَّ على بعضهم، وطلبُ الطِّبِّ أحبَّ إلى بعضهم، وكذلك النِّزاع إلى الهندسة، وشغَفُ أهلِ النُّجوم بالنُّجوم، وكذلك أىضاً ربَّما تحرَّك له بعد الكَبرَة، وصَرف رغبتَه إليه بعد الكهولة، على قدر قوَّة العِرق في بدنه، وعلى قدْر الشَّواغل له وما يعترضُ عليه، فتجد واحداً يَلهج بطلب الغِناء واللحون، وآخر يلهج بشهوة القتال، حتى يَكْتَتِبَ مع الجُند، وآخر يختار أن يكون ورّاقاً، وآخر يختارُ طلبَ الملك، وتجِدُ حرصَهم على قدر العلل الباطِنة المحرِّكة لهم، ثمَّ لا تَدْرِي كيف عرضَ لهذا هذا السّببُ دونَ الآخَرِ إلاَّ بجملة من القول، ولا تجدُ المختارَ لبعض هذه الصناعات على بعضٍ يعَلمْ لم اختارَ ذلك في جملةٍ ولا تفسير، إذْ كان لم يَجْرِ منه عَلَى عِرْق، ولا اختارَه على إرْث.
من سار على غير طبعه وليس العجبُ من رجلٍ في طباعه سببٌ يَصِل بينه وبينَ بعض الأمور ويحرِّكه في بعض الجهات، ولكنَّ العجبَ ممَّن يموت مغنِّياً وهو لا طبعَ له في معرفة الوزن، وليس له جِرمٌ حسَن، فيكون إن فاته أن يكون معلِّماً ومغنِّيَ خاصَّة أنْ يكون مُطرباً ومُغَنِّيَ عامّة، وآخر قد ماتَ أن يُذكرَ بالجود، وأن يسخَّى على الطعام، وهو أبِخلُ الخلق طبعاً، فتراه كلفاً باتِّخاذ الطيِّبات ومستَهتَراً بالتكثير منها، ثمّ هو أبداً مفْتَضِحٌ وأبداً منتقض الطباع، ظاهرُ الخطأ، سيِّئ الجزع عندَ مؤاكلةِ من كان هو الداعيَ له، والمرسِلَ إليه، والعارفِ مقْدارَ لَقْمِه ونهايةَ أكله، فإنْ زعمتم أنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاء إنَّما هو رهنٌ بأسبابه، وأسيرٌُ في أيدي عِلَله، عذَرتم جميعَ اللئام وجميع المقصِّرين، وجميعَ الفاسقين والضالِّين، وإن كان الأمر إلى التمكين دونَ التسخير،أفَليس من أعجبِ العجبَ ومن أسوأ التقدير التمثيل بين
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
الدِّيَكة والكِلاب.
قَدْ عَرَفنا قولَك، وفهمْنا مذهبَك.
فأما قولُك: وما بلَغ من خَطَر الديك وقدر الكلب فإنَّ هذا ونحوَه كلامُ عبدٍ لم يفهم عن ربِّه، ولم يَعقِل عن سيِّده، إلاَّ بقدْر فهمِ العامَّةِ أو الطبقةِ التي تلي العامَّة، كأنَّكَ، فهَّمك اللّه تعالى، تظنُ أنَّ خَلْقَ الحيَّةِ والعقرَب، والتدبيرَ في خلقِ الفَراش والذباب، والحكمةَ في خلْق الذئاب والأسدِ وكلِّ مبغَّضٍ إليك أو محقَّر عندك، أو مسخَّرٍ لك أو واثبٍ عليك، أنَّ التدبير فيه مختلِفٌ أو ناقص، وأنَّ الحكمةَ فيه صغيرةٌ أو ممزوجة.
مصلحة الكون في امتزاج الخير بالشر اعلم أنَّ المصلحةَ في أمرٍ ابتداء الدنيا إلى انقضاءِ مُدَّتها امتزاجُ الخير بالشرِّ، والضارِّ بالنافع، والمكروهِ بالسارِّ، والضَّعَةِ بالرِّفعة، والكَثرة بالقِلَّة، ولو كان الشرُّ صِرْفاً هلَكَ الخلقُ، أو كان الخيرُ مَحضاً سقَطت المِحْنة وتقطَّعَتْ أسبابُ الفِكرة، ومع عَدَم الفِكرةِ يكون عَدَمُ الحكمة، ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز، ولم يكن للعالِمِ تثبُّتٌ وتوقُّف وتعلُّم، ولم يكن علم، ولا يُعرف بابُ التبيُّن، ولا دفعُ مضرةٍ، ولا اجتلابُ منفعة، ولا صَبْر على مكروهٍ ولا شكْرٌ على محبوب، ولا تفاضُلٌ في بيانٍ، ولا تَنَافس في درجةٍ، وبطلَت فَرحةُ الظَّفَر وعزُّ الغلبة، ولم يكن على ظهرها مُحِقٌّ يجد عزَّ الحق، ومُبْطِلٌْ يجد ذِلَّة الباطل، وموقنٌ يجد بَرْدَ اليقين، وشاكٌّ يجد نقصَ الحَيرةِ وكَرْبَ الوُجوم؛ ولم تكن للنفوس آمالٌ ولم تتشعَّبْهَا الأطماع، ومَن لم يعرف كيف الطَّمعُ لم يعرِفِ اليأس، ومن جَهِل اليأسَ جهِلَ الأمن، وعادت الحالُ من الملائكة الذين هم صفوة الخلق، ومن الإنس الذين فيهم الأنبياءُ والأولياءُ، إلى حالِ السبُعِ والبهيمة، وإلى حال الغباوةِ والبلادة، وإلى حال النجوم في السُّخْرة؛ فإنها أنقص من حالِ البهائم في الرَّتْعَةِ، ومَنْ هذا الذي يسرُّه أن يكون الشمسَ والقمرَ والنَّارَ والثلج، أو برجاً من البروج أو
قَدْ عَرَفنا قولَك، وفهمْنا مذهبَك.
فأما قولُك: وما بلَغ من خَطَر الديك وقدر الكلب فإنَّ هذا ونحوَه كلامُ عبدٍ لم يفهم عن ربِّه، ولم يَعقِل عن سيِّده، إلاَّ بقدْر فهمِ العامَّةِ أو الطبقةِ التي تلي العامَّة، كأنَّكَ، فهَّمك اللّه تعالى، تظنُ أنَّ خَلْقَ الحيَّةِ والعقرَب، والتدبيرَ في خلقِ الفَراش والذباب، والحكمةَ في خلْق الذئاب والأسدِ وكلِّ مبغَّضٍ إليك أو محقَّر عندك، أو مسخَّرٍ لك أو واثبٍ عليك، أنَّ التدبير فيه مختلِفٌ أو ناقص، وأنَّ الحكمةَ فيه صغيرةٌ أو ممزوجة.
مصلحة الكون في امتزاج الخير بالشر اعلم أنَّ المصلحةَ في أمرٍ ابتداء الدنيا إلى انقضاءِ مُدَّتها امتزاجُ الخير بالشرِّ، والضارِّ بالنافع، والمكروهِ بالسارِّ، والضَّعَةِ بالرِّفعة، والكَثرة بالقِلَّة، ولو كان الشرُّ صِرْفاً هلَكَ الخلقُ، أو كان الخيرُ مَحضاً سقَطت المِحْنة وتقطَّعَتْ أسبابُ الفِكرة، ومع عَدَم الفِكرةِ يكون عَدَمُ الحكمة، ومتى ذهب التخيير ذهب التمييز، ولم يكن للعالِمِ تثبُّتٌ وتوقُّف وتعلُّم، ولم يكن علم، ولا يُعرف بابُ التبيُّن، ولا دفعُ مضرةٍ، ولا اجتلابُ منفعة، ولا صَبْر على مكروهٍ ولا شكْرٌ على محبوب، ولا تفاضُلٌ في بيانٍ، ولا تَنَافس في درجةٍ، وبطلَت فَرحةُ الظَّفَر وعزُّ الغلبة، ولم يكن على ظهرها مُحِقٌّ يجد عزَّ الحق، ومُبْطِلٌْ يجد ذِلَّة الباطل، وموقنٌ يجد بَرْدَ اليقين، وشاكٌّ يجد نقصَ الحَيرةِ وكَرْبَ الوُجوم؛ ولم تكن للنفوس آمالٌ ولم تتشعَّبْهَا الأطماع، ومَن لم يعرف كيف الطَّمعُ لم يعرِفِ اليأس، ومن جَهِل اليأسَ جهِلَ الأمن، وعادت الحالُ من الملائكة الذين هم صفوة الخلق، ومن الإنس الذين فيهم الأنبياءُ والأولياءُ، إلى حالِ السبُعِ والبهيمة، وإلى حال الغباوةِ والبلادة، وإلى حال النجوم في السُّخْرة؛ فإنها أنقص من حالِ البهائم في الرَّتْعَةِ، ومَنْ هذا الذي يسرُّه أن يكون الشمسَ والقمرَ والنَّارَ والثلج، أو برجاً من البروج أو
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
قطعةً من الغيم؛ أو يكونَ المَجرَّةَ بأسْرها، أو مكيالاً من الماء أو مقداراً من الهواء? وكلُّ شيءٍ في العالم فإنما هو للإِنسان ولكلِّ مختَبَرٍ ومُختَار، ولأهل العقول والاستطاعة، ولأهل التبيُّن والرويَّة.
وأين تقَعُ لَذَّة البهيمة بالعَلُوفة، ولذَّة السبع بلَطْع الدَّمِ وأكل اللحم - مِن سرورِ الظَّفَر بالأعداء؛ ومِنِ انفتاحِ بابِ العلم بعد إدْمان القَرْع? وأين ذلك من سرورِ السُّودَد ومن عزِّ الرياسة? وأين ذلك من حال النُّبوّةِ والخِلافة، ومِن عزِّهِما وساطعِ نورهما، وأينَ تقعُ لذَّةُ درْك الحواسِّ الذي هو ملاقاةُ المطعَم والمشرب، وملاقاةُ الصوتِ المُطرِبِ واللّونِ المونق، والملمسة الليِّنة - مِن السرور بنَفاذ الأمرِ والنَّهي، وبجواز التوقيع، وبما يُوجب الخاتَمُ من الطاعة ويُلزِم من الحجَّة?، ولو استَوت الأمور بطَلَ التمييزُ، وإذا لم تكن كلفةٌ لم تكن مَثوبة، ولو كان ذلك لبطلتْ ثمرةُ التوكُّلِ على اللّه تعالى، واليقينِ بأنَّه الوَزَرُ والحافظ، والكالئ والدافع، وأَنَّ الذي يحاسِبُك أَجْوَدُ الأَجْوَدِين، وأرحَمُ الراحمين، وأنه الذي يقبلُ اليسيرَ ويَهَبُ الكثير، ولا يهلِك عليه إلاّ هالك، ولو كان الأمرُ على ما يشتهيه الغَرِير والجاهلُ بعواقبِ الأمور، لبطلَ النَّظَرُ وما يشحذ عليه، وما يدعو إليه، ولتعطَّلت الأرواحُ من معانيها، والعقولُ من ثِمارها، ولعَدِمت الأشياءُ حظوظَها وحقوقَها. فسبْحَان من جعل منافعَها نعمةً، ومضارَّها ترجع إلى أعظم المنافع، وقسّمها بين مُلِذٍّ ومُؤلم، وبين مؤنِسٍ ومُوحش، وبين صَغيرٍ حقير وجليل كبير، وبين عدوٍّ يرصُدُك وبين عقيلٍ يحرسك، وبين مُسَالمٍ يَمْنَعُكَ، وبين مُعينٍ يعضُدك، وجعَل في الجميع تمامَ المصلحة، وباجتماعها تتمُّ النعمة، وفي بطلانِ واحدٍ منها بُطلانَ الجميع، قياساً قائماً وبرهاناً واضحاً، فإنّ الجميع إنَّما هو واحدٌ ضُمّ إلى واحدٍ وواحدٌ ضُمَّ إليهما، ولأنّ الكلَّ أبعاضٌ، ولأنّ كلَّ جُثَّةٍ فمن أجزاء، فإذا جوَّزتَ رفْعَ واحدٍ والآخرُ مثلُه في الوزن وله مثلُ علَّتِه وحظِّه ونصيبِه، فقد جوَّزْتَ رفعَ الجميع؛ لأنّه ليس الأولُ بأحقَّ من الثاني في الوقت الذي رجوتَ فيه إبطالَ الأوَّل، والثاني كذلك والثالث والرابع، حتَّى تأتيَ
وأين تقَعُ لَذَّة البهيمة بالعَلُوفة، ولذَّة السبع بلَطْع الدَّمِ وأكل اللحم - مِن سرورِ الظَّفَر بالأعداء؛ ومِنِ انفتاحِ بابِ العلم بعد إدْمان القَرْع? وأين ذلك من سرورِ السُّودَد ومن عزِّ الرياسة? وأين ذلك من حال النُّبوّةِ والخِلافة، ومِن عزِّهِما وساطعِ نورهما، وأينَ تقعُ لذَّةُ درْك الحواسِّ الذي هو ملاقاةُ المطعَم والمشرب، وملاقاةُ الصوتِ المُطرِبِ واللّونِ المونق، والملمسة الليِّنة - مِن السرور بنَفاذ الأمرِ والنَّهي، وبجواز التوقيع، وبما يُوجب الخاتَمُ من الطاعة ويُلزِم من الحجَّة?، ولو استَوت الأمور بطَلَ التمييزُ، وإذا لم تكن كلفةٌ لم تكن مَثوبة، ولو كان ذلك لبطلتْ ثمرةُ التوكُّلِ على اللّه تعالى، واليقينِ بأنَّه الوَزَرُ والحافظ، والكالئ والدافع، وأَنَّ الذي يحاسِبُك أَجْوَدُ الأَجْوَدِين، وأرحَمُ الراحمين، وأنه الذي يقبلُ اليسيرَ ويَهَبُ الكثير، ولا يهلِك عليه إلاّ هالك، ولو كان الأمرُ على ما يشتهيه الغَرِير والجاهلُ بعواقبِ الأمور، لبطلَ النَّظَرُ وما يشحذ عليه، وما يدعو إليه، ولتعطَّلت الأرواحُ من معانيها، والعقولُ من ثِمارها، ولعَدِمت الأشياءُ حظوظَها وحقوقَها. فسبْحَان من جعل منافعَها نعمةً، ومضارَّها ترجع إلى أعظم المنافع، وقسّمها بين مُلِذٍّ ومُؤلم، وبين مؤنِسٍ ومُوحش، وبين صَغيرٍ حقير وجليل كبير، وبين عدوٍّ يرصُدُك وبين عقيلٍ يحرسك، وبين مُسَالمٍ يَمْنَعُكَ، وبين مُعينٍ يعضُدك، وجعَل في الجميع تمامَ المصلحة، وباجتماعها تتمُّ النعمة، وفي بطلانِ واحدٍ منها بُطلانَ الجميع، قياساً قائماً وبرهاناً واضحاً، فإنّ الجميع إنَّما هو واحدٌ ضُمّ إلى واحدٍ وواحدٌ ضُمَّ إليهما، ولأنّ الكلَّ أبعاضٌ، ولأنّ كلَّ جُثَّةٍ فمن أجزاء، فإذا جوَّزتَ رفْعَ واحدٍ والآخرُ مثلُه في الوزن وله مثلُ علَّتِه وحظِّه ونصيبِه، فقد جوَّزْتَ رفعَ الجميع؛ لأنّه ليس الأولُ بأحقَّ من الثاني في الوقت الذي رجوتَ فيه إبطالَ الأوَّل، والثاني كذلك والثالث والرابع، حتَّى تأتيَ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
على الكلِّ وتستفرغ الجميع، كذلك الأمورُ المضمَّنة والأسباب المقيَّدة؛ ألا ترى أنَّ الجبلَ ليس بأدلَّ على اللّه تعالى مِنْ الحصاة، وليس الطاوسُ المستحسنُ بأدَلَّ على اللّه تعالى مِنْ الخِنزير المستقبح، والنارُ والثلج وإنْ اختلفا في جِهَة البرودة والسُّخونة، فإنَّهما لم يختلفا في جهة البرهان والدَّلالة.
وأظنُّك ممَّن يرى أنَّ الطاوسَ أكرمُ على اللّه تعالى من الغراب، وأن التُّدْرُجَ أعزُّ على اللّه تعالى من الحِدَأةِ، وأنّ الغزالَ أحبُّ إلى اللّه تعالى من الذئب، فإنَّما هذه أمور فرّقها اللّه تعالى في عيون الناس، وميَّزها في طبائع العباد، فجعَلَ بعضها بهم أقربَ شبهاً، وجعل بعضَها إنسيّاً، وجعل بعضَها وحشيّاً، وبعضها غاذِياً، وبعضها قاتلاً، وكذلك الدُّرَّة وَ الخَرَزة والتمرة والجَمرة.
فلا تَذْهَبْ إلى ما تريك العينُ واذهَبْ إلى ما يريك العقل.
الاعتماد على العقل دون الحواس وللأُمور حكمان: حكم ظاهرٌ للحواس، وحكم باطنٌ للعقول، والعقل هو الحجَّة، وقد علمْنا أنَّ خَزَنَة النارِ من الملائكة، ليسوا بدون خزَنَةِ الجنَّة؛ وأنَّ ملك الموت ليس بدُونِ ملَكِ السَّحاب، وإن أتانا بالغَيث وجلب الحيَاء؛ وجبريلُ الذي يَنْزِل بالعذاب، ليسَ بدونِ ميكائيل الذي ينزِل بالرحمة؛ وإنَّما الاختلاف في المطيع والعاصي، وفي طبقاتِ ذلك ومواضعه، والاختلاف بين أصحابنا أنَّهم إذا استووا في المعاصي استَووا في العقاب، وإذا استَووا في الطاعة استووا في الثواب، وإذا استووا في عدم الطاعة والمعصية استووا في التفضل، هذا هو أصل المقالة، والقُطْب الذي تدورُ عليه الرحى.
وأظنُّك ممَّن يرى أنَّ الطاوسَ أكرمُ على اللّه تعالى من الغراب، وأن التُّدْرُجَ أعزُّ على اللّه تعالى من الحِدَأةِ، وأنّ الغزالَ أحبُّ إلى اللّه تعالى من الذئب، فإنَّما هذه أمور فرّقها اللّه تعالى في عيون الناس، وميَّزها في طبائع العباد، فجعَلَ بعضها بهم أقربَ شبهاً، وجعل بعضَها إنسيّاً، وجعل بعضَها وحشيّاً، وبعضها غاذِياً، وبعضها قاتلاً، وكذلك الدُّرَّة وَ الخَرَزة والتمرة والجَمرة.
فلا تَذْهَبْ إلى ما تريك العينُ واذهَبْ إلى ما يريك العقل.
الاعتماد على العقل دون الحواس وللأُمور حكمان: حكم ظاهرٌ للحواس، وحكم باطنٌ للعقول، والعقل هو الحجَّة، وقد علمْنا أنَّ خَزَنَة النارِ من الملائكة، ليسوا بدون خزَنَةِ الجنَّة؛ وأنَّ ملك الموت ليس بدُونِ ملَكِ السَّحاب، وإن أتانا بالغَيث وجلب الحيَاء؛ وجبريلُ الذي يَنْزِل بالعذاب، ليسَ بدونِ ميكائيل الذي ينزِل بالرحمة؛ وإنَّما الاختلاف في المطيع والعاصي، وفي طبقاتِ ذلك ومواضعه، والاختلاف بين أصحابنا أنَّهم إذا استووا في المعاصي استَووا في العقاب، وإذا استَووا في الطاعة استووا في الثواب، وإذا استووا في عدم الطاعة والمعصية استووا في التفضل، هذا هو أصل المقالة، والقُطْب الذي تدورُ عليه الرحى.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
التين والزيتون
وقد قال اللّه عزّ وجلَّ: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" فزعم زَيدُ بنُ أسلم أنَّ التِّين دمشق، والزيتون فِلَسطين، وللغاليةِ في هذا تأويلٌ أرغبُ بالعِتْرة عنه وذكرِه، وقد أخرَجَ اللّه تبارك وتعالى الكلامَ مُخرَجَ القسم، وما تُعرَف دِمَشق إلاّ بدِمشق، ولا فِلَسطين إلاّ بفلسطين، فإن كنتَ إنَّما تقف من ذكرِ التين على مقدار طعمِ يابسِه ورَطْبه، وعلى الاكتنانِ بورَقِه وأغصانه، والوَقود بِعيدانه، وأنّه نافعٌ لصاحب السُّلِّ، وهو غذاءٌ قويٌّ ويصلُح في مواضعَ من الدواء، وفي الأضْمدةِ، وأنَّه ليس شيءٌ حلو إلاّ وهو ضارٌّ بالأسنانِ غيره، وأنَّه عند أهلِ الكتاب الشَّجرةُ التي أكَلَ منها آدمُ عليه السلام، وبورقها ستَرَ السّوءَة عند نزولِ العقوبة، وأنّ صاحبَ البواسيرِ يأكله ليُزْلِقَ عنه الثفل، ويسهلَ عليه مخرج الزِّبل؛ وتقف من الزيتون على زيتِه والاصطباح به، وعلى التأدُّم بهما والوَقود بشجرهما، وما أشبه ذلك من أمرهما - فقَدْ أسأتَ ظَنّاً بالقرآن، وجهِلتَ فضلَ التأويل، وليس لهذا المقدارِ عظّمهما اللّه عزّ وجلَّ، وأقسَمَ بهما ونوّه بذكرهما.
وقد قال اللّه عزّ وجلَّ: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" فزعم زَيدُ بنُ أسلم أنَّ التِّين دمشق، والزيتون فِلَسطين، وللغاليةِ في هذا تأويلٌ أرغبُ بالعِتْرة عنه وذكرِه، وقد أخرَجَ اللّه تبارك وتعالى الكلامَ مُخرَجَ القسم، وما تُعرَف دِمَشق إلاّ بدِمشق، ولا فِلَسطين إلاّ بفلسطين، فإن كنتَ إنَّما تقف من ذكرِ التين على مقدار طعمِ يابسِه ورَطْبه، وعلى الاكتنانِ بورَقِه وأغصانه، والوَقود بِعيدانه، وأنّه نافعٌ لصاحب السُّلِّ، وهو غذاءٌ قويٌّ ويصلُح في مواضعَ من الدواء، وفي الأضْمدةِ، وأنَّه ليس شيءٌ حلو إلاّ وهو ضارٌّ بالأسنانِ غيره، وأنَّه عند أهلِ الكتاب الشَّجرةُ التي أكَلَ منها آدمُ عليه السلام، وبورقها ستَرَ السّوءَة عند نزولِ العقوبة، وأنّ صاحبَ البواسيرِ يأكله ليُزْلِقَ عنه الثفل، ويسهلَ عليه مخرج الزِّبل؛ وتقف من الزيتون على زيتِه والاصطباح به، وعلى التأدُّم بهما والوَقود بشجرهما، وما أشبه ذلك من أمرهما - فقَدْ أسأتَ ظَنّاً بالقرآن، وجهِلتَ فضلَ التأويل، وليس لهذا المقدارِ عظّمهما اللّه عزّ وجلَّ، وأقسَمَ بهما ونوّه بذكرهما.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
التأمل في جناح البعوضة
ولو وقفْتَ على جَناحِ بَعوضةٍ وُقوفَ معتبِر، وتأمَّلتَه تأمُّلَ متفكِّر بعد أن تكونَ ثاقبَ النَّظرِ سليمَ الآلة، غوَّاصاً على المعاني، لا يعتريك من الخواطر إلاّ على حسب صحَّةِ عقلك، ولا من الشواغل إلاّ ما زادَ في نشاطِك، لملأت ممَّا تُوجِدك العِبرةُ من غرائب الطوامير الطِّوال، والجلود الواسعةِ الكِبار، ولرَأَيتَ أنَّ له من كثرة التصرُّف في الأعاجيب، ومن تقلُّبه في طبقات الحكمة، ولرأَيتَ له من الغزْر والرَّيع، ومن الحَلب والدَّرِّ ولتَبجَّسَ عليك من كوامِنِ المعاني ودفائِنها، ومن خَفِيَّاتِ الحكم وينابيعِ العلم، ما لا يشتدُّ معه تعجّبُك ممَّن وقَفَ على ما في الدِّيك من الخصالِ العجِيبة، وفي الكلبِ من الأمور الغريبة، ومن أصنافِ المنافع، وفنون المرافق؛ وما فيهما من المِحَن الشِّداد، ومع ما أودِعا من المعرفة، التي مَتى تجلَّت لك تصاغَرَ عندك كَبِيرُ ما تستعظم، وقلَّ في عينك كثير ما تستكثر، كأنَّك تظنُّ أنَّ شيئاً وإنْ حسُن عندك في ثمنِه ومنظره، أنَّ الحكمةَ التي هي في خلْقه إنَّما هي على مقدارِ ثمنه ومنظَره.
ولو وقفْتَ على جَناحِ بَعوضةٍ وُقوفَ معتبِر، وتأمَّلتَه تأمُّلَ متفكِّر بعد أن تكونَ ثاقبَ النَّظرِ سليمَ الآلة، غوَّاصاً على المعاني، لا يعتريك من الخواطر إلاّ على حسب صحَّةِ عقلك، ولا من الشواغل إلاّ ما زادَ في نشاطِك، لملأت ممَّا تُوجِدك العِبرةُ من غرائب الطوامير الطِّوال، والجلود الواسعةِ الكِبار، ولرَأَيتَ أنَّ له من كثرة التصرُّف في الأعاجيب، ومن تقلُّبه في طبقات الحكمة، ولرأَيتَ له من الغزْر والرَّيع، ومن الحَلب والدَّرِّ ولتَبجَّسَ عليك من كوامِنِ المعاني ودفائِنها، ومن خَفِيَّاتِ الحكم وينابيعِ العلم، ما لا يشتدُّ معه تعجّبُك ممَّن وقَفَ على ما في الدِّيك من الخصالِ العجِيبة، وفي الكلبِ من الأمور الغريبة، ومن أصنافِ المنافع، وفنون المرافق؛ وما فيهما من المِحَن الشِّداد، ومع ما أودِعا من المعرفة، التي مَتى تجلَّت لك تصاغَرَ عندك كَبِيرُ ما تستعظم، وقلَّ في عينك كثير ما تستكثر، كأنَّك تظنُّ أنَّ شيئاً وإنْ حسُن عندك في ثمنِه ومنظره، أنَّ الحكمةَ التي هي في خلْقه إنَّما هي على مقدارِ ثمنه ومنظَره.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
كلمات اللّه
وقد قال اللّه تعالى: "وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ" والكلماتُ في هذا الموضع، ليس يُريد بها القولَ والكلامَ المؤلَّفَ من الحروف، وإنَّما يريد النِّعَم والأعاجيب، والصفات وما أشبه ذلك، فإنَّ كلاًّ من هذه الفنون لو وقَف عليه رجلٌ رقيقُ اللسان صافي الذهن، صحيحُ الفِكْر تامُّ الأَدَاة، لما بَرِح أن تحسره المعاني وتَغْمرَه الحِكَم.
وقد قال المتكلمون والرؤساء والجِلَّةُ العُظماءُ في التمثيل بين الملائكةِ والمؤمنين، وفي فرقِ ما بين الجنِّ والإنس، وطباعُ الجنِّ أبعدُ من طباع الإنس، ومن طباعِ الديك، ومن طباع الكلب، وإنَّما ذهبوا إلى الطاعة والمعصية، ويخيَّل إليَّ أنك لو كنت سمعتَهما يمثِّلان ما بين التُّدْرُج والطاوُس، لَمَا اشتدَّ تعجُّبُك، ونحن نرى أنَّ تمثيلَ ما بينَ خصالِ الذَّرَّة والحمامة، والفيل والبعير، والثَّعلبِ والذيب أعجَب، ولسنا نعني أنَّ للذَّرَّة ما للطاوس من حسنِ ذلك الريش وتلاوينه وتعاريجه، ولا أنَّ لها غَناءَ الفرَس في الحرب والدَّفْعِ عن الحريم؛ لكنَّا إذا أردنا مواضعَ التدبير العجيبِ من الخلْق الخسيس، والحسِّ اللطيفِ من الشيء السخيف، والنَّظرِ في العواقب من الخلق الخارج من حدود الإنس والجنِّ والملائكة، لم نذهب إلى ضِخَم البدَن وعِظَم الحجم، ولا إلى المنظر الحسَن ولا إلى كثرة الثمن، وفي القرد أعاجيبٌ وفي الدُّبِّ أعاجيب، وليس فيهما كبير مَرْفِقٍ إلاّ بقدْرِ ما تتكسَّب به أصحاب القردة، وإنما قصدنا إلى شيئين يَشِيعُ القولُ فيهما، ويكثرُ الاعتبار ممَّا يستخرِج العلماءُ من خفِيّ أمرهما، ولو جمعْنا بين الدِّيك وبين بعضِ ما ذكرت، وبين الكلب وبين بعض ما وصفت، لانقطع القولُ قبل أن يبلغَ حدَّ الموازنِة والمقابلة.
وقد ذكرتَ أنَّ بعضَ ما دعاك إلى الإنكار عليهما والتعجُّبِ من أمرهما، سقوطُ قدرِ الكلب ونذالتُه، وبَلَهُ الدِّيكٍ وغباوتُه، وأنَّ الكلبَ لا بهيمةٌ تامَّة ولا سبعٌ تامٌّ، وما كان ليخرِجَه من شيءٍ من حدود الكلاب إلى حدود الناس، مقدارُ ما هو عليه من الأُنس بهم، فقد يكون في الشيءِ بعضُ الشبه مِنْ شيء ولا يكون ذلك مُخرِجاً لهما من أحكامِهما وحدودِهما.
تشبيه الإنسان بالقمر والشمس ونحوهما وقد يشبِّه الشعراءُ والعلماءُ والبلغاءُ الإنسانَ بالقمر والشمس، والغيثِ والبحر، وبالأسد والسيف، وبالحيَّة وبالنَّجم، ولا يخرجونه بهذه المعاني إلى حدِّ الإنسان، وإذا ذمُّوا قالوا: هو الكلب والخنزير، وهو القِرد والحمار، وهو الثور، وهو التَّيس، وهو الذيب، وهو العقرب، وهو الجُعَل، وهو القرنْبَى؛ ثم لا يُدخِلون هذه الأشياءَ في حدود الناس ولا أسمائِهم، ولا يُخرجون بذلك الإنسانَ إلى هذه الحدودِ وهذه الأسماء، وسمَّوا الجاريةَ غزالاً، وسمَّوها أيضاً خِشْفاً، ومُهْرةً، وفاخِتةً، وحمامةً، وزهرةً، وقضيباً، وخيزراناً، على ذلك المعنى، وصنَعوا مثلَ ذلك بالبروج والكواكب، فذكَروا الأسدَ والثور، والحَمَل والجدي، والعقربَ والحُوت، وسمَّوها بالقوس والسُّنبلة والميزان، وغيرها، وقال في ذلك ابن عَسَلة الشيبانيّ:
عَمَّ السِّمَاكِ وخَالةَ النَّجْـمِ فصَحَوتَ والنَّمَريُّ يحسَبُها
ويُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: نِعْمَتِ العَمة لَكُم النَّخلة خُلقت مِنْ فضلة طينةِ آدم وهذا الكلام صحيحُ المعنى، لا يَعيبه إلاّ مَن لا يعرِف مجاز الكلام، وليس هذا ممَّا يطَّرِد لنا أن نقيسَه، وإنَّما نُقدِم على ما أقدَموا، ونُحجم عمّا أحجموا، وننتهي إلى حيثُ انتهوْا.
ونراهم يسمُّون الرجلَ جملاً ولا يسمُّونه بعيراً، ولا يسمُّون المرأةَ ناقة؛ ويسمُّون الرجلَ ثوراً ولا يسمُّون المرأةَ بقرةً، ويُسَمُّونَ الرجل حماراً ولا يسمون المرأة أتاناً؛ ويسمُّون المرأة نعجةً ولا يسمُّونها شاة، وهم لا يضعون نعجةً اسماً مقطوعاً، ولا يجعلون ذلك علامةً مثلَ زيد وعمرو، ويسمُّون المرأة عنْزاً.
وقد قال اللّه تعالى: "وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ" والكلماتُ في هذا الموضع، ليس يُريد بها القولَ والكلامَ المؤلَّفَ من الحروف، وإنَّما يريد النِّعَم والأعاجيب، والصفات وما أشبه ذلك، فإنَّ كلاًّ من هذه الفنون لو وقَف عليه رجلٌ رقيقُ اللسان صافي الذهن، صحيحُ الفِكْر تامُّ الأَدَاة، لما بَرِح أن تحسره المعاني وتَغْمرَه الحِكَم.
وقد قال المتكلمون والرؤساء والجِلَّةُ العُظماءُ في التمثيل بين الملائكةِ والمؤمنين، وفي فرقِ ما بين الجنِّ والإنس، وطباعُ الجنِّ أبعدُ من طباع الإنس، ومن طباعِ الديك، ومن طباع الكلب، وإنَّما ذهبوا إلى الطاعة والمعصية، ويخيَّل إليَّ أنك لو كنت سمعتَهما يمثِّلان ما بين التُّدْرُج والطاوُس، لَمَا اشتدَّ تعجُّبُك، ونحن نرى أنَّ تمثيلَ ما بينَ خصالِ الذَّرَّة والحمامة، والفيل والبعير، والثَّعلبِ والذيب أعجَب، ولسنا نعني أنَّ للذَّرَّة ما للطاوس من حسنِ ذلك الريش وتلاوينه وتعاريجه، ولا أنَّ لها غَناءَ الفرَس في الحرب والدَّفْعِ عن الحريم؛ لكنَّا إذا أردنا مواضعَ التدبير العجيبِ من الخلْق الخسيس، والحسِّ اللطيفِ من الشيء السخيف، والنَّظرِ في العواقب من الخلق الخارج من حدود الإنس والجنِّ والملائكة، لم نذهب إلى ضِخَم البدَن وعِظَم الحجم، ولا إلى المنظر الحسَن ولا إلى كثرة الثمن، وفي القرد أعاجيبٌ وفي الدُّبِّ أعاجيب، وليس فيهما كبير مَرْفِقٍ إلاّ بقدْرِ ما تتكسَّب به أصحاب القردة، وإنما قصدنا إلى شيئين يَشِيعُ القولُ فيهما، ويكثرُ الاعتبار ممَّا يستخرِج العلماءُ من خفِيّ أمرهما، ولو جمعْنا بين الدِّيك وبين بعضِ ما ذكرت، وبين الكلب وبين بعض ما وصفت، لانقطع القولُ قبل أن يبلغَ حدَّ الموازنِة والمقابلة.
وقد ذكرتَ أنَّ بعضَ ما دعاك إلى الإنكار عليهما والتعجُّبِ من أمرهما، سقوطُ قدرِ الكلب ونذالتُه، وبَلَهُ الدِّيكٍ وغباوتُه، وأنَّ الكلبَ لا بهيمةٌ تامَّة ولا سبعٌ تامٌّ، وما كان ليخرِجَه من شيءٍ من حدود الكلاب إلى حدود الناس، مقدارُ ما هو عليه من الأُنس بهم، فقد يكون في الشيءِ بعضُ الشبه مِنْ شيء ولا يكون ذلك مُخرِجاً لهما من أحكامِهما وحدودِهما.
تشبيه الإنسان بالقمر والشمس ونحوهما وقد يشبِّه الشعراءُ والعلماءُ والبلغاءُ الإنسانَ بالقمر والشمس، والغيثِ والبحر، وبالأسد والسيف، وبالحيَّة وبالنَّجم، ولا يخرجونه بهذه المعاني إلى حدِّ الإنسان، وإذا ذمُّوا قالوا: هو الكلب والخنزير، وهو القِرد والحمار، وهو الثور، وهو التَّيس، وهو الذيب، وهو العقرب، وهو الجُعَل، وهو القرنْبَى؛ ثم لا يُدخِلون هذه الأشياءَ في حدود الناس ولا أسمائِهم، ولا يُخرجون بذلك الإنسانَ إلى هذه الحدودِ وهذه الأسماء، وسمَّوا الجاريةَ غزالاً، وسمَّوها أيضاً خِشْفاً، ومُهْرةً، وفاخِتةً، وحمامةً، وزهرةً، وقضيباً، وخيزراناً، على ذلك المعنى، وصنَعوا مثلَ ذلك بالبروج والكواكب، فذكَروا الأسدَ والثور، والحَمَل والجدي، والعقربَ والحُوت، وسمَّوها بالقوس والسُّنبلة والميزان، وغيرها، وقال في ذلك ابن عَسَلة الشيبانيّ:
عَمَّ السِّمَاكِ وخَالةَ النَّجْـمِ فصَحَوتَ والنَّمَريُّ يحسَبُها
ويُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: نِعْمَتِ العَمة لَكُم النَّخلة خُلقت مِنْ فضلة طينةِ آدم وهذا الكلام صحيحُ المعنى، لا يَعيبه إلاّ مَن لا يعرِف مجاز الكلام، وليس هذا ممَّا يطَّرِد لنا أن نقيسَه، وإنَّما نُقدِم على ما أقدَموا، ونُحجم عمّا أحجموا، وننتهي إلى حيثُ انتهوْا.
ونراهم يسمُّون الرجلَ جملاً ولا يسمُّونه بعيراً، ولا يسمُّون المرأةَ ناقة؛ ويسمُّون الرجلَ ثوراً ولا يسمُّون المرأةَ بقرةً، ويُسَمُّونَ الرجل حماراً ولا يسمون المرأة أتاناً؛ ويسمُّون المرأة نعجةً ولا يسمُّونها شاة، وهم لا يضعون نعجةً اسماً مقطوعاً، ولا يجعلون ذلك علامةً مثلَ زيد وعمرو، ويسمُّون المرأة عنْزاً.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
تسمية الإنسان بالعالم الأصغر
أوَ ما علمتَ أنّ الإنسان الذي خُلقت السمواتُ والأرضُ وَمَا بَينَهما مِن أجْله كما قال عزَّ وجلَّ: "سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ" إنَّما سَمُّوه العالَم الصغير سليلَ العالَم الكبير، لِمَا وجَدوا فيه من جَمع أشكالِ ما في العالم الكبير، ووجدْنا له الحواسَّ الخمسَ ووجدُوا فيه المحسوساتِ الخمس، ووجدُوه يأكل اللَّحمَ والحبَّ، ويجمعُ بينَ ما تقتاته البهيمةُ والسبع، ووجَدوا فيه صَولةَ الجمل ووُثوبَ الأسد، وغدْرَ الذئب، ورَوَغان الثعلب، وجُبْن الصِّفْرِد، وجَمْعَ الذَّرَّةِ، وصنْعةَ السُّرْفة وجُودَ الدِّيكِ، وإلفَ الكلب، واهتداءَ الحمام، وربَّما وجدوا فيه ممَّا في البهائم والسباع خُلُقَيْن أو ثلاثة، ولا يبلغُ أن يكون جملاً بأن يكون فيه اهتداؤه وغَيرته، وصَولته وحِقدُه، وصبرُه على حَمْل الثِّقْل، ولا يلزَم شبهُ الذئبِ بقدْر ما يَتَهَيَّأُ فيه من مِثل غدْرِه ومكْرِه، واسترواحِه وتوحُّشه، وشدَّة نُكْره، كما أن الرجلَ يصيبُ الرأيَ الغامضَ المرَّةَ والمرَّتين والثَّلاثَ، ولا يبلغُ ذلك المقدارُ أن يقال له داهيةٌ وذو نَكراء أو صاحبُ بَزْلاء، وكما يخطئ الرجل فيفحُش خَطَاؤه في المرَّة والمرَّتين والثلاث، فلا يبلغ الأمرُ به أن يقال له غبيٌّ وأبلهُ ومنقوص. وسمَّوه العالمَ الصغيرَ لأنَّهم وجدُوه يصوِّر كلَّ شيءٍ بيده، ويحكي كلَّ صوتٍ بِفَمه، وقالوا: ولأنَّ أعضاءَه مقسومةٌ على البروج الاثني عشر والنجومِ السبعة، وفيه الصفراء وهي من نِتاج النار، وفيه السوداء وهي من نِتاج الأرض، وفيه الدَّمُ وهو من نِتاج الهواء، وفيه البلغَمُ وهو من نِتاج الماء، وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة، فجعَلوه العالَمَ الصغير، إذ كانَ فيه جميعُ أجزائِه وأخلاطِهِ وطبائعه، ألا تَرَى أنَّ فيه طبائعَ الغضبِ والرضَا، وآلة اليقين والشكِّ، والاعتقاد والوقف وفيه طبائعُ الفِطنةِ والغَباوة، والسلامة والمكر، والنصيحةِ والغِشِّ، والوَفاء والغدر، والرياء والإخلاص، والحبّ والبُغْض، والجِدِّ والهزْل، والبخْل والجُود، والاقتصادِ والسّرَف، والتواضع والكبر،
أوَ ما علمتَ أنّ الإنسان الذي خُلقت السمواتُ والأرضُ وَمَا بَينَهما مِن أجْله كما قال عزَّ وجلَّ: "سَخَّرَ لَكُمْ مَا في السَّمَوَاتِ وَمَا في الأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ" إنَّما سَمُّوه العالَم الصغير سليلَ العالَم الكبير، لِمَا وجَدوا فيه من جَمع أشكالِ ما في العالم الكبير، ووجدْنا له الحواسَّ الخمسَ ووجدُوا فيه المحسوساتِ الخمس، ووجدُوه يأكل اللَّحمَ والحبَّ، ويجمعُ بينَ ما تقتاته البهيمةُ والسبع، ووجَدوا فيه صَولةَ الجمل ووُثوبَ الأسد، وغدْرَ الذئب، ورَوَغان الثعلب، وجُبْن الصِّفْرِد، وجَمْعَ الذَّرَّةِ، وصنْعةَ السُّرْفة وجُودَ الدِّيكِ، وإلفَ الكلب، واهتداءَ الحمام، وربَّما وجدوا فيه ممَّا في البهائم والسباع خُلُقَيْن أو ثلاثة، ولا يبلغُ أن يكون جملاً بأن يكون فيه اهتداؤه وغَيرته، وصَولته وحِقدُه، وصبرُه على حَمْل الثِّقْل، ولا يلزَم شبهُ الذئبِ بقدْر ما يَتَهَيَّأُ فيه من مِثل غدْرِه ومكْرِه، واسترواحِه وتوحُّشه، وشدَّة نُكْره، كما أن الرجلَ يصيبُ الرأيَ الغامضَ المرَّةَ والمرَّتين والثَّلاثَ، ولا يبلغُ ذلك المقدارُ أن يقال له داهيةٌ وذو نَكراء أو صاحبُ بَزْلاء، وكما يخطئ الرجل فيفحُش خَطَاؤه في المرَّة والمرَّتين والثلاث، فلا يبلغ الأمرُ به أن يقال له غبيٌّ وأبلهُ ومنقوص. وسمَّوه العالمَ الصغيرَ لأنَّهم وجدُوه يصوِّر كلَّ شيءٍ بيده، ويحكي كلَّ صوتٍ بِفَمه، وقالوا: ولأنَّ أعضاءَه مقسومةٌ على البروج الاثني عشر والنجومِ السبعة، وفيه الصفراء وهي من نِتاج النار، وفيه السوداء وهي من نِتاج الأرض، وفيه الدَّمُ وهو من نِتاج الهواء، وفيه البلغَمُ وهو من نِتاج الماء، وعلى طبائعه الأربع وضعت الأوتاد الأربعة، فجعَلوه العالَمَ الصغير، إذ كانَ فيه جميعُ أجزائِه وأخلاطِهِ وطبائعه، ألا تَرَى أنَّ فيه طبائعَ الغضبِ والرضَا، وآلة اليقين والشكِّ، والاعتقاد والوقف وفيه طبائعُ الفِطنةِ والغَباوة، والسلامة والمكر، والنصيحةِ والغِشِّ، والوَفاء والغدر، والرياء والإخلاص، والحبّ والبُغْض، والجِدِّ والهزْل، والبخْل والجُود، والاقتصادِ والسّرَف، والتواضع والكبر،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
والأُنسِ والوحشة، والفكرة والإمهال، والتمييز والخبْط، والجبْن والشجاعة، والحزم والإضاعة، والتبذير والتقتير، والتبذل والتعزز، والادِّخار والتوكُّل، والقَناعة والحِرْصِ، والرغبة والزُّهْد، والسُّخْط والرِّضا، والصبر والجزَع، والذِّكر والنسيان، والخوفِ والرجاء، والطَّمَعِ واليأس، والتنزُّه والطبَع، والشكِّ واليقين، والحياء والقِحَة، والكِتْمانِ والإشاعة، والإقرار والإنكار، والعلم والجهل، والظلم والإنصاف، والطلب والهَرب، والحِقْد وسرْعة الرضا، والحِدَّةِ وبُعْدِ الغَضب، والسُّرور والهمّ، واللَّذَّةِ والأَلَم، والتأميلِ والتمنِّي، والإصرارِ والنَّدَم، والجِمَاحِ والبَدَوات، والعيِّ والبلاغَة، والنُّطْق والخَرَس، والتصميمِ والتوقف، والتغافُلِ والتفاطُن، والعفوِ والمكافأة، والاستطاعةِ والطبيعة، وما لا يحصى عدده، ولا يُعرَف حَدُّه.
فالكلبُ سبع وإن كانَ بالناس أنيساً، ولا تخرِجُه الخصلة والخَصلتان ممَّا قاربَ بعضَ طبائِع الناس، إِلى أن يخرجَه من الكَلْبيَّة، قال: وكذلك الجميع، وقد عرَفت شبَه باطنِ الكلب بباطن الإنسان، وشبَه ظاهِر القرد بظاهر الإنسان: ترى ذلك في طَرْفِه وتغميضِ عينه، وفي ضِحْكه وفي حكايته، وفي كفِّه وأصابِعه، وفي رفعِها ووضعِها، وكيف يتناولُ بها، وكيف يجهز اللُّقمة إلى فيه وكيف يكسِر الجَوْزَ ويستخرج لبَّه وكيف يَلْقَنُ كل مَا أُخِذَ به وأُعِيدَ عليه، وأنَّهُ من بين جميعِ الحيوان إذا سقط في الماء غرِق مثلَ الإنسان، ومع اجتماعِ أسبابِ المعرفة فيه يغرق، إلاّ أن يكتسب معرفةَ السباحة، وإن كان طبعُه أوفى وأكمل فهو من هاهنا أنقص وأكلُّ، وكلُّ شيءٍ فهو يسبَح من جميع الحيوانات، ممَّا يوصف بالمعرفة والفِطنة، وممَّا يوصَفُ بالغَباوة والبَلادة؛ وليس يصير القردُ بذلك المقدار من المقارَبَة إلى أن يخرُج من بعض حدود القرود إلى حدود الإنسان.
عود إلى الحوار في شأن الكلب والديك وزعمتَ أنَّ ممَّا يمنعُ من التمثيل بين الديك والكلب أنّه حارسٌ
فالكلبُ سبع وإن كانَ بالناس أنيساً، ولا تخرِجُه الخصلة والخَصلتان ممَّا قاربَ بعضَ طبائِع الناس، إِلى أن يخرجَه من الكَلْبيَّة، قال: وكذلك الجميع، وقد عرَفت شبَه باطنِ الكلب بباطن الإنسان، وشبَه ظاهِر القرد بظاهر الإنسان: ترى ذلك في طَرْفِه وتغميضِ عينه، وفي ضِحْكه وفي حكايته، وفي كفِّه وأصابِعه، وفي رفعِها ووضعِها، وكيف يتناولُ بها، وكيف يجهز اللُّقمة إلى فيه وكيف يكسِر الجَوْزَ ويستخرج لبَّه وكيف يَلْقَنُ كل مَا أُخِذَ به وأُعِيدَ عليه، وأنَّهُ من بين جميعِ الحيوان إذا سقط في الماء غرِق مثلَ الإنسان، ومع اجتماعِ أسبابِ المعرفة فيه يغرق، إلاّ أن يكتسب معرفةَ السباحة، وإن كان طبعُه أوفى وأكمل فهو من هاهنا أنقص وأكلُّ، وكلُّ شيءٍ فهو يسبَح من جميع الحيوانات، ممَّا يوصف بالمعرفة والفِطنة، وممَّا يوصَفُ بالغَباوة والبَلادة؛ وليس يصير القردُ بذلك المقدار من المقارَبَة إلى أن يخرُج من بعض حدود القرود إلى حدود الإنسان.
عود إلى الحوار في شأن الكلب والديك وزعمتَ أنَّ ممَّا يمنعُ من التمثيل بين الديك والكلب أنّه حارسٌ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
كان هذا العذْرُ مقبولاً، وهذا الحكم صحيحاً، فكذلك نقول في الكلب، لأنَّ الكلبَ ليس له خطرٌ ثمين ولا قَدْر في الصدرِ جليل؛ لأنَّه إن كان كلبَ صيد فديتُه أربعون دِرهماً، وإن كان كلب ضَرْعٍ فديتُه شاة، وإن كان كلبَ دارٍ فديتُه زِنبيلٌ من ترابٍ، حُقَّ على القاتل أَن يؤدِّيَه، وحُقَّ على صاحبِ الدار أن يقبلَه، فهذا مقدارُ ظاهِر حاله ومُفتَّشِه، وكوامِنُ خِصاله، ودفائِنُ الحكمةِ فيه، والبرهاناتُ على عجيب تدبير الربِّ تعالى ذكرُه فيه،على خلاف ذلك؛ فلذلك استجازُوا النَّظَر في شأنه، والتمثيلَ بينَه وبين نظيره، وتعلم أيضاً مع ذلك أنَ الكلبَ إذا كانَ فيه، مع خُموله وسقوطِه، مِن عجيبِ التدبير والنعمةِ السابغةِ والحكمةِ البالغة، مثلُ هذا الإنسان الذي له خلق اللّه السمواتِ والأرض وما بينهما، أحقُّ بأنْ يُفكر فيه، ويُحْمَدَ اللّهُ تعالى على ما أودَعَه من الحكمةِ العجيبةِ، والنِّعمة السابغة.
وقلت: ولو كان بدلُ النظرِ فيهما النظرَ في التوحيد، وفي نفي التشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي التعديل والتجوير، وفي تصحيح الأخبار، والتفضيلِ بين علم الطبائع والاختيار، لكان أصوبَ.
دفاع عن المتكلمين والعجبُ أنَّك عَمَدْتَ إلى رجالٍ لا صناعةَ لهم ولا تجارةَ إلاَّ الدعاء إلى ما ذكرت، والاحتجاجُ لما وصفت، وإلاَّ وضْعُ الكتبِ فيه والولايةُ والعداوةُ فيه، ولا لهمْ لَذّةٌ ولا هَمٌّ ولا مذهبٌ ولا مجازٌ إلا عليهِ وإليه؛ فحين أَرادُوا أن يُقَسِّطُوا بينَ الجميعِ بالحِصص، ويَعْدِلوا بينَ الكلِّ بإعطاء كلِّ شيء نصيبه، حتَّى يقعَ التعديلُ شاملاً، والتقسيطُ جامعاً، ويظهرَ بذلك الخفيُّ من الحِكَم، والمستورُ من التدبير، اعترضْتَ بالتعنُّتِ والتعجُّب، وسطّرت الكلامَ، وأطلتَ الخطب، من غير أنْ يكون صوَّبَ رأيَكَ أديبٌ، وشايَعَك حكيم.
نسك طوائف من الناس وسأضرِب لك مثلاً قد استوجبتَ أغلظَ منه، وتعرَّضتَ لأشدَّ منه ولكنَّا نستأنِي بك وننتَظِرُ أوْبَتَك، وَجَدْنَا لجميعِ أهلِ النَّقص، ولأهلِ كلِّ صِنفٍ منهم نُسْكاً يعتمِدون عليه في
وقلت: ولو كان بدلُ النظرِ فيهما النظرَ في التوحيد، وفي نفي التشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي التعديل والتجوير، وفي تصحيح الأخبار، والتفضيلِ بين علم الطبائع والاختيار، لكان أصوبَ.
دفاع عن المتكلمين والعجبُ أنَّك عَمَدْتَ إلى رجالٍ لا صناعةَ لهم ولا تجارةَ إلاَّ الدعاء إلى ما ذكرت، والاحتجاجُ لما وصفت، وإلاَّ وضْعُ الكتبِ فيه والولايةُ والعداوةُ فيه، ولا لهمْ لَذّةٌ ولا هَمٌّ ولا مذهبٌ ولا مجازٌ إلا عليهِ وإليه؛ فحين أَرادُوا أن يُقَسِّطُوا بينَ الجميعِ بالحِصص، ويَعْدِلوا بينَ الكلِّ بإعطاء كلِّ شيء نصيبه، حتَّى يقعَ التعديلُ شاملاً، والتقسيطُ جامعاً، ويظهرَ بذلك الخفيُّ من الحِكَم، والمستورُ من التدبير، اعترضْتَ بالتعنُّتِ والتعجُّب، وسطّرت الكلامَ، وأطلتَ الخطب، من غير أنْ يكون صوَّبَ رأيَكَ أديبٌ، وشايَعَك حكيم.
نسك طوائف من الناس وسأضرِب لك مثلاً قد استوجبتَ أغلظَ منه، وتعرَّضتَ لأشدَّ منه ولكنَّا نستأنِي بك وننتَظِرُ أوْبَتَك، وَجَدْنَا لجميعِ أهلِ النَّقص، ولأهلِ كلِّ صِنفٍ منهم نُسْكاً يعتمِدون عليه في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
الجَمَال، ويحتسِبون به في الطاعة وطلَب المثُوبة، ويفزَعون إليه، على قدْرِ فسادِ الطِّباع، وضعفِ الأصل، واضطراب الفرْع، مع خبْث المنشأ، وقلَّةِ التثبُّتِ والتوقُّفِ، ومع كثرة التقلُّب والإقدام مَعَ أوّلِ خاطر: فنُسك المَريبِ المرتابِ من المتكلِّمين أنْ يتحلَّى برمْي الناسِ بالرِّيبة، ويتزيَّنَ بإضافةِ ما يجدُ في نفسه إلى خَصمه، خوفاً من أن يكونَ قد فطِن له، فهو يستُرُ ذلك الداءَ برمْيِ الناس به.
ونُسكُ الخارجيِّ الذي يتحلَّى به ويتزيَّا بجماله، إظهارُ استعظامِ المعاصي، ثم لا يَلتفِت إلى مجاوزَة المقدارِ وإلى ظُلْمِ العباد، ولا يقِف على أنَّ اللّه تعالى لا يحبُّ أن يَظْلِمَ أظلمَ الظَّالمين، وأنَّ في الحقِّ ما وسِعَ الجميع. ونسْك الخُراسانيِّ أن يُحجَّ ويَنَام على قفاه، ويعقد الرِّياسة، ويتهيَّأ للشَّهادة، ويبسُطَ لسانَه بالحِسْبة، وقد قالوا: إذا نَسَك الشَّريفُ تواضَعَ، وإذا نسَكَ الوضيعُ تكبَّر، وتفسيرُه قريبٌ واضح، ونُسْك البَنَوي والجنديِّ طرحُ الديوانِ، والزِّرايةُ على السُّلطان، ونسك دَهاقِين السَّوادِ تركُ شُرْب المطبوخ، ونُسْك الخَصِيِّ لُزُوم طَرَسُوس وإظهارُ مجاهَدَةِ الروم، ونُسك الرافضيِّ تركُ النبيذ، ونسك البستانيِّ تركُ سَرِقة الثَّمر، ونُسْك المغنِّي الصَّلاةُ في الجماعة وكثرةُ التسبيح، والصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ونسك اليهودِيِّ التشدُّدُ في السَّبْت وإقامته.
والصوفيُّ المظهِرُ النُّسكَ من المسلمين، إذا كان فسلاً يبغض العمل تطرف وأظهر تحريمَ المكاسب، وعاد سائلاً، وجعل مسألتَه وسيلة إلى تعظيم الناسِ له.
وإذا كان النَّصرانيُّ فسلاً نذْلاً مبغِضاً للعمَل، وترهَّب ولَبِس الصُّوف؛ لأنَّه واثقٌ أنَّه متى لبِس وتزيَّا بذلك الزِّيِّ وتحلَّى بذلك اللِّباس، وأظهر تلك السِّيما، أنَّه قد وجَبَ على أهل اليُسرِ والثَّروة منهم أن يعُولُوه ويَكْفُوه، ثمَّ لا يرضى بأنْ رَبحَ الكِفايةَ باطلاً حتى استطال بالمرتبة.
ونُسكُ الخارجيِّ الذي يتحلَّى به ويتزيَّا بجماله، إظهارُ استعظامِ المعاصي، ثم لا يَلتفِت إلى مجاوزَة المقدارِ وإلى ظُلْمِ العباد، ولا يقِف على أنَّ اللّه تعالى لا يحبُّ أن يَظْلِمَ أظلمَ الظَّالمين، وأنَّ في الحقِّ ما وسِعَ الجميع. ونسْك الخُراسانيِّ أن يُحجَّ ويَنَام على قفاه، ويعقد الرِّياسة، ويتهيَّأ للشَّهادة، ويبسُطَ لسانَه بالحِسْبة، وقد قالوا: إذا نَسَك الشَّريفُ تواضَعَ، وإذا نسَكَ الوضيعُ تكبَّر، وتفسيرُه قريبٌ واضح، ونُسْك البَنَوي والجنديِّ طرحُ الديوانِ، والزِّرايةُ على السُّلطان، ونسك دَهاقِين السَّوادِ تركُ شُرْب المطبوخ، ونُسْك الخَصِيِّ لُزُوم طَرَسُوس وإظهارُ مجاهَدَةِ الروم، ونُسك الرافضيِّ تركُ النبيذ، ونسك البستانيِّ تركُ سَرِقة الثَّمر، ونُسْك المغنِّي الصَّلاةُ في الجماعة وكثرةُ التسبيح، والصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ونسك اليهودِيِّ التشدُّدُ في السَّبْت وإقامته.
والصوفيُّ المظهِرُ النُّسكَ من المسلمين، إذا كان فسلاً يبغض العمل تطرف وأظهر تحريمَ المكاسب، وعاد سائلاً، وجعل مسألتَه وسيلة إلى تعظيم الناسِ له.
وإذا كان النَّصرانيُّ فسلاً نذْلاً مبغِضاً للعمَل، وترهَّب ولَبِس الصُّوف؛ لأنَّه واثقٌ أنَّه متى لبِس وتزيَّا بذلك الزِّيِّ وتحلَّى بذلك اللِّباس، وأظهر تلك السِّيما، أنَّه قد وجَبَ على أهل اليُسرِ والثَّروة منهم أن يعُولُوه ويَكْفُوه، ثمَّ لا يرضى بأنْ رَبحَ الكِفايةَ باطلاً حتى استطال بالمرتبة.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
فإذا رمى المتكلِّمُ المريبُ أهلَ البراءة، ظنَّ أنَّه قد حوَّل ريبتَه إلى خَصمه، وحوَّل براءةَ خصمِه إليه، وإذا صار كلُّ واحدٍ من هذه الأصناف إلى ما ذكرنا، فقد بلغ الأمنيَّة، ووقَفَ على النِّهاية، فاحذَر أن تكونَ منهم واعلَمْ أنَّكَ قد أشبهتهم في هذا الوجه، وضارعتَهم في هذا المذهب.
مما قدَّمْنَا ذكرَه، وبينَه وبينَ ما ذكرنا بعضُ الفرْق.
يقال: أجرأ من الليث، وأجبَنُ من الصِّفْرِد، وأسخَى مِنْ لافِظة، وأصبرُ على الهُونِ من كَلب، وأحذر من عَقْعَق، وأَزهى مِن غراب، وأصنَع من سُرفَة وأظلم من حيَّة، وأغدَر من الذئب، وأخبَث من ذئِبِ الحَمَز وأشدُّ عداوةً من عقرب، وأروغُ من ثعلب، وأحمقُ من حُبارى، وأهدى من قطاة، وأكذَبُ مِن فاختة، وألأمُ من كلبٍ على جيفة، وأجمَعُ من ذَرّة، وأضلُّ من حِمار أهلي، وأعقُّ من ضَبٍّ، وأبرُّ من هِرَّة، وأنْفَر من الظليم، وأضَلّ من وَرَل وأضلُّ من ضبٍّ، وأظلم من الحيَّة.
فيعبِّرون عن هذه الأشياء بعبارةٍ كالعبارة عن الناس، في مواضع الإحسان والإساءة، حتَّى كأنَّهم من الملومِين والمشكورين، ثم يعبِّرون في هذا البابِ الآخَر بدونِ هذا التعبير، ويجعلونَ خبَرهم مقصوراً على ما في الخِلقة من الغريزة والقُوى فيقولون: أبصرُ من عُقاب، وأسمعُ من فرَس، وأطولُ ذماءً من ضبٍّ، وأصحُّ من الظليم.
والثاني يشْبِه العبارةَ عن الحمد والذمِّ، والأوَّل يُشبِه العبارةَ عن اللائمةِ والشكر، وإنَّما قلنا ذلك، لأنَّ كلّ مشكورٍ محمود، وليس كلُّ محمودٍ مشكوراً؛ وكلُّ ملومٍ مذموم وليس كلُّ مذمومٍ ملوماً، وقد يحمدون البَلدَةَ ويذمُّون الأخرى، وكذلك الطعام والشراب، وليس ذلك على جهة اللّوم ولا على جهة الشكر؛ لأنَّ الأجْر لا يقع إلاَّ على جهة التخيُّر والتكلُّف، وإلاَّ على ما لا يُنال إلاّ بالاستطاعة والأوَّلُ إنَّما يُنالُ
مما قدَّمْنَا ذكرَه، وبينَه وبينَ ما ذكرنا بعضُ الفرْق.
يقال: أجرأ من الليث، وأجبَنُ من الصِّفْرِد، وأسخَى مِنْ لافِظة، وأصبرُ على الهُونِ من كَلب، وأحذر من عَقْعَق، وأَزهى مِن غراب، وأصنَع من سُرفَة وأظلم من حيَّة، وأغدَر من الذئب، وأخبَث من ذئِبِ الحَمَز وأشدُّ عداوةً من عقرب، وأروغُ من ثعلب، وأحمقُ من حُبارى، وأهدى من قطاة، وأكذَبُ مِن فاختة، وألأمُ من كلبٍ على جيفة، وأجمَعُ من ذَرّة، وأضلُّ من حِمار أهلي، وأعقُّ من ضَبٍّ، وأبرُّ من هِرَّة، وأنْفَر من الظليم، وأضَلّ من وَرَل وأضلُّ من ضبٍّ، وأظلم من الحيَّة.
فيعبِّرون عن هذه الأشياء بعبارةٍ كالعبارة عن الناس، في مواضع الإحسان والإساءة، حتَّى كأنَّهم من الملومِين والمشكورين، ثم يعبِّرون في هذا البابِ الآخَر بدونِ هذا التعبير، ويجعلونَ خبَرهم مقصوراً على ما في الخِلقة من الغريزة والقُوى فيقولون: أبصرُ من عُقاب، وأسمعُ من فرَس، وأطولُ ذماءً من ضبٍّ، وأصحُّ من الظليم.
والثاني يشْبِه العبارةَ عن الحمد والذمِّ، والأوَّل يُشبِه العبارةَ عن اللائمةِ والشكر، وإنَّما قلنا ذلك، لأنَّ كلّ مشكورٍ محمود، وليس كلُّ محمودٍ مشكوراً؛ وكلُّ ملومٍ مذموم وليس كلُّ مذمومٍ ملوماً، وقد يحمدون البَلدَةَ ويذمُّون الأخرى، وكذلك الطعام والشراب، وليس ذلك على جهة اللّوم ولا على جهة الشكر؛ لأنَّ الأجْر لا يقع إلاَّ على جهة التخيُّر والتكلُّف، وإلاَّ على ما لا يُنال إلاّ بالاستطاعة والأوَّلُ إنَّما يُنالُ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: حوار في الكلب والديك - للجــــــــــــاحظ
بالخِلقة وبمقدارٍ من المعرفة، ولا يبلغ أنْ يسمَّى عقْلاً، كما أنّه ليس كلُّ قُوَّةٍ تسمَّى استطاعة، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» اللص و الكلب
» باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصَيْد أو ماشية أو زرع
» الكلب المنافق مرتضى منصور ينقلب على سيده الان ويعلن رفضه الدفاع عن "مبارك" وأسرته
» حوار مع الشيطان
» حوار بين طفلين
» باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصَيْد أو ماشية أو زرع
» الكلب المنافق مرتضى منصور ينقلب على سيده الان ويعلن رفضه الدفاع عن "مبارك" وأسرته
» حوار مع الشيطان
» حوار بين طفلين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى