alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصة الحضارة - ول ديورانت

5 مشترك

صفحة 1 من اصل 4 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:23 pm


لقد رأينا الثورة الصناعية تبدأ بذلك السيل المتدفق من المخترعات التي قد تحقق - قبل أن نصل إلى الألف الثاني للميلاد - حلم أرسطو بالآلات التي تحرر البشر من كل عناء يدوي. ولقد سجلنا المراحل التي خطتها علوم كثيرة صوب فهم أفضل للطبيعة وتطبيق أجدى لقوانينها. ولقد رحبنا بانتقال الفلسفية من الميتافيزيقا العقيمة إلى اجتهادات العقل في شئون البشر الدنيوية. ولقد علمتنا جهود الساسة والفلاسفة أن نقيم حكومة عادلة قادرة وأن نوفق بين الديموقراطية وبين بساطة البشر وعدم مساواتهم الطبيعية. ولقد استمتعنا بمختلف إبداعات الجمال في الباروك والفن الكلاسيكي المحدث وانتصارات الموسيقى.واستمتعنا أيما استمتاع بثروة القرن التاسع عشر في الأدب والعلم والفلسفة والموسيقى والفن والتكنولوجيا والحكم.لقد أتممنا على قدر استطاعتنا قصة الحضارة هذه ومع أننا كرسنا معظم حياتنا لهذا العمل فإننا عليمان بأن عمر الإنسان أن هو إلا لحظة قصيرة في التاريخ وبأن خير ما يقدمه المؤرخ من عمل سرعان ما يكتسح حين يطمو نهر المعرفة ويتعاظم. غير أننا ونحن نتابع دراستنا من قرن إلى قرن ازددنا يقناً بأن كتابة التاريخ الرسمي قد أسرف في تجزئتها أبواباً وفروعاً وأنه ينبغي لبعضنا أن يحاول كتابة التاريخ كلاً كما كان يعاش في جميع وجوه الدراما المعقدة الموصولة.
لقد انقضت الآن أربعون عاماً من المشاركة السعيدة في ملاحقة التاريخ. وكنا نحلم باليوم الذي نكتب فيه آخر كلمة في آخر مجلد. والآن وقد أقبل هذا اليوم فإننا سنفتقد الهدف الممتع الذي أضفى على حياتنا معنى واتجاهاً. وإننا لشاكر للقارئ الذي صاحبنا هذه لسنين الكثيرة بعض الرحلة الطويلة أو كلها. لقد كنا على الدوام واعين بحضوره. والآن نستأذنه في الرحيل ونقرئه تحية الوداع





العناوين الرئيسية:

مقدمة
التراث الشرقي
حياة اليونان
قيصر والمسيح
عصر الإيمان
النهضة
الإصلاح الديني
بداية عصر العقل
عصر لويس الرابع عشر
عصر فولتير
روسو والثورة
عصر نابليون


الفهرس
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:23 pm


مقدمة
تقديم
كلمة المعرب
مقدمة المؤلف
كلمة عن سلسلة قصة الحضارة
التراث الشرقي
نشأة الحضارة
عوامل الحضارة
العناصر الاقتصادية في الحضارة
تمهيد
من الصيد إلى الحرث
أسس الصناعة
التنظيم الاقتصادي
العناصر السياسية في الحضارة
أصول الحكومة
الدولة
القانون
الأسرة
العناصر الخلقية في المدنية
مقدمة
الزواج
أخلاق الجنس
الأخلاق الاجتماعية
الدين
مقدمة
مصادر الدين
المعبودات الدينية
طرائق الدين
مهمة الدين الخلقية
العناصر العقلية في المدنية
الآداب
العلم
الفن
بدايات المدنية فيما قبل التاريخ
ثقافة العصر الحجري القديم
أهل العصر الحجري القديم
الفنون في العصر الحجري القديم
ثقافة العصر الحجري الحديث
مرحلة الانتقال إلى العصور التاريخية
ظهور المعادن
الكتابة
المدنيات المفقودة
مهود المدنية
الشرق الأدنى
سومر
توجيه
عيلام
السومريون
تاريخهم
الحياة الاقتصادية
نظام الحكم
الدين والأخلاق
الآداب والفنون
الانتقال إلى مصر
مصر
هبة النيل
في الوجه البحري
مشرعة النهر
البناؤون العظام
كشف مصر
مصر في عصر ما قبل التاريخ
الدولة القديمة
الدولة الوسطى
الإمبراطورية
حضارة مصر
الزراعة
الصناعة
نظام الحكم
القانون الأخلاقي
العادات
القراءة والكتابة والتعليم
الآداب
العلوم
الفن
الفلسفة
الدين
الملك المارق
اضمحلال مصر وسقوطها
بابل
من حمورابي إلى نبوخذ نصر
الكادحون
القانون
آلهة بابل
أخلاق البابليين
الكتابة والأدب
الفنانون
علوم البابليين
الفلاسفة
قبرية
أشور
أخبارها
الحكومة الأشورية
الحياة في أشور
الفن الأشوري
خاتمة أشور
خليط من الأمم
الشعوب الهندوروبية
الأقوام الساميون
اليهود
الأرض الموعودة
سليمان في ذروة مجده
رب الجنود
المتطرفون الأولون
موت أورشليم وبعثها
أهل الكتاب
أدب التوراة وفلسفتها
فارس
قيام دولة الميديين وسقوطها
عظماء الملوك
الحياة الفارسية والصناعات
تجربة في نظام الحكم
زردشت
الفلسفة الأخلاقية في الديانة الزردشتية
آداب الفرس وأخلاقهم
العلوم والفنون
الانحطاط
الهند وجيرانها
آساس الهند
مكان المسرحية
أقدم المدنيات
الهنود الآريون
المجتمع الآري الهندي
ديانة أسفار الفيدا
أسفار الفيدا باعتبارها أدباً
فلسفة أسفار يوبانشاد
بوذا
الزنادقة
ماهافيرا والجانتيون
أسطورة بوذا
تعاليم بوذا
بوذا في أيامه الأخيرة
من الإسكندر إلى أورانجزيب
تشاندرا جوبتا
الملك الفيلسوف
العصر الذهبي في الهند
أبناء راجيوتانا
الجنوب في أوجه
الفتح الإسلامي
أكبر العظيم
تدهور المغول
حياة الشعب
منتجو الثروة
تنظيم المجتمع
الأخلاق والزواج
آداب السلوك والعادات والأخلاق
فردوس الآلهة
مقدمة
الشطر الثاني من تاريخ البوذية
الآلهة الجديدة
العقائد
غرائب الدين
القديسون والزاهدون
الحياة العقلية
العلم الهندي
الفلسفة البرهمية ومذاهبها الستة
مقدمة
مذهب نيابا
مذهب فايشيشيكا
مذهب سانخيا
مذهب اليوجا
بيرفا ميمامسا
مذهب الأفيدانتا
نتائج الفلسفة الهندية
أدب الهند
لغات الهند
التعليم
الملاحم
المسرحية
النثر والشعر
الفن الهندي
الفنون الصغرى
الموسيقى
التصوير
النحت
فن العمارة
العمارة الهندوسية
العمارة في المستعمرات
العمارة الإسلامية في الهند
العمارة الهندية والمدنية
خاتمة مسيحية
قراصنة البحر في نشوتهم
قديسو العهد المتأخر
طاغور
الشرق والغرب
الحركة القومية
مهاتما غاندي
كلمة وداع للهند
الشرق الأقصى
الصين
عصر الفلاسفة
نشأة الفلسفة
قدر الصينيين
الدولة الوسطى الزاهرة
القرون الغابرة المجهولة
الحضارة الصينية الأولى
الفلاسفة قبل كونفوشيوس
المعلم القديم
كنفوشيوس
الحكيم يبحث عن دولة
الكتب التسعة
لا أدرية كنفوشيوس
طريقة الرجل الأعلى
سياسة كنفوشيوس
أثر كنفوشيوس في الأمة الصينية
اشتراكيون وفوضويون
مقدمة
مودي العيري
يانج جو أناني
منشيس مستشار الأمراء
شوق دزه الواقعي
جونج دزه المثالي
عصر الشعراء
بسمرك الصين
تجارب في الاشتراكية
مجد تانج
الملاك المنفي
من خصائص الشعر الصيني
دوفو
النثر
المسرح
عصر الفنانين
النهضة في عهد أسرة سونج
اشتراكية وانج آن شي
إحياء العلوم
بعث الفلسفة
البرنز واللكّ واليشب
المعابد البجودا والقصور
البرنز واللكّ واليشب
المعابد البجودا والقصور
التصوير
أساتذة فن التصوير الصيني
خصائص فن التصوير الصيني
الخزف الصيني
الشعب والدولة
نبذة تاريخية
ماركو بولو يزور كوبلاي خان
أسر منج وجنج
الصينيون ولغتهم
الحياة العملية
في الحقول
في المتاجر
المخترعات والعلوم
دين بلا كنيسة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:27 pm

حكم الأخلاق
حكومة يثني عليها فلتير
الثورة والتجديد
الخطر الأبيض
حضارة الموت
بداية عهد جديد
اليابان
بناة اليابان
مقدمة
أبناء الآلهة
اليابان البدائية
العصر الإمبراطوري
الطغاة
وجه القردة العظيم
الشوجن العظيم
الأسس السياسية والخلقية
مقدمة
طبقة الساموراي
القانون
العمال
الشعب
الأسرة
القديسون
المفكرون

الفكر والفن في اليابان القديمة
اللغة والتعليم
الشعر
النثر
القصص
التاريخ
المقالة
المسرحية
فن الدقائق الصغيرة
فن العمارة
المعادن والتماثيل
الخزف
التصوير
الصورة المحفورة
فن اليابان وحضارتها
اليابان الجديدة
الثورة السياسية
الانقلاب الصناعي
الانقلاب الثقافي
الإمبراطورية الجديدة
الخاتمة
تراثنا الشرقي
كلمة عن المؤلف
حياة اليونان
مقدمة
مقدمة الترجمة
مقدمة المؤلف
تمهيد في حضارة بحر إيجة
كريت
البحر المتوسط
كشف كريت الثاني
حضارة تستعاد من بقاياها
مقدمة
الرجال والنساء
المجتمع
الدين
الثقافة
سقوط كنوسس
قبل أجممنون
شليمان
قصور الملوك
الحضارة الميسينية
طروادة
عصر الأبطال
الآخيون
خرافات الأبطال
الحضارة الهومرية
مقدمة
العمال
الأخلاق
الرجال والنساء
الفنون
الدولة
حصار طروادة
العودة إلى الوطن
فتح الدوريين
نهضة بلاد اليونان
إسبارطة
البيئة المحيطة ببلاد اليونان
أرجوس
لكونيا
مقدمة
توسع إسبارطة
عصر إسبارطة الذهبي
ليقورغ
دستور لسديمدنيا
القانون الإسبارطي
ما لإسبارطة وما عليها
الدول المنسية
كورنثة
مجارا
إيجينا وإبدورس
أثينة
بؤوتية هزيود
دلفي
الدول الصغرى
أتِكا
ما حول أثينة
أثينا في عهدها الألجركي
الثورة الصولونية
دكتاتورية بيستراتس
قيام الدمقراطية
الهجرة الكبرى
أسبابها ووسائلها
السيكلديس الآيونية
الفيض الدوري
الاثنتا عشرة مدينة الأيونية
ميليتس والموطن الأول للفلسفة اليونانية
بوليكراتيز الساموسي
هرقليطس الإفسوسي
أنكريون التئوسي
طشيوز وأزمير وفوسيا
سافو اللسبوسية
الإمبراطورية الشمالية
اليونان في الغرب
السيباريون
فيثاغورس الكروتوني
زنوفانيز الإيلائي
من إيطاليا إلى إسبانيا
صقلية
اليونان في أفريقيا
آلهة اليونان
أصل الشرك
سجل الآلهة
الآلهة الصغرى
الآلهة الأولمبية
أسرار خافية
العبادات
الخرافات
المتنبؤون والمتنبآت
الأعياد
الدين والأخلاق
الثقافة المشتركة لبلاد اليونان
فردية الدولة
الكتابة والقراءة
الأدب
الألعاب
الفنون
مقدمة
المزهريات
النحت
العمارة
الموسيقى والرقص
نشأة التمثيل
نظرة إلى الماضي
الكفاح في سبيل الحرية
مرثون
أرستيديز وتمستكليز
خشيار شاي أو أخشويرش
سلاميس
العصر الذهبي
مقدمة الترجمة
بركليز والتجربة الدمقراطية
نهضة أثينا
بركليز
الدمقراطية الأثينية
المناقشات
القوانين
القضاء
النظام الإداري
العمل والثروة في أثينة
الأرض والطعام
الصناعة
التجارة والمال
الأحرار والعبيد
حرب الطبقات
أخلاق الأثينيين وآدابهم
الطفولة
التعليم
المظهر الخارجي
المبادئ الأخلاقية
الطِباع
العلاقات الجنسية قبل الزواج
الصداقة اليونانية
الحب والزواج
المرأة
المنزل
الشيخوخة
الفن اليوناني في عصر بركليز
زينة الحياة الدنيا
نشأة فن التصوير
أساتذة النحت
أساليبهم
المدارس
فدياس
البناؤون
ارتقاء فن العمارة
إعادة بناء أثينة
البارثنون
تقدم العلوم
مقدمة
علماء الرياضة
أنكساغوراس
أبقراط
النزاع بين الفلسفة والدين
المثاليون
الماديون
أنبادوقليس
السوفسطائيون
سقراط
قناع سيلينس
صورة ذبابة الخيل
فلسفة سقراط
أدب العصر الذهبي
بندار
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:28 pm

ملهى ديونيشس
إسكلس
سفكليز
يوربديز
المسرحيات
يوربديز الكاتب المسرحي
يوربديز الفيلسوف
يوربديز الطريد
أرسطو فان
أرسطوفان والحرب
أرسطوفان والمتطرفون
الفنان والمفكر
المؤرخون
انتحار بلاد اليونان
العالم اليوناني في عهد بركليز
كيف شبت نار الحرب الكبرى
من الوباء إلى السلم
ألقبيادس
المغامرة الصقلية
انتصار إسبارطة
موت سقراط
اضمحلال الحرية اليونانية وسقوطها
فليب
إمبراطورية إسبارطة
إباميننداس
الإمبراطورية الأثينية الثانية
نهضة سراقوصة
تقدم مقدونية
دمستين (دمستنيز)
الآداب والفنون في القرن الرابع
الخطباء
إسقراط
أكسانوفون
أبليز
بركستليز
أسكوباس وليسبوس
العصر الذهبي للفلسفة
العلماء
المدارس السقراطية
أرستبوس
ديجين ديوجانس
أفلاطون
المعلم
الفنان
الميتافيزيقي
العالم الأخلاقي
الطوباوي
المشترع
أرسطو طاليس
أعوام التجوال
العالم الطبيعي
الفيلسوف
السياسي
الإسكندر
نفسية الفاتح
طريق المجد
موت إله
خاتمة عصر
انتشار الهلنستية
مقدمة الترجمة
بلاد اليونان ومقدونية
تنازع السلطان
الكفاح من أجل المال
أخلاق الانحلال
الثورة في إسبارطة
سيادة رودس
الهلنية والشرق
الإمبراطورية السلوقية
الحضارة السلوقية
برجموم
الهلنية واليهود
مصر والغرب
سجل الملوك
الاشتراكية في عهد البطالة
الإسكندرية
الفتنة
شمس الحضارة اليونانية تغرب عن صقلية
الكتب
دور الكتب واليهود
كتب اليهود
مناندر
ثاوقريطوس
بولبيوس
الفن في عهد التشتت
موضوعات أشتات
التصوير
النحت
تعليق
ذروة مجد العلم اليوناني
أقليدس وأبولونيوس
أركميديز
أرستارخوس وهبارخوس وإراتسثنيز
ثاوفراسطوس وهيروفيلوس وإراسستراتوس
استسلام الفلسفة
مقدمة
هجوم المتشككة
فرار الأبيقورية
التوفيق بين الأبيقورية والرواقية
العودة إلى الدين
مجيء رومة
بيبرس
رومة المحررة
رومة الفاتحة
ما ورثناه عن اليونان
قيصر والمسيح
مقدمة
مقدمة الترجمة
تمهيد بقلم المؤلف
أصل الرومان
ديباجة في التسكان
إيطاليا
الحياة التسكانية
الفن التسكاني
رومة تحت حكم الملوك
سيطرة التسكانيين
مولد الجمهورية
الجمهورية
الكفاح في سبيل الديمقراطية
الأشراف والعامة
دستور الجمهورية
المشترعون
الحكام
بداية القانون الرومان
جيش الجمهورية
فتح إيطاليا
هنيبال يحارب رومة
قرطاجنة
رجيولوس
هملكار
هنيبال
سبيو
رومة الرواقية
مقدمة
الأسرة
دين رومة
الآلهة
الكهنة
الأعياد
الدين وأثره في الأعياد
الأخلاق
الآداب
الزراعة
الصناعة
المدنية
بعد الموت
فتح بلاد اليونان
الاستيلاء على بلاد اليونان
تبدل أحوال رومة
الالهة الجدد
بداية عصر الفلسفة
النهضة الأدبية
كاتو والمعارضون المحافظون
يجب أن تمحى قرطاجة من الوجود
الثورة
الثورة الزراعية
العوامل التي هيأت البلاد للثورة
تيبيريوس جراكس
كيوس جراكس
ماريوس
ثورة إيطاليا
صلا السعيد
الحركة الرجعية الألجركية
الحكومة
أصحاب الملايين
المرأة الجديدة
كاتوثان
اسبارتكوس
بمبي
شيشرون وكاتلين
الأدب في عهد الثورة
لكريشيوس
في طبيعة الأشياء
حبيب لزبيا
العلماء
قلم شيشرون
قيصر
الرقيع
القنصل
الأخلاق والسياسة
فتح بلاد غالة
فساد الدمقراطية
الحرب الأهلية
قيصر وكليوبطرة
قيصر الحاكم
بروتس
أنطونيوس
أنطونيوس وبروتوس
أنطونيوس وكليوبطرة
أنطونيوس وأكتافيان
الزعامة
مواهب أغسطس السياسية
في الطريق إلى الملكية
النظام الجديد
عهد الرخاء
إصلاحات أغسطس
أغسطس نفسه
آخر أيام أغسطس
العصر الذهبي
الحافز الأغسطي
فرجيل
الإلياذة
هوراس
ليفي
ثورة العاشقين
الجانب الآخر من الملكية
تيبيريوس
جايوس
كلوديوس
نيرون
الأباطرة الثلاثة
فسبازيان
تيتس
دومتيان
العصر الفضي
المولعون بالفنون
بترونيوس
الفلاسفة
سنكا
علوم الرومان
الطب عند الرومان
كونتليان
إستاتيوس ومارتيال
رومة العاملة
الزراع
الصناع
الحمالون
المهندسون
التجار
رجال المال
الطبقات
النظام الاقتصادي والدولة
رومة وفنونها
ما تدين به اليونان
رومة الكادحة
بيوت العظماء
الفنون والنقوش
النحت
التصوير
العمارة
أصولها موادها أشكالها
هياكل رومة
التحول الفجائي إلى الطراز المقوس
رومة الأببيقورية
الشعب
التعليم
الرجال والنساء
الثياب
يوم في حياة روماني
يوم عطلة روماني
المسرح
الموسيقى الرومانية
الألعاب
العقائد الجديدة
القانون الروماني
المشترعون العظام
مصادر القانون
قانون الأحوال الشخصية
قانون الملكية
قانون المرافعات
قانون الأمم
الملوك الفلاسفة
نيرفا
تراجان
هدريان
الحاكم
الجوال
البنَّاء
أنطونينس بيوس
الفيلسوف إمبراطور
الحياة والفكر في القرن الثاني
تاستس
جوفنال
سيد روماني كامل
اضمحلال الثقافة
الإمبراطور الفيلسوف
كمودس
الإمبراطورية
إيطاليا
المدن
بمبي
نظام البلديات وحياتها
تمدين الغرب
رومة والولايات
أفريقية
أسبانيا
غالة
بريطانيا
البرابرة
بلاد اليونان الرومانية
أفلوطرخس
صيف هندي
إبكتتس
لوشيان والمتشككة
اليقظة الهلنستية
مصر الرومانية
فيلو
تقدم العلوم
الشعراء في الصحراء
السوريون
آسية الصغرى
مثردانس العظيم
النثر
التيار الشرقي الجارف
رومة اليهودية
بارثيا
الهسمونيون
هيرود الأكبر
الشريعة وأنببياؤها
الأمل الأكبر
الثورة
التشتيت
شباب المسيحية
عيسى أو يسوع
المراجع
نشأة عيسى
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:29 pm

الرسالة
الإنجيل
الموت والتجلي
الرسل
بطرس
بولس
المضطَهد
المبشر
العالم الديني
الشهيد
يوحنا
نمو الكنيسة
المسيحيون
تنازع العقائد
أفلوطينس
حماة الدين
تنظيم السلطة الدينية
انهيار الإمبراطورية
أسرة سامية
الفوضى
التدهور الاقتصادي
الوثنية تحتضر
الملكية الشرقية
اشتراكية دقلديانوس
انتصار المسيحية
النزاع بين الكنيسة والدولة
قسطنطين
قسطنطين والمسيحية
قسطنطين والحضارة
الخاتمة
لِمَ سقطت رومة
ما قامت به رومة من جلائل الأعمال
عصر الإيمان
مقدمة
مقدمة المترجم
إلى القارئ
الدولة الببيزنطية في أوج مجدها
يوليان المرتد
تراث قسطنطين
المسيحيون واليهود
قيصر الجديد
الإمبراطور الوثني
خاتمة المطاف
انتصار البرابرة
التخوم المهددة
الأباطرة المنقذون
ما كان يحدث في إيطاليا
تيار البرابرة الجارف
سقوط رومة
تقدم المسيحية
مقدمة
تنظيم الكنيسة
المارقون
الغرب المسيحي
رومة
القديس جيروم
الجنود المسيحيون
الشرق المسيحي
رهبان الشرق
الأساقفة الشرقيون
القديس أوغسطين
الآثم
العالم الديني
الفيلسوف
البطريق
الكنيسة والعالم
أوروبة تتشكل
بريطانيا تصبح إنكلترا
أيرلندة
بداية تاريخ فرنسا
الأيام الخيرة من تاريخ غالة القديمة
الفرنجة
المروفنجيون
أسبانيا تحت حكم القوط الغربيين
إيطاليا تحت حكم القوطيين الشرقيين
ثيودريك
بؤيثيوس
جستنيان
الإمبراطور
ثيودورا
بليساريوس
قانون جستنيان
الفقيه الديني الإمبراطوري
الحضارة البيزنطية
العمل والثروة
العلم والفلسفة
الأدب
الفن البيزنطي
الانتقال من الوثنية
الفنانون البيزنطيون
أيا صوفيا
من القسطنطينية إلى رافنا
الفنون البيزنطية
الفرس
المجتمع الساساني
الملكية الساسانية
الفن الساساني
فتح العرب
الحضارة الإسلامية
مقدمة الترجمة
محمد صلى الله عليه وسلم
جزيرة العرب
محمد في مكة
محمد في المدينة
انتصار النبي
القرآن
شكله
العقائد
القرآن والأخلاق
القرآن والدين والدولة
سيف الإسلام
الخلفاء الراشدون
الخلافة الأموية
الخلافة العباسية
هرون الرشيد
اضمحلال الدولة العباسية
أرمينية
أحوال البلاد الإسلامية
الحال الاقتصادية
الإيمان
الشعب
الحكومة
المدن
الفكر والفن في بلاد الإسلام الشرقية
التعليم
العلوم
الطب
الفلسفة
التصوف والإلحاد
الأدب
الفن
الموسيقى
الإسلام في الغرب
فتح أفريقية
الحضارة الإسلامية في أفربقية
الإسلام في بلاد المتوسط
الإسلام في إسبانيا
الخلفاء والأمراء
الحضارة في بلاد الأندلس الإسلامية
عظمة المسلمين واضمحلالهم
الشرق الإسلامي
المسلمون في الغرب
نظرات خاطفة في الفن الإسلامي
عصر عمر الخيام
عصر السعدي
علوم المسلمين
الغزالي والنهضة الدينية
ابن رشد
غارة المغول
الإسلام والعالم المسيحي
الحضارة اليهودية
التلمود
النفي
منشئو التلمود
الشريعة
مقدمة
الناحية الدينية
الشعائر الدينية
المبادئ الأخلاقية في التلمود
الحياة والشريعة
يهود العصور الوسطى
المجتمعات الشرقية
الجماعات اليهودية في أوروبا
الحياة اليهودية في البلاد المسيحية
الحكومة
الشئون الاقتصادية
الأخلاق
الدين
كراهية اليهود
عقل اليهودي وقلبه
الأدب
مغامرات التلمود
العلوم عند اليهود
نشأة الفلسفة اليهودية
ابن ميمون
الحرب الميمونية
القبلة
العتق
العالم البيزنطي
هرقل
محطمو الصور والتماثيل الدينية
نظرة عامة في أحوال الإمبراطورية
الحياة في بيزنطة
النهضة البيزنطية
البلقان
مولد الروسيا
اضمحلال الغرب
مقدمة
إيطاليا
اللمبارد
النورمان في إيطاليا
البندقية
الحضارة الإيطالية
أسبانيا المسيحية
فرنسا
مجيء الكارولينجيين
شارلمان
اضمحلال الكارولينجيين
الآداب والفنون
نشأة الأدواق
نهضة الشمال
إنجلترا
ألفرد والدنمرقيون
الحضارة الإنجليزية السكسونية
بين فتحين
ويلز
الحضارة الأيرلندية
اسكتلندة
أهل الشمال
قصص الملوك
الحضارة الفيكنجية
ألمانيا
تنظيم السلطة
الحضارة الألمانية
صراع المسيحية
القديس بندكت
جريجوري الأكبر
الشؤون السياسية للبابوية
الكنيسة اليونانية
المسيحية تغزو أوروبا
البابوية في الحضيض
إصلاح الكنيسة
الانشقاق الأكبر من الشرق
جريجوري السابع هلدبراند
الإقطاع والفروسية
نشأة الإقطاع
التنظيم الإقطاعي
العبد
رقيق الأرض
مجتمع القرية
المالك
الكنيسة الإقطاعية
الملك
شريعة الإقطاع
الحروب الإقطاعية
الفروسية
المسيحية في عنفوانها
الحروب الصليبية
أسبابها
الحرب الصليبية الأولى
مملكة أورشليم اللاتينية
الحرب الصليبية الثانية
صلاح الدين
الحملة الصليبية الثالثة
الحملة الصليبية الرابعة
إخفاق الحملات الصليبية
نتائج الحروب الصليبية
الثورة الاقتصادية
انتعاش التجارة
تقدم الصناعة
النقود
الربا
النقابات الطائفية
الحكومات المحلية (القومونات)
الثورة الزراعية
حرب الطبقات
أوروبا تفيق من رقدتها
بيزنطة
الأرمن
روسيا والمغول
بحر البلقان المضطرب
دول التخوم
ألمانيا
اسكنديناوة
إنجلترا
وليم الفاتح
توماس أبكت
العهد الأعظم أو مجنا كارتا
نشأة القانون
البلاد الإنجليزية
إنجلترة اسكتلندة ويلز
بلاد نهر الراين
فرنسا
فليب أغسطس
القديس لويس
فليب الجميل
أسبانيا
البرتغال
إيطاليا قبل النهضة
صقلية في عهد النورمان
الولايات البابوية
البندقية تنتصر
من منتوا إلى جنوى
فردريك الثاني
الصليبي المحروم
أعجوبة العالم
النزاع بين الإمبراطورية والبابوية
تمزق إيطاليا
نهضة فلورنس
مذهب الروم الكاثوليك
عقيدة الشعب
الأسرار المقدسة
الصلاة
الطقوس
القانون الكنسي
رجال الدين
البابوية في أوجها
مالية الكنيسة
محاكم التفتيش في بداية عهدها
الإلحاد الألبجنسي
منشأ محكمة التفتيش
المحققون المفتشون
النتائج
الرهبان والإخوان
حياة الرهبنة
القديس برنار
القديس فرانسس
القديس دمنيك
الراهبات
المتصوفة
البابا المنكود
عودة على بدء
الأخلاق والآداب في العالم المسيحي
القانون الأخلاقي المسيحي
الآداب قبل الزواج
الزواج
النساء
الأخلاق العامة
ملابس العصور الوسطى
في المنزل
المجتمع والألعاب
الأخلاق والدين
بعث الفنون
يقظة حاسة الجمال
زينة الحياة
التصوير
الفسيفساء
نقوش المخطوطات
النقوش الجدارية
الزجاج الملون
النحت
ازدهار الفن القوطي
الكتدرائيات
الطراز الرومنسي القاري
الطراز النورمندي في إنجلترا
نشوء العمارة القوطية وارتقاؤها
الطراز القوطي الفرنسي
الطراز القوطي الإنجليزي
الطراز القوطي الألماني
الطراز القوطي الإيطالي
الطراز القوطي الإسباني
لمحات متفرقة
موسيقى العصور الوسطى
موسيقى الكنيسة
موسيقى الشعب
انتقال المعارف
نشأة اللغات القومية
عالم الكتب
المترجمون
المدارس
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:29 pm

جامعات الجنوب
جامعات فرنسا
جامعات إنجلترا
حياة الطلاب
أبلار
الفلسفة القدسية
هلواز
صاحب النزعة العقلية
رسائل هلواز
المدين
مغامرات العقل
مدرسة شارتر
أرسطو في باريس
الزنادقة
تطور الفلسفة المدرسية
تومس الأكويني
فلسفة تومس
المنطق
ما وراء الطبيعة
اللاهوت
علم النفس
علم الأخلاق
علم السياسة
الدين
كيف استقبلت فلسفة تومس
خلفاء تومس
العلوم المسيحية
البيئة السحرية
الثورة الرياضية
الأرض وحياتها
المادة والطاقة
إحياء علم الطب
ألبرتس مجنس
روجر بيكون
أصحاب الموسوعات
عصر الخيال
إحياء اللغة اللاتينية
الخمر والمرأة والأغاني
بعث التمثيل
الملاحم والقصص المنثورة
شعراء الفروسية الغزليون
المتصببون بالشعر من الألمان
الروايات الغرامية
الرجوع إلى الهجاء
دانتي
شعراء الفروسية الغزليون الإيطاليون
دانتي وبياتريس
الشاعر في غمار السياسة
الملهاة المقدسة
القصيدة
الجحيم
المطهر
السموات
تراث العصور الوسطى
النهضة
مقدمة
مقدمة الترجمة
إلى القارئ
تمهيد
عصر بترارك وبوكاتشيو
أبو النهضة
نابلي وبوكاتشيو
شاعر البلاط
ثورة بيندسو
العالِم الجوال
جيتو
ديكمرون
سينا
ميلان
البندقية وجنوى
خاتمة القرن الرابع عشر
نظرة عامة
البابوات في أفنيون
الأسر البابلي
الطريق إلى رومة
الحياة المسيحية
النهضة الفلورنسية
نشأة آل ميديتشي
مسرح الحوادث
الأساس المادي
كوزيمو أبو البلاد
الإنسانيون
العمارة (عصر برونيلسكو)
النحت
جبرتي
دوناتلو
لوكادلا ربيا
التصوير الملون
مساتشيو
فرا أنجليكو
الأخ فليولبي
متنوعات أشتات
العصر الذهبي
بيرو إلجتوسو
تنشئة لورندسو
لورندسو الأفخم
الأدب (عصر بوليتيان)
العمارة والنحت (عصر فيروتشيو)
الرسم
جيرلندايو
بتيتشيلي
وفاة لورندسو
سفنرولا والجمهورية
النبي
سفنرولا الحاكم
سفنرولا الشهيد
الجمهورية والميدتشيون
الفن في عهد الجمهورية
مسرح الحوادث الإيطالية
ميلان
ما وراء الأحداث
بيدمنت ولجوريا
بافيا
الفسكونتي
آل أسفوردسا
الآداب
الفن
ليوناردو دافنتشي
تكوينه
في ميلان
فلورنس
في ميلان ورومة
ليوناردو الرجل
المخترع
العالِم
في فرنسا
مدرسة ليوناردو
تسكانيا وأمبريا
بيرو دلا فرانتشيسكا
سنيوريلي
سلينا وسودوم
أمبريا والبجليوني
بيروجينو
مانتوا
فتورينود إفلتري
أندريا منتينيا
أولى سيدات العالم
فيرارا
بيت إست
الفنون في فيرارا
الآداب
أريستو
بعد أريستو
البندقية وأملاكها
بدوا
أحوال البندقية الاقتصادية السياسية
حكومة البندقية
الحياة في البندقية
فن البندقية
العمارة والنحت
آل بيليني
من آل بيليني إلى آل جيورجيوني
جيورجيوني
تيشيان (دور التكوين)
صغار الفنانين والفنون الصغرى
البندقية وأملاكها
بدوا
أحوال البندقية الاقتصادية السياسية
حكومة البندقية
الحياة في البندقية
فن البندقية
العمارة والنحت
آل بيليني
من آل بيليني إلى آل جيورجيوني
جيورجيوني
تيشيان (دور التكوين)
صغار الفنانين والفنون الصغرى
آداب البندقية
ألدوس مانتيوس
بمبو
فيرونا
إيمليا وأقاليم التخوم
كريجيو
بولونيا
على طول طريق إيمليا
أربينو وكستجليوني
مملكة نابلي
ألفنسو الأفخم
فيرانتي
النهضة في رومة
أزمة الكنيسة
الانشقاق البابوي
المجالس والبابوات
انتصار البابوية
النهضة تستحوذ على إيطاليا
قصبة العالم
نقولاس الخامس
كلكستس الثالث
بيوس الثاني
بولس الثاني
سكستس الرابع
إنوسنت الثامن
آل بورجيا
الكردينال بورجيا
إسكندر السادس
الآثم
سيزاري بورجيا
لكريدسيا
انهيار سلطان آل بورجيا
يوليوس الثاني
المحارب
العمارة الرومانية
رفائيل الشاب
نشأته
رفائيل ويوليوس الثاني
ميكل أنجيلو
الشاب
ميكل أنجيلو ويوليوس الثاني
ليو العاشر
الكردينال الغلام
البابا السعيد
العلماء
الشعراء
صحوة إيطاليا
ميكل أنجيلو وليو السادس
رفائيل وليو العاشر
أجستينو تشيجي
رفائيل خاتمة المطاف
ليو السياسي
الصَّدعُ
الثورة العقلية
الفنون الخفية
العلوم
الطب
الفلسفة
جوتشيارديني
مكيفلي
الدبلوماسي
المؤلف والرجل
الفيلسوف
تأملات
الانحلال الأخلاقي
منابع الفساد الخلقي وأشكاله
أخلاق رجال الدين
الأخلاق الجنسية
الرجل في عصر النهضة
المرأة في عصر النهضة
المنزل
الأخلاق العامة
العادات العامة ووسائل التسلية
التمثيل
الموسيقى
نظرة شاملة
الانهيار السياسي
فرنسا تكشف إيطاليا
تجدد الهجوم
حلف كمبريه
ليو وأوروبا
أدريان السادس
كلمنت السابع
نهبَ رومة
شارل المنتصر
كلمنت التاسع والفنون
ميكل أنجلو وكلمنت السابع
خاتمة عصر
الخاتمة
أفول نجم البندقية
بعث البندقية
أريتينو
تيشيان والملوك
تنتورتو
فيرونيزي
نظرة شاملة
انحطاط عصر النهضة
اضمحلال إيطاليا
العلم والفلسفة
الأدب
صحوة السحر في فلورنس
بنفنيتو تشيليني
أضواء صغرى
ميكل إنجيلو (آخرة المطاف)
حاشية
الإصلاح الديني
مقدمة
إلى القارئ
كيفية استعمال الكتاب
مؤلف الكتاب
من ويكلف إلى لوثر
الكنيسة الكاثوليكية الرومانية
فضل المسيحية
الكنيسة في الحضيض
البابوية المنتصرة
البيئة المتغيرة
ما يؤخذ على الكنيسة
إنجلترا ويكلف وتشوسر والعصيان الكبير
الحكومة
جون ويكلف
الثورة الكبرى
مقدمة
الأدب الجديد
جيوفري تشوسر
رتشارد الثاني
فرنسا تحاضر
المشهد الفرنسي
الطريق إلى كريسي
الموت الأسود وغيره
الثورة والتجديد
الملك المجنون
الحياة بين الأطلال
الآداب
الفن
جان دارك
فرنسا تبقى
بلاد الغال الخالدة
لويس الحادي عشر
المغامرة الإيطالية
نهضة القصور
فرانسوا فيون
إنجلترا في القرن الخامس عشر
الملوك
نمو الثروة الإنجليزية
الأخلاق والطباع
اللو لارد
الفن الإنجليزي
كاكستون ومالوري
الإنسانيون الإنجليز
حادثة في برجنديا
الدوقية الملكية
الروح الديني
برجنديا المشرقة
شارل الجسور
الفن في الأراضي الواطئة
أوروبا الوسطى
الأرض والعمل
إقرار النظام
ألمانيا تتحدى الكنيسة
المتصوفة
الفنون
جوتنبرج
الصقالبة الغربيون
بوهيميا
جون هس
الثورة البوهيمية
بولندة
المد العثماني
الازدهار الثاني في بيزنطة
أمارات البلقان تلتقي بالترك
السنوات الأخيرة للقسطنطينية
هانيادي جانوس
المد في عنفوانه
النهضة الهنغارية
البرتغال تستهل الثورة التجارية
أسبانيا
الشهيد الأسباني
غرناطة
فرديناند وإيزابلا
وسائل محكمة التفتيش
تقدم محكمة التفتيش
هجرة إسرائيل
الفن الأسباني
الأدب الأسباني
موت الملك
نمو المعرفة
السحرة
المعلمون
العلماء
المعالجون
الفلاسفة
المصلحون
غزو البحر
كولمبس
أمريكا
مياه المرارة
المنظور الجديد
أرازموس الرائد
تربية عالم بالإنسانيات
المشائي
الهجاء
العلامة
الفيلسوف
الإنسان
ألمانيا قبيل عهد لوثر
عصر آل فوجر
الدولة
الألمان
نضج الفن الألماني
ألبرخت ديرر
علماء الإنسانيات الألمان
أولريخ فون هوتن
الكنيسة الألمانية
الثورة الدينية
لوثر والإصلاح الديني في ألمانيا
تيتزل
تكوين لوثر
الثورة تتخذ شكلاً
نشرات بابوية ملتهبة
المجلس النيابي في ورمس
الراديكاليون
أسس الإيمان
لاهوت لوثر
الثورة
الثورة الاجتماعية
الثورة الصاعدة
حرب الفلاحين
اللامعمدانيون يجربون الشيوعية
زونجلي الإصلاح الديني في سويسرة
كثير في القليل
زونجلي
إصلاح زونجلي الديني
إلى الأمام أيها الجنود المسيحيون
لوثر وأرازموس
لوثر
الهراطقة المتعصبون
العلماء الإنسانيون والإصلاح الديني
أرازموس وحاشية على أرائه
العقائد في الحرب
التقدم البروتستانتي
مجالس الدايت لا توافق
أسد فيتنبرج
انتصار البروتستانتية
جون كالفن
شبابه
عالِم اللاهوت
جنيف وستراسبورج
مدينة الله
معارك كالفن
ميكائيل سرفيتوس
دعوة للتسامح
كالفن إلى النهاية
فرانسيس الأول والإصلاح الديني في فرنسا
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:30 pm

الملك الأنف الكبير
فرنسا
مرجريت أميرة نافار
الفرنسيون البروتستانت
هابسبورج وفالوا
الحرب والسلام
ديان دي بواتيه
هنري الثامن والكاردينال ولزي
ملك واعد
ولزي
ولزي والكنيسة
طلاق الملك
هنري الثامن وتوماس مور
برلمان الإصلاح الديني
مؤلف المدينة الفاضلة
الشهيد
حكاية ثلاث ملكات
هنري الثامن والأديار
تقنية الحل
الإيرلندي العنيد
ملك من قمة رأسه إلى أخمص قدميه
التنين يتقاعد
إدوارد السادس وماري تيودور
حماية سومرست
حماية وارويك
الملكة الرقيقة
ماري الدموية
من روبرت بروس إلى جون نوكس
الإسكتلنديون الذين لا يقهرون
وقائع ملكية
جون نوكس
جماعة أتباع المسيح
هجرات الإصلاح الديني
المشهد الإسكنديناوي
الإصلاح الديني السويدي
الإصلاح الديني الدنمركي
البروتستانتية في شرقي أوروبا
شارل الخامس والأراضي المنخفضة
إسبانيا
توحيد روسيا
الشعب
أمراء موسكو
إيفان الرهيب
عبقرية الإسلام
مقدمة
الأيلخانات في فارس
حافظ الشيرازي
تيمور
المماليك
العثمانيون
الأدب الإسلامي
الفكر الإسلامي
الفن في آسيا الإسلامية
سليمان القانوني
الإسلام في أفريقية
فارس تحت حكم الصفويين
سليمان القانوني والغرب
الحضارة العثمانية
اليهود
التائهون
على السفود
الشتات الثاني
فن البقاء
الفكر اليهودي
ماوراء الستار
حياة الناس
الاقتصاد
القانون
الأخلاق
آداب السلوك
الموسيقى
الآلات
سيطرة الموسيقى الفلمنكية
الموسيقى والإصلاح الديني
بالتسرينا
الأدب في عصر رابليه
في صناعة الكتب
المدارس
العلماء
النهضة الفرنسية
رابليه
رونسار وجماعة البليارد
وايات وصرى
هانز زاكس
ربة الشعر الأيبيرية
الفن في عصر هولبين
الفن والإصلاح البروتستنتي والنهضة
فن النهضة الفرنسية ومرض البناء
الفنون الملحقة
بيتر بروجل
كراناخ والألمان
الطراز التيودوري
هولبين الابن
الفن في أسبانيا والبرتغال
العلم في عصر كوبرنيق
الإيمان بالمستور والسحر والتنجيم وما إليهما
الثورة الكوبرنيقية
ماجلان وكشف الأرض
بعث علم الأحياء
فيساليوس
نهضة الجراحة
باراسياسوس والأطباء
الشكاكون
راموس والفلاسفة
معارضة الإصلاح البروتستانتي
الكنيسة والإصلاح
المصلحون البروتستنت الإيطاليون
المصلحون الكاثوليك الإيطاليون
القديسة تريزا والإصلاح الديري
إجناتيوس لويلا
اليسوعيون
البابوات والمجتمع
البابوات يكرهون على الدفاع
الرقابة ومحكمة التفتيش
مجمع ترنت
النهضة والإصلاح البروتستنتي والتنوير
بداية عصر العقل
ابتهاج غامر في إنجلترا
الملكة العظيمة
مزايا المحنة
حكومة إليزابث
العذراء العاشقة
إليزابث وحاشيتها
إليزابث والدين
إليزابث والكاثوليك
إليزابث والبيوريتانيون (المتطهرون)
إليزابث وأيرلندة
إليزابث وأسبانيا
رالي واسكس
السحر يذوي ويذبل
إنجلترة المرحة
في العمل
في المدارس
الفضيلة والرذيلة
العدالة والقانون
في البيت
الموسيقى الإنجليزية
الفن الإنجليزي
الرجل في عهد إليزابث
على سفوح بارناسوس
الكتب
حرب الأدباء
فيليب سدني
إدموند سبنسر
المسرح
كرستوفر مارلو
وليم شكسبير
أيام الشباب
تطور الشاعر
تفوق الشاعر
براعة شكسبير الفنية
فلسفة شكسبير
الرضى والقناعة
بعد موت الشاعر
ماري ملكة اسكتلندة
الملكة الجنِّية
اسكتلندة
ماري ونوكس
الملكة تقع في شراك الغرام
التكفير
جيمس السادس والأول
جيمس السادس ملك اسكتلندة
جيمس الأول ملك انجلترا
مؤامرة البارود
المسرح في أيام جيمس
بن جونسون
جون دون
جيمس يثير العاصفة
الدعوة إلى العقل
الخرافة
العلوم
صعود فرانسيس بيكون وسقوطه
التجديد الكبير
فلسفة رجل الدولة
صيحة العقل
الثورة الكبرى
الاقتصاد المتغير
مرجل الديانة
البيوريتانيون والمسرح
النثر في عهد شارل الأول
الشعر في أيام شارل
شارل الأول يواجه البرلمان
شارل حاكم مطلق
البرلمان الطويل
الحرب الأهلية الأولى
المتطرفون
وأسدل الستار
صراع العقائد على السلطة
إيطاليا الأم الخيرة
الحذاء السحري
روما والبابوات
اليسوعيون
أيام إيطاليا ولياليها
مولد الأوبرا
الآداب
تاسو
مجيء الباروك
الفنون في روما
برنيني
فخامة أسبانيا وانحطاطها
الحياة الأسبانية
فيليب الثاني
فيليب الثالث
فيليب الرابع
البرتغال
العصر الذهبي للأدب الأسباني
القرن الذهبي
سرفانتس
الشعراء
لوبي دي فيجا
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:30 pm

كالديرون
العصر الذهبي للفن الأسباني
الفن واحد وألوانه ألف
إلجريكو
ثورباران
فيلاسكويز
موريللو
الصراع على فرنسا
القوى المتنافسة
كاترين دي مديتشي
حكم الدم
المذبحة
هنري الرابع
الحب والزواج
هنري الثالث
الطريق إلى باريس
الملك الخلاق
زير النساء
مصرعه
ريشيليو
بين ملكين
لويس الثالث عشر
الكاردينال والهيجونوت
الكاردينال والأشراف
الكاردينال صاحب الكلمة العليا
رثاء
فرنسا إبان الحرب
الأخلاق
آداب السلوك
ميشيل دي مونتيني
خالدون يوماً واحداً
بيير كورني
العمارة
فنون كثيرة
بوسان والمصورون
ثورة الأراضي الوطيئة
مسرح الأحداث
مارجريت بارما
دوق ألفا في الراضي الوطنية
ركويسانس ودون جوان
بارما وأورانج
النصر
من روينز إلى رمبرانت
الفلمنكيون
الفن الفلمنكي
روبنز
فانديك
الاقتصاد الهولندي
الحياة والأدب في هولندة
الفنون الهولندية
فرانس هالس
رمبرانت هارمنز فان رين
ظهور دول الشمال
الدانمرك دولة عظمى
السويد
بولندة تكفر عن ذنبها
روسيا المقدسة
الإسلام يتحدى
الأتراك
معركة ليبنتو
اضمحلال السلاطين
الشاه عباس الأكبر
فارس تحت حكم الأسرة الصفوية
هرمجدون أو الحرب الإمبراطورية الفاصلة
الأباطرة
الإمبراطورية
الأخلاق وآداب السلوك
الآداب والفنون
المذاهب المتصارعة
حرب الثلاثين سنة
صلح وستفاليا
اجتهادات العقل
العلم في عصر جاليليو
الخرافة
انتقال المعرفة
أدوات العلم ومناهجه
العلم والمادة
العلم والحياة
العلم والصحة
من كوبرنيكس إلى كبلر
كبلر
جاليليو
الفلسفة تولد من جديد
الشكاكون
جيوردانو برونو
فانيني وكمبالا
الفلسفة والسياسة
الكاهن الأبيقوري
رينية ديكارت
عصر لويس الرابع عشر
مقدمة
إلى القارئ العزيز
إقرار بالفضل
فرنسا في أوج عظمتها
الشمس تشرق
مازاران وألفروند
الملك
نيقولا فوكيه
كولبير يعيد بناء فرنسا
الآداب والأخلاق
بلاط الملك
نساء الملك
الملك يمضي إلى الحرب
بوتقة الإيمان
الملك والكنيسة
ألبور رويال 1204
الجانسنيون واليسوعيون
بسكال
ألبور رويال 1656
الملك والهيجونوت
بوسويه
فنيلون
الملك والفنون
تنظيم الفنون
العمارة
الزخرفة
التصوير
النحت
موليير
المسرح الفرنسي
تلمذته
موليير ونساء المجتمع
غرام طرطوف
الملحد العاشق
موليير في أوجه
ستار
أوج الكلاسيكية في الأدب الفرنسي
جو الكلاسيكية
تذييل لكورني
راسين
لافونتين
بوالو
الاحتجاج الرومانسي
مدام دسفينييه
لاروشفوكو
لابرويير
مزيد من الأدباء
مأساة في الأراضي المنخفضة
مقدمة
الأراضي المنخفضة الأسبانية
الجمهورية الهولندية
ازدهار صور الحياة اليومية
جاي دي ويت
وليم أورنج الثالث
إنجلترا
كرومول
الثورة الاشتراكية
ثورة أيرلندة
ثورة اسكتلندة
أوليفر حاكماً مطلقاً
ذروة البيوريتانية
الكويكرز
الموت والضرائب
طريق العودة
ويعود الملك
ملتون
جون بنيان
الشاعر الشاب
المصلح
زواج وطلاق
حرية الصحافة
سكرتير اللغة اللاتينية
الشاعر العجوز
السنوات الأخيرة
عودة الملكية
الملك السعيد
مرجل الدين
الاقتصاد الإنجليزي
الفن والموسيقى
الأخلاق
العادات
الدين والسياسة
المؤامرة البابوية
خاتمة الملهاة
الثورة الجليلة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:31 pm

الملك الكاثوليكي
الإحاطة بالعرش والملك في المهد
إنجلترا تحت حكم وليم الثالث
إنجلترا في عهد الملكة آن
من دريدن إلى سويفت
صحافة حرة
المسرحية في فترة عودة الملكية
جون دريدن
في ثبت واحد
إيفلين وييبز
دانيال ديفو
ستيل وأديسون
جوناثان سويفت
محيط القارة
الصراع على البلطيق
السويد المغامرة
بولندة وسوبيسكي
روسيا تتجه إلى الغرب
بطرس يتعلم
شارل الثاني عشر والحرب الكبرى
بطرس الأكبر
الهمجي
الثورة البطرسية
العقابيل
الإمبراطورية المتغيرة
إعادة تنظيم ألمانيا
الروح الألمانية
الفنون في ألمانيا
النمسا والأتراك العثمانيون
الجنوب المراح
إيطاليا الكاثوليكية
الفن الإيطالي
أوديسة كرستينا
من مونتيفردي إلى سكارلاتي
البرتغال
انهيار إسبانيا
الجيوب اليهودية داخل البلاد الأجنبية
الصفارديم
أورشليم الهولندية
إنجلترا واليهود
الأشكنازيم
إلهامات الإيمان
المهرطقون
المغامرة الفكرية
من الخرافة إلى العلم
المعوقات
التعليم
الدارسون
البحث العلمي
دولية العلم
الرياضيات
الفلك
الأرض
الفيزياء
الكيمياء
التكنولوجيا
الأحياء
التشريح والفسيولوجيا
الطب
النتائج
إسحاق نيوتن
الرياضي
الفيزيائي
أصل نظرية الجاذبية
كتاب المبادئ برنكيبا
الأصيل
الفلسفة الإنجليزية
توماس هوبز
يوتوبيا هارنجتون
الربوبيون
المدافعون عن العقيدة
جون لوك
شافتسبري
جورج باركلي
الدين والعقل في فرنسا
تقلبات الديكارتية
سيرانودي برجراك
مالبرانش
بيير بيل
فونتنيل
سبينوزا
الهرطيق الصغير
اللاهوت والسياسة
الفيلسوف
الله
الذهن
الإنسان
العقل
الدولة
سلسلة من التأثيرات
ليبنتز
فيلسوف القانون
سني العمل الجاد
ليبنتز والمسيحية
نظرة عامة في فلسفة لوك
المونادات
هل كان الله عادلاً
اهتمامات فكرية متنوعة
فرنسا تواجه أوروبا
غروب الشمس
مدام دي مينتنون
الحلف الأعظم 1689
المسألة الإسبانية
الحلف الأعظم 1701
حرب الوراثة الإسبانية
أفول نجم الإله
عصر فولتير
كلمة اعتذار
فرنسا الوصايا
فولتير الشاب
الصراع على الوصاية
ازدهار ثم انهيار
الوصي
المجتمع في عهد الوصاية
فاتو والفنون
المؤلفون
الكردينال العجيب
فولتير والباستيل
إنجلترة
الشعب
مقدمة
التمهيد للثورة الصناعية
مظاهر الحياة في لندن
المدارس
الأخلاق
الجريمة والعقاب
آداب السلوك
تشسترفيلد
الحكام
جورج الأول
جورج الثاني والملكة كارولين
روبرت ولبول
بولنبروك
كيف تنزلق الدول إلى الحرب
أرلندة
اسكتلندة
الأمير تشارلي الجميل
صعود وليم بت
الدين والفلسفة
الموقف الديني
التحدي الربوبي
الدفع الديني
جون وسلي
في النحل والبشر
ديفيد هيوم
الأدب والمسرح
دولة القلم
ألكسندر بوب
أصوات الوجدان
المسرح
الرواية
الليدي ماري
التصوير والموسيقى
المصورون
وليم هوجارث
الموسيقيون
هندل
فولتير في إنجلترا
فرنسا
الشعب والدولة
مقدمة
النبلاء
رجال الدين
الطبقة الثالثة
الحكومة
لويس الخامس عشر
مدام دي بمبادور
الأخلاق والتعليم
التعليم
الأخلاق
العادات
الموسيقى
الصالونات
عبادة الجمال
انتصار الركوكو
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:31 pm

فن العمارة
النحت
الرسم
نشاط الذهن
صناعة الكلام
المسرح
القصة الفرنسية
حكماء أقل شأناً
مونتسكيو
فولتير في فرنسا
في باريس
رسائل عن الإنجليز
أنشودة الحب في سيري
رجل البلاط
موت حبيبة
مدام دنيس
أوروبا الوسطى
ألمانية باخ
المشهد الألماني
الحياة الألمانية
الفن الألماني
الموسيقى الألمانية
يوهان سبستيان باخ
فردريك الأكبر وماريا تريزا
استهلال إمبراطوري
استهلال بروسي
مكيافللي الجديد
حرب الوراثة النمساوية
فردريك في أرض الوطن
فولتير في ألمانيا
سويسرة وفولتير
فيللا المباهج ليدليس
المقاطعات السويسرية
جنيف
التاريخ الجديد
تقدم العلم
الأدباء
البيئة الفكرية
إلهام الدراسات الكلاسيكية
التقدم العلمي
البحث المتسع
الرياضة
الفيزياء
الكيمياء
الفلك
في الأرض
النبات
علم الحيوان
تأثير العلم على الحضارة
الطب
التشريح والفسيولوجيا
دهاء المرض
العلاج
الأطباء المتخصصون
الجراحات
الأطباء
الهجوم على المسيحية
الملحدون
النشوة الفلسفية
خليفة الثورة
جان مسلييه
هل الإنسان آله
ديدرو والموسوعة
سنوات الضياع والكسل
الأعمى والأصم والأبكم
تاريخ كتاب
الموسوعة نفسها
ديدرو بروتيه
القائل بوحدة الوجود
حلم دالمبير
ديدرو والمسيحية
ابن أخي رامو
علم الأخلاق والسياسة
ديدرو والفن
ديدرو والمسرح
ديدرو
اتساع نطاق الحملة
هلفشيوس
فلاسفة مساعدون
دي هولباخ
فولتير والمسيحية
فولتير والله
فولتير ودائرة المعارف
لاهوت الزلازل
كانديد
ضمير أوربا
اقضوا على الرجس
الدين والعقل
فولتير متعصب
انتصار الفلاسفة
رجال الدين يصدون الهجوم
خصوم الفلاسفة
سقوط اليسوعيين
التعليم والتقدم
الأخلاقيات الجديدة
تراجع الديانة
الخلاصة
خاتمة في الفردوس
روسو والثورة
أيها القارئ العزيز
مقدمة
روسو جواب الآفاق
الاعترافات
الفتى الشريد
ماما
ليون والبندقية وباريس
هل الحضارة مرض
باريس وجنيف
جرائم الحضارة
المحافظ
الهروب من باريس
حرب السنين السبع
كيف تشعل نار الحرب
طريد القانون
من براغ إلى روسباخ
الثعلب يكره الدفاع
بناء الإمبراطورية البريطانية
الإعياء
الصلح
فرنسا قبل الطوفان
حياة الدولة
رحيل الخليلة
انتعاش فرنسا
الفزيوقراطيون
ظهور طورجو
الشيوعيون
الملك
دوياري
شوازيل
تمرد البرلمانات
رحيل الملك
فن الحياة
الفضيلة والكياسة
الموسيقى
المسرح
مارمونتيل
حياة الفن
الصالونات الكبرى
فولتير الشيخ
الإقطاعي الطيب
صولجان القلم
فولتير السياسي
المصلح
فولتير الصميم
روسو الرومانسي
في الإيرميتاج
العاشق
لغط كبير
خصامة مع جماعة الفلاسفة
هلويز الجديدة
روسو الفيلسوف
العقد الاجتماعي
إميل
روسو المنبوذ
الهروب
روسو رئيس الأساقفة
روسو والكلفنيون
روسو وفولتير
بوزويل يلتقي بروسو
دستور لكورسيكا
اللاجئ
روسو في إنجلترة
الجنوب الكاثوليكي
إيطاليا السعيدة
المشهد العام
الموسيقى
الدين
من تورين إلى فلورنسة
ملكة الأدرياتيك
الحياة الفينيتسية
فيفالدي
ذكريات
تيبولو
جولدوني وجوتسي
روما
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:32 pm

نابلي
البرتغال وبومبال
يوحنا الخامس
بومبال واليسوعيون
بومبال المصلح
انتصار الماضي
أسبانيا وحركة التنوير
البيئة
فليب الخامس
فرديناند السادس
التنوير يدخل أسبانيا
شارل الثالث
الخلق الأسباني
العقل الأسباني
الفن الأسباني
فرانسسكو دي جويا
وداعاً إيطاليا
جولة وداع
البابوات والملوك واليسوعيون
القانون وبيكاريا
مغامرات
فنكلمان
الفنانون
الموسيقى
الفييري
حركة التنوير في النمسا
الإمبراطورية الجديدة
ماريا تريزا
يوزف في مرحلة النمو
الأم وولدها
المستبد المستنير
الإمبراطور والإمبراطورة
الموت الأسود
إصلاح الموسيقى
مقدمة
كرستوفر فليبالت جلوك
يوزف هايدن
موتسارت
الصبي العجيب
مرحلة المراهقة
الموسيقى والزواج
في باريس
سالزبورج وفيينا
المؤلف الموسيقي
الروح والجسد
الأوج
الحضيض
القداس الجنائزي
الإسلام والشرق السلافي
الإسلام
الأتراك
الإسلام في أفريقيا
الإسلام في فارس
فاصل روسي
العمل والحكم
الدين والثقافة
السياسة الروسية
إليزابث بتروفنا
بطرس وكاترين
بطرس الثالث
كاترين الكبرى
الحاكمة المطلقة
العاشقة
الفيلسوفة
الحاكمة القديرة
الاقتصادية
المحاربة
المرأة
الأدب
الفن
خاتمة المطاف
اغتصاب بولندة
نظرة عامة
الملوك السكسون
بونيا توفسكي
التقسيم الأول
التنوير البولندي
تمزيق بولندة
الشمال البروتستنتي
ألمانيا في عهد فردريك
فردريك المظفر
إعادة بناء روسيا
الإمارات
عصر التنوير الألماني
جوتهولت ليسنج
رد الفعل الرومانتيكي
الزوبعية
الفنانون
بعد باخ
الشيخ فرتز
كانط
مقدمة
نقد العقل الخالص
نقد العقل العملي
نقد الحكم
الدين والعقل
المصلح
بعد الموت
الطريق إلى فايمار
أثينة ألمانيا
فيلاند
جوته بروميثيوس
هردر
شيلر في سني تطويقه
فايمار إبان ازدهارها
تتمة لفيلاند
هردر والتاريخ
جوته عضو المجلس الخاص
جوته في إيطاليا
جوته في الانتظار
شيلر في الانتظار
شيلر وجوته
جوته نسطورا
جوته ونابليون
فاوست (الجزء الأول)
نسطورا عاشقاً
العالم
الفيلسوف
فاوست (الجزء الثاني)
التمام
اليهود
كفاح حياة
العزاء الصوفي
موسى مندلسون
نحو الحرية
من جنيف إلى استوكهولم
السويسريون
الهولنديون
الدنمركيون
السويديون
الاغتيال
إنجلترة جونسن
الثورة الصناعية
أسبابها
مقوماتها
ملابساتها
عواقبها
المسرحية السياسية
البنية السياسية
أبطال الدراما
الملك ضد البرلمان
البرلمان ضد الشعب
إنجلترا ضد أمريكا
إنجلترا والهند
إنجلترا والثورة الفرنسية
الأبطال يتقاعدون
الشعب الإنجليزي
أساليب الحياة الإنجليزية
الأخلاق الإنجليزية
الإيمان والشك
بلاكستون وبنتام والقانون
المسرح
لندن
عصر رينولدز
الموسيقيون
المعماريون
ودجوود
جوشوا رينولدز
توماس جينزبرو
جيران إنجلترة
إرلندة جراتان
الخلفية الإسكتلندية
التنوير الإسكتلندي
آدم سمث
روبرت بيرنز
جيمس بوزويل
المسرح الأدبي
الصحافة
لورنس ستيرن
فاني بيرني
هوراس ولبول
إدورد جبون
تشارترتن وكوبر
أولفر جولد سمث
صموئيل جونسن
النشأة المشوهة
القاموس
الحلقة المسحورة
الدب الأكبر
الفكر المحافظ
الخريف
الإفراج
بوزويل في أيامه الأخيرة
انهيار فرنسا الإقطاعية
البهاء الأخير
ورثة العرش
الحكومة
الملكة العذراء
الملك الطيب
وزارة طورجو
وزارة نكير الأولى
فرنسا وأمريكا
الموت والفلاسفة
نهاية فولتير
خاتمة روسو
لحن سير جنائزي
خاتم الفلاسفة الفرنسيين
الفلاسفة والثورة
عشية الثورة
الدين والثورة
الحياة على شفا الثورة
الصالونات
الموسيقى
الفن في عصر لويس السادس عشر
الأدب
بومارشيه
تشريح الثورة
مقدمة
النبلاء والثورة
الفلاحون والثورة
الصناعة والثورة
البرجوازية والثورة
احتشاد القوى
الانهيار السياسي
القلادة الماسية
كالون
لوميني دبريين
عودة نكير
يدخل ميرابو
التجربة الأخيرة للدراما
مجلس طبقات الأمة
إلى الباستيل
الختام
عصر نابليون
الثورة الفرنسية
مقدمة
مقدمة الترجمة
توطئة
شكر وعرفان
خلفية الثورة
الشعب الفرنسي
الحكومة
الجمعية الوطنية
مجلس طبقات الأمة
الباستيل
دخول مارا
تخلي النبلاء عن امتيازاتهم
إلى فرساي
الدستور الثوري
ميرابو يدفع ديونه
إلى فارين
الجمعية التشريعية
شخصيات الأحداث
حرب 1792
دانتون
المذبحة
المؤتمر الوطني
الجمهورية الجديدة
الثورة الثانية
مصرع مارا
اللجنة الكبرى
عهد الإرهاب
الثرميدوريون نسبة إلى شهر الدفء
حكومة الإدارة
الحكومة الجديدة
نابليون الشاب
جوزفين دي بوهارنيه
الزوبعة الإيطالية
انقلاب فروكتيدور سبتمبر
الحملة الفرنسية على مصر
انهيار حكومة الإدارة
نابليون يتولى المسؤولية
الحياة في ظل الثورة
الطبقات الجديدة
الأخلاق الجديدة
أساليب الحياة
الموسيقا والدراما
الفنانون
العلم والفلسفة
الكتب والمؤلفون
مداد دي ستيل والثورة
النتائج وتأملات الأحداث
تاريخ الحضارة الأوروبية
مقدمة الترجمة
القنصلية
الدستور الجديد
معارك الحكومة القنصلية
فرنسا المرموقة
طريق المجد
المؤامرة الكبرى
الطريق إلى الإمبراطورية
الإمبراطورية الجديدة
التتويج
الائتلاف الثالث ضد فرنسا
أوسترليتز
صانع الخرائط
جينا (يينا) وإيلاو وفريدلاند
تيلست
المملكة الميتة
آل بونابرت
الحرب الأولى في شبه جزيرة أيبيريا
كوكبة السياسيين في إيرفورت
الحرب الثانية في شبه جزيرة أيبيريا
فوشيه وتاليران والنمسا
الزواج والسياسة
عن نابليون
الصفات البدنية
عقله
شخصيته
الجنرال
نابليون الحاكم
نابليون الفيلسوف
من هو نابليون
فرنسا في عهد نابليون
الاقتصاد
المعلمون
المحاربون
الأخلاق والسلوك
مدام ريسامييه
اليهود في فرنسا
نابليون والفنون
الموسيقا
متنوعات
الرسامون
المسرح
الكتابات المناهضة لنابليون
الرقيب
مدام دي ستيل
قسطنطين
شاتوبريان
العلوم والفلسفة في ظل حكم نابليون
الرياضيات والفيزياء
الطب
البيولوجيا
ما هو العقل
أصوات محافظة
بريطانيا
مقدمة الترجمة
تأثير إنجلترا في مسيرة الأحداث
مقدمة
ثورة مختلفة
في القاع
قسوة العلم
روبرت أوين
الحياة الإنجليزية
الطبقات
الحكومة
الدين
التعليم
المبادئ الأخلاقية
العادات وأسلوب الحياة
المسرح الإنجليزي
خلاصة
العلم في إنجلترا
سبل التقدم
الفيزياء رمفورد ويونج
الكيمياء (دالتون وديفي)
البيولوجيا (إرازموس داروين)
الطب (جنر)
الفنون في إنجلترا
الفنانون
النحت
من الكارتون إلى كونستابل
تيرنر
الفلسفة الإنجليزية
توم بين عن المسيحية
جودون عن العدالة
مالتوس عن السكان
بنثام عن القانون
الأدب والفكر في مرحلة انتقال
الصحافة
الكتب
جين أوستن
وليم بلايك
شعراء منطقة البحيرة
البيئة المحيطة
وردزورث
كولردج1772
سوثي1774
كولردج1794
الثلاثي
الشعر الغنائي
الباحثان المتجولان
قصيدة رومانسية في جريسمير
حب وعمل وأفيون
كولردج فيلسوفاً
وردزورث (الذروة)
حكيم الهايجيت
على الهامش
سوثي1803
آخر ما قاله وردزورث
الشعراء الثوريون
قافلة فقدت بريقها
الرحلة الكبرى
أسد لندن
محنة الزواج
شباب شيلي
التطور الأول
التطور الثاني
إجازة سويسرية
انحلال في فينيسيا
أمور شيلي العائلية
شيلي
حب وثورة
التباين
نشيد بيزا
تضحية
التجلي
الباقون على قيد الحياة
ملوك أوروبا في مواجهة التحدي
مقدمة الترجمة
أيبيريا
البرتغال
إسبانيا
آرثر ويليزلي
حرب شبه الجزيرة الأيبيرية
النتائج
إيطاليا وغُزاتُها
خريطة إيطاليا
إيطاليا والثورة الفرنسية
إيطاليا تحت حكم نابليون
إمبراطور وبابا
ما وراء المعارك
أنطونيو كانوفا
ستبعث إيطاليا من جديد
النِّمسا
أباطرة متنورون
فرانسيس الثاني
ميترنيخ
فيينا
الفنون
بيتهوفن
شاب في بون
تقدم ومأساة
أعوام سيمفونية البطولة
العاشق
بيتهوفن وجوتة
الانتصارات الأخيرة
انتهت الملهاة (كوميديا فينيتا)
ألمانيا ونابليون
الإمبراطورية الرومانية المقدسة
كونفدرالية الراين
مقاطعات نابليون الألمانية
سكسونيا
بروسيا (تراث فردريك)
انهيار بروسيا
بروسيا تنهض من جديد
الشعب الألماني
الاقتصاد
المؤمنون بالمسيحية والمتشككون فيها
اليهود الألمان
الأخلاق
التعليم
العلوم
الفن
الموسيقا
المسرح
كُتَّاب المسرح
الأدب الألماني
ثورة واستجابة
فيمار
الساحة الأدبية
الوِجد الرومانسي
أصوات المشاعر
الأخوان شليجل
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:36 pm

الفلسفة الألمانية
فيشته
شيلنج
هيجل
حول القلب
سويسرا
السويد
الدنمرك
بولندا
تركيا (الدولة العثمانية) في أوربا
روسيا
الظروف المحيطة بالروس
بول الأول
تعليم إمبراطور
القيصر الشاب
اليهود في ظل حكم إسكندر
الفن الروسي
الأدب الروسي
إسكندر ونابليون
خاتمة المطاف
إلى موسكو
الحصار القارِّي
فرنسا في حالة ركود اقتصادي
مقدمات الحرب
الطريق إلى موسكو
موسكو تحترق
طريق العودة
إلى إلبا
إلى برلين
إلى براغ
إلى الرّاين
الانكسار
إلى باريس
طريق السلام
إلى واترلو
لويس الثامن عشر
مؤتمر فيينا
إلبا
رحلة لا تصدق
إعادة البناء
المعركة الأخيرة
إلى سانت هيلانا
التنازل الثاني عن العرش
البوربون يستعيدون العرش للمرة الثانية
التسليم
إلى النهاية
جزيرة سانت هيلانا
السير هدسون لو
الرفاق العظماء
الدكتاتور الكبير
المعركة الأخيرة
وماذا بعد
الأسرة
العودة إلى رحاب الوطن
منظور (زاوية رؤية)








تقديم




للأستاذ الدكتور محيي الدين صابر


ظلت الثقافة العربية- منذ كانت ثقافة- إنسانية، منفتحة على العالم انفتاحاً عضوياً ووظيفياً. فهي من حيث مقوماتها ودورها الحضاري محكوم عليها بهذا التواصل، الذي يشهد بها كل تاريخها المشرق. وفي هذا الإطار، كانت الخطة التي قررتها إدارة الثقافة، بالأمانة العامة للجامعة العربية، منذ وقت مبكر، حين كان إنشاؤها، أن تترجم إلى اللغة العربية، الأمهات، في كل مجال من مجالات الفكر والفن؛ وكانت هنام هيئة من كبار المثقفين الذين تستشيرهم الإدارة، تقوم على اختيار تلك الأمهات؛ وقد كان كتاب قصة الحضارة لمؤلفه وول ديورانت من الكتب التي اختيرت لترجمتها، وهذا الكتاب الجليل، يعتبر من الكتب القليلة التي أنصفت الحضارة العربية الإسلامية. فلقد اتسم كاتبه وول ديورانت بالروح الموضوعية، وبالمنهج العلمي، وبالالتزام الخلقي؛ وهو من الكتاب الغربيين القليلين الذين اعترفوا بفضل الحضارات الشرقية، وتأثيرها الكبير في الحضارة اليونانية واللاتينية، اللتين يعتبرهما المؤرخون، بداية الحضارة الإنسانية؛ وأن الإنسان، إنما خلق مع الحضارة اليونانية. وأهملوا كل تلك الروائع الفكرية في الفلسفة وفي الهندسة والعمارة وفي الطب وفي الصناعة وفي القانون والإدارة والاقتصاد، وفي الفنون




صفحة رقم : 1




قصة الحضارة -> مقدمة -> تقديم


في مختلف أجناسها، كل ذلك جحده الغرب وأهمله في محاولة لإنكار الطبيعة السيالة للحضارة البشرية، ولتبادل الخبرات واتصال السعي الإنساني. ومن هنا فقد كان لهذا الكتاب أهميته العلمية والتاريخية.
إلا أن هذا الكتاب، من حيث تصوره ومنهجه، جديد في تناول التاريخ، كحركة متصلة، ويقدمه، في صورة تأليفية متكاملة، بما يعين على فهم فكري واضح لمسيرة التاريخ وللمعالم الحضارية ولمراحلها، جغرافياً وموضوعياً. فقد وصف التراث البشري، على هذا الأساس، في خمس مناطق، وبدأ أولاً بالتراث الشرقي، الذي ضم حضارات مصر والشرق الأدنى حتى وفاة الإسكندر، وفي الهند والصين واليابان إلى العهد الحاضر، ثم بالتراث الكلاسيكي، وهو يشمل تاريخ الحضارة في اليونان، وروما، وفي الشرق الأدنى الذي كان تحت السيادتين اليونانية والرومانية على التوالي، ثم عرض للتراث الوسيط، فذكر حضارة أوروبا الكاثوليكية والبروتستانتية، والإقطاعية، والحضارة البيزنطية، والحضارة الإسلامية واليهودية في آسيا وأفريقيا وإسبانيا، انتهاءً بالنهضة الإيطالية. ثم استعرض التاريخ الأوروبي، متمثلاً في التاريخ الحضاري للدول الأوروبية، منذ الإصلاح البروتستانتي إلى الثورة الفرنسية؛ وانتهى عرضه بالتراث الحديث الذي تناول تاريخ الاختراعات المادية والفكرية، بما في ذلك السياسة والعلوم والفلسفة والدين والأخلاق والأدب والفنون في أوروبا، منذ تولى نابليون الحكم إلى العصر الحاضر.
ويقول في مقدمته لهذا السفر الجليل، والدراسة الموسوعية المستوعبة، "إنه بدأ بآسيا، ليس لأن آسيا، كانت مسرحاً لأقدم مدنية معروفة وحسب، ولكن لأن تلك المدنيات كونت البطانة والأساس للحضارة اليونانية والرومانية، التي ظن خطأ، السير هنري مين، أنها المصدر الوحيد الذي استقى منه العصر الحديث، وسوف يدهشنا كم مخترعاً من ضروريات حياتنا، وكم من نظامنا الاقتصادي والسياسي وكم مما لدينا من علوم وآداب، ومن فلسفة ودين يرتد إلى مصر، والشرق.




صفحة رقم : 2




قصة الحضارة -> مقدمة -> تقديم


وفي القرن العشرين، حيث تسرع السيادة الأوروبية إلى الانهيار، فإن الأمر يبدو وكأنه صراع شامل بين الشرق والغرب. وهنا نرى التعصب الأعمى الذي ساد كتابتنا التقليدية للتاريخ، التي تبدأ رواية التاريخ الحضاري للبشرية من اليونان وتلخص آسيا كلها في سطر واحد؛ لم تعد غلطة علمية، بل كان إخفاقاً ذريعاً في تصوير الواقع، ونقصاً فاضحاً في ذكائنا. إن المستقبل يولي وجهه شطر المحيط الهادي، فلا بد للعق أن يتابع خطاه".
ولقد نقلت هذه الفقرة الطويلة، من مقدمة المؤلف لأهميتها، ولأنها تعبر عن اتجاهه الفكري، ومنهجه العلمي.
هذا، ولقد استعان المؤلف في كتابته عن الحضارة العربية، بما تيسر له من المراجع المترجمة إلى اللغات الأوروبية، وهي مع قلتها، لا تسلم من الآفات، سواء من حيث اختيار تلك المراجع أو من حيث مستوى الترجمة التي تختلف من يد إلى يد، ضيقاً، سعة، دقة وتصرفاً؛ ولقد كان حسن رأيه في هذه الحضارة، وسلامة اتجاهه نحوها، في كل حين، عصمة له من الآراء المألوفة التي يرددها الكاتبون في هذا المجال...
ولقد ألقى هذا الوضع مسؤولية كبيرة، على المترجمين العرب، الذين هم، في الوقت نفسه، من كبار الأساتذة والمثقفين، فعمدوا إلى مراجعة النصوص وتوثيقها، وإلى ردها إلى أصولها، كما تصدوا بالتصحيح، لكل ما يبعد عن الحقيقة، فلم يكن هذا العمل في جوهره ترجمة من لغة إلى لغة فحسب، ولكنه كان عملاً فكرياً مستقلاً، وتعاملاً بصيراً مع المادة تصحيحاً وتوضيحاً. ويكفي أن يكون بين هؤلاء الأستاذ الكبير الدكتور زكي نجيب محمود الفيلسوف العربي، والأستاذ محمد بدران، والكتور عبد الحميد يونس، والأستاذ علي أدهم، والأستاذ فؤاد أندوراس، من أعلام الثقافة، الذين أدوا خدمة جليلة للفكر العربي، في تواصله مع الفكر العالمي.




صفحة رقم : 3




قصة الحضارة -> مقدمة -> تقديم


وهكذا جاءت الترجمة العربية، مرجعاً أميناً موثوقاً به، يقدم خدمة ثقافية حقيقية للقراء العرب، ويسد حاجة قائمة في هذا المجال، كما كان في أصله معيناً، على تقديم الحضارة العربية، بصورة عادلة إلى القراء في العالم الخارجي...
ولم يكن لهذا المشروع الطموح أن يتحقق، لولا إيمان القائمين عليه بأهدافه الثقافية والقومية، فلقد بدأ المشروع، في الإدارة الثقافية في الأمانة العامة في الجامعة العربية مثل كثير من المشروعات الثقافية والتربوية، إلى أن قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 1970، فآلت إليها، كل الأجهزة الثقافية في الجامعة العربية، وفي مقدمتها، الإدارة الثقافية، وانتقلت بذلك التزامات الإدارة الثقافية، ونشاطها، إلى المنظمة التي واصلت تمويل هذا المشروع والإنفاق على ترجمته. وقد صدر الكتاب في القاهرة، عن لجنة التأليف والترجمة والنشر التي يتوجه إليها الشكر في هذا المقام، في طبعتها الأولى (1965)، وقد صدر منها لغاية الآن اثنان وأربعون جزءاً. وتقوم دار الجيل حالياً بطبعها في بيروت في واحد وعشرين مجلداً بالاتفاق مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم...
وفي هذا المجال، فإننا نجدد الشكر المستحق لعلمائنا من كبار المثقفين والمفكرين الذين أشرفوا على نقل هذا الأثر الحضاري المتميز إلى اللغة العربية؛خدمة للتعاون العالمي في المجال الثقافي؛ وإغناءً للثقافة العربية، وعوناً للقارئ العربي.
والله، من وراء القصد مسؤول، أن ينفع به.
د. محيي الدين صابر
المدير العام
للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
1408 هـ = 1988م




صفحة رقم : 4




قصة الحضارة -> مقدمة -> كلمة المعرب



كلمة المعرب


هذا الكتاب هو بمثابة المقدمة لمجلد ضخم وضعه "وِلْ ديورانت" في "التراث الشرقي" والمجلد الضخم بدوره هو الجزء الأول من خمسة أجزاء- لم تصدر كلها بعد- أخذ الكاتب نفسه بإخراجه ليبسط فيها قصة الحضارة منذ فجر التاريخ إلى يومنا الحاضر.
وقد قمت مع الأستاذ محمد بدران مراقب الثقافة العامة بوزارة المعارف، بترجمة المجلد الأول، بتكليف من جامعة الدول العربية، وسيصدر هذا المجلد في الترجمة العربية في خمسة أجزاء بالترتيب الآتي:
(1) نشأة الحضارة.
(2) الشرق الأدنى.
(3) الهند وجيرانها.
(4) الصين.
(5) اليابان.
وقد قام زميلي الأستاذ محمد بدران بترجمة الجزأين الثاني والرابع، وقمت بترجمة الأجزاء الثلاثة الأخرى- وهذه الأجزاء الخمسة كلها تحت الطبع؛ ونرجو أن يتم صدورها بعد حين قصير، حتى يتكامل بها عند القارئ العربي ترجمة المجلد الأول في الأصل الإنجليزي، وأدعو الله أن يهيئ لنا ظروفاً مواتية من العافية والفراغ،


أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:40 pm

صفحة رقم : 5




قصة الحضارة -> مقدمة -> كلمة المعرب


فننقل إلى العربية المجلدات الخمسة كلها، ليكون في مكتبتنا صورة وافية للحضارة الإنسانية في نشأتها وتطورها، فنرى كم نحن مدينون لأممٍ غيرنا بأسباب المدنية، وكم يدين لنا غيرنا.
ويسرني أن أنتهز هذه الفرصة لأذكر فضل أستاذنا الجليل الدكتور أحمد أمين بك في هذا العمل، فباعتباره مشرفاً على النشاط الثقافي لجامعة الدول العربية قرر أن يترجم هذا الكتاب، وباعتباره رئيساً للجنة للتأليف والترجمة والنشر رأى أن يُنشر على الوجه الذي يرى القارئ،
نسأل الله أن يهبنا في عملنا التوفيق والسداد.
زكي نجيب محمود
أكتوبر 1949م




صفحة رقم : 6




قصة الحضارة -> مقدمة -> مقدمة المؤلف



مقدمة المؤلف


حاولت في هذا الكتاب أن أنجز الجزء الأول من مهمة تبعث السرور في نفسي، كلفت بها نفسي منذ عشرين عاماً تقريباً تكليفاً دفعني إليه التهور، وهي أن أكتب تاريخاً للمدنيّة، أردت فيه أن أروي أكثر ما يمكن من النبأ في أقل ما يمكن من الصفحات، بحيث أقصّ في روايتي ما أدته العبقرية وما أداه دأب العاملين في ازدياد تراث الإنسانية الثقافي- وأن تكون قصتي مصحوبة بتأملاتي في العلل ووصف الخصائص وما ترتب من نتائج لما أصابه الاختراع من خطوات التقدم، ولأنواع النظم الاقتصادية، وللتجارب في ألوان الحكم، وما تعلقت به العقيدة الدينية من آمال، وما اعتور أخلاق الناس ومواضعاتهم من تغيرات، وما في الآداب من روائع، وما أصابه العلم من رُقى، وما أنتجته الفلسفة من حكمة، وما أبدعه الفن من آيات، ولست بحاجة إلى من يذكرني بأن هذا المشروع ضرب من الخبل، ولا إلى من يذكرني بأن مجرد تصور مثل هذا المشروع إمعان في غرور المرء بنفسه؛ فلقد بينت في جلاء أنه ليس في مستطاع عقل واحد أو حياة واحدة أن تقوم بهذه المهمة على الوجه الأوفى، ورغم ذلك كله، فقد خيلّت لي الأحلام بأنه على الرغم من الأخطاء الكثيرة التي ليس عنها محيص في هذا المشروع، فقد يكون نافعاً بعض النفع لأولئك الذين يرغمهم ميلهم الفلسفي على محاولتهم أن يروا الأشياء في كلُ واحد، وأن يتابعوا التفصيلات في موضعها من صورة مجسدة واحدة، فيروها متحدة ويوقفوا إلى فهمها خلال الزمان في تطورها التاريخي، وأن ينظروا إليها كذلك في المكان عن طريق العلم.
لقد أحسست منذ زمن طويل بأن طريقتنا المعتادة في كتابة التاريخ مجزءاً




صفحة رقم : 7




قصة الحضارة -> مقدمة -> مقدمة المؤلف


أقساماً منفصلاً بعضها عن بعض، يتناول كل قسم ناحية واحدة من نواحي الحياة فتاريخ اقتصادي، وتاريخ سياسي، وتاريخ ديني، وتاريخ للفلسفة، وتاريخ للأدب، وتاريخ العلوم، وتاريخ الموسيقى، وتاريخ للفن - أحسست أن هذه الطريقة فيها إجحاف بما في الحياة الإنسانية من وحدة، وأن التاريخ يجب أن يكتب عن كل هذه الجوانب مجتمعة، كما يكتب عن كل منها منفرداً، وأن يكتب على نحو تركيبي كما يكتب على نحو تحليلي، وأن علم تدوين التاريخ في صورته المثلى لابد أن يهدف- في كل فترة من فترات الزمن إلى تصوير مجموعة عناصر ثقافة الأمة مشتبكة بما فيها من مؤسسات ومغامرات وأساليب عيش؛ لكن تراكم المعرفة قد شطر التاريخ- كما فعل بالعلم- إلى نواحي اختصاص تعد بالمئات، وجفل العلماء الحكماء من محاولة تصور الكل في صورة واحدة- سواء في ذلك العالم المادي أو ماضي البشرية الحي، ذلك لأن احتمال الخطأ يزيد كلما اتسع نطاق المشروع الذي يأخذه الإنسان على نفسه؛ وإن رجلاً كائناً من كان يبيع نفسه في سبيل تكوين صورة مركبة تشمل الكلَّ جملة واحدة، لابد أن يكون هدفاً يبعث على الأسى، لما يصيبه من ألوف السهام التي يوجهها نقد الأخصائيين إليه؛ فتصيبه غير عابثة بجهده؛ لقد قال فتاح حوتنب منذ خمسة آلاف عام: "أنظر كيف يمكن أن تتعرض لمناوأة الخبراء في المجلس؛ إنه لمن الحمق أن تتحدث في كل ضروب المعرفة"؛ إن تاريخاً يكتب للمدنية لشبيه بجرأته بالمحاولات الفلسفية كلها: وذلك أنه يعرض علينا صورة تبعث على السخرية لجزء يشرح الكل الذي هو جزء منه؛ ومثل هذه المغامرة لا تستند على سند من العقل، كما هي الحال في الفلسفة، وهي مغامرة أحسن ما تكون حالا أن تكون حماقة جريئة؛ لكن ليكن أملنا أن تصيب ما تصيبه الفلسفة من توفيق فتستطيع دائماً أن تجذب إليها طائفة من النفوس المغامرة فتغوص في أعماقها المميتة.
وخطة هذه السلسلة هي أن نروي تاريخ المدنية في خمسة أجزاء مستقلة:




صفحة رقم : 8




قصة الحضارة -> مقدمة -> مقدمة المؤلف


1- "تراثنا الشرقي" وهو تاريخ للمدنيَّة في مصر والشرق الأدنى حتى وفاة الإسكندر، وفي الهند والصين واليابان إلى يومنا الحاضر، ويسبق ذلك مقدمة عن طبيعة العناصر التي تتألف منها المدنيَّة .
2- "تراثنا الكلاسيكي" وهو تاريخ المدنية في اليونان وروما والمدنية في الشرق الأدنى إذ هو تحت السيادة اليونانية والرومانية.
3- "تراثنا الوسيط" وفيه أوربا الكاثوليكية والإقطاعية والمدنية البيزنطية والثقافة الإسلامية والثقافة اليهودية في آسيا وإفريقية وأسبانيا، والنهضة الإيطالية.
4- "تراثنا الأوربي" وهو تاريخ ثقافي للدول الأوربية من الإصلاح البروتستنتي إلى الثورة الفرنسية.
5- "تراثنا الحديث" وفيه تاريخ الاختراع والسياسة والعلم والفلسفة والدين والأخلاق والأدب والفن في أوربا منذ تولى نابليون الحكم إلى عصرنا الحاضر.
إن قصتنا تبدأ بالشرق، لا لأن آسيا كانت مسرحاً لأقدم مدنيّة معروفة لنا فحسب، بل كذلك لأن تلك المدنيات كونت البطانة والأساس للثقافة اليونانية والرومانية التي ظن "سير هنري مين" خطأ أنها المصدر الوحيد الذي استقى منه العقل الحديث، فسيدهشنا أن نعلم كم مخترعاً من ألزم مخترعاتنا لحياتنا، وكم من نظامنا الاقتصادي والسياسي ومما لدينا من علوم وآداب، وما لنا من فلسفة ودين، يرتدُّ إلى مصر والشرق، وفي هذه اللحظة التاريخية - حيث تسرع السيادة الأوربية نحو الانهيار، وحيث تنتعش آسيا مما يبعث فيها الحياة، وحيث الاتجاه كله في القرن العشرين يبدو كأنما هو صراع شامل بين الشرق والغرب - في هذه اللحظة نرى أن التعصب الإقليمي الذي ساد كتابتنا التقليدية للتاريخ، التي تبدأ رواية التاريخ من اليونان وتلخص آسيا كلها في سطر واحد، لم يعد مجرد غلطة علمية، بل ربما كان إخفاقاً ذريعاً في تصوير الواقع ونقصاً فاضحاً في ذكائنا،




صفحة رقم : 9




قصة الحضارة -> مقدمة -> مقدمة المؤلف


إن المستقبل يولى وجهه شطر المحيط الهادي، فلابد للعقل أن يتابع خطاه هناك.
لكن كيف يتاح لعقل غربي أن يفهم الشرق؟ إن ثمانية أعوام قضيتها في الدراسة والسفر لم يكن من شأنها سوى أن توضح لي هذه الحقيقة أيضاً - وهي أن العمر بأسره يخصص للبحث العلمي لن يكفي طالباً غريبا ليدمج نفسه في روح الشرق الدقيقة اللمحات وفي تراثه الغامض؛ إن كل فصل وكل فقرة في هذا الكتاب ستقع موقع الإساءة أو موقع الدعابة من نفس القارئ إن كان متحمساً لوطنه أو كان من أصحاب النفوس الغوامض: فاليهودي المتمسك بعقيدته بحاجة إلى كل ما عرف عنه من صبر قديم لكي يعفو عن الصفحات التي كتبت عن يهودا؛ والهندوسي الضارب فيما وراء الطبيعة سيرثي لهذه الخدوش السطحية التي لمسنا بها الفلسفة الهندية؛ وسيضحك الحكيم الصيني أو الياباني ملء شدقيه من هذه المختارات الموجزة المقتضبة اقتضاباً مخلا، التي اقتبسناها من ثروة الشرق الأقصى الزاخر في الأدب والفكر؛ ولقد صحح الأستاذ هاري ولفسن في جامعة هارفرد بعض أخطاء الجزء الخاص بالدولة اليهودية؛ وراجع "الدكتور أناندا كوما راسْوامى" في معهد الفنون الجميلة ببوسطن القسم الخاص بالهند مراجعة بذل فيها أشق مجهود، لكنه ليس بالطبع مسئولاً عن النتائج التي وصلتُ إليها، أو الأخطاء التي ما زالت باقية، وتآزر الأستاذ هـ . هـ . جون المستشرق العلامة في جامعة واشنطن، مع أبطُن كلُوز الذي لا ينفذ علمه بالشرق فيما يظهر، على تصحيح الأخطاء الصارخة في الفصول التي كتبت عن الصين واليابان، وأفادني مستر جورج سوكولسكي في الصفحات التي كتبت عن شئون الشرق الأقصى في أيامنا هذه بما له من معرفة بتلك البلاد استمدها منها مباشرة؛ فإذا أقبل الجمهور على الكتاب إقبالاً يدعو إلى طبعة ثانية منه فسننتهز هذه الفرصة لندخل كل ما عسانا نتلقاه من تصحيحات يقترحها النقاد والأخصائيون والقراء، على أن المؤلف الذي أنهكه التعب يشاطر "تاي تنج" الذي نشر في القرن الثالث عشر
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:45 pm



صفحة رقم : 10




قصة الحضارة -> مقدمة -> مقدمة المؤلف


كتابه عن "تاريخ الكتابة الصينية" حيث قال: "لو كنت لأنتظر الكمال، لما فرغت من كتابي إلى الأبد" .
ولما كانت هذه الأيام التي ينحو فيها الناس إلى استخدام آذانهم، لا تعمل على شيوع الكتب الغالية تُكتب في موضوعات بعيدة لا تشوق إلا من يعدُّون أنفسهم مواطنين للعالم كله، فمن الجائز أن تبطئ سائر حلقات هذه السلسلة في الظهور بفعل الضرورات القاسية التي تقتضيها الحياة الاقتصادية، أما إن أقبل الناس على هذه المغامرة التي حاولت بها جمع العناصر كلها في مركّب واحد، إقبالاً يمكنني من تكريس نفسي في غير انقطاع لهذا المشروع، فسيكون الجزء الثاني معداً في أواخر 1940م، وستظهر الأجزاء التالية له - إن مُدَّ لي في العافية - على فترات، طول الواحدة منها خمس سنوات؛ ولن يسعدني شيء بمقدار ما يسعدني أن أنصرف بجهدي كله لهذا العمل فلا تشغلني شواغل أدبية أخرى؛ وسأمضي في العمل ما أسعفني الزمن وما عاونتني الظروف، راجياً أن يشيخ معي عدد لا بأس به من معاصريّ في تحصيل العلم، وأن يكون في هذه الأجزاء بعض العون لأبنائنا على فهم الكنوز التي لا حد لها مما يرثونه عن أسلافهم، والاستمتاع بها.
ول ديورانت
مارس 1935




صفحة رقم : 11




قصة الحضارة -> مقدمة -> كلمة عن سلسلة قصة الحضارة



كلمة عن سلسلة قصة الحضارة


قصة الحضارة موسوعة في فلسفة التاريخ، قضى مؤلفها عشرات السنين في إعداد العدة لها، فقرأ لذلك عشرات المؤلفات وطاف بجميع أرجاء العالم من شرقية إلى غربية أكثر من مرة. وحسب القارئ دليلا على الجهد الذي بذله في إعداد العدة لها أن يطلع على ثبت المراجع العامة والخاصة الذي أثبتناه في آخر كل جزء من هذه الأجزاء. وقد كان يعتزم في بادئ الأمر أن تكون هذه السلسلة في خمسة مجلدات، ولكن البحث تشعب والمادة كثرت فزادها إلى سبعة، ومن يدري لعلها تتجاوز هذا العدد الذي قدره لها أخيراً.
وقد صدر منها حتى الآن باللغة الإنجليزية في ستة مجلدات ضخمة منها ما تبلغ صفحاته أكثر من ألف صفحة كالمجلد الأول والمجلد الرابع الذي يختتم به هذا الجزء.
فالمجلد الأول يبحث في أسس الحضارة ومصادرها ثم ينتقل بعدئذ إلى وصف حضارات الشرق الأوسط والأدنى وقد طبع هذا المجلد بالعربية في خمسة أجزاء كبيرة.
الجزء الأول في أسس الحضارة ونشأتها.
الجزء الثاني في حضارة الشرق الأوسط من مصر حتى بلاد إيران.
الجزء الثالث في حضارة الهند وجيرانها من بداية تاريخها إلى الوقت الحاضر.
الجزء الرابع في حضارة الصين من أقدم الأزمنة إلى وقتنا هذا.
الجزء الخامس في حضارة اليابان من بدايتها إلى العصر الحديث.
والمجلد الثاني في حضارة اليونان وقد صدر بالعربية في ثلاثة أجزاء.
الجزء الأول: ويروي قصة الحضارة اليونانية من أقدم العهود إلى كفاح بلاد اليونان في سبيل حريتها واستقلالها.
الجزء الثاني: ويشرح حضارة اليونان في العصر الذهبي بما في ذلك الكفاح الذي قام وقتئذ بين الفلسفة والدين، وينتهي بانتصار اليونان ويروي قصة الفلسفة اليونانية.
الجزء الثالث: ويشرح انتشار الحضارة اليونانية في الشرق وينتهي باستيلاء رومة على بلاد اليونان، وكيف أسرت بلاد اليونان أسيرها.
ويروي قصة المجلد الثالث - قيصر والمسيح - قصة الحضارة الرومانية من نشأتها إلى عصر قسطنطين وقد صدر بالعربية في ثلاثة أجزاء كبيرة.
الجزء الأول: يروي قصة الحضارة اليونانية من بداية تاريخ رومة إلى عهد أكتافيان، وبه فصول عن الكفاح في سبيل الديمقراطية وحروب هنيبال والفلسفة الرواقية والأدب في عصر الثورة.
الجزء الثاني: ويبدأ من عصر رومة الذهبي وفيه فصول عن النظام الإقتصادي الروماني، وعن علوم الرومان وفنونهم، وعن القانون الروماني، والملوك الفلاسفة، وعن الحياة والفكر في القرن الثاني الميلادي.
الجزء الثالث: ويروي قصة الحضارة الرومانية في الولايات التابعة لرومة في أوربا وإفريقية، ويقظة بلاد اليونان في أثناء الحكم الروماني، وحياة اليهود في الإمبراطورية، وشباب المسيحية، ونمو الكنيسة، وانهيار الإمبراطورية، وانتصار المسيحية.
المجلد الرابع: عصر الإيمان - في حضارة العصور الوسطى وقد صدر في ستة أجزاء كبيرة.
الجزء الأول: يبدأ بانتشار المسيحية في الولايات الرومانية، ويتحدث عن غزو البرابرة، وعن نشأت الدولة الأوربية، وقوانين جستنيان والحضارة البيزنطية، وينتهي بالحديث عن حضارة الفرس إلى أيام الفتح العربي.
الجزء الثاني: في الحضارة الإِسلامية. وهو يتحدث بنزاهة تامة عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن القرآن والدين الإسلامي وفضائلهما، وعن الحضارة الإِسلامية في آسية وإفريقية والأندلس، وعن فضل المسلمين على العالم. وبه فصول ممتعة عن علوم المسلمين وأدبهم وفلسفتهم وتصوفهم، وذكر الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة والمتصوفة، ومقتبسات كثيرة من أقوالهم وكتبهم. والكتاب يشيد بمجد المسلمين إشادة منقطعة النظير.
الجزء الثالث: يتحدث عن حضارة اليهود، وعن العالم البيزنطي في العصور الوسطى وعن الصراع بين المذاهب المسيحية المختلفة، وعن الإقطاع والفروسية، وبه فصل طريف عن محاكم العاشقين في العصور الوسطى.
الجزء الرابع: يبدأ بالحديث عن الحروب الصليبية، ثم ينتقل إلى الثورة الاقتصادية في العالم، ويقظة أوربا من ظلمات العصور الوسطى، واستعداد إيطاليا لاستقبال عصر النهضة.
الجزء الخامس: يتحدث عن الكنيسة الكاثوليكية، ومحاكم التفتيش وفظائعها، ونشأة الرهبنة وانتشارها، وعن الآداب والأخلاق في العالم المسيحي، وبعث الفنون، وازدهار الفن القوطي والصروح القوطية في أوربا، وعن الموسيقى في العصور الوسطى.
الجزء السادس: يروي قصة انتشار العلوم والمعارف والآداب في آخر أيام العصور الوسطى، وينتهي بالحديث عن دانتي والملهاة المقدسة ومصادرها، وبه خلاصة وافية لهذه الملحمة.
المجلد الخامس: في عصر النهضة بإيطاليا، أسبابها ونتائجها وتاريخها وعيوبها. وقد تمت ترجمته أو كادت وسيصدر إن شاء الله في أربعة أجزاء كبار.
المجلد السادس: صدر بالإنجليزية من بضعة أسابيع وهويتهم الحديث عن النهضة في أوربا والشرق. وسنبدأ إن شاء الله في ترجمته بعد قليل وينتظر أن يصدر في خمسة أجزاء أو ستة.
المجلد السابع: سيصدر بالإنجليزية في عام 1962 كما وعد بذلك المؤلف. وكل جزء من هذه الأجزاء موضح بالصور والرسوم وبه فهارس وافية وأسماء مئات المصادر التي أعتمد عليها المؤلف في قصته وتعليقات وشروح للمترجم.
والخلاصة أن هذه السلسلة ذخيرة علمية لا غنى عنها للمكتبة العربية ولعشاق التاريخ والأدب والعلم والفن والاجتماع وجميع مقومات الحضارة.
فبراير سنة 1958


أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:46 pm

صفحة رقم : 12




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة



المجلد الأول




التراث الشرقي




نشأة الحضارة




الباب الأول




عوامل الحضارة




تعريف - العوامل الجيولوجية - والجغرافية - والاقتصادية -




والجنسية - والنفسية - أسباب انحلال الحضارات


الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها.
والحضارة مشروطة بطائفة من عوامل هي التي تستحث خطاها أو تعوق مسراها، وأولها العوامل الجيولوجية، ذلك أن الحضارة مرحلة تتوسط عصرين من جليد، فتيار الجليد قد يعاود الأرض في أي وقت فيغمرها من جديد، بحيث يطمس منشآت الإنسان بركام من ثلوج وأحجار، ويحصر الحياة في نطاق ضيق من سطح هذه الأرض؛ وشيطان الزلازل الذي نبني حواضرنا في غفوته، ربما تحرك حركة خفيفة بكتفيه فابتلعنا في جوفه غير آبه.
وثانيها العوامل الجغرافية، فحرارة الأقطار الاستوائية وما يجتاح تلك الأقطار من طفيليات لا تقع تحت الحصر، لا تهيئ للمدنية أسبابها، فما يسود تلك الأقطار من خمول وأمراض، وما تُعرف به من نضوج مبكّر وانحلال




صفحة رقم : 13




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة


مبكر، من شأنه أن يصرف الجهود عن كماليات الحياة التي هي قوام المدنية، ويستنفدها جميعاً في إشباع الجوع وعملية التناسل، بحيث لا تَذَرُ للإنسان شيئاً من الجهد ينفقه في ميدان الفنون وجمال التفكير؛ والمطر كذلك عامل ضروري إذ الماء وسيلة الحياة، بل قد يكون أهـم للحياة من ضوء الشمس، ولما كانت السماء متقلبة الأهواء لغير سبب مفهوم فقد تقضى بالجفاف على أقطار ازدهرت يوماً بالسلطان والعمران، مثل نينوى وبابل؛ أو قد تسرع الخطى نحو القوة والثراء، بمدائن هي- فيما يبدو للعين- بعيدة عن الطريق الرئيسي للنقل والاتصال، مثل المدن في بريطانيا العظمى أو خليج بُيوجت Puget Sound وإذا كانت تربة الإقليم تجود بالطعام أو المعادن، وإذا كانت أنهاره تهيئ له طريقاً هينة للتبادل مع غيره، وإذا كان شاطئه مليئاً بالمواضع التي تصلح مرافئ طبيعية لأسطوله التجاري، ثم إذا كانت الأمة فوق هذا كله تقع على الطريق الرئيسية للتجارة العالمية، كما كانت حال أثينا وقرطاجنة وفلورنسة والبندقية- إذن فالعوامل الجغرافية على الرغم من أنها يستحيل أن تخلق المدنية خلقاً، إلا أنها تستطيع أن تبتسم في وجهها، وتهيئ سبيل ازدهارها.
والعوامل الاقتصادية أهم من ذلك، فقد يكون للشعب مؤسسات اجتماعية منظمة، وتشريع خلقي رفيع، بل قد تزدهر فيه صغريات الفنون، كما هو الحال مع الهنود الأمريكيين، ومع ذلك فإنه إن ظلَّ في مرحلة الصيد البدائية، واعتمد في وجوده على ما عسى أن يصادفه من قنائص، فإنه يستحيل أن يتحول من الهمجية إلى المدنية تحولاً تاماً، قد تكون قبيلة البدو- كبدو بلاد العرب- على درجة نادرة من الفتوة والذكاء، وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم والشيم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها، وبغير اطراد موارد القوت، ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات




صفحة رقم : 14




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة


التجارة، بحيث لا يبقى لها منه شيء لوَشْى المدنية وهُدابها ولطائفها وملحقاتها وفنونها وترفها؛ وأول صورة تبدت فيها الثقافة هي الزراعـة، إذ الإنسان لا يجد لتمدنه فراغاً ومبرراً إلا إذا استقر في مكان يفلح تربته ويخزن فيه الزاد ليوم قد لا يجد فيه مورداً لطعامه؛ في هذه الدائرة الضيقة من الطمأنينة- وأعني بها مورداً محققاً من ماء وطعام- ترى الإنسان يبني لنفسه الدُّور والمعابد والمدارس، ويخترع الآلات التي تعينه على الإنتاج ويستأنس الكلب والحمار والخنزير، ثم يسيطر على نفسه آخر الأمر، فيتعلم كيف يعمل في نظام واطراد، ويحتفظ بحياته أمداً أطول ويزداد قدرة على نقل تراث الإنسانية من علم وأخلاق نقلاً أميناً.
إن الثقافة لترتبط بالزراعة كما ترتبط المدنية بالمدينة، إن المدنية في وجه من وجوهها هي رقة المعاملة ، ورقة المعاملة هي ذلك الضرب من السلوك المهذب الذي هو في رأي أهل المدن- وهم الذين صاغوا حكمة المدنية- من خصائص المدينة وحدها ، ذلك لأنه تتجمع في المدينة- حقاً أو باطلاً- ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابـغ العقول؛ وكذلك يعمل الاختراع وتعمل الصناعة على مضاعفة وسائل الراحة والترف والفراغ؛ وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار؛ وهاهنا حيث تتلاقى طرق التجارة فتتلاقح العقول، يُرهف الذكاء وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، وكذلك في المدينة يُستغنى عن فئة من الناس فلا يُطلب إليهم صناعة الأشياء المادية، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن؛ نعم إن المدنية تبدأ في كوخ الفلاح، لكنها لا تزدهر إلا في المدن.




صفحة رقم : 15




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة


وليست تتوقف المدنية على جنس دون جنس، فقد تظهر في هذه القارة أو تلك، وقد تنشأ عن هذا اللون من البشرة أو ذاك، قد تنهض مدنيّة في بكين أو دلهي، في ممفيس أو بابل، في رافنا أو لندن، في بيرو أو يوقطان. فليس هو الجنس العظيم الذي يصنع المدنية بل المدنية العظيمة هي التي تخلق الشعب، لأن الظروف الجغرافية والاقتصادية تخلق ثقافته، والثقافة تخلق النمط الذي يصاغ عليه. ليست المدنية البريطانية وليدة الرجل الإنجليزي ولكنه هو صنيعتها، فإذا ما رأيته يحملها معه أينما ذهب ويرتدي حُلة العشاء وهو في "تمبكتو"؛ فليس معنى ذلك أنه يخلق مدنيته هناك خلقاً جديداً، بل معناه أنه يبين حتى في الأصقاع النائية مدى سلطانها على نفسه. فلو تهيأت لجنس بشري آخر نفس الظروف المادية، ألفيت النتائج نفسها تتولد عنها، وهاهي ذي اليابان في القرن العشرين تعيد تاريخ إنجلترا في القرن التاسع عشر، وإذن فالمدنية لا ترتبط بالجنس إلا بمعنى واحد، وهو أنها تجيء عادة بعد مرحلة يتم فيها التزاوج البطيء بين شتى العناصر، ذلك التزاوج الذي ينتهي تدريجياً إلى تكوين شعب متجانس نسبياً .
وما هذه العوامل المادية والبيولوجية إلا شروط لازمة لنشأة المدنية، لكن تلك العوامل نفسها لا تكوّن مدنية ولا تنشئها من عدم، إذ لا بد أن يضاف إليها العوامل النفسية الدقيقة، فلا بد أن يسود الناس نظام سياسي مهما يبلغ ذلك النظام من الضعف حداً يدنو به من الفوضى، كما كانت الحال في فلورنسة وروما أيام النهضة. ثم لا بد للناس أن يشعروا شيئاً فشيئاً أنه لا حاجة بهم إلى توقع الموت أو الضريبة عند كل منعطف في طريق حياتهم، ولا مندوحة كذلك
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:51 pm

صفحة رقم : 16




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة


عن وحدة لغوية إلى حد ما لتكون بين الناس وسيلة لتبادل الأفكار. ثم لا مندوحة أيضاً عن قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الكنيسة أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها، حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ويعترف بها حتى الخارجون عليها، وبهذا يطـرد سلوك الناس بعض الشيء وينتظم، ويتخذ له هدفاً وحافزاً. وربما كان من الضروري كذلك أن يكون بين الناس بعض الاتفاق في العقائد الرئيسية وبعض الإيمان بما هو كائن وراء الطبيعة أو بما هو بمثابة المثل الأعلى المنشود، لأن ذلك يرفع الأخلاق من مرحـلة توازن فيها بين نفع العمل وضرره إلى مرحلة الإخلاص للعمل ذاته، وهو كذلك يجعل حياتنا أشرف وأخصب على الرغم من قصر أمدها قبل أن يخطفها الموت. وأخيراً لابد من تربية- وأعني بها وسيلة تُتخذ- مهما تكن بدائية- لكي تنتقل الثقافة على مر الأجيال، فلابد أن نورث الناشئة تراث القبيلة وروحها، فنورثهم نفعها ومعارفها وأخلاقها وتقاليدها وعلومها وفنونها، سواء كان ذلك التوريث عن طريق التقليد أو التعليم أو التلقين، وسواء في ذلك أن يكون المربي هو الأب أو الأم أو المعلم أو القسيس، لأن هذا التراث إن هو إلا الأداة الأساسية التي تحول هؤلاء النشء من مرحلة الحيوان إلى طور الإنسان.
ولو انعدمت هذه العوامل- بل ربما لو انعدم واحد منها- لجاز للمدنية أن يتقوض أساسها. فانقلاب جيولوجي خطير، أو تغيُّر مناخي شديد أو وباء يفلت من الناس زمامه كالوباء الذي قضى على نصف سكان الإمبراطورية الرومانية في عهد "الأناطنة" (جمع أنطون)، و "الموت الأسود" الذي جاء عاملاً على زوال العهد الإقطاعي، أو زوال الخصوبة من الأرض، أو فساد الزراعة بسبب طغيان الحواضر على الريف، بحيث ينتهي الأمر إلى اعتماد الناس في أقواتهم على ما يرد إليهم متقطعاً من بلاد




صفحة رقم : 17




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> عوامل الحضارة


أخرى، أو استنفاد الموارد الطبيعية في الوقود أو المواد الخام، أو تغيُّر في طرق التجارة تغيراً يُبعد أمة من الأمم عن الطريق الرئيسية لتجارة العالم، أو انحلال عقلي أو خلقي ينشأ عن الحياة في الحواضر بما فيها من منهكات ومثيرات واتصالات، أو ينشأ عن تهدم القواعد التقليدية التي كان النظام الاجتماعي يقوم على أساسها ثم العجز عن إحلال غيرها مكانها أو انهيارُ قوة الأصلاب بسبب اضطراب الحياة الجنسية أو بسبب ما يسود الناس من فلسفة أبيقورية متشائمة أو فلسفة تحفزهم على ازدراء الكفاح، أو ضعفُ الزعامة بسبب عقم يصيب الأكفاء وبسبب القلة النسبية في أفراد الأسرات التي كان في مقـدورها أن تورث الخَلفَ تراث الجماعة الفكري كاملاً غير منقوص، أو تركز للثروة تركزاً محزناً ينتهي بالناس إلى حرب الطبقات والثورات الهدامة والإفلاس المالي. هذه هي بعض الوسائل التي قد تؤدي إلى فناء المدنية، إذ المدنية ليست شيئاً مجبولاً في فطرة الإنسان، كلا ولا هي شيء يستعصي على الفناء؛ إنما هي شيء لا بد أن يكتسبه كل جيل من الأجيال اكتساباً جديداً، فإذا ما حدث اضطراب خطير في عواملها الاقتصادية أو في طرائق انتقالها من جيل إلى جيل فقد يكون عاملاً على فنائها. إن الإنسان ليختلف عن الحيوان في شيء واحد، وهو التربية، ونقصد بها الوسيلة التي تنتقل بها المدنية من جيل إلى جيل.
والمدنيات المختلفة هي بمثابة الأجيال للنفس الإنسانية، فكما ترتبط الأجيال المتعاقبة بعضها ببعض يفضل قيام الأسرة بتربية أبنائها ثم بفضل الكتابة التي تنقل تراث الآباء للأبناء، فكذلك الطباعة والتجارة وغيرهما من ألوف الوسائل التي تربط الصلات بين الناس، قد تعمل على ربط الأواصر بين المدنيات وبذلك تصون للثقافات المقبلة كل ما له قيمة من عناصر مدنيتنا، فلنجمع تراثنا قبل أن يلحق بنا الموت، لنُسلمه إلى أبنائنا.




صفحة رقم : 18




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> تمهيد



الباب الثاني




العناصر الاقتصادية في الحضارة


"الهمجي" هو أيضاً متمدن بمعنى هام من معاني المدنية، لأنه يُعنى بنقل تراث القبيلة إلى أبنائه- وما تراث القبيلة إلا مجموعة الأنظمة والعادات الاقتصادية والسياسية والعقلية والخلقية، التي هذبتها أثناء جهادها في سبيل الاحتفاظ بحياتها على هذه الأرض والاستمتاع بتلك الحياة، ومن المستحيل في هذا الصدد أن نلتزم حدود العلم، لأننا حين نطلق على غيرنا من الناس اسم "الهمج" أو "المتوحشين" فقد لا نعبر بمثل هذه الألفاظ عن حقيقة موضوعية قائمة، بل نعبر بها عن حبنا العارم لأنفسنا لا أكثر؛ وعن انقباض نفوسنا وانكماشها إذا ما ألقينا أنفسنا إزاء ضروب من السلوك تختلف عما ألفناه؛ فلا شك أننا نبخس من قيمة هاتيك الشعوب الساذجة التي تستطيع أن تعلمنا كثيراً جداً من الجود وحسن الخلق؛ فلو أننا أحصينا أسس المدنية ومقوماتها لوجدنا أن الأمم العُريانة قد أنشأتها أو أدركتها جميعاً إلا شيئاً واحداً، ولم تترك لنا شيئاً نضيفه سوى تهذيب تلك الأسس والمقومات لو استثنينا فن الكتابة، ومن يدري فلعلهم كذلك كانوا يوماً متحضرين ثم نفضوا عن أنفسهم تلك الحضارة لما لمسوه فيها من شقاء النفس؛ وعلى ذلك فينبغي أن نكون على حذر حين
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 7:57 pm

صفحة رقم : 19




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> تمهيد


تستعمل ألفاظاً مثل "همجي" و "متوحش" في إشارتنا إلى "أسلافنا الذين يعاصروننا اليوم"؛ ولقد آثرنا أن نستعمل كلمة "بدائي" لندل على كل القبائل التي لا تتخذ الحيطة، أو لا تكاد تتخذها، بحيث تدخر القوت للأيام العجاف، والتي لا تستخدم الكتابة أو لا تكاد تستخدمها؛ وفي مقابل ذلك، سنطلق لفظ التمدن على الأقوام التي في وسعها أن تكتب، وأن تدخر في أيام يسرها لأيام عسرها.




صفحة رقم : 20




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث



الفصل الأول




من الصيد إلى الحرث




ما للشعوب البدائية من قصر النظر - بداية




الحيطة - الصيد والسمّاكة - الرعي - استئناس




الحيوان - الزراعة - القوت - الطهي - أكل اللحوم البشرية


"إن نظام الوجبات الثلاث في كل يوم نظام اجتماعي غاية في الرقي، أما الأقوام الهمجية فهي إما أن تتخم نفسها دفعة واحدة أو تمسك عن الطعام"%=&Hayes, Sociology,494.& وإنك لترى أكثر القبائل توحشاً بين الهنود الأمريكيين يحكمون على من يدخر طعاماً لغده بضعف المراس وانعدام الذوق%=&Lippert J., Evolution of Culture, 38.& ، وكذلك ترى أهل استراليا الأصليين لا يستطيعون العمل كائنا ما كان ما دام جزاء العمل لا يجيئهم فور أدائه؛ وكل فرد من قبائل "الهوتنتوت" Hettentot هو بمثابة السيد الذي يعيش عيش الفراغ، والحياة عند قبيلة "البوشمن" Bushmen في إفريقية "إما وليمة وإما مجاعة"%=&Spencer, H., Principles of sociology, 1, 60& . وإن في قصر النظر هذا لحكمة صامتة، كما هو الحال في كثير من أساليب الحياة عند "الهمج"، ذلك أن الإنسان إذا ما بدأ يفكر في غده فقد خرج بذلك من جنة عدن إلى وادي الهموم، وحَلَّت به صُفرة الغم، وهاهنا يشتد فيه الجشع، وتبدأ الملكية، ويزول عنه البشر المتهلل الذي يعرفه الإنسان الأول "الخلي من كل تفكير"؛ إن الزنجي الأمريكي يمثل اليوم هذه المرحلة من مراحل الانتقال، فقد سأل "بيري" أحد أدلائه من الإسكيمو قائلاً "فيم تفكر؟" فكان جوابه: "ليس لدي ما يدعو إلى التفكير لأن لديّ مقداراً كافياً من اللحم" فكون الإنسان لا يفكر إلا إذا اضطر إلى ذلك، قد يكون جُماع الحكمة، وقد يكون لهذا الرأي سند قوي يدعمه.
ومع ذلك فتلك الحياة التي خلت من الهموم، كانت لها صعابها؛ والأحياء
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:01 pm


صفحة رقم : 21




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


التي استطاعت أن تجتاز تلك المرحلة في تطورها، استفادت بذلك ميزة كبرى تساعدها في تنازع البقاء؛ فالكلب الذي اختزن تحت الثرى عظمة فاضت عن شهيته، وإنها لشهية الكلاب، والسنجاب الذي ادَّخَر البندق لوجبة أخرى في يوم مقبل، والنحل الذي ملأ خليته بالعسل، والنمل الذي خزن زاده أكداساً اتقاء يوم مطير- هذه جميعاً كانت أول منشئ للمدنية، فقد كانت هي وإضرابها من المخلوقات الراقية أول من علم أجدادنا فن ادخار ما نستغني عنه اليوم إلى الغد. أو اتخاذ الأهبة للشتاء في أيام الصيف الخصيبة بخيراتها.
فيالها من مهارة تلك التي استخرج بها أولئك الأجداد من البر والبحر طعاماً كان بمثابة الأساس لمجتمعاتهم الساذجة! لقد كانوا ينتزعون بأيديهم المجردة انتزاعاً ما يستطيعون أكله مما يبديه سطح الأرض من أشياء، وكنت تراهم يقلدون أو يستخدمون مخالب الحيوان وأنيابه، ويصنعون لأنفسهم آلات من العاج والعظم والصخر، وينسجون الشباك والمصائد والفخاخ من خيوط الحلفاء والليف، ويصطنعون من الوسائل عدداً لا يحصى لاصطياد فريستهم من يابس أو ماء؛ لقد كان لأهل بولينزيا شباك طولها ألف ذراع لا يستطيع استخدامها إلا مائة رجل مجتمعين، وبمثل هذا تطورت وسائل ادخار القوت جنباً إلى جنب مع النظم السياسية، وكان اتحاد الناس في تحصيلهم للقوت مما أعان على قيام الدولة، أنظر إلى السَّمَّاك من قبيلة "ثِلِنْجِتْ" Thlingit إذ كان يضع على رأسه غطاء يشبه رأس عجل البحر، ثم يخفي نفسه بين الصخور ويصرخ بمثل صوت ذلك الضرب من الحيتان، فتأتيه عجول البحر، فيطعنها بسنان رمحه، لا يجد في ذلك ما يؤنبه عليه ضميره، لأنه يتم على أوضاع يرضاها القتال في صورته البدائية، وكان من عادة كثير من القبائل أن يُلقى سماكوها مادة مخدرة في مجرى الماء ليهون عليهم استجلاب السمك بعد تخديره؛ فأهل تاهيتي- مثلاً- كانوا يلقون في الماء سائلاً مسكراً يصنعونه من صنف معين من البندق أو ضرب معروف




صفحة رقم : 22




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


لديهم من النبات، فتسكر الأسماك وتطفو على السطح مخمورة لا تحذر الخطر، فيمسك منها السَّمَّاك ما أراد؛ والأستراليون الوطنيون يسبحون تحت سطح الماء، ويتنفسون خلال قصبات من الغاب، فيتاح لهم أن يجذبوا البط السابح من سوقه إلى جوف الماء، ويظلون ممسكين به هناك في رفق حتى تسكن فيه حركة الحياة؛ وأبناء قبيلة "تاراهيومارا" كانوا يمسكون الطير بأن يلقوا لباب البندق على ألياف قوية ويربطوه بتلك الألياف التي يغرسونها إلى نصفها في التراب، فيقتات الطير من اللباب، ثم يقتات "التاراهيوماريون" من الطير%=&Summer and Keller, Science of society, i, 51; Summer, W. G., Folkways, 119-22; Renard, G., Life and work in prehistoric times, 36,; Mason O. T., Origins of invention, 298.& .
إن الصيد عند كثرتنا الغالبة اليوم ضرب من اللهو، نستمد فيه اللذة- فيما أظن- من بعض الذكريات الغامضة الراسخة في دمائنا والتي تعيد لنا تلك الأيام القديمة حيث كان الصيد عند الصائد والمصيد كليهما أمراً تتعلق به الحياة أو الموت، ذلك لأن الصيد لم يكن سبيلاً إلى طلب القوت وكفى، بل كان كذلك حرباً يراد بها الطمأنينة والسيادة، حرباً لو قَرَنْتَ إليها كل ما عرفه التاريخ المدوَّن من حروب، ألفيت هذه الحروب بالقياس إليها بمثابة اللغَط اليسير. وما يزال الإنسان في الغابة يقاتل في سبيل الحياة، لأنه على الرغم من أن الحيوان هناك لا يكاد يهاجمه مختاراً إلا إذا اضطره إلى ذلك الجوع الشديد أو الخوف من الوقوع فريسة لا يجد لنفسه مهرباً يلوذ به، فليس في الغابة قوت يكفي الجميع، وأحياناً لا يظفر بطعامه إلا المقاتل أو الذي يستخدم لنفسه حيواناً مقاتلاً، وهاهي ذي متاحفنا تعرض أمام أبصارنا بقايا تلك الحرب التي نشبت بين الإنسان وسائر الأنواع الحيوانية، إذ تعرض أمامنا المُدى والهراوات والرماح والقسى وحبال الصيد والأفخاخ والمصائد والسهام والمقاليع التي استطاع بها الإنسان الأول أن يفرض سيادته على الأرض، ويمهد السبيل أمام خَلَفٍ لا يعترف بالجميل، ليحيا حياة آمنة من كل حيوان إلا الإنسان. وحتى في يومنا هذا، بعد كل ما نشب من حروب تستبعد العاجز عن الحياة لتبقي على القادر، انظر كم من صنوف

أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:12 pm

صفحة رقم : 23




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


الكائنات الحية ما يزال على وجه الأرض يسعى‍! لقد يحدث أحياناً إذا ما مشى الإنسان خلال الغابة متريضاً، أن تأخذه الدهشة العميقة لكثرة ما سمع هنالك من لغات، ولكثرة ما يرى من أنواع الحشرات والزواحف وآكلة اللحوم والطير. إن الإنسان ليحسُّ عندئذ أنه متطفل قد أقحم نفسه إقحاماً على هذا المشهد بما فيه من زحمة الأحياء، وأنه مخوف يخشاه الحيوان جميعاً ويمقته الحيوان جميعاً مقتاً لا ينتهي. ومن يدري فلعل يوماً يُقبل على الدنيا فإذا هذه الصنوف من ذوات الأربع في دمدمة أصواتها، وهذه الحشرات التي كأنما هي اليوم تستدر عليها عطف الإنسان، وهذه الجراثيم الضئيلة التي تنوه بما عساها أن تصنعه، لعل يوماً يقبل على الدنيا فإذا هذه الصنوف جميعاً تلتهم الإنسان التهاماً بكل ما صنعتهُ يداه وأنشأت، فتنقذ الكوكب الأرضي من هذا الحيوان ذي الساقين الذي لا يفتأ يجول ناهباً سالباً، وهذه الأسلحة العجيبة المصطنعة، وهذه الأقدام التي تجوس في غير حذر!
لم يكن الصيد والسماكة مرحلتين من مراحل التطور الاقتصادي، بل كانا وجهين من أوجه النشاط التي كتب لها أن تظل باقية في أعلى صور المجتمع المتحضر. لقد كانا ذات يوم مركز الحياة، وهما الآن بمثابة أساسيها الخبيئين، إذ يكمن وراء أولئك الصيادين الأشداء كل ما لنا من أدب وفلسفة وفن وشعائر عبادة، فكأنما نؤدي اليوم صيدنا بوساطة غيرنا نُنيبُه عنا، إذ تعوزنا جرأة القلب التي نقتل بها طرائدنا علناً في الفضاء المكشوف؛ لكن ذكريات الصيد القديم ما تزال تعاودنا حينما نغتبط بمطاردتنا للضعيف أو للذي يلوذ منا بالفرار، بل إنها تعاودنا في ألعاب أطفالنا- حتى الكلمة التي نطلقها اليوم على اللعب هي نفسها التي تدل على الصيد وإذن فآخر ما نصل إليه في تحليل المدنية هو أنها قائمة على تهيئة الإنسان لطعامه فإن رأيت فخامة الفن في الكاتدرائية




صفحة رقم : 24




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


أو مبنى الكابتول، وإن شهدت متحفاً للفن أو حفلة موسيقية، وإن صادفت مكتبة أو جامعة، فاعلم أن هذه كلها واجهة البناء التي تختفي وراءها أشلاء القتال.
ولم يكن الإنسان مبتكراً حين اصطنع الصيد وسيلة لعيشه، ولو حصر الإنسان جهده في نطاق الصيد لما كان أكثر من حيوان آكل للحم يضاف إلى قائمة أكلة الحيوان، وإنما بدأت إنسانيته حين تطورت حياته من مرحلة الصيد التي يسودها القلق، إلى مرحلة أكثر اطمئناناً وأوثق اتصالاً واطراداً، وأعني بها حياة الرعي، التي اقتضت ميزات عظيمة الخطر، إذ اقتضت استئناس الحيوان وتربية الماشية واستعمال اللبن. إننا لا نعرف كيف بدأ استئناس الحيوان ولا متى بدأ- فربما كان ذلك حين أبقى الصائدون على صغار الحيوان القتيل في حلبة الصيد، حين لم يروا لهاتيك الصغار حولاً ولا قوةً، فساقوها إلى مقر سكناهم ليتخذها أطفالهم لُعباً يلهون بها%=&Mason O. T., Origins of invention,316.& ، ولقد لبث الإنسان يأكل الحيوان الذي يمسك به على هذا النحو، ولكن بعد إمهاله فترة من الزمن؛ وأخذ يستخدمه أداة للنقل لكنه مع ذلك كاد أن يسلكه في مجتمعه الإنساني كأنما هو منهم، فهو زميل، وهو شريك في العمل والإقامة؛ ثم تلا ذلك أن أدرك الإنسان معجزة التناسل بين صنوف حيوانه، فأخضعها لإشرافه، استطاع بعدئذ من ذكر وأنثى يمسك بهما أن ينشئ لنفسه قطيعاً كاملاً، كذلك خف عن النساء حمل الرضاعة فترة طويلة، بأن استعملن لأطفالهن لبن الحيوان بعد سن معينة، وبهذا قلت نسبة الوفيات في الأطفال وظفر الإنسان بمورد جديد مضمون من موارد الطعام؛ أدى ذلك كله إلى تكاثر الناس وازدادت الحياة ثباتاً واطراداً، وأصبحت سيادة هذا الكائن المحدث الوجل، أعني الإنسان، أصبحت سيادته على الأرض أكثر اطمئناناً.
وكانت المرأة أثناء ذلك في طريقها إلى أكبر كشف اقتصادي بين تلك الكشوف جميعاً، وهو معرفة ما يمكن لتربة الأرض أن تخرجه من طيبات؛ فبينما




صفحة رقم : 25




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


كان الرجل في صيده كانت هي تنكت الأرض حول الخيمة أو الكوخ لتلتقط كل ما عساها أن تصادفه فوق الأرض من مأكول؛ ففي استراليا كان العرف القائم هو أنه إذا ما غاب الزوج في رحلات صيده، أخذت الزوجة تحفر الأرض بحثاً عن جذور تؤكل، وتقطف الثمار والبندق من الشجر، وتجمع العسل والفُطر والحبَّ والغلال التي تنبتها الطبيعة%=& Summer and Keller, Science of society, i, 132& ؛ ولا تزال بعض القبائل في استراليا حتى يومنا هذا تحصد الغلال التي تنبت بالطبيعة دون أن تحاول درس الحبوب وبذرها؛ ولبث هنود وادي نهر ساكرامنتو عند هذه المرحلة لا يجاوزونها أبداً%=&Roth, H. L., In Thomas, e.i., Source Book for Social origins, 111.& وهكذا لن يتاح لنا إلى آخر الدهر أن نعلم متى أدرك الإنسان لأول مرة وظيفة الحبوب بحيث يتحول من جمعها إلى بذرها في الأرض، فهذه البدايات هي أسرار التاريخ التي سنظل نضرب حولها بمجرد الإيمان والحدس، لكننا يستحيل أن نعلم عنها علم اليقين، فيجوز أنه حين أخذ الإنسان في جمع الحبوب النابتة بطبيعتها، كانت تسقط منه حبات وهو في طريقه من مكان النبات إلى حيث يقيم فنبهته أخيراً إلى السر العظيم الكامن في نمو النبات، فألقى الناسُ من قبيلة "جوانج" البذور في الأرض وتركوها تشق لنفسها طريقها إلى الفضاء، وأما أهالي "بورنيو" فكانوا يضعون الحبَّ في حفرات يحفرونها بعصاة مدببة إذ هم سائرون عبر الحقول%=&Roth, H. L., In Thomas, e.i., Source Book for Social origins, 111.; Mason O. T., Origins of invention, 190; Lippert J., Evolution of Culture, 165.& ، فكانت هذه العصاة أو "الحافرة" أبسط ما عرفه الإنسان من أدوات زراعة الأرض، وقد كان الرحالة في مدغشقر منذ خمسين عاماً يرون النساء وقد امتشقن هذه العصي المدببة، ووقفن في صف كأنهن الجنود، ثم تصدر لهن إشارة البدء فيأخذن في حفر الأرض بعصيهن، وقلب التربة ووضع البذور ثم تسوية التربة بأقدامهن من جديد، وبعدئذ يمضين إلى خط آخر من خطوط الحقل%=&Renard, G., Life and work in prehistoric times, 123.& ، والمرحلة التي تلت ذلك في تقدم الفلاحة وأدواتها مرحلة استُعملت فيها الفأس في الحرث، وذلك بأن ركّب الإنسان عظمة في طرف العصاة الحافرة، وربط فيها قطعة أخرى مستعرضة لتكون صالحة




صفحة رقم : 26




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


لضغطها بالقدم، فلما وصل "كونكوستادورس" إلى المكسيك وجدَ الأزاتقة لا يعرفون غير الفأس أداة لحرث الأرض حتى إذا ما استؤنس الحيوان وطُرقت المعادن أمكن استعمال أدوات أثقل، فكبرت الفأس حتى أصبحت محراثاً يضرب في الأرض أعمق مما كانت تضرب الفأس، فانكشفت بذلك خصوبة الأرض الدفينة، بحيث تغيرت سيرة الإنسان تغيراً كاملاً، فَزرعَ أنواعاً من النبات كانت تستعصي عليه من قبل، واستنبت أنواعاً أخرى، وأصلح الأنواع التي كان يزرعها قبل ذلك.
وأخيراً تعلم الإنسان عن الطبيعة فن التحوط للمستقبل، وفضيلة التبصر في العواقب كما تعلم فكرة الزمن؛ فلما لاحظ الإنسان الطيور النقارة تخزن البندق في الشجر ولاحظ النحل تخزن العسل في الخلايا، أدرك- وربما جاء إدراكه هذا بعد ألوف من سنين قضاها في همجية لا تعرف للحيطة معنى- أدرك فكرة اختزان الطعام للمستقبل؛ وكشف عن بعض السبل التي تمكنه من حفظ اللحم، بتدخينها وتمليحها وتبريدها، وخير من ذلك في سبيل التقدم ما بناه لنفسه من أهراء للغلال تحفظها من المطر والرطوبة والحشرات واللصوص، فكان يحتفظ في تلك الأهراء بطعام يأكله في أشهر السنة العجاف؛ وهكذا تبين على مر الأيام أن الزراعة يمكن أن تكون مورداً للقوت أجود نوعاً وأثبت اطراداً من الصيد، فلما أن تحقق الإنسان من هذا، خطا إلى الأمام إحدى الخطوات الثلاث التي نقلته من الحيوانية إلى المدنية- وتلك الخطوات هي الكلام والزراعة والكتابة.
ولا يجوز لك أن تتصور الإنسان وقد قفز من الصيد إلى حرث الأرض بوثبة واحدة، فكثير من القبائل- مثل الهنود الأمريكيين- جمدوا في مرحلة




صفحة رقم : 27




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


الانتقال لا يتحولون عنها، فلبث الصيد مهنة الرجال والحرث مهنة النساء؛ لا بل لا يكفي أن نقول عن هذا التحول إنه تم بخطوات متدرجة، إنما ينبغي أن نضيف إلى ذلك أنه لم يكمل حتى تمامه، ولك أن تقول إن الإنسان بحرثه للأرض إنما أضاف طريقة جديدة لاختزان الطعام إلى جانب الطريقة القديمة، ثم ظل طوال عصور التاريخ يغلب عليه أن يؤثر لنفسه طعام المرحلة الأولى على طعام المرحلة الثانية، ويمكننا أن نصور لأنفسنا الإنسان الأول إذ هو يُجري التجارب على ألوف الأصناف التي تخرجها له الأرض من جوفها، حتى لقد عانى في سبيل ذلك ما عانى من ضيق ألم بجوفه، لعله واجد أي صنف من هاتيك المنتجات يمكن أكله بحيث يكون مأمون العواقب، ثم أخذ يجري التجارب تلو التجارب في مزج هذه الصنوف بالفاكهة والثمر وباللحم والسمك اللذين اعتادهما من قبل؛ لكنه خلال تلك التجارب كلها لم ينفك مشوقا لأكل غنائم الصيد؛ وإنك لترى الشعوب البدائية محبة للحم في طعامها إلى حد الافتراس، حتى وإن كان طعامهم الرئيسي في الواقع هو الغلال والخضر واللبن%=&Britfault, The Mothers, ii, 460.& فإذا ما صادفهم حيوان ميت لم يطل أمد موته، فالأرجح أن يهجموا عليه في نهم فظيع، وكثيراً ما يستغنون في ذلك عن عملية الطهي حتى لا يضيعوا من وقتهم شيئاً، فيأكلوا فريستهم نيئة، مسرعين في ذلك ما أسعفتهم أسنانهم القوية في تمزيقها والتهامها، وسرعان ما تنظر فإذا الباقي أمامهم كومة من عظام؛ وإننا نسمع عن قبائل بأسرها تمرح في طعامها أسبوعاً كاملاً على حوت يلقيه البحر على الشاطئ%=&Renard, G., Life and work in prehistoric times, 35.& ؛ وعلى الرغم من معرفة الفويجيين للطهي فإنهم يفضلون اللحم نيئاً، وإذا أمسكوا بسمكة قتلوها بعضها خلف خياشيمها، ثم أكلوها من رأسها إلى ذيلها لا يقومون إزاءها بشيء من الإعداد إطلاقا%=&Sutherland, G., A., ed, A System of Diet and Dietetics, 45.& : إن الشك في اطراد موارد الطعام جعل هذه الشعوب الفطرية تأكل كل ما يصادفها بمعنى الكلمة الحرفي تقريباً؛ يأكلون السمك وقنافذ البحر والضفادع البحرية والبرية والفئران




صفحة رقم : 28




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


كبيرها وصغيرها والعناكب والديدان والعقارب والعُثة والحشرات والجراد والأساريع والضب والثعابين بأنواعها والكلاب والخيل وجذور النبات والقمل واليرقات وبعض الزواحف والطير- ليس بين هذه الأنواع نوع إلا وكان في مكان ما لوناً من ألوان الطعام اللذيذ المشتهى عند الأقوام البدائية%=&Sutherland, G., A., ed, A System of Diet and Dietetics, 33- 4; Ratzel, F., History of Mankind, i, 90.& ؛ وبين القبائل فريق مَهَرَ في صيد النمل، وبينها فريق آخر يجفف الحشرات في الشمس ويخزنها لتؤكل في وليمة، وقوم آخرون يلتقطون القمل بعضهم من رءوس بعض ويأكلونه مستمتعين بما يأكلون، وإذا ما تجمع من القمل عدد كبير أقبلوا عليه يلتهمونه وهم يصيحون صيحات الفرح باعتباره عدواً للإنسان%=&%=&Sutherland, G., A., ed, A System of Diet and Dietetics, 43, 45, Muller Lyer. F., History of Social Development, 70.& ؛ إن قائمة الطعام عند القبائل الدنيا لا تكاد تختلف في شئ عنها عند القردة العليا%=& Muller Lyer. F., History of Social Development,68.& وجاء الكشف عن النار فحدد هذا النهم الذي لا يفرق بين طعام وطعام، وتعاونت النار والزراعة على تحرير الإنسان من اعتماده على الصيد؛ فطهيُ الطعام أذاب للإنسان مادتي "السليلوز" والنشاء الموجودتين في آلاف الأصناف من النبات فتجعلانها غير قابلة للهضم إذا ما تُركت فجة على حالتها، وأخذ الإنسان يزداد اعتماده على الغلال والخضر ويجعل منها غذاءه الرئيسي؛ ولو أن الطهي بتليينه لمواد الطعام الصلبة، قلل من الحاجة إلى المضغ، فبدأ فساد الأسنان الذي هو من وصمات المدنية.
ثم أضاف الإنسان إلى صنوف الطعام التي أسلفنا ذكرها صنفاً آخر كان ألذها وأشهاها- وهو زميله الإنسان، ذلك أن أكل اللحوم البشرية كان يومها شائعاً بين الناس جميعاً، فقد وجدناه في كل القبائل البدائية تقريباً، كما وجدناه بين الشعوب المتأخرة تاريخاً مثل سكان إيرلندة وإيبريا وجماعة البكت، بل بين أهل الدانماركه في القرن الحادي عشر%=& Sumner, W.G., Folkways,, 329; Ratzel, f., History of Mankind, 129; Renard, G., Life and Work in Prehistoric Times, 420-2; Westermarck, E., Origin and Development of the Moral & ؛ كان اللحم البشري من لوازم العيش بين قبائل كثيرة ولم يكن الناس يعرفون الجنائز؛ بل قد كان الأحياء في الكنغو الأعلى يُباعون ويُشترون رجالا ونساء وأطفالا، كانوا يباعون ويُشترون




صفحة رقم : 29




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


علنا على اعتبار أنهم من مواد الطعام(18)، وأما في جزيرة بريطانيا الجديدة فقد كان اللحم البشري يباع في دكاكين كما يبيع القصابون اللحم الحيواني اليوم؛ وكذلك في بعض جزر سليمان كانوا يسمنون من يقع في أيديهم من الضحايا البشرية- وخصوصاً النساء- ليولموا بلحومهم الولائم كأنهم الخنازير(19)؛ وكان الفويجيون ينزلون النساء منزلة أعلى من الكلاب لأن "الكلاب كان مذاقها رديئا" كما كانوا يقولون؛ ولما مر "بيير لوتي" بجزيرة تاهيتي، أخذ رئيس كهل من رؤساء البولينزيين يشرح له طعامه فقال: "إن مذاق الرجل الأبيض إذا ما أُحسن شواؤه كمذاق الموز الناضج" أما الفيجيون فلم يعجبهم لحم البيض زاعمين أنه زائد في ملحه عما ينبغي، وقوي الألياف، فالبحار الأوربي إذا ما وقع لهم كاد في رأيهم ألا يصلح للطعام، وعندهم أن الرجل من بولينزيا ألذ طعما(20).
فمـا أصل هذه العـادة؟ ليس هنالك مـا يثبت قطـعاً أنها نشأت- كمــا ظـن النـاس مـن قبل- بسبـب قلـة في أنـواع الطعـام الأخرى، ولو كان ذلك كذلك إذن فقد بقى التلذذ بمذاق اللحم البشري بعد زوال القحط في مواد الطعام الأخرى، لأن العادة قد تكونت وأصبحت مما يستميل الأكل(21) وهاهي ذي الطبيعة، أرسل فيها تَرَ الدم البشري طعاماً شهياً لا يُقدم عليه اللاعق في جزع قط، حتى النباتيون البدائيون كانوا سرعان ما يعتادونه بشغف عظيم؛ ولطالما شرب أهل القبائل دم الإنسان، مع أنهم يكونون في غير هذا الظرف رقيقي القلوب كرام النفوس- يشربونه تارة باعتباره دواء؛ وطوراً باعتباره شعيرة دينية أو وفاء بعهد، ويشربونه عادة على عقيدة منهم أنه سيضيف إلى الشارب القوة الحيوية التي كانت للمأكول(22). ولم يكن أحد ليشعر بشيء من الخجل في إيثاره للحم البشري، والظاهر أن البدائيين لم يكونوا يفرقون في حكمهم الأخلاق بين أكل الإنسان وأكل الحيوان، بل أنه لمدعاة للفخار في ميلانيزيا أن يدعو
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:14 pm


صفحة رقم : 30




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> من الصيد إلى الحرث


الرئيس أصدقاءه إلى أكلة يُقدم فيها إنسان مشوي، وفي ذلك قال رئيس برازيلي فيلسوف: "ما دمتُ قد قتلتُ عدوي، فلا شك أنه من الخير أن آكله بدل أن أتركه فيضيع خسارةً لا يفيد منه أحد . . . ليس أسوأ الحالات أن يؤكل الإنسان، لكن أسوأها أن يموت، فإذا ما قُتلتُ فسواء لدي أأكلني عدو القبيلة أم تركني؛ على أنني لا أجد بين صنوف الصيد جميعاً ما هو ألذ مذاقاً من طعم الإنسان. والحق أنكم أيها البيض قد بلغتم الغاية في حسن المذاق" (23).
ومما لا ريب فيه أن هذه العادة قد كان لها حسنات اجتماعية معينة؛ فقد سبقت إلى الوجود الخطة التي اقترحها "سوفت" في شأن الانتفاع بالأطفال الزائدين عن الحاجة، ثم أفسحت أمام الكهول مجالا وهو أن يموتوا موتا فيه نفع للآخرين؛ أضف إلى ذلك وجهة النظر التي لا ترى في الجنائز إلا إسرافاً لا تدعو إليه ضرورة؛ ولقد كان من رأي "مونتيني" أن تعذيب الإنسان حتى يُسلم الروح تحت قناع من الورع والتقوى- كما كانت الحال في عصره- أفظع وحشية من طهيه وأكله بعد موته؛ إنه لواجب علينا أن يحترم كل منا أوهام الآخر.




صفحة رقم : 31




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة



الفصل الثاني




أسس الصناعة




النار - الآلات البدائية - النسج وصناعة




الخزف - البناء والنقل - التجارة وشئون المال


لئن بدأت إنسانية الإنسان بالكلام، وبدأت المدنية بالزراعة، فقد بدأت الصناعة بالنار التي لم يخترعها الإنسان اختراعاً، بل الأرجح أن قد صنعت له الطبيعة هذه الأعجوبة باحتكاك أوراق الشجر أو غصونه، أو بلمعة من البرق أو باندماج شاءته المصادفة لبعض المواد الكيمياوية، ولم يكن لدى الإنسان في ذلك إلا ذكاء الذي يقلد به الطبيعة ويزيدها كمالاً؛ ولما أدرك الإنسان أعجوبة النار استخدمها على ألف صورة، أولها فيما نظن أن أتخذ منها شعلة يقهر بها عدوه المخيف، ألا وهو الظلام، ثم أستعملها بعد ذلك للتدفئة، وبذلك استطاع أن يتحرك مبعداً عن مناطقه الاستوائية إلى مناطق أقل منها إرهاقاً للقوى، وبهذا الانتقال أخذ شيئاً فشيئاً يعمر الكوكب الأرضي فيجعله مسكناً للإنسان، ثم بعد ذلك أخذ يستعمل النار في المعادن فيلينها ويطرقها ويمزجها في هيئة أشد صلابة وأكثر مرونة مما وجدها عليه أول ما وجدها؛ لقد بلغت النار في أعين البدائيين من الغرابة ومن النفع حداً جعلها لديه إحدى المعجزات التي تستحق أن تتخذ إلهاً وتُعبد، ولذلك أقام لها ما لا يحصى عدده من الحفلات التعبدية، وجعل منها مركزاً لحياته وبيته؛ وكان كلما انتقل من مكان إلى مكان، حملها معه معينا بها، لا يرضى لها قط أن تخمد؛ بل أن الرومان أنفسهم أعدموا العذراء الطاهرة عقاباً لها على إهمالها الذي كان من شأنه أن تنطفئ النار المقدسة.
على أن الإنسان، إذ هو لم يزل في مراحل الصيد والرعي والزراعة، ما أنفك




صفحة رقم : 32




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


مخترعاً، فكان الإنسان البدائي يشحذ زناد عقله لعله يجيب لنفسه إجابات عملية عما تثيره الحياة الاقتصادية في وجهه من مسائل؛ فقد كان الإنسان بادئ ذي بدء راضياً - في ظاهر الأمر - بما تقدمه له الطبيعة - كان راضياً بثمار الأرض طعاماً، وبجلود الحيوان وفرائه لباساً، وبالكهوف في سفوح التلال مأوى، ثم تلا ذلك، فيما نظن (فمعظم التاريخ ظن وبقيته من إملاء الهوى) أن أخذ في تقليد آلات الحيوان وصناعته؛ فلقد رأى القرد وهو يقذف بالحجارة وثمار الفاكهة على أعدائه، أو يكسر الجوز والمحار بالحجر، ثم رأى كلاب الماء تبني لنفسها السدود والطيور تهيئ الأعشاش والعرائش، والشمبانزي تقيم بيوتاً شبيهة جداً بما يقيم الإنسان من أكواخ؛ فحسدها على ما لها من قوة في مخالبها وأسنانها وأنيابها وقرونها، وعلى صلابة جلودها، فأخذ من فورهُ يعد لنفسه آلات وأسلحة على غرار ما للحيوان منها، بل تفوقها، فالإنسان - كما قال فرانكلن - حيوان صانع للآلات(24) لكن هذه الميزة أيضاً - كسائر ما نُضفيه على الإنسان من ميزات نزهى بها ونفخر - إن هي إلا تفوق على الحيوان في الدرجة وحدها لا في النوع.
وكان النبات الذي يحيط بالإنسان البدائي مصدراً لكثير من الآلات، فمن الخيزران صنع الإنسان السهام والمدى والإبر والقوارير؛ ومن فروع الشجر صنع الملاقط والمماسك؛ ومن لحاء الشجر وأليافه صنع الحبال والثياب في صنوف شتى؛ وفوق هذا كله صنع الإنسان لنفسه العصا؛ ألا ما أبسطها اختراعاً لكنها من كثرة النفع بحيث لبث الإنسان ينظر إليها رمزاً للقوة والسلطان، من العصا السحرية عند عرائس الجن وعكازة الراعي إلى عصا موسى أو هارون، والعصا العاجية التي كان يمسك بها القنصل أيام دولة الرومان، والقضيب الذي يلوح به المنبئون بالغيب ثم الصولجان يمسك به القاضي أو الملك؛ ولقد انقلبت العصا في الزراعة فأساً، أما في الحروب فقد أصبحت حربة أو سهماً أو رمحاً أو سيفا




صفحة رقم : 33




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


أو سنكيا(25). وكذلك استغل الإنسان المعادن وصاغ الصخر أسلحة وأدوات هي اليوم تحفة المعارض، فصنع منها المطرقة والسندان والوعاء يغلي فيه الماء، والسكين، ورأس الرمح، والمنشار، والصفائح، والخوابير، والروافع، والفئوس، والمثاقب؛ وكذلك من دنيا الحيوان صنع أدواته، فصنع المغارف، والملاعق، والأواني، والأطباق، والأقداح، والمراسي، والمشابك؛ صنع هذا كله من قواقع الشاطئ، كما صنع غير ذلك من الأدوات الغليظة والدقيقة من قرون الحيوان وأنيابه وأسنانه وعظامه وشعره وجلده؛ وكان لمعظم هذه الأدوات المصنوعة مقابض من خشب شُدت إليها بطرق تدل على مهارة صانعيها، فقد كانوا يربطون هاتيك المقابض بضفائر من الألياف أو الحبال أو عصب الحيوان، وأحياناً كانوا يلصقونها بغراء مصنوع من مزيج عجيب من الدماء؛ إن مهارة الإنسان البدائي توازي على الأرجح - بل ربما تفوق - مهارة الإنسان المتوسط في عصرنا الحديث، فلئن كنا نختلف عن هؤلاء الأولين، فما ذاك إلا بفضل ما تجمع لدينا من معارف وأدوات ومواد، ولا يُعزى الفرق بيننا وبينهم إلى تفوق فكري امتازت به طبائعنا من دونهم؛ الحق أن أبناء الطبيعة أولئك يغتبطون أيما غبطة كلما سيطروا على موقف اعترضهم، سيطرة أعملوا فيها أذهانهم المبدعة؛ فبين وسائل اللهو المحببة إلى الإسكيمو أن يذهبوا إلى أماكن وعرة مهجورة، ثم يتسابقون هناك في ابتكار الوسائل التي يواجهون بها ضرورات الحياة التي ليس لديهم ما يستعينون عليها به من أدوات(26).
وتبدّت مهارة الإنسان البدائي في فن النسيج على صورة جديرة منه بالفخر، وهاهنا أيضاً اهتدى الإنسان بالحيوان في طريق السير، فنسيج العنكبوت وعش الطائر، وتشابك الألياف والأوراق وتقاطعها في النسيج الطبيعي الذي تراه في الغابة، كل ذلك أقام للإنسان نموذجاً بارزاً يجتذبه، وإنه لنموذج بلغ من الوضوح حداً يجعلنا نرجح أن قد كان النسيج من أول الفنون التي اصطنعها الجنس البشري،




صفحة رقم : 34




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


فنسج اللحاء والأوراق والألياف والحشائش ليصنع منها ثياباً وبُسُطا وأغطية لجدرانه، ولقد أتقن صنعها في بعض المواضع بحيث لا تجد من صناعة اليوم ما يفوقها بكل ما للصناعة اليوم من مُعينات وآلات؛ فنساء "ألوشيا" قد ينفقن عاماً كاملا في نسج ثوب واحد؛ والهنود في أمريكا الشمالية يصنعون البطاطين والأردية فيزخرفونها بالهُداب ويوشونها بالشعر وخيوط القصب المصبوغة بناصع الألوان التي استقطروها من التوت، حتى لقد قال عنها "الأب ثيودى" Father Theodut: "إنها من النصوع بحيث لا أظن أن ألواننا تدنو منها" (27)؛ فقد بدأ الفن حيث انتهت الطبيعة؛ فهذه هي عظام الطيور والأسماك، وهذه هي قصبات الخيزران الدقيقة، قد تناولها الإنسان بالصقل حتى جعل منها إبراً، ثم هذه أعصاب الحيوان قد شُدت خيوطاً بلغت من الرقة حداً تنفذ به من سم الخياط مهما بلغ هذا من دقته وضيقه؛ وكذلك جعل الإنسان من اللحاء فراشاً وقماشاً، وجفف جلود الحيوان ليصنع منها رداء وحذاء، وضفر الألياف نسيجاً قوياً ونسج الغصون اللينة والألياف الملونة سلالا أجمل مما ينتجه العصر الحديث في هذا الباب(28).
وصناعة الخزف قريبة الشبه بصناعة السلال، بل ربما كانت مأخوذة عنها، فهم يصنعون العجينة على إطار من أغصان الصفصاف المجدولة حتى لا تحترق هذه الأغصان، وبذلك يتصلب الطين غلافاً لا يقبل الاشتعال، ويحتفظ بهيئته بعد أن يزال عنه إطار الصفصاف(29)، ربما كانت هذه أول مرحلة من مراحل طريق أخذ يتطور حتى بلغ القمة في الصناعة الخزفية المثلى المعروفة باسم "البورسلان" أو ربما جففت أشعة الشمس قطعاً من الطين ألقيت فيها، فكان ذلك منبها للإنسان إلى فن الخزف؛ فما عليه بعد ذلك إلا أن يخطو خطوة واحدة، وهي أن يستبدل بالشمس ناراً، ثم يصنع لنفسه من تربة الأرض آنية مختلفة الصور يستخدمها في شتى جوانب العيش - يستخدمها للطهي، وللخزن،




صفحة رقم : 35




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


وللنقل، وأخيراً يستخدمها للأبهة والزينة، والزخارف التي كان يطبعها بأظفاره أو بآلاته على الطينة وهي بعدُ عجينة طرية، كانت إحدى صور الفن في أول نشأته، وربما كانت كذلك في إحدى مصادر الكتابة الأولى.
ومن الطين الذي جففته الشمس صنعت القبائل البدائية الآجر وأقامت الدور، ثم سكنت فيما يصح أن نسميه بيوتا من خزف، لكن هذه البيوت الخزفية لم تكن أول صورة من صور البناء، التي أخذت تتطور في رقيها من الكوخ الطيني الذي سكنه "الهمجي" إلى أن بلغت أحجار البناء الراقية في مباني نينوى وبابل؛ ولقد تسلسل هذا التطور حلقة بعد حلقة بتماسك بعضها ببعض بحيث تؤدي الواحدة إلى التي تليها؛ فبعض الشعوب البدائية - مثل الفيداويين في جزيرة سيلان - لم يكن لهم دُور للسكنى، واكتفوا بالأرض وطاء، والسماء غطاء، وبعضها - مثل أهل تسمانيا - أووا إلى جذوع الشجر الخاوية؛ وبعضها - مثل سكان جنوب ويلز الجديدة - اتخذوا الكهوف مسكناً؛ وبعضها - مثل البوشمن - كانوا يتقون الريح بحواجز يقيمونها هنا وهناك من أغصان الشجر، وأحياناً نادرة كانوا يغرزون في الأرض أحجاراً ثم يغطونها بالطحلب وفروع الشجر؛ ومن هذه الحواجز التي أقيمت لاتقاء الريح، خرجت الأكواخ حين أضيفت إلى الحواجز جوانب عند أطرافها؛ وإنك لترى الكوخ في كل مراحل تطوره مائلا بين سكان استراليا الأصليين، تراه من بدايته حيث كان يقام صغيراً من الغصون والأعشاب والتراب، ولا يسع إلا شخصين أو ثلاثة، إلى الأكواخ الكبيرة التي تؤوى ثلاثين شخصاً أو يزيد. وأما البدوي، صائداً كان أو راعياً، فقد آثر لنفسه خيمة في مستطاعه حلها معه أينما انتهى به طرادُه لصيده، لكن الطبقات العليا من القبائل الفطرية، مثل الهنود الأمريكيين، استخدمت الخشب في بنائها؛ وكذلك كانت قبيلة "إراكوا" تبني من الحطب الذي لا يزال مغطى بقشوره، أبنية فسيحة طولها خمسمائة قدم،




صفحة رقم : 36




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


وتؤوى عدداً كبيراً من الأسر؛ وأخيراً ترى أهل "أوقيانوسيا" يشيدون دُوراً حقيقية من ألواح الخشب التي أتقن قطعها وبهذه الدور وصل التطور في المساكن الخشبية أكمل مراتبه(30).
لم يبقى أمام الإنسان البدائي إلا ثلاث خطوات في طريق التطور لتتم له ضرورات المدنية الاقتصادية كلها: آلات النقل، وعمليات التجارة، ووسائل التبادل، إنك إذا أبصرت بالحمّال يحمل المتاع من طيارة حديثة لينزله على الأرض، فقد رأيت صورة النقل في أول مراحله وفي آخر مراحله معا؛ فلاشك أن قد كان الرجل في بداية الأمر يحمل أثقال نفسه بنفسه، اللهم إلا إذا تزوج (فتكون الزوجة حاملة أثقاله) بل إن الإنسان إلى يومنا هذا، في آسيا الجنوبية والشرقية، تراه في الأعم الأغلب عربة وحمارا وكل شيء؛ ثم أخترع الإنسان الحبال والروافع وبكرات الجر؛ سيطر على الحيوان واستخدمه ناقلا لأحماله؛ ثم صنع أول ما شهد التاريخُ من جرارات حين جعل ماشيته تجر على الأرض غصوناً طويلة وضع عليها متاعه ؛ ثم وضع جذوعا من الشجر تحت الجرارة كأنها عجلات؛ ثم قطع الجذوع شرائح مستعرضة وابتكر بذلك أعظم اختراع آلي، وهو العجلة، لأنه وضع العجلات تحت الجرارة وصنع بذلك عربة؛ ومن جذوع الشجر كذلك صنع الأطواف بربط الجذوع بعضها ببعض، كما صنع الزوارق بحفر الجذوع وتفريغ أجوافها، ولما تم له ذلك أصبحت مجاري الماء أيسر طرق النقل؛ وأما على اليابس فقد شق لنفسه الطريق بادئ ذي بدء عبر المروج والتلال التي لم يكن فيها طريق؛ ثم عبَّد لنفسه سكةً ثم رصف آخر الأمر طريقاً، ودرس النجوم وأخذ بعدئذ يسير بقوافله عبر الجبال والصحراوات مهتدياً إلى طريقه بالنظر إلى السماء؛ وطفق الإنسان يسبح بزورقه دافعا إياه بالمجداف والشراع حتى عبر البحر في شجاعة من جزيرة إلى جزيرة، وأخيراً قطع




صفحة رقم : 37




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


المحيطات لينشر ثقافته المتواضعة من قارة إلى قارة؛ ففي هذا الصدد أيضا حُلت المشكلات الرئيسية قبل أن يبدأ التاريخ المدون.
ولما كانت الكفايات البشرية والموارد الطبيعية موزعة على الأرض في غير مساواة، فقد ترى شعباً من الشعوب قادراً بفضل ما تطور لديه من استعدادات خاصة، أو بفضل قُربه من المواد المطلوبة، تراه قادراً على إنتاج أشياء معينة لا يكلفه إنتاجها ما يكلف جيرانه؛ فيمضي في صنع هذه الأشياء حتى يصنع منها أكثر من حاجته، وعندئذ يقدم فائض إنتاجه لجيرانه في مقابل ما ينتجونه هم؛ وهذا التبادل هو أصل التجارة؛ فهنود شبشا في كولومبيا كانوا يصدرون صخور الملح التي تكثر في بلادهم، ويستوردون مقابل ذلك الغلال التي يستحيل استنباتها في أرضهم القاحلة؛ وبعض القرى التي يسكنها الهنود الأمريكيون كادت أن تتخصص في صناعة رءوس الرماح، بينما تتخصص بعض القرى في غانة الجديدة في صنع الأواني الخزفية؛ كذلك في إفريقية ترى من هذه القبائل ما يجعل الحدادة صناعته، ومنها ما يجعل صناعته الزوارق أو الرماح؛ ومثل هذا التخصيص في القبائل أو القرى كثيراً ما أكسبها اسم صناعتها، (فيطلق عليها الحدَّاد، أو السَّمَّاك أو الخزاف . . .)، ثم انتقلت هذه الأسماء مع الزمن إلى الأسر التي اختصت نفسها بهذه الصناعة أو تلك(30 أ)؛ والتجارة بفائض الإنتاج كانت في أول أمرها تبادلا بالهدايا، بل إنك لترى في أيامنا هذه التي تحسب كل شيء بالأرقام أنه قد تكون الهدية (حتى ولو كانت دعوة على الطعام) مقدمة لصفقة تجارية أو خاتمة لها؛ ومما يَسَّرَ التبادل الحروب والسرقات والجزية والغرامات والتعويض، فكل هذه وسائل عملت على انتقال السلع من مكان إلى مكان، إذ لم يكن للإنسان مندوحة عن ذلك؛ ثم أخذ نظام للتبادل ينشأ رويداً رويداً، فأقيمت مراكز التجارة والأسواق والمتاجر - أقيمت أول الأمر آناً بعد آن في غير نظام، ثم أقيمت على فترات معلومة، ثم أصبحت دائمة - وفي هذه الأماكن جَعلَ من يملك




صفحة رقم : 38




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


سلعة فائضة عن حاجته يعرضها مقابل سلعة هو بحاجة إليها(31).
لبثت التجارة أمداً طويلا وهي لا تزيد عن هذا التبادل، ومضت قرون قبل أن تخترع وسيلة متداولة ذات قيمة فتعمل على سرعة الحركة التجارية؛ فقد كان الرجل من قبيلة "دياك" يجوز له أن يظل جائلاً في أنحاء السوق ممسكاً بيده كرة من شمع العسل، وباحثاً عن زبون في مستطاعه أن يقبلها منه مقابل شيء يمكن أن يكون أنفع له(32)؛ وأول وسائل التبادل كانت سلعاً يطلبها كل إنسان ويقبلها كل بائع ثمناً لبضاعته: كالبلح والملح والجلود والفراء والحلي والآلات والأسلحة؛ وفي مثل هذا التبادل كانت المدُيتان تساويان زوجا من الجوارب، والثلاثة معاً تساوي بطانية، والأربعة كلها تساوي بندقية، والخمسة جميعاً تساوي جواداً؛ كذلك كان أيّلان صغيران يساويان مُهراً، وثمانية أمهُرٍ تساوي زوجة(33)؛ إنك لا تكاد تجد شيئاً لم يستعمله الناس استعمالهم للنقود هنا أو هناك، وفي هذا الزمن أو ذاك: الفول وشصُّ السمك والقواقع واللؤلؤ والخرز وجوز الهند والحبوب والشاي والفلفل، وأخيراً الأغنام والخنازير والأبقار والعبيد؛ وكانت الماشية معياراً مناسباً لقياس القيمة ووسيلة للتبادل بين الصائدين والرعاة، فهي تربح بالتربية وهي سهلة الحمل لأنها تنقل نفسها؛ فتجد الناس والأشياء حتى عهد هومر يقوَّمون بالماشية: فدرع "ديومديز" قيمتها تسعة رءوس من الماشية، وعبد ماهر يساوي أربعة؛ واللفظتان اللتان استعملهما الرومان للماشية وللمال متشابهتان، فللأولى استعملوا لفظة Pecus وللثانية Pecunia؛ وكذلك طبعوا صورة الثور على نقودهم القديمة؛ بل إن الكلمة التي تستعملها اللغة الإنجليزية لرأس المال وهي Capital ترتد في تاريخها عن طريق اللغة الفرنسية إلى الكلمة اللاتينية Capitale ومعناها مِلك، وهذه الكلمة بدورها مشتقة من Caput التي تعني "رأس" والمقصود رأس من الماشية، فلما أن استنجمت المعادن أخذت تحل شيئاً فشيئاً محل سائر الأشياء في استعمالها معياراً للقيمة، مثال ذلك النحاس والبرونز والحديد، وأخيراً الذهب

أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:15 pm

صفحة رقم : 39




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> أسس الصناعة


والفضة لأنهما يمثلان قيمة كبيرة في حيز صغير ووزن قليل، فأصبحا وسيلة التعامل للإنسان كافة، وهذا الانتقال من السلع المعيارية في التبادل إلى العملة المعدنية لم يتم على أيدي البدائيين في أرجح الظن، إنما هي خطوة خطاها الناس إبان التاريخ المدّون، فاخترعوا العملة وابتكروا الدين، وهكذا زادوا ثروة الإنسان ورخاءه حين يسروا تبادل فيض ما ينتجون(34).




صفحة رقم : 40




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي



الفصل الثالث




التنظيم الاقتصادي




الشيوعية البدائية - أسباب زوالها -




أصول الملكية الخاصة - الرق - الطبقات


كانت التجارة أعظم مثير للعالم البدائي، لأنه لم يكن هناك مِلك، وبالتالي لم يكن هناك من نظم الحكم إلا قليل، قبل أن تدخل في حياة الناس وتجر وراءها ذيولها من أموال وأرباح، ففي المراحل الأولى من التطور الاقتصادي كانت الملكية محصورة- في الأعم الأغلب- في حدود الأشياء التي يستخدمها المالك لشخصه، وكان معنى الملكية هذا من القوة بحيث لازمت الأشياء المملوكة مالكها، فغالباً ما دفنت معه في قبره (وانطبق هذا على الزوجة نفسها)، وأما الأشياء التي لا تتعلق بشخص المالك فلم تكن الملكية مفهومة بالنسبة إليها مثل هذا الفهم القوي، فلا يكفي أن نقول إن فكرة الملكية ليست فطرية في الإنسان، إنما يجب أن تضيف إلى ذلك أنها في مثل هذه الأشياء البعيدة عن شخصية المالك، كانت من الضعف في أذهان الناس بحيث تحتاج إلى تقوية مستمرة وتلقين مستمر.
فتكاد تجد الأرض في كل الشعوب البدائية ملكا للمجتمع بأسره، فالهنود في أمريكا الشمالية، وأهالي بيرو، وقبائل الهنود التي على تل تشيتاجونج، وأهل بورنيو، وسكان الجزر في البحر الجنوبي، مثل هؤلاء- فيما نرجح- كانوا يملكون الأرض جماعة ويحرثونها جماعة ويقتسمون الثمار جماعة، وفي ذلك قال هنود أوماها: "إن الأرض كالماء والهواء لا يمكن أن تباع"، وكذلك لم يكن بيع الأرض معروفا في سامُوا قبل قدوم الرجل الأبيض، ولقد وجد الأستاذ رِفرز




صفحة رقم : 41




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


شيوعية الأرض لا تزال قائمة في مالينزيا وبولينزيا، ويمكنك أن تلحظها اليوم قائمة في داخل ليبريا(35).
وأما شيوعية القوت فقد كانت أقل من ذلك انتشاراً، فمن المألوف عند "الهمج" أن من يملك طعاماً يقتسمه مع من لا يملك منه شيئاً؛ كما كان من المألوف كذلك للمسافرين إذا ما أرادوا طعاماً أن يقفوا عند أي دار يشاءون في طريقهم، بل كان من المألوف أن تستعين الجماعات التي ينزل بها القحط بجيرانها(36)، وكان إذا ما جلس إنسان في الغابة ليأكل وجبته، توقع منه الناس أن يصيح لمن أراد أن يشاطره الطعام قبل أن يبدأ هو في تناوله، وبغير ذاك لا يكون الصواب في جانبه(37)؛ فلما قص "تيرنر" على رجل من "ساموا" قصة فقير في لندن، سأله "الهمجي" في دهشة: "وكيف هذا؟ أليس هناك طعام؟ أليس له أصدقاء؟ أليس في المكان بيت للسكنى؟ أين إذن نشأ هذا الفقير؟ أليس لأصدقائه منازل" (38)؟ والجائع من الهنود ما عليه ألا أن يسأل فيجاب سؤاله بالعطاء، فمهما يكن مورد الطعام ضئيلاً عند المعطي، فأنه لابد أن يعطي منه هذا السائل ما دام محتاجا؛ "فيستحيل أن تجد إنساناً يعوزه القوت ما دامت الغلال موجودة في مكان بالمدينة" (39)؛ وكانت العادة عند الهوتنتوت أن يقتسم من يملك أكثر من سواه هذه الزيادة حتى يتساوى الجميع؛ وقد لاحظ الرحالة البيض أثناء رحلاتهم في إفريقية قبل أن تدخلها المدنية، لاحظوا أن "الرجل الأسود" إذا ما قدمت له هدية من طعام أو غيره من الأشياء ذوات القيمة، فإنه يقسمها بين ذويه فوراً؛ وإذا ما أعطى المسافر بدلة لأحد هؤلاء السود، فسرعان ما يرى الموهوب يلبس من الهبة جزءاً كالقبعة مثلاً، ثم يرى صديقا له يلبس السراويل وصديقا آخر يرتدي السترة، وكذلك الإسكيمو لا يرون للصائد حقا شخصيا في امتلاك صيده، بل يلزم توزيعه على أهل القرية جميعاً، وكانت الآلات والمخزون من الطعام ملكا مشاعا بين الجميع وقد وصف "كابتن كارفر" Captain Carver




صفحة رقم : 42




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


هنود أمريكا الشمالية فقال "إنهم لا يعرفون من فوارق الملكية شيئا سوى الأدوات المنزلية ... وهم أسخياء بعضهم لبعض غاية السخاء، وإذا ما فاض عند أحدهم فيض ونَقص عند الآخر ما يحتاج إليه، فلابد أن يسد الأول بفيضه نقص زميله" وكذلك كتب مبشر ديني يقول: "إن ما يثير الدهشة العميقة أن تراهم يعاملون بعضهم بعضاً برقة ومجاملة قَلَّ أن تراهما عند أكثر الأمم تحضراً؛ وذلك بغير شك يرجع إلى لفظتي "ملكي" و "ملكك" اللتين قال عنهما القديس كريسوستم Chrysostom إنهما تخمدان في قلوبنا شعلة الإحسان وتشعلان نار الجشع، لا يعرفهما هؤلاء الهمج "ويقول شاهد آخر: " لقد رأيتهم يقتسمون الصيد إذا كان لديهم ما يقتسم، لكني لا أذكر مثلاً واحداً لتنازعهم أو لتوجيههم النقد لطريقة التقسيم كأن يقولوا إنه غير عادل أو غير ذلك من أوجه الاعتراض؛ إن الواحد منه ليؤثر أن يرقد على معدته الخاوية، على أن يُتَّهم بأنه أبى أن يعين المحتاج . . . إنهم يعدون أنفسهم أبناء أسرة واحدة كبيرة" (40).
لماذا اختفت الشيوعية البدائية حين نهض الإنسان إلى ما نطلق عليه في شيء من التحيز اسم المدنية؟ يعتقد "سمنر" Sumner أنها دلت على أنها ليست بيولوجية في اتجاهها لأنها عقبة في سبيل تنازع البقاء، وأنها لم تحفز الناس بما يكفي لتشجيعهم على الاختراع والنشاط والاقتصاد، وأن عدم مكافأتها للأقدر وعقابها لمن هو أقل قدرة سوى بين الكفايات تسوية تعاند النمو وتعارض التنافس الناجح مع سائر الجماعات (41)، وكتب "لوسكيل" Loskiel عن بعض القبائل الهندية في الشمال الشرقي يقول: "إنهم من الكسل بحيث لا يزرعون شيئاً بأنفسهم، بل يعتمدون كل الاعتماد على احتمال أن غيرهم لن يرفض أن يقاسموه في إنتاجه؛ ولما كان النشيط لا يتمتع من ثمار الأرض بأكثر مما يتمتع الخامل، فإن إنتاجهم يقل عاما بعد عام" (42)؛ ومن رأى دارون أن المساواة التامة بين الفويجيين تقضي على كل أمل في تحضرهم (43) أو ربما قال الفويجيون في ذلك إن المدنية




صفحة رقم : 43




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


إذا ما أتتهم فإنها ستقضي على المساواة القائمة بينهم؛ نعم إن الشيوعية طمأنت هؤلاء الذين خلصوا بحياتهم من حوادث الفقر والجهل وما يترتب عليهما من مرض في المجتمع البدائي، لكنها لم تنتشلهم من ذلك الفقر انتشالا، وأما الفردية فقد جاءت بالثراء، لكنها كذلك جرَّت معها القلق والرق، نعم إن الفردية حركت في الممتازين من الرجال قواهم الكامنة، لكنها كذلك نفخت نار التنافس في الحياة فأشعلتها، وجعلت الناس يحسون الفقر إحساساً مريراً، مع أن هذا الفقر لم يكن ليؤذي أحداً حين استوى فيه الجميع .




صفحة رقم : 44




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


تستطيع الشيوعية أن تعيش في سهولة أكثر في مجتمعات دائمة الانتقال، لا يزول عنها الخطر والعوز؛ فالصائدون والرعاة ليس بهم حاجة إلى مِلك يحتفظون به، لكن لمّا أصبحت الزراعة صورة الحياة المستقرة، لم يلبث الناس أن تبينوا أن العناية بالأرض تبلغ أقصاها من حيث غزارة الثمر إذا ما عاد جزاء تلك العناية إلى الأسرة التي قامت بها؛ فنتج عن ذلك بحكم الانتخاب الطبيعي الكائن بين النظم الاجتماعية والأفكار، كما هو كائن بين الأفراد والجماعات ينتج أن الانتقال من الصيد إلى الزراعة استتبع تحولا من الملكية القبلية إلى ملكية الأسرة وبذلك أصبحت أكثر الوحدات الاجتماعية اقتصادا في نفقات الإنتاج، هي كذلك وحدة الملكية؛ فلما أن أخذت الأسرة شيئاً فشيئاً تتخذ الصورة الأبوية التي تركز السلطة كلها في أكبر الذكور سنا، أخذت الملكية كذلك يزداد تركزها شيئاً فشيئاً في أيدي أفراد، ثم نشأ التوريث لشخص معين عن شخص معين؛ ولما كان كثيراً ما يحدث لفرد مغامر أن يغادر مرفأ الأسرة الآمن، ليضرب بمغامراته خارج الحدود التي وقف عندها ذووه، ثم ينتهي به العمل المتصل الشاق أن يستولي على قطعة أرض من الغابة أو الحَرج أو المستنقع؛ فإنه يحرص عليها حرصاً شديداً لا يسمح لغيره بانتزاعها لأنها ملكه الخاص، حتى لتضطر الجماعة في النهاية أن تعترف بحقه فيها، وبهذا نشأ ضرب آخر من ضروب الملكية الفردية (43 أ) ومثل هذا الاستيلاء على الأراضي أخذ يزداد اتساعاً حين ازداد السكان واستُنفِذَت قوة الأرض القديمة، حتى وصل الأمر في المجتمعات




صفحة رقم : 45




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


الأكثر تعقيدا من سواها، إلى أن باتت الملكية الفردية هي النظام السائد، ثم جاء اختراع المال فساعدته هذه العوامل بتيسيره لجمع الثروة ونقلها وتحويلها؛ واتخذت حقوق القبيلة القديمة وتقاليدها صورة الملكية بمعناها الدقيق، وأما المالك عندئذ فهو أهل القرية جماعةً أو الملك، ثم خضعت الملكية لإعادة التوزيع حيناً بعد حين؛ ومضى هذا العصر الذي جعل أمر الملكية يتذبذب فيه على هذا النحو من طرف إلى طرف، بين النظام القديم والنظام الجديد، وبعدئذ استقرت الملكية الفردية الخاصة استقراراً لا شبهة فيه، وأصبحت هي النظام الاقتصادي الأساسي الذي أخذت به المجتمعات في العصور التي دوَّن أخبارها التاريخ.
لكن بينما كانت الزراعة تنشئ المدنية إنشاءً، فإنها إلى جانب انتهائها إلى نظام الملكية، انتهت كذلك إلى نظام الرق الذي لم يكن معروفا في الجماعات التي كانت تقيم حياتها على الصيد الخالص. لأن زوجة الصائد وأبناءه كانوا يقومون بالأعمال الدَّنيَّة، وكان فيهم الكفاية لذلك، وأما الرجال فقد كانت تتعاقب في حياتهم مرحلة تضطرب بنشاط الصيد أو القتال يتلوها مرحلة من فتور الاسترخاء والدَّعة بعد الإجهاد والعناء؛ ولعل ما تنطبع به الشعوب البدائية من كسل قد بدأ- فيما نظن- من هذه العادة، عادة الاستجمام البطيء بعد عناء القتال والصيد؛ ولو أنها لم تكن عندئذ كسلا بمقدار ما كانت راحة واستجماماً؛ فلكي تحول هذا النشاط المتقطع إلى عمل مطرد، لا بد لك من شيئين: العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم، وتنظيم العمل.
وأما تنظيم العمل فيظل مُنحَلَّ العرى لَدُنّىَّ النشاط ما دام الناس يعملون لأنفسهم؛ لكنهم إذا كانوا يعملون لغيرهم فإن تنظيم العمل لا بد أن يعتمد في النهاية على القوة والإرغام؛ وذلك أن نشأة الزراعة وحدوث التفاوت بين الناس انتهيا إلى استخدام الضعفاء اجتماعياً بواسطة الأقوياء اجتماعياً، ولم يتنبه الظافر في القتال قبل ذلك إلى أن الأسير الذي ينفعه هو الأسير الحي، وبذلك قلت




صفحة رقم : 46




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


المجازر وقل أكل الناس بعضهم لحوم بعض، كلما زاد نظام الرق اتساعاً(44) وإذن فقد تقدم الإنسان من حيث الأخلاق تقدماً عظيماً حين أقلع عن قتل زميله الإنسان أو أكله، واكتفى من أعدائه باسترقاقهم؛ وإنك لترى تطورا كهذا يتم اليوم على نطاق واسع، إذا أقلعت الأمم الظافرة عن الفتك بالعدو المغلوب، واكتفت باسترقاقه عن طريق التعويض الذي تقتضيه إياه؛ ولما استقر نظام الرق على أسسه وبرهن على نفعه، أخذ يزداد نطاقه بأن أضيف إلى الرقيق طوائف أخرى غير الأسرى، فأضيف إليهم المَدِينون الذين لا يوفون الدَّين، والمجرمون الذين يعاودون الإجرام، هذا إلى إغارات تُشَنُّ عمداً لاجتلاب الرقيق؛ وهكذا كانت الحرب بادئ الأمر عاملا على نشأة الرق؛ ثم أصبح الرق عاملا على شن الحروب.
ولعل نظام الرق حين امتدت به القرون قد اكسب الجنس البشري تقاليده وعاداته من حيث العمل، فلن تجد بيننا أحداً يقدم على عمل شاق عسير إذا كان في مقدوره أن يتخلص منه بغير أن يتعرض لشيء من العقاب البدني أو الاقتصادي، وإذن فقد بات الرق جزءاً من النظام الذي استعد به الإنسان للقيام بالصناعة، هذا فضلاً عن أنه عمل على تقدم المدنية بطريق غير مباشر، بأن زاد من الثروة فَخَلق الفراغ لفئة قليلة من الناس، ولما مَضَت قرون على هذا النظام، جعل الناسُ ينظرون إليه كأنه نظام فطري لا غنى عنه، بهذا قال أرسطو وكذلك بارك القديس بولس هذا النظام الاجتماعي الذي لا بد أن يكون قد بدا لعينيه في عصره نظاماً قضى به الله.
هكذا أخذت الزراعة وأخذ نظام الرق، كما أخذ تقسيم العمل وما يقتضيه من اختلاف بين الناس، أخذ كل هذا يستبدل شيئاً فشيئاً بالمساواة التي كانت قائمة في الجماعة الطبيعية تفاوتاً وانقساماً إلى طبقات "ففي الجماعة البدائية لا ترى- على وجه العموم- فارقاً بين حرّ وعبد، ولا تجد فيها رقا ولا طبقات، ثم




صفحة رقم : 47




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الاقتصادية في الحضارة -> التنظيم الاقتصادي


لا تدرك من الفوارق بين الرئيس وتابعيه إلا قدراً ضئيلاً" (45). وبالتدريج ازدادت الآلات والصناعات تعقداً، فعمل ذلك على إخضاع الضعيف العاجز إلى مشيئة القوي الماهر، وكان كلما ظهر اختراع جديد، أصبح سلاحاً جديداً في أيدي الأقوياء، فزاد من سلطانهم على الضعفاء واستغلالهم لهم ثم عمل نظام التوريث على اتساع الهوة بأن أضاف إلى الامتياز في الفُرَص السانحة امتيازاً في الأملاك، فقسمت المجتمعات التي كانت يوماً متجانسة إلى عدد لا يحصيه النظر من طبقات وأوساط؛ وأحس الأغنياء والفقراء بغناهم أو فقرهم إحساساً يؤدي إلى التشاحن، وأخذت حرب الطبقات تسري خلال عصور التاريخ كأنها خيط أحمر، فاقتضى هذا النزاع بين الطبقات قيام الدولة التي لم يعد عن قيامها محيص لتنظيم تلك الطبقات ولحماية الأملاك ولشن الحروب ولتنظيم السلام.




صفحة رقم : 48




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> أصول الحكومة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:16 pm


الباب الثالث




العناصر السياسية في الحضارة




الفصل الأول




أصول الحكومة




الغريزة الاجتماعية - الفوضى البدائية -القبيلة




والعشيرة - الملك - الحرب


ليس الإنسان حيوانا سياسيا عن رضى وطواعية، فالرجل من الناس لا يتحد مع زملائه مدفوعا برغبته بقدر ما يتحد معهم بحكم العادة والتقليد والظروف القاهرة؛ فهو لا يحب المجتمع بقدر ما يخشى العزلة، ولذلك تراه يتحد مع غيره من الناس لأن اعتزاله يعرضه للخطر، ولأن ثمة أشياء كثيرة يمكن أن يجود أداؤها بالتعاون أكثر مما يجود بالانفراد، وعلى ذلك فالرجل من الناس وحشي في صميمه يتصدى للعالم كله تصدي العدو لأعدائه بكل ما يتطلب ذلك من بطولة؛ فلو قد جرت الأمور على ما يشتهي الإنسان المتوسط لكان الأرجح ألا تقوم للدولة قائمة؛ بل إنك لتراه في يومنا هذا يمقت الدولة مقتا، ولا يفرق بين الموت وجباية الضرائب، ويتحرق شوقا لحكومة لا تحكم من أموره إلا أقلها؛ ولو رأيته يطالب بزيادة في القوانين فما ذاك إلا لأنه يعتقد أن جاره لابد له من تلك القوانين أما هو إذا ما ترك لهواه، فينزع إلى الفوضى التي لا يضبطها تفكير فلسفي، ويظن أن القوانين - فيما يختص بحالته - زائدة لا حاجة إليها.
ولو نظرت إلى أبسط المجتمعات تكوينا لأوشكت ألا ترى فيها حكومة على أية صورة من الصور، فالصائدون البدائيون لا يميلون إلى قبول التقنين إلا حين




صفحة رقم : 49




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> أصول الحكومة


ينضمون إلى جماعة الصيد ويستعدون لدور النشاط؛ أما في غير هذا فترى قبيلة البوشمن تعيش عادة في أسرات معتزل بعضها عن بعض؛ وكذلك أقزام إفريقية وأهل استراليا الفطريين لا يقبلون التنظيم السياسي إلا مؤقتا، حتى إذا ما فرغت مهمته انتشروا من جديد في أسرات كل منها قائم بذاته؛ وليس لأهل تسمانيا رؤساء ولا قوانين ولا حكومة دائمة، والفديون من سكان سيلان انقسموا جماعات على أساس الروابط العائلية، لكن لم يكن عليهم حكومة، والكوبيون في سومطرة "يعيشون بغير سلطان" وتحكم كل أسرة نفسها؛ وقلما تجد الفويجيين في جماعات تزيد عن اثني عشر؛ وكذلك التنجيون يجتمعون اجتماعات متفرقة لا تزيد الجماعة منها عن عشر خيمات أو ما يقرب من ذلك، ولا يزيد "الحشد" من الاستراليين عن ستين شخصا إلا في القليل النادر(1)، ولا تلتئم هذه الجماعة ولا تتعاون إلا لأغراض خاصة مثل الصيد، دون أن تتحد في نظام سياسي دائم.
كانت القبيلة أول صورة للنظام الاجتماعي الدائم - ونقصد بالقبيلة جماعة من أسرات ترتبط بأواصر القربى، وتشغل بقعة من الأرض على سبيل الشيوع ولها طوطم مشترك وتحكمها حكومة بعينها وفق قوانين معينة؛ فإذا ما اتحدت عدة قبائل تحت رئيس واحد تكونت بذلك العشيرة؛ فالعشيرة هي الخطوة الثانية نحو تكوين الدولة؛ لكن التطور في هذه السبيل كان بطيئا إذ كان كثير من الجماعات بغير رؤساء(2) وجماعات أخرى كثيرة لن تقبل نظام الرئاسة - فيما نظن - إلا في وقت الحرب(3) فالديمقراطية ليست من مزايا عصرنا التي يُزهى بها على العصور السوالف، لأنها تظهر على خير وجوهها في كثير من الجماعات البدائية حيث لا تكون الحكومة القائمة عليها سوى ما يشير به رؤساء الأسر في العشيرة - ولم يسمح قط بقيام السلطة جزافا(4) فالهنود من قبائل "إراكو" و "دلاوير" لم يعترفوا بشيء من القوانين أو الضوابط خارج نطاق النظام




صفحة رقم : 50




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> أصول الحكومة


الطبيعي الذي تقضي به الأسرة أو العشيرة؛ ولم يتمتع رؤسائهم إلا بسلطة متواضعة في مقدور شموخ العشيرة أن ينسخوها في أي وقت شاءوا؛ وكان يقوم على هنود "أوماها" "مجلس السبعة" الذي يظل أعضائه يتشاورون في الأمر حتى يصلوا إلى إجماع في الرأي؛ فإذا أضفت إلى هذا جمعية الإراكوا المشهورة، التي تم فيها الاتفاق بين قبائل كثيرة، فارتبطت القبائل بما اتفقت عليه من عهود في حفظ السلام، لم تجد هوة سحيقة تفصل بين هؤلاء "الهمج" وبين الدول الحديثة التي تتعهد بنشر السلام في جمعية الأمم تعهدا قد يُخلّون به.
لكنها الحروب هي التي تخلق الرئيس وتخلق الملك وتخلق الدولة؛ كما أن هؤلاء جميعا هم الذين يعودون فيخلقون الحروب؛ ففي "ساموا" كانت للرئيس سلطة إبان الحرب، أما في غير ذلك فلم يكن يأبه له الناس كثيرا؛ وقبيلة "دياك" لم تكن تعرف من الحكومة إلا ما لرأس الأسرة على أسرته من سلطان، فإن نشب القتال كانوا يختارون أشجع مقاتليهم فيولونه القيادة ويطيعونه طاعة عمياء، حتى إذا ما فرغوا من قتالهم، نزعوه وأرجعوه إلى عمله السابق بمعنى هذه العبارة الحرفي(5)؛ وأما في فترات السلم فقد كان أكثر السلطة والنفوذ للكاهن أو رئيس السحرة؛ فلما تطور نظام الحكم، وأصبحت الملكية هي الصورة المألوفة لدى أغلب القبائل، اشتقت الملكية وظائفها من وظائف هؤلاء، وجمعت تلك الوظائف كلها في يدها: وظائف المقاتل والشيخ الوالد والكاهن؛ وإنك لترى الجماعات تحكمها قوتان: تحكمها الكلمة في وقت السلم، ويحكمها السيف إبان الشدائد؛ وإذن فالقوة لا تستعمل إلا حيثما يفشل الإرشاد بالقول؛ وقد سار القانون والعقائد الأسطورية جنبا إلى جنب خلال العصور، يتعاونان معا على حكم البشر، أو يتعاقبان الواحد بعد الآخر، ولم تجرؤ دولة من الدول حتى يومنا هذا أن تفصل بينهما، ومن يدري لعلهما يعودان فيتحدان غدا.




صفحة رقم : 51




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> أصول الحكومة


ولكن كيف انتهت الحرب إلى قيام الدولة؟ لم يكن ذلك لأن الإنسان ميال بفطرته للحروب، فبعض الشعوب المتأخرة غاية في حب السلام، ولم يستطع الإسكيمو أن يفهموا لماذا يطارد الأوربيون بعضهم بعضا كأنهم الحيتان - مع أنهم يدينون جميعا بعقيدة مسالمة واحدة - ولماذا يسرق بعضهم أرض بعض، ولذا قالوا في تمجيد أرضهم: "ألا ما أجمل أن يكون غطاؤنا ثلجا وجليدا! ما أجمل أن يكون الذهب والفضة اللذين إن كانا كامنين في صخورنا - الذهب والفضة اللذين يتكالب عليها المسيحيون تكالبا جشعا - فإنهما يكونونان تحت غطاء كثيف من الثلج بحيث لا يستطيعون الوصول إليهما! إن عقم أرضنا عن الإثمار مؤد إلى سعادتنا ومنقذنا من اعتداء المعتدين" (6) ومع ذلك فحياة البدائيين قد تخللتها حروب لا تنقطع؛ فالصائدون كانوا يقاتلون من أجل المصائد التي لم تزل عامرة بصيدها، كما كان الرعاة يقاتلون في سبيل المراعي الجديد من أجل قطعانهم، والزارعون يقاتلون ليستولوا على التربة العذراء؛ وكل هؤلاء وأولئك كانوا يقاتلون حينا بعد حين ليثأروا لقتل، أو لينشئوا ناشئتهم على الصلابة والنظام، أو ليجددوا الحياة الرتيبة المملولة، أو ليظفروا بغنيمة يسلبونها أو أسيرة يخطفونها، وقليلا ما حارب هؤلاء وأولئك من أجل الدين؛ نعم لقد كان بينهم أنظمة وعادات تحدد القتل، كما هي الحال بيننا - فعينوا ساعات بعينها أو أياما أو أسابيع أو أشهرا لا يجوز للهمجي الكريم النفس أن يقتل أحدا خلالها؛ وكذلك حددوا بعض القواعد لا يجوز عصيانها، وبعض الطرق لا ينبغي أن يعتدي عليها، وبعض الأسواق والمستشفيات لا ينشب فيها قتال؛ ومن هذا القبيل عملت "جمعية الإراكوا" على قيام "السلم الأعظم" مدى ثلاثمائة عام(7)، لكن الحرب مع هذا كله كانت هي الأداة المختارة للانتخاب الطبيعي بين الأمم والجماعات البدائية.
ولم يكن للنتائج المترتبة على الحروب نهاية تقف عندها فقد كانت عاملاُ




صفحة رقم : 52




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> أصول الحكومة


لا يرحم في اقتلاع الشعوب الضعيفة والقضاء عليها، ورفعت مستوى الإنسان من حيث الشجاعة والعنف والقسوة والذكاء والمهارة؛ وحفزت الإنسان على الاختراع، وأدت إلى صنع آلات أصبحت فيما بعد أدوات نافعة، وإلى اصطناع فنون للحرب سرعان ما انقلبت فنونا للسلم؛ "فكم من السكك الحديدية اليوم تبدأ على أنها جزء من خطة القتال، ثم تنتهي وسيلة من وسائل التجارة! " وفوق هذا كله عملت الحرب على انحلال الشيوعية والفوضى اللذين سادا الجماعات البدائية وأدخلت في الحياة نظاما وقانونا، وأدت إلى استرقاق الأسرى وإخضاع الطبقات وقيام الحكومات؛ فالدولة أمها الملكية وأبوها القتال.




صفحة رقم : 53




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الدولة



الفصل الثاني




الدولة




باعتبارها تنظيما للقوة - المجتمع القروي - الأركان النفسية للدولة


يقول نيتشه: "أن جماعة من الوحوش الكواسر شقراء البشرة، جماعة من الغزاة السادة، بكل ما لها من أنظمة حربية وقوة منظمة، تنقض بمخالبها المخيفة على طائفة كبيرة من الناس، ربما فاقتها من حيث العدد إلى حد بعيد، لكنها لم تخذ بعد نظاما يحدد أوضاعها... ذلك هو أصل الدولة" (Cool، ويقول "لستر وورد" Lester Ward: "تبدأ الدولة - باعتبارها مختلفة عن النظام القبلي - بأن يغزو جنس من الناس جنسا آخر" (9)؛ ويقول "أوبنهيمر" Oppenheimer : "إنك لترى أينما وجهت البصر قبيلة مقاتلة تعتدي على حدود قبيلة أخرى أقل منها استعدادا للقتال، ثم تستقر في أرضها مكونة جماعة الأشراف فيها، ومؤسسة لها الدولة" (10)؛ ويقول "تاتسنهوفر" Tatzenhofer "العنف هو الأداة التي خلقت الدولة" (11) ويقول "جمبلوفتش" Gumplawiez إن الدولة نتيجة الغزو، هي قيام الظافرين طبقة حاكمة على المهزومين(12). ويقول "سمنر" Sumner "إن الدولة نتيجة القوة وهي تظل قائمة بسند من القوة" (13).
وهذا الإخضاع العنيف إنما يقع عادة على جماعة زراعية مستقرة، من قبيلة من الصائدين والرعاة(14) لأن الزراعة تعلم الناس الأساليب المسالمة، وتروضهم على حياة رتيبة لا يختلف يومها عن أمسها، وتنهكهم بيوم طويل من عمل مجهد؛ مثل هؤلاء الناس يجمعون ثروة، لكنهم ينسون فنون الحرب ومشاعرها؛ أما الصائد وأما الراعي، وقد ألفا الخطر ومهرا في القتل، فإنهما ينظران إلى الحرب




صفحة رقم : 54




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الدولة


كأنها ضرب آخر من مطاردة الصيد، لا تكاد تزيد عن مطاردة في خطرها؛ فإذا نضب معين الغابات ولم يعد يمدهم بما يشتهون من صيد، أو إذا ما قلت قطعانهم بسبب اضمحلال المراعي: فإن رجال الصيد والرعي عندئذ ينظرون بعين الحسد إلى حقول القرية بما تحوى من ثمار، وسرعان ما ينتحلون تبريرا للهجوم شأنهم في ذلك شأن المحدثين في استسهال هذا الانتحال؛ ثم يغزون فيغلبون فيسترقون فيحكمون الدولة مرحلة متأخرة في سلم التطور لم تكد تظهر قبل عهد التاريخ المدون، لأن قيام الدولة يقتضي تغيرا في مبدأ التنظيم الاجتماعي من أساسه فيكون المبدأ هو أن يكون الحكم لمن يسيطر بدل أن يكون لذوي القربى كما كانت القاعدة السائدة في المجتمعات البدائية، وإنما يكون نظام السيطرة في أنجح حالاته إذا ما ربط عدة جماعات طبيعية مختلفة، بعضها ببعض برباط يفيدها من نظام وتجارة؛ وحتى وهو في هذه الحالة تراه لا يدوم طويلا إلا في القليل النادر، اللهم إلا إن كان تقدم في الاختراع قد زاد من قوة القوى بأن وضع في يديه أدوات وأسلحة تمكنه من كبت الثورة إذا اشتعلت؛ وفي حالة السيطرة الدائمة ترى مبدأ التسلط يميل إلى إخفاء نفسه حتى لا يكاد يدس نفسه في ثنايا اللاشعور؛ فلما ثار الفرنسيون سنة 1789م أوشكوا ألا يتبينوا - حتى ذكرهم بالحقيقة كاميل ديمولان Camille-Desmolins أن طبقة الأشراف كانت تحكمهم منذ ألف عام جاءتهم من ألمانيا وأخضعتهم لسلطانها بالقوة؛ حقا إن الزمن ليخلع على كل شيء مسحة من قدسية، حتى أخبث السرقات قمين أن يبدو في أيدي أحفاد اللص الذي سرق، مِلْكاَ مقدسا لا يجوز عليه




صفحة رقم : 55




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الدولة


اعتداء؛ إن كل دولة تبدأ بالقهر لكن سرعان ما تصبح عادات الطاعة هي مضمون الضمير ثم سرعان ما يهتز كل مواطن بشعور الولاء للعلم.
والمواطن في ذلك على صواب، فمهما تكن بداية الدولة فسرعان ما تصبح دعامة لا غنى عنها للنظام، لأنه إذا ما ربطت التجارة طائفة من القبائل والعشائر، نشأت بين الناس علاقات لا تعتمد على القرابة بل تعتمد على ما بين الناس من اتصال، وإذن فلابد لمثل هذه العلاقة من أساس للتنظيم يصطنع لها اصطناعا، ونستطيع أن نسوق مجتمع القرية مثلا لذلك: فالقرية هي التي حلت محل القبيلة والعشيرة وأصبحت هي صورة التنظيم الاجتماعي المحلي؛ فأقامت لنفسها حكومة بسيطة تكاد تكون ديمقراطية، حكومة قوامها مناطق صغيرة يجتمع عنها رؤساء الأسر؛ لكن مجرد وجود هذه الجماعات وكثرة عددها، استلزم تدخل قوة خارجية تنظم ما بينها من علاقات، وتنسجها جزءا من شبكة اقتصادية أوسع، والدولة هي التي سدت هذه الحاجة مهما يكن فيها مما يخيف ويفزع أول أمرها؛ أنها لم تَعُد قوة منظمة وكفى، بل أصبحت كذلك أداة توائم بين مصالح مئات الجماعات المتضاربة التي منها يتألف المجتمع في صورته المركبة، ولما تم للدولة ذلك مَدَّت حبائلها من سلطان وقانون وأخذت توسع نطاقها شيئا فشيئا؛ وعلى الرغم من أنها صيَّرَت الحرب الخارجية أكثر تخريبا مما كانت قبل تكوينها، إلا أنها استطاعت أن توسع السلام الداخلي وتثبت أركانه؛ ولك أن تعرف الدولة بأنها سلام في الداخل استعدادا للحرب في الخارج؛ ولم يلبث الناس أن يتبينوا أن دفع الضرائب للدولة خير لهم من التقاتل بعضهم مع بعض، خير لهم أن يدفعوا الجزية للص واحد عظيم من أن يدفعوا الرشوة للجميع، وإذا أردت أن تعلم ماذا عسى أن يقع في مثل هذا المجتمع إذا خلا من الحاكم لفترة من الزمن؛ فانظر ماذا تصنع جماعة "الباجندا" التي اضطر كل رجل فيها حين مات الملك أن يسلح نفسه،




صفحة رقم : 56




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الدولة


لأن الخارجين عن القانون أنشبوا أظفار الفوضى والقتل والنهب أرجاء البلاد جميعا(15)؛ وقد صدق "سبنسر" حين قال: "إنه بغير حكم أوتوقراطي كان يستحيل على تطور المجتمع أن يبدأ مراحله" (16).
على أن الدولة التي تعتمد على القوة وحدها سرعان ما يتقوض بناؤها، لأن الناس وإن يكونوا بطبعهم أغرارا، فهم كذلك لطبعهم ذوو عناد؛ والقوة مثل الضرائب تبلغ أكثر نجاح لها إذا ما كانت خفية غير مباشرة؛ ومن هنا لجأت الدولة - لكي تبقي على نفسها - إلى أدوات كثيرة تستخدمها وتصطنعها في بث تعاليمها - كالأسرة والكنيسة والمدرسة - حتى تبني في نفس المواطن عادة الولاء للوطن والفخر به؛ ولقد أغناها هذا التنشيء عن مئات من رجال الشرطة، وهيأ الرأي العام للتماسك في طاعة وانصياع، فمثل هذا التماسك لابد منه في حالة الحرب؛ وفوق هذا كله فإن الأقلية الحاكمة حاولت أن تحولّ سيادتها التي فرضتها على الناس فرضا بقوتها إلى مجموعة من القوانين من شانها أن تُبَلور سلطانها من جهة، وإن تقدم للناس ما يرحبون به من أمن ونظام من جهة أخرى وهي تعترف بحقوق "الرعية" اعترافا تستميلها به إلى قبول القانون ومناصرة الدولة.




صفحة رقم : 57




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون



الفصل الثالث




القانون




انعدام القانون - القانون والعادة - الثأر - الغرامات




المحاكم - المحنة - المبارزة - العقاب الحرية البدائية


يأتي القانون مصاحبا للملكية والزواج والحكومة؛ فأحط المجتمعات تدبر أمرها بغير قانون؛ يقول "ألفرد رسل ولاس": "لقد عشت مع جماعات الهمج في أمريكا الجنوبية وفي الشرق، ولم أجد بينهم قانون ولا محاكم سوى الرأي العام الذي يعبر عنه أهل القرية تعبيرا حرا، فكل إنسان يحترم حقوق زملائه احتراما دقيقا، فالاعتداء على هذه الحقوق يندر وقوعه أو يستحيل، إن الناس جميعا في مثل هذه الجماعة متساوون تقريبا" (17)؛ وكذلك كتب "هرمان ملفيل" Herman Melville شيئا كهذا عن أهل جزيرة ماركساس Marqusas فقال: "أثناء وجودي بين قبيلة "التايبي" Typees لم يُقَدّم أحد قط للمحاكمة بتهمة الاعتداء على غيره من الناس؛ وسار كل شيء في الوادي سيرا هادئا متسقا على صورة لا تجد لها مثيلا في الجماعات المسيحية مهما انتقيت منها خيرها وأصفاها وأنقاها؛ وإن في هذا القول مني لجرأة أستبيحها لأنه قول الصدق" (18)؛ ولقد أقامت حكومة الروسيا القديمة دورا للمحاكم في جزر ألوشيا لكنها لم تصنع شيئا قط مدى خمسين عاما، ويقول "برِنتُنْ" Printon : "كانت الجرائم والاعتداءات في قبيلة إراكوا من القلة في ظل نظامهم الاجتماعي بحيث تكاد لا تجد ما يبرر أن نقول أن لهم قانونا للعقوبات" (19)، هذه هي الظروف المثالية أو ربما كانت صورتها المثالية من خلفنا نحن - التي يتمنى الفوضويون عودتها




صفحة رقم : 58




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


لكن هذه الصورة يجب أن تعدل بعض التعديل؛ فالجماعات الفطرية تتمتع بحرية نسبية من قيود القانون؛ أولاً لأنها محكومة بعادات هي في صرامتها وفي استحالة الخروج عليها كأي قانون، وثانياً لأن جرائم العنف في أول الأمر تعتبر مسائل خاصة يقضى فيها بالثأر الشخصي الذي تُسفح فيه الدماء.
إن التقاليد لتكوّن أساسا ثابتا مكينا تراه مستقرا تحت الظواهر الاجتماعية كلها؛ فهي بمثابة الصخرة الراسخة في أسفل البناء، وقوامها ألوان الفكر وضروب الفعل التي خلع عليها مر الزمان هالة من تقديس، وهي تُمِدُّ المجتمع بشيء من الثبات والنظام إذا ما انتفى القانون أو تغير أو اضطرب؛ فالتقاليد فيما تعطيه للجماعة من استقرار تشبه الوراثة والغرائز فيما تعطيانه من استقرار للنوع البشري، كما تشبه العادات بالقياس إلى الفرد الواحد؛ والتقاليد هي الاطراد المكرور الذي يحفظ للناس عقولهم في رءوسهم لأنه إذا لم تكن لدى الإنسان هذه القنوات التي ينزلق فيها التفكير والعمل انزلاقا لا شعوريا يسيرا، لاضطر العقل أن يتردد إزاء كل شيء وسرعان ما يلوذ بالجنون مهربا؛ والغرائز والعادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية كلها تتحدد وفق قانون اقتصادي يستغني بالقليل عن الكثير، لأن العمل الآلي هو أنسب طريقة يستجيب بها الإنسان للمثير الخارجي إذا تكرر، أو للموقف المعين إذا تجدد حدوثه؛ أما التفكير الأصيل والتشديد في السلوك فهو اضطراب في مجرى الاطراد، ولا يستطيعه الإنسان إلا في الحالات التي يريد فيها أن يغير من سلوكه المألوف بحيث يلائم الموقف الذي يحيط به، أو في الحالات التي يأمل فيها أن يكافأ على تشديده وتفكيره كسبا موفوراً.
فإذا أضيف إلى هذا الأساس الطبيعي وهو التقاليد، تأمين يأتيه من السماء عن طريق الدين، وأصبحت تقاليد آبائنا هي كذلك ما تريده لنا الآلهة من سلوك، عندئذ تصبح التقاليد أقوى من القانون، ويبعد الإنسان عن حريته البدائية بعدا جوهرياً؛ إنك إذا جاوزت حدود القانون فقد كسبت إعجاب نصف
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:17 pm


صفحة رقم : 59




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


الناس الذين يحسدون في أعماق نفوسهم كل من يستطيع أن يتغلب بذكائه على هذا العدو القديم؛ أما إذا جاوزت حدود التقاليد فأنت قمين أن تصطدم بمقت الجميع لأن التقاليد تنشأ من الناس أنفسهم، بينما يفرض عليهم القانون فرضا من أعلى؛ القانون عادة مرسوم قضى به السلطان، أما التقاليد فهي الانتخاب الطبيعي لألوان السلوك التي ثبتت صلاحيتها في خبرة المجتمع، والقانون يأخذ في حلوله محل التقاليد حين تحل الدولة محل الأسرة والقبيلة والعشيرة والمجتمع القروي، وكلها أنظمة طبيعية؛ ثم يتم حلول القانون محل التقاليد حين تظهر الكتابة، وتتدرج القوانين في انتقالها من تشريع يهبط إلى الخلف عن طريق ذاكرات الشيوخ والكهنة، إلى نظام تشريعي صريح مكتوب على ألواح، لكن حلول القانون محل التقاليد لم يكمل في يوم من الأيام؛ وستظل التقاليد حتى النهاية هي القوة الكامنة من وراء القانون حين يقرر الإنسان أي نوع من السلوك ينبغي أن يسلك، وحين يحكم على أنواع السلوك بالخير والشر؛ ستظل التقاليد حتى النهاية هي القوة الكامنة وراء العرش، "هي الحكم الأخير الذي يقضى في حياة الإنسان".
وأول المراحل في تطور القانون أخذ الإنسان لنفسه بالثأر فيقول الرجل من البدائيين: "إن الثأر ثأري وسأرد عن نفسي ما لَحِقَ بي"، وكل فرد من القبائل الهندية التي تسكن "كاليفورنيا السفلى" هو لنفسه الشرطي وهو الذي يقيم لنفسه ميزان العدل بما تسعفه قوته من الثأر؛ ففي مجتمعات بدائية كثيرة إذا حدث لشخص "أ" أن اغتال شخصا آخر هو "ب" كانت النتيجة أن يقتل "أ" على يد ابن "ب" أو صديقه. ولنرمز له بالحرف "جـ"، ثم يقتل هذا الابن أو الصديق على يد شخص رابع هو "د" يكون ابن "أ" أو صديقه وهكذا حتى تنتهي أحرف الهجاء، وإنك لترى أمثلة للثأر في أنقى العائلات الأمريكية دماً في يومنا هذا، ولقد امتد الثأر ما امتد القانون نفسه في عصور




صفحة رقم : 60




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


التاريخ، وهو يظهر في "القصاص" المذكور في القانون الروماني؛ والقصاص يلعب دورا كبيرا في تشريع حمورابي، وتراه في أمر "موسى" بأن تكون "العين بالعين والسن بالسن" وهو ما يزال كامناً وراء الكثرة الغالبة من العقوبات القضائية حتى اليوم.
والخطوة الثانية نحو القانون والمدنية من حيث التصرف إزاء الجريمة هي الأخذ بالتعويض بدل الثأر، فكثيرا جداً ما استعمل الرئيس سلطته أو نفوذه لكي يحافظ على حسن العلاقات بين أفراد جماعته - ليحمل الأسرة الراغبة في الأخذ بالثأر على أن تستبدل بالدم المطلوب ذهباً أو متاعاً؛ ثم ما هو إلا أن نشأت "تَعْرِيفة" قانونية، تحدد كم من المال ينبغي أن يدفع ثمناً للعين وكم للسن وكم للذراع وكم للحياة، وقد توسع حمورابي في تشريعه على هذا الأساس؛ وقد كان أهل الحبشة غاية في الدقة في العقوبة بالقصاص بحيث إذا سقط صبي من أعلى الشجرة على زميله وقتله، فإن القاضي يحكم بأن ترسِلَ الأم الثكلى ابناً آخر من أبنائها ليسقط من أعلى الشجرة على عنق الصبي الذي اقترف الذنب أول مرة (20)، والعقوبات التي تُقَدَّر في حالات التعويض، قد تختلف باختلاف جنس المعتدي والمعتدى عليه، وعمره ومنزلته، فالفيجيون - مثلاً - يعتبرون السرقة الطفيفة يأتيها إنسان من سواد الناس، أشنع إجراما من القتل يقترفه الرئيس(21) وهذا ما حدث طوال تاريخ القانون، ففداحة الجريمة كانت دائماً تقل بعلو منزلة المجرم ولما كانت هذه الغرامات أو التعويضات التي تدفع اجتناباً للثأر، تتطلب تقديراً للجريمة وللتعويض بحيث يتلاءمان، اتخذت خطوة ثالثة نحو القانون وهي قيام المحاكم، حيث كان الرؤساء أو الكهنة أو الشيوخ يجلسون مجلس القضاة ليقضوا فيما ينشب بين الناس من خلاف، ولم تكن هذه المحاكم




صفحة رقم : 61




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


دائماً مجالس تقضي كما يقضي القضاة، بل كثيرا ما كانت مجالس لإصلاح ذات البين، فكانت تصل بالمتخاصمين إلى حل يرضيهما معاً بصورة ودية ؛ ولبث الالتجاء إلى المحاكم اختيارياً لدى كثير من الشعوب مدى قرون طوال، وكان المعتدى عليه إذا لم يُرْضه الحكم الصادر في شأنه، يباح له أن يأخذ ثأره بيده(22).
وفي حالات كثيرة كان البت في أمر الخصومات يتم في صورة عراك يجري على مرأى من الناس بين المتخاصمين، وكان هذا العراك يختلف في مدى إراقته للدماء، من مباراة في الملاكمة لا يترتب عليها شيء من الأذى - كما هو الحال بين الإسكيمو الحكماء - إلى مبارزة تنتهي بالموت؛ وكثيراً ما لجأ البدائيون إلى اصطناع المحنة في فض مشكلاتهم، غير أنهم لم يقيموها على أساس النظرية التي سادت في القرون الوسطى بأن الله سيكشف عن المجرم عن طريق المحنة بقدر ما أقاموها على أساس من أمل بأن المحنة مهما بلغت من بعدها عن العدل، ستختم نزاعاً قد تضطرب له القبيلة أجيالا عدة إذا لم يلجأ في فضه إلى المحنة ومن أمثلة ذلك أن المتَّهِمَ والمتَهَمَ كليهما يطلب إليهما أن يختار كل منهما صحفة طعام من بين صحفتين إحداهما مسمومة، وقد ينتهي هذا الاختيار بأن يأخذ الصحفة المسمومة من هو بريء (والعادة ألا يكون أثر السم مما يستحيل الخلاص منه) لكن الخصومة تنتهي بهذا، ما دام الفريقان يعتقدان في غير إرغام بعدالة مبدأ المحنة؛ وقد كانت العادة عند بعض القبائل أن المذنب إذا اعترف بذنبه مد ساقه للمعتدى عليه ليطعنها برمحه؛ أو يُطْلب إلى المتهم أن يصمد للرماح يقذفه بها متهموه، فإذا أخطأته الرماح جميعاً، أعلنت براءته، أما إذا أصابه ولو رمح واحد، حكم بإدانته وفُضَّ الخلاف(23).
وهكذا هبط مبدأ المحنة خلال العصور، بادئاً من تلك الصور البدائية إلى




صفحة رقم : 62




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


قوانين موسى وحمورابي ثم إلى العصور الوسطى؛ والمبارزة ضرب من ضروب المحنة، وقد ظن المؤرخون أنها قد انقضى عهدها، لكنها في طريقها إلى العودة من جديد في أيامنا هذه، وهكذا ترى الفارق بين الإنسان البدائي والإنسان الحديث ضيقاً صغيراً في بعض جوانب الحياة، وإن تاريخ المدنية لقصير.
ورابع الخطوات التي خطاها القانون في تطوره، هي أن تعهد الرئيس أو تعهدت الدولة أن يحول دون الاعتداء وان يُنزل العقاب بالمعتدي؛ وليس بين فض النزاع وإنزال العقاب بالمعتدين وبين محاولة اتقاء وقوع النزاع إلا خطوة واحدة؛ بهذا لم يَعُد الرئيس قاضياً وكفى، بل أصبح إلى جانب ذلك مشرعاً يسنُّ القوانين، وأضيفت إلى مجموعة القوانين العامة الشائعة بين الناس، والتي استمدوها من تقاليدهم مجموعة أخرى من "القوانين الوضعية" التي مصدرها مراسيم الحكومة؛ ففي الحالة الأولى تصعد القوانين من أسفل، وفي الحالة الثانية تهبط على الناس من أعلى؛ وفي كلتا الحالين ترى القوانين مصطبغة بمسحة السلف الغابر، وتشم فيها رائحة الأخذ بالثأر الذي جاءت تلك القوانين بديلاً له؛ لقد كان العقاب في الجماعات البدائية قاسياً(24) لأن تلك الجماعات لم تكن آمنة على حياتها، ولذلك ترى صرامة العقاب تقل كلما ازداد النظام الاجتماعي استقراراً.
وتستطيع القول بصفة عامة أن "حقوق" الفرد في المجتمع الفطري أقل منها في حالة المدنية؛ فأينما وجَّهت النظر وجدت الإنسان يولد مكبلا بالأغلال: أغلال الوراثة والبيئة والتقاليد والقانون؛ والفرد في الجماعة البدائية يتحرك في شبكة من القوانين التي تبلغ بصرامتها وتفصيلاتها حداً يجاوز المعقول، فألف تحريم يحدد سلوكه وألف إرهاب يشل إرادته؛ أن أهل زيلندة الجديدة كانوا فيما يبدو للعين يعيشون بغير قانون، لكنهم في حقيقة أمرهم كانت التقاليد تتحكم في كل مظهر من مظاهر حياتهم؛ كذلك أهل البنغال تسيرهم التقاليد التي لا قِبَل لهم بتغيرها أو معارضتها، فتحدد لهم طريقة الجلوس والقيام والوقوف والمشي والأكل والشرب




صفحة رقم : 63




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> القانون


والنوم؛ فالفرد أوشك ألا يكون في عرفهم كائناً مستقلاً بذاته في البيئة الفطرية، ولم يكن يتمتع بالوجود الحق إلا الأسرة وإلا القبيلة والعشيرة والمجتمع القروي، فهذه الهيئات هي التي تملك الأرض أو تباشر السلطان، ولم يصبح للفرد وجود واقعي متميز من وجود مجموعته إلا بعد أن ظهرت الملكية الخاصة التي هيأت له سلطاناً اقتصادياً، وبعد أن ظهرت الدولة التي اعترفت له بوجود قانوني وحقوق محددة (25)؛ إن الحقوق لا تأتينا من الطبيعة، لأن الطبيعة لا تعرف من الحقوق إلا الدهاء والقوة؛ إنما الحقوق مزايا منحتها الجماعة للأفراد على اعتبار أنها تؤدي إلى الخير العام؛ ولذا فالحرية ترف اقتضاه اطمئنان الحياة، والفرد الحر ثمرة أنتجتها المدنية، وعلامة تُمَيّزُها.




صفحة رقم : 64




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة



الفصل الرابع




الأسرة




وظيفتها في المدنية - موازنة القبيلة والأسرة - نمو العناية الأبوية -




عدم أهمية الوالد - انفصال الجنسين - حق الأمومة - منزلة المرأة-




وظائفها - أعمالها الاقتصادية - الأسرة الأبوية - إخضاع المرأة


لما كانت الحاجات الأساسية للإنسان هي الجوع والحب، كانت الوظائف الرئيسية للتنظيم الاجتماعي هي تهيئة الموارد الاقتصادية ودوام البقاء من الوجهة البيولوجية؛ فاتصال النسل في سلسلة من الأبناء حيوي كاتصال الطعام؛ لهذا ترى المجتمع يضيف دائماً إلى الأنظمة الاجتماعية التي من شأنها أن تهيئ الراحة المادية والنظام السياسي، أنظمة أخرى من شأنها أن تديم بقاء الإنسان في نسله؛ ولقد لبثت القبيلة - حتى قيام الدولة قُرب بداية المدنية التاريخية بحيث أصبحت للنظام الاجتماعي مركزاً رئيسياً دائماً - لبثت القبيلة حتى ذلك العهد تتولى هذه المهمة الدقيقة، مهمة تنظيم العلاقة بين الجنسين وبين الأجيال المتعاقبة، بل أنه حتى قيام الدولة، ظلت مقاليد حكومة الإنسان مستقرة في تلك الجماعة التي هي أعمق الأنظمة التاريخية جذوراً - وهي الأسرة، إنه لبعيد الاحتمال أن يكون الإنسان الأول قد عاش في أسرات متفرقة، حتى في مرحلة الصيد؛ لأن ضعف الإنسان في أعضائه الفسيولوجية التي يدافع بها عن نفسه، كان قمينا أن يجعل منه فريسة للكواسر التي لم تزل تجوس في مناكب الأرض؛ فالعادة في الطبيعة أنه إذا ما كان الكائن العضوي ضعيف الإعداد للدفاع عن نفسه وهو فرد، لجأ إلى الاعتصام بأفراد من نوعه، لتعيش الأفراد جماعة تستعين بالتعاون على البقاء في عالم تمتلئ جنباته بالأنياب والمخالب والجلود التي يستحيل ثَقِبها، وأغلب الظن أن




صفحة رقم : 65




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


قد كانت هذه هي حالة الإنسان أول أمره، فأنقذ نفسه بالتماسك في جماعة الصيد أولاً فالقبيلة ثانياً؛ فلما حلت العلاقات الاقتصادية والسيادة السياسية محل القربى كمبدأ للتنظيم الاجتماعي، فقدت القبيلة مكانتها التي كانت تجعل منها قوام المجتمع؛ وحل محلها في أسفل البناء الأسرة، كما حلت الدولة محلها في قمته؛ وعندئذ تولت الحكومة مشكلة استتباب النظام، بينما أخذت الأسرة على نفسها أن تعيد تنظيم الصناعة وأن تعمل على بقاء الجنس.
ليس من طبيعة الحيوانات الدنيا أن تعنى بنسلها، لذلك كانت إناثها تقذف بيضها في كميات كبيرة، فيعيش بعضها وينمو، بينما كثرتها الغالبة تُلتَهم أو يصيبها الفساد؛ إن معظم السمك يبيض مليون بيضة في العام؛ وليس بين السمك إلا أنواع قليلة تبدي شيئاً من العطف على صغارها، وترى في خمسين بيضة تبيضها الواحدة منها في العام عدداً يكفي أغراضها؛ والطيور أكثر من السمك عناية بالصغار، فيفقس الطائر كل عام من خمسة بيضات إلى اثنتي عشرة كل عام؛ وأما الحيوانات الثديية التي تدل باسمها على عنايتها بأبنائها، فهي تسود الأرض بنسل لا يزيد عن ثلاثة أبناء في المتوسط لكل أنثى في العام الواحد(26)؛ إن القاعدة العامة في عالم الحيوان كله هي أن خصوبة النسل وفناءه يقلان معاً كلما ازدادت عناية الأبوين بالصغار؛ والقاعدة العامة في عالم الإنسان من أول نشأته هي أن متوسط المواليد ومتوسط الوفيات يهبطان معاً كلما ازدادت المدنية صعوداً؛ إن عناية الأسرة بأبنائها إذا ما حسُنت، مكنت النشء من مدة أطول يقيمونها تحت جناح الأسرة فيكمل تدريبهم ونموهم إلى درجة أكبر، قبل أن يُقذف بهم ليعتمدوا على أنفسهم، وكذلك قلة المواليد تصرف المجهود البشري إلى اوجه أخرى من النشاط بدل استنفاذه كله في عملية النسل.
ولما كان يُعهد إلى الأم بأداء معظم ما تقتضيه العناية بالأبناء من خدمات، فقد كان تنظيم الأسرة في أول أمرها (ما استطعنا أن ننفذ بأبصارنا خلال ضباب




صفحة رقم : 66




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


التاريخ) قائماً على أساس أن منزلة الرجل في الأسرة كانت تافه وعارضه، بينما مهمة الأم فيها أساسية لا تعلوها مهمة أخرى؛ والدور الفسيولوجي الذي يقوم به الذكر في التناسل، لا يكاد يستوقف النظر في بعض القبائل الموجودة اليوم، وربما كان الأمر كذلك في الجماعات البشرية الأولى، شأن الرجل من الإنسان في ذلك شأن الذكر من صنوف الحيوان التي تناديها الطبيعة للتناسل فيطلب العشير عشيره ويتكاثر النسل دون أن يؤرق وَعْيَهم أن يحللوا هذه العملية إلى أسباب ونتائج؛ فسكان جزائر "تروبرياند" Trobriand لا يعزون حمل النساء إلى الاتصال بين الجنسين بل يعللونه بدخول شبح في جوف المرأة، وأن هذا الشبح ليدخل جوفها عادة إذ هي تستحم؛ فتقول الفتاة في ذلك "لقد عضتني سمكة" ويقول مالينوفسكي Malinowski: وسألت من يكون والد طفلِ وُلِدَ سفاحاً، أجابوني كلهم بجواب واحد: إنه طفل بغير والد لأن الفتاة لم تتزوج؛ فلما سألتُ في تعبير أصرح: "من ذا اتصل بالمرأة اتصالاً فسيولوجياً فأنْسَلَت، لم يفهموا سؤالي . . . ولو أجابوا كان الجواب: إنه الشبح هو الذي وهبها طفلها"؛ وكان لسكان تلك الجزيرة عقيدة غريبة وهي أن الشبح أسرع إلى دخوله امرأة أسلمت نفسها لكثير من الرجال في غير تحفظ؛ ومع ذلك فإذا ما أراد النساء أن يجتنبن الحمل، آثرن ألا يستحممن في البحر إذا علا مَدُّه، على أن يمتنعن عن اتصالهن بالرجال(27) وأنها لعقيدة ممتعة لا بد أن قد أراحت الناس من عناء كبير كلما أعقب استسلام المرأة للرجل نتيجةً تسبب شيئاً من الحيرة، وما كان ألذها عقيدة لو أنها أنتُحلتْ للأزواج كما انتحلت لعلماء الأجناس البشرية.
وأما أهل مالنيزيا فقد عرفوا أن الحمل نتيجة الاتصال بين الجنسين، لكن الفتيات اللائي لم يتزوجن يُصْرِرْن على أن حملهن قد سبّبه لهن لون من الطعام أكلنه(28) وحتى بعد أن أدركوا وظيفة الذكر في التناسل، كانت العلاقات الجنسية




صفحة رقم : 67




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


من الاضطراب بحيث لم يكن يسيراً عليهم أن يحددوا لكل طفل أباه؛ ونتيجة ذلك هي أن المرأة البدائية الأولى قلما كانت تعنى بالبحث عمن يكون والد طفلها؛ أن الطفل طفلها هي، وهي لا تنتمي إلى زوج بل إلى أبيها - أو أخيها - وإلى القبيلة، لأنها إنما تعيش مع هؤلاء، وهؤلاء هم كل الأقارب الذكور الذين يعرفهم الطفل(29) على أنهم ذوو قرباه، لهذا كانت روابط العاطفة بين الأخ وأخته أقوى منها بين الزوج وزوجته، وفي كثير من الحالات كان الزوج يقيم مع أسرة أمه وقبيلتها، لا يرى زوجته إلا زائراً متستراً، وحتى في المدنية القديمة كان الأخ أعز عند المرأة من زوجها، فزوجة "انتافرنيز" أنقذت أخاها لا زوجها من غضبة "دارا" كذلك "انتجونا" ضحت بنفسها من أجل أخيها لا من أجل زوجها(30) "فالفكرة القائلة بأن زوجة الرجل هي أقرب إنسان في الدنيا إلى قلبه، فكرة حديثة نسبياً، ثم هي فكرة لا تراها إلا في جزء صغير نسبياً من أجزاء الجنس البشري" (31).
إن العلاقة بين الوالد والأبناء في المجتمع البدائي هي من الضعف بحيث يعيش الجنسان منفصلين في عدد كبير من القبائل؛ ففي استراليا وغيانة البريطانية الجديدة، وفي إفريقية وميكرونيزنا، وفي أسام وبورما، وبين الألوشيين والإسكيمو والساموديين، وهنا وهناك من أرجاء الأرض، قد ترى إلى اليوم قبائل لا تجد فيها للحياة العائلية أثراً فالرجال يعيشون معتزلين النساء، ولا يزورونهن إلا لماما، حتى الطعام ترى كلا من الفريقين يأكل بعيداً عن الأخر؛ وفي شمالي بابوا لا يجوز للرجل أن يرى مجتمعاً بامرأة أمام الناس حتى وإن كانت تلك المرأة أم أبنائه؛ والحياة العائلية ليست معروفة في "تاهيتي" على الإطلاق، ومن انفصال الجنسين على هذا النحو تنشأ العلاقات السرية - عادة الاتصال بين الرجال والرجال - التي تراها في كل الأجناس البدائية، وهي مَهْرب يلوذ به الرجال في




صفحة رقم : 68




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


كثير من الحالات فراراً من المرأة(32)؛ وهذه العلاقات السرية لها شبيه في حياتنا الحاضرة وإن اختلفت في وجهها فهذه وليدة تلك.
إذن فابسط صور العائلة هي الأم وأبناؤها تعيش بهم في كنف أمهم أو أخيها في القبيلة؛ وهذا النظام نتيجة طبيعية للأسرة عند الحيوان، التي تتكون من الأم وصغارها، وهو كذلك نتيجة طبيعية للجهل البيولوجي الذي يتصف به الإنسان البدائي؛ وكان لهذا النظام العائلي بديل آخر في العهد الأول، وهو "الزواج الذي يضيف الزوج إلى أسرة زوجته"، إذ يقضي هذا النظام أن يهجر الزوج قبيلته ليعيش مع قبيلة زوجته وأسرتها ويعمل من أجلها أو معها في خدمة والديها؛ فالأنساب في هذه الحالة يُقتَفَى أثرها في جانب الإناث، والتوريث يكون عن طريق الأم؛ حتى حق العرش أحياناً كان يهبط إلى الوارث عن طريق الأم لا عن طريق الزوج(33)؛ على أن هذا الحق الذي للأمومة ليس معناه سيطرة المرأة على الرجل(34)؛ لأنه حتى إن وَرَّثَت الأم أبناءها فليس لها على ملكها هذا الذي تُورثه إلا قليل من السلطان؛ وكل ما في الأمر أن الأم كانت وسيلة تَعَقُّب الأنساب، لأنه لولا ذلك لأدى إهمال الناس عندئذ في العلاقات الجنسية وإباحيتهم إلى انبهام معالم القُربى(35)، نعم إن للمرأة نفوذاً في أي نظام اجتماعي كائناً ما كان ولو إلى حد محدود، هو نتيجة طبيعية لخطر مكانتها في المنزل، ولأهمية وظيفتها في التصرف في الطعام ولاحتياج الرجل إليها وقدرتها على رفضه؛ ولقد شهد التاريخ أحياناً حاكمات من النساء بين بعض قبائل إفريقية الجنوبية، ولم يكن في مستطاع الرئيس في جزر "بليو" أن ينجز شيئاً هاماً إلا إذا استشار مجلساً من عجائز النساء، وكان للنساء في قبيلة "إراكوا" حق يعادل حق الرجال في إبداء الرأي وفي التصويت إذا اجتمع مجلس القبيلة(36)؛ وكان للنساء بين هنود سنكا قوة عظيمة قد تبلغ بهن حق اختيار الرئيس، هذا كله صحيح، لكنها حالات نادرة لا تقع إلا قليلاً، أما في أكثر الحالات فمنزلة المرأة في




صفحة رقم : 69




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


المجتمعات البدائية كانت منزلة الخاضع التي تدنو من الرق؛ فعجزها الذي يعاودها مع الحيض، وعدم تدريبها على حمل السلاح، واستنفاذ قواها من الوجهة البيولوجية بسبب الحمل والرضاعة وتربية الأطفال، كل ذلك عاقها في حربها مع الرجال، وقضى عليها أن تنزل منزلة دنيا في كل الجماعات إلا أدناها وأرقاها؛ ولم يستتبع تقدم المدنية بالضرورة أن ترفع مكانة المرأة، ففي اليونان أيام بركليز كتب عليها أن تكون مكانتها أقل من مكانتها بين هنود أمريكا الشمالية؛ إن مكانة المرأة ترتفع أو تهبط تبعاً لاختلاف أهمية الرجل في القتال، أكبر منها تبعاً لازدياد ثقافة الرجال وتقدم أخلاقهم.
كانت المرأة في مرحلة الصيد تكاد تؤدي الأعمال كلها ما عدا عملية الصيد نفسها؛ وأما الرجل فكان يسترخي مستريحاً معظم العام في شيء من الزهو بنفسه، لقاء ما عرض نفسه لمصاعب الطراد وأخطاره، كانت المرأة تلد الأطفال بكثرة وتربيهم وتحفظ الكوخ أو الدار في حالة جيدة، وتجمع الطعام من الغابات والحقول وتطهي وتنظف وتصنع الثياب والأحذية(37)؛ فإذا انتقلت القبيلة من مكان لم يكن الرجل ليحمل سوى أسلحته لأنه كان مضطرا أن يكون على أهبة الاستعداد لملاقاة العدو إذا هجم، وإذن فقد كان على النساء أن يحملن كل ما بقى من متاع، والنساء من قبيلة "البوشمن" كن يُستخدمن خادمات وحاملات للأثقال، فإذا تبين أنهن أضعف من أن يسايرن الركب في رحلته، تُركن في الطريق(38)، ويروي أن سكان نهر مَرِى الأدنى حين رأوا قطيعاً من الثيران ظنوا أنهم زوجات الرجال البيض(39)، وإن ما تراه بين الرجال والنساء اليوم من تفاوت في قوة البدن لم يكد يكون له وجود فيما مضى، وهو الآن نتيجة البيئة وحدها أكثر منه أصيلا في طبيعة المرأة والرجل: كانت المرأة إذ ذاك - لو استثنيت ما يقعدها أحياناً من عوامل بيولوجية - مساوية للرجل تقريباً في طول قامته، وفي القدرة على الاحتمال وفي سعة الحيلة والشجاعة؛
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:18 pm


صفحة رقم : 70




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


ولم تكن بعد قد أصبحت مجرد زينة وتحفة، أو مجرد لعبة جنسية، بل كانت حيواناً قوي البنية قادراً على أداء العمل الشاق مدى ساعات طويلة، بل كانت لها القدرة - إذا دعت الضرورة - على المقاتلة حتى الموت في سبيل أبنائها وعشيرتها؛ قال رئيس من رؤساء قبيلة "تشبوا" Chippewas "خلق النساء للعمل، فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان، وهن كذلك يقمن لنا الخيام ويصنعن الملابس ويصلحنها ويدفئننا في الليل.. . إنه ليستحيل علينا أن نرحل بغيرهم، فهن يعملن كل شيء ولا يكلفن إلا قليلاً؛ لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائماً، فأنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن" (40)
إن معظم التقدم الذي أصاب الحياة الاقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة أكثر مما يعزى للرجل، فبينما ظل الرجل قروناً مستمسكاً بأساليبه القديمة من صيد ورعي، كانت هي تطور الزراعة على مقربة من محال السكنى، وتباشر تلك الفنون المنزلية التي أصبحت فيما بعد أهم ما يعرف الإنسان من صناعات؛ ومن "شجرة الصوف" - كما كان الإغريق يسمون نبات القطن - جعلت المرأة تغزل الخيط وتنسج الثياب القطنية(41)؛ وهي التي - على أرجح الظن - تقدمت بفنون الحياكة والنسج وصناعة السلال والخزف وأشغال الخشب والبناء، بل هي التي قامت بالتجارة في حالات كثيرة(42)؛ والمرأة هي التي طورت الدار، واستطاعت بالتدريج أن تضيف الرجل إلى قائمة ما استأنسه من حيوان، ودربته على أوضاع المجتمع وضروراته التي هي من المدنية أساسها النفسي وملاطها الذي يمسك أجزاء البناء؛ لكن لمّا تقدمت الزراعة وزاد طرحها، أخذ الجنس الأقوى يستولي على زمامها شيئاً فشيئاً(43)؛ وكذلك وجد الرجل في ازدياد تربية الماشية مصدراً جديداً للقوة والثروة والاستقرار؛ حتى الزراعة التي لابد أن تكون قد بدت لعمالقة العصر القديم الأشداء عملاً بارداً، أقبل عليها الرجل آخر الأمر بعد




صفحة رقم : 71




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


أن كان يضرب جوالاً في مناكب الأرض، وبذلك انتزع الرجال من أيدي النساء زعامتهن الاقتصادية التي توفرت لهن حيناً من الدهر بسبب الزراعة؛ وكانت المرأة قد استأنست بعض الحيوان؛ فجاء الرجل واستخدم هذا الحيوان نفسه في الزراعة، وبذلك تمكن من أن يحل محلها في الإشراف على زراعة الأرض؛ هذا إلا أن استبدال المحراث بالمعزقة قد تطلب شيئاً من القوة البدنية، وبذلك مكن للرجل أن يؤكد سيطرته على المرأة؛ أضف إلى ذلك أن ازدياد ما يملكه الإنسان مما يمكن تحويله من مالك إلى مالك، كالماشية ومنتجات الأرض، أدى إلى إخضاع المرأة للرجل إخضاعاً جنسياً، لأن الرجل طالبها بالإخلاص له إخلاصاً يبرر له أن يورث ثروته المتجمعة إلى أبناء تزعم له المرأة أنهم أبناؤه؛ وهكذا نفذ الرجل بالتدريج خطته، واعترف للأبوة في الأسرة، وبدأت الملكية تهبط في التوريث عن طريق الرجل، واندحر حق الأمومة أمام حق الأبوة، وأصبحت الأسرة الأبوية - أي التي يكون أكبر الرجال سناً على رأسها - هي الوحدة الاقتصادية والشرعية والسياسية والخلقية في المجتمع؛ وانقلب الآلهة وقد كانوا قبل ذلك نساء في أغلبهم، انقلبوا رجالاً ذوي لحى هم للناس بمثابة الآباء، يحيط بهم من النساء "حريم" كالذي كان يحلم به ذوو الطموح من الرجال في عزلتهم .
كان هذا الانتقال إلى الأسرة الأبوية - الأسرة التي يحكمها الوالد - ضربة قاضية على منزلة المرأة؛ فقد باتت هي وأبناؤها، في أوجه الحياة الهامة جميعاً، ملكاً لأبيها أو لأخيها الأكبر، ثم ملكاً لزوجها، إنها اشتُريت في الزواج كما كان العبد يشرى في الأسواق سواء بسواء؛ وهبطت ميراثاً كما يهبط سائر الملك عند وفاة الزوج، وفي بعض البلاد "مثل غانة الجديدة، وهبرديز الجديدة، وجزر سليمان، وفيجي، والهند وغيرها" كانت تشنق وتدفن مع زوجها الميت، أو كان يطلب أليها أن تنتحر، لكي تقوم على خدمته في الحياة الآخرة(44) وأصبح




صفحة رقم : 72




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


للوالد الحق في أن يعامل زوجاته وبناته كما يشاء ويهوى إلى حد كبير جداً؛ فيهبهن، ويبيعهن، ويعيرهن، لا يحده في استعمال حقه هذا إلا الظروف الاجتماعية التي تفسح المجال لآباء غيره في استعمال حقوق مثل حقه، وبينما احتفظ الرجل بحقه في الاتصال الجنسي خارج داره، طولبت المرأة - في ظل الأنظمة الأبوية - بالعفة التامة قبل الزواج، وبالإخلاص التام بعد الزواج، وهكذا نشأ لكل جنس معيار خاص يحكم به على عمله.
إن خضوع المرأة بصفة عامة، وقد كان موجوداً في مرحلة الصيد، ثم ظل موجوداً - في صورة أخف - خلال الفترة التي ساد فيها حق الأمومة في الأسرة ازداد الآن صراحة وغلظة؛ ففي الروسيا القديمة، كان الوالد عند زواج ابنته يضربها ضرباً رقيقا بسوط، ثم يعطي السوط للزوج(45) ليدل على أن ضربها قد أنيطت به منذ اليوم يد لا يزال الشباب يجري في عروقها؛ وحتى الهنود الأمريكيون الذين ظل حق الأمومة سائداً فيهم لم يرتفع عنهم قط، كانوا يعاملون نساءهم معاملة خشنة ويكلفونهن بأقذر الأعمال، وغالباً ما ينادونهن بلفظ الكلاب(46) وحياة المرأة في كل مكان على وجه الأرض كانت تقوم بثمن أرخص من ثمن الرجل، وإذا ولد الأمهات بنات، فلا تقام الأفراح التي تقام عند ولادة البنين حتى أن الأمهات أحياناً ليقتلن بناتهن الوليدات ليخلصنهن من الشقاء؛ والزوجات في فيجي يشتريهن الرجال كما يشاءون، وغالباً ما يكون الثمن المدفوع بندقية(47)، وفي بعض القبائل لا ينام الرجل وزوجته في مكان واحد خشية أن يضعف نفس المرأة من قوة الرجل، بل إن أهل فيجي لا يرون من المناسب أن ينام الرجل في بيته كل ليلة، وفي كالدونيا الجديدة تنام المرأة في حظيرة بينما ينام الرجل في الدار، وفي فيجي كذلك يسمح للكلاب بالدخول في بعض المعابد، أما النساء فحرام عليهن دخول المعابد إطلاقاً(48) وهذا الإقصاء للمرأة عن المجتمعات الدينية موجود في الإسلام حتى يومنا هذا، نعم إن المرأة




صفحة رقم : 73




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر السياسية في الحضارة -> الأسرة


بغير شك قد تمتعت في كل العصور بهذا الضرب من السيادة الذي ينشأ عن استمرار الحديث، وقد تفلح المرأة في إخجال الرجل أو إرباكه أو هزيمته أحياناً(49) لكن الرجل مع ذلك هو السيد والمرأة هي الخادمة، فكان الرجل من قبيلة "الكفير" يشتري النساء كما يشتري الرقيق، وإنما يشتريهن ليكن له ضمان الحياة حتى مماته، لأنه إذا حاز عدداً من الزوجات كافياً، فسيظل ما بقى له في الحياة من سنين مستريحاً من عناء العمل، وعليهن العمل كله، ويعتبر بعض القبائل في الهند القديمة نساء الأسرة جزءاً من الأملاك التي تورث جنباً إلى جنب مع الحيوان الداجن(50)؛ حتى الوصية الأخيرة من وصايا "موسى" لم توضح الفرق في هذا الصدد توضيحاً ظاهراً، وفي بلاد الزنوج الأفريقية كلها، لا يكاد النساء يختلفن عن الرقيق إلا في كونهن مصدراً للمتعة الجنسية إلى جانب النفع الاقتصادي؛ ولقد كان الزواج في بدايته صورة من صور القوانين التي تضبط الملكية، وجزءاً من التنظيم الاجتماعي الذي يدبّر أمر العبيد(51).




صفحة رقم : 74




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> مقدمة



الباب الرابع




العناصر الخلقية في المدنية


لما كان المجتمع يستحيل قيامه بغير نظام، والنظام لا يكون بغير قانون، قلنا أن نعممها قاعدةً من قواعد سير التاريخ، بأن قوة التقاليد تتناسب تناسباً عكسياً مع كثرة القوانين، كما أن قوة الغريزة تتناسب تناسباً عكسياً مع كثرة الأفكار؛ وبعض القواعد لابد منه حتى يعايش الناس بعضهم بعضاً، وقد تختلف هذه القواعد في الجماعات المختلفة، لكنها ينبغي أن تكون في جوهرها واحدة في الجماعة الواحدة؛ وقد تكون هذه القواعد مواضعات أتفق عليها الناس أو تقاليد أو أخلاقاً أو قوانين؛ فأما المواضعات فهي صور من السلوك وجد الناس أنها نافعة لحياتهم، والتقاليد مواضعات قبلتها الأجيال المتعاقبة؛ والأخلاق هي التقاليد التي ترى الجماعة ألا غنى عنها لسعادتهم وتقدمهم بعد أن تعلمت من الانتخاب الطبيعي الذي يُبقى على الصالح ويزيل الفاسد خلال ما يصادفه الناس من تجارب يجرونها في الحياة فيخطئون هنا وهناك، هذه التقاليد الحيوية أو الأخلاق في الجماعات البدائية التي لا تعرف قانوناً مكتوبا تنظم كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية؛ وتكسب النظام الاجتماعي اطراداً وثباتاً؛ وهذه التقاليد إذا ما انقضى عليها الزمن وخلع عليها سحره شيئاً فشيئاً، فإنها بطول تكرارها تصبح للفرد طبيعة ثانية؛ إن جاوز حدودها شعر بالخوف أو القلق أو العار- وذلك هو أصل الضمير أو الحس الأخلاقي الذي أختاره دارِون ليكون أظهر فاصل يفرّق بين الحيوان والإنسان والضمير في مراحل تطوره العليا يصبح وعياً اجتماعيا- أي شعور الفرد بأنه ينتمي إلى جماعة معينة وأنه مدين لها بشيء من الولاء والاحترام؛ وما الأخلاق سوى تعاون الجزء مع الكل، ثم تعادل كل جماعة مع كل أعظم فالمدنية، بطبيعة الحال كانت تستحيل بغير أخلاق.




صفحة رقم : 75




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج



الفصل الأول




الزواج




معنى الزواج - أصوله البيولوجية - الشيوعية الجنسية - زواج التجربة - زواج الجماعة -




زواج الفرد - تعدد الزوجات - قيمته في تحسين النسل - الزواج من غير العشيرة - الزواج




مقابل الخدمة - وبالأسر - وبالشراء - الحب البدائي - وظيفة الزواج الاقتصادية


أول مهمة تؤديها التقاليد التي هي قوام التشريع الخلقي لجماعة من الجماعات، هي أن تنظم العلاقة بين الجنسين لأنها مصدر دائم للنزاع والاعتداء وإمكان التدهور؛ والصورة الأساسية لهذا التنظيم الجنسي هي الزواج الذي يمكن تعريفه بأنه اتحاد العشيرين للعناية بالنسل؛ وهو تنظيم يختلف ويتغير من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان حتى لقد اجتاز خلال تاريخه كل صورة ممكنة، وكل تجربة ممكنة من العناية التي كان يبديها البدائيون بالنسل دون أن يكون بين العشيرين اتحاد في المعيشة، إلى ما نراه في عصرنا الحديث من اتحاد العشيرين في المعيشة بغير نسل يعنيان به.
كان الزواج من ابتكار أجدادنا من الحيوان؛ فبعض الطيور فيما يظهر يعيش معيشة الأزواج التي تنسل في رباط بين الزوجين لا يعرف الطلاق، وبين الغورلا والأورانجوتان يدوم اتصال الوالدين حتى نهاية فصل الإنسال، ولاتصالها هذا علامات كثيرة تشبه فيه بني الإنسان، وكل محاولة تحاولها الأنثى في اتصالها في ذكر آخر، يعاقبها عليها عشيرها عقاباً صارما. ويقول "دى كرسبيني" De Crespigny عن الأورانج في بورنيو "إنها تعيش في أسر: الذكر والأنثى وصغيرهما" يقرر الدكتور سافدج Dr. Savage عن الغورلا "إنه من المألوف




صفحة رقم : 76




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


أن ترى الوالدين جالسين تحت شجرة يتسليان بالفاكهة يأكلانها وبالسمر يَسمُران به، بينما يأخذ أبناؤهما في القفز حولهما والوثب من غصن إلى غصن في مرح وزئاط". وإذن فالزواج أعمق في التاريخ من بني الإنسان.
والمجتمعات التي تخلو من الزواج نادرة، لكن الباحث الخبيث يستطيع أن يجد منها عدداً يكفيه ليصور به مرحلة انتقال من الفوضى الجنسية التي تسود الحيوان الأدنى إلى صنوف الزواج التي أخذ بها الإنسان البدائي؛ ففي "فوتونا" Futuna و "هواي" معظم الناس لم يتزوجوا إطلاقاً، وأهل "لوبو" Lubu تعاشروا في إباحية وبغير اختيار أو تحديد، ولم يكن في رءوسهم فكرة الزواج، وكذلك بعض القبائل في بورنيو كانت تعيش حياتها الجنسية بغير أن يكون الزواج هو الرباط الذي يربط الزوجين، ولذلك كانت العلاقة بين العشيرين أسهل انحلالا مما نراه بين الطيور، ولدى بعض شعوب الروسيا البدائية "كان الرجال يستعملون النساء بغير تمييز بحيث لم يكن لامرأة زوج معلوم".
ولقد وصف الواصفون أقزام أفريقيا بأنهم لا يصطنعون أنظمة الزواج في حياتهم، بل تراهم "يشبعون غرائزهم الحيوانية إشباعاً كاملا بغير ضابط"؛ لكن هذا "التأميم للنساء" الذي يقابل الشيوعية البدائية في الأرض والطعام، زال في مرحلة مبكرة بحيث لم يعد من آثاره اليوم إلا قليل، ومع ذلك فقد لبثت بعض ذكرياته عالقة في الأذهان في صور مختلفة: في شعور كثير من الشعوب الفطرية بأن وحدانية الزوجة- التي يعرفونها بأنها احتكار رجل واحد لامرأة- ينافي الطبيعة ويجافي الأخلاق، وفي الأعياد التي نقيمها على فترات معلومة ونتحلل فيها من القيود الجنسية مؤقتاً )ولا يزال هذا الشعور موجوداً بصورة ضعيفة في بعض أعيادنا(، وفي مطالبة المرأة بأن تُسلم نفسها لأي رجل يطلبها قبل أن يُسمح لها بالزواج - كما هي الحال في "معبد مايْلتّا" Mylitta في بابل-،




صفحة رقم : 77




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


وفي عادة إعارة الزوجة، وهي عادة ضرورية بالنسبة إلى كثير من أخلاق الكرم كما يعرفها البدائيون، وفي حق الليلة الأولى؛ وهو حق كان يتمتع به الشريف في أوائل العهد الإقطاعي في أوربا، وربما كان الشريف في ذلك يمثل حقوق القبيلة القديمة، وذلك الحق هو أنه يجوز للشريف أن يَفُض بكارة العروس قبل أن يؤذن للعريس بمباشرة الزواج.
ثم حلت بالتدريج محل هذه العلاقات التي لم تعرف التحديد ألوان من اتحاد الرجل والمرأة كانت بمثابة التجريب، فعند قبيلة "أورانج ساكاي" Orang Sakai في ملقا، كانت المرأة تعاشر كل رجل من رجال القبيلة حيناً، حتى إذا ما أتَمَّت الدورة بدأت من جديد، وبين قبيلة "ياكوت" Yakuts في سيبريا، وقبيلة "بوتوكودو" Botocudos في جنوب أفريقيا، والطبقات الدنيا في التبت، وكثير غير هذه من الشعوب، كان الزواج تجريبياً خالصاً بمعنى أن كلاًّ من الزوجين له الحق في فض العلاقة إذا شاء وبغير أن يبدي لذلك سبباً أو يُطالب بالسبب؛ وعند قبيلة "بوشمن" "يكفي أقل خلاف بين الزوجين لانحلال الزوجية، ولا يلبث الزوجان أن يجد كل منهما زوجاً آخر، " وعند قبيلة "داماترا" Damatras فيما يروى "سير فرانسز جولتُن" Sir Fancis Galton- "يتبدل الزوج مرة كل أسبوع تقريباً، وقلما استطعتُ أن أعرف إلا بعد استقصاء وبحث- من ذا كان زوجاً مؤقتاً لهذه السيدة. أو تلك في وقت معين" وكذلك في قبيلة "بايلا" ينتقل النساء من رجل إلى رجل ويَتُركنَ زوجاً لينتقلن إلى زوج آخر بمحض اختيارهن؛ والفتيات اللائى كِدنَ لا يجاوزنَ العشرين، تجد للواحدة منهنَ في كثير من الحالات أربعة أزواج أو خمسة كلهم أحياء "وكلمة الزواج في هواي معناها في الأصل"تجربة"، وقد كان الزواج في تاهيتي منذ قرن حراً من القيود وينحل لغير سبب ما دام الزوجان لم يَنسِلا، أما إن أنجبا طفلاً فلهما أن يقتلاه دون أن يقع عليهما لوم من المجتمع،



أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصة الحضارة - ول ديورانت Empty رد: قصة الحضارة - ول ديورانت

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأربعاء يونيو 01, 2011 8:19 pm


صفحة رقم : 78




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


أو هما يقومان على تربيته وبذلك يبدءان حياة دائمة الصلات، بحيث يتعهد الرجل للمرأة أن يعولها في مقابل رعايتها للطفل، التي أخذتها الآن على عاتقها.
وكتبَ "ماركو بولو" عن قبيلة في آسيا الوسطى، كانت تسكن إقليم "بين" Peyn "وهي تعرف الآن باسم كيريا" Keria في القرن الثالث عشر، يقول: "إذا سافر رجل متزوج بحيث بَعُدَ عن بلده ليغيب في رحلته عشرينَ يوماً، فلزوجته الحق- إذا شاءت- أن تتزوج من رجل آخر؛ والمبدأ صحيح كذلك بالنسبة للرجال، فيتزوجون حيث أقاموا" وهكذا ترى الأساليب الجديدة التي أدخلناها في زواجنا وأخلاقنا حديثاً قديمة في أصلها.
يقول "لترنو" Letourneau عن الزواج: "لقد جُرّبت كل صورة من صور الزواج، مما يتفق مع طول بقاء المجتمعات الهمجية والوحشية، ولا يزال بعضها اليوم قائماً لدى أجناس مختلفة، دون أن يطوف بأذهان أهلها أية فكرة من الأفكار الخلقية التي تسود أوروبا عادةً"، فهناك تجارب أجريت في العلاقة بين الزوجين إلى جانب التجارب التي أجريت لاختبار مدة الزواج؛ ففي حالات قليلة نرى "زواجاً جماعياً" بمعنى أن تتزوج طائفة من رجال ينتمون إلى جماعة من طائفة من النساء تنتمين إلى جماعة أخرى، بحيث يكون الزواج جَمِعَّياً بين الطائفتين؛ وفي التبت مثلاً كانت العادة أن تتزوج طائفة من الأشقاء طائفة من الشقيقات، بحيث تقوم الشيوعية الجنسية بين الطائفتين، لكل رجل أن يعاشر كل امرأة؛ ولقد روى قيصر عادة شبيهة بهذه في بريطانيا القديمة وكان من بقاياها عادة الزواج بزوجة الأخ بعد موته، وقد شاعت عند اليهود الأقدمين وغيرهم من الشعوب القديمة، وضاق لها صدر "أونان" ضيقاً شديداً.
فما الذي حدا بالناس أن يستبدلوا بالحالة البدائية التي كان الزواج فيها أقرب شيء إلى الفوضى، زواجاً فردياً؟




صفحة رقم : 79




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


إنه مما لا شك فيه أن الشهوة الجسدية ليست هي التي دفعت الناس إلى نظام الزواج، لأنك لا تجد في الكثرة الغالبة من الشعوب الفطرية الا قليلاً- ذلك إن وجدت شيئاً على الإطلاق- من القيود المفروضة على العلاقات الجنسية قبل الزواج؛ ولان الزواج بكل ما يسببه من مضايقات نفسيه وبكل ما فيه من قيود، يستحيل عليه أن ينافس الشيوعية الجنسية في إشباعها للميول الجنسية عند الإنسان؛ كلا وليس نظام الزواج الفردي بمهيىء في بدايته جوا لتربية الأطفال يبدو بالبداهة أنه خير لتربيتهم من عناية الأم وأسرتها وعشيرتها؛ إذن فلا بد أن يكون الدافع إلى الزواج وتطوره عوامل اقتصادية قوية الأثر، وأرجح الظن )وهنا ينبغي أن نتذكر مرةً أخرى أننا لا نعرف من بدايات الأشياء إلا قليلاً( أن هذه العوامل التي دفعت إلى نظام الزواج كانت مرتبطة بنشأة نظام الملكية.
جاء الزواج الفردي نتيجة لرغبة الرجل في أن يسترقَّ لنفسه رقيقاً بثمن رخيص، ونتيجةً أيضاً لرغبته في توريث مِلكه لأبناء غيره من الرجال؛ وظهر من صور الزواج صورة تبيح للعشير أن يتعدد عشراؤه، فاتخذت صورة تعدد الأزواج للزوجة الواحدة كما هي الحال في قبيلة "تودا" Todas وبعض قبائل التبت، وإنما تظهر هذه العادة حيثما زاد عدد الرجال على عدد النساء زيادة كبيرة، لكنها عادة سرعان ما تَنتَفي على يد الرجل القوي الغلاب، ولم نعد نفهم من نظام تعدد العشراء للعشير الواحد إلا إحدى صورتيه. ألا وهي تعدد الزوجات للزوج الواحد؛ ولقد ظن رجال الدين في العصور الوسطى أن تعدد الزوجات للزوج الواحد نظام ابتكره محمد ابتكاراً لم يُسبق إليه، لكنه في الواقع نظام سابق للإسلام بأعوام طوال، لأنه النظام الذي ساء للعالم البدائي وهنالك من الأسباب عِدَّة عملت كلها على تعميم هذا النظام ونشره أولها أن حياة الرجال في المجتمع الأول كانت أشد عنفاً وأكثر تعرضاً للخطر بسبب اضطلاعهم بالصيد والقتال، ولذا زاد الموت في الرجال عليه في النساء، واطراد




صفحة رقم : 80




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


الزيادة في عدد النساء يضع أمام المرأة اختياراً بين حالتين: فإما تعدد الزوجات للرجل الواحد، وإما عزوبة عقيمة ليس عنها محيص لبعض النساء، لكن مثل هذه العزوبة للمرأة لا تنظر إليها بعين الرضى شعوب تريد نسبة عالية من الولادة تقابل بها نسبة عالية في الوفاة، ولذا ترى أمثال تلك الشعوب تزدري المرأة العانس والمرأة العقيم، وثاني هذه الأسباب أن الرجال يميلون إلى التنوع، فالأمر كما عبر عنه زنوج أنجولا أنهم: "لم يكن في وسعهم أن يأكلوا دائماً طعاماً واحداً"، كذلك يحب الرجال أن تكون عشيراتهم في سن الشباب، والنساء يكتهلن بسرعة في المجتمعات البدائية، بل أن النساء أنفسهن كنَّ أحياناً يُحَبّذن تعدد الزوجات، حتى يباعِدنَ بين فترات الولادة دون أن يُنقِصنَ عند الرجل شهوته وحبه للنسل، وأحياناً ترى الزوجة الأولى، وقد أنهكها عبء العمل، تشجع زوجها على الزواج من امرأة ثانية حتى تقاسمها مشقة العمل، وتنسل للأسرة أطفالاً يزيدون من إنتاجها وثرائها، فالأبناء عند هؤلاء الناس كسب اقتصادي، والرجال بمثابة من ينتفع بالزوجة انتفاعه برأس المال، يستولدها الأبناء الذين يقابلون الربح في رأس المال؛ ففي الأسرة الأبوية، لا تكن الزوجة وأبناؤها إلا بمنزلة العبيد لرأس الأسرة وهو الرجل، وكلما ازداد الرجل زوجات ازداد مالاً؛ وقد كان الفقير يتزوج من زوجة واحدة، لكنه كان ينظر إلى ذلك نظرته إلى وصمة العار. وينتظر اليوم الذي يعلو فيه إلى المنزلة العالية التي ينزلها صاحب الزوجات الكثيرة في أعين الناس.
ولا شك أن تعدد الزوجات لاءم حاجة المجتمع البدائي في ذلك الصدد أتم ملاءمة، لأن النساء فيه يزدن عدداً على الرجال؛ وقد كان لتعدد الزوجات فضل في تحسين النسل أعظم من فضل الزواج من واحدة الذي نأخذ به اليوم، لأنه بينما ترى أقدر الرجال وأحكمهم في العصر الحديث هم الذين يتأخر بهم الزواج عن سواهم، وهم الذين لا ينسلون إلا أقل عدد من الأبناء، ترى العكس في ظل تعدد




صفحة رقم : 81




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


الزوجات، الذي يتيح لأقدر الرجال أن يظفروا- على الأرجح- بخير النساء، وأن ينسلوا أكثر الأبناء؛ ولهذا استطاع تعدد الزوجات أن يطول بقاؤه بين الشعوب الفطرية كلها تقريباً، بل بين معظم جماعات الإنسان المتحضر، ولم يبدأ في الزوال في بلاد الشرق إلا في عصرنا الحاضر؛ لأنه قد تآمرت على زواله بعض العوامل؛ فحياة الزراعة المستقرة حَدَّت من عنف الحياة التي كان يحياها الرجال وقللت من أخطارها، فتقارب الجنسان عدداً؛ وفي هذه الحالة أصبح تعدد الزوجات المكشوف، حتى في الجماعات البدائية، ميزة تتمتع بها الأقلية الغنية وحدها أما سواد الناس فلا يجاوزون الزوجة الواحدة؛ ثم يخففون وطأة ذلك على نفوسهم بالزنا، بينما ترى أقلية أخرى آثرت العزوبة راضية أو كارهة، فعادلت بهذا الامتناع ما يستولي عليه الأغنياء من زوجات كثيرات، وكان عدد الجنسين كلما أقترب من التعادل زادت الغيرة في الرجل على زوجته، والحرص في الزوجة على زوجها؛ لأنه لما كان العدد قريباً من التساوي في الجنسين تعذر على أقوياء الرجال أن يعددوا زوجاتهم، لأنهم في مثل هذه الحالة لا يجدون كثرة من الزوجات إلا إذا اغتصبوا زوجات الآخرين أو من سيكنَّ زوجات للآخرين، وإلا إذا أساءوا )في بعض الحالات( إلى زوجاتهم، نقول إنه في مثل هذه الحالة يتعذر تعدد الزوجات بحيث لا يستطيعه إلا أوسع الرجال حيلة، هذا إلى أنه لما ازداد تراكم الثروة في أيدي بعض الرجال، وكره هؤلاء أن يبعثروا ثروتهم هذه في توريث عدد كبير من الأبناء لا يصيب الواحد منهم إلا قدر ضئيل، آثر هؤلاء أن يُفَرّقوا بين الزوجات "فزوجة رئيسية" ومحظيات، حتى لا يقتسم الإرثَ إلا أبناء الزوجة الرئيسية، ولبث الزواج على هذه الحالة في آسيا حتى عصرنا الذي عاصرناه بجيلنا، ثم أصبحت الزوجة الرئيسية بالتدريج هي الزوجة الواحدة، وأما المحظيات فقد تعرضنَ لإحدى حالتين، فإما بقينَ خليلات وراء الستار، وإما عُدِل عنهن إطلاقاً، وذلك فضلاً عن أثر المسيحية حين دخلت




صفحة رقم : 82




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


عاملاً جديداً؛ فجعلت نظام الزوجة الواحدة في أوربا- بدل تعدد الزوجات- هو النظام الذي يرتضيه القانون، وهو الصورة التي تظهر فيها العلاقة الجنسية؛ لكن نظام الزوجة الواحدة- شأنه شأن الكتابة ونظام الدولة- نظام صناعي نشأ والمدنية في وسطى مراحلها، وليس هو بالنظام الطبيعي الذي يتصل بالمدنية في أصول نشأتها.
ومهما يكن أمر الصورة التي يتخذها الزواج فقد كان إجباراً بين الشعوب البدائية كلها تقريباً، ولم يكن للرجل الأعزب منزلة في المجتمع، أو عُدَّ مساوياً لنصف رجل فحسب. كذلك كان إجباراً على الرجل أن يتزوج من غير عشيرته. ولسنا ندري إن كانت هذه العادة قد نشأت لأن العقل البدائي داخله الشك فيما يترتب على زواج الأقارب من سوء النتائج أو لأن التصاهر بين الجماعات أوجد تحالفاً سياسياً مفيداً بينها، أو زاد هذا التحالف قوة إن كان موجوداً بالفعل، وبهذا زاد التنظيم الاجتماعي تقدماً وقللَ من أخطار الحروب؛ أو لأن انتزاع زوجة من قبيلة أخرى قد أصبح معدوداً بين الناس من علامات الرجولة التي اكتمل نضوجها؛ أو لأن نشأة الصبي بين قريباته يقلل من قيمتهن في عينه، وبُعدَ القريبات عنه يزيد في سحرهن؛ وعلى كل حال فقد كان هذا التحديد في اختيار الزوجة عامّا شاملا لكل الجماعات الأولى تقريباً؛ وعلى الرغم من أن الفراعنة والبطالسة والإنكا قد وُفّقوا إلى تحطيمه بأن أقبلوا على الزواج الأخ بأخته، إلا أنه ظل قائماً بين الرومان كما يعترف به القانون الحديث؛ وهذا التقليد لا يزال له أثره في سلوكنا- عن شعور أو لا شعور- حتى يومنا هذا.
فكيف كان يتاح للرجل أن يظفر بزوجته من قبيلة أخرى؟ لما كانت الأسرة التي ترأسها الأم هي النظام السائد، كان يطلب إلى الزوج في كثير من الحالات أن يعيش مع عشيرة المرأة التي أراد زواجها؛ فلما تطور نظام الأسرة الأبوية، سمح للخطيب أن يأخذ عروسه معه إلى عشيرته، على شرط أن يقيم




صفحة رقم : 83




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


فترة معلومة قبل ذلك في خدمة أبيها، فمثلاً خدم يعقوب لأبانَ في سبيل زواجه من "لِيحة" و "راشيل" لكن الخطيب كان أحياناً يقتضب الأمر باصطناعه للقوة الصريحة الغاشمة؛ وكان من حسنات الرجل ومميزاته أن يأخذ زوجته من أهلها قسراً، فذلك يجعل منه أمةً رخيصة من جهة، كما يستولدها عبيداً من جهة أخرى، وهي إذا ما ولدت له هؤلاء الأطفال العبيد، ازدادت بعبوديتها له صلةً وربطا؛ ومثل هذا الزواج الذي يتم بطريق الاغتصاب، لم يكن القاعدة الشاملة، لكنه كان يقع في العالم البدائي حيناً بعد حين، فالنساء عند هنود أمريكا الشمالية جزء من أسلاب الحرب، ولقد كان هذا السبي للنساء من الشيوع بحيث ترى الأزواج وزوجاتهم في بعض القبائل يتكلمون لغات مختلفة، فلا يفهم الزوج لغة زوجته ولا الزوجة لغة زوجها؛ ولبث السلاف في الروسيا والصرب يأخذون بزواج الاغتصاب أحياناً حتى القرن الماضي ؛ ولا تزال آثار هذه العادة قائمة في قيام العريس بدور المغتصب لعروسه في بعض احتفالات الزواج؛ وعلى كل حال فقد كانت نتيجة طبيعية لما كان بين القبائل من حروب كادت لا تنقطع، كما كانت بداية طبيعية للحرب الناشبة بين الجنسين التي لا تسكن بالمهادنة إلا فترات قصيرة، ولا تنام فتنتها إلا نوماً قلقاً بغير أحلام.
فلما زادت الثروة بات أيسر على الخطيب أن يدفع لوالد العروس هدية ثمينة- أو مبلغ من المال- ثمناً لابنته، من أن يخدم عشيرةً غير أهله للحصول عليها، أو يخاطر بما عسى أن يترتب على اغتصابها من قتال وإراقة للدماء؛ ونتيجة ذلك أن اصبح الزواج بالشراء تحت أشراف الوالدين، هو القاعدة




صفحة رقم : 84




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


السائدة في المجتمعات الأولى وحدثت خلال ذلك حلقات وسطى تم فيها الانتقال؛ فأهل مالينزيا كانوا يسلبون زوجاتهم سلباً، لكنهم كانوا يعودون بعدئذ فيجعلون هذه السرقة مشروعة بأن يدفعوا لأسرة الزوجة مبلغاً من المال؛ كذلك عند بعض أهالي غانة الجديدة كان الرجل يخطف الفتاة، وبينما هما في مخبئهما، يرسل أصدقاءه ليساوموا أباها في ثمنها؛ وأنه لممَّا ينير طريق التفكير أمامنا أن نذكر كيف يَسُهلُ التغلب بالمال على مقاومة الناس لوضع من الأوضاع الخلقية؛ فيروى عن أم من قبيلة "ماوري" Maroi أنها أخذت تبكي بصوت عالٍ، وتستنزل أمر اللعنات على الشاب الذي أختطفَ ابنتها، حتى جاءها هذا الشاب بهدية هي غطاء من الصوف، فقالت؛ "هذا كل ما أردته، أردت أن أظفر بهذا الغطاء الصوفي فجعلتُ أصيح بالبكاء"، لكن ثمن العروس كان يزيد عادةً على غطاء من الصوف، فثمنها عند الهوتنتوت ثور أو بقرة، وعند قبيلة "كرو" Croo ثلاثة أبقار وشاة، وعند "الكفير" يتراوح ثمنها من ست أبقار إلى ثلاثين، حسب المنزلة التي تنزلها أسرة الفتاة في المجتمع، وبين "التوجو" Togos ثمنها ستة عشر ريالاً تدفع نقداً، وستة ريالات تدفع عَيناً.
والزواج بالشراء يسود أصقاع أفريقيا جميعاً، وهو النظام المألوف في الصين واليابان. وكان شائعاً في الهند القديمة وعن اليهود القدماء، وفي أمريكا الوسطى قبل عهد كولمبس، وفي بيرو، بل لا تزال أمثلة منه في أوربا اليوم وهو تطور طبيعي لنظام الأسرة الأبوية، لأن الوالد يملك ابنته، وفي وسعه أن يتصرف فيها بما يراه مناسباً لا يحدد حقه في هذا إلا حدود ضئيلة؛ ويعبر عن هذا هنود أورنوكو بقولهم أن الخطيب يجب عليه أن يدفع للوالد ثمن تربيته لفتاة سينتفع بها هو ويحدث أحياناً أن تُعرض الفتاة في معرض للعرائس أمام جماعة من الرجال قد يكون منهم لها خطيب؛ وكذلك من عادة أهل الصومال أن يُزيّنوا




صفحة رقم : 85




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


العروس أفخر الزينة، ويعرضوها على ظهر جواد أو ماشيةً على قدميها، في جو يفوح بالعطور لعلها تستثير الخطاب فيدفعوا فيها ثمناً أغلى وليس لدينا مدون واحد يدل على أن امرأة عارضت في زواجها بالشراء، بل الأمر على نقيض ذلك، كان النساء يفاخرنَ بما يدفع لهنَ ثمناً، ويحتقرنَ المرأة التي تسلم نفسها في الزواج بغير ثمن لأنهنَ يعتقدن أنَ الزواج الذي يعقد الحُبّ أواصره بغير ثمن مدفوع، يكون فيه الزوج الشرير كاسباً كسباً عظيما لم يدفع لقاءه شيئاً ومن جهة أخرى كان من المألوف أن يرد والد العروس ما دفعه العريس هديةً أخذت تزداد قيمتها على مر الأيام حتى قاربت ما يدفعه العريس؛ ثم أخذ الأباء الأغنياء يتوسعون تدريجياً في هذه الهدايا، لكي ييسروا لبناتهم الزواج، حتى ظهر نظام المهر تدفعه العروس لخطيبها، وهكذا حل شراء والد العروس لزوج أبنته محل شراء الخطيب لزوجته، أو قل أن الشراءين يسيران جنباً إلى جنب.
في شتى هذه الصور والصنوف التي يتخذها الزواج، لا تكاد تقع فيها على أثر من الحب والعاطفة؛ نعم قد تجد حالات قليلة من زواج الحب بين قبيلة البابوا في غينا الجديدة، وكذلك قد تجد بعض حالات الحب في غيرها من الشعوب البدائية )والحب هنا معناه إخلاص متبادل لا منفعة متبادلة( لكن هذه الحالات النادرة التي تصادفها لا شأن لها بالزواج، ففي أيام البساطة الأولى كان الرجال يتزوجون ليشتروا عملاً رخيصاً ويكسبوا أبوة مُربحة ويضمنوا وجبات منتظمة من الطعام، يقول "لاندر" Lander: يحتفل أهل "ياريبا" Yariba بالزواج دون أن يثير ذلك في نفوسهم أقل اهتمام، فتفكير الرجل في حيازة زوجة لا يزيد على تفكيره في قطع سنبلة من القمح، لأن الحب أمر ليس له وجود لأنه لما كانت العلاقة الجنسية أمراً مباحاً قبل الزواج، فإن عاطفة الرجل لا تجد من السدود ما يختزنها، وقلما يكون لها أثر في اختيار الزوجة؛ وللسبب نفسه، أعني تلاحق الشهوة وتنفيذها بغير فاصل من زمن، ليس لديهم ما يبرر




صفحة رقم : 86




قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> نشأة الحضارة -> العناصر الخلقية في المدنية -> الزواج


أن يجلس الشاب مفكراً في طوية نفسه، في عاطفته التي احتبست في صدره والتي من أجل احتباسها أخذت تُزَين له الحبيب المُشتَهَى، مما يؤدي عادةً إلى الحب العاطفي عند الشباب؛ إن مثل هذا الحب وظهوره مرهون بالمدنية التي أقامت الأخلاق سدودا أمام الشهوة، هذا إلى أن الثروة وازديادها قد مكنت بعض الرجال أن ينفقوا، وبعض النساء أن يصنعنَ، ما يقتضيه الحب العاطفي من علامات الترف والرقة؛ فالبدائيون أفقر من أن يعرفوا عاطفة الحب؛ ولذلك قلما تجد في أغانيهم شعراً يدور حول الحب؛ ولما ترجم المبشرون المسيحيون الكتاب المقدس إلى لغة قبيلة "ألجونكون" Algonquins لم يجدوا كلمة في لغتهم تعبر عن "الحب"؛ ويصف الواصفون قبيلة الهوتنتوت بأنهم "باردون في الزواج ولا يأبه أحد من الزوجين بالآخر" وكذلك في ساحل الذهب "لا يظهر بين الزوج وزوجته من علائم الحب شيء حتى ولا مظاهره الخارجية" وقل هذا كذلك في أهل استراليا البدائيين؛ يقول "كاييه" Caillie إذ هو يتحدث عن زنجي من السنغال: "سألت بابا لماذا لا يمرح أحياناً مع زوجاته، فقال إنه لو فعل لتعذر عليه بعدئذ أن يملك زمامهن"؛ ولما سئل رجل من أهل استراليا الوطنيين لماذا أراد أن يتزوج، فأجاب صادقاً بأنه إنما أراد الزوجة لتهيئ له الطعام والشراب والحطب، ولتحمل له المتاع أثناء الرحيل والتقبيل الذي لا يستغني عنه الأمريكيون فيما يظهر، لا تعرفه الشعوب البدائية، أو هم يعرفونه معرفة الشيء المزدَرَي.
وعلى وجه التعميم، نقول أن "الهمجي" يزاول أموره الجنسية بروح فلسفية، لا يكاد يزيد عن الحيوان فيما يساوره من قلق ميتافيزيقي أو ديني؛ إنه لا يفكر في الأمر بينه وبين نفسه، كلا ولا يطير بعاطفته في سمائه، بل الجنس عنده أمر طبيعي كالطعام سواء بسواء، ولا يحاول قط أن يُزَيّن لنفسه الدوافع، فليس في الزواج عنده شيء من التقديس، وقلما يسرف في الاحتفال به، بل هو



أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 4 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى