alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:56 pm

سورة الأعراف

المص ) 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف بسورة الأعراف هذه سورة مكية - كسورة الأنعام - موضوعها الأساسي هو موضوع القرآن المكي . . العقيدة . . ولكن ما أشد اختلاف المجالين اللذين تتحرك فيهما السورتان في معالجة هذا الموضوع الواحد , وهذه القضية الكبيرة !
إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة , وذات ملامح متميزة , وذات منهج خاص , وذات أسلوب معين , وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد , وهذه القضية الكبيرة .
إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية , ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة , وطرائقها المتميزة ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع , وتحقيق هذه الغاية .
إن الشأن في سور القرآن - من هذه الوجهة - كالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة . . كلهم إنسان , وكلهم له خصائص الإنسانية , وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي الإنساني . . ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشد التنويع . نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح , وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلا الخصائص الإنسانية العامة !
هكذا عدت أتصور سور القرآن . وهكذا عدت أحسها , وهكذا عدت أتعامل معها . بعد طول الصحبة , وطول الألفة , وطول التعامل مع كل منها وفق طباعه واتجاهاته , وملامحه وسماته !
وأنا أجد في سور القرآن - تبعا لهذا - وفرة بسبب تنوع النماذج , وأنسا بسبب التعامل الشخصي الوثيق ; ومتاعا بسبب اختلاف الملامح والطباع , والاتجاهات والمطالع !
إنها أصدقاء . . كلها صديق . . وكلها أليف . . وكلها حبيب . . وكلها ممتع . . وكلها يجد القلب عنده ألواناً من الاهتمامات طريفة , وألواناً من المتاع جديدة , وألواناً من الإيقاعات , وألواناً من المؤثرات , تجهل لها مذاقاً خاصاً , وجواً متفرداً .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:56 pm

ومصاحبة السورة من أولها إلى آخرها رحلة . . رحلة في عوالم ومشاهد , ورؤى وحقائق , وتقريرات وموحيات , وغوص في أعماق النفوس , واستجلاء لمشاهد الوجود . . ولكنها كذلك رحلة متميزة المعالم في كل سورة ومع كل سورة .
إن موضوع سورة الأنعام هو العقيدة . وموضوع سورة الأعراف هو العقيدة . . ولكن بينما سورة الأنعام تعالج العقيدة في ذاتها ; وتعرض موضوع العقيدة وحقيقتها ; وتواجه الجاهلية العربية في حينها - وكل جاهلية أخرى كذلك - مواجهة صاحب الحق الذي يصدع بالحق ; وتستصحب معها في هذه المواجهة تلك المؤثرات العميقة العنيفة الكثيرة الموفورة التي تحدثنا عنها إجمالاً وتفصيلاً ونحن نقدم السورة ونستعرضها - في الجزء السابع وفي هذا الجزء أيضاً - ووقفنا أمامها ما شاء الله أن نقف . . بينما سورة الأنعام تتخذ هذا المنهج , وتسلك ذلك الطريق . . نجد سورة الأعراف - وهي تعالج موضوع العقيدة كذلك - تأخذ طريقاً آخر , وتعرض موضوعها في مجال آخر . . إنها تعرضه في مجال التاريخ البشري . . في مجال رحلة البشرية كلها مبتدئة بالجنة والملأ الأعلى , وعائدة إلى النقطة التي انطلقت منها . . وفي هذا المدى المتطاول تعرض "موكب الإيمان" من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - [ ص ] - تعرض هذا الموكب الكريم يحمل هذه العقيدة ويمضي بها على مدار التاريخ . يواجه بها البشرية جيلاً بعد جيل , وقبيلاً بعد قبيل . . ويرسم سياق السورة في تتابعه:كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى ? كيف خاطبها هذا الموكب وكيف جاوبته ? كيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى الله ? وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة . .
إنها رحلة طويلة طويلة . . ولكن السورة تقطعها مرحلة مرحلة , وتقف منها عند معظم المعالم البارزة , في الطريق المرسوم . ملامحه واضحة , ومعالمه قائمة , ومبدؤه معلوم , ونهايته مرسومة . . والبشرية تخطو فيه بجموعها الحاشدة . ثم تقطعه راجعة . . إلى حيث بدأت رحلتها في الملأ الأعلى . .
لقد انطلقت هذه البشرية من نقطة البدء , ممثلة في شخصين اثنين . . آدم وزوجه . . أبوي البشر . . وانطلق معهما الشيطان . مأذونا من الله في غوايتهما وغواية ذراريهما ومأخوذاً عليهما عهد الله وعلى ذراريهما كذلك . ومبتلي كلاهما وذراريهما معهما بقدر من الاختيار ; ليأخذوا عهد الله بقوة أو ليركنوا إلى الشيطان عدوهم وعدو أبويهم الذي أخرجهما من الجنة ; وليسمعوا الآيات التي يحملها إليهم ذلك الرهط الكريم من الرسل على مدار التاريخ , أو يسمعوا غواية الشيطان الذي لا يني يجلب عليهم بخيله ورجله , ويأتيهم عن أيمانهم وعن شمائلهم !
انطلقت البشرية من هناك . . من عند ربها سبحانه . . انطلقت إلى الأرض . تعمل وتسعى , وتكد وتشقى , وتصلح وتفسد , وتعمر وتخرب , وتتنافس وتتقاتل , وتكدح الكدح الذي لا ينجو منه شقي ولا سعيد . . ثم ها هي ذي تؤوب ! ها هي ذي راجعة إلى ربها الذي أطلقها في هذا المجال . . ها هي ذي تحمل ما كسبت
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:56 pm

طوال الرحلة المرسومة . . من ورد وشوك . ومن غال ورخيص , ومن ثمين وزهيد , ومن خير وشر , ومن حسنات وسيئات . ها هي ذي تعود في أصيل اليوم . . فقد انطلقت في مطلعه ! . . وها نحن أولاء نلمحها من خلال السياق في السورة موقورة الظهور بالأحمال - أيا كانت هذه الأحمال - ها هي ذي عائدة إلى ربها بما معها . تظلع في الطريق , وقد بلغ منها الجهد وأضناها المسير . حتى إذا عادت إلى نقطة المنطلق وضع كل منها حمله أمام الميزان , ووقف يرتقب في خشية ووجل . . إن كل فرد قد عاد بحصيلته فرداً . . وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ! وكل فرد على حدة يلاقي حسابه , ويلقى جزاءه . . ويظل سياق السورة يتابع أفواج البشرية , فوجاً فوجاً . إلى جنة أو إلى نار . حتى تغلق الأبواب التي فتحت لاستقبال المغتربين العائدين . فقد كانوا هنالك في هذه الأرض مغتربينSadكمابدأكم تعودون . فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة , إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله , ويحسبون أنهم مهتدون). .
وبين الغدو والرواح تعرض معارك الحق والباطل . معارك الهدى والضلال . معارك الرهط الكريم من الرسل والموكب الكريم من المؤمنين , مع الملأ المستكبرين والأتباع المستخفين . ويعرض الصراع المتكرر ; والمصائر المتشابهة . وتتجلي صحائف الإيمان في إشراقها ووضاءتها ; وصحائف الضلال في انطماسها وعتامتها . وتعرض مصارع المكذبين بين الحين والحين . حيث يقف السياق عليها للتذكير والتحذير . . وهذه الوقفات تجيء وفق نظام ملحوظ في سياق السورة . فبعد كل مرحلة هامة يبدو كما لو كان السياق يتوقف عندها ليقول كلمة ! كلمة تعقيب . للإنذار والتذكير . . ثم يمضي .
إنها قصة البشرية بجملتها في رحلتها ذهاباً وإياباً . تتمثل فيها حركة هذه العقيدة في تاريخ البشرية , ونتائج هذه الحركة في مداها المتطاول . . حتى تنتهي إلى غايتها الأخيرة في نقطة المنطلق الأولى . . وهي وجهة أخرى في عرض موضوع العقيدة غير وجهة سورة الأنعام - وإن تلاقت السورتان أحيانا في عرض مشاهد المكذبين وعرض مشاهد القيامة ومشاهد الوجود - وهو مجال آخر للعرض غير مجال الأنعام , واضح التميز , مختلف الحدود .
ذلك إلى طبيعة التعبير في السورتين . فالتعبير في كل سورة يناسب منهجها في عرض الموضوع . وبينما يمضي السياق في الأنعام في موجات متدافعة ; وبينما تبلغ المشاهد دائما درجة اللألاء والتوهج والالتماع , وتبلغ الإيقاعات درجة الرنين والسرعة القاصفة والاندفاع . . إذا السياق في الأعراف يمضي هادئ الخطو , سهل الإيقاع , تقريري الأسلوب . وكأنما هو الوصف المصاحب للقافلة في سيرها المديد , خطوة خطوة , ومرحلة مرحلة , حتى تؤوب ! وقد يشتد الإيقاع أحياناً في مواقف التعقيب ; ولكنه سرعان ما يعود إلى الخطو الوئيد الرتيب !
. . وهما - بعد - سورتان مكيتان من القرآن . . !!!
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:56 pm

ولعله يحسن هنا أن نستعرض منهج السورة في معالجة موضوع العقيدة في صورة حركة لهذه العقيدة في تيار التاريخ البشري . .
إن السورة لا تعرض قصة هذه العقيدة في التاريخ البشري , ولا تعرض رحلة البشرية منذ نشأتها الأولى إلى عودتها الأخيرة . . مجرد عرض في أسلوب قصصي . . إنما هي تعرضها في صورة معركة مع الجاهلية . . ومن ثم فإنها تعرضها في مشاهد ومواقف ; وتواجه بهذه المشاهد والمواقف ناساً أحياء كانوا يواجهون هذا القرآن ; فيواجههم هذا القرآن بتلك القصة الطويلة ; ويخاطبهم بما فيها من عبر ; مذكرا ومنذرا ; ويخوض معهم معركة حقيقية حية . . ومن ثم تجيء التعقيبات في السياق عقب كل مرحلة أساسية ; موجهة لأولئك الأحياء الذين كان القرآن يخوض معهم المعركة ; وموجهة كذلك إلى أمثالهم ممن يتخذون موقفهم على مدار التاريخ .
إن القرآن لا يقص قصة إلا ليواجه بها حالة . ولا يقرر حقيقة إلا ليغير بها باطلا . . إنه يتحرك حركة واقعية حية في وسط واقعي حي . إنه لا يقرر حقائقه للنظر المجرد , ولا يقص قصصه لمجرد المتاع الفني !
ويركز السياق على التذكير والإنذار في وقفاته للتعقيب . كما يركز على نقطة الانطلاق , وعلى نقطة المآب . وبينهما يمر بقصص قوم نوح , وقوم هود , وقوم صالح , وقوم لوط , وقوم شعيب . ثم يركز تركيزاً شديداً على قصة قوم موسى .
وفي هذه التقدمة للسورة لا نملك إلا أن نعرض نماذج مجملة لمواضع التركيز في السورة:
تبدأ السورة على هذا النحو:
آلمص . كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به , وذكرى للمؤمنين . اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء . قليلا ما تذكرون . .
فهي منذ اللحظة الأولى خطاب لرسول الله [ ص ] وخطاب لقومه الذين يجاهدهم بهذا القرآن . . وكل ما يجيء في السورة بعد ذلك من قصص , ومن وصف لرحلة البشرية الطويلة , وعودتها من الرحلة المرسومة , وكل ما يعرض من مشاهد في صفحة الكون وفي يوم القيامة . . إنما هو خطاب غير مباشر , - وأحيانا مباشر - للنبي [ ص ] وقومه للإنذار والتذكير , كما يشير هذا المطلع القصير .
وقول الله - سبحانه - لرسوله [ ص ]:
(كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:57 pm

يصور حالة واقعية لا يمكن أن يدركها اليوم إلا الذي يعيش في جاهلية وهو يدعو إلى الإسلام ; ويعلم أنه إنما يستهدف أمراً هائلاً ثقيلاً , دونه صعاب جسام . . يستهدف إنشاء عقيدة وتصور , وقيم وموازين , وأوضاع وأحوال مغايرة تمام المغايرة لما هو كائن في دنيا الناس . ويجد من رواسب الجاهلية في النفوس , ومن تصورات الجاهلية في العقول , ومن قيم الجاهلية في الحياة , ومن ضغوطها في الأوضاع والأعصاب , ما يحس معه أن كلمة الحقيقة التي يحملها , غريبة على البيئة , ثقيلة على النفوس ; مستنكرة في القلوب . . كلمة ذات تكاليف بقدر ما تعنيه من الانقلاب الكامل لكل ما يعهده الناس في جاهليتهم من التصورات والأفكار , والقيم والموازين , والشرائع والقوانين , والعادات والتقاليد , والأوضاع والارتباطات . . ومن ثم يجد في صدره هذا الحرج من مواجهة الناس بذلك الحق الثقيل , الحرج الذي يدعو الله - سبحانه - نبيه [ ص ] ألا يكون في صدره من هذا الكتاب شيء منه ; وأن يمضي به ينذر ويذكر ; ولا يحفل ما تواجهه كلمة الحق من دهشة واستنكار , ومن مقاومة كذلك وحرب وعناء . .
ولأن الأمر كذلك من الثقل ومن الغرابة ومن النفرة ومن المقاومة لهذا التغيير الكامل الشامل الذي تستهدفه هذه العقيدة في حياة الناس وتصوراتهم , فإن السياق يباكر القوم بالتهديد القاصم , ويذكرهم بمصائر المكذبين , ويعرض عليهم مصارع الغابرين . . جملة قبل أن يأخذ في القصص المفصل عنهم في مواضعه من السياق:
وكم من قرية أهلكناها , فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون . فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا:إنا كنا ظالمين . فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين . والوزن يومئذ الحق , فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون . .
وبعد هذه المقدمة تبدأ القصة . . تبدأ بالحديث عن التمكين للجنس البشري في الأرض . . وذلك بما أودع الله هذا الكون من خصائص وموافقات تسمح بحياة هذا الجنس وتمكينه في الأرض . وبما أودع الله هذا الجنس من خصائص وموافقات متوافقة مع الكون ; ومن قدرة على التعرف إلى نواميسه واستخدامها ;والانتفاع بطاقاته ومقدراته ومدخراته وأقواته:
(ولقد مكناكم في الأرض , وجعلنا لكم فيها معايش . قليلا ما تشكرون). .
وليس هذا إلا التمهيد لعرض قصة النشأة الأولى , وتصوير نقطة الانطلاق التي بدأت منها البشرية رحلتها المرسومة . والسياق يركز في هذه السورة على هذه النقطة ; ويعرض قصة النشأة , ويتخذها كذلك نقطة تعقيب للإنذار والتذكير , المستمدين مما في مشاهدها وأحداثها من عظات موحية , ومؤثرات عميقة:
ولقد خلقناكم ثم صورنا كم , ثم قلنا للملائكة:اسجدوا لآدم , فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال:ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ? قال:أنا خير منه , خلقتني من نار وخلقته من طين . قال:فاهبط منها , فما يكون
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:57 pm

لك أن تتكبر فيها , فاخرج إنك من الصاغرين . قال:أنظرني إلى يوم يبعثون . قال:إنك من المنظرين . قال:فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم , ولا تجد أكثرهم شاكرين . قال:اخرج منها مذؤوماً مدحوراً , لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين . . ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة , فكلا من حيث شئتما , ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . . فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما , وقال:ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين . وقاسمهما:إني لكما لمن الناصحين . فدلاهما بغرور , فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما , وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة , وناداهما ربهما:ألم أنهكما عن تلكما الشجرة , وأقل لكما:إن الشيطان لكما عدو مبين ? قالا:ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . قال:اهبطوا بعضكم لبعض عدو ; ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين . قال:فيها تحيون , وفيها تموتون , ومنها تخرجون . .
وبهذا المشهد في نقطة الانطلاق يتحدد مصير الرحلة كلها , ومصائر المرتحلين جميعا . . وتلوح طلائع المعركة الكبرى التي لا تهدأ لحظة طوال الرحلة , بين هذا العدو الجاهر بالعداوة , وبني آدم جميعا . كما تلوح نقط الضعف في الكائن الإنساني جملة , ومنافذ الشيطان إليه منها .
ومن ثم يتخذ السياق من المشهد مناسبة للتعقيب الطويل , بالإنذار والتحذير . . تحذير بني آدم مما جرى لأبويهم من هذا العدو العنيد . . وفي ظل هذا المشهد الذي يقف فيه الشيطان وجها لوجه مع آدم وزوجه أبوي البشر . وفي ظل النتيجة التي انتهى إليها الشوط الأول في المعركة يتوجه السياق بالخطاب إلى بني آدم , يذكرهم وينذرهم , ويحذرهم مصيراً كهذا المصير:
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً , ولباس التقوى ذلك خير , ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون . . يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة , ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما , إنه يراكم هو وقبيلة من حيث لا ترونهم , إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون . .
(يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). .
ولا بد أن نلحظ أن مشهد العري بعد ارتكاب المحظور , والخصف من ورق الجنة ; ثم هذا التعقيب بتذكير بني آدم بنعمة الله في إنزال اللباس الذي يواري سوآتهم والرياش الذي يتزينون به , وتحذيرهم من فتنة الشيطان لهم لينزع عنهم لباسهم وريشهم كما نزعه عن أبويهم . . لا بد أن نلحظ أن ذكر هذه الحلقة من القصة والتعقيب عليها على هذا النحو إنما يواجه حالة واقعة في المجتمع الجاهلي العربي المشرك . حيث كانواتحت تأثير أساطير وتقاليد معينة يطوفون بالبيت عرايا , ويحرمون أنواعاً من الثياب , وأنواعا من الطعام في فترة الحج . ويزعمون أن هذا من شرع الله , وأن الله قد حرم عليهم هذا الذي يحرمونه على
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:58 pm

أنفسهم . . ومن ثم يجيء في استعراض قصة البشرية , وفي التعقيب عليها ما يناسب ويواجه هذه الحالة الواقعية في الجاهلية . . وفي كل جاهلية في الحقيقة . . أليست سمة كل جاهلية هي التعري والكشف وقلة الحياء من الله وقلة التقوى ?
وهذا يدلنا على سمة من سمات المنهج القرآني جديرة بالتأمل . . إنه حتى القصص في القرآن لا يسرد إلا لمواجهة حالة واقعة بالفعل . ولأنه يواجه - في كل مرة - حالة معينة , فإن الحقيقة التي تذكر منه والحلقة التي تعرض في موضع من المواضع , تعرض بقدر الحالة الواقعة التي يواجهها النص حينذاك وفي جوها . .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه عن المنهج القرآني في التعريف بسورة الأنعام - في الجزء السابع - يكون قاعدة هامة . . هي أن المنهج القرآني لا يعرض شيئاً لا تستدعيه حالة واقعة . . إنه لا يعرف اختزان المعلومات والأحكام - ولا حتى القصص - إلى أن يجيء وقت الحاجة الواقعة إليها . .
والآن - وقبل أن تنطلق القافلة في طريقها , وقبل أن يواجهها الرسل بالهدى , وقبل أن يفصل السياق كيف تحركت العقيدة مع التاريخ البشري بعد آدم وزوجه وتجربتهما الأولى . . الآن يبادر بتصوير مشهد النهاية , نهاية المرحلة الكبرى , وذلك على طريقة القرآن الغالبة في عرض الرحلة بشطريها في دار الابتلاء وفي دار الجزاء , كأنما هي رحلة متصلة ممدودة .
وهنا نجد أطول مشهد من مشاهد القيامة , وأكثرها تفصيلاً , وأحفلها بالمناظر المتتابعة والحوار المتنوع . . وموقعه في السورة تعقيباً على قصة آدم وخروجه من الجنة بإغواء إبليس له ولزوجه ; وتحذير الله لأبنائه أن يفتنهم الشيطان كما أخرج أبويهم من الجنة ; وإخبارهم بأنه سيرسل إليهم رسلاً يقصون عليهم آياته . . موقعه كذلك يجعله مصداقاً لما ينبى ء به أولئك الرسل . فإذا الذين أطاعوا الشيطان قد حرموا العودة إلى الجنة , وفتنوا عنها كما أخرج الشيطان أبويهم منها ; وإذا الذين خالفوا الشيطان وأطاعوا الله قد ردوا إلى الجنة , ونودوا: (أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون). . فعاد المغتربون إلى دار النعيم !!!
والمشهد طويل لا نملك إثباته هنا في هذا التعريف المجمل وسنواجهه فيما بعد بالتفصيل .
والسياق يتخذ من هذا المشهد مناسبة للتعقيب بالإنذار والتذكير , وتحذير الذين يواجهون القرآن بالتكذيب , ويطلبون الخوارق لتصديقه , من سوء المصير:
(ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم , هدى ورحمة لقوم يؤمنون . هل ينظرون إلا تأويله ? يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل:قد جاءت رسل ربنا بالحق . فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا , أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ? قد خسروا أنفسهم , وضل عنهم ما كانوا يفترون). .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:59 pm

وبعد تلك الرحلة الواسعة الآماد , من المنشأ إلى المعاد , يقف السياق ليعقب عليها , مقرراً "حقيقة الألوهية " و"حقيقة الربوبية " في مشاهد كونية ; تشهد بهذه الحقيقة ; على طريقة القرآن في جعل هذا الكون كله مجالاً تتجلى فيه هذه الحقيقة بآثارها المبدعة , العميقة الإيحاء للقلب البشري حين يستقبلها بالحسالمفتوح والبصيرة المستنيرة . وهدف هذه الرحلة الأساسي في مشاهد الكون وأسراره هو تجلية الحقيقة الاعتقادية الأساسية:وهي أن هذا الكون بجملته يدين بالعبودية لله وحده , فالله هو ربه وحاكمه . فأولى بالإنسان أن لا يكون نشازاً في لحن الوجود المؤمن ; وألا يشذ عن العبودية لرب هذا الكون الذي له الخلق والأمر . . وهو رب العالمين . .
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام , ثم استوى على العرش , يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً , والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره . ألا له الخلق والأمر , تبارك الله رب العالمين . ادعوا ربكم تضرعاً وخفية . إنه لا يحب المعتدين . ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها , وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين . وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته , حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت , فأنزلنا به الماء ; فأخرجنا به من كل الثمرات . كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون . والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه , والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون .
والآن تمضي الرحلة , وتجري القصة , ويبرز الموكب الإيماني الجليل , يهتف بالبشرية الضالة , يذكرها وينذرها , ويحذرها سوء المصير . والبشرية الضالة تلوي وتعاند , وتواجه الدعوة الخيرة بالعناد والتمرد ; ثم بالطغيان والبطش . . ويتولى الله سبحانه المعركة بعد أن يؤدي الرسل واجبهم من التذكير والإنذار , فيقابلوا من قومهم بالتكذيب والإعراض , ثم بالبطش والإيذاء . وبعد أن يفاصلوا قومهم على العقيدة , ويختاروا الله وحده ويدعوا له الأمر كله .
ويعرض السياق قصة نوح , وقصة هود , وقصة صالح وقصة لوط , وقصة شعيب . . مع أقوامهم , وهم يعرضون عليهم حقيقة واحدة لا تتبدل: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). . ويجادلهم قومهم في إفراد الله سبحانه بالألوهية , ويستنكرون أن تكون لله وحده الربوبية . كما يجادلونهم في إرسال الله بشراً من الناس بالرسالة ! ويجادل بعضهم في أن يتعرض الدين لشؤون الحياة الدنيا , ويتحكم في التعاملات المالية والتجارية ! - وذلك كما يحاول اليوم ناس من الجاهلية الحاضرة في هذه القضية بعينها بعد عشرات القرون , ويسمون هذا الجدل الجاهلي القديم تحرراً "وتقدمية " ! - ويعرض السياق مصارع المكذبين في نهاية كل قصة .
ويلحظ المتتبع لسياق القصص كله في السورة أن كل رسول يقول لقومه قولة واحدة: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). ويتقدم لهم بالحقيقة التي استحفظه عليها ربه تقدم الناصح المخلص , المشفق على قومه مما يراه من العاقبة التي تتربص بهم وهم عنها غافلون . ولكنهم لا يقدرون نصح رسولهم لهم ; ولا يتدبرون عاقبة أمرهم , ولا يستشعرون عمق الإخلاص الذي يحمله قلب الرسول , وعمق التجرد من كل مصلحة , وعمق الإحساس بضخامة التبعة . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:59 pm

ويكفي أن نثبت هنا ما ورد عن قصة نوح - أول القصص - وما ورد عن قصة شعيب , آخر هذه الجملة من القصص , التي يقف السياق بعدها للتعقيب:
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه , فقال:يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره , إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين . قال:يا قوم ليس بي ضلالة , ولكني رسول من رب العالمين . أبلّغكم رسالات ربي , وأنصح لكم , وأعلم من الله ما لا تعلمون . أو عجبتم أن جاءكم ذكرمن ربكم على رجل منكم لينذركم , ولتتقوا , ولعلكم ترحمون ? فكذبوه , فأنجيناه والذين معه في الفلك , وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا , إنهم كانوا قوما عمين). . .
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال:يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . قد جاءتكم بينة من ربكم , فأوفوا الكيل والميزان , ولا تبخسوا الناس أشياءهم , ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها . ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين . ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به , وتبغونها عوجا , واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم , وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين . وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا , وهو خير الحاكمين , قال الملأ الذين استكبروا من قومه:لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا . قال:أو لو كنا كارهين ? قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها , وما يكون لنا أن نعود فيها - إلا أن يشاء الله ربنا , وسع ربنا كل شيء علماً - على الله توكلنا . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . وقال الملأ الذين كفروا من قومه:لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون . فأخذتهم الرجفة , فأصبحوا في دارهم جاثمين . الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها . الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين . فتولى عنهم وقال:يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي , ونصحت لكم , فكيف آسى على قوم كافرين ? . .
ويمثل هذان النموذجان بقية القصص بينهما . سواء في تصوير حقيقة العقيدة الواحدة التي أرسل الله بها رسله جميعاً لأبناء آدم - كل في قومه - أو في تلقي الملأ المستكبرين والأتباع المستضعفين لهذه الحقيقة . أو في وضوح هذه العقيدة وحسمها في نفوس الرسل وأتباعهم . أو في روح النصح والرغبة في هداية قومهم . . ثم في مفاصلتهم لأقوامهم عندما يتبين لهم عنادهم وإصرارهم الأخير ثم في إدارة الله - سبحانه للمعركة , وأخذ المكذبين بعد مفاصلة رسلهم لهم , والانتهاء من إنذارهم وتذكيرهم . وعتو المكذبين وإصرارهم على ما هم فيه .
وهنا يقف السياق وقفة للتعقيب . يبين فيها سنة الله في تعامل قدر الله مع الناس حين تجيئهم الرسالة فيكذبون . إذ يأخذهم أولا بالضراء والبأساء , لعل هذا يهز قلوبهم الغافية فتستيقظ وتستجيب . فإذا لم تهزهم يد البأس وكلهم إلى الرخاء - وهو أشد فتنة من البأس - حتى تلتبس عليهم سنة الله , ولا ينتبهوا لها . ثم يأخذهم بعد ذلك بغتة وهم لا يشعرون ! . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:59 pm

وبعد بيان هذه السنة يهز قلوبهم بالخطر الذي يتهددهم في غفلاتهم . فمن يدريهم أن قدر الله يتربص بهم , ليجري فيهم سنته تلك ? أفلا تهديهم مصارع الغابرين , وهم في ديارهم يسكنون ?
وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرّعون . ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا , وقالوا:قد مس آباءنا الضراء والسراء ! فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون . ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض , ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون . أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون ? أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ? أفأمنوا مكر الله ? فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون . أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم , ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون . . تلك القرى نقص عليك من أنبائها , ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات , فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل , كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين . وما وجدنا لأكثرهم من عهد , وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين . .
بعد ذلك يعرض السياق قصة موسى مع فرعون وملئه , ومع قومه بني إسرائيل:وتستغرق القصة أكبر مساحة استغرقتها في سورة قرآنية ; وتعرض منها حلقات شتى ; ويقف السياق عند بعض الحلقات للتعقيب ; كما يقف في نهايتها لتعقيب طويل حتى نهاية السورة .
ولقد وردت حلقات من قصة موسى - عليه السلام - قبل ذلك - حسب ترتيب النزول - في سور:المزمل , والفجر , و ق , والقمر . . وكلها إشارات قصيرة . وهذه أول سورة بعد تلك السور تجيء فيها هذه الحلقات الطويلة , في هذه المساحة العريضة . .
وقد شملت حلقة مواجهة فرعون بحقيقة العقيدة . وحلقة التحدي والسحرة - وهما كثيرتا الورود في السور الأخرى - وحلقة أخذ آل فرعون بالسنين والآفات وإرسال الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم - التي لم تفصل إلا في هذه السورة - وحلقة إغراق فرعون والملأ من قومه . . ثم استمر السياق مع بني إسرائيل . وطلبهم من موسى أن يجعل لهم إلهاً - صنما - كالقوم الذين مروا عليهم بعد نجاتهم من فرعون وتجاوزهم للبحر ! وحلقة ميقاته مع ربه وطلبه رؤيته ودك الجبل وصعقه وتنزيل الألواح عليه . وحلقة اتخاذ قومه للعجل في غيبته . وحلقة الميقات الثاني مع السبعين من قوم موسى وأخذ الصاعقة لهم حين قالوا:لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . وحلقة عصيانهم في دخول القرية وفي صيد السمك يوم السبت ! وحلقة نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة . . وكلها معروضة بتفصيل واسع , مما جعل القصة تستغرق حزباً كاملاً من السورة .
وفي موقف من مواقف القصة يُدخل السياق الرسالة النبوية الأخيرة ويصف طبيعتها وحقيقتها . وذلك عندما دعا موسى - عليه السلام - ربه في شأن من صعقوا من قومه ; واستنزل رحمته - سبحانه - على هذا النحو الذي يتداخل فيه القصص لتأدية غرض المعركة التي يخوضها القرآن فعلاً:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 8:59 pm

واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا , فلما أخذتهم الرجفة , قال:رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي , أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ? إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء , أنت ولينا , فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين . واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة , إنا هدنا إليك . قال:عذابي أصيب به من أشاء , ورحمتي وسعت كل شيء , فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة . والذين هم بآياتنا يؤمنون:الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل , يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث , ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم . فالذين آمنوا به وعزروه , ونصروه , واتبعوا النور الذي أنزل معه , أولئك هم المفلحون).
وفي ظل هذا النبأ الصادق من الله , والوعد السابق برسالة النبي الأمي , يأمر الله النبي أن يعلن طبيعة رسالته , وحقيقة دعوته , وحقيقة ربه الذي أرسله , والأصل الاعتقادي الواحد الذي جاء به الرسل جميعاً من قبله:
(قل:يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت , فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته , واتبعوه لعلكم تهتدون). .
ثم تواصل القصة سيرها بعد هذه الوقفة , إلى موقف العهد ونتق الجبل وأخذ الميثاق . وفي ظل مشهد الميثاق والعهد على بني إسرائيل يذكر العهد المأخوذ على فطرة البشر أجمعين:
(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم:ألست بربكم ? قالوا:بلى شهدنا ! أن تقولوا يوم القيامة:إنا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا:إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم , أفتهلكنا بما فعل المبطلون ?). .
ويمضي السياق بعد ذلك في تعقيبات منوعة , يعرض في أحدها بعد مشهد العهد الفطري مباشرة , مشهد الذي آتاه الله آياته ثم انسلخ منها - كبني إسرائيل وككل من يؤتيه الله آياته ثم ينسلخ منها ! - وهو مشهد يذكرنا بصوره وحركته وإيقاعه والتعقيب عليه بمشاهد سورة الأنعام وجوها كذلك:
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها , فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها , ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه , فمثله كمثل الكلب:إن تحمل عليه يلهث , أو تتركه يلهث ! ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ; فاقصص القصص لعلهم يتفكرون . ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون . من يهد الله فهو المهتدي , ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون . ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس , لهم قلوب لايفقهون بها , ولهم أعين لا يبصرون بها , ولهم آذان لا يسمعون بها , أولئك كالأنعام بل هم أضل , أولئك هم الغافلون . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:00 pm

ثم يمضي السياق يتحدث عن مسائل العقيدة حديثاً مباشراً . ويعرض مع الحديث بعض المؤثرات من المشاهد الكونية ومن التحذير من بأس الله وأخذه ; ومن لمس قلوبهم ليتفكروا ويتدبروا في شأن الرسول ورسالته . . .
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها , وذروا الذين يلحدون في أسمائه , سيجزون ما كانوا يعملون . وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون . والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم , إن كيدي متين . أو لم يتفكروا ? ما بصاحبهم من جنة , إن هو إلا نذير مبين . أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض , وما خلق الله من شيء , وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ? فبأي حديث بعده يؤمنون ? من يضلل الله فلا هادي له , ويذرهم في طغيانهم يعمهون . .
ثم يأمر الله رسوله [ ص ] أن يعلمهم طبيعة الرسالة وحدود الرسول فيها . وذلك بمناسبة سؤالهم له عن تحديد موعد القيامة التي يخوفهم بها !
(يسألونك عن الساعة أيان مرساها ?! قل:إنما علمها عند ربي , لا يجليها لوقتها إلا هو , ثقلت في السماوات والأرض , لا تأتيكم إلا بغتة . يسألونك كأنك حفي عنها ! قل:إنما علمها عند الله , ولكن أكثر الناس لا يعلمون . قل:لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً - إلا ما شاء الله - ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء . إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون). .
ثم يصور لهم كيف تنحرف النفس - التي أخذ الله عليها العهد الذي أسلفنا - عن التوحيد الذي أقرت به فطرتها ; ويستنكر تصورات الشرك ومعبوداته ; ويوجه رسوله [ ص ] في نهاية هذه الفقرة إلى تحديهم وتحدي آلهتهم العاجزة:
(قل:ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تُنظرون . إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين .والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون . وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا , وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون). .
ومن هنا إلى ختام السورة يتجه السياق إلى خطاب رسول الله [ ص ] كما كان افتتاحها خطاباً له - كيف يعامل الناس ? كيف يمضي بهذه الدعوة ? كيف يستعين على متاعب الطريق ? كيف يكظم غضبه وهو يعاني من نفوس الناس وكيدهم ? كيف يستمع هو والمؤمنون معه لهذا القرآن ? كيف يذكر ربه ويبقى موصولا به ? كما يذكره من عنده في الملأ الأعلى - سبحانه -:
خذ العفو , وأمر بالعرف , وأعرض عن الجاهلين . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه سميع عليم ; إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون . وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون . وإذا لم تأتهم بآية قالوا:لولا اجتبيتها ! قل:إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي . هذا بصائر من
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:00 pm

ربكم , وهدى ورحمة لقوم يؤمنون . وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون . واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين . . إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته , ويسبحونه , وله يسجدون . .
ولعل هذا التلخيص , وهذه المقتطفات الكثيرة من السورة , أن تصور ملامحها الخاصة ; وتميزها عن أختها سورة الأنعام في هذه الملامح . وفي منهج العرض . مع معالجة موضوع واحد . . موضوع العقيدة . .
وقد أرجأنا كل تفسير للنصوص , وكل تفصيل للموضوع الذي تحمله , إلى المواجهة التفصيلية .
. . فعلى بركة الله نمضي
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة الاولى 1 - 9 الدرس الأول:1 - 2 عدم الحرج من الإنذار بالقرآن
(آلمص). . ألف . لام . ميم . صاد . .
هذا المطلع من الحروف المقطعة سبق الكلام عن نظائره في أول سورة البقرة وفي أول سورة آل عمران . وقد اخترنا في تفسيرها الرأي القائل , بأنها حروف مقطعة يشير بها إلى أن هذا القرآن مؤلف من جنس هذه الأحرف العربية التي يستخدمها البشر , ثم يعجزهم أن يؤلفوا منها كلاماً كهذا القرآن . وأن هذا بذاته برهان أن هذا القرآن ليس من صنع البشر , فقد كانت أمامهم الأحرف والكلمات التي صيغ منها , فلم يستطيعوا أن يصوغوا منها قرآنا مثله . فلا بد من سر آخر وراء الأحرف والكلمات . . وهو رأي نختاره على وجه الترجيح لا الجزم . والله أعلم بمراده .
وعلى ذلك يصح القول بأن(المص)مبتدأ خبره: (كتاب أنزل إليك). . بمعنى أن هذه الأحرف وما تألف منها هي الكتاب . . كما يصح القول بأن(المص)مجرد إشارة للتنبيه على ذلك المعنى الذي رجحناه . و(كتاب)خبر مبتدأ محذوف تقديره:هو كتاب:أو هذا كتاب . .
(كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به , وذكرى للمؤمنين). .
كتاب أنزل إليك للإنذار به والتذكير . . كتاب للصدع بما فيه من الحق ولمواجهة الناس بما لا يحبون ; ولمجابهة عقائد وتقاليد وارتباطات ; ولمعارضة نظم وأوضاع ومجتمعات . فالحرج في طريقه كثير , والمشقة في الإنذار به قائمة . . لا يدرك ذلك - كما قلنا في التعريف بالسورة - إلا من يقف بهذا الكتاب هذا الموقف ;
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:00 pm

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3)
وإلا من يعاني من الصدع به هذه المعاناة ; وإلا من يستهدف من التغيير الكامل الشامل في قواعد الحياة البشرية وجذورها , وفي مظاهرها وفروعها , ما كان يستهدفه حامل هذا الكتاب أول مرة [ ص ] ليواجه به الجاهلية الطاغية في الجزيرة العربية وفي الأرض كلها . .
وهذا الموقف ليس مقصوراً على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك , وما كان في الأرض من حولها . . إن الإسلام ليس حادثاً تاريخياً , وقع مرة , ثم مضى التاريخ وخلفة وراءه ! . . إن الإسلام مواجهة دائمة لهذه البشرية إلى يوم القيامة . . وهو يواجهها كما واجهها أول مرة , كلما انحرفت هي وارتدت إلى مثل ما كانت فيه أول مرة ! . . إن البشرية تنتكس بين فترة وأخرى وترجع إلى جاهليتها - وهذه هي "الرجعية " البائسة المرذولة - وعندئذ يتقدم الإسلام مرة أخرى ليؤدي دوره في انتشالها من هذه "الرجعية " مرة أخرى كذلك ; والأخذ بيدها في طريق التقدم والحضارة ; ويتعرض حامل دعوته والمنذر بكتابه للحرج الذي تعرض له الداعية الأول [ ص ] وهو يواجه البشرية بغير ما استكانت إليه من الارتكاس في وحل الجاهلية ; والغيبوبة في ظلامها الطاغي ! ظلام التصورات . وظلام الشهوات . وظلام الطغيان والذل . وظلام العبودية للهوى الذاتي ولأهواء العبيد أيضاً ! ويتذوق من يتعرض لمثل هذا الحرج , وهو يتحرك لاستنقاذ البشرية من مستنقع الجاهلية , طعم هذا التوجيه الإلهي للنبي [ ص ]:
(كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به وذكرى للمؤمنين). .
ويعلم - من طبيعة الواقع - من هم المؤمنون الذين لهم الذكرى , ومن هم غير المؤمنين الذين لهم الإنذار . ويعود هذا القرآن عنده كتابا حيا يتنزل اللحظة , في مواجهة واقع يجاهده هو بهذا القرآن جهاداً كبيراً . .
والبشرية اليوم في موقف كهذا الذي كانت فيه يوم جاءها محمد رسول الله [ ص ] بهذا الكتاب , مأموراً من ربه أن ينذر به ويذكر ; وألا يكون في صدره حرج منه , وهو يواجه الجاهلية , ويستهدف تغييرها من الجذور والأعماق . .
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين , وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر , والسطوح والأعماق !
انتكست البشرية في تصوراتها الاعتقادية ابتداء - حتى الذين كان آباؤهم وأجدادهم من المؤمنين بهذا الدين , المسلمين لله المخلصين له الدين - فإن صورة العقيدة قد مسخت في تصورهم ومفهومهم لها في الأعماق . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:01 pm

لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم , وليقيم عالماً آخر , يقر فيه سلطان الله وحده , ويبطل سلطان الطواغيت . عالماً يعبد فيه الله وحده - بمعني "العبادة " الشامل - ولا يعبد معه أحد من العبيد . عالماً يخرج الله فيه - من شاء - من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . عالماً يولد فيه "الإنسان" الحر الكريم النظيف . . المتحرر من شهوته وهواه , تحرره من العبودية لغير الله .
جاء هذا الدين ليقيم قاعدة:"أشهد أن لا إله إلا الله" التي جاء بها كل نبي إلى قومه على مدار التاريخ البشري - كما تقرر هذه السورة وغيرها من سور القرآن الكريم - وشهادة أن لا إله إلا الله ليس لها مدلولإلا أن تكون الحاكمية العليا لله في حياة البشر , كما أن له الحاكمية العليا في نظام الكون سواء . فهو المتحكم في الكون والعباد بقضائه وقدره , وهو المتحكم في حياة العباد بمنهجه وشريعته . . وبناء على هذه القاعدة لا يعتقد المسلم أن لله شريكاً في خلق الكون وتدبيره وتصريفه ; ولا يتقدم المسلم بالشعائر التعبدية إلاّ لله وحده . ولا يتلقى الشرائع والقوانين , والقيم والموازين , والعقائد والتصورات إلا من الله , ولا يسمح لطاغوت من العبيد أن يدعي حق الحاكمية في شيء من هذا كله مع الله .
هذه هي قاعدة هذا الدين من ناحية الاعتقاد . . فأين منها البشرية كلها اليوم ?
إن البشرية تنقسم شيعاً كلها جاهلية .
شيعة ملحدة تنكر وجود الله أصلا وهم الملحدون . . فأمرهم ظاهر لا يحتاج إلى بيان !
وشيعة وثنية تعترف بوجود إله , ولكنها تشرك من دونه آلهة أخرى وأرباباً كثيرة . كما في الهند , وفي أواسط إفريقية , وفي أجزاء متفرقة من العالم .
وشيعة "أهل كتاب" من اليهود والنصارى . وهؤلاء أشركوا قديماً بنسبة الولد إلى الله . كما أشركوا باتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله - لأنهم قبلوا منهم ادعاء حق الحاكمية وقبلوا منهم الشرائع . وإن كانوا لم يصلوا لهم ولم يسجدوا ولم يركعوا أصلاً ! . . ثم هم اليوم يقصون حاكمية الله بجملتها من حياتهم ويقيمون لأنفسهم أنظمة يسمونها "الرأسمالية " و "الاشتراكية " . . وما إليها . ويقيمون لأنفسهم أوضاعاً للحكم يسمونها "الديمقراطية " و"الديكتاتورية " . . . وما إليها . ويخرجون بذلك عن قاعدة دين الله كله , إلى مثل جاهلية الإغريق والرومان وغيرهم , في اصطناع أنظمة وأوضاع للحياة من عند أنفسهم . وشيعة تسمي نفسها "مسلمة " ! وهي تتبع مناهج أهل الكتاب هذه - حذوك النعل بالنعل ! - خارجة من دين الله إلى دين العباد . فدين الله هو منهجه وشرعه ونظامه الذي يضعه للحياة وقانونه . ودين العباد هو منهجهم للحياة وشرعهم ونظامهم الذي يضعونه للحياة وقوانينهم !
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين للبشرية ; وانتكست البشرية بجملتها إلى الجاهلية . . شيعها جميعاً لا تتبع دين الله أصلاً . . وعاد هذا القرآن يواجه البشرية كما واجهها أول مرة , يستهدف منها نفس ما
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:01 pm

استهدفه في المرة الأولى من إدخالها في الإسلام ابتداء من ناحية العقيدة والتصور . ثم إدخالها في دين الله بعد ذلك من ناحية النظام والواقع . . وعاد حامل هذا الكتاب يواجه الحرج الذي كان يواجهه رسول الله [ ص ] وهو يواجه البشرية الغارقة في مستنقع الجاهلية , المستنيمة للمستنقع الآسن , الضالة في تيه الجاهلية , المستسلمة لاستهواء الشيطان في التيه ! . . وهو يستهدف ابتداء إنشاء عقيدة وتصور في قلوب الناس وعقولهم تقوم على قاعدة:أشهد أن لا إله إلا الله . وإنشاء واقع في الأرض آخر يعبد فيه الله وحده , ولا يعبد معه سواه . وتحقيق ميلاد للإنسان جديد , يتحرر فيه الإنسان من عبادة العبيد , ومن عبادة هواه !
إن الإسلام ليس حادثاً تاريخياً , وقع مرة , ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه . . إنه اليوم مدعو لأداء دوره الذي أداه مرة ; في مثل الظروف والملابسات والأوضاع والأنظمة والتصورات والعقائد والقيم والموازين والتقاليد . . . التي واجهها أول مرة .
إن الجاهلية حالة ووضع ; وليست فترة تاريخية زمنية . . والجاهلية اليوم ضاربة أطنابها في كل أرجاء الأرض , وفي كل شيع المعتقدات والمذاهب والأنظمة والأوضاع . . إنها تقوم ابتداء على قاعدة:"حاكمية العباد للعباد" , ورفض حاكمية الله المطلقة للعباد . . تقوم على أساس أن يكون "هوى الإنسان" في أيةصورة من صوره هو الإله المتحكم , ورفض أن تكون "شريعة الله" هي القانون المحكم . . ثم تختلف أشكالها ومظاهرها , وراياتها وشاراتها , وأسماؤها وأوصافها , وشيعها ومذاهبها . . غير أنها كلها تعود إلى هذه القاعدة المميزة المحددة لطبيعتها وحقيقتها . .
وبهذا المقياس الأساسي يتضح أن وجه الأرض اليوم تغمره الجاهلية . وأن حياة البشرية اليوم تحكمها الجاهلية . وأن الإسلام اليوم متوقف عن "الوجود" مجرد الوجود ! وأن الدعاة إليه اليوم يستهدفون ما كان يستهدفه محمد رسول الله [ ص ] تماماً ; ويواجهون ما كان يواجهه [ ص ] تماماً , وأنهم مدعوون إلى التأسي به في قول الله - سبحانه - له:
(كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به وذكرى للمؤمنين). .
ولتوكيد هذه الحقيقة وجلائها نستطرد إلى شيء قليل من التفصيل:
إن المجتمعات البشرية اليوم - بجملتها - مجتمعات جاهلية . وهي من ثم مجتمعات "متخلفة " أو "رجعية " ! بمعنى أنها "رجعت" إلى الجاهلية , بعد أن أخذ الإسلام بيدها فاستنقذها منها . والإسلام اليوم مدعو لاستنقاذها من التخلف والرجعية الجاهلية , وقيادتها في طريق التقدم و "الحضارة " بقيمها وموازينها الربانية .
إنه حين تكون الحاكمية العليا لله وحده في مجتمع - متمثلة في سيادة شريعته الربانية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً حقيقياً كاملاً من العبودية للهوى البشري ومن العبودية للعبيد . وتكون هذه هي الصورة الوحيدة للإسلام أو للحضارة - كما هي في ميزان الله - لأن الحضارة التي يريدها
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:01 pm

الله للناس تقوم على قاعدة أساسية من الكرامة والتحرر لكل فرد . ولا كرامة ولا تحرر مع العبودية لعبد . . لا كرامة ولا تحرر في مجتمع بعضه أرباب يشرعون ويزاولون حق الحاكمية العليا ; وبعضهم عبيد يخضعون ويتبعون هؤلاء الأرباب ! والتشريع لا ينحصر في الأحكام القانونية . فالقيم والموازين والأخلاق والتقاليد . . كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه شاعرين أو غير شاعرين ! . . ومجتمع هذه صفته هو مجتمع رجعي متخلف . . أو بالاصطلاح الإسلامي:"مجتمع جاهلي مشرك" !
وحين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكر ومنهج الحياة . ويكون هذا كله صادراً من الله , لا من هوى فرد , ولا من إرادة عبد . فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متحضراً متقدماً . أو بالاصطلاح الإسلامي:مجتمعاً ربانياً مسلماً . . لأن التجمع حينئذ يكون ممثلاً لأعلى ما في "الإنسان" من خصائص - خصائص الروح والفكر - فأما حين تكون آصرة التجمع هي الجنس واللون والقوم والأرض . . . وما إلى ذلك من الروابط . . فإنه يكون مجتمعاً رجعياً متخلفاً . . أو بالاصطلاح الإسلامي:مجتمعاً جاهلياً مشركاً . . ذلك أن الجنس واللون والقوم والأرض . . . . وما إلى ذلك من الروابط لا تمثل الحقيقة العليا في "الإنسان" . فالإنسان يبقى إنساناً بعد الجنس واللون والقوم والأرض . ولكنه لا يبقى إنساناً بعد الروح والفكر !
ثم هو يملك بإرادته الإنسانية الحرة - وهي أسمى ما أكرمه الله به - أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته من ضلال إلى هدى عن طريق الإدراك والفهم والاقتناع والاتجاه . ولكنه لا يملك أبداً أن يغير جنسه , ولا لونه , ولا قومه . لا يملك أن يحدد سلفاً مولده في جنس ولا لون ; كما لا يمكنه أن يحدد سلفا مولده في قوم أو أرض . . فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة هو بدون شك أرقى وأمثل وأقوم من المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمور خارجة عن إرادتهم ولا يد لهم فيها !
وحين تكون "إنسانية الإنسان" هي القيمة العليا في مجتمع ; وتكون "الخصائص الإنسانية " فيه موضعالتكريم والرعاية , يكون هذا المجتمع متحضرا متقدماً . . أو بالاصطلاح الإسلامي:ربانياً مسلماً . . فأما حين تكون "المادة " - في أية صورة من صورها - هي القيمة العليا . . سواء في صورة "النظرية " كما في الماركسية , أو في صورة "الإنتاج المادي" كما في أمريكا وأوربا وسائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي هو القيمة العليا , التي تهدر في سبيلها كل القيم والخصائص الإنسانية - وفي أولها القيم الأخلاقية - فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً رجعياً متخلفاً . . أو بالاصطلاح الإسلامي:مجتمعاً جاهلياً مشركاً . .
. . إن المجتمع الرباني المسلم لا يحتقر المادة ; لا في صورة "النظرية " باعتبار المادة هي التي تؤلف كيان هذا الكون الذي نعيش فيه ; ولا في صورة "الإنتاج المادي" والاستمتاع به . فالإنتاج المادي من مقومات خلافة الإنسان في الأرض بعهد الله وشرطه ; والاستمتاع بالطيبات منها حلال يدعو الإسلام إليه - كما سنرى في سياق هذه السورة - ولكنه لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص "الإنسان" ومقوماته ! كما تعتبرها المجتمعات الجاهلية . . الملحدة أو المشركة . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:01 pm

وحين تكون القيم "الإنسانية " والأخلاق "الإنسانية " - كما هي في ميزان الله - هي السائدة في مجتمع , فإن هذا المجتمع يكون متحضراً متقدماً . . أو بالاصطلاح الإسلامي . . ربانياً مسلماً . . والقيم "الإنسانية " والأخلاق "الإنسانية " ليست مسألة غامضة ولا مائعة ; وليست كذلك قيماً وأخلاقاً متغيرة لا تستقر على حال - كما يزعم الذين يريدون أن يشيعوا الفوضى في الموازين , فلا يبقى هنالك أصل ثابت يرجع إليه في وزن ولا تقييم . . إنها القيم والأخلاق التي تنمي في الإنسان "خصائص الإنسان" التي ينفرد بها دون الحيوان . وتُغلب فيه هذا الجانب الذي يميزه ويجعل منه إنساناً . وليست هي القيم والأخلاق التي تنمي فيه الجوانب المشتركة بينه وبين الحيوان . . وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم وثابت , لا يقبل عملية التمييع المستمرة التي يحاولها "التطوريون" ! عندئذ لا تكون هناك أخلاق زراعية وأخرى صناعية . ولا أخلاق رأسمالية وأخرى اشتراكية . ولا أخلاق صعلوكية وأخرى برجوازية ! لا تكون هناك أخلاق من صنع البيئة ومن مستوى المعيشة , على اعتبار أن هذه العوامل مستقلة في صنع القيم والأخلاق والاصطلاح عليها , وحتمية في نشأتها وتقريرها . . إنما تكون هناك فقط "قيم وأخلاق إنسانية " يصطلح عليها المسلمون في المجتمع المتحضر . "وقيم وأخلاق حيوانية " - إذا صح هذا التعبير - يصطلح عليها الناس في المجتمع المتخلف . . أو بالاصطلاح الإسلامي تكون هناك قيم وأخلاق ربانية إسلامية ; وقيم وأخلاق رجعية جاهلية !
إن المجتمعات التي تسود فيها القيم والأخلاق والنزعات الحيوانية , لا يمكن أن تكون مجتمعات متحضرة , مهما تبلغ من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي ! إن هذا المقياس لا يخطىء في قياس مدى التقدم في الإنسان ذاته .
وفي المجتمعات الجاهلية الحديثة ينحسر المفهوم الأخلاقي بحيث يتخلى عن كل ما له علاقة بالتميز الإنساني عن الحيوان . ففي هذه المجتمعات لا تعتبر العلاقات الجنسية غير الشرعية - ولا حتى العلاقات الجنسية الشاذة - رذيلة أخلاقية ! إن المفهوم "الأخلاقي" ينحصر في المعاملات الشخصية والاقتصادية والسياسية - أحياناً في حدود مصلحة الدولة ! - والكتاب والصحفيون والروائيون وكل أجهزة التوجيه والإعلام في هذه المجتمعات الجاهلية تقولها صريحة للفتيات والزوجات والفتيان والشبان:إن الاتصالات الجنسية الحرة ليست رذائل أخلاقية !
مثل هذه المجتمعات مجتمعات متخلفة غير متحضرة - من وجهة النظر "الإنسانية " . وبمقياس خط التقدم الإنساني . . وهي كذلك غير إسلامية . . لأن خط الإسلام هو خط تحرير الإنسان من شهواته , وتنميةخصائصه الإنسانية , وتغلبها على نزعاته الحيوانية . .
ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا في وصف المجتمعات البشرية الحاضرة , وإغراقها في الجاهلية . . من العقيدة إلى الخلق . ومن التصور إلى أوضاع الحياة . . ونحسب أن هذه الإشارات المجملة تكفي لتقرير ملامح الجاهلية في المجتمعات البشرية الحاضرة . ولتقرير حقيقة ما تستهدفه الدعوة الإسلامية اليوم وما
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:02 pm

يستهدفه الدعاة إلى دين الله . . إنها دعوة البشرية من جديد إلى الدخول في الإسلام:عقيدة وخلقاً ونظاماً . . إنها ذات المحاولة التي كان يتصدى لها رسول الله [ ص ] وإنها ذات النقطة التي بدأ منها دعوته أول مرة . وإنه ذات الموقف الذي وقفه بهذا الكتاب الذي أنزل إليه ; وربه - سبحانه - يخاطبه:
(كتاب أنزل إليك , فلا يكن في صدرك حرج منه , لتنذر به وذكرى للمؤمنين). .
الدرس الثاني:3 الأمر باتباع الحق
وفي الوقت الذي وجه الله - سبحانه - هذا التكليف إلى رسوله , وجه إلى قومه المخاطبين بهذا القرآن أول مرة - وإلى كل قوم يواجههم الإسلام ليخرجهم من الجاهلية - الأمر باتباع ما أنزل في هذا الكتاب , والنهي عن اتباع الأولياء من دون الله . ذلك أن القضية في صميمها هي قضية "الاتباع" . . من يتبع البشر في حياتهم ? يتبعون أمر الله فهم مسلمون . أم يتبعون أمر غيره فهم مشركون ? إنهما موقفان مختلفان لا يجتمعان:
(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم , ولا تتبعوا من دونه أولياء . قليلا ما تذكرون).
هذه هي قضية هذا الدين الأساسية . . إنه إما اتباع لما أنزل الله فهو الإسلام لله , والاعتراف له بالربوبية , وإفراده بالحاكمية التي تأمر فتطاع , ويتبع أمرها ونهيها دون سواه . . وإما اتباع للأولياء من دونه فهو الشرك , وهو رفض الاعتراف لله بالربوبية الخالصة . . وكيف والحاكمية ليست خالصة له سبحانه ?!
وفي الخطاب للرسول [ ص ] كان الكتاب منزلاً إليه بشخصه: (كتاب أنزل إليك). . وفي الخطاب للبشر كان الكتاب كذلك منزلاً إليهم من ربهم: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم). . فأما الرسول [ ص ] فالكتاب منزل إليه ليؤمن به ولينذر ويذكر . وأما البشر فالكتاب منزل إليهم من ربهم ليؤمنوا به ويتبعوه , ولا يتبعوا أمر أحد غيره . . والإسناد في كلتا الحالتين للاختصاص والتكريم والتحضيض والاستجاشة . فالذي ينزل له ربه كتاباً , ويختاره لهذا الأمر , ويتفضل عليه بهذا الخير , جدير بأن يتذكر وأن يشكر ; وأن يأخذ الأمر بقوة ولا يستحسر . .
الدرس الثالث:4 - 9 مشاهد من مصارع الكفار في الدنيا وهلاكهم في الآخرة
ولأن المحاولة ضخمة . . وهي تعني التغيير الأساسي الكامل الشامل للجاهلية:تصوراتها وأفكارها , وقيمها وأخلاقها , وعاداتها وتقاليدها , ونظمها , وأوضاعها , واجتماعها واقتصادها , وروابطها بالله , وبالكون , وبالناس . .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:02 pm

لأن المحاولة ضخمة على هذا النحو ; يمضي السياق فيهز الضمائر هزاً عنيفاً ; ويوقظ الأعصاب إيقاظاً شديداً ; ويرج الجبلات السادرة في الجاهلية , المستغرقة في تصوراتها وأوضاعها رجاً ويدفعها دفعاً . . وذلك بأن يعرض عليها مصارع الغابرين من المكذبين في الدنيا , ومصائرهم كذلك في الآخرة:


وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
(وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون . فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا:إنا كنا ظالمين . . فلنسألن الذين أرسل إليهم , ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم , وما كنا غائبين . والوزن يومئذ الحق , فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون). .
إن مصارع الغابرين خير مذكر , وخير منذر . . والقرآن يستصحب هذه الحقائق , فيجعلها مؤثرات موحية , ومطارق موقظة , للقلوب البشرية الغافلة .
إنها كثيرة تلك القرى التي أهلكت بسبب تكذيبها . أهلكت وهي غارة غافلة . في الليل وفي ساعة القيلولة , حيث يسترخي الناس للنوم , ويستسلمون للأمن:
(وكم من قرية أهلكناها , فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون).
وكلتاهما . . البيات والقيلولة . . ساعة غرّة واسترخاء وأمان ! والأخذ فيهما أشد ترويعاً وأعنف وقعا . وأدعى كذلك إلى التذكر والحذر والتوقي والاحتياط !
ثم ما الذي حدث ? إنه لم يكن لهؤلاء المأخوذين في غرتهم إلا الاعتراف ! ولم يكن لهم دعوى يدعونها إلا الإقرار !
(فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا:إنا كنا ظالمين). .
والإنسان يدعي كل شيء إلا الاعتراف والإقرار ! ولكنهم في موقف لا يملكون أن يدعوا إلا هذه الدعوى ! (إنا كنا ظالمين). . فياله من موقف مذهل رعيب مخيف , ذلك الذي يكون أقصى المحاولة فيه هو الاعتراف بالذنب والإقرار بالشرك !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:02 pm

إن الظلم الذي يعنونه هنا هو الشرك . فهذا هو المدلول الغالب على هذا التعبير في القرآن . . فالشرك هو الظلم . والظلم هو الشرك . وهل أظلم ممن يشرك بربه وهو خلقه ?!
وبينما المشهد معروض في الدنيا , وقد أخذ الله المكذبين ببأسه , فاعترفوا وهم يعاينون بأس الله أنهم كانوا ظالمين ; وتكشف لهم الحق فعرفوه , ولكن حيث لا تجدي معرفة ولا اعتراف , ولا يكف بأس الله عنهم ندم ولا توبة . فإن الندم قد فات موعده , والتوبة قد انقطعت طريقها بحلول العذاب . .
بينما المشهد هكذا معروضاً في الدنيا إذا السياق ينتقل , وينقل معه السامعين من فوره إلى ساحة الآخرة . بلا توقف ولا فاصل . فالشريط المعروض موصول المشاهد , والنقلة تتخطى الزمان والمكان , وتصل الدنيا بالآخرة , وتلحق عذاب الدنيا بعذاب الآخرة ; وإذا الموقف هناك في لمحة خاطفة:
(فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم , وما كنا غائبين . والوزن يومئذ الحق . فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون). .
إن التعبير على هذا النحو المصور الموحي , خاصية من خواص القرآن . . إن الرحلة في الأرض كلها تطوى في لمحة . وفي سطر من كتاب . لتلتحم الدنيا بالآخرة ; ويتصل البدء بالختام !
فإذا وقف هؤلاء الذين تعرضوا لبأس الله في هذه الأرض وقفتهم هناك للسؤال والحساب والجزاء , فإنه لا يكتفى باعترافهم ذاك حين واجهوا بأس الله الذي أخذهم وهم غارون: (إنا كنا ظالمين). .


فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (Cool وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9)
ولكنه السؤال الجديد , والتشهير بهم على الملأ الحاشد في ذلك اليوم المشهود:
(فلنسألن الذين أرسل إليهم , ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم - وما كنا غائبين).
فهو السؤال الدقيق الوافي , يشمل المرسل إليهم ويشمل المرسلين . . وتعرض فيه القصة كلها على الملأ الحاشد ; وتفصل فيه الخفايا والدقائق ! . . يسأل الذين جاءهم الرسل فيعترفون . ويسأل الرسل فيجيبون . ثم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:03 pm

يقص عليهم العليم الخبير كل شيء أحصاه الله ونسوه ! يقصه عليهم - سبحانه - بعلم فقد كان حاضراً كل شيء . وما كان - سبحانه - غائباً عن شيء . . وهي لمسة عميقة التأثير والتذكير والتحذير !
(والوزن يومئذ الحق). .
إنه لا مجال هنا للمغالطة في الوزن ; ولا التلبيس في الحكم ; ولا الجدل الذي يذهب بصحة الأحكام والموازين . .
(فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون). .
فقد ثقلت في ميزان الله الذي يزن بالحق . وجزاؤها إذن هو الفلاح . . وأي فلاح بعد النجاة من النار , والعودة إلى الجنة , في نهاية الرحلة المديدة , وفي ختام المطاف الطويل ?
(ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون). .
فقد خفت في ميزان الله الذي لا يظلم ولا يخطئ . وقد خسروا أنفسهم . فماذا يكسبون بعد ? إن المرء ليحاول أن يجمع لنفسه . فإذا خسر ذات نفسه فما الذي يبقى له ?
لقد خسروا أنفسهم بكفرهم بآيات الله: (بما كانوا بآياتنا يظلمون)والظلم - كما أسلفنا - يطلق في التعبير القرآني ويراد به الشرك أو الكفر: (إن الشرك لظلم عظيم).
ولا ندخل هنا في طبيعة الوزن وحقيقة الميزان - كما دخل فيه المتجادلون بعقلية غير إسلامية في تاريخ الفكر "الإسلامي" ! . . . . فكيفيات أفعال الله كلها خارجة عن الشبية والمثيل . مذ كان الله سبحانه ليس كمثله شيء . . وحسبنا تقرير الحقيقة التي يقصد إليها السياق . . من أن الحساب يومئذ بالحق , وأنه لا يظلم أحد مثقال ذرة , وأن عملاً لا يبخس ولا يغفل ولا يضيع .
الوحدة الثانية:10 - 25 لقطات من قصة آدم


وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10)
الدرس الأول:10 تجهيز الأرض لحياة الإنسان
من هنا تبدأ الرحلة الكبرى . . تبدأ بتمهيد عن تمكين الله للجنس البشري في الأرض , كحقيقة مطلقة , وذلك قبل أن تبدأ قصة البشرية تفصيلاً .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:03 pm

(ولقد مكناكم في الأرض , وجعلنا لكم فيها معايش , قليلاً ما تشكرون):
إن خالق الأرض وخالق الناس , هو الذي مكن لهذا الجنس البشري في الأرض . هو الذي أودع الأرض هذه الخصائص والموافقات الكثيرة التي تسمح بحياة هذا الجنس وتقوته وتعوله , بما فيها من أسباب الرزق والمعايش . .
هو الذي جعلها مقراً صالحاً لنشأته بجوها وتركيبها وحجمها وبعدها عن الشمس والقمر , ودورتها حول الشمس , وميلها على محورها , وسرعة دورتها . . إلى آخر هذه الموافقات التي تسمح بحياة هذا الجنس عليها . وهو الذي أودع هذه الأرض من الأقوات والأرزاق ومن القوى والطاقات ما يسمح بنشأة هذا الجنس وحياته , وبنمو هذه الحياة ورقيها معا . . وهو الذي جعل هذا الجنس سيد مخلوقات هذه الأرض , قادراً على تطويعها واستخدامها ; بما أودعه الله من خصائص واستعدادات للتعرف إلى بعض نواميس هذا الكون وتسخيرها في حاجته . .
ولولا تمكين الله للإنسان في الأرض بهذا وذلك , ما استطاع هذا المخلوق الضعيف القوة أن "يقهر الطبيعة " كما يعبر أهل الجاهلية قديماً وحديثاً ! ولا كان بقوته الذاتية قادراً على مواجهة القوى الكونية الهائلة الساحقة !
إن التصورات الجاهلية الإغريقية والرومانية هي التي تطبع تصورات الجاهلية الحديثة . . هي التي تصور الكون عدواً للإنسان ; وتصور القوى الكونية مضادة لوجوده وحركته ; وتصور الإنسان في معركة مع هذهالقوى - بجهده وحده - وتصور كل تعرف إلى النواميس الكونية , وكل تسخير لها "قهراً للطبيعة " في المعركة بينها وبين الجنس الإنساني !
إنها تصورات سخيفة , فوق أنها تصورات خبيثة !
لو كانت النواميس الكونية مضادة للإنسان , عدوة له , تتربص به , وتعاكس اتجاهه , وليس وراءها إرادة مدبرة - كما يزعمون - ما نشأ هذا الإنسان أصلاً ! وإلا فكيف كان ينشأ ? كيف ينشأ في كون معاد بلا إرادة وراءه ? ولما استطاع المضي في الحياة على فرض أنه وجد ! وإلا فكيف يمضي والقوى الكونية الهائلة تعاكس اتجاهه ? وهي - بزعمهم - التي تصرف نفسها ولا سلطان وراء سلطانها ?
إن التصور الإسلامي وحده هو الذي يمضي وراء هذه الجزئيات ليربطها كلها بأصل شامل متناسق . . إن الله هو الذي خلق الكون , وهو الذي خلق الإنسان . وقد اقتضت مشيئته وحكمته أن يجعل طبيعة هذا الكون بحيث تسمح بنشأة هذا الإنسان , وأودع الإنسان من الاستعدادات ما يسمح له بالتعرف إلى بعض نواميس الكون واستخدامها في حاجته . . وهذا التناسق الملحوظ هو الجدير بصنعة الله الذي أحسن كل شيء خلقه . ولم يجعل خلائقه متعاكسة متعادية متدابرة !
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:03 pm

وفي ظل هذا التصور يعيش "الإنسان" في كون مأنوس صديق ; وفي رعاية قوة حكيمة مدبرة . . يعيش مطمئن القلب , مستروح النفس , ثابت الخطو , ينهض بالخلافة عن الله في الأرض في اطمئنان الواثق بأنه معانٌ على الخلافة ; ويتعامل مع الكون بروح المودة والصداقة ; ويشكر الله كلما اهتدى إلى سر من أسرار الوجود ; وكلما تعرف إلى قانون من قوانينه التي تعينه في خلافته ; وتيسر له قدراً جديداً من الرقي والراحة والمتاع .
إن هذا التصور لا يكفه عن الحركة لاستطلاع أسرار الوجود والتعرف إلى نواميسه . . على العكس , هو يشجعه ويملأ قلبه ثقة وطمأنينة . . إنه يتحرك في مواجهة كون صديق لا يبخل عليه بأسراره , ولا يمنع عنه مدده وعونه . . وليس في مواجهة كون عدو يتربص به ويعاكس اتجاهاته ويسحق أحلامه وآماله !
إن مأساة "الوجودية " الكبرى هي هذا التصور النكد الخبيث . . تصور الوجود الكوني - بل الوجود الجماعي للبشرية ذاتها - معاكساً في طبيعته للوجود الفردي الإنساني , متجهاً بثقله الساحق إلى سحق هذا الوجود الإنساني ! إنه تصور بائس لا بد أن ينشىء حالة من الانزواء والانكماش والعدمية ! أو ينشىء حالة من الاستهتار والتمرد والفردية ! وفي كلتا الحالتين لا يكون إلا القلق المضني ! والبؤس النفسي والعقلي , والشرود في التيه:تيه التمرد , أو تيه العدم . . وهما سواء . .
وهي ليست مأساة "الوجودية " وحدها من مذاهب الفكر الأوربي . إنها مأساة الفكر الأوربي كله - بكل مذاهبه واتجاهاته - بل مأساة الجاهلية كلها في جميع أزمانها وبيئاتها . المأساة التي يضع الإسلام حداً لها بعقيدته الشاملة , التي تنشىء في الإدراك البشري تصوراً صحيحاً لهذا الوجود , وما وراءه من قوة مدبرة .
إن "الإنسان" هو ابن هذه الأرض ; وهو ابن هذا الكون . لقد أنشأه الله من هذه الأرض , ومكنه فيها , وجعل له فيها أرزاقا ومعايش , ويسر له المعرفة التي تسلمه مفاتيحها ; وجعل نواميسها موافقة لوجود هذا الإنسان , تساعده - حين يتعرف إليها على بصيرة - وتيسر حياته . . ولكن الناس قليلاً ما يشكرون . . ذلك أنهم في جاهليتهم لا يعلمون . . وحتى الذين يعلمون لا يملكونأن يوفوا نعمة الله عليهم حقها من الشكر , وأنى لهم الوفاء ? لولا أن الله يقبل منهم ما يطيقون:وهؤلاء وهؤلاء ينطبق عليهم بهذين الاعتبارين قوله تعالى:
(قليلاً ما تشكرون).
الدرس الثاني:11 - 18 رفض إبليس السجود والحكم عليه بالطرد
بعد ذلك تبدأ قصة البشرية بأحداثها المثيرة . . تبدأ بإعلان ميلاد الإنسان في احتفال مهيب , في رحاب الملأ الأعلى . . يعلنه الملك العزيز الجليل العظيم ; زيادة في الحفاوة والتكريم . وتحتشد له الملائكة - وفي زمرتهم وإن لم يكن منهم إبليس - وتشهده السماوات والأرض ; وما خلق الله من شيء . . إنه أمر هائل وحدث عظيم في تاريخ هذا الوجود:
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب Empty رد: تفسير - سورة الأعراف - للسيد قطب

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 21, 2010 9:04 pm

(ولقد خلقناكم , ثم صورناكم , ثم قلنا للملائكة:اسجدوا لآدم . فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال:ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ? قال:أنا خير منه , خلقتني من نار وخلقته من طين . قال:فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها , فاخرج إنك من الصاغرين . قال:أنظرني إلى يوم يبعثون . قال:إنك من المنظرين . قال:فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم , وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين . قال اخرج منها مذؤوماً مدحوراً , لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين). .
هذا هو المشهد الأول . . وهو مشهد مثير . . ومشهد خطير . . ونحن نؤثر استعراض مشاهد هذه القصة ابتداء ; ونرجىء التعليق عليها , واستلهام إيحاءاتها إلى أن نفرغ من استعراضها . .
(ولقد خلقناكم , ثم صورناكم , ثم قلنا للملائكة:اسجدوا لآدم . فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين)2
إن الخلق قد يكون معناه:الإنشاء . والتصوير قد يكون معناه:إعطاء الصورة والخصائص . . وهما مرتبتان في النشأة لا مرحلتان . . فإن(ثم)قد لا تكون للترتيب الزمني , ولكن للترقي المعنوي . والتصوير أرقى مرتبة من مجرد الوجود . فالوجود يكون للمادة الخامة ; ولكن التصوير - بمعنى إعطاء الصورة الإنسانية والخصائص - يكون درجة أرقى من درجات الوجود . فكأنه قال:إننا لم نمنحكم مجرد الوجود ولكن جعلناه وجوداً ذا خصائص راقية . وذلك كقوله تعالى: (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى).
فإن كان شيء أعطي خصائصه ووظائفه وهُدي إلى أدائها عند خلقه . ولم تكن هناك فترة زمنية بين الخلق وإعطاء الخصائص والوظائف والهداية إلى أدائها . والمعنى لا يختلف إذا كان معنى(هَدى):هداه إلى ربه . فإنه هُدي إلى ربه عند خلقه . وكذلك آدم صور وأعطي خصائصه الإنسانية عند خلقه . .(وثم). . للترقي في الرتبة , لا للتراخي في الزمن . كما نرجح .
وعلى أية حال فإن مجموع النصوص القرآنية في خلق آدم عليه السلام , وفي نشأة الجنس البشري , ترجح أن إعطاء هذا الكائن خصائصه الإنسانية ووظائفه المستقلة , كان مصاحباً لخلقه . وأن الترقي في تاريخ الإنسان كان ترقياً في بروز هذه الخصائص ونموها وتدريبها واكتسابها الخبرة العالية . ولم يكن ترقياً في "وجود" الإنسان . من تطور الأنواع حتى انتهت إلى الإنسان . كما تقول الداروينية .
ووجود أطوار مترقية من الحيوان تتبع ترتيباً زمنياً - بدلالة الحفريات التي تعتمد عليها نظرية النشوء والارتقاء - هو مجرد نظرية "ظنية " وليست "يقينية " لأن تقدير أعمار الصخور ذاته في طبقات الأرض ليس


وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 3 1, 2, 3  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى