alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير - سورة الأنبياء

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:17 pm

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
التعريف بالسورة
هذه السورة , مكية تعالج الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السور المكية . . موضوع العقيدة . . تعالجه في ميادينه الكبيرة:ميادين التوحيد , والرسالة والبعث .
وسياق السورة يعالج ذلك الموضوع بعرض النواميس الكونية الكبرى وربط العقيدة بها . فالعقيدة جزءمن بناء هذا الكون , يسير على نواميسه الكبرى ; وهي تقوم على الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض , وعلى الجد الذي تدبر به السموات والأرض , وليست لعبا ولا باطلا , كما أن هذا الكون لم يخلق لعبا , ولم يشب خلقه باطلSadوما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين). .
ومن ثم يجول بالناس . . بقلوبهم وأبصارهم وأفكارهم . . بين مجالي الكون الكبرى:السماء والأرض . الرواسي والفجاج . الليل والنهار . الشمس والقمر . . . موجها أنظارهم إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرفها , وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبر , والمالك الذي لا شريك له في الملك , كما أنه لا شريك له في الخلق . . (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). .
ثم يوجه مداركهم إلى وحدة النواميس التي تحكم الحياة في هذه الأرض , وإلى وحدة مصدر الحياة: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)وإلى وحدة النهاية التي ينتهي إليها الأحياء: (كل نفس ذائقة الموت). . وإلى وحدة المصير الذي إليه ينتهون: (وإلينا ترجعون). .
والعقيدة وثيقة الارتباط بتلك النواميس الكونية الكبرى . فهي واحدة كذلك وإن تعدد الرسل على مدار الزمانSadوما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). . وقد اقتضت مشيئة الله أن يكون الرسل كلهم من البشر: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم). .
وكما أن العقيدة وثيقة الارتباط بنواميس الكون الكبرى , فكذلك ملابسات هذه العقيدة في الأرض . فالسنة التي لا تتخلف أن يغلب الحق في النهاية وأن يزهق الباطل , لأن الحق قاعدة كونية وغلبته سنة إلهية: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). . وأن يحل الهلاك بالظالمين المكذبين , وينجي الله الرسل والمؤمنينSadثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين). . وأن يرث الأرض عباد الله الصالحونSadولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:17 pm

ومن ثم يستعرض السياق أمة الرسل الواحدة في سلسلة طويلة استعراضا سريعا . يطول بعض الشيء عند عرض حلقة من قصة إبراهيم - عليه السلام - وعند الإشارة إلى داود وسليمان . ويقصر عند الإشارة إلى قصص نوح , وموسى , وهارون , ولوط , وإسماعيل , وإدريس , وذي الكفل , وذي النون , وزكريا , ويحيى , وعيسى عليهم السلام .
وفي هذا الاستعراض تتجلى المعاني التي سبقت في سياق السورة . تتجلى . في صورة وقائع في حياة الرسل والدعوات , بعدما تجلت في صورة قواعد عامة ونواميس .
كذلك يتضمن سياق السورة بعض مشاهد القيامة ; وتتمثل فيها تلك المعاني نفسها في صورة واقع يوم القيامة . .
وهكذا تتجمع الإيقاعات المنوعة في السورة على هدف واحد , هو استجاشة القلب البشري لإدراك الحق الأصيل في العقيدة التي جاء بها خاتم الرسل [ ص ] فلا يتلقاها الناس غافلين معرضين لاهين كما يصفهم في مطلع السورة: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم . . .).
إن هذه الرسالة حق وجد . كما أن هذا الكون حق وجد . فلا مجال للهو في استقبال الرسالة ; ولا مجاللطلب الآيات الخارقة ; وآيات الله في الكون وسنن الكون كله . توحي بأنه الخالق القادر الواحد , والرسالة من لدن ذلك الخالق القادر الواحد .
نظم هذه السورة من ناحية بنائه اللفظي وإيقاعه الموسيقي هو نظم التقرير , الذي يتناسق مع موضوعها , ومع جو السياق في عرض هذا الموضوع . . يبدو هذا واضحا بموازنته بنظم سورتي مريم وطه مثلا . فهناك الإيقاع الرخي الذي يناسب جوهما . وهنا الإيقاع المستقر الذي يناسب موضوع السورة وجوها . .
ويزيد هذا وضوحا بموازنة نظم قصة إبراهيم - عليه السلام - في مريم ونظمها هنا . وكذلك بالتأمل في الحلقة التي أخذت منها هنا الحلقة التي أخذت منها هناك . ففي سورة مريم أخذت حلقة الحوار الرخي بين إبراهيم وأبيه . أما هنا فجاءت حلقة تحطيم الأصنام , وإلقاء إبراهيم في النار . ليتم التناسق في الموضوع والجو والنظم والإيقاع .
والسياق في هذه السورة يمضي في أشواط أربعة:
الأول:ويبدأ بمطلع قوي الضربات , يهز القلوب هزا , وهو يلفتها إلى الخطر القريب المحدق , وهي عنه غافلة لاهية: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . . . الخ.
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:18 pm

ثم يهزها هزة أخرى بمشهد من مصارع الغابرين , الذين كانوا عن آيات ربهم غافلين , فعاشوا سادرين في الغي ظالمينSadوكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين . فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون . لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون . قالوا:يا ويلنا ! إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). .
ثم يربط بين الحق والجد في الدعوة , والحق والجد في نظام الكون . وبين عقيدة التوحيد ونواميس الوجود . وبين وحدة الخالق المدبر ووحدة الرسالة والعقيدة . ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها على النحو الذي أسلفناه .
فأما الشوط الثاني فيرجع بالحديث إلى الكفار الذين يواجهون الرسول [ ص ] بالسخرية والاستهزاء , بينما الأمر جد وحق , وكل ما حولهم يوحي باليقظة والاهتمام . وهم يستعجلون العذاب والعذاب منهم قريب . . وهنا يعرض مشهدا من مشاهد القيامة . ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرسل قبلهم . ويقرر أن ليس لهم من الله من عاصم . ويوجه قلوبهم إلى تأمل يد القدرة وهي تنقص الأرض من أطرافها , وتزوي رقعتها وتطويها , فلعل هذا أن يوقظهم من غفلتهم التي جاءتهم من طول النعمة وامتداد الرخاء . .
وينتهي هذا الشوط بتوجيه الرسول [ ص ] إلى بيان وظيفته: (قل:إنما أنذركم بالوحي)وإلى الخطر الذي يتهددهم في غفلتهم: (ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون)حتى تنصب الموازين القسط وهم في غفلتهم سادرون .
ويتضمن الشوط الثالث استعراض أمة النبيين , وفيها تتجلى وحدة الرسالة والعقيدة . كما تتجلى رحمة الله بعباده الصالحين وإيحاؤه لهم وأخذ المكذبين .
أما الشوط الرابع والأخير فيعرض النهاية والمصير , في مشهد من مشاهد القيامة المثيرة:ويتضمن ختام السورة بمثل ما بدأت:إيقاعا قويا , وإنذارا صريحا , وتخلية بينهم وبين مصيرهم المحتوم . .
الدرس الأول:1 - 9 ذم الكفار لغفلتهم ونقض شبهاتهم على الأنبياء
والآن نأخذ في دراسة الشوط الأول بالتفصيل . .
(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا . هل هذا إلا بشر مثلكم . أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ? قال:ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم . بل قالوا:أضغاث أحلام , بل افتراه , بل هو شاعر , فليأتنا بآية كما أرسل الأولون . ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها . . أفهم يؤمنون ? وما أرسلنا قبلك
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:19 pm

إلا رجالا نوحي إليهم , فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام , وما كانوا خالدين . ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين). .
مطلع قوي يهز الغافلين هزا . والحساب يقترب وهم في غفلة . والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى . والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته . وكلما جاءهم من القرآن جديد قابلوه باللهو والاستهتار , واستمعوه وهم هازلون يلعبون . . (لاهية قلوبهم). . والقلوب هي موضع التأمل والتدبر والتفكير .
إنها صورة للنفوس الفارغة التي لا تعرف الجد , فتلهو في أخطر المواقف , وتهزل في مواطن الجد ; وتستهتر في مواقف القداسة . فالذكر الذي يأتيهم يأتيهم (من ربهم)فيستقبلونه لا عبين , بلا وقار ولا تقديس . والنفس التي تفرع من الجد والاحتفال والقداسة تنتهي إلى حالة من التفاهة والجدب والانحلال ; فلا تصلح للنهوض بعبء , ولا الاضطلاع بواجب , ولا القيام بتكليف . وتغدو الحياة فيها عاطلة هينة رخيصة !
إن روح الاستهتار التي تلهو بالمقدسات روح مريضة . والاستهتار غير الاحتمال . فالاحتمال قوة جادة شاعرة . والاستهتار فقدان للشعور واسترخاء .
وهؤلاء الذين يصفهم القرآن الكريم كانوا يواجهون ما ينزل من القرآن ليكون دستورا للحياة , ومنهاجا للعمل , وقانونا للتعامل . . باللعب . ويواجهون اقتراب الحساب بالغفلة . وأمثال هؤلاء موجودون في كل زمان . فحيثما خلت الروح من الجد والاحتفال والقداسة صارت إلى هذه الصورة المريضة الشائهة التي يرسمها القرآن . والتي تحيل الحياة كلها إلى هزل فارغ , لا هدف له ولا قوام !
ذلك بينما كان المؤمنون يتلقون هذه السورة بالاهتمام الذي يذهل القلوب عن الدنيا وما فيها:
جاء في ترجمة الأمدي لعامر بن ربيعة أنه كان قد نزل به رجل من العرب فأكرم مثواه . . ثم جاءه هذا الرجل وقد أصاب أرضا فقال له:إني استقطعت من رسول الله [ ص ] واديا في العرب . وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك . فقال عامر:لا حاجة لي في قطيعتك . نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنياSadاقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون). .
وهذا هو فرق ما بين القلوب الحية المتلقية المتأثرة , والقلوب الميتة المغلقة الخامدة . التي تكفن ميتتها باللهو ; وتواري خمودها بالاستهتار ; ولا تتأثر بالذكر لأنها خاوية من مقومات الحياة .
(وأسروا النجوى الذين ظلموا). . وقد كانوا يتناجون فيما بينهم ويتآمرون خفية , يقولون عن رسول الله [ ص ]: (هل هذا إلا بشر مثلكم ? أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ?).
فهم على موت قلوبهم وفراغها من الحياة لم يكونوا يملكون أنفسهم من أن تتزلزل بهذا القرآن ; فكانوا
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:19 pm


قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (Cool
يلجأون في مقاومة تأثيره الطاغي إلى التعلات , يقولون:إن محمدا بشر . فكيف تؤمنون لبشر مثلكم ? وإن ما جاء به السحر . فكيف تجيئون للسحر وتنقادون له وفيكم عيون وأنتم تبصرون ?!
عند ذلك وكل الرسول [ ص ] أمرهم وأمره إلى ربه , وقد أخبره الله بنجواهم التي أداروها بينهم خفية ; وأطلعه على كيدهم الذي يتقون به القرآن وأثره !
(قال:ربي يعلم القول في السماء والأرض , وهو السميع العليم).
فما من نجوى في مكان على الأرض إلا وهو مطلع عليها - وهو الذي يعلم القول في السماء والأرض . . . وما من مؤامرة يحدثونها إلا وهو كاشفها ومطلع رسوله عليها - وهو السميع العليم .
ولقد حاروا كيف يصفون هذا القرآن وكيف يتقونه . فقالوا:إنه سحر . وقالوا:إنه أحلام مختلطة يراها محمد ويرويها . وقالوا:إنه شعر . وقالوا:إنه افتراه وزعم إنه وحي من عند الله:
(بل قالوا:أضغاث أحلام , بل افتراه , بل هو شاعر). .
ولم يثبتوا على صفة له , ولا على رأي يرونه فيه , لأنهم إنما يتمحلون ويحاولون أن يعللوا أثره المزلزل في نفوسهم بشتى التعلات فلا يستطيعون ; فينتقلون من ادعاء إلى ادعاء , ومن تعليل إلى تعليل , حائرين غير مستقرين . . ثم يخلصون من الحرج بأن يطلبوا بدل القرآن خارقة من الخوارق التي جاء بها الأولون:
(فليأتنا بآية كما أرسل الأولون). .
ولقد جاءت الخوارق من قبل , فلم يؤمن بها من جاءتهم , فحل بهم الهلاك , وفقا لسنة الله التي لا تتخلف في إهلاك من يكذبون بالخوارق:
(ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها). .
ذلك أن من يبلغ به العناد ألا يؤمن بالخارقة المادية المحسوسة , لا يبقى له عذر , ولا يرجى له صلاح . فيحق عليه الهلاك .
ولقد تكررت الآيات , وتكرر التكذيب بها , وتكرر كذلك إهلاك المكذبين . . فما بال هؤلاء سيؤمنون بالخارقة لو جاءتهم ; وهم ليسوا سوى بشر كهؤلاء الهالكين !
(أفهم يؤمنون). .
(وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم , فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام , وما كانوا خالدين). .
فقد اقتضت حكمة الله أن يكون الرسل من البشر , يتلقون الوحي فيدعون به الناس . وما كان الرسل من قبل إلا رجالا ذوي أجساد . وما جعل الله لهم أجسادا ثم جعلهم لا يأكلون الطعام . فأكل الطعام من مقتضيات الجسدية , والجسدية من مقتضيات البشرية . وهم بحكم أنهم بشر مخلوقون لم يكونوا خالدين . . هذه هي سنة الله المطردة فليسألوا أهل الكتاب الذين عرفوا الأنبياء من قبل . إن كانوا هم لا يعلمون .
لقد كان الرسل من البشر ليعيشوا حياة البشر ; فتكون حياتهم الواقعية مصداق شريعتهم . وسلوكهم العملي نموذجا حيا لما يدعون إليه الناس . فالكلمة الحية الواقعية هي التي تؤثر وتهدي , لأن الناس يرونها ممثلة في شخص مترجمة إلى حياة .
ولو كان الرسل من غير البشر لا يأكلون الطعام , ولا يمشون في الأسواق , ولا يعاشرون النساء .


ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
ولا تعتلج في صدورهم عواطف البشر وانفعالاتهم لما كانت هناك وشيجة بينهم وبين الناس . فلا هم يحسون دوافع البشر التي تحركهم , ولا البشر يتأسون بهم ويقتدون .
وأيما داعية لا يحس مشاعر الذين يدعوهم ولا يحسون مشاعره , فإنه يقف على هامش حياتهم , لا يتجاوب معهم ولا يتجاوبون معه . ومهما سمعوا من قوله فلن يحركهم للعمل بما يقول . لما بينه وبينهم من قطيعة في الحس والشعور .
وأيما داعية لا يصدق فعله قوله . فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب . مهما تكن كلماته بارعة وعباراته بليغة . فالكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال , ويؤيدها العمل . هي الكلمة المثمرة التي تحرك الآخرين إلى العمل .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:20 pm

والذين كانوا يقترحون أن يكون الرسول من الملائكة , كالذين يقترحون اليوم أن يكون الرسول منزها عن انفعالات البشر . . كلهم يتعنتون ويغفلون عن هذه الحقيقة . وهي أن الملائكة لا يحيون حياة البشر بحكم تكوينهم ولا يمكن أن يحيوها . . لا يمكن أن يحسوا بدوافع الجسد ومقتضياته , ولا بمشاعر هذا المخلوق الآدمي ذي التكوين الخاص . وأن الرسول يجب أن يحس بهذه الدوافع والمشاعر , وأن يزاولها في حياته الواقعية ليرسم بحياته دستور الحياة العملي لمتبعيه من الناس .
وهنالك اعتبار آخر , وهو أن شعور الناس بأن الرسول ملك لا يثير في نفوسهم الرغبة في تقليده في جزئيات حياته ; لأنه من جنس غير جنسهم , وطبيعة غير طبيعتهم , فلا مطمع لهم في تقليد منهجه في حياته اليومية . وحياة الرسل أسوة دافعة لغيرهم من الناس .
وهذا وذلك فوق ما في ذلك الاقتراح من غفلة عن تكريم الله للجنس البشري كله , باختيار الرسل منه , ليتصلوا بالملأ الأعلى ويتلقوا عنه .
لذلك كله اقتضت سنة الله الجارية اختيار الرسل من البشر ; وأجرت عليهم كل ما يجري على البشر من ولادة وموت . ومن عواطف وانفعالات . ومن آلام وآمال . ومن أكل للطعام ومعاشرة للنساء . . وجعلت أكبر الرسل وأكملهم وخاتمهم وصاحب الرسالة الباقية فيهم . . أكمل نموذج لحياة الإنسان على الأرض , بكل ما فيها من دوافع وتجارب وعمل وحياة .
تلك سنة الله في اختيار الرسل . ومثلها سنته في إنجائهم ومن معهم , وإهلاك المسرفين الظالمين المكذبين:
(ثم صدقناهم الوعد , فأنجيناهم ومن نشاء , وأهلكنا المسرفين). .
فهي كذلك سنة جارية كسنة اختيارهم . وقد وعدهم الله النجاة هم والمؤمنون معهم إيمانا حقيقيا يصدقه العمل ; فصدقهم وعده , وأهلك , الذين كانوا يسرفون عليهم , ويتجاوزون الحد معهم .
الدرس الثاني:10 - 15 مهمة القرآن ولفت نظر الكفار لمصارع السابقين
هذه السنة يخوف الله بها المشركين الذين كانوا يواجهون الرسول [ ص ] بالإسراف عليه , وتكذيبه , وإيذائه والمؤمنين معه . وينبههم إلى أنه رحمة بهم لم يرسل إليهم بخارقة مادية , يتبعها هلاكهم , إذا هم كذبوا بها كما كذب من قبلهم . إنما أرسل إليهم بكتاب يشرفهم لأنه بلغتهم , ويقوم حياتهم , ويخلق منهم أمة ذات سيادة في الأرض وذكر في الناس . وهو مفتوح للعقول تتدبره , وترتفع به في سلم البشرية:
(لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم . أفلا تعقلون ?). .


لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
إن معجزة القرآن معجزة مفتوحة للأجيال , وليست كالخوارق المادية التي تنقضي في جيل واحد , ولا يتأثر بها إلا الذين يرونها من ذلك الجيل .
ولقد كان به ذكر العرب ومجدهم حين حملوا رسالته فشرقوا بها وغربوا . فلم يكن لهم قبله ذكر , ولم يكن معهم ما يعطونه للبشرية فتعرفه لهم وتذكرهم به . ولقد ظلت البشرية تذكرهم وترفعهم طالما استمسكوا بهذا الكتاب , وقادوا به البشرية قرونا طويلة , فسعدوا وسعدت بما معهم من ذلك الكتاب . حتى إذا تخلوا عنه تخلت عنهم البشرية , وانحط فيها ذكرهم , وصاروا ذيلا للقافلة يتخطفهم الناس , وكانوا بكتابهم يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون !
وما يملك العرب من زاد يقدمونه للبشرية سوى هذا الزاد . وما يملكون من فكرة يقدمونها للإنسانية سوى هذه الفكرة . فإن تقدموا للبشرية بكتابهم ذاك عرفتهم وذكرتهم ورفعتهم , لأنها تجد عندهم ما تنتفع به . فأما إذا تقدموا إليها عربا فحسب بجنسية العرب . فما هم ? وما ذاك ? وما قيمة هذا النسب بغير هذا الكتاب ? إن البشرية لم تعرفهم إلا بكتابهم وعقيدتهم وسلوكهم المستمد من ذلك الكتاب وهذه العقيدة . . لم تعرفهم لأنهم عرب فحسب . فذلك لا يساوي شيئا في تاريخ البشرية , ولا مدلول له في معجم الحضارة ! إنما عرفتهم لأنهم يحملون حضارة الإسلام ومثله وفكرته . وهذا أمر له مدلوله في تاريخ البشرية ومعجم الحضارة !
. . ذلك ما كان يشير إليه القرآن الكريم , وهو يقول للمشركين , الذين كانوا يواجهون كل جديد يأتيهم منه باللهو والإعراض والغفلة والتكذيبSadلقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم . أفلا تعقلون ?).
ولقد كانت رحمة بهم أن ينزل الله لهم هذا القرآن . ولا يأتيهم بالخارقة التي يطلبونها . فلا يأخذهم وفق سنته بالفاصمة كالقرى التي كذبت فاستأصلت . . وهنا يعرض مشهدا حيا من القصم والاستئصال:
(وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين . فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون . لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون . . قالوا:يا ويلنا إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). .
والقصم أشد حركات القطع . وجرسها اللفظي يصور معناها , ويلقي ظل الشدة والعنف والتحطيم والقضاء الحاسم على القرى التي كانت ظالمة . فإذا هي مدمرة محطمة . . (وأنشأنا بعدها قوما آخرين).
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:20 pm

وهو عند القصم يوقع الفعل على القرى ليشمل ما فيها ومن فيها . وعند الإنشاء يوقع الفعل على القوم الذين ينشأون ويعيدون إنشاء القرى . . وهذه حقيقة في ذاتها .
فالدمار يحل بالديار والديار . والإنشاء يبدأ بالديارين فيعيدون إنشاء الدور . . ولكن عرض هذه الحقيقة في هذه الصورة يضخم عملية القصم والتدمير , وهذا هو الظل المراد إلقاؤه بالتعبير على طريقة التصوير !
ثم ننظر فنشهد حركة القوم في تلك القرى وبأس الله يأخذهم , وهم كالفيران في المصيدة يضطربون من هنا إلى هناك قبيل الخمود:
(فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون). .
يسارعون بالخروج من القرية ركضا وعدوا , وقد تبين لهم أنهم مأخوذون ببأس الله . كأنما الركض ينجيهم


لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
من بأس الله . وكأنما هم أسرع عدوا فلا يلحق بهم حيث يركضون ! ولكنها حركة الفأر في المصيدة بلا تفكير ولا شعور .
عندئذ يتلقون التهكم المرير:
(لا تركضوا , وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون)!
لا تركضوا من قريتكم . وعودوا إلى متاعكم الهنيء وعيشكم الرغيد وسكنكم المريح . . عودوا لعلكم تسألون عن ذلك كله فيم أنفقتموه ?!
وما عاد هنالك مجال لسؤال ولا لجواب . إنما هو التهكم والاستهزاء !
عند ذلك يفيقون فيشعرون بأن لا مفر ولا مهرب من بأس الله المحيط . وأنه لا ينفعهم ركض , ولا ينقذهم فرار . فيحاولون الاعتراف والتوبة والاستغفار:
(قالوا:يا ويلنا ! إنا كنا ظالمين). .
ولكن لقد فات الأوان . فليقولوا ما يشاءون . فإنهم لمتروكون يقولون حتى يقضى الأمر وتخمد الأنفاس:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:21 pm

(فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). .
ويا له من حصيد آدمي , لا حركة فيه ولا حياة ; وكان منذ لحظة يموج بالحركة , وتضطرب فيه الحياة !
الدرس الثالث:16 - 18 الجدية في خلق الكون وهزيمة الباطل أمام الحق
هنا يربط السياق بين العقيدة التي سبق الحديث عنها , وسننها التي تجري عليها , والتي تأخذ المكذبين بها . يربط بينها وبين الحق الكبير والجد الأصيل , اللذين يقوم بهما الكون كله , ويتلبس بهما خلق السماوات والأرض في صميمه .
فإذا كان المشركون يستقبلون القرآن كلما جاءهم منه جديد باللعب واللهو , غافلين عما في الأمر من حق وجد . وإذا كانوا يغفلون عن يوم الحساب القريب , وعما ينتظر المكذبين المستهزئين . . فإن سنة الله مطردة نافذة مرتبطة بالحق الكبير والجد الأصيل:
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين . لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا . إن كنا فاعلين . بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق , ولكم الويل مما تصفون). .
لقد خلق الله سبحانه هذا الكون لحكمة , لا لعبا ولا لهوا . ودبره بحكمة , لا جزافا ولا هوى , وبالجد الذي خلق به السماء والأرض وما بينهما أرسل الرسل , وأنزل الكتب , وفرض الفرائض , وشرع التكاليف . . فالجد أصيل في طبيعة هذا الكون , أصيل في تدبيره , أصيل في العقيدة التي أرادها الله للناس , أصيل في الحساب الذي يأخذهم به بعد الممات .
ولو أراد الله سبحانه - أن يتخذ لهوا لاتخذه من لدنه . لهوا ذاتيا لا يتعلق بشيء من مخلوقاته الحادثة الفانية .
وهو مجرد فرض جدلي: (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا). . ولو - كما يقول النحاة - حرف امتناع لامتناع . تفيد امتناع وقوع فعل الجواب لامتناع وقوع فعل الشرط . فالله سبحانه لم يرد أن يتخذ لهوا فلم يكن هناك لهو . لا من لدنه ولا من شيء خارج عنه .
ولن يكون لأن الله - سبحانه - لم يرده ابتداء ولم يوجه إليه إرادته أصلا: إن كنا فاعلين . . وإن حرف نفي بمعنى ما , والصيغة لنفي إرادة الفعل ابتداء .

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
إنما هو فرض جدلي لتقرير حقيقة مجردة . . هي أن كل ما يتعلق بذات الله - سبحانه - قديم لا حادث , وباق غير فان . فلو أراد - سبحانه - أن يتخذ لهوا لما كان هذا اللهو حادثا , ولا كان متعلقا بحادث كالسماء
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:21 pm

والأرض وما بينهما فكلها حوادث . . إنما كان يكون ذاتيا من لدنه سبحانه . فيكون أزليا باقيا , لأنه يتعلق بالذات الأزلية الباقية .
إنما الناموس المقرر والسنة المطردة ألا يكون هناك لهو , إنما يكون هناك جد , ويكون هناك حق , فيغلب الحق الأصيل على الباطل العارض:
(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). .
و(بل)للإضراب عن الحديث في موضوع اللهو ; والعدول عنه إلى الحديث في الواقع المقرر الذي تجري به السنة ويقتضيه الناموس . وهو غلبة الحق وزهوق الباطل .
والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية حية متحركة . فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة . تقذف به على الباطل , فيشق دماغه ! فإذا هو زاهق هالك ذاهب . .
هذه هي السنة المقررة , فالحق أصيل في طبيعة الكون , عميق في تكوين الوجود . والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا , طاريء لا أصالة فيه , ولا سلطان له , يطارده الله , ويقذف عليه بالحق فيدمغه . ولا بقاء لشيء يطارده الله ; ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه !
ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير . وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب , ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب . وإن هي إلا فترة من الزمان , يمد الله فيها ما يشاء , للفتنة والابتلاء . ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض ; وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء .
والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده ; وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه ; وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه . . فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة ; وأدركوا أنه الابتلاء ; وأحسوا أن ربهم يربيهم , لأن فيهم ضعفا أو نقصا ; وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر , وأن يجعلهم ستار القدرة , فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف . . وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء , وحقق على أيديهم ما يشاء . أما العاقبة فهي مقررة: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)والله يفعل ما يريد .
الدرس الرابع:19 - 20 عبادة الملائكة وخضوعهم لله
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:22 pm

هكذا يقرر القرآن الكريم تلك الحقيقة للمشركين , الذين يتقولون على القرآن وعلى الرسول [ ص ] ويصفونه بالسحر والشعر والافتراء . وهو الحق الغالب الذي يدمغ الباطل , فإذا هو زاهق . . ثم يعقب على ذلك التقرير بإنذارهم عاقبة ما يتقولون: (ولكم الويل مما تصفون). .
ثم يعرض لهم نموذجا من نماذج الطاعة والعبادة في مقابل عصيانهم وإعراضهم . نموذجا ممن هم أقرب منهم إلى الله . ومع هذا فهم دائبون على طاعته وعبادته , لا يفترون ولا يقصرون:
(وله من في السماوات والأرض . ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون , يسبحون الليل والنهار لا يفترون). .


وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21)
ومن في السماوات والأرض لا يعلمهم إلا الله , ولا يحصيهم إلا الله . والعلم البشري لا يستيقن إلا من وجود البشر . والمؤمنون يستيقنون من وجود الملائكة والجن كذلك لذكرهما في القرآن . ولكننا لا نعرف عنهم إلا ما أخبرنا به خالقهم . وقد يكون هناك غيرهم من العقلاء في غير هذا الكوكب الأرضي , بطبائع وأشكال تناسب طبيعة تلك الكواكب . وعلم ذلك عند الله .
فإذا نحن قرأنا: (وله من في السماوات والأرض)عرفنا منهم من نعرف , وتركنا علم من لا نعلم لخالق السماوات والأرض ومن فيهن .
(ومن عنده)المفهوم القريب أنهم الملائكة . ولكننا لا نحدد ولا نقيد ما دام النص عاما يشمل الملائكة وغيرهم . والمفهوم من التعبير أنهم هم الأقرب إلى الله . فكلمة "عند" بالقياس إلى الله لا تعني مكانا , ولا تحدد وصفا .
(ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته)كما يستكبر هؤلاء المشركون (ولا يستحسرون)- أي يقصرون - في العبادة . فحياتهم كلها عبادة وتسبيح بالليل والنهار دون انقطاع ولا فتور . .
والبشر يملكون أن تكون حياتهم كلها عبادة دون أن ينقطعوا للتسبيح والتعبد كالملائكة . فالإسلام يعد كل حركة وكل نفس عبادة إذا توجه بها صاحبها إلى الله . ولو كانت متاعا ذاتيا بطيبات الحياة !
الدرس الخامس:21 - 25 إبطال شرك الكفار والإستدلال على الوحدانية
وفي ظل التسبيح الذي لا يفتر ولا ينقطع لله الواحد , مالك السماوات والأرض ومن فيهن . يجيء الإنكار على المشركين واستنكار دعواهم في الآلهة . ويعرض السياق دليل الوحدانية من المشهود في نظام الكون وناموسه الواحد الدال على المدبر الواحد ; ومن المنقول عن الكتب السابقة عند أهل الكتاب:
(أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ? لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا . فسبحان الله رب العرش عما يصفون . لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . أم اتخذوا من دونه آلهة ? قل:هاتوا برهانكم . هذا ذكر من معي وذكر من قبلي . بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون . وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). .
والسؤال عن اتخاذهم آلهة هو سؤال استنكار للواقع منهم . ووصف هؤلاء الآلهة بأنهم ينشرون من الأرض أي يقيمون الأموات ويبعثونهم أحياء . فيه تهكم بتلك الآلهة التي اتخذوها . فمن أول صفات الإله الحق أن ينشر الأموات من الأرض . فهل الآلهة التي اتخذوها تفعل هذا ? إنها لا تفعل , ولا يدعون لها هم أنها تخلق حياة أو تعيد حياة . فهي إذن فاقدة للصفة الأولى من صفات الإله .
ذلك منطق الواقع المشهود في الأرض . وهنالك الدليل الكوني المستمد من واقع الوجود: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا). .
فالكون قائم على الناموس الواحد الذي يربط بين أجزائه جميعا ; وينسق بين أجزائه جميعا ; وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظم . . هذا الناموس الواحد من صنع إرادة واحدة لإله واحد . فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات . ولتعددت النواميس تبعا لها - فالإرادة مظهر الذات المريدة . والناموس مظهر الإرادة النافذة - ولانعدمت الوحدة التي تنسق الجهاز الكوني كله , وتوحد منهجه واتجاهه وسلوكه ; ولوقع الاضطراب والفساد تبعا لفقدان التناسق . . هذا التناسق الملحوظ الذي لا ينكره أشد الملحدين لأنه واقع محسوس .
وإن الفطرة السليمة التي تتلقي إيقاع الناموس الواحد للوجود كله , لتشهد شهادة فطرية بوحدة هذا


لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
الناموس , ووحدة الإرادة التي أوجدته , ووحدة الخالق المدبر لهذا الكون المنظم المنسق , الذي لا فساد في تكوينه , ولا خلل في سيره:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:22 pm

(فسبحان الله رب العرش عما يصفون). .
وهم يصفونه بأن له شركاء . تنزه الله المتعالى المسيطر: (رب العرش)والعرش رمز الملك والسيطرة والاستعلاء . تنزه عما يقولون والوجود كله بنظامه وسلامته من الخلل والفساد يكذبهم فيما يقولون .
(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). .
ومتى كان المسيطر على الوجود كله يسأل ; ومن ذا الذي يسأله ; وهو القاهر فوق عباده , وإرادته طليقة لا يحدها قيد من إرادة أخرى , ولا حتى من الناموس الذي ترتضيه هي وتتخذه حاكما لنظام الوجود ? والسؤال والحساب إنما يكونان بناء على حدود ترسم ومقياس يوضع . والإرادة الطليقة هي التي تضع الحدود والمقاييس , ولا تتقيد بما تضع للكون من الحدود والمقاييس إلا كما تريد . والخلق مأخوذون بما تضع لهم من تلك الحدود فهم يسألون .
وإن الخلق ليستبد بهم الغرور أحيانا فيسألون سؤال المنكر المتعجب:ولماذا صنع الله كذا . وما الحكمة في هذا الصنيع ? وكأنما يريدون ليقولوا:إنهم لا يجدون الحكمة في ذلك الصنيع !
وهم يتجاوزون في هذا حدود الأدب الواجب في حق المعبود , كما يتجاوزون حدود الإدراك الإنساني القاصر الذي لا يعرف العلل والأسباب والغايات وهو محصور في حيزه المحدود . .
إن الذي يعلم كل شيء , ويدبر كل شيء , ويسيطر على كل شيء , هو الذي يقدر ويدبر ويحكم .(لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). .
وإلى جانب الدليل الكوني المستمد من طبيعة الوجود وواقعه يسألهم عن الدليل النقلي الذي يستندون إليه في دعوى الشرك التي لا تعتمد على دليل:
(أم اتخذوا من دونه آلهة ? قل:هاتوا برهانكم . هذا ذكر من معي وذكر من قبلي).
فهذا هو القرآن يشتمل على ذكر المعاصرين للرسول [ ص ] وهناك ذكر من سبقه من الرسل . وليس فيما جاءوا به ذكر الشركاء . فكل الديانات قائمة على عقيدة التوحيد . فمن أين جاء المشركون بدعوى الشرك التي تنقضها طبيعة الكون , ولا يوجد من الكتب االسابقة عليها دليل:
(بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون). .
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). .
فالتوحيد هو قاعدة العقيدة منذ أن بعث الله الرسل للناس . لا تبديل فيها ولا تحويل . توحيد الإله وتوحيد المعبود . فلا انفصال بين الألوهية والربوبية ; ولا مجال للشرك في الألوهية ولا في العبادة . . قاعدة ثابتة ثبوت النواميس الكونية , متصلة بهذه النواميس وهي واحدة منها .
الدرس السادس:26 - 29 تفنيد مزاعم الكفار في جعل الملائكة بنات الله
ثم يعرض السياق لدعوى المشركين من العرب أن لله ولدا . وهي إحدى مقولات الجاهلية السخيفة:
(وقالوا:اتخذ الرحمن ولدا . سبحانه ! بل عباد مكرمون , لا يسبقونه بالقول , وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم , ولا يشفعون إلا لمن ارتضى , وهم من خشيته مشفقون . ومن يقل منهم:


وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم . كذلك نجزي الظالمين). .
ودعوى النبوة لله - سبحانه - دعوى اتخذت لها عدة صور في الجاهليات المختلفة . فقد عرفت عند مشركي العرب في صورة بنوة الملائكة لله . وعند مشركي اليهود في صورة بنوة العزيز لله . وعند مشركي النصارى في صورة بنوة المسيح لله . . وكلها من انحرافات الجاهلية في شتى الصور والعصور .
والمفهوم أن الذي يعنيه السياق هنا هو دعوى العرب في بنوة الملائكة . وهو يرد عليهم ببيان طبيعة الملائكة . فهم ليسوا بنات لله - كما يزعمون - (بل عباد مكرمون)عند الله . لا يقترحون عليه شيئا تأدبا و طاعة وإجلالا . إنما يعملون بأمره لا يناقشون . وعلم الله بهم محيط . ولا يتقدمون بالشفاعة إلا لمن ارتضاه الله ورضي أن يقبل الشفاعة فيه . وهم بطبيعتهم خائفون لله مشفقون من خشيته - على قربهم وطهارتهم وطاعتهم التي لا استثناء فيها ولا انحراف عنها . وهم لا يدعون الألوهية قطعا . ولو ادعوها - جدلا - لكان جزاؤهم جزاء من يدعي الألوهية كائنا من كان , وهو جهنم . فذلك جزاء الظالمين الذين يدعون هذه الدعوى الظالمة لكل حق , ولكل أحد , ولكل شيء في هذا الوجود .
وكذلك تبدو دعوى المشركين في صورتها هذه واهية مستنكرة مستبعدة , لا يدعيها أحد . ولو ادعاها لذاق جزاءها الأليم !
وكذلك يلمس الوجدان بمشهد الملائكة طائعين لله , مشفقين من خشيته . بينما المشركون يتطاولون ويدعون !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:23 pm

الدرس السابع:30 33 تدبير الله للكون وبداية خلق السماوات والأرض
وعند هذا الحد من عرض الأدلة الكونية الشاهدة بالوحدة ; والأدلة النقلية النافية للتعدد ; والأدلة الوجدانية التي تلمس القلوب . . يجول السياق بالقلب البشري في مجالي الكون الضخمة , ويد القدرة تدبره بحكمة , وهم معرضون عن آياتها المعروضة على الأنظار والقلوب:
أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما . وجعلنا من الماء كل شيء حي ; أفلا يؤمنون ? وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم , وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ; وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون . وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر . كل في فلك يسبحون . .
إنها جولة في الكون المعروض للأنظار , والقلوب غافلة عن آياته الكبار , وفيها ما يحير اللب حين يتأمله بالبصيرة المفتوحة والقلب الواعي والحس اليقظ .
وتقريره أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقتا , مسألة جديرة بالتأمل , كلما تقدمت النظريات الفلكية في محاولة تفسير الظواهر الكونية , فحامت حول هذه الحقيقة التي أوردها القرآن الكريم منذ أكثر من ثلاث مائة وألف عام .
فالنظرية القائمة اليوم هي أن المجموعات النجمية - كالمجموعة الشمسية المؤلفة من الشمس وتوابعها ومنها الأرض والقمر . . كانت سديما . ثم انفصلت وأخذت أشكالها الكروية وأن الأرض كانت قطعة من الشمس ثم انفصلت عنها وبردت . .
ولكن هذه ليست سوى نظرية فلكية . تقوم اليوم وقد تنقض غدا . وتقوم نظرية أخرى تصلح لتفسير الظواهر الكونية بفرض آخر يتحول إلى نظرية . .


أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
ونحن - أصحاب هذه العقيدة - لا نحاول أن نحمل النص القرآني المستيقن على نظرية غير مستيقنة , تقبل اليوم وترفض غدا . لذلك لا نحاول في هذه الظلال أن نوفق بين النصوص القرآنية والنظريات التي تسمى علمية . وهي شيء آخر غير الحقائق العلمية الثابتة القابلة للتجربة كتمدد المعادن بالحرارة وتحول الماء بخارا وتجمده بالبرودة . . إلى آخر هذا النوع من الحقائق العلمية . وهي شيء آخر غير النظريات العلمية - كما بينا من قبل في الظلال - .
إن القرآن ليس كتاب نظريات علمية ولم يجيء ليكون علما تجريبيا كذلك . إنما هو منهج للحياة كلها . منهج لتقويم العقل ليعمل وينطلق في حدوده . ولتقويم المجتمع ليسمح للعقل بالعمل والانطلاق . دون أن يدخل في جزئيات وتفصيليات علمية بحتة . فهذا متروك للعقل بعد تقويمه وإطلاق سراحه .
وقد يشير القرآن أحيانا إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا: (أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن . وإن كنا لا نعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض . أو فتق السماوات عن الأرض . ونتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن . ولكننا لا نجري بالنص القرآني وراء أية نظرية فلكية , ولا نطلب تصديقا للقرآن في نظريات البشر . وهو حقيقة مستيقنة ! وقصارى ما يقال:إن النظرية الفلكية القائمة اليوم لا تعارض المفهوم الإجمالي لهذا النص القرآني السابق عليها بأجيال !
فأما شطر الآية الثاني: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)فيقرر كذلك حقيقة خطيرة . يعد العلماء كشفها وتقريرها أمرا عظيما . ويمجدون "دارون" لاهتدائه إليها ! وتقريره أن الماء هو مهد الحياة الأول .
وهي حقيقة تثير الانتباه حقا . وإن كان ورودها في القرآن الكريم لا يثير العجب في نفوسنا , ولا يزيدنا يقينا بصدق هذا القرآن . فنحن نستمد الاعتقاد بصدقه المطلق في كل ما يقرره من إيماننا بأنه من عند الله . لا من موافقة النظريات أو الكشوف العلمية له . وأقصى ما يقال هنا كذلك:إن نظرية النشوء والارتقاء لدارون وجماعته لا تعارض مفهوم النص القرآني في هذه النقطة بالذات .
ومنذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا كان القرآن الكريم يوجه أنظار الكفار إلى عجائب صنع الله في الكون , ويستنكر ألا يؤمنوا بها وهم يرونها مبثوثة في الوجود: أفلا يؤمنون ? وكل ما حولهم في الكون يقود إلى الإيمان بالخالق المدبر الحكيم ?
ثم يمضي في عرض مشاهد الكون الهائلة:
(وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم). .
فيقرر أن هذه الجبال الرواسي تحفظ توازن الأرض فلا تميد بهم ولا تضطرب . وحفظ التوازن يتحقق في صور شتى . فقد يكون توازنا بين الضغط الخارجي على الأرض والضغط الداخلي في جوفها , وهو يختلف من بقعة إلى بقعة:وقد يكون بروز الجبال في موضع معادلا لانخفاض الأرض في موضع آخر . . وعلى أية حال فهذا النص يثبت أن للجبال علاقة بتوازن الأرض واستقرارها . فلنترك للبحوث العلمية كشف الطريقة التي يتم بها هذا التوازن فذلك مجالها الأصيل . ولنكتف من النص القرآني الصادق باللمسة الوجدانية والتأمل الموحي , وبتتبع يد القدرة المبدعة المدبرة لهذا الكون الكبير:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:23 pm

(وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون). .
وذكر الفجاج في الجبال وهي الفجوات بين حواجزها العالية , وتتخذ سبلا وطرقا . . ذكر هذه الفجاج


وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
هنا مع الإشارة إلى الاهتداء يصور الحقيقة الواقعة أولا , ثم يشير من طرف خفي إلى شأن آخر في عالم العقيدة . فلعلهم يهتدون إلى سبيل يقودهم إلى الإيمان , كما يهتدون في فجاج الجبال !
(وجعلنا السماء سقفا محفوظا). .
والسماء كل ما علا . ونحن نرى فوقنا ما يشبه السقف . والقرآن يقرر أن السماء سقف محفوظ . محفوظ من الخلل بالنظام الكوني الدقيق . ومحفوظ من الدنس باعتباره رمزا للعلو الذي تتنزل منه آيات الله . . (وهم عن آياتها معرضون). .
(وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون).
والليل والنهار ظاهرتان كونيتان . والشمس والقمر جرمان هائلان لهما علاقة وثيقة بحياة الإنسان في الأرض . وبالحياة كلها . . والتأمل في توالي الليل والنهار , وفي حركة الشمس والقمر . بهذه الدقة التي لا تختل مرة ; وبهذا الإطراد الذي لا يكف لحظة . . جدير بأن يهدي القلب إلى وحدة الناموس , ووحدة الإرادة , ووحدة الخالق المدبر القدير .
الدرس الثامن:34 - 35 الموت على كل مخلوق والإبتلاء بالحياة
وفي نهاية الشوط يربط السياق بين نواميس الكون في خلقه وتكوينه وتصريفه ; ونواميس الحياة البشرية في طبيعتها ونهايتها ومصيرها:
(وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . أفإن مت فهم الخالدون ? كل نفس ذائقة الموت , ونبلوكم بالشر والخير فتنة , وإلينا ترجعون). .
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . فكل حادث فهو فان . وكل ما له بدء فله نهاية . وإذا كان الرسول [ ص ] يموت فهل هم يخلدون ? وإذا كانوا لا يخلدون فما لهم لا يعملون عمل أهل الموتى ? وما لهم لا يتبصرون ولا يتدبرون ?
(كل نفس ذائقة الموت). هذا هو الناموس الذي يحكم الحياة . وهذه هي السنة التي ليس لها استثناء . فما أجدر الأحياء أن يحسبوا حساب هذا المذاق !
إنه الموت نهاية كل حي , وعاقبة المطاف للرحلة القصيرة على الأرض . وإلى الله يرجع الجميع . فأما ما يصيب الإنسان في أثناء الرحلة من خير وشر فهو فتنة له وابتلاء:
(ونبلوكم بالشر والخير فتنة). .
والابتلاء بالشر مفهوم أمره . ليتكشف مدى احتمال المبتلى , ومدى صبره على الضر , ومدى ثقته في ربه , ورجائه في رحمته . . فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان . .
إن الابتلاء بالخير أشد وطأة , وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر . .
إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير .
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة . ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم .
كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان . وما يغريان به من متاع , وما يثيرانه من شهوات وأطماع !


وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)
كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخفيهم , ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء !
كثيرون يصبرون على الكفاح والجراح ; ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة والمراح . ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال . وبالاسترخاء الذي يقعد الهمم ويذلل الأرواح !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:24 pm

إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء , ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب , فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها . أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة !
لذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح , حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء ! وذلك شأن البشر . . إلا من عصم الله فكانوا ممن قال فيهم رسول الله [ ص ]:
"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير , وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن , إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . . وهم قليل !
فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر . والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان . .
الوحدة الثانية:36 - 47 الموضوع:استهزاء الكفار بالرسول واستعجالهم العذاب وتهديدهم بالعذاب
مقدمة الوحدة بعد ذلك الشوط البعيد المديد في أرجاء الكون , وفي نواميس الوجود , وفي سنن الدعوات , وفي مصائر البشر , وفي مصارع الغابرين . . يرتد السياق إلى مثل ما بدأ به في مطلع السورة عن استقبال المشركين للرسول [ ص ] وما معه من الوحي ; واستهزائهم به وإصرارهم على الشرك . .
ثم يتحدث عن طبيعة الإنسان العجول , واستعجالهم بالعذاب . فيحذرهم ما يستعجلون به . وينذرهم عاقبة الاستهزاء بالرسول [ ص ] ويعرض لهم مشهدا من تقلص ظلال الغالبين المسيطرين في الدنيا . ومشهدا من عذاب المكذبين في الآخرة .
ويختم الشوط بدقة الحساب والجزاء في يوم القيامة . فيربط الحساب والجزاء بنواميس الكون وفطرة الإنسان وسنة الله في حياة البشر وفي الدعوات . .
الدرس الأول:36 - 44 استهزاء الكفار بالرسول واستعجالهم بالعذاب وعجزهم عن دفعه
وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذوك إلا هزوا . أهذا الذي يذكر آلهتكم ; وهم بذكر الرحمن هم كافرون .
إن هؤلاء الكفار يكفرون بالرحمن , خالق الكون ومدبره , ليستنكرون على الرسول [ ص ] أن يذكر آلهتهم الأصنام بالسوء , بينما هم يكفرون بالرحمن دون أن يتحرجوا أو يتلوموا . . وهو أمر عجيب جد عجيب !
وإنهم ليلقون رسول الله [ ص ] بالهزء , يستكثرون عليه أن ينال من أصنامهم تلك: (أهذا الذي يذكر آلهتكم ?)ولا يستكثرون على أنفسهم - وهم عبيد من عبيد الله - أن يكفروا به , ويعرضوا عما أنزل لهم من قرآن . . وهي مفارقة عجيبة تكشف عن مدى الفساد الذي أصاب فطرتهم وتقديرهم للأمور !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:24 pm

ثم هم يستعجلون بما ينذرهم به الرسول [ ص ] من عذاب ; ويحذرهم من عاقبته . والإنسان بطبعه عجول:
(خلق الإنسان من عجل . سأريكم آياتي فلا تستعجلون . ويقولون:متى هذا الوعد إن كنتم صادقين !). .
(خلق الإنسان من عجل). . فالعجلة في طبعه وتكوينه . وهو يمد ببصره دائما إلى ما وراء اللحظة الحاضرة يريد ليتناوله بيده , ويريد ليحقق كل ما يخطر له بمجرد أن يخطر بباله , ويريد أن يستحضر كل ما يوعد به ولو كان في ذلك ضرره وإيذاؤه . ذلك إلا أن يتصل بالله فيثبت ويطمئن , ويكل الأمر لله فلا يتعجل قضاءه . والإيمان ثقة وصبر واطمئنان .


لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43)
وهؤلاء المشركون كانوا يستعجلون بالعذاب , ويسألون متى هذا الوعد . الوعد بعذاب الآخرة وعذاب الدنيا . . فها هو ذا القرآن يرسم لهم مشهدا من عذاب الآخرة , ويحذرهم ما أصاب المستهزئين قبلهم من عذاب الدنيا:
لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون . بل تأتيهم بغتة فتبهتهم , فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون . . ولقد استهزى ء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون .
لو يعلمون ما سيكون لكان لهم شأن غير شأنهم , ولكفوا عن استهزائهم واستعجالهم . . فلينظروا ماذا سيكون .
ها هم أولاء تنوشهم النار من كل جانب , فيحاولون في حركة مخبلة - يرسمها التعبير من وراء السطور - أن يكفوا النار عن وجوههم وعن ظهورهم , ولكنهم لا يستطيعون . وكأنما تلقفتهم النار من كل جانب , فلا هم يستطيعون ردها , ولا هم يؤخرون عنها , ولا هم يمهلون إلى أجل قريب .
وهذه المباغتة جزاء الاستعجال . فلقد كانوا يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)فكان الرد هو هذه البغتة التي تذهل العقول , وتشل الإرادة , وتعجزهم عن التفكير والعمل , وتحرمهم مهلة الإنظار والتأجيل .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:24 pm

ذلك عذاب الآخرة . فأما عذاب الدنيا فقد حل بالمستهزئين قبلهم . فإذا كانوا هم لم يقدر عليهم عذاب الاستئصال , فعذاب القتل والأسر والغلب غير ممنوع . وليحذروا الاستهزاء برسولهم . وإلا فمصير المستهزئين بالرسل معروف , جرت به السنة التي لا تتخلف وشهدت به مصارع المستهزئين .
أم إن لهم من يرعاهم بالليل والنهار غير الرحمن , ويمنعهم من العذاب في الدنيا أو الآخرة من دون الله ?
(قل:من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ? بل هم عن ذكر ربهم معرضون . أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ? لا يستطيعون نصر أنفسهم , ولا هم منا يصحبون).
إن الله هو الحارس على كل نفس بالليل والنهار . وصفته هي الرحمة الكبرى , وليس من دونه راع ولا حام . فاسألهم:هل لهم حارس سواه ?
وهو سؤال للإنكار , وللتوبيخ على غفلتهم عن ذكر الله , وهو الذي يكلؤهم بالليل والنهار , ولا راعي لهم سواه: (بل هم عن ذكر ربهم معرضون).
ثم يعيد عليهم السؤال في صورة أخرى: (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ?)فتكون هي التي تحرسهم إذن وتحفظهم ? كلا فهؤلاء الآلهة (لا يستطيعون نصر أنفسهم)فهم من باب أولى لا يستطيعون نصر سواهم . (ولا هم منا يصحبون)فيستمدوا القوة من صحبة القدرة لهم - كما استمدها هارون وموسى وربهما يقول لهما: (إنني معكما أسمع وأرى). .
إن هذه الآلهة مجردة من القوة بذاتها , وليس لها مدد من الله تستمد منه القوة . فهي عاجزة عاجزة .
وبعد هذا الجدل التهكمي الذي يكشف عن سخف ما يعتقده المشركون وخوائه من المنطق والدليل . . يضرب السياق عن مجادلتهم ; ويكشف عن علة لجاجتهم ; ثم يلمس وجدانهم لمسة تهز القلوب , وهو يوجهها إلى تأمل يد القدرة , وهي تطوي رقعة الأرض تحت أقدام الغالبين , وتقص أطرافها فتردهم إلى حيز منها منزو صغير , بعد السعة والمنعة والسلطان !


بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
(بل متعنا هؤلاء وآباؤهم حتى طال عليهم العمر . أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ? أفهم الغالبون ?). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:25 pm

فهو المتاع الطويل الموروث الذي أفسد فطرتهم . والمتاع ترف . والترف يفسد القلب ويبلد الحس . وينتهي إلى ضعف الحساسية بالله , وانطماس البصيرة دون تأمل آياته . وهذا هو الابتلاء بالنعمة حين لا يستيقظ الإنسان لنفسه ويراقبها , ويصلها دائما بالله , فلا تنساه .
ومن ثم يلمس السياق وجدانهم بعرض المشهد الذي يقع كل يوم في جانب من جنبات الأرض حيث تطوى رقعة الدول المتغلبة وتنحسر وتتقلص . فإذا هي دويلات صغيرة وكانت امبراطوريات . وإذا هي مغلوبة على أمرها وكانت غالبة . وإذا هي قليلة العدد وكانت كثيرة . قليلة الخيرات وكانت فائضة بالخيرات . .
والتعبير يرسم يد القدرة وهي تطوي الرقعة وتنقص الأطراف وتزوي الأبعاد . . . فإذا هو مشهد ساحر فيه الحركة اللطيفة , وفيه الرهبة المخيفة !
(أفهم الغالبون)? فلا يجري عليهم ما يجري على الأخرين ?
الدرس الثاني:45 - 46 الإنذار بالقرآن قبل وقوع العذاب
وفي ظل هذا المشهد الذي ترتعش له القلوب يؤمر الرسول [ ص ] أن يلقي كلمة الإنذار:
(قل:إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون). .
فليحذروا أن يكونوا هم الصم الذين لا يسمعون ! فتطوى رقعة الأرض تحت أقدامهم , وتقص يد القدرة أطرافهم , وتتحيفهم وما هم فيه من متاع !!
ويتابع السياق إيقاعه المؤثر في القلوب , فيصورهم لأنفسهم حين يمسهم العذاب:
(ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن:يا ويلنا إنا كنا ظالمين). .
والنفحة تطلق غالبا في الرحمة . ولكنها هنا تطلق في العذاب . كأنما ليقال:إن أخف مسة من عذاب ربك تطلقهم يجأرون بالاعتراف . ولكن حيث لا يجدي الاعتراف . فلقد سبق في سياق السورة مشهد القرى التي أخذها بأس الله , فنادى أهلها: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين). .
وإذن فهو الاعتراف بعد فوات الأوان . ولخير منه أن يسمعوا نذير الوحي وفي الوقت متسع , قبل أن تمسهم نفحة من العذاب !
الدرس الثالث:47 الحساب العادل الدقيق في الآخرة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:25 pm

ويختم الشوط بالإيقاع الأخير من مشاهد يوم الحساب:
(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا . وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها . وكفى بنا حاسبين). .
والحبة من خردل تصور أصغر ما تراه العيون وأخفه في الميزان , وهي لا تترك يوم الحساب ولا تضيع . والميزان الدقيق يشيل بها أو يميل !
فلتنظر نفس ما قدمت لغد . وليصغ قلب إلى النذير . وليبادر الغافلون المعرضون المستهزئون قبل أن يحق النذير في الدنيا أو في الآخرة . فإنهم إن نجوا من عذاب الدنيا فهناك عذاب الآخرة الذي تعد موازينه ,


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50)
فلا تظلم نفس شيئا , ولا يهمل مثقال حبة من خردل .
وهكذا ترتبط موازين الآخرة الدقيقة , بنواميس الكون الدقيقة , بسنن الدعوات , وطبائع الحياة والناس . وتلتقي كلها متناسقة موحدة في يد الإرادة الواحدة مما يشهد لقضية التوحيد وهي محور السورة الأصيل .
الوحدة الثالثة:48 - 92 الموضوع:لقطات ومشاهد من موكب الأنبياء مقدمة الوحدة هذا الشوط الثالث يستعرض أمة الرسل . لا على وجه الحصر . يشير إلى بعضهم مجرد إشارة ; ويفصل ذكر بعضهم تفصيلا مطولا ومختصرا .
وتتجلى في هذه الإشارات والحلقات رحمة الله وعنايته برسله , وعواقب المكذبين بالرسل بعد أن جاءتهم البينات . كما تتجلى بعض الاختبارات للرسل بالخير وبالضر , وكيف اجتازوا الابتلاء .
كذلك تتجلى سنة الله في إرسال الرسل من البشر . ووحدة العقيدة والطريق , لجماعة الرسل على مدار الزمان ; حتى لكأنهم أمة واحدة على تباعد الزمان والمكان .
وتلك إحدى دلائل وحدانية الألوهية المبدعة , ووحدانية الإرادة المدبرة , ووحدانية الناموس الذي يربط سنن الله في الكون , ويؤلف بينها , ويوجهها جميعا وجهة واحدة , إلى معبود واحد: (وأنا ربكم فاعبدون)
الدرس الأول:48 - 50 لقطة من قصة موسى وهارون
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:26 pm

ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين . الذين يخشون ربهم بالغيب , وهم من الساعة مشفقون . وهذا ذكر مبارك أنزلناه , أفأنتم له منكرون ?).
ولقد سبق في سياق السورة أن المشركين كانوا يستهزئون بالرسول [ ص ] لأنه بشر . وأنهم كانوا يكذبون بالوحي , ويقولون:إنه سحر أو شعر أو افتراء .
فها هو ذا يكشف لهم أن إرسال الرسل من البشر هي السنة المطردة , وهذه نماذج لها من قبل . وأن نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى وهارون آتاهما الله كتابا .
ويسمى هذا الكتاب "الفرقان" وهي صفة القرآن . فهناك وحدة حتى في الاسم . ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق والباطل , وبين الهدى والضلال , وبين منهج في الحياة ومنهج , واتجاه في الحياة واتجاه . فهي في عمومها فرقان . وفي هذه الصفة تلتقي التوراة والقرآن .
وجعل التوراة كذلك ,(ضياء)يكشف ظلمات القلب والعقيدة , وظلمات الظلال والباطل . وهي ظلمات يتوه فيها العقل ويضل فيها الضمير . وإن القلب البشري ليظل مظلما حتى تشرق فيه شعلة الإيمان , فتنير جوانبه , ويتكشف له منهجه , ويستقيم له اتجاهه , ولا تختلط عليه القيم والمعاني والتقديرات .
وجعل التوراة كالقرآن (ذكرا للمتقين)تذكرهم بالله , وتبقى لهم ذكرا في الناس . وماذا كان بنو إسرائيل قبل التوراة ? كانوا أذلاء تحت سياط فرعون , يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويستذلهم بالسخرة والإيذاء .
ويخص المتقين (الذين يخشون ربهم بالغيب)لأن الذين تستشعر قلوبهم خشية الله ولم يروه , (وهم من الساعة مشفقون)فيعملون لها ويستعدون هؤلاء هم الذين ينتفعون بالضياء , ويسيرون على هداه , فيكون كتاب الله لهم ذكرا , يذكرهم الله , ويرفع لهم ذكرا في الناس .
ذلك شأن موسى وهارون . . (وهذا ذكر مبارك أنزلناه)فليس بدعا ولا عجبا , إنما هو أمر مسبوق وسنة معروفة (أفأنتم له منكرون ?)فماذا تنكرون منه , وقد سبقت به الرسالات ?
الدرس الثاني:51 - 73 مشاهد من قصة إبراهيم مع قومه
وبعد الإشارة السريعة إلى موسى وهارون وكتابهما يرتد السياق إلى حلقة كاملة من قصة إبراهيم , وهو جد العرب الأكبر وباني الكعبة التي يحشدون فيها الأصنام , ويعكفون عليها بالعبادة , وهو الذي حطم الأصنام من قبل . والسياق يعرضه هنا وهو يستنكر الشرك ويحطم الأصنام .

أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:26 pm

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)
والحلقة المعروفة هنا هي حلقة الرسالة . وهي مقسمة إلى مشاهد متتابعة , بينها فجوات صغيرة . وهي تبدأ بالإشارة إلى ما سبق هداية إبراهيم إلى الرشد . ويعني به الهداية إلى التوحيد . فهذا هو الرشد الأكبر الذي تنصرف إليه لفظة(الرشد)في هذا المقام .
(ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل , وكنا به عالمين). .
آتينا رشده , وكنا عالمين بحاله وباستعداده لحمل الأمانة التي يحملها المرسلون .
(إذ قال لأبيه وقومه:ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ?). .
فكانت قولته هذه دليل رشده . . سمى تلك الأحجار والخشب باسمها: (هذه التماثيل)ولم يقل إنها آلهة , واستنكر أن يعكفوا عليها بالعبادة . و كلمة(عاكفون)تفيد الانكباب الدائم المستمر . و هم لايقضون وقتهم كله في عبادتها . ولكنهم يتعلقون بها . فهو عكوف معنوي لا زمني . وهو يسخف هذا التعلق ويبشعه بتصويرهم منكبين أبدا على هذة التماثيل !
فكان جوابهم وحجتهم أن
(قالوا:وجدنا آباءنا لها عابدين)!
وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة , في مقابل حرية الإيمان , وانطلاقه للنظر والتدبر , وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لاالتقليدية . فالإيمان باللة طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية , والوراثات المتحجرة التى لا تقوم على دليل:
(قال:لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين). .
وما كانت عبادة الآباء لتكسب هذة التماثيل قيمة ليست لها , ولا لتخلع عليها قداسة لا تستحقها . فالقيم لا تنبع من تقليد الآباء وتقديسهم , إنما تنبع من التقويم المتحرر الطليق .
وعندما واجههم إبراهيم بهذه الطلاقة في التقدير , وبهذه الصراحة في الحكم , راحوا يسألون:
(قالوا:أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ?). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:27 pm

وهو سؤال المزعزع العقيدة , الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه , لأنه لم يتدبره ولم يتحقق منه . ولكنه كذلك معطل الفكر والروح بتأثير الوهم والتقليد . فهو لا يدري أي الأقوال حق . والعبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل ! وهذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل والضمير .
فأما إبراهيم فهو مستيقن واثق عارف بربه , متمثل له في خاطره وفكره , يقولها كلمة المؤمن المطمئن لإيمانه:
(قال:بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن , وأنا على ذلكم من الشاهدين).
فهو رب واحد . رب الناس ورب السماوات والأرض . ربوبيته ناشئة عن كونه الخالق . فهما صفتان لا تنفكان: (بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن). . فهذه هي العقيدة المستقيمة الناصعة , لا كما يعتقد المشركون أن الآلهة أرباب , في الوقت الذي يقرون أنها لا تخلق , وأن الخالق هو الله . ثم هم يعبدون تلك الآلهة التي لا تخلق شيئا وهم يعلمون !
إنه واثق وثوق الذي يشهد على واقع لا شك فيه: (وأنا على ذلكم من الشاهدين). . وإبراهيم - عليه السلام - لم يشهد خلق السماوات والأرض , ولم يشهد خلق نفسه ولا قومه . . ولكن الأمر من الوضوح


وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)
والثبوت إلى حد أن يشهد المؤمنون عليه واثقين . . إن كل ما في الكون لينطق بوحدة الخالق المدبر . وإن كل ما في كيان الإنسان ليهتف به إلى الإقرار بوحدانية الخالق المدبر , وبوحدة الناموس الذي يدبر الكون ويصرفه .
ثم يعلن إبراهيم لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار . أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه:
(وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين). .
ويترك ما اعتزمه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه . . ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه . ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا . فتركوه !
(فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:28 pm

وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة . . إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم (لعلهم إليه يرجعون)فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغارر الآلهة ! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها , فيرجعون إلى صوابهم , ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت .
وعاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير ! ولكنهم لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها:إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا . وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها ? لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال , لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير , ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر . فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطم آلهتهم , وصنع بها هذا الصنيع:
(قالوا:من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين). .
عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة هذه التماثيل , ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها !
(قالوا:سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم). .
ويبدو من هذا أن إبراهيم - عليه السلام - كان شابا صغير السن , حينما آتاه الله رشده , فاستنكر عبادة الأصنام وحطمها هذا التحطيم . ولكن أكان قد أوحي إليه بالرسالة في ذلك الحين ? أم هو إلهام هداه إلى الحق قبل الرسالة . فدعا إليه أباه , واستنكر على قومه ما هم فيه ?
هذا هو الأرجح . .
وهناك احتمال أن يكون قولهم: (سمعنا فتى)يقصد به إلى تصغير شأنه بدليل تجهيلهم لأمره في قولهم: (يقال له إبراهيم !)للتقليل من أهميته , وإفادة أنه مجهول لا خطر له ? قد يكون . ولكننا نرجح أنه كان فتى حديث السن في ذلك الحين .
(قالوا:فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون). .
وقد قصدوا إلى التشهير به , وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد !
(قالوا:أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ?). .
فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة . فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم , وهو فرد وحده وهم كثير . ذلك أنه ينظر بعقله المفتوح وقلبه الواصل فلا يملك إلا أن يهزأ بهم ويسخر , وأن يجيبهم إجابة تناسب هذا المستوى العقلي الدون:
(قال:بل فعله كبيرهم هذا . فاسألوهم إن كانوا ينطقون). .


قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)
والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر . فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم - عليه السلام - والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون . فالأمر أيسر من هذا بكثير ! إنما أراد أن يقول لهم:إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا . فهي جماد لا إدراك له أصلا . وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل . فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم إن هذا التمثال هو الذي حطمها ! (فاسألوهم إن كانوا ينطقون)!
ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا , وردهم إلى شيء من التدبر والتفكرSadفرجعوا إلى أنفسهم , فقالوا:إنكم أنتم الظالمون). .
وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف , وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم . وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم , وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون .
ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام , وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:
(ثم نكسوا على رؤوسهم . لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)!
وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس , وكانت الثانية نكسة على الرؤوس ; كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب . . كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر . أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير . وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم . وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون ?!
ومن ثم يجبههم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم . لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:29 pm

(قال:أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ? أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ?!)
وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر , وغيظ النفس , والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف .
عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل , فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ:
(قالوا:حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين). .
فيالها من آلهة ينصرها عبادها , وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ; ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا !
(قالوا:حرقوه)ولكن كلمة أخرى قد قيلت . . فأبطلت كل قول , وأحبطت كل كيد . ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد:
(قلنا:يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم). .
فكانت بردا وسلاما على إبراهيم . .
كيف ?
ولماذا نسأل عن هذه وحدها . و(كوني)هذه هي الكلمة التي تكون بها أكوان , وتنشأ بها عوالم , وتخلق بها نواميسSadإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له:كن فيكون).
فلا نسأل:كيف لم تحرق النار إبراهيم , والمشهود المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية ? فالذي قال للنار:كوني حارقة . هو الذي قال لها:كوني بردا وسلاما . وهي الكلمة الواحدة التي تنشيء مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول . مألوفا للبشر أو غير مألوف .


قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
إن الذين يقيسون أعمال الله سبحانه إلى أعمال البشر هم الذين يسألون:كيف كان هذا ? وكيف أمكن أن يكون ? فأما الذين يدركون اختلاف الطبيعتين , واختلاف الأداتين , فإنهم لا يسألون أصلا , ولا يحاولون أن يخلقوا تعليلا . علميا أو غير علمي . فالمسألة ليست في هذا الميدان أصلا . ليست في ميدان التعليل والتحليل بموازين البشر ومقاييس البشر . وكل منهج في تصور مثل هذه المعجزات غير منهج الإحالة إلى القدرة المطلقة هو منهج فاسد من أساسه , لأن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعلمهم القليل المحدود .
إن علينا فقط أن نؤمن بأن هذا قد كان , لأن صانعه يملك أن يكون . أما كيف صنع بالنار فإذا هي برد وسلام ? وكيف صنع بإبراهيم فلا تحرقه النار . . فذلك ما سكت عنه النص القرآني لأنه لا سبيل إلى إدراكه بعقل البشر المحدود . وليس لنا سوى النص القرآني من دليل .
وما كان تحويل النار بردا وسلاما على إبراهيم إلا مثلا تقع نظائره في صور شتى . ولكنها قد لا تهز المشاعر كما يهزها هذا المثل السافر الجاهر . فكم من ضيقات وكربات تحيط بالأشخاص والجماعات من شأنها أن تكون القاصمة القاضية , وإن هي إلا لفتة صغيرة , فإذا هي تحيي ولا تميت , وتنعش ولا تخمد , وتعود بالخير وهي الشر المستطير .
إن (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)لتتكرر في حياة الأشخاص والجماعات والأمم ; وفي حياة الأفكار والعقائد والدعوات . وإن هي إلا رمز للكلمة التي تبطل كل قول , وتحيط كل كيد , لأنها الكلمة العليا التي لا ترد !
(وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين). .
وقد روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب "بالنمرود" وهو ملك الآراميين بالعراق . وأنه قد أهلك هو والملأ من قومه بعذاب من عند الله . تختلف الروايات في تفصيلاته , وليس لنا عليها من دليل . المهم أن الله قد أنجى إبراهيم من الكيد الذي أريد به , وباء الكائدون له بخسارة ما بعدها خسارة (فجعلناهم الأخسرين)هكذا على وجه الإطلاق دون تحديد !
(ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين). .
وهي أرض الشام التي هاجر إليها هو وابن أخيه لوط . فكانت مهبط الوحي فترة طويلة , ومبعث الرسل من نسل إبراهيم . وفيها الأرض المقدسة . وثاني الحرمين . وفيها بركة الخصب والرزق , إلى جانب بركة الوحي والنبوة جيلا بعد جيل .
(ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة , وكلا جعلنا صالحين . وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا , وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , وكانوا لنا عابدين). .
لقد ترك إبراهيم - عليه السلام - وطنا وأهلا وقوما . فعوضه الله الأرض المباركة وطنا خيرا من وطنه . وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلا خيرا من أهله . وعوض من ذريته أمة عظيمة العدد قوما خيرا من
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:29 pm

قومه . وجعل من نسله أئمة يهدون الناس بأمر الله ; وأوحى إليهم أن يفعلوا الخيرات على اختلافها , وأن يقيموا الصلاة , ويؤتوا الزكاة . وكانوا طائعين لله عابدين . . فنعم العوض , ونعم الجزاء , ونعمت الخاتمة التي قسمها الله لإبراهيم . لقد ابتلاه بالضراء فصبر , فكانت الخاتمة الكريمة اللائقة بصبره الجميل .
الدرس الثالث:74 - 75 لقطة من قصة لوط
(ولوطا آتيناه حكما وعلما ; ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث , إنهم كانوا قوم سوء فاسقين .


وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين). .
وقصة لوط قد سبقت مفصلة . وهو يشير إليها هنا مجرد إشارة . وقد صحب عمه إبراهيم من العراق إلى الشام , وأقام في قرية سدوم . وكانت تعمل الخبائث . وهي إتيان الفاحشة مع الذكور جهرة وبلا حياء أو تحرج . فأهلك الله القرية وأهلها: (إنهم كانوا قوم سوء فاسقين). وأنجى لوطا وأهله إلا امرأته .(وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين). . وكأنما الرحمة مأوى وملاذ يدخل الله فيه من يشاء , فإذا هو آمن ناعم مرحوم .
الدرس الرابع:76 - 77 لقطة من قصة نوح
ويشير إلى نوح إشارة سريعة كذلك:
(ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له , فنجيناه وأهله من الكرب العظيم . ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا , إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين). .
وهي إشارة كذلك لا تفصيل فيها . لإثبات استجابة الله لنوح - عليه السلام - حين ناداه (من قبل)وهو سابق لإبراهيم ولوط . ولقد انجاه الله وأهله كذلك . إلا امرأته , وأهلك قومه بالطوفان وهو (الكرب العظيم)الذي وصفه بالتفصيل في سورة هود .
الدرس الخامس:78 - 82 لقطات من قصة داود وسليمان
ثم يفصل بعض الشيء في حلقة من قصة داود وسليمان:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأنبياء Empty رد: تفسير - سورة الأنبياء

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الجمعة نوفمبر 26, 2010 6:29 pm

(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ; وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان . وكلا آتينا حكما وعلما . وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير . وكنا فاعلين . وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم , فهل أنتم شاكرون ?).
ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها , وكنا بكل شيء عالمين . ومن الشياطين من يغوصون له , ويعملون عملا دون كذلك , وكنا لهم حافظين . .
وقصة الحرث التي حكم فيها داود وسليمان يقول الرواة في تفصيلها:إن رجلين دخلا على داود , أحدهما صاحب حرث أي حقل وقيل حديقة كرم - والآخر صاحب غنم . فقال صاحب الحرث:إن غنم هذا قد نفشت في حرثي - أي انطلقت فيه ليلا - فلم تبق منه شيئا . فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ غنم خصمه في مقابل حرثه . . ومر صاحب الغنم بسليمان ; فأخبره بقضاء داود . فدخل سليمان على أبيه فقال:يا نبي الله إن القضاء غير ما قضيت . فقال:كيف ? قال:ادفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بها , وادفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان . ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده . فيأخذ صاحب الحرث حرثه , وصاحب الغنم غنمه . . فقال داود:القضاء ما قضيت . وأمضي حكم سليمان .
وكان حكم داود وحكم سليمان في القضية اجتهادا منهما . وكان الله حاضرا حكمهما , فألهم سليمان حكما أحكم , وفهمه ذلك الوجه وهو أصوب .
لقد اتجه داود في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث . وهذا عدل فحسب . ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير , وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير . وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة . وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء .
ولقد أوتي داود وسليمان كلاهما الحكمة والعلم: (وكلا آتينا حكما وعلما). . وليس في قضاء داود من
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80)
خطأ , ولكن قضاء سليمان كان أصوب , لأنه من نبع الإلهام .
ثم يعرض السياق ما اختص به كلا منهما . فيبدأ بالوالد:
(وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير . وكنا فاعلين . وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم , فهل أنتم شاكرون ?).
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى