الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 19
صفحة 1 من اصل 19 • 1, 2, 3 ... 10 ... 19
الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
الباب الثاني والعشرون
خاتمة مسيحية
الفصل الأول
قراصنة البحر في نشوتهم
وصول الأوربيين - الفتح البريطاني - ثورة
سيبوي - حسنات الحكم البريطاني وسيئاته
كانت تلك المدنية قد ماتت بالفعل من عدة وجوه، حين كشف "كلايف" و"هيستنجر" كنوز الهند؛ فحكم "أورنجزيب" الطويل الذي مزق أوصال البلاد، وما تبعه من فوضى وحروب داخلية، ترك الهند ثمرة دانية القطوف لمن أراد أن يغزوها من جديد؛ قد كان هذا "قضاءها المحتوم" ولم يكن أمام القدر إزاءها سوى أن يختار الدولة الأوربية من بين الدول العصرية الأساليب، لتكون أداة لذلك الغزو؛ فحاول الفرنسيون غزوها وأصيبوا بالفشل، وضاعت الهند من أيديهم كما ضاعت كندا، في موقعتي "رسباخ" و "ووترلو" ثم حاول الإنجليز ذلك وانتهت محاولتهم بالنجاح.
لقد كان "فاسكو دا جاما" أرسى فلكه عام 1498م في مياه "كلكتا" بعد مرحلة دامت أحد عشر شهراً بدأت من لشبونة؛ فأحسن لقاء حاكم ملبار الهندي وسلّمه رسالة ودية من ملك البرتغال: "لقد زار مملكتي فاسكو دا جاما، وهو شريف من أشراف أسرتكم، فسررت بزيارته سروراً عظيماً؛ وإن في مملكتي لوفرة من القرفة والقرنفل والفلفل والأحجار الكريمة، وما أريده من بلادكم هو الذهب والفضة والمرجان والنسيج القرمزي"،
الباب الثاني والعشرون
خاتمة مسيحية
الفصل الأول
قراصنة البحر في نشوتهم
وصول الأوربيين - الفتح البريطاني - ثورة
سيبوي - حسنات الحكم البريطاني وسيئاته
كانت تلك المدنية قد ماتت بالفعل من عدة وجوه، حين كشف "كلايف" و"هيستنجر" كنوز الهند؛ فحكم "أورنجزيب" الطويل الذي مزق أوصال البلاد، وما تبعه من فوضى وحروب داخلية، ترك الهند ثمرة دانية القطوف لمن أراد أن يغزوها من جديد؛ قد كان هذا "قضاءها المحتوم" ولم يكن أمام القدر إزاءها سوى أن يختار الدولة الأوربية من بين الدول العصرية الأساليب، لتكون أداة لذلك الغزو؛ فحاول الفرنسيون غزوها وأصيبوا بالفشل، وضاعت الهند من أيديهم كما ضاعت كندا، في موقعتي "رسباخ" و "ووترلو" ثم حاول الإنجليز ذلك وانتهت محاولتهم بالنجاح.
لقد كان "فاسكو دا جاما" أرسى فلكه عام 1498م في مياه "كلكتا" بعد مرحلة دامت أحد عشر شهراً بدأت من لشبونة؛ فأحسن لقاء حاكم ملبار الهندي وسلّمه رسالة ودية من ملك البرتغال: "لقد زار مملكتي فاسكو دا جاما، وهو شريف من أشراف أسرتكم، فسررت بزيارته سروراً عظيماً؛ وإن في مملكتي لوفرة من القرفة والقرنفل والفلفل والأحجار الكريمة، وما أريده من بلادكم هو الذهب والفضة والمرجان والنسيج القرمزي"،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1051
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
فكان جواب صاحب الجلالة المسيحية مطالبة الهند مستعمرة برتغالية لأسباب لم يكن في مقدور الراجا أن يفهمها لجهله؛ فلكي يوضح له الأمر، أرسلت البرتغال أسطولا إلى الهند مزودا بتعليمات لنشر المسيحية وإثارة الحروب؛ وبعدئذ جاء الهولنديون في القرن السابع عشر، وطردوا البرتغاليين؛ ثم جاء الفرنسيون والإنجليز في القرن الثامن عشر، وطردوا الهولنديين، ونشبت بين الفريقين معارك حامية الوطيس لتقرر أي الفريقين يتولّى إدخال المدنية إلى الهند وفرض الضرائب على أهلها
وكانت "شركة الهند الشرقية" قد تأسست في لندن عام 1600م لتشتري منتجات الهند وجزر الهند الشرقية بأثمان بخسة وتبيعها بأثمان مرتفعة في أوروبا وقد أعلنت الشركة عام 1686م عزمها على "إقامة مستعمرة إنجليزية واسعة في الهند، بحيث تكون متينة الدعائم فتدوم إلى الأبد"(3)، وأنشأت مراكز تجارية في مدراس وكلكتا وبومباي، وحصنتها، وجاءت إليها بجنود وخاضت معارك القتال، ورشت وارتشت، ومارست غير ذلك من مهام الحكومة؛ ولم يتردد "كلايف" في قبول " الهدايا" التي بلغت قيمتها أحياناً مائة وسبعين ألفا من الريالات، قدمها له الحكام الهنود المعتمدون على نيران مدافعه، كما ظفر منهم - بالإضافة إلى تلك "الهدايا" - بجزية سنوية تعادل مائة وأربعين ألفا من الريالات؛ وعين الأمير جعفر حاكما على البنغال لقاء مبلغ يعادل ستة ملايين ريال؛ وراح يضرب كل أمير وطني بالآخر، ويضم أملاكهم إلى حظيرة "شركة الهند الشرقية" شيئا فشيئا؛ وأدمن في أكل الأفيون، واتهمه البرلمان وبرأه، وأزهق روحه بيده سنة 1774م(4)؛ وأما "وارن هيستنجز" - وهو شجاع علامة قدير - فقد جمع من الأمراء الوطنيين مبلغا كبيرا قدره ربع مليون ريال ضريبة عليهم دفعوها في خزانة الشركة؛
صفحة رقم : 1052
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
وقبل الرشاوي لقاء وعد بألا يفرض ضريبة أكثر مما فرضه، ثم عاد ففرض ضريبة، واستولى للشركة على الأراضي التي لم تستطع دفعها، واحتل "أوز" بجيشه، ثم باعها لأحد الأمراء بمليونين ونصف مليون من الريالات(5)؛ وتسابق الهازم والمهزوم في الرشوة؛ وفرضت على أجزاء الهند التي خضعت لسلطان الشركة ضريبة أراض بلغت خمسين في كل مائة وحدة من وحدات الإنتاج، بالإضافة إلى فروض أخرى كانت من الكثرة والقسوة بحيث فرّ ثلثا السكان، وباع آخرون أبنائهم ليسدوا ما كانوا يطالبون به من ضرائب متصاعدة(6)؛ ويقول ماكولي: "جمعت في كلكتا أموال طائلة في وقت قصير، ودفع بثلاثين مليونا من الأنفس البشرية إلى أقصى حدود الشقاء؛ نعم قد تعودوا من قبل أن يعيشوا في جو من الطغيان لم يبلغ بهم كل هذا المدى"(7).
فما جاءت سنة 1857م حتى كانت جرائم الشركة قد أفقرت الجزء الشمالي الشرقي من الهند إفقارا أوغر صدور الأهالي فشقوا عصى الطاعة في ثورة يائسة؛ عندئذ تدخلت الحكومة البريطانية، وقمعت "العصيان" وتولّت هي الحكم في الأراضي التي سيطرت عليها، واعتبرتها مستعمرة للتاج، ودفعت عن ذلك تعويضا سخيا للشركة، وأضافت ثمن الشراء هذا إلى الدين العام في الهند(؛ لقد كان هذا فتحا للبلاد صريحا غاشما، وقد لا يجوز لنا أن نحكم عليه بمعيار "الوصايا الخلقية" التي يحفظها الناس في غرب السويس، إذ ربما كان الأجدر أن نفهم الموقف على أساس "دارون" و"نيتشه": فشعب عجز عن حكم نفسه أو عجز عن استغلال موارده الطبيعية، لابد من وقوعه فريسة لأمم تعاني مما يستثيرها من دوافع الجشع وبسط النفوذ.
وعاد هذا الفتح ببعض المزايا على الهند؛ فرجال أمثال "بنتنك" و"كاننج" و"منرو" و "إلفنستون" و "ماكولي" أدخلوا في إدارة الأجزاء البريطانية من الهند شيئا من سخاء الحرية التي سادت إنجلترا عام 1832؛
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
فكان جواب صاحب الجلالة المسيحية مطالبة الهند مستعمرة برتغالية لأسباب لم يكن في مقدور الراجا أن يفهمها لجهله؛ فلكي يوضح له الأمر، أرسلت البرتغال أسطولا إلى الهند مزودا بتعليمات لنشر المسيحية وإثارة الحروب؛ وبعدئذ جاء الهولنديون في القرن السابع عشر، وطردوا البرتغاليين؛ ثم جاء الفرنسيون والإنجليز في القرن الثامن عشر، وطردوا الهولنديين، ونشبت بين الفريقين معارك حامية الوطيس لتقرر أي الفريقين يتولّى إدخال المدنية إلى الهند وفرض الضرائب على أهلها
وكانت "شركة الهند الشرقية" قد تأسست في لندن عام 1600م لتشتري منتجات الهند وجزر الهند الشرقية بأثمان بخسة وتبيعها بأثمان مرتفعة في أوروبا وقد أعلنت الشركة عام 1686م عزمها على "إقامة مستعمرة إنجليزية واسعة في الهند، بحيث تكون متينة الدعائم فتدوم إلى الأبد"(3)، وأنشأت مراكز تجارية في مدراس وكلكتا وبومباي، وحصنتها، وجاءت إليها بجنود وخاضت معارك القتال، ورشت وارتشت، ومارست غير ذلك من مهام الحكومة؛ ولم يتردد "كلايف" في قبول " الهدايا" التي بلغت قيمتها أحياناً مائة وسبعين ألفا من الريالات، قدمها له الحكام الهنود المعتمدون على نيران مدافعه، كما ظفر منهم - بالإضافة إلى تلك "الهدايا" - بجزية سنوية تعادل مائة وأربعين ألفا من الريالات؛ وعين الأمير جعفر حاكما على البنغال لقاء مبلغ يعادل ستة ملايين ريال؛ وراح يضرب كل أمير وطني بالآخر، ويضم أملاكهم إلى حظيرة "شركة الهند الشرقية" شيئا فشيئا؛ وأدمن في أكل الأفيون، واتهمه البرلمان وبرأه، وأزهق روحه بيده سنة 1774م(4)؛ وأما "وارن هيستنجز" - وهو شجاع علامة قدير - فقد جمع من الأمراء الوطنيين مبلغا كبيرا قدره ربع مليون ريال ضريبة عليهم دفعوها في خزانة الشركة؛
صفحة رقم : 1052
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
وقبل الرشاوي لقاء وعد بألا يفرض ضريبة أكثر مما فرضه، ثم عاد ففرض ضريبة، واستولى للشركة على الأراضي التي لم تستطع دفعها، واحتل "أوز" بجيشه، ثم باعها لأحد الأمراء بمليونين ونصف مليون من الريالات(5)؛ وتسابق الهازم والمهزوم في الرشوة؛ وفرضت على أجزاء الهند التي خضعت لسلطان الشركة ضريبة أراض بلغت خمسين في كل مائة وحدة من وحدات الإنتاج، بالإضافة إلى فروض أخرى كانت من الكثرة والقسوة بحيث فرّ ثلثا السكان، وباع آخرون أبنائهم ليسدوا ما كانوا يطالبون به من ضرائب متصاعدة(6)؛ ويقول ماكولي: "جمعت في كلكتا أموال طائلة في وقت قصير، ودفع بثلاثين مليونا من الأنفس البشرية إلى أقصى حدود الشقاء؛ نعم قد تعودوا من قبل أن يعيشوا في جو من الطغيان لم يبلغ بهم كل هذا المدى"(7).
فما جاءت سنة 1857م حتى كانت جرائم الشركة قد أفقرت الجزء الشمالي الشرقي من الهند إفقارا أوغر صدور الأهالي فشقوا عصى الطاعة في ثورة يائسة؛ عندئذ تدخلت الحكومة البريطانية، وقمعت "العصيان" وتولّت هي الحكم في الأراضي التي سيطرت عليها، واعتبرتها مستعمرة للتاج، ودفعت عن ذلك تعويضا سخيا للشركة، وأضافت ثمن الشراء هذا إلى الدين العام في الهند(؛ لقد كان هذا فتحا للبلاد صريحا غاشما، وقد لا يجوز لنا أن نحكم عليه بمعيار "الوصايا الخلقية" التي يحفظها الناس في غرب السويس، إذ ربما كان الأجدر أن نفهم الموقف على أساس "دارون" و"نيتشه": فشعب عجز عن حكم نفسه أو عجز عن استغلال موارده الطبيعية، لابد من وقوعه فريسة لأمم تعاني مما يستثيرها من دوافع الجشع وبسط النفوذ.
وعاد هذا الفتح ببعض المزايا على الهند؛ فرجال أمثال "بنتنك" و"كاننج" و"منرو" و "إلفنستون" و "ماكولي" أدخلوا في إدارة الأجزاء البريطانية من الهند شيئا من سخاء الحرية التي سادت إنجلترا عام 1832؛
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1053
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
فقد استطاع "لورد وليم بنتنك" بمساعدة المصلحين من أهل البلاد، وبحافز منهم، أمثال "رام موهون روي" ، استطاع أن يلغي عادة دفن الزوجة حيّة مع زوجها الميت وأن يحرّم ما كانت تقوم به طائفة من خنق الأغنياء إرضاء للإلهة "كالي"؛ ولئن حارب الإنجليز مائة وإحدى عشرة حرباً في الهند، مستخدمين فيها أموال الهند ورجالها(9) ليتمموا فتح الهند، فقد تمكنوا بعدئذ من نشر السلام على ربوع شبه الجزيرة كلها، ومدوا الطرق الحديدية، وأقاموا المصانع والمدارس، وفتحوا الجامعات في كلكتا ومدراس وبومباي ولاهور والله آباد، ونقلوا من إنجلترا علومها وفنونها الصناعية إلى الهند، وألهبت الشرق بروح الغرب الديمقراطية، ولعبوا دوراً هاماً في إطلاع العالم على ما شهدته الهند في ماضيها من ثروة ثقافية غزيرة؛ وكان ثمن هذه الخيرات كلها طغياناً مالياً مكن لطائفة من الحكام المتتابعين أن يبتزوا ثروة الهند عاما بعد عام قبل عودتهم إلى بلادهم الشمالية التي تثير في الإنسان عوامل الفاعلية والنشاط؛ وكان ثمن هذه الخيرات طغيانا اقتصاديا قضى على الصناعات الهندية، وقذف بملايين صناعها الفنيين إلى الأرض يزرعونها فلا تكفيهم طعاماً؛ وكان ثمن هذه الخيرات كذلك طغيانا سياسيا كان من أثره - وقد جاء بعد طغيان "أورنجزيب" الضيق الأفق بزمن قصير - أن يميت روح الشعب الهندي قرنا كاملا.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قراصنة البحر في نشوتهم
فقد استطاع "لورد وليم بنتنك" بمساعدة المصلحين من أهل البلاد، وبحافز منهم، أمثال "رام موهون روي" ، استطاع أن يلغي عادة دفن الزوجة حيّة مع زوجها الميت وأن يحرّم ما كانت تقوم به طائفة من خنق الأغنياء إرضاء للإلهة "كالي"؛ ولئن حارب الإنجليز مائة وإحدى عشرة حرباً في الهند، مستخدمين فيها أموال الهند ورجالها(9) ليتمموا فتح الهند، فقد تمكنوا بعدئذ من نشر السلام على ربوع شبه الجزيرة كلها، ومدوا الطرق الحديدية، وأقاموا المصانع والمدارس، وفتحوا الجامعات في كلكتا ومدراس وبومباي ولاهور والله آباد، ونقلوا من إنجلترا علومها وفنونها الصناعية إلى الهند، وألهبت الشرق بروح الغرب الديمقراطية، ولعبوا دوراً هاماً في إطلاع العالم على ما شهدته الهند في ماضيها من ثروة ثقافية غزيرة؛ وكان ثمن هذه الخيرات كلها طغياناً مالياً مكن لطائفة من الحكام المتتابعين أن يبتزوا ثروة الهند عاما بعد عام قبل عودتهم إلى بلادهم الشمالية التي تثير في الإنسان عوامل الفاعلية والنشاط؛ وكان ثمن هذه الخيرات طغيانا اقتصاديا قضى على الصناعات الهندية، وقذف بملايين صناعها الفنيين إلى الأرض يزرعونها فلا تكفيهم طعاماً؛ وكان ثمن هذه الخيرات كذلك طغيانا سياسيا كان من أثره - وقد جاء بعد طغيان "أورنجزيب" الضيق الأفق بزمن قصير - أن يميت روح الشعب الهندي قرنا كاملا.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1054
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
الفصل الثاني
قديسو العهد المتأخر
المسيحية في الهند - "براهما - سوماج" -
الإسلام - راما كرشنا - فيفيكاماندا
كان من الطبيعي الذي يلائم روح الهند، أن تلتمس تلك البلاد وهي في هذه الظروف عزاءها في الدين؛ ولقد رحبت بالمسيحية ترحيبا قلبيا خالصا حينا من الزمن، إذ وجدت فيها كثيرا من المثل الخلقية العليا التي لبثت آلاف السنين تضعها من أنفسها مواضع التقديس؛ وفي ذلك يقول "الأب دبوا" في غير ممالأة "لقد كان من الجائز - فيما تبين من الظواهر - أن تضرب المسيحية بجذورها في أهل الهند، لولا أن أدرك هؤلاء الناس صفات الأوربيين وأنواع سلوكهم"(10) فقد ظل المبشرون بالمسيحية في الهند طوال القرن التاسع عشر يحاولون في نفوس قلقة أن يسمعوا الناس صوت المسيح، فكان عليهم أن يرتفعوا به فوق أصوات المدافع التي كانت تزأر أثناء فتحها للبلاد؛ وراحوا يقيمون المدارس والمستشفيات ويعدونها بالأدوات اللازمة، وأخذوا يوزعون على الناس الدواء والصدقات، مع ما ينشرونه بينهم من تعاليم الدين، وكانوا أول من بذر في المنبوذين بذور الإحساس بآدميتهم؛ لكن التضاد الملحوظ بين تعاليم المسيحية ومسلك المسيحيين أثار في نفوس الهنود تشككا وسخرية؛ فقالوا إن بعث "العزير" من عالم الموتى لا يستثير العجب، لأن في ديانتهم من المعجزات ما هو أشد من هذا استثارة للدهشة وجدارة بالاهتمام؛ وكل رجل بينهم ممن يمارسون "اليوجا" يستطيع اليوم أن يفعل المعجزات، على حين معجزات المسيحية قد ذهب عهدها - فيما يظهر - وانقضى(11) وتمسك البراهمة بمبادئهم في اعتزاز بها،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
الفصل الثاني
قديسو العهد المتأخر
المسيحية في الهند - "براهما - سوماج" -
الإسلام - راما كرشنا - فيفيكاماندا
كان من الطبيعي الذي يلائم روح الهند، أن تلتمس تلك البلاد وهي في هذه الظروف عزاءها في الدين؛ ولقد رحبت بالمسيحية ترحيبا قلبيا خالصا حينا من الزمن، إذ وجدت فيها كثيرا من المثل الخلقية العليا التي لبثت آلاف السنين تضعها من أنفسها مواضع التقديس؛ وفي ذلك يقول "الأب دبوا" في غير ممالأة "لقد كان من الجائز - فيما تبين من الظواهر - أن تضرب المسيحية بجذورها في أهل الهند، لولا أن أدرك هؤلاء الناس صفات الأوربيين وأنواع سلوكهم"(10) فقد ظل المبشرون بالمسيحية في الهند طوال القرن التاسع عشر يحاولون في نفوس قلقة أن يسمعوا الناس صوت المسيح، فكان عليهم أن يرتفعوا به فوق أصوات المدافع التي كانت تزأر أثناء فتحها للبلاد؛ وراحوا يقيمون المدارس والمستشفيات ويعدونها بالأدوات اللازمة، وأخذوا يوزعون على الناس الدواء والصدقات، مع ما ينشرونه بينهم من تعاليم الدين، وكانوا أول من بذر في المنبوذين بذور الإحساس بآدميتهم؛ لكن التضاد الملحوظ بين تعاليم المسيحية ومسلك المسيحيين أثار في نفوس الهنود تشككا وسخرية؛ فقالوا إن بعث "العزير" من عالم الموتى لا يستثير العجب، لأن في ديانتهم من المعجزات ما هو أشد من هذا استثارة للدهشة وجدارة بالاهتمام؛ وكل رجل بينهم ممن يمارسون "اليوجا" يستطيع اليوم أن يفعل المعجزات، على حين معجزات المسيحية قد ذهب عهدها - فيما يظهر - وانقضى(11) وتمسك البراهمة بمبادئهم في اعتزاز بها،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1055
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
إذ كانوا يقابلون عقائد الغرب بطائفة من أفكارهم، لها ما لتلك العقائد الغربية من دقة وعمق وبعد عن التصديق، ولهذا ترى "سير تشارلز أليوت" يقول: "إن المسيحية قد تقدمت في الهند تقدما لا قيمة له لضآلته"(12).
ومع ذلك فقد كان لشخصية المسيح الفاتنة من عمق الأثر في الهند أكثر جدا مما يمكن قياسه بكون المسيحية لم تشتمل على أكثر من ستة في كل مائة من السكان بعد زمن امتد ثلاثة قرون؛ وأولى علائم هذا التأثير تظهر في "بهاجافاد - جيتا"(13)، وأما آخر ما ظهر لهذا التأثير من علامات فتراه في غاندي وطاغور؛ وأوضح مثل يدل على هذا التأثير هو الجمعية الإصلاحية التي تسمى "براهما -سوماج" التي أسسها "رام موهون روي" سنة 1828م، ولن تجد أحدا تناول الدين بدراسة يحاسبه فيها ضميره أكثر مما فعل هذا الرجل؛ فقد درس "روي" اللغة السنسكريتية ليقرأ كتب الفيدا، وتعلم اللغة البالية ليقرأ كتاب البوذية "تربيتاكا" ، وعرف الفارسية والعربية ليدرس الإسلام ويقرأ القرآن، ودرس العبرية ليجيد فهم "العهد القديم" كما درس اليونانية ليفهم "العهد الجديد"(14) وبعد ذلك كله تعلم الإنجليزية وكتب بها كتابة بلغت من السلاسة والرشاقة حدا جعل "جرمي بنتام" يتمنى لو استفاد "جيمز مل" بنسجه على منواله؛ وفي سنة 1820م نشر "روي" كتابه تعاليم المسيح، وهو مرشد للسلام والسعادة، وقال فيه: "لقد وجدت تعاليم المسيح، أهدى لمبادئ الأخلاق، وأكثر ملائمة لما يتطلبه بنو الإنسان المتصفون بالعقل، من أية ديانة أخرى مما وقع في حدود علمي"(15) واقترح على بني وطنه الذين جللتهم دياناتهم المخجلات، اقترح عليهم ديانة جديدة تتخلص من تعدد الآلهة وتعدد الزوجات والطبقات وزواج الأطفال ودفن الزوجات مع أزواجهن وعبادة الأوثان وألا يعبدوا إلا ألها واحدا، هو براهما؛ ولقد تمنى كما تمنى
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
إذ كانوا يقابلون عقائد الغرب بطائفة من أفكارهم، لها ما لتلك العقائد الغربية من دقة وعمق وبعد عن التصديق، ولهذا ترى "سير تشارلز أليوت" يقول: "إن المسيحية قد تقدمت في الهند تقدما لا قيمة له لضآلته"(12).
ومع ذلك فقد كان لشخصية المسيح الفاتنة من عمق الأثر في الهند أكثر جدا مما يمكن قياسه بكون المسيحية لم تشتمل على أكثر من ستة في كل مائة من السكان بعد زمن امتد ثلاثة قرون؛ وأولى علائم هذا التأثير تظهر في "بهاجافاد - جيتا"(13)، وأما آخر ما ظهر لهذا التأثير من علامات فتراه في غاندي وطاغور؛ وأوضح مثل يدل على هذا التأثير هو الجمعية الإصلاحية التي تسمى "براهما -سوماج" التي أسسها "رام موهون روي" سنة 1828م، ولن تجد أحدا تناول الدين بدراسة يحاسبه فيها ضميره أكثر مما فعل هذا الرجل؛ فقد درس "روي" اللغة السنسكريتية ليقرأ كتب الفيدا، وتعلم اللغة البالية ليقرأ كتاب البوذية "تربيتاكا" ، وعرف الفارسية والعربية ليدرس الإسلام ويقرأ القرآن، ودرس العبرية ليجيد فهم "العهد القديم" كما درس اليونانية ليفهم "العهد الجديد"(14) وبعد ذلك كله تعلم الإنجليزية وكتب بها كتابة بلغت من السلاسة والرشاقة حدا جعل "جرمي بنتام" يتمنى لو استفاد "جيمز مل" بنسجه على منواله؛ وفي سنة 1820م نشر "روي" كتابه تعاليم المسيح، وهو مرشد للسلام والسعادة، وقال فيه: "لقد وجدت تعاليم المسيح، أهدى لمبادئ الأخلاق، وأكثر ملائمة لما يتطلبه بنو الإنسان المتصفون بالعقل، من أية ديانة أخرى مما وقع في حدود علمي"(15) واقترح على بني وطنه الذين جللتهم دياناتهم المخجلات، اقترح عليهم ديانة جديدة تتخلص من تعدد الآلهة وتعدد الزوجات والطبقات وزواج الأطفال ودفن الزوجات مع أزواجهن وعبادة الأوثان وألا يعبدوا إلا ألها واحدا، هو براهما؛ ولقد تمنى كما تمنى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1056
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
من قبله "أكبر" - أن تتحد الهند كلها في عقيدة دينية بسيطة، لكنه - مثل "أكبر" لم يحسب حساب الخرافة وتأصلها في قلوب الدهماء؛ ولهذا فقد أصبحت "براهما - سوماج" اليوم - بعد مائة عام قضتها في جهاد مفيد - بحيث لا ترى لها أثرا في الحياة الهندية .
والمسلمون هم أقوى الأقليات الدينية في الهند وأكثرها إثارة للاهتمام، وسنرجئ دراسة دينهم إلى جزء آخر من أجزاء هذا الكتاب؛ وليس العجيب أن يفشل الإسلام في اكتساب الهند إلى اعتناقه على الرغم من معاونة "أورنجزيب" له على ذلك معاونة متحمسة، إنما المعجزة هي ألا يخضع الإسلام في الهند للهندوسية؛ فبقاء هذه الديانة الموحدة على بساطتها وصلابتها، وسط ألوان متشابكة من الديانات التي تذهب إلى تعدد الآلهة، دليل يشهد على ما يتصف به العقل الإسلامي من رجولة، وحسبنا لكي نقدر عنف هذه المقاومة وجسامة هذا المجهود أن نذكر كيف تلاشت البوذية في البرهمية، فإله المسلمين له اليوم سبعون مليونا من عباده في الهند.
لم يطمئن الهندي إلا قليلا إلى أية عقيدة دينية مما جاءه من خارج بلاده، وأولئك الذين كان لهم أبلغ الأثر في شعوره الديني إبان القرن التاسع عشر هم
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
من قبله "أكبر" - أن تتحد الهند كلها في عقيدة دينية بسيطة، لكنه - مثل "أكبر" لم يحسب حساب الخرافة وتأصلها في قلوب الدهماء؛ ولهذا فقد أصبحت "براهما - سوماج" اليوم - بعد مائة عام قضتها في جهاد مفيد - بحيث لا ترى لها أثرا في الحياة الهندية .
والمسلمون هم أقوى الأقليات الدينية في الهند وأكثرها إثارة للاهتمام، وسنرجئ دراسة دينهم إلى جزء آخر من أجزاء هذا الكتاب؛ وليس العجيب أن يفشل الإسلام في اكتساب الهند إلى اعتناقه على الرغم من معاونة "أورنجزيب" له على ذلك معاونة متحمسة، إنما المعجزة هي ألا يخضع الإسلام في الهند للهندوسية؛ فبقاء هذه الديانة الموحدة على بساطتها وصلابتها، وسط ألوان متشابكة من الديانات التي تذهب إلى تعدد الآلهة، دليل يشهد على ما يتصف به العقل الإسلامي من رجولة، وحسبنا لكي نقدر عنف هذه المقاومة وجسامة هذا المجهود أن نذكر كيف تلاشت البوذية في البرهمية، فإله المسلمين له اليوم سبعون مليونا من عباده في الهند.
لم يطمئن الهندي إلا قليلا إلى أية عقيدة دينية مما جاءه من خارج بلاده، وأولئك الذين كان لهم أبلغ الأثر في شعوره الديني إبان القرن التاسع عشر هم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1057
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
الذين بذروا بذور مذهبهم وعبادتهم في عقائد الشعب القديمة؛ فقد أصبح "راما كرشنا" - وهو برهمي فقير من البنغال - مسيحيا حينا من الزمن، وأحس جمال المسيحية واعتنق الإسلام حينا آخر، وأدى صلاة المسلمين بما تقتضيه من خشونة وعنف، لكن قلبه التقي سرعان ما عاد به إلى الهندوسية، بل عاد به إلى عبادة "كالي" الفظيعة، وجعل نفسه كاهنا من كهانها، وصورها في صورة الإلهة الأم التي تفيض نفسها فيضا بالرحمة والحب؛ ونبذ أساليب العقل وبشّر بمذهب "بهاكتي - يوجا" وهو مذهب يدعوا إلى الحب ورباطه؛ ومن أقواله "إن معرفة الله يمكن تشبيهها برجل، وأما حب الله فشبيه بامرأة؛ إن المعرفة لا تستطيع الدخول إلا في الحجرات الخارجية لله، وليس يستطيع الدخول في غوامض الله الباطنية إلا محب"(18).
ولم يرد "راما كرشنا" أن يعلم نفسه، على خلاف "رام موهون روي" ، فلم يتعلم شيئا من السنسكريتية أو الإنجليزية، ولم يكتب شيئا، واجتنب النقاش العقلي؛ ولما سأله منطقي منتفخ الأوداج بمنطقه: "ما المعرفة وما المعروف؟" أجابه قائلا: "إني يا صاح لا علم لي بهذه الدقائق من علم المتفقهين؛ إن كل ما أعرفه هو (إلهتي الوالدة، وإنني ابنها"(19) وكان يعلّم أتباعه أن كل الديانات خير، وكل منها طريق يؤدي إلى الله، أو مرحلة من مراحل الطريق إلى الله، تلائم عقل الباحث عن الله وقلبه؛ ومن الحمق أن تتحول من دين إلى دين، إذ كل ما يتطلبه الإنسان هو أن يمضي في طريقه الذي بدأه، وأن يتعمق عقيدته الخاصة إلى لبابها "إن كل الأنهار تتدفق في المحيط، فاندفق حتى تخلى الطريق لاندفاق الآخرين كذلك!"(20) وأفسح
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
الذين بذروا بذور مذهبهم وعبادتهم في عقائد الشعب القديمة؛ فقد أصبح "راما كرشنا" - وهو برهمي فقير من البنغال - مسيحيا حينا من الزمن، وأحس جمال المسيحية واعتنق الإسلام حينا آخر، وأدى صلاة المسلمين بما تقتضيه من خشونة وعنف، لكن قلبه التقي سرعان ما عاد به إلى الهندوسية، بل عاد به إلى عبادة "كالي" الفظيعة، وجعل نفسه كاهنا من كهانها، وصورها في صورة الإلهة الأم التي تفيض نفسها فيضا بالرحمة والحب؛ ونبذ أساليب العقل وبشّر بمذهب "بهاكتي - يوجا" وهو مذهب يدعوا إلى الحب ورباطه؛ ومن أقواله "إن معرفة الله يمكن تشبيهها برجل، وأما حب الله فشبيه بامرأة؛ إن المعرفة لا تستطيع الدخول إلا في الحجرات الخارجية لله، وليس يستطيع الدخول في غوامض الله الباطنية إلا محب"(18).
ولم يرد "راما كرشنا" أن يعلم نفسه، على خلاف "رام موهون روي" ، فلم يتعلم شيئا من السنسكريتية أو الإنجليزية، ولم يكتب شيئا، واجتنب النقاش العقلي؛ ولما سأله منطقي منتفخ الأوداج بمنطقه: "ما المعرفة وما المعروف؟" أجابه قائلا: "إني يا صاح لا علم لي بهذه الدقائق من علم المتفقهين؛ إن كل ما أعرفه هو (إلهتي الوالدة، وإنني ابنها"(19) وكان يعلّم أتباعه أن كل الديانات خير، وكل منها طريق يؤدي إلى الله، أو مرحلة من مراحل الطريق إلى الله، تلائم عقل الباحث عن الله وقلبه؛ ومن الحمق أن تتحول من دين إلى دين، إذ كل ما يتطلبه الإنسان هو أن يمضي في طريقه الذي بدأه، وأن يتعمق عقيدته الخاصة إلى لبابها "إن كل الأنهار تتدفق في المحيط، فاندفق حتى تخلى الطريق لاندفاق الآخرين كذلك!"(20) وأفسح
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1058
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
صدره رحباً لعقيدة الناس في آلهة متعددة، واستسلم متواضعا لعقيدة الفلاسفة في إله واحد؛ أما عقيدته هو التي ينبض بها قلبه فهي أن الله روح تجسد في الناس جميعا، وعبادة الله الحقيقية التي لا عبادة سواها، هي خدمة الإنسانية خدمة صادرة عن حب.
ولقد اختاره كثيرون من رقاق النفوس "شيخا" لهم، منهم الأغنياء والفقراء، ومنهم البراهمة والمنبوذون، وألفوا جمعية باسمه وقاموا بحملة تبشيرية بمذهبه؛ وألمع هؤلاء الأتباع شخصية هو شاب معتد من طبقة الكشاترية واسمه "نارندرانات دوت" ، الذي تقدم إلى "راما كرشنا" بادئ ذي بدء - وكان عقله عندئذ قد أفعم بآراء "سبنسر" و "دارون" - على أنه ملحد لا يجد غير شقوة النفس في إلحاده، لكنه في الوقت نفسه مزدر للأساطير والخرافات التي لم يكن الدين في رأيه إلا إياها؛ فلما غلبته من " راما كرشنا " طيبته الصابرة، أصبح "نارن" بين أتباع "الشيخ" أشدهم تحمساً، وأعاد لنفسه تعريف الله بأنه "مجموعة الأرواح كلها"(21) وطالب الناس بأن يباشروا الدين، لا عن طريق التقشف والتأمل الفارغين، بل عن طريق خدمة الإنسانية خدمة تستنفد من أنفسهم كل تقواها.
"أرجئوا إلى الحياة الآخرة قراءة "الفيدانتا" واصطناع التأمل، وأصرفوا هذا البدن الذي يحيا هاهنا إلى خدمة الآخرين ... إن الحقيقة السامية التي لا حقيقة بعدها هي هذه: الله موجود في الكائنات جميعا، فهذه الكائنات صوره الكثيرة، وليس وراءها إله آخر يبحث الإنسان عنه، ليس هناك سبيل إلى خدمة الله سوى خدمة سائر الكائنات!"(22).
وغير اسمه وجعله "فيفي كاناندا" وغادر الهند ليجمع مالا يعين المبشرين بمذهب "راما كرشنا" على أداء رسالتهم، حتى إذا ما كان عام 1893م، وجد نفسه ضالا معدما في مدينة شيكاغو، فما هو إلا أن ظهر في "برلمان الديانات"
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
صدره رحباً لعقيدة الناس في آلهة متعددة، واستسلم متواضعا لعقيدة الفلاسفة في إله واحد؛ أما عقيدته هو التي ينبض بها قلبه فهي أن الله روح تجسد في الناس جميعا، وعبادة الله الحقيقية التي لا عبادة سواها، هي خدمة الإنسانية خدمة صادرة عن حب.
ولقد اختاره كثيرون من رقاق النفوس "شيخا" لهم، منهم الأغنياء والفقراء، ومنهم البراهمة والمنبوذون، وألفوا جمعية باسمه وقاموا بحملة تبشيرية بمذهبه؛ وألمع هؤلاء الأتباع شخصية هو شاب معتد من طبقة الكشاترية واسمه "نارندرانات دوت" ، الذي تقدم إلى "راما كرشنا" بادئ ذي بدء - وكان عقله عندئذ قد أفعم بآراء "سبنسر" و "دارون" - على أنه ملحد لا يجد غير شقوة النفس في إلحاده، لكنه في الوقت نفسه مزدر للأساطير والخرافات التي لم يكن الدين في رأيه إلا إياها؛ فلما غلبته من " راما كرشنا " طيبته الصابرة، أصبح "نارن" بين أتباع "الشيخ" أشدهم تحمساً، وأعاد لنفسه تعريف الله بأنه "مجموعة الأرواح كلها"(21) وطالب الناس بأن يباشروا الدين، لا عن طريق التقشف والتأمل الفارغين، بل عن طريق خدمة الإنسانية خدمة تستنفد من أنفسهم كل تقواها.
"أرجئوا إلى الحياة الآخرة قراءة "الفيدانتا" واصطناع التأمل، وأصرفوا هذا البدن الذي يحيا هاهنا إلى خدمة الآخرين ... إن الحقيقة السامية التي لا حقيقة بعدها هي هذه: الله موجود في الكائنات جميعا، فهذه الكائنات صوره الكثيرة، وليس وراءها إله آخر يبحث الإنسان عنه، ليس هناك سبيل إلى خدمة الله سوى خدمة سائر الكائنات!"(22).
وغير اسمه وجعله "فيفي كاناندا" وغادر الهند ليجمع مالا يعين المبشرين بمذهب "راما كرشنا" على أداء رسالتهم، حتى إذا ما كان عام 1893م، وجد نفسه ضالا معدما في مدينة شيكاغو، فما هو إلا أن ظهر في "برلمان الديانات"
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1059
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
في "المهرجان العالمي" وخاطب الحاضرين على أنه يمثل العقيدة الهندوسية، فاستولى على قلوب السامعين جميعا بطلعته المهيبة، ومذهبه الذي يوحد العقائد الدينية جميعا، وشريعته الخلقية البسيطة التي تجعل خدمة الإنسانية خير عبادة يتوجه بها الإنسان لله؛ فأصبح الإلحاد ديانة شريفة بفعل السحر الذي نفثته بلاغته، ووجد الشيوخ المتزمتون من رجال الدين ألا مناص من احترام هذا "الوثني" الذي يعلن بألا إله غير أرواح الكائنات الحية؛ ولما عاد إلى الهند جعل يبشر بني وطنه بعقيدة دينية لم يشهد الهندوسيون ما يفوقها صلابة بين كل الديانات التي بشروا بها منذ العصر الفيدي:
"إن الديانة التي نريدها ديانة تقيم دعائم الإنسان ...فانفضوا عن أنفسكم هذه التصوفات التي تنهك قواكم، وكونوا أقوياء ... لنمح من أذهاننا خلال الخمسين عاما المقبلة ... كل الآلهة الذين لا طائل وراءهم بحيث لا نبقي أمام أعيننا إلا خدمة الإنسان؛ فجنسنا البشري هو الإله الوحيد اليقظان، فيداه في كل مكان، إنه يشمل كل شيء ... إن أولى العبادات كلها هي عبادة من يحيطون بنا ... هؤلاء هم آلهتنا الذين لا آلهة لنا سواهم - أعني أفراد الإنسان والحيوان؛ وأول ما ينبغي لنا أن نعبده من هؤلاء الآلهة هم بنو وطننا"(23).
لم يكن بين هذه التعاليم وبين غاندي إلا خطوة واحدة.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> قديسو العهد المتأخر
في "المهرجان العالمي" وخاطب الحاضرين على أنه يمثل العقيدة الهندوسية، فاستولى على قلوب السامعين جميعا بطلعته المهيبة، ومذهبه الذي يوحد العقائد الدينية جميعا، وشريعته الخلقية البسيطة التي تجعل خدمة الإنسانية خير عبادة يتوجه بها الإنسان لله؛ فأصبح الإلحاد ديانة شريفة بفعل السحر الذي نفثته بلاغته، ووجد الشيوخ المتزمتون من رجال الدين ألا مناص من احترام هذا "الوثني" الذي يعلن بألا إله غير أرواح الكائنات الحية؛ ولما عاد إلى الهند جعل يبشر بني وطنه بعقيدة دينية لم يشهد الهندوسيون ما يفوقها صلابة بين كل الديانات التي بشروا بها منذ العصر الفيدي:
"إن الديانة التي نريدها ديانة تقيم دعائم الإنسان ...فانفضوا عن أنفسكم هذه التصوفات التي تنهك قواكم، وكونوا أقوياء ... لنمح من أذهاننا خلال الخمسين عاما المقبلة ... كل الآلهة الذين لا طائل وراءهم بحيث لا نبقي أمام أعيننا إلا خدمة الإنسان؛ فجنسنا البشري هو الإله الوحيد اليقظان، فيداه في كل مكان، إنه يشمل كل شيء ... إن أولى العبادات كلها هي عبادة من يحيطون بنا ... هؤلاء هم آلهتنا الذين لا آلهة لنا سواهم - أعني أفراد الإنسان والحيوان؛ وأول ما ينبغي لنا أن نعبده من هؤلاء الآلهة هم بنو وطننا"(23).
لم يكن بين هذه التعاليم وبين غاندي إلا خطوة واحدة.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1060
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
الفصل الثالث
طاغور
العلم والفن - أسرة من النوابـغ - نشأة
رابندرانات - شعره - سياسته - مدرسته
ما زالت الهند - رغم ما تعانيه من ظلم ومرارة عيش وفقر - تنتج العلم والأدب والفن؛ فقد طبقت شهرة الأستاذ "جاجادس شاندرا بوز" الخافقين لأبحاثه في الكهرباء وفسلجة النبات؛ وكانت جائزة نوبل تاجاً يكلل جهود الأستاذ "شاندرا سيخارا رامان" في فيزيقا الضوء؛ وقامت في عصرنا هذا مدرسة جديدة للتصوير في البنغال، تجمع بين خصوبة الألوان المتمثلة في نقوش "أجانتا" الجدارية، ورقة التخطيط البادية في تحف "راجبوت" ؛ و إنا لنلمح في صور "رابندرانات طاغور" شيئا يسيرا من ذلك التصوف العارم والفن الرقيق اللذين اشهرا شعر عمه في أمم الأرض جميعاً.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
الفصل الثالث
طاغور
العلم والفن - أسرة من النوابـغ - نشأة
رابندرانات - شعره - سياسته - مدرسته
ما زالت الهند - رغم ما تعانيه من ظلم ومرارة عيش وفقر - تنتج العلم والأدب والفن؛ فقد طبقت شهرة الأستاذ "جاجادس شاندرا بوز" الخافقين لأبحاثه في الكهرباء وفسلجة النبات؛ وكانت جائزة نوبل تاجاً يكلل جهود الأستاذ "شاندرا سيخارا رامان" في فيزيقا الضوء؛ وقامت في عصرنا هذا مدرسة جديدة للتصوير في البنغال، تجمع بين خصوبة الألوان المتمثلة في نقوش "أجانتا" الجدارية، ورقة التخطيط البادية في تحف "راجبوت" ؛ و إنا لنلمح في صور "رابندرانات طاغور" شيئا يسيرا من ذلك التصوف العارم والفن الرقيق اللذين اشهرا شعر عمه في أمم الأرض جميعاً.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1061
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
إن أسرة طاغور لتعد بين أعظم ما شهد التاريخ من أسر؛ فقد كان "دافندرانات طاغور" "وبالبنغالية تاكور" أحد القائمين على تنظيم الجمعية الإصلاحية "براهما ـ سوماج" ثم أصبح فيما بعد رئيسا لها؛ وهو رجل ذو ثراء وثقافة ووقار، ولما بلغ شيخوخته، كان للبنغال بمثابة الراعي الذي يميل برعيته عن جادة الدين؛ ومن نسله "أبانندرانات" ، "جوجونندرانات" والفيلسوف "دويجندرانات" والشاعر "رابندرانات" وكل هـؤلاء ينتسبون إلى طاغور، والأخيران منهما ابناه.
نشأ "رابندرانات" في جو من البحبوحة والتهذيب، فكانت الموسيقى والشعر والحوار الرفيع الهواء الذي يتنفسه؛ وكان روحا رقيقا منذ ولادته، شبيها بـ "شيلى" الذي أبى أن يموت صغيراً كما أبى أن يشيخ، وكان من الحنان بحيث تشجعت فئران السنجاب على ارتقاء ركبتيه، واطمأنت الأطيار إلي الوقوف على راحتيه(24)؛ وكان دقيق الملاحظة، متفتح النفس، يحس دوى ما تأتيه به تجارب الحياة بإحساس مرهف كإحساس المتصوفين ؛ فكان أحيانا يقف في شرفته ساعات، يلاحظ بنظرته الأدبية كل من يمر أمامه في الطريق: قوامه وقسماته وحركاته التي تميزه وطريقه مشيته، أحيانا يجلس على كنبة في غرفة داخلية، ويظل نصف يومه صامتاً، تمر في رأسه الذكريات والأحلام؛ وبدأ ينظم الشعر على لوح إردوازي، مغتبطا بكون الأخطاء يمكن محوها(25) وسرعان ما وجد نفسه ينشد الأغاني المترعة بحبه للهند ـ حبه لجمال منظرها، وفتنة نسائها، وعطفه على أهلها في آلامهم، وكان ينشئ لهذه الأناشيد موسيقاها بنفسه؛ فآخذت الهند كلها تتغنى بها وكان الشاعر الشاب يهتز كيانه كلما سمعها على شفاه أهل الريف السذج، إذ هو في طريقه مسافر خلال القرى النائية(25أ) وهاك أغنيه منها، ترجمها عن البنغالية مؤلفها نفسه، فمن سواه قد عبر تعبيرا يمازجه تشكك العطوف، عن لغو الغرام الذي لا يخلو من قدسية؟
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
إن أسرة طاغور لتعد بين أعظم ما شهد التاريخ من أسر؛ فقد كان "دافندرانات طاغور" "وبالبنغالية تاكور" أحد القائمين على تنظيم الجمعية الإصلاحية "براهما ـ سوماج" ثم أصبح فيما بعد رئيسا لها؛ وهو رجل ذو ثراء وثقافة ووقار، ولما بلغ شيخوخته، كان للبنغال بمثابة الراعي الذي يميل برعيته عن جادة الدين؛ ومن نسله "أبانندرانات" ، "جوجونندرانات" والفيلسوف "دويجندرانات" والشاعر "رابندرانات" وكل هـؤلاء ينتسبون إلى طاغور، والأخيران منهما ابناه.
نشأ "رابندرانات" في جو من البحبوحة والتهذيب، فكانت الموسيقى والشعر والحوار الرفيع الهواء الذي يتنفسه؛ وكان روحا رقيقا منذ ولادته، شبيها بـ "شيلى" الذي أبى أن يموت صغيراً كما أبى أن يشيخ، وكان من الحنان بحيث تشجعت فئران السنجاب على ارتقاء ركبتيه، واطمأنت الأطيار إلي الوقوف على راحتيه(24)؛ وكان دقيق الملاحظة، متفتح النفس، يحس دوى ما تأتيه به تجارب الحياة بإحساس مرهف كإحساس المتصوفين ؛ فكان أحيانا يقف في شرفته ساعات، يلاحظ بنظرته الأدبية كل من يمر أمامه في الطريق: قوامه وقسماته وحركاته التي تميزه وطريقه مشيته، أحيانا يجلس على كنبة في غرفة داخلية، ويظل نصف يومه صامتاً، تمر في رأسه الذكريات والأحلام؛ وبدأ ينظم الشعر على لوح إردوازي، مغتبطا بكون الأخطاء يمكن محوها(25) وسرعان ما وجد نفسه ينشد الأغاني المترعة بحبه للهند ـ حبه لجمال منظرها، وفتنة نسائها، وعطفه على أهلها في آلامهم، وكان ينشئ لهذه الأناشيد موسيقاها بنفسه؛ فآخذت الهند كلها تتغنى بها وكان الشاعر الشاب يهتز كيانه كلما سمعها على شفاه أهل الريف السذج، إذ هو في طريقه مسافر خلال القرى النائية(25أ) وهاك أغنيه منها، ترجمها عن البنغالية مؤلفها نفسه، فمن سواه قد عبر تعبيرا يمازجه تشكك العطوف، عن لغو الغرام الذي لا يخلو من قدسية؟
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1062
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
نبئني إن كان ذلك كله صدقا، يا حبيبي، نبئني إن كان ذلك كله صدقا،
أإذا لمعت هاتان العينان ببرقهما، استجابت لهما السحائب الدكناء في صدرك بالعواصف؟
أصحيح أن شفتي في حلاوة برعم الحب المتفتح، حين يكون الحب في أول وعيه؟
أترى ذكريات ما مضى من أشهر الربيع ما تزال عالقة في جوارح بدني؟
أصحيح أن الأرض ـ كأنها القيثارة ـ تهتز بالغناء كلما مستها قدماي؟
أصحيح ـ إذن ـ أن الليل تدمع عيناه بقطرات الندى كلما بدوت لناظريك، وأن ضوء الصبح ينتشي فرحا إذا ما لف بدني بأشعته؟
أصحيح، أصحيح، أن حبك لم يزل يخبط فريدا خلال العصور ويتنقل من عالم إلى عالم باحثا عنى؟
وأنك حين وجدتني أخر الأمر، وجدت رغبتك الأزلية سكينتها التامة في عذب حديثي
وفي عيني وشفتي وشعري المسدول؟
أصحيح ـ إذن ـ أن لغز اللانهاية مكتوب على جبيني هذا الصغير؟
نبئني ـ يا حبيبي ـ إن كان ذلك كله صدقا
في هذه الأشعار حسنات كثيرة - فيها وطنية حادة وهي رغم حدتها
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
نبئني إن كان ذلك كله صدقا، يا حبيبي، نبئني إن كان ذلك كله صدقا،
أإذا لمعت هاتان العينان ببرقهما، استجابت لهما السحائب الدكناء في صدرك بالعواصف؟
أصحيح أن شفتي في حلاوة برعم الحب المتفتح، حين يكون الحب في أول وعيه؟
أترى ذكريات ما مضى من أشهر الربيع ما تزال عالقة في جوارح بدني؟
أصحيح أن الأرض ـ كأنها القيثارة ـ تهتز بالغناء كلما مستها قدماي؟
أصحيح ـ إذن ـ أن الليل تدمع عيناه بقطرات الندى كلما بدوت لناظريك، وأن ضوء الصبح ينتشي فرحا إذا ما لف بدني بأشعته؟
أصحيح، أصحيح، أن حبك لم يزل يخبط فريدا خلال العصور ويتنقل من عالم إلى عالم باحثا عنى؟
وأنك حين وجدتني أخر الأمر، وجدت رغبتك الأزلية سكينتها التامة في عذب حديثي
وفي عيني وشفتي وشعري المسدول؟
أصحيح ـ إذن ـ أن لغز اللانهاية مكتوب على جبيني هذا الصغير؟
نبئني ـ يا حبيبي ـ إن كان ذلك كله صدقا
في هذه الأشعار حسنات كثيرة - فيها وطنية حادة وهي رغم حدتها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1063
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
هادئة، وفيها فهم دقيق دقة التأنث للحب وللمرأة وللطبيعة وللرجل، وفيها نفاذ بالعاطفة الحادة إلى صميم الفلاسفة الهنود بما لهم من بصيرة نافذة، وفيها رقة عاطفة وعبارة تشبه رقه "تنسن" ولو كان في أشعاره عيب، فذلك جمالها الذي يطرد في كل أجزائها اطرادا جاوز الحد المطلوب، ورقتها ومثاليتها اللتان اطردتا كذلك اطرادا يحدث الملل؛ فكل امرأة في هذه الأشعار جميلة، وكل رجل فيها مفتون بامرأة أو بالموت أو بالله؛ والطبيعة فيها - وإن تكن بشعة أحيانا ـ فهي دائما خليلة، يستحيل عليها الكآبة والقحط والفظاعة ، ولعل قصة "شترا" هي قصة "طاغور" ؛ فحبيبها "أرجونا" قد ملها بعد عام لأنها جميلة جمالا كاملا لا يعتوره نقص؛ ولا يعود الله إلى حبها إلا بعـد أن تفقد جمالها وتكتسب قوة تمكنها من مزاولة أعباء الحياة الطبيعية ـ وحب الله لها رمز عميق يشير إلى الزواج السعيد(28) ويعترف طاغور بأوجه النقص في شعره اعترافا يسحرك برقته:
إن شعرك يا حبيبتي قد دارت في رأسه يوما ملحمة عظيمة
وأسفاه، لم أحرص عليها، وصادفت خلخالك فتفرقت أجزاؤها
وتمزقت قصاصات من أغان، لبثت منثورة عند قدميك
وعلى ذلك فقد أخذ يتغنى بالقصائد الوجدانية حتى نهايته، واستمع له العالم كله بآذان طربه إلا النقاد؛ ودهشت الهند بعض الشيء حين أنعم على شاعرها بجائزة نوبل 1913)م) لأن رجال النقد في البنغال لم يكونوا قد رأوا فيه إلا أخطاءه، واتخذ الأساتذة في كلكتا من أشعاره أمثلة تساق للغة البنغالية في أسلوبها الركيك(30) وكرهه الشبان المتأججين بنار الوطنية لأن مهاجمته لما في حياة الهند الخلقية من عيوب، كانت أقوى دويا من صيحته في سبيل الحرية السياسية ، ولما أنعم عليه بلقب "سير" عدوا ذلك منه خيانة للهند؛ ومع ذلك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1064
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
فلم ينعم بشرف هذا اللقب طويلا، وذلك لأنه حين أطلق الجنود البريطانيون نيرانهم على اجتماع ديني في "أمرتسار" نتيجة لسوء تفاهم محزن (سنة1919 م) أعاد طاغور وسامه إلى نائب الملك مصحوبا بخطاب يوجه فيه استنكارا مرا لما حدث؛ واليوم تراه شخصية وحيدة نوعها، وقد يكون أعمق أهل الأرض جميعا - في يومنا هذا - وقعا في النفوس، وهو مصلح كانت له الشجاعة التي مكنته من مهاجمه الآراء الاجتماعية الأساسية في الهند، وأعنى بها نظام الطبقات والعقيدة في تناسخ الأرواح، والتي هي أعز عقائد الهنود على قلوبهم(31)؛ وهو وطني يتحرق شوقا إلى حرية الهند، لكنه وجد في نفيه الجرأة فاحتج على الإسراف في النعرة القومية والسعي وراء المصالح الخاصة التي تلعب دورها في الحركة القومية؛ وهو مرب مل الخطابة والسياسة، وانكمش في صومعته في " شانتينى كيتان " يعلم بعض أبناء الجيل الجديد مذهبه في تحرير الفرد لنفسه تحريرا خلقيا ؛ وهو شاعر كسر قلبه موت زوجته في شبابها، وأنقض ظهره ذل بلاده؛ وهو فيلسوف " منقوع " في تعاليم الفيدانتا(32)؛ وهو متصوف يتذبذب ـ مثل شابدى داس ـ بين المرأة والله ومع ذلك تراه قد تجرد من عقيدة آبائه بمدى ما وصل إليه من علم؛ وهو محب للطبيعة يقابل رسل الموت فيها بعزاء وحيد، هو موهبته التي لا تبلى في إنشاد الغناء:
"آه، آيها الشاعر، إنه الغروب يدنو، وشعرك يدب فيه المشيب
فهل تسمع ـ إذ أنت وحيد في تأملك ـ صوت الآخرة يناديك؟"
قال الشاعر:
"إنه الغروب وهاأنذا أصغي خشية أن يناديني من القرية مناد، رغم أننا في ساعة متأخرة
إني أراقب لعلني واجد قلبين ضالين يلتقيان، أو زوجين من أعين مشتاقة تحن إلى ألحان الموسيقى لتزيل الصمت وتتحدث نيابة عنها
صفحة رقم : 1065
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
فمن ذا هناك ينسخ لهم أغاني عواطفهم، إذا أنا جلست على شاطئ الحياة وتأملت الموت والآخرة
إن من التوافه أن يدب في شعري المشيب
أنا أبدا في شباب أقوي الشباب، وفي شيخوخة أكبر الشيوخ من أهل هذه القرية ...
كلهم بحاجة إلي وليس لدي الفراغ أنفقه في التأمل فيما بعد الحياة
أنا مع كل إنسان أسايره في عمره، فماذا يضيرني إذا دب الشيب في رأسي؟"(33).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
فلم ينعم بشرف هذا اللقب طويلا، وذلك لأنه حين أطلق الجنود البريطانيون نيرانهم على اجتماع ديني في "أمرتسار" نتيجة لسوء تفاهم محزن (سنة1919 م) أعاد طاغور وسامه إلى نائب الملك مصحوبا بخطاب يوجه فيه استنكارا مرا لما حدث؛ واليوم تراه شخصية وحيدة نوعها، وقد يكون أعمق أهل الأرض جميعا - في يومنا هذا - وقعا في النفوس، وهو مصلح كانت له الشجاعة التي مكنته من مهاجمه الآراء الاجتماعية الأساسية في الهند، وأعنى بها نظام الطبقات والعقيدة في تناسخ الأرواح، والتي هي أعز عقائد الهنود على قلوبهم(31)؛ وهو وطني يتحرق شوقا إلى حرية الهند، لكنه وجد في نفيه الجرأة فاحتج على الإسراف في النعرة القومية والسعي وراء المصالح الخاصة التي تلعب دورها في الحركة القومية؛ وهو مرب مل الخطابة والسياسة، وانكمش في صومعته في " شانتينى كيتان " يعلم بعض أبناء الجيل الجديد مذهبه في تحرير الفرد لنفسه تحريرا خلقيا ؛ وهو شاعر كسر قلبه موت زوجته في شبابها، وأنقض ظهره ذل بلاده؛ وهو فيلسوف " منقوع " في تعاليم الفيدانتا(32)؛ وهو متصوف يتذبذب ـ مثل شابدى داس ـ بين المرأة والله ومع ذلك تراه قد تجرد من عقيدة آبائه بمدى ما وصل إليه من علم؛ وهو محب للطبيعة يقابل رسل الموت فيها بعزاء وحيد، هو موهبته التي لا تبلى في إنشاد الغناء:
"آه، آيها الشاعر، إنه الغروب يدنو، وشعرك يدب فيه المشيب
فهل تسمع ـ إذ أنت وحيد في تأملك ـ صوت الآخرة يناديك؟"
قال الشاعر:
"إنه الغروب وهاأنذا أصغي خشية أن يناديني من القرية مناد، رغم أننا في ساعة متأخرة
إني أراقب لعلني واجد قلبين ضالين يلتقيان، أو زوجين من أعين مشتاقة تحن إلى ألحان الموسيقى لتزيل الصمت وتتحدث نيابة عنها
صفحة رقم : 1065
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> طاغور
فمن ذا هناك ينسخ لهم أغاني عواطفهم، إذا أنا جلست على شاطئ الحياة وتأملت الموت والآخرة
إن من التوافه أن يدب في شعري المشيب
أنا أبدا في شباب أقوي الشباب، وفي شيخوخة أكبر الشيوخ من أهل هذه القرية ...
كلهم بحاجة إلي وليس لدي الفراغ أنفقه في التأمل فيما بعد الحياة
أنا مع كل إنسان أسايره في عمره، فماذا يضيرني إذا دب الشيب في رأسي؟"(33).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1066
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
الفصل الرابع
الشرق والغرب
الهند المتغيرة - التغيرات الاقتصادية
والاجتماعية - تدهور نضام الطبقات
والنقابات - المنبوذون - ظهور المرأة
إذا استطاع رجل "مثل طاغور" لم يعرف الإنجليزية حتى أوشك على الخمسين من عمره أن يكتب الإنجليزية بعدئذ في أسلوب جيد فتلك علامة تدل على السهولة التي يمكن بها مل الفجوات التي تفصل ذلك الشرق وذلك الغرب الذين حرم لقاءهما شاعر آخر؛ وهاهو ذا الغرب منذ مولد طاغور قد انتقل إلي الشرق بشتى الوسائل، وهو آخذ هناك في تغيير كل وجه الحياة الشرقية؛ فثلاثون ألف ميل من السكة الحديدية قد تشابكت فوق قفار الهند وجبالها, وحملت وجوها غربية إلى كل قرية من قراها؛ وأسلاك البرق والمطبعة قد جاءتا بأنباء العالم المتغير إلى كل من يريدها، فأوحت إليه بإمكان تغير بلاده؛ والمدارس الإنجليزية أخذت تعلم التاريخ البريطاني من وجهه نظر أرادت أن تخلق من الطلاب مواطنين بريطانيين، فغرست - غير عامدة - في النفوس الأفكار الإنكليزية عن الديمقراطية والحرية؛ فحتى الشرق ينهض اليوم برهانا على صدق هرقليطس .
فلما رأت الهند أنها قد غاصت في الفقر إبان القرن التاسع عشر بفعل تفوق المغازل الآلية البريطانية، وقوه المدافع البريطانية بالنسبة إلى ما عند أهل البلاد، فقد أخذت الآن توجه نظرها كارهة إلى تصنيع نفسها، ولذلك ترى
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
الفصل الرابع
الشرق والغرب
الهند المتغيرة - التغيرات الاقتصادية
والاجتماعية - تدهور نضام الطبقات
والنقابات - المنبوذون - ظهور المرأة
إذا استطاع رجل "مثل طاغور" لم يعرف الإنجليزية حتى أوشك على الخمسين من عمره أن يكتب الإنجليزية بعدئذ في أسلوب جيد فتلك علامة تدل على السهولة التي يمكن بها مل الفجوات التي تفصل ذلك الشرق وذلك الغرب الذين حرم لقاءهما شاعر آخر؛ وهاهو ذا الغرب منذ مولد طاغور قد انتقل إلي الشرق بشتى الوسائل، وهو آخذ هناك في تغيير كل وجه الحياة الشرقية؛ فثلاثون ألف ميل من السكة الحديدية قد تشابكت فوق قفار الهند وجبالها, وحملت وجوها غربية إلى كل قرية من قراها؛ وأسلاك البرق والمطبعة قد جاءتا بأنباء العالم المتغير إلى كل من يريدها، فأوحت إليه بإمكان تغير بلاده؛ والمدارس الإنجليزية أخذت تعلم التاريخ البريطاني من وجهه نظر أرادت أن تخلق من الطلاب مواطنين بريطانيين، فغرست - غير عامدة - في النفوس الأفكار الإنكليزية عن الديمقراطية والحرية؛ فحتى الشرق ينهض اليوم برهانا على صدق هرقليطس .
فلما رأت الهند أنها قد غاصت في الفقر إبان القرن التاسع عشر بفعل تفوق المغازل الآلية البريطانية، وقوه المدافع البريطانية بالنسبة إلى ما عند أهل البلاد، فقد أخذت الآن توجه نظرها كارهة إلى تصنيع نفسها، ولذلك ترى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1067
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
الصناعات اليدوية في طريق الاندثار، بينما ترى المصانع الآلية في سبيل النمو والتكاثر؛ ففي "جامستبور" تستخدم "شركه تاتا للحديد والصلب" خمسة وأربعين ألفاً من العمال، وهي تهدد زعامة الشركات الأمريكية في إنتاج الصلب؛ ويزداد إنتاج الفحم في الهند ازديادا سريعا؛ وربما لا يمضي جيل واحد حتى تلحق الصين والهند بأوربا وأمريكا في إخراج مواد الوقود والصناعة الرئيسية من جوف الأرض؛ وقد لا تكتفي هذه الموارد الأهلية بسد حاجات الأهالي، بل تجاوز ذلك إلى منافسة الغرب على أسواق العالم، وعندئذ يهبط مستوى المعيشة عند أهل بلادهم هبوطا شديدا، بسبب منافسة العمال ذوي الأجور المنخفضة في البلاد التي كانت فيما مضى طبعة متأخرة "أعني بها البلاد الزراعية" ، ففي البنغال مصانع على نمط كان معروفا في أواسط العصر الفكتوري تدفع أجورا على الأسلوب العتيق، مما يستدر الدموع في أعين المحافظين في البلاد الغربية ، وقد حل أصحاب رؤوس الأموال الهنود محل نظائرهم البريطانيين في كثير من الصناعات، وهم يستغلون بني وطنهم بنفس الجشع الذي كان يستغلهم به الأوربيون الذين يحملون عبء الرجل الأبيض .
ولم يتغير الأساس الاقتصادي في المجتمع الهندي دون أن يترك ذلك التغير أثره في النظم الاجتماعية وعادات الناس الخلقية، فنظام الطبقات كان وليد
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1068
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
مجتمع زراعي راكد لا يتغير؛ وهو إن ضمن النظام فلا يتيح طريق الصمود للعبقري إذا ظهر في طبقة دنيا، ولا يفسح من مجال الطموح والأمل، ولا يحفز الناس على الابتكار والمغامرة؛ ولذا فقد قضى عليه بالفناء حين بلغت الثورة الصناعية شواطئ الهند؛ فالآلات لا احترام عندها للأشخاص، ففي معظم المصانع يعمل الناس جنبا إلى جنب بغير تميز الطبقات؛ والقطارات وعربات الترام تهيئ مكانا للجلوس أو للوقوف لكل من يدفع الأجر المطلوب والجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية تضم كل المراتب في صعيد واحد؛وفي زحمة المسرح أو الطريق في المدينة،تتدافع المناكب بين البرهمي والمنبوذ فتنشأ بينهما زمالة لم تكن متوقعة؛ وقد أعلن أحد الراجات أن كل الطبقات والعقائد ستفتح لها أبواب قصره؛ وأصبح رجل من فئة "الشودرا" حاكماً مستنيراً لإقليم "بارودا" واستنكرت جمعية "براهما - سوماج" نظام الطبقات؛ وأيد "مؤتمر بنغال الإقليمي" التابع "للمؤتمر القومي" إلغاء الفوارق الطبقية كلها فوراً(36)، وهكذا تعمل الآلات على رفع طبقة جديدة رويدا رويدا إلى الثراء والقوة وتسدل الستار على طبقة أرستقراطية هي أقدم الطبقات الأرستقراطية القائمة اليوم.
وبالفعل فقدت الألفاظ المستعملة في التمييز بين الطبقات معانيها؛ فكلمة "فاسيا" تراها في الكتب اليوم، لكنك لا ترى لها مدلولاً في الحياة الواقعة؛ حتى كلمة "شودرا" قد اختفت في الشمال، بينما ظلت في الجنوب قائمة لكنها باتت لفظة تدل دلالة غامضة على كلٌ من ليس ببرهمي(37)؛ والواقع أن الطبقات الدنيا في سالف الأيام قد حل محلها ما يزيد على ثلاثة آلاف "طبقة" هي في الحقيقة نقابات: ممولون وتجار وصناع ومزارعون ومعلمون ومهندسون وبائعون جوابون وجزارون وحلاقون وسماكون وممثلون ومستخرجو الفحم، وغسالات وبائعات وحوذية وماسحو أحذية - هؤلاء تنتظمهم طبقات مهنية
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
مجتمع زراعي راكد لا يتغير؛ وهو إن ضمن النظام فلا يتيح طريق الصمود للعبقري إذا ظهر في طبقة دنيا، ولا يفسح من مجال الطموح والأمل، ولا يحفز الناس على الابتكار والمغامرة؛ ولذا فقد قضى عليه بالفناء حين بلغت الثورة الصناعية شواطئ الهند؛ فالآلات لا احترام عندها للأشخاص، ففي معظم المصانع يعمل الناس جنبا إلى جنب بغير تميز الطبقات؛ والقطارات وعربات الترام تهيئ مكانا للجلوس أو للوقوف لكل من يدفع الأجر المطلوب والجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية تضم كل المراتب في صعيد واحد؛وفي زحمة المسرح أو الطريق في المدينة،تتدافع المناكب بين البرهمي والمنبوذ فتنشأ بينهما زمالة لم تكن متوقعة؛ وقد أعلن أحد الراجات أن كل الطبقات والعقائد ستفتح لها أبواب قصره؛ وأصبح رجل من فئة "الشودرا" حاكماً مستنيراً لإقليم "بارودا" واستنكرت جمعية "براهما - سوماج" نظام الطبقات؛ وأيد "مؤتمر بنغال الإقليمي" التابع "للمؤتمر القومي" إلغاء الفوارق الطبقية كلها فوراً(36)، وهكذا تعمل الآلات على رفع طبقة جديدة رويدا رويدا إلى الثراء والقوة وتسدل الستار على طبقة أرستقراطية هي أقدم الطبقات الأرستقراطية القائمة اليوم.
وبالفعل فقدت الألفاظ المستعملة في التمييز بين الطبقات معانيها؛ فكلمة "فاسيا" تراها في الكتب اليوم، لكنك لا ترى لها مدلولاً في الحياة الواقعة؛ حتى كلمة "شودرا" قد اختفت في الشمال، بينما ظلت في الجنوب قائمة لكنها باتت لفظة تدل دلالة غامضة على كلٌ من ليس ببرهمي(37)؛ والواقع أن الطبقات الدنيا في سالف الأيام قد حل محلها ما يزيد على ثلاثة آلاف "طبقة" هي في الحقيقة نقابات: ممولون وتجار وصناع ومزارعون ومعلمون ومهندسون وبائعون جوابون وجزارون وحلاقون وسماكون وممثلون ومستخرجو الفحم، وغسالات وبائعات وحوذية وماسحو أحذية - هؤلاء تنتظمهم طبقات مهنية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1069
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
تختلف عن نقابات العمال في أنه من المفهوم على نحو غامض أن الأبناء سيحترفون مهن آبائهم.
إن ما ينطوي عليه نظام الطبقات من مأساة عظمى هو أنه قد ضاعف على مر الأجيال من "المنبوذين" الذين ينخرون بعددهم المتزايد وثورة نفوسهم في قوائم النظام الاجتماعي الذي هم صنيعته؛ ويضم هؤلاء المنبوذين في صفوفهم كل من فرض عليهم الرق بسبب الحرب أو عدم الوفاء بالدين، ومن ولدوا عن زواج بين البراهمة وشودرات، ومن تعست حظوظهم بحيث قضى القانون البرهمي على مهنهم بأنها مما يحط بقيمة الإنسان كالكناسين والجزارين، والبهلوانات والحواة والجلادين(38)؛ ثم تضخم عددهم بسبب كثرة التناسل كثرة حمقاء تراها عند من لا يملك شيئاً يخاف على فقده؛ وقد بلغ بهم فقرهم المدقع حداً جعل نظافة الجسد والملبس والطعام بمثابة الترف الذي يستحيل عليهم أن ينعموا به، فيجتنبهم بنو وطنهم اجتنابا يمليه كل عقل سليم ، ولذلك تقتضي قوانين الطبقات على "المنبوذ" ألا يقترب من عضو في طبقة "الشودرا" بحيث تقل المسافة بينهما عن أربعة وعشرين قدما(40)، وإذا وقع ظلُّ "منبوذٍ" "رجل من طبقة الباريا" على رجل ينتمي إلى الطبقات الأخرى، كان على هذا الأخير أن يزيل عن نفسه النجاسة بغسل طهور؛ فكل ما يمسه المنبوذ، يصيبه الدنس بمسه إياه ، وفي كثير من أجزاء الهند لا يجوز
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
تختلف عن نقابات العمال في أنه من المفهوم على نحو غامض أن الأبناء سيحترفون مهن آبائهم.
إن ما ينطوي عليه نظام الطبقات من مأساة عظمى هو أنه قد ضاعف على مر الأجيال من "المنبوذين" الذين ينخرون بعددهم المتزايد وثورة نفوسهم في قوائم النظام الاجتماعي الذي هم صنيعته؛ ويضم هؤلاء المنبوذين في صفوفهم كل من فرض عليهم الرق بسبب الحرب أو عدم الوفاء بالدين، ومن ولدوا عن زواج بين البراهمة وشودرات، ومن تعست حظوظهم بحيث قضى القانون البرهمي على مهنهم بأنها مما يحط بقيمة الإنسان كالكناسين والجزارين، والبهلوانات والحواة والجلادين(38)؛ ثم تضخم عددهم بسبب كثرة التناسل كثرة حمقاء تراها عند من لا يملك شيئاً يخاف على فقده؛ وقد بلغ بهم فقرهم المدقع حداً جعل نظافة الجسد والملبس والطعام بمثابة الترف الذي يستحيل عليهم أن ينعموا به، فيجتنبهم بنو وطنهم اجتنابا يمليه كل عقل سليم ، ولذلك تقتضي قوانين الطبقات على "المنبوذ" ألا يقترب من عضو في طبقة "الشودرا" بحيث تقل المسافة بينهما عن أربعة وعشرين قدما(40)، وإذا وقع ظلُّ "منبوذٍ" "رجل من طبقة الباريا" على رجل ينتمي إلى الطبقات الأخرى، كان على هذا الأخير أن يزيل عن نفسه النجاسة بغسل طهور؛ فكل ما يمسه المنبوذ، يصيبه الدنس بمسه إياه ، وفي كثير من أجزاء الهند لا يجوز
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1070
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
للمنبوذ أن يستقي ماء من الآبار العامة، أو أن يدخل معابد البراهمة، أو أن يرسل أولاده إلى المدارس الهندوسية(42)، ولئن عملت السياسة البريطانية إلى حد ما على إفقار طبقة المنبوذين، فقد جاءتهم على الأقل بالمساواة مع غيرهم أمام القانون، وبحق الدخول - على قدم المساواة مع سائر الطبقات - في المدارس والكليات التي يقوم البريطانيون على إدارتها؛ وكان للحركة القومية،بتأثير غاندي، فضل كبير في الحد من الحوائل التي كانت تسد الطريق أمام المنبوذين؛ ويجوز ألا يأتي الجيل المقبل إلا وهم أحرار في الظاهر حرية تمس القشور.
وكذلك عمل دخول الصناعة والأفكار الغربية على زعزعة الأفكار القديمة التي كان يتمتع بها الرجل في الهند، فالانقلاب الصناعي يعمل على تأجيل سن الزواج، ويتطلب "حرية" المرأة، وأعني بذلك أن المرأة لا يمكن إغراؤها بالعمل في المصنع إلا إذا اقتنعت بأن الدار سجن، وأجاز لها القانون أن تدخر كسبها لنفسها؛ ولقد ترتب على هذا التحرير كثير من الإصلاحات الحقيقية جاءت عرضا،فحرم زواج الأطفال رسميا "سنة 1929م" برفع سن الزواج قانونا إلى الرابعة عشرة للفتيات والثامنة عشرة للفتيان(43) واختفت ظاهرة "السوتي" "أي دفن الزوجة التي مات زوجها حية" ، ويزداد زواج الأرامل كل يوم وتعدد الزوجات جائز قانونا ولكن لا يمارسه إلا قليلون(45) وإن رجاء السائحين ليخيب حين يجدون أن راقصات المعبد أوشكن على الانقراض، فالتقدم الأخلاقي في الهند يسير بخطوات سريعة لا يضارعها في سرعتها بلد آخر؛ فالحياة الصناعية في المدينة تخرج النساء من "البردة" حتى توشك ألا تجد ستًّا في كل مائة امرأة في الهند يقبلن اليوم أن يعشن وراء حجاب(46)؛ وفي الهند عدد من الصحف الدورية النسوية النابضة بالحياة تناقش فيها
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
للمنبوذ أن يستقي ماء من الآبار العامة، أو أن يدخل معابد البراهمة، أو أن يرسل أولاده إلى المدارس الهندوسية(42)، ولئن عملت السياسة البريطانية إلى حد ما على إفقار طبقة المنبوذين، فقد جاءتهم على الأقل بالمساواة مع غيرهم أمام القانون، وبحق الدخول - على قدم المساواة مع سائر الطبقات - في المدارس والكليات التي يقوم البريطانيون على إدارتها؛ وكان للحركة القومية،بتأثير غاندي، فضل كبير في الحد من الحوائل التي كانت تسد الطريق أمام المنبوذين؛ ويجوز ألا يأتي الجيل المقبل إلا وهم أحرار في الظاهر حرية تمس القشور.
وكذلك عمل دخول الصناعة والأفكار الغربية على زعزعة الأفكار القديمة التي كان يتمتع بها الرجل في الهند، فالانقلاب الصناعي يعمل على تأجيل سن الزواج، ويتطلب "حرية" المرأة، وأعني بذلك أن المرأة لا يمكن إغراؤها بالعمل في المصنع إلا إذا اقتنعت بأن الدار سجن، وأجاز لها القانون أن تدخر كسبها لنفسها؛ ولقد ترتب على هذا التحرير كثير من الإصلاحات الحقيقية جاءت عرضا،فحرم زواج الأطفال رسميا "سنة 1929م" برفع سن الزواج قانونا إلى الرابعة عشرة للفتيات والثامنة عشرة للفتيان(43) واختفت ظاهرة "السوتي" "أي دفن الزوجة التي مات زوجها حية" ، ويزداد زواج الأرامل كل يوم وتعدد الزوجات جائز قانونا ولكن لا يمارسه إلا قليلون(45) وإن رجاء السائحين ليخيب حين يجدون أن راقصات المعبد أوشكن على الانقراض، فالتقدم الأخلاقي في الهند يسير بخطوات سريعة لا يضارعها في سرعتها بلد آخر؛ فالحياة الصناعية في المدينة تخرج النساء من "البردة" حتى توشك ألا تجد ستًّا في كل مائة امرأة في الهند يقبلن اليوم أن يعشن وراء حجاب(46)؛ وفي الهند عدد من الصحف الدورية النسوية النابضة بالحياة تناقش فيها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1071
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
أحدث المشكلات، بل تكونت هناك جمعية لضبط النسل(47) واجهت بشجاعة أعقد مشكلة من مشكلات الهند - ألا وهي التناسل المطلق من كل قيد؛ والنساء في كثير من الأقاليم لهن حق التصويت، ويتولين المناصب السياسية، حتى لقد تولت امرأة رئاسة "المؤتمر القومي الهندي" مرتين، وكثيرات منهن قد حصلن على درجات جامعية واشتغلن طبيبات أو محاميات أو معلمات(48)، ولا شك أنه لا يمضي طويل وقت حتى ينقلب الوضع ويصير زمام الحكم بيد النساء؛ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم الذي تراه في النداء التالي الذي يشتعل بالحماسة، والذي أصدره تابع من أتباع غاندي موجها إياه إلى نساء الهند، أقول ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم في هذا النداء يرجع إلى أحد المؤثرات الغربية الجامحة؟
"انبذن (البردة) العتيقة! اخرجن مسرعات من المطابخ! اقذفن بالقدور والأواني مجلجلات في الأركان! مزقن الغشاء الذي ينسدل على عيونكن، وانظرن إلى العالم الجديد! قُلنَ لأزواجكن واخوتكن يطهوا طعامهم لأنفسهم، إن واجبات كثيرة في انتظاركن لأدائها حتى تصبح الهند أمة بين الأمم!"(49).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الشرق والغرب
أحدث المشكلات، بل تكونت هناك جمعية لضبط النسل(47) واجهت بشجاعة أعقد مشكلة من مشكلات الهند - ألا وهي التناسل المطلق من كل قيد؛ والنساء في كثير من الأقاليم لهن حق التصويت، ويتولين المناصب السياسية، حتى لقد تولت امرأة رئاسة "المؤتمر القومي الهندي" مرتين، وكثيرات منهن قد حصلن على درجات جامعية واشتغلن طبيبات أو محاميات أو معلمات(48)، ولا شك أنه لا يمضي طويل وقت حتى ينقلب الوضع ويصير زمام الحكم بيد النساء؛ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم الذي تراه في النداء التالي الذي يشتعل بالحماسة، والذي أصدره تابع من أتباع غاندي موجها إياه إلى نساء الهند، أقول ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم في هذا النداء يرجع إلى أحد المؤثرات الغربية الجامحة؟
"انبذن (البردة) العتيقة! اخرجن مسرعات من المطابخ! اقذفن بالقدور والأواني مجلجلات في الأركان! مزقن الغشاء الذي ينسدل على عيونكن، وانظرن إلى العالم الجديد! قُلنَ لأزواجكن واخوتكن يطهوا طعامهم لأنفسهم، إن واجبات كثيرة في انتظاركن لأدائها حتى تصبح الهند أمة بين الأمم!"(49).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1072
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الحركة القومية
الفصل الخامس
الحركة القومية
الطلبة المستغربون - تحويل الشئون
الدينية إلى أمور دنيوية - المؤتمر الهندي القومي
كان عدد الطلبة الهنود الذين يدرسون في إنجلترا سنة 1923 يزيد على ألف، وربما كان عدد من يدرسون في أمريكا عندئذ مساوياً لذلك العدد، بل ربما كان هذا العدد كذلك يدرس في البلدان الأخرى؛ فدهشوا للحقوق التي يتمتع بها أحط المواطنين في أوربا الغربية وأمريكا؛ ودرسوا الثورتين الفرنسية والأمريكية، وقرأوا أدب الإصلاح والثورة، وأمعنوا أنظارهم في "قانون الحقوق" و"إعلان حقوق الإنسان" و"إعلان الاستقلال" و "الدستور الأمريكي" فعادوا إلى أوطانهم ليكوّنوا مراكز إشعاع للآراء الديمقراطية وإنجيلاً يبشر بالحرية؛ وقد اكتسبت هذه الآراء قوة لا تغْلب بسبب ما ظفر به الغرب من تقدم صناعي وعلمي، ونصر الحلفاء في الحرب؛ فلم يلبث هؤلاء الطلاب أن أخذوا يصيحون بالدعوة إلى الحرية؛ فقد تعلم الهنود حقوقهم في الحرية في مدارس إنجلترا وأمريكا.
ولم يقتصر المشارقة الذين تعلموا في الغرب على التقاط المثل العليا السياسية إبان تعلمهم خارج بلادهم، بل نفضوا عن أنفسهم كذلك الأفكار الدينية؛ فهاتان العمليتان مرتبطتان معاً في تراجم الأشخاص وتاريخ الأمم، جاء هؤلاء الطلاب إلى أوربا يعمر الدين قلوبَهم الشابة، يعتقدون في "كرشْنا" و "شيفا" و"فشنو" و "كالي" و "راما"... ثم مسّوا العلم، فإذا بعقائدهم القديمة قد تحطمت أشلاء كأنما نزلت بها نازلة ساحقة، ولما تجرد هؤلاء الهنود المستغربون
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الحركة القومية
الفصل الخامس
الحركة القومية
الطلبة المستغربون - تحويل الشئون
الدينية إلى أمور دنيوية - المؤتمر الهندي القومي
كان عدد الطلبة الهنود الذين يدرسون في إنجلترا سنة 1923 يزيد على ألف، وربما كان عدد من يدرسون في أمريكا عندئذ مساوياً لذلك العدد، بل ربما كان هذا العدد كذلك يدرس في البلدان الأخرى؛ فدهشوا للحقوق التي يتمتع بها أحط المواطنين في أوربا الغربية وأمريكا؛ ودرسوا الثورتين الفرنسية والأمريكية، وقرأوا أدب الإصلاح والثورة، وأمعنوا أنظارهم في "قانون الحقوق" و"إعلان حقوق الإنسان" و"إعلان الاستقلال" و "الدستور الأمريكي" فعادوا إلى أوطانهم ليكوّنوا مراكز إشعاع للآراء الديمقراطية وإنجيلاً يبشر بالحرية؛ وقد اكتسبت هذه الآراء قوة لا تغْلب بسبب ما ظفر به الغرب من تقدم صناعي وعلمي، ونصر الحلفاء في الحرب؛ فلم يلبث هؤلاء الطلاب أن أخذوا يصيحون بالدعوة إلى الحرية؛ فقد تعلم الهنود حقوقهم في الحرية في مدارس إنجلترا وأمريكا.
ولم يقتصر المشارقة الذين تعلموا في الغرب على التقاط المثل العليا السياسية إبان تعلمهم خارج بلادهم، بل نفضوا عن أنفسهم كذلك الأفكار الدينية؛ فهاتان العمليتان مرتبطتان معاً في تراجم الأشخاص وتاريخ الأمم، جاء هؤلاء الطلاب إلى أوربا يعمر الدين قلوبَهم الشابة، يعتقدون في "كرشْنا" و "شيفا" و"فشنو" و "كالي" و "راما"... ثم مسّوا العلم، فإذا بعقائدهم القديمة قد تحطمت أشلاء كأنما نزلت بها نازلة ساحقة، ولما تجرد هؤلاء الهنود المستغربون
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1073
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الحركة القومية
عن عقيدتهم الدينية التي هي روح الهند ولبابها، عادوا إلى وطنهم وقد زالت عن أعينهم الغشاوة التي كانت تزين القبيح، وسادهم الحزن، وسقط ألف إله أمام أعينهم من سمائهم صرعى ، فلم يكن بد من أن يتخيلوا "مدينة فاضلة على الأرض لتملأ مكان الفردوس السماوي الذي تحطم وحلت الديمقراطية محل "النرفانا" وأخذت الحرية مكان الله، فما جرى في أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أخذ يجرى شبيهه الآن في الشرق.
ومع ذلك فالأفكار الجديدة أخذت تسير مجراها في خطوٍ وئيد، ففي سنة 1855 اجتمعت طائفة قليلة من زعماء الهنود في بمباي وأسسوا "المؤتمر الهندي القومي" لكن الظاهر أنهم لم يحلموا عندئذ حتى بمجرد الحكم الذاتي، وبعدئذ حاول "لوردكيرزن" أن يقسم البنغال (ومعنى ذلك أن يصيب أقوى جماعة هندية وأشدها وعياً سياسياً بالتفكك والضعف) فأثارت محاولته تلك جماعة الوطنيين بحيث تقدموا خطوة نحو الثورة، وفي المؤتمر المنعقد سنة 1905 طالب "تيلاك" في صلابة لاتين بـ "سواراج" وهذه كلمة اشتقها هو(50) من أصول سنسكريتية، ومعناها الحكم الذاتي (والكلمة الهندية قريبة لفظاً من العبارة الإنجليزية self - rule )؛ وحدث في نفس ذلك العام المليء بالحوادث أن هزمت اليابان روسيا، وبدأ الشرق الذي لبث قرناً كاملاً يخشى صولة الغرب، بدأ يضع الخطة لتحرير آسيا، وتزعَّم "سَنْ يات سِنْ" الصين فجمع هؤلاء سيوفهم وارتموا في أحضان اليابان، أما الهند العزلاء من سلاحها، فقد أسلمت قيادها لزعيم هو من أغرب من شهد التاريخ من رجال، فضربوا للعالم مثلاً لم يسبق له مثيل، لثورة يقودها قديس، تثور ثائرتها بغير مدفع.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> الحركة القومية
عن عقيدتهم الدينية التي هي روح الهند ولبابها، عادوا إلى وطنهم وقد زالت عن أعينهم الغشاوة التي كانت تزين القبيح، وسادهم الحزن، وسقط ألف إله أمام أعينهم من سمائهم صرعى ، فلم يكن بد من أن يتخيلوا "مدينة فاضلة على الأرض لتملأ مكان الفردوس السماوي الذي تحطم وحلت الديمقراطية محل "النرفانا" وأخذت الحرية مكان الله، فما جرى في أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أخذ يجرى شبيهه الآن في الشرق.
ومع ذلك فالأفكار الجديدة أخذت تسير مجراها في خطوٍ وئيد، ففي سنة 1855 اجتمعت طائفة قليلة من زعماء الهنود في بمباي وأسسوا "المؤتمر الهندي القومي" لكن الظاهر أنهم لم يحلموا عندئذ حتى بمجرد الحكم الذاتي، وبعدئذ حاول "لوردكيرزن" أن يقسم البنغال (ومعنى ذلك أن يصيب أقوى جماعة هندية وأشدها وعياً سياسياً بالتفكك والضعف) فأثارت محاولته تلك جماعة الوطنيين بحيث تقدموا خطوة نحو الثورة، وفي المؤتمر المنعقد سنة 1905 طالب "تيلاك" في صلابة لاتين بـ "سواراج" وهذه كلمة اشتقها هو(50) من أصول سنسكريتية، ومعناها الحكم الذاتي (والكلمة الهندية قريبة لفظاً من العبارة الإنجليزية self - rule )؛ وحدث في نفس ذلك العام المليء بالحوادث أن هزمت اليابان روسيا، وبدأ الشرق الذي لبث قرناً كاملاً يخشى صولة الغرب، بدأ يضع الخطة لتحرير آسيا، وتزعَّم "سَنْ يات سِنْ" الصين فجمع هؤلاء سيوفهم وارتموا في أحضان اليابان، أما الهند العزلاء من سلاحها، فقد أسلمت قيادها لزعيم هو من أغرب من شهد التاريخ من رجال، فضربوا للعالم مثلاً لم يسبق له مثيل، لثورة يقودها قديس، تثور ثائرتها بغير مدفع.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1074
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
الفصل السادس
مهاتما غاندي
صورة قديس - الزاهد - المسيحي - تعليم
غاندي في إفريقيا - ثورة 1921 - "أنا الرجل" - أعوام
السجن - "الهند الفتاة" - ثورة المغزل - أعمال غاندي
صَوِّر نفسك أقبح وأضأل وأضعف رجل في آسيا، له وجه وجسد كأنما صيغا من البرونز رأسه الأشيب حليق الشعر حتى الجذور، عظمتا صدغيه بارزتان وعيناه البنيِّتان تشعان طيبة قلب، وفمه واسع يوشك أن يخلو من الأسنان، وأكبر من فمه أذناه، وأنفه ضخم، نحيل الذراعين والساقين، ادَّثرَ بثوب على ردفيه، صَوِّر لنفسك هذا الرجل واقفاً أمام قاض إنجليزي في الهند، متهَماً بتحريض قومه على "عدم التعاون"؛ أو صَوِّرْه جالساً على بساط صغير في غرفة عارية في مقره المسمى "سايا جراها شرام" - ومعناها "مدرسة طلاب الحقيقة" - في أحمد أباد، وقد ربَّع ساقيه النحيلتين تحت جسمه على نحو ما يفعل "اليوجي" وبطن القدمين إلى أعلى، ويداه لا تنفكان تعملان في عجلة المغزل ووجهه تغضَّن بتقلصات تنمّ عن عبء التبعة الذي حمله، وعقله نشيط الحركة مستعد بالجواب عن كل من يسأل سؤالاً عن الحرية؛ هذا النسَّاج العريان كان هو الزعيم الروحي والزعيم السياسي في آن معاً لأمة من الهنود بلغ عددها ثلاثمائة وعشرين مليوناً من الأنفس، وامتدت زعامته من 1920 إلى 1935 ، فإذا ما ظهر للناس، التفت حوله جماعات حاشدة لتتبرك بلمس ثيابه أو تقبيل قدميه(51).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
الفصل السادس
مهاتما غاندي
صورة قديس - الزاهد - المسيحي - تعليم
غاندي في إفريقيا - ثورة 1921 - "أنا الرجل" - أعوام
السجن - "الهند الفتاة" - ثورة المغزل - أعمال غاندي
صَوِّر نفسك أقبح وأضأل وأضعف رجل في آسيا، له وجه وجسد كأنما صيغا من البرونز رأسه الأشيب حليق الشعر حتى الجذور، عظمتا صدغيه بارزتان وعيناه البنيِّتان تشعان طيبة قلب، وفمه واسع يوشك أن يخلو من الأسنان، وأكبر من فمه أذناه، وأنفه ضخم، نحيل الذراعين والساقين، ادَّثرَ بثوب على ردفيه، صَوِّر لنفسك هذا الرجل واقفاً أمام قاض إنجليزي في الهند، متهَماً بتحريض قومه على "عدم التعاون"؛ أو صَوِّرْه جالساً على بساط صغير في غرفة عارية في مقره المسمى "سايا جراها شرام" - ومعناها "مدرسة طلاب الحقيقة" - في أحمد أباد، وقد ربَّع ساقيه النحيلتين تحت جسمه على نحو ما يفعل "اليوجي" وبطن القدمين إلى أعلى، ويداه لا تنفكان تعملان في عجلة المغزل ووجهه تغضَّن بتقلصات تنمّ عن عبء التبعة الذي حمله، وعقله نشيط الحركة مستعد بالجواب عن كل من يسأل سؤالاً عن الحرية؛ هذا النسَّاج العريان كان هو الزعيم الروحي والزعيم السياسي في آن معاً لأمة من الهنود بلغ عددها ثلاثمائة وعشرين مليوناً من الأنفس، وامتدت زعامته من 1920 إلى 1935 ، فإذا ما ظهر للناس، التفت حوله جماعات حاشدة لتتبرك بلمس ثيابه أو تقبيل قدميه(51).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1075
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
كان ينفق كل يوم أربع ساعات في غزل "الخضّار" الخشن راجياً أن يسوق بنفسه للناس مثلاً يحتذونه فيستخدمون هذا القماش الساذج المغزول في داخل البلاد، بدل شرائهم منتجات المغازل البريطانية التي جاءت خراباً على صناعة النسيج في الهند؛ كان كل ما يملك ثلاثة أثواب غلاظ، اثنان يتخذهما لباساً، والثالث يتخذه فراشاً، وقد كان بادئ أمره محامياً غنياً، لكنه تنازل عن كل أملاكه للفقراء، ثم تبعته في ذلك زوجته بعد شيء من التردد نعهده في الأمهات؛ كان ينام على أرضية الغرفة عارية، أو على تربة الأرض، يعيش على البندق والموز والليمون والبرتقال والبلح والأرز ولبن الماعز(52)، وكثيراً ما كان يقضي الشهور متتابعات لا يأكل إلا اللبن والفاكهة، ولم يذق طعم اللحم إلا مرة واحدة في حياته، وكان حيناً بعد حين يمتنع عن الطعام إطلاقاً بضعة أسابيع وهو يقول: "لو استطعت أن استغني عن عينيّ، استطعت كذلك أن أستغني عن صيامي، فما تفعله العينان للدنيا الخارجية يفعله الصوم للدنيا الباطنية"(53) فقد كان يعتقد أنه كلما رق الدم صفا العقل وسقطت عنه النوازع التي تنحرف به عن جادة الطريق، بحيث تبرز أمامه الجوانب الأساسية - بل قد تبرز أمامه روح العالم وصميمه - بعد أن تنفض عنها الأعراض (واسمها مايا) كما يبرر إفرست خلال السحاب.
وفي نفس الوقت الذي كان يصوم فيه عن الطعام ليشهد الروح الإلهية، لم يفُته أن يحتفظ بإصبع من أصابع قدمه على الأرض، وكان ينصح أتباعه أن يحقنوا أنفسهم في الشرج مرة كل يوم إبان الصوم، حتى لا تتسمم أبدانهم بالإفرازات الحمضية التي يفرزها الجسد وهو يستهلك بعضه، وقد يصاب الجسد بهذا السم في نفس اللحظة التي يتاح فيها للإنسان أن يشهد الله(54).
ولما اقتتل المسلمون والهندوس، وأخذوا يصرعون بعضهم بعضاً مدفوعين بحماسة دينية، ولم يصيخوا إلى دعوته إياهم للسلام، صام ثلاثة أسابيع رجاء أن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
كان ينفق كل يوم أربع ساعات في غزل "الخضّار" الخشن راجياً أن يسوق بنفسه للناس مثلاً يحتذونه فيستخدمون هذا القماش الساذج المغزول في داخل البلاد، بدل شرائهم منتجات المغازل البريطانية التي جاءت خراباً على صناعة النسيج في الهند؛ كان كل ما يملك ثلاثة أثواب غلاظ، اثنان يتخذهما لباساً، والثالث يتخذه فراشاً، وقد كان بادئ أمره محامياً غنياً، لكنه تنازل عن كل أملاكه للفقراء، ثم تبعته في ذلك زوجته بعد شيء من التردد نعهده في الأمهات؛ كان ينام على أرضية الغرفة عارية، أو على تربة الأرض، يعيش على البندق والموز والليمون والبرتقال والبلح والأرز ولبن الماعز(52)، وكثيراً ما كان يقضي الشهور متتابعات لا يأكل إلا اللبن والفاكهة، ولم يذق طعم اللحم إلا مرة واحدة في حياته، وكان حيناً بعد حين يمتنع عن الطعام إطلاقاً بضعة أسابيع وهو يقول: "لو استطعت أن استغني عن عينيّ، استطعت كذلك أن أستغني عن صيامي، فما تفعله العينان للدنيا الخارجية يفعله الصوم للدنيا الباطنية"(53) فقد كان يعتقد أنه كلما رق الدم صفا العقل وسقطت عنه النوازع التي تنحرف به عن جادة الطريق، بحيث تبرز أمامه الجوانب الأساسية - بل قد تبرز أمامه روح العالم وصميمه - بعد أن تنفض عنها الأعراض (واسمها مايا) كما يبرر إفرست خلال السحاب.
وفي نفس الوقت الذي كان يصوم فيه عن الطعام ليشهد الروح الإلهية، لم يفُته أن يحتفظ بإصبع من أصابع قدمه على الأرض، وكان ينصح أتباعه أن يحقنوا أنفسهم في الشرج مرة كل يوم إبان الصوم، حتى لا تتسمم أبدانهم بالإفرازات الحمضية التي يفرزها الجسد وهو يستهلك بعضه، وقد يصاب الجسد بهذا السم في نفس اللحظة التي يتاح فيها للإنسان أن يشهد الله(54).
ولما اقتتل المسلمون والهندوس، وأخذوا يصرعون بعضهم بعضاً مدفوعين بحماسة دينية، ولم يصيخوا إلى دعوته إياهم للسلام، صام ثلاثة أسابيع رجاء أن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1076
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
يحرك العطف في نفوسهم، ولقد أدى به الصيام والحرمان الذي كان يفرضه على نفسه، إلى ضعف وهزال، بحيث لم يكن بد من اعتلائه مقعداً مرفوعاً كلما أراد توجيه الخطاب للحشود العظيمة التي كانت تجتمع لتسمعه؛ ومدَّ زهده حتى شمل به نطاق العلاقة الجنسية، وأراد - كما أراد تولستوي - أن يحصر عملية الجماع فلا يلجأ إليها إلا إذا قصد إلى التناسل، وكان هو كذلك قد أنفق شبابه منغمساً في شهوات بدنه، حتى لقد جاءه نبأ موت أبيه وهو يحتضن إحدى الغانيات، أما في رجولته فقد عاد - والندم الشديد يأكل قلبه - إلى "براهما شاريا" التي لُقِّنَها في صباه - وهي الامتناع التام عن كل شهوة جسدية؛ وأقنع زوجته أن تعيش معه كما تعيش الأخت مع أخيها، وهو يروي لنا أنه "منذ ذلك الوقت بطل بيننا كل نزاع"(55).
ولما تبين له أن حاجة الهند الأساسية هي ضبط النسل، لم يصطنع في سبيل ذلك وسائل الغرب، بل اتبع طرائق "مالتوس" و "تولستوي".
"أنكون على صواب إذا ما نسلنا الأطفال ونحن نعلم حقيقة الموقف؟ إننا لا نفعل سوى أن نضاعف عدد العبيد والمقعدين، إذا مضينا في التكاثر بغير أن نتخذ إزاءه شيئاً من الحيطة... لن يكون لنا حق النسل إلا إذا أصبحت الهند أمة حرة ... ليس إلى الشك عندي من سبيل في أن المتزوجين إذا أرادوا الخير بأمتهم وأرادوا للهند أن تصبح أمة من رجال ونساء أقوياء وسيمين ذوي أبدان جميلة التكوين، كان واجبهم أن يكبحوا جماح أنفسهم ويوقفوا النسل مؤقتاً(56).
وإلى جانب هذه العناصر في تكوين شخصيته، كان يتصف بخلال عجيبة الشبه بتلك الخلال التي يقال إنها كانت تميز "مؤسس المسيحية"؛ إنه لم يَفُه باسم المسيح، ولكنه مع ذلك كان يسلك في حياته كما لو كان يأخذ بكل كلمة مما جاء في "موعظة الجبل"؛ فلم يعرف التاريخ منذ القديس فرنسيس
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الهند وجيرانها -> خاتمة مسيحية -> مهاتما غاندي
يحرك العطف في نفوسهم، ولقد أدى به الصيام والحرمان الذي كان يفرضه على نفسه، إلى ضعف وهزال، بحيث لم يكن بد من اعتلائه مقعداً مرفوعاً كلما أراد توجيه الخطاب للحشود العظيمة التي كانت تجتمع لتسمعه؛ ومدَّ زهده حتى شمل به نطاق العلاقة الجنسية، وأراد - كما أراد تولستوي - أن يحصر عملية الجماع فلا يلجأ إليها إلا إذا قصد إلى التناسل، وكان هو كذلك قد أنفق شبابه منغمساً في شهوات بدنه، حتى لقد جاءه نبأ موت أبيه وهو يحتضن إحدى الغانيات، أما في رجولته فقد عاد - والندم الشديد يأكل قلبه - إلى "براهما شاريا" التي لُقِّنَها في صباه - وهي الامتناع التام عن كل شهوة جسدية؛ وأقنع زوجته أن تعيش معه كما تعيش الأخت مع أخيها، وهو يروي لنا أنه "منذ ذلك الوقت بطل بيننا كل نزاع"(55).
ولما تبين له أن حاجة الهند الأساسية هي ضبط النسل، لم يصطنع في سبيل ذلك وسائل الغرب، بل اتبع طرائق "مالتوس" و "تولستوي".
"أنكون على صواب إذا ما نسلنا الأطفال ونحن نعلم حقيقة الموقف؟ إننا لا نفعل سوى أن نضاعف عدد العبيد والمقعدين، إذا مضينا في التكاثر بغير أن نتخذ إزاءه شيئاً من الحيطة... لن يكون لنا حق النسل إلا إذا أصبحت الهند أمة حرة ... ليس إلى الشك عندي من سبيل في أن المتزوجين إذا أرادوا الخير بأمتهم وأرادوا للهند أن تصبح أمة من رجال ونساء أقوياء وسيمين ذوي أبدان جميلة التكوين، كان واجبهم أن يكبحوا جماح أنفسهم ويوقفوا النسل مؤقتاً(56).
وإلى جانب هذه العناصر في تكوين شخصيته، كان يتصف بخلال عجيبة الشبه بتلك الخلال التي يقال إنها كانت تميز "مؤسس المسيحية"؛ إنه لم يَفُه باسم المسيح، ولكنه مع ذلك كان يسلك في حياته كما لو كان يأخذ بكل كلمة مما جاء في "موعظة الجبل"؛ فلم يعرف التاريخ منذ القديس فرنسيس
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 1 من اصل 19 • 1, 2, 3 ... 10 ... 19
مواضيع مماثلة
» قصة الحضارة - لول ديورانت
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
صفحة 1 من اصل 19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى