الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
4 مشترك
صفحة 13 من اصل 19
صفحة 13 من اصل 19 • 1 ... 8 ... 12, 13, 14 ... 19
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1354
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> دين بلا كنيسة
بعد، وأضافت إلى مجمع آلهة الصين عدداً من اللوهان والأرباط- وهم ثمانية عشر من أتباع بوذا الأولين- المتأهبين في كل حين لأن يهبوا الناس بعض ما لهم من فضائل لكي يساعدوا بني الإنسان الحيارى المعذبين.
ولما ألفت الصين نفسها بعد سقوط أسرة هان مقطعة الأوصال من جراء ما سادها من فوضى سياسية، وخيل إلى أهلها أن حياتها نفسها قد قضى عليها اضطراب حبل الأمن وتوالي الحروب، ولت الأمة المعذبة وجهها شطر البوذية كما ولَّى العالم الروماني وجهه في ذلك الوقت نفسه شطر المسيحية. وفتحت الدوية ذراعيها لاحتضان الدين الجديد وامتزجت به على مر الزمان في نفوس الصينيين امتزاجاً تاماً؛ وأخذ الأباطرة يضطهدون البوذية والفلاسفة يشكون مما فيها من خرافات، وأخذ الساسة يأسفون لأن طائفة من خير أبناء الصين قد انزوت في الأديرة وعقمت فأضحت لا تفيد منها البلاد شيئاً. لكن الحكومة وجدت آخر الأمر أن الدين أقوى من الدولة؛ فتصالح الأباطرة مع الآلهة الجدد؛ وأجيز للكهنة أن يجمعوا الزكاة ويشيدوا الهياكل، ورضيت طبقتا الموظفين والعلماء على الرغم منهما أن تبقى الكنفوشية ديناً أرستقراطياً لها. واستولى الدين الجديد على كثير من المزارات القديمة وأقام رهبانه وهياكله إلى جانب رهبان الدوية وهياكلها على تاي- شان جبلها المقدس، وحث الناس على أن يحجوا إلى هذه الهياكل مراراً كثيرة إظهاراً لورعهم وتقواهم، وكان له أثر عظيم في ازدهار فنون التصوير والنحت والعمارة والآداب وتقدم الطباعة ورقي كثير من طباع الصينيين، ثم اضمحل كما اضمحلت الدوية، فدب الفساد في نفوس كهنة الديانة الجديدة وتغلغل في عقائدها على مر الأيام كثير من الأرباب المشئومين والخرافات الشعبية المؤذية، وقضى على ما كان لها من سلطان سياسي- لم يكن كبيراً في يوم من الأيام- نهضةُ الكنفوشية على يد جوشي. والآن قد هجرت هياكلها ونضب معين مواردها وأضحت وليس لها عُبّاد إلا كهنتها الفقراء المعدمون(86).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1355
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> دين بلا كنيسة
بيد أنها مع ذلك قد نفذت إلى قرار النفس الصينية، ولا تزال حتى الآن عنصراً هاماً من العناصر المعقدة غير الرسمية في دين الصيني الساذج. ذلك أن الأديان في الصين ليست محدودة مانعة كما هي في أوربا وأمريكا، ولم تدفع البلاد في يوم من الأيام إلى الحروب الدينية. فأنصار كل دين في تلك البلاد متسامحون عادة مع أهل كل دين آخر، وليس هذا التسامح مقصوراً على شئون الدولة السياسية بل تراه أيضا في العقائد نفسها؛ فالصيني العادي من عبدة مظاهر الطبيعة ودوِّيّ وبوذي وكنفوشي في وقت وواحد. ذلك أنه فيلسوف متواضع، يعرف ألا شيء في هذا العالم محقق مؤكد، ويقول في نفسه لعل رجال الدين على حق ولعل هناك جنة كما يقولون، وخير ما يفعله الإنسان أن يتقبل كل هذه العقائد؛ ويستأجر كثيراً من الكهنة من ديانات مختلفة ليتلوا الصلوات على قبره. على أن المواطن الصيني لا يعبأ كثيراً بالآلهة ما دام الحظ يبسم له؛ فهو يعظم أسلافه ولكنه يترك هياكل الدوية والبوذية في رعاية الكهنة وعدد قليل من النساء.
ولم يعرف التاريخ نفساً أشد دنيوية من نفسه، فأكبر ما يهتم به الصيني أن يعيش بخير في هذه الحياة الدنيا، وإذا صلى فإنه لا يطلب في صلاته أن ينال نعيم الجنة بل يطلب الخير لنفسه في هذا العالم الأرضي(87). وإذا لم يستجب إلهه لدعائه فقد يطلق فيه لسانه بالسباب ثم يقذفه آخر الأمر في النهر. ومن الأمثال الصينية المأثورة: "ليس من صانعي التماثيل والصور من يعبد الآلهة، فهم يعرفون من أية مادة تصنع(88)".
ومن أجل هذا لم يقبل الصيني العادي بحماسة على الإسلام أو المسيحية؛ فذانك الدينان يمنيانه بجنة قد وعدته إياها البوذية من قبلهما؛ ولكن الذي يريده بحق هو دين يضمن له السعادة في هذه الأرض. وإذا قيل إن في الصين مسلمين فجوابنا أن معظم الخمسة عشر مليوناً من المسلمين في الصين ليسوا في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1356
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> دين بلا كنيسة
الحقيقة صينيين، بل هم من أصول أجنبية أو أبناء أجانب(89). وقد دخلت المسيحية الصين على يد النساطرة، وكان ذلك حوالي عام 636م. وأظهر الإمبراطور ناي دزونج شيئاً من العطف عليها، وحمى الداعين لها من الاضطهاد، وبلغ من اغتباط نساطرة الصين بهذا التسامح أن أقاموا في عام 781م نصباً تذكارياً سجلوا عليه تقديرهم لهذا المتسامح المستنير، ورجاءهم أن تعم المسيحية في القريب العاجل جميع أنحاء البلاد(90).
ومن ذلك الحين ظل المبشرون اليسوعيون ذوو الغيرة الدينية والعلم الغزير، وظل المبشرون البروتستنت تؤيدهم الأموال الأمريكية التي لا ينضب لها معين، ظل هؤلاء وأولئك يبذلون أقصى جهودهم ليحققوا آمال النساطرة. فماذا كانت النتيجة ؟ إن عدد المسيحيين في الصين في هذه الأيام لا يتجاوز ثلاثة ملايين أي أن واحداً في المائة من سكان الصين قد اعتنقوا المسيحية في ألف عام كاملة .
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> دين بلا كنيسة
الحقيقة صينيين، بل هم من أصول أجنبية أو أبناء أجانب(89). وقد دخلت المسيحية الصين على يد النساطرة، وكان ذلك حوالي عام 636م. وأظهر الإمبراطور ناي دزونج شيئاً من العطف عليها، وحمى الداعين لها من الاضطهاد، وبلغ من اغتباط نساطرة الصين بهذا التسامح أن أقاموا في عام 781م نصباً تذكارياً سجلوا عليه تقديرهم لهذا المتسامح المستنير، ورجاءهم أن تعم المسيحية في القريب العاجل جميع أنحاء البلاد(90).
ومن ذلك الحين ظل المبشرون اليسوعيون ذوو الغيرة الدينية والعلم الغزير، وظل المبشرون البروتستنت تؤيدهم الأموال الأمريكية التي لا ينضب لها معين، ظل هؤلاء وأولئك يبذلون أقصى جهودهم ليحققوا آمال النساطرة. فماذا كانت النتيجة ؟ إن عدد المسيحيين في الصين في هذه الأيام لا يتجاوز ثلاثة ملايين أي أن واحداً في المائة من سكان الصين قد اعتنقوا المسيحية في ألف عام كاملة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1357
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
الفصل الخامس
حكم الأخلاق
ما للأخلاق من مكانة سامية في المجتمع الصيني - الأسرة - الأطفال-
العفة - الدعارة - العلاقات الجنسية قبل الزواج - الزواج والحب-
الاقتصار على زوجة واحدة وتعدد الزوجات - التسري - الطلاق-
إمبراطورة صينية - الحكم الأبوي للذكور - خضوع النساء للرجال - الخلق الصيني
لقد تغلبت الكنفوشية وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لها، وقاومتا هجمات كثير من أعدائهما، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً، لأن الصينيين يشعرون بأنهما لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتقاليد القوية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظل الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلا بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هو الحكومة الخفية للمجتمع الصيني من أن يحتفظ بنظامه رغم ما انتاب الدولة غير المستقرة من نوائب وما احتاجها من أعاصير سياسية. وفي ذلك يقول فلتير: "إن خير ما يعرفه الصينيون، وأكثر ما يغرسونه في نفوس أبنائهم، وما بلغوا به ذروة الكمال، هو قانونهم الأخلاقي"(92) ويقول كنفوشيوس في هذا المعنى نفسه: "إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم"(93).
وكان الصينيون يفترضون أن الغرض الذي يهدف إليه القانون الأخلاقي هو أن يحول فوضى العلاقات الجنسية إلى نظام ثابت مقرر يهدف إلى تنشئة الأبناء. فالطفل هو علة وجود الأسرة، ويرى الصينيون أن أطفال الأسرة مهما كثروا
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
الفصل الخامس
حكم الأخلاق
ما للأخلاق من مكانة سامية في المجتمع الصيني - الأسرة - الأطفال-
العفة - الدعارة - العلاقات الجنسية قبل الزواج - الزواج والحب-
الاقتصار على زوجة واحدة وتعدد الزوجات - التسري - الطلاق-
إمبراطورة صينية - الحكم الأبوي للذكور - خضوع النساء للرجال - الخلق الصيني
لقد تغلبت الكنفوشية وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لها، وقاومتا هجمات كثير من أعدائهما، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً، لأن الصينيين يشعرون بأنهما لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتقاليد القوية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظل الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلا بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هو الحكومة الخفية للمجتمع الصيني من أن يحتفظ بنظامه رغم ما انتاب الدولة غير المستقرة من نوائب وما احتاجها من أعاصير سياسية. وفي ذلك يقول فلتير: "إن خير ما يعرفه الصينيون، وأكثر ما يغرسونه في نفوس أبنائهم، وما بلغوا به ذروة الكمال، هو قانونهم الأخلاقي"(92) ويقول كنفوشيوس في هذا المعنى نفسه: "إذا قام البيت على أساس سليم أمن العالم وسلم"(93).
وكان الصينيون يفترضون أن الغرض الذي يهدف إليه القانون الأخلاقي هو أن يحول فوضى العلاقات الجنسية إلى نظام ثابت مقرر يهدف إلى تنشئة الأبناء. فالطفل هو علة وجود الأسرة، ويرى الصينيون أن أطفال الأسرة مهما كثروا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1358
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
لا يمكن أن يزيدوا على الحد الواجب المعقول: ذلك أن الأمة معرضة على الدوام لهجمات الغزاة فهي في حاجة إلى من يحميها، وإن الأرض خصبة غنية يجد ملايين الناس فيها كفايتهم؛ وإذا فرض أن اشتد تنازع البقاء بين الناس في الأسر الكبيرة والبيئات المزدحمة فإن هذا التنازع نفسه سيقضي على أضعفهم ويحتفظ بأقدرهم على الحياة، فيتضاعف عددهم ليكونوا دعامة قوية للأمة ومصدرا لعزة آبائهم وكرامتهم، يرعون قبور أسلافهم الرعاية الدينية الواجبة. ولقد صاغت عبادة الأسلاف من الأجيال المتعاقبة سلسلة قوية لا آخر لها كثيرة الحلقات تربط الأجيال بعضها ببعض وتضاعف قوتها. فكان على الزوج أن يلد أبناء ليقربوا له القربان بعد وفاته وليواظبوا في الوقت نفسه على تقريب القربان لأسلافه. وفي ذلك يقول منشيس: "ثلاثة أشياء لا يليق صدورها من الأبناء، وشرها كلها ألا يكون لهم أبناء"(94).
وكان الآباء يدعون في صلواتهم أن يرزقوا أبناء؛ وكان من أشد أسباب المذلة الدائمة للأمهات ألا يكون لهن أبناء ذكور لأن هؤلاء أقدر من البنات على العمل في الحقول وأثبت منهن جنانا في ميدان القتال؛ وكان من الشرائع المتبعة في البلاد- ولعل هذا الاعتقاد قد روعي في وضعها- ألا يسمح لغير الذكور بتقريب القربان إلى الآباء والأسلاف. وكانت البنات تعد عبئا على الآباء لأنهم يربونهن ويصبرون على تربيتهن ولا ينالهم من ذلك إلا أن يبعثوا بهن متى كبرن إلى بيوت أزواجهن ليعملن فيها ويلدن أبناء يكدون لأسر غير أسرهم. وإذا ولد للأسرة بنات أكثر من حاجتها وصادفت الأسرة الصعاب في إعالتهن تركتهن في الحقول ليقضي عليهن صقيع الليل أو الحيوانات الضارية(95) دون أن تشعر بشيء من وخز الضمير. وكان من بقي على قيد الحياة من الأبناء والبنات بعد أخطار الطفولة وأمراضها ينشئون بحنان عظيم؛ وكانت القدوة الحسنة تحل في تربيتهم محل الضرب واللكم، وكان الأقارب يتبادلون الأبناء في بعض الأحيان حتى لا يتلفهم
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
لا يمكن أن يزيدوا على الحد الواجب المعقول: ذلك أن الأمة معرضة على الدوام لهجمات الغزاة فهي في حاجة إلى من يحميها، وإن الأرض خصبة غنية يجد ملايين الناس فيها كفايتهم؛ وإذا فرض أن اشتد تنازع البقاء بين الناس في الأسر الكبيرة والبيئات المزدحمة فإن هذا التنازع نفسه سيقضي على أضعفهم ويحتفظ بأقدرهم على الحياة، فيتضاعف عددهم ليكونوا دعامة قوية للأمة ومصدرا لعزة آبائهم وكرامتهم، يرعون قبور أسلافهم الرعاية الدينية الواجبة. ولقد صاغت عبادة الأسلاف من الأجيال المتعاقبة سلسلة قوية لا آخر لها كثيرة الحلقات تربط الأجيال بعضها ببعض وتضاعف قوتها. فكان على الزوج أن يلد أبناء ليقربوا له القربان بعد وفاته وليواظبوا في الوقت نفسه على تقريب القربان لأسلافه. وفي ذلك يقول منشيس: "ثلاثة أشياء لا يليق صدورها من الأبناء، وشرها كلها ألا يكون لهم أبناء"(94).
وكان الآباء يدعون في صلواتهم أن يرزقوا أبناء؛ وكان من أشد أسباب المذلة الدائمة للأمهات ألا يكون لهن أبناء ذكور لأن هؤلاء أقدر من البنات على العمل في الحقول وأثبت منهن جنانا في ميدان القتال؛ وكان من الشرائع المتبعة في البلاد- ولعل هذا الاعتقاد قد روعي في وضعها- ألا يسمح لغير الذكور بتقريب القربان إلى الآباء والأسلاف. وكانت البنات تعد عبئا على الآباء لأنهم يربونهن ويصبرون على تربيتهن ولا ينالهم من ذلك إلا أن يبعثوا بهن متى كبرن إلى بيوت أزواجهن ليعملن فيها ويلدن أبناء يكدون لأسر غير أسرهم. وإذا ولد للأسرة بنات أكثر من حاجتها وصادفت الأسرة الصعاب في إعالتهن تركتهن في الحقول ليقضي عليهن صقيع الليل أو الحيوانات الضارية(95) دون أن تشعر بشيء من وخز الضمير. وكان من بقي على قيد الحياة من الأبناء والبنات بعد أخطار الطفولة وأمراضها ينشئون بحنان عظيم؛ وكانت القدوة الحسنة تحل في تربيتهم محل الضرب واللكم، وكان الأقارب يتبادلون الأبناء في بعض الأحيان حتى لا يتلفهم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1359
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
حب الآباء وحنانهم(96). وكان الأطفال يتركون في المنزل في الجناح الخاص بالنساء، وقلما كانوا يختلطون بالكبار من الذكور حتى يبلغوا السابعة من العمر، وبعدها يرسل الأولاد إلى المدارس إذا كانت موارد الأسرة تكفي لتعليمهم ويفصلون عن البنات فصلا تاما، حتى إذا بلغوا العاشرة لم يسمح لهم بأن يختاروا لهم رفقاء من غير الرجال والمحاظي. ولكن انتشار اللواط جعل هذا الاختيار صوريا(97).
وكانت العفة تعد من الفضائل السامية، وكان الآباء يحرصون عليها أشد الحرص في بناتهم، وقد نجحوا في غرس هذه الفضيلة في البنات نجاحا منقطع النظير، يدل عليه أن البنات الصينيات كن في بعض الأحيان يقتلن أنفسهن إذا اعتقدن أن شرفهن قد تلوث بأن مسهن رجل مصادفة(98). غير أنهم لم يبذلوا أي مجهود يرمى إلى أن يحتفظ غير المتزوج بعفته، بل كان يعد من الأمور العادية المشروعة أن يتردد على المواخير، وكان الزنا عند الرجال من الشهوات المألوفة الواسعة الانتشار، يستمتع به الرجل كما يشتهي من غير أن يناله من ورائه أي عار إلا ما ينال المفرط في أية عادة من العادات .
وكان إعداد النساء لإشباع هذه الشهوات من النظم المقررة في الصين من زمن بعيد. من ذلك أن الوزير الشهير جوان جونج وزير ولاية تشي أعد مقرا للقوادات تؤخذ فيه من التجار القادمين من الولايات الأخرى مكاسبهم قبل أن يعودوا إلى أوطانهم(101).
ويقول ماركو بولو أنه شاهد في عاصمة كوبلاي خان من العاهرات ما لا يحصى عددهم وما لا يتصور العقل جمالهن. وهؤلاء البغايا مرخص لهن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
حب الآباء وحنانهم(96). وكان الأطفال يتركون في المنزل في الجناح الخاص بالنساء، وقلما كانوا يختلطون بالكبار من الذكور حتى يبلغوا السابعة من العمر، وبعدها يرسل الأولاد إلى المدارس إذا كانت موارد الأسرة تكفي لتعليمهم ويفصلون عن البنات فصلا تاما، حتى إذا بلغوا العاشرة لم يسمح لهم بأن يختاروا لهم رفقاء من غير الرجال والمحاظي. ولكن انتشار اللواط جعل هذا الاختيار صوريا(97).
وكانت العفة تعد من الفضائل السامية، وكان الآباء يحرصون عليها أشد الحرص في بناتهم، وقد نجحوا في غرس هذه الفضيلة في البنات نجاحا منقطع النظير، يدل عليه أن البنات الصينيات كن في بعض الأحيان يقتلن أنفسهن إذا اعتقدن أن شرفهن قد تلوث بأن مسهن رجل مصادفة(98). غير أنهم لم يبذلوا أي مجهود يرمى إلى أن يحتفظ غير المتزوج بعفته، بل كان يعد من الأمور العادية المشروعة أن يتردد على المواخير، وكان الزنا عند الرجال من الشهوات المألوفة الواسعة الانتشار، يستمتع به الرجل كما يشتهي من غير أن يناله من ورائه أي عار إلا ما ينال المفرط في أية عادة من العادات .
وكان إعداد النساء لإشباع هذه الشهوات من النظم المقررة في الصين من زمن بعيد. من ذلك أن الوزير الشهير جوان جونج وزير ولاية تشي أعد مقرا للقوادات تؤخذ فيه من التجار القادمين من الولايات الأخرى مكاسبهم قبل أن يعودوا إلى أوطانهم(101).
ويقول ماركو بولو أنه شاهد في عاصمة كوبلاي خان من العاهرات ما لا يحصى عددهم وما لا يتصور العقل جمالهن. وهؤلاء البغايا مرخص لهن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1360
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
بمزاولة مهنتهن، وتنظم الدولة أمورهن وتراقبهن من الوجهة الطبية، وتقدم أجملهن دون أجر إلى أعضاء السفارات الأجنبية(202).
ونشأت فيما بعد طائفة خاصة من الفاتنان يعرفن "بالبنات المغنيات" مهنتهن أن يتحدثن حديثا مهذبا مثقفا إلى الشبان إذا أرادوا أو يستخدموهن في بيوت الأزواج لتسلية الضيوف. وكثيرا ما تكون هؤلاء الفتيات من البارعات في الأدب والفلسفة وممن يجدن الموسيقى والرقص(103).
وقد كان الرجال يستمتعون بحرية واسعة في صلاتهم بالنساء قبل الزواج، كما كانت صلات النساء المحترمات بالرجال قبل زواجهن مقيدة بأشد القيود، وكان من نتائج هذه الحرية الواسعة من جهة وهذا التقييد الشديد من جهة أخرى أن الفرصة لم تتح كثيرا لنشأة الحب العاطفي السامي. على أنه قد ظهرت كتابات تصف هذا الحب العاطفي في عهد أسرة تانج؛ وفي وسعنا أن نرى شواهد دالة على وجود هذه العاطفة منذ القرن السادس قبل الميلاد في قصة واي شنج. فقد تواعد هو وفتاة أن يلتقيا تحت قنطرة، وظل هو ينتظرها هناك بلا جدوى وإن كان الماء قد علا فوق رأسه وأغرقه(104). وما من شك في أن واي شنج كان أعرف بحقائق الأمور مما يبدو في هذه القصة، ولكن الشاعر الذي نظمها يظن هو وأمثاله من الشعراء أنه قد لا يعرف، وفي هذا الظن ما فيه من الدلالة.وقصارى القول أن الحب بوصفه عاطفة رقيقة وهياما بالمحبوب وتعلقا به كان بين الرجال بعضهم بعضا أقوى منه بين الرجال والنساء؛ والصينيون في هذا أشبه الناس باليونان(105).
ولم يكن للزواج صلة كبيرة بالحب. ولما كان الغرض من الزواج هو ربط زوجين أصحاء بعضهما ببعض لكي تنشأ من ارتباطهما أسرة كبيرة، فإن هذه الرابطة لم يكن يصح في اعتقاد الصينيين أن تترك لحكم العواطف القائم على غير أساس من العقل. ومن أجل هذا كان الآباء يحرصون على فصل الذكور عن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
بمزاولة مهنتهن، وتنظم الدولة أمورهن وتراقبهن من الوجهة الطبية، وتقدم أجملهن دون أجر إلى أعضاء السفارات الأجنبية(202).
ونشأت فيما بعد طائفة خاصة من الفاتنان يعرفن "بالبنات المغنيات" مهنتهن أن يتحدثن حديثا مهذبا مثقفا إلى الشبان إذا أرادوا أو يستخدموهن في بيوت الأزواج لتسلية الضيوف. وكثيرا ما تكون هؤلاء الفتيات من البارعات في الأدب والفلسفة وممن يجدن الموسيقى والرقص(103).
وقد كان الرجال يستمتعون بحرية واسعة في صلاتهم بالنساء قبل الزواج، كما كانت صلات النساء المحترمات بالرجال قبل زواجهن مقيدة بأشد القيود، وكان من نتائج هذه الحرية الواسعة من جهة وهذا التقييد الشديد من جهة أخرى أن الفرصة لم تتح كثيرا لنشأة الحب العاطفي السامي. على أنه قد ظهرت كتابات تصف هذا الحب العاطفي في عهد أسرة تانج؛ وفي وسعنا أن نرى شواهد دالة على وجود هذه العاطفة منذ القرن السادس قبل الميلاد في قصة واي شنج. فقد تواعد هو وفتاة أن يلتقيا تحت قنطرة، وظل هو ينتظرها هناك بلا جدوى وإن كان الماء قد علا فوق رأسه وأغرقه(104). وما من شك في أن واي شنج كان أعرف بحقائق الأمور مما يبدو في هذه القصة، ولكن الشاعر الذي نظمها يظن هو وأمثاله من الشعراء أنه قد لا يعرف، وفي هذا الظن ما فيه من الدلالة.وقصارى القول أن الحب بوصفه عاطفة رقيقة وهياما بالمحبوب وتعلقا به كان بين الرجال بعضهم بعضا أقوى منه بين الرجال والنساء؛ والصينيون في هذا أشبه الناس باليونان(105).
ولم يكن للزواج صلة كبيرة بالحب. ولما كان الغرض من الزواج هو ربط زوجين أصحاء بعضهما ببعض لكي تنشأ من ارتباطهما أسرة كبيرة، فإن هذه الرابطة لم يكن يصح في اعتقاد الصينيين أن تترك لحكم العواطف القائم على غير أساس من العقل. ومن أجل هذا كان الآباء يحرصون على فصل الذكور عن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1361
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
الإناث حتى يبحثوا هو عن زوجات لأبنائهم أو أزواج لبناتهم. وكانوا يعدون امتناع الرجل عن الزواج عيبا خلقيا، كما كانت العزوبة جريمة في حق الأسلاف وفي حق الدولة وفي حق الجنس لا تغتفر حتى لرجال الدين، وكان الصينيون في أيامهم الأولى يعينون موظفا خاصا عمله أن يتأكد من أن كل إنسان في الثلاثين من عمره متزوج وأن كل امرأة قد تزوجت قبل العشرين(106). وكان الآباء ينظمون خطبة أبنائهم وبناتهم بمعونة وسطاء محترفين (ماي- رن = وسطاء)، وكانوا يفعلون هذا عقب بلوغهم الحُلُم وقبله أحيانا وقبل أن يولدوا في بعض الأحيان(107). وكان ثمة قيود تفرض على الزواج بين الأقارب وأخرى على الزواج من غير الأقارب تحد من هذا الاختيار، منها: أن الزوج يجب أن يكون من أسرة معروفة من زمن بعيد للأب الذي يبحث عن زوجة لابنه ولكنها بعيدة النسب عنه بعدا يجعلها خارج دائرة عشيرته. وهذا القول نفسه يصدق على الزوجة. وكانت طريقة الخطبة أن يرسل والد الخطيب هدية قيمة إلى والد الفتاة، ولكن الفتاة كان ينتظر منها هي الأخرى أن تأتي ببائنة قيمة إلى زوجها تكون في الغالب على شكل متاع أو بضاعة، كما كانت الأسرتان تتبادلان في العادة كثيرا من الهدايا ذات الشأن وقت الزواج. وكانت البنت تظل في عزلة شديدة عن خطيبها حتى تزف إليه، فلم يكن زوجها المرتقب يستطيع رؤيتها إلا إذا احتال على ذلك احتيالا- ولقد كان الاحتيال مستطاعا في بعض الأحيان -، ولكنه في كثير من الحالات كان يراها أول مرة حين يرفع النقاب عن وجهها في حفلة الزفاف. وكانت هذه الحفلة من الطقوس الرمزية المعقدة، أهم ما فيها أن يحتسي العريس من الخمر ما يكفي لأن يزيل ما عساه أن ينتابه من حياء يعد في عرف الصينيين جريمة لا تغتفر(108). أما البنت فكانت تتدرب على أن تكون حيّة ومطيعة في وقت واحد. وكانت الزوجة تعيش بعد الزواج مع زوجها في بيت أبيه أو بالقرب منه، حيث تكدح كدحا في خدمة زوجها وأمه حتى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1362
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
يحين الوقت الذي يحررها فيه الموت من هذا الاسترقاق، ويتركها على استعداد لأن تفرضه هي نفسها على زوجات أبنائها.
وكان الفقراء يكتفون بزوجة واحدة، ولكن حرص الصينيين على إنجاب أبناء أقوياء كان من القوة بحيث يجعلهم يسمحون عادة للقادرين منهم بأن يتخذوا لهم سراري أو "زوجات من الدرجة الثانية". أما تعدد الزوجات فكان في نظرهم وسيلة لتحسين النسل؛ وحجتهم في هذا أن من يستطيعون القيام بنفقاته منهم هم في العادة أكثر أهل العشيرة قدرة على إنجاب الأبناء. وكانت الزوجة الأولى إذا ظلت عاقرا تحث زوجها على أن يتخذ له زوجة ثانية؛ وكثيرا ما كانت هي نفسها تتبنى ابن إحدى المحاظي. وكثيرا ما كان يحدث أن الزوجات اللاتي يرغبن في أن يحتفظن بأزواجهن داخل بيوتهن يطلبن إليهم أن يتزوجوا بالمحاظي اللاتي يؤثرونهن بالعناية وبالصلات الجنسية، وأن يأتوا بهن إلى منازلهم ويتخذونهم فيها زوجات من الدرجة الثانية(109).
ومن أجل ذلك نرى القصص والأخبار الصينية تثنى على زوجة الإمبراطور جوانج- تشو أطيب الثناء لأنها قالت: "لم أكف قط عن إرسال الرسل إلى المدن المجاورة للبحث عن النساء الجميلات لأجعلهن خليلات لمولاي"(110). وكانت الأسر ينافس بعضها بعضا في أن ينلن شرف الحظوة بإرسال إحدى بناتها إلى حريم الإمبراطور. وكان من حق الإمبراطور أن يتخذ له ثلاثة آلاف من الخصيان ليحرسوا له حريمه وليعنوا ببعض الشؤون الأخرى في بلاطه، وكان هؤلاء الخصيان يخصيهم آباؤهم في سن الثامنة ليضمنوا لهم الحصول على رزقهم(111).
ولم تكن الزوجات الثانيات في جنة الذكور هذه يفترقن كثيرا عن الإماء، كما لم تكن الزوجات الأوليات إلا رئيسات هيئة لإنتاج الأبناء والبنات، تعتمد مكانتهن في الأسرة اعتمادا يكاد يكون تاما على عدد من يلدن من الأبناء وعلى
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
يحين الوقت الذي يحررها فيه الموت من هذا الاسترقاق، ويتركها على استعداد لأن تفرضه هي نفسها على زوجات أبنائها.
وكان الفقراء يكتفون بزوجة واحدة، ولكن حرص الصينيين على إنجاب أبناء أقوياء كان من القوة بحيث يجعلهم يسمحون عادة للقادرين منهم بأن يتخذوا لهم سراري أو "زوجات من الدرجة الثانية". أما تعدد الزوجات فكان في نظرهم وسيلة لتحسين النسل؛ وحجتهم في هذا أن من يستطيعون القيام بنفقاته منهم هم في العادة أكثر أهل العشيرة قدرة على إنجاب الأبناء. وكانت الزوجة الأولى إذا ظلت عاقرا تحث زوجها على أن يتخذ له زوجة ثانية؛ وكثيرا ما كانت هي نفسها تتبنى ابن إحدى المحاظي. وكثيرا ما كان يحدث أن الزوجات اللاتي يرغبن في أن يحتفظن بأزواجهن داخل بيوتهن يطلبن إليهم أن يتزوجوا بالمحاظي اللاتي يؤثرونهن بالعناية وبالصلات الجنسية، وأن يأتوا بهن إلى منازلهم ويتخذونهم فيها زوجات من الدرجة الثانية(109).
ومن أجل ذلك نرى القصص والأخبار الصينية تثنى على زوجة الإمبراطور جوانج- تشو أطيب الثناء لأنها قالت: "لم أكف قط عن إرسال الرسل إلى المدن المجاورة للبحث عن النساء الجميلات لأجعلهن خليلات لمولاي"(110). وكانت الأسر ينافس بعضها بعضا في أن ينلن شرف الحظوة بإرسال إحدى بناتها إلى حريم الإمبراطور. وكان من حق الإمبراطور أن يتخذ له ثلاثة آلاف من الخصيان ليحرسوا له حريمه وليعنوا ببعض الشؤون الأخرى في بلاطه، وكان هؤلاء الخصيان يخصيهم آباؤهم في سن الثامنة ليضمنوا لهم الحصول على رزقهم(111).
ولم تكن الزوجات الثانيات في جنة الذكور هذه يفترقن كثيرا عن الإماء، كما لم تكن الزوجات الأوليات إلا رئيسات هيئة لإنتاج الأبناء والبنات، تعتمد مكانتهن في الأسرة اعتمادا يكاد يكون تاما على عدد من يلدن من الأبناء وعلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1363
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
جنسهن. ولما كانت الزوجة قد نشئت على الرضا بسيادة زوجها عليها فقد كان في وسعها أن تنعم بقسط متواضع من السعادة بالاندماج ببطء ويسر في النظام الرتيب الذي هيئت له والذي ينتظره الناس كلهم منها. وإذ كانت النفس البشرية كما نعلم جميعا سريعة القبول لما تنشا عليه فإن الرجل والمرأة المرتبطين برباط الزوجية في تلك البلاد كانا يعيشان كما يبدو لنا عيشة راضية سعيدة لا تقل في ذلك عن عيشة الزواج التي تعقب الحب الروائي في البلاد الغربية. وكان في وسع الرجل أن يطلق الزوجة لأي سبب كان، لعقمها أو لثرثرتها(112)، ولم يكن من حقها هي أن تطلق زوجها، بل كان لها أن تغادر داره وتعود إلى دار أبويها وإن كان هذا لا يحدث إلا في القليل النادر. على أن الطلاق كان مع ذلك قليلا، ويرجع بعض السبب في هذا إلى ما كان ينتظر المطلقة من مصير أسوأ من أن تستطيع التفكير فيه، وبعضها إلا أن الصينيين فلاسفة بطبيعتهم يرون الألم أمرا طبيعيا وإنه من مقتضيات النظام العام.
وأكبر الظن أن الأم قبل أيام كنفوشيوس كانت محور الأسرة لأنها مصدر وجودها وسلطانها. وكان الناس في أول عهودهم كما سبق القول "يعرفون أمهاتهم ولا يعرفون آباءهم"، ولا يزال اللفظ الدال على اسم أسرة الرجل مكونا من الأصل الذي اشتق منه لفظ "امرأة"(113)، واللفظ الصيني المقابل لكلمة الزوجة معناه "المساوي"، وكانت الزوجة تحتفظ باسمها بعد زواجها. وكانت النساء حتى القرن الثالث بعد الميلاد يشغلن في البلاد مناصب إدارية وتنفيذية رفيعة، وقد وصل بعضهن إلى أن يكن حاكمات للبلاد(114)؛ ولم تكن "الإمبراطورة الأم" حين قبضت بيدها على شئون الدولة إلا متتبعة لخطى الإمبراطورة "لو" التي حكمت الصين حكما صارما دام من عام 195 إلى عام 180 ق.م. وكانت "لو" قاسية لا تلين قناتها، قتلت منافسيها وأعداءها أو قضت عليهم بالسم، وكانت تغتبط بتقتيلهم وتسميمهم اغتباط آل ميديشي، وكانت تختار الملوك وتخلعهم عن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
جنسهن. ولما كانت الزوجة قد نشئت على الرضا بسيادة زوجها عليها فقد كان في وسعها أن تنعم بقسط متواضع من السعادة بالاندماج ببطء ويسر في النظام الرتيب الذي هيئت له والذي ينتظره الناس كلهم منها. وإذ كانت النفس البشرية كما نعلم جميعا سريعة القبول لما تنشا عليه فإن الرجل والمرأة المرتبطين برباط الزوجية في تلك البلاد كانا يعيشان كما يبدو لنا عيشة راضية سعيدة لا تقل في ذلك عن عيشة الزواج التي تعقب الحب الروائي في البلاد الغربية. وكان في وسع الرجل أن يطلق الزوجة لأي سبب كان، لعقمها أو لثرثرتها(112)، ولم يكن من حقها هي أن تطلق زوجها، بل كان لها أن تغادر داره وتعود إلى دار أبويها وإن كان هذا لا يحدث إلا في القليل النادر. على أن الطلاق كان مع ذلك قليلا، ويرجع بعض السبب في هذا إلى ما كان ينتظر المطلقة من مصير أسوأ من أن تستطيع التفكير فيه، وبعضها إلا أن الصينيين فلاسفة بطبيعتهم يرون الألم أمرا طبيعيا وإنه من مقتضيات النظام العام.
وأكبر الظن أن الأم قبل أيام كنفوشيوس كانت محور الأسرة لأنها مصدر وجودها وسلطانها. وكان الناس في أول عهودهم كما سبق القول "يعرفون أمهاتهم ولا يعرفون آباءهم"، ولا يزال اللفظ الدال على اسم أسرة الرجل مكونا من الأصل الذي اشتق منه لفظ "امرأة"(113)، واللفظ الصيني المقابل لكلمة الزوجة معناه "المساوي"، وكانت الزوجة تحتفظ باسمها بعد زواجها. وكانت النساء حتى القرن الثالث بعد الميلاد يشغلن في البلاد مناصب إدارية وتنفيذية رفيعة، وقد وصل بعضهن إلى أن يكن حاكمات للبلاد(114)؛ ولم تكن "الإمبراطورة الأم" حين قبضت بيدها على شئون الدولة إلا متتبعة لخطى الإمبراطورة "لو" التي حكمت الصين حكما صارما دام من عام 195 إلى عام 180 ق.م. وكانت "لو" قاسية لا تلين قناتها، قتلت منافسيها وأعداءها أو قضت عليهم بالسم، وكانت تغتبط بتقتيلهم وتسميمهم اغتباط آل ميديشي، وكانت تختار الملوك وتخلعهم عن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1364
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
عرشهم وتصلم آذان محظيات زوجها وتفقأ عيونهن ثم تلقيهن في المراحيض(115). وكان التعليم منتشرا بين نساء الطبقات العليا في الأيام القديمة وإن كان عدد من يعرفون القراءة والكتابة من الصينيين في أيام المنشو لا يكاد يبلغ واحدا في كل عشرة آلاف. وكان كثيرات من النساء يقرضن الشعر، ولقد أتمت بان جاو أخت المؤرخ بان كو الموهوبة (حوالي عام 100م) تاريخه بعد وفاته ونالت حظوة كبيرة عند الإمبراطور(117).
ولعل قيام نظام الإقطاع في الصين قد قلل من منزلة المرأة السياسية والاقتصادية في تلك البلاد، وجاء معه بنمط صارم من الأسرة الأبوية. ذلك أن الأبناء الذكور هم وزوجاتهم وأطفالهم كانوا يعيشون في العادة مع أكبر رجال الأسرة. ومع أن الأسرة كلها كانت تمتلك أرضها امتلاكا مشتركا فإنها كانت تعترف للأب بالسلطان الكامل على الأسرة وعلى أملاكها. فلما أن حل عهد كنفوشيوس كان سلطان الأب يكاد أن يكون سلطانا مطلقا في جميع الأمور، فكان في وسعه أن يبيع زوجته وأبناءه ليكونوا عبيدا، وإن لم يفعل هذا إلا إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى؛ وكان يستطيع إذا شاء أن يقتل أبناءه لا يحول بينه وبين هذا إلا حكم الرأي العام(118).وكان يتناول طعامه بمفرده لا يدعو زوجته ولا أبناءه إلى المائدة معه إلا في أوقات قليلة نادرة، وإذا مات كان ينتظر من أرملته ألا تتزوج بعده، وكان يطلب إليها في بداية الأمر أن تحرق نفسها تكريما له، وظلت حوادث من هذا النوع تقع في الصين إلى أواخر القرن التاسع عشر بعد الميلاد(119). وكان الصيني يجامل زوجته كما يجامل كل إنسان سواها، ولكنه كان في حياته بعيدا كل البعد عن زوجته وأبنائه كأنه من طبقة غير طبقتهم. وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل، وقلما كن يختلطن فيه بالرجال، وكانت الحياة الاجتماعية كلها مقصورة على الرجال إلا إذا كانت النساء من الطبقات التي يسمح لأفرادها بالاختلاط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
عرشهم وتصلم آذان محظيات زوجها وتفقأ عيونهن ثم تلقيهن في المراحيض(115). وكان التعليم منتشرا بين نساء الطبقات العليا في الأيام القديمة وإن كان عدد من يعرفون القراءة والكتابة من الصينيين في أيام المنشو لا يكاد يبلغ واحدا في كل عشرة آلاف. وكان كثيرات من النساء يقرضن الشعر، ولقد أتمت بان جاو أخت المؤرخ بان كو الموهوبة (حوالي عام 100م) تاريخه بعد وفاته ونالت حظوة كبيرة عند الإمبراطور(117).
ولعل قيام نظام الإقطاع في الصين قد قلل من منزلة المرأة السياسية والاقتصادية في تلك البلاد، وجاء معه بنمط صارم من الأسرة الأبوية. ذلك أن الأبناء الذكور هم وزوجاتهم وأطفالهم كانوا يعيشون في العادة مع أكبر رجال الأسرة. ومع أن الأسرة كلها كانت تمتلك أرضها امتلاكا مشتركا فإنها كانت تعترف للأب بالسلطان الكامل على الأسرة وعلى أملاكها. فلما أن حل عهد كنفوشيوس كان سلطان الأب يكاد أن يكون سلطانا مطلقا في جميع الأمور، فكان في وسعه أن يبيع زوجته وأبناءه ليكونوا عبيدا، وإن لم يفعل هذا إلا إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى؛ وكان يستطيع إذا شاء أن يقتل أبناءه لا يحول بينه وبين هذا إلا حكم الرأي العام(118).وكان يتناول طعامه بمفرده لا يدعو زوجته ولا أبناءه إلى المائدة معه إلا في أوقات قليلة نادرة، وإذا مات كان ينتظر من أرملته ألا تتزوج بعده، وكان يطلب إليها في بداية الأمر أن تحرق نفسها تكريما له، وظلت حوادث من هذا النوع تقع في الصين إلى أواخر القرن التاسع عشر بعد الميلاد(119). وكان الصيني يجامل زوجته كما يجامل كل إنسان سواها، ولكنه كان في حياته بعيدا كل البعد عن زوجته وأبنائه كأنه من طبقة غير طبقتهم. وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل، وقلما كن يختلطن فيه بالرجال، وكانت الحياة الاجتماعية كلها مقصورة على الرجال إلا إذا كانت النساء من الطبقات التي يسمح لأفرادها بالاختلاط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1365
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
وكان الرجل لا يفكر في زوجته إلا بوصفها أم أبنائه ولا يكرمها لجمالها أو لثقافتها بل لخصوبتها وجدها وطاعتها؛ يشهد بذلك ما كتبته السيدة بان هو- بان إحدى بنات الطبقة العليا في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها المكانة الحقة للمرأة:
نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال... وما أعدل ما يقوله في حقنا كتاب قوانين الجنسين وأصدقه: وإذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه طيلة حياتها؛ وإذا كان للمرأة زوج لا يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه أيضا طيلة حياتها"(120).
ويغني فوشوان قائلا:
ألا ما اتعس حظ المرأة
ليس في العالم كله شيء أقل قيمة منها.
إن الأولاد يقفون متكئين على الأبواب،
كأنهم آلهة سقطوا من السماء،
تتحدى قلوبهم البحار الأربعة،
والرياح والتراب آلاف الأميال؛
أما البنت فإن أحدا لا يسر بمولدها،
ولا تدخر الأسرة من ورائها شيئا،
وإذا كبرت اختبأت في حجرتها،
تخشى أن تنظر إلى وجه إنسان،
ولا يبكيها أحد إذا اختفت من منزلها -
على حين غفلة كما تختفي السحب بعد هطول الأمطار،
وهي تطأطأ رأسها وتجمل وجهها
صفحة رقم : 1366
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
وتعض بأسنانها على شفتيها،
وتنحني وتركع مرارا يخطئها الحصر.
قد يكون في هذه المقتبسات ظلم للبيت الصيني؛ نعم قد كان فيه خضوع ومذلة، وكثيرا أقام فيه النزاع بين الرجل والمرأة وبين بعض الأطفال، ولكن كان في البيت أيضا كثير من الحب والحنان، وكثير من التعاون والتآزر في الأعمال المنزلية، مما يجعل البيت مكانا طبيعيا ومستقرا صالحا للأسرة. وكانت المرأة رغم خضوعها للرجل من الناحية الاقتصادية تستمع بكامل حقها في استخدام لسانها، وكان في وسعها أن تؤنب الرجل حتى يرهبها أو يفر من وجهها كأحسن ما تستطيعه المرأة الغربية في هذه الأيام. هذا وجدير بنا أن نقول أن الأسرة ذات النظام الأبوي ليس في مقدورها أن تكون أسرة ديمقراطية، وهي أشد من ذلك عجزا عن أن يكون جميع أفرادها متساوين في الحقوق، وذلك لأن الدولة كانت تترك للأسرة مهمة القيام على النظام الاجتماعي، ولأن المنزل كان مربى للأطفال ومدرسة ومصنعا وحكومة في وقت واحد. ولم يتراخ نظام الأسرة في أمريكا إلا بعد أن ضعف شأن المنزل في المدينة وقلت أهميته بانتقال واجبات الأسرة إلى المدرسة والمصنع والدولة.
ولقد أثنى كثير من الرحالة أجمل ثناء على الخلق الذي كان ثمرة هذه النظم المنزلية. فإذا صرفنا النظر عن الحالات الشاذة الكثيرة التي تضعف كل حكم عام يمكن أن يصدره الإنسان على أي نظام اجتماعي، استطعنا أن نقول أن الصيني العادي كان مثلا يحتذى في طاعة الأبناء للآباء وإخلاصهم ووفائهم لهم وفي احترام الصغار للكبار وعنايتهم بهم عن رضا واختيار . وكان الصيني يقبل الحكم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1367
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
الأخلاقية التي جاءت في اللي- شي أو كتاب الحفلات ويعمل بما فيها من آداب اللياقة رغم مشقتها، وينظم كل ناحية من نواحي حياته حسب ما فيها من قواعد المجاملة العاطفية التي أكسبت أخلاقه من الرقة والسهولة والاتزان والكرامة ما لم ينله أمثاله من الغربيين- فقد يظهر الحمّال الذي ينقل الأقذار في الطرقات من الأدب وحسن التربية واحترام النفس أكثر مما يظهره التاجر الأجنبي الذي باعه الأفيون. ولقد تعلم الصيني فن التراضي والمصالحة واستطاع بذلك أن يستل ضغينة عدوه المغلوب. ولقد كان في بعض الأحيان عنيفا في قوله، وكان على الدوام ثرثارا، وكثيرا ما تراه قذرا أو ثملا يدمن القمار ويلتهم الطعام التهاما ، ويميل إلى ابتزاز الأموال العامة وإلى سؤال الناس في غير إلحاف(124)، يعبد إله المال عبادة وثنية مسرفة في صراحتها(125)، ويجري وراء الذهب جري الأمريكي كما نراه في صوره الساخرة، يستطيع أحيانا أن يكون قاسيا فظا غليظ القلب، إذا توالت عليه المظالم ثار أحيانا وأقدم على ضروب من السلب والتقتيل في جماعات كبيرة. ولكنه في جميع أحواله تقريبا رجل مسالم رحيم، كثير الاستعداد لمساعدة جيرانه، يحتقر المجرمين والمحاربين، مقتصد مجد مثابر على عمله وإن كان لا يعجل فيه، بسيط في أسلوب حياته لا يحب التظاهر والتصنع، شريف إلى حد كبير في معاملاته التجارية والمالية. وكان من عادته الصبر على النوائب، يستقبل النعم والنقم على السواء بحكمة ووداعة، ويتحمل الحرمان والعذاب دون أن يفقد سلطانه على نفسه، ويصبر عليهما صبر من يرى أن كل شيء مقدر عليه في الأزل، ولا يعطف قط على من يتأفف منهما على مسمع من الناس، يحزن حزنا صادقا طويلا على من يموت من أقاربه، وإذا عجز عن الفرار من الموت بجميع ما لديه من الوسائل واجهه وهو صابر صبر الفلاسفة؛ وكان
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1368
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكم الأخلاق
مرهف الشعور بالجمال بقدر ما كان قليل الشعور بالألم، وكان يزين مدائنه بالنقوش الملونة ويتنعم في حياته بأرقى أنواع الفن.
وإذا شئنا أن نفهم هذه الحضارة حق الفهم كان علينا أن ننسى، ولو إلى حين، ما تردت فيه البلاد من فوضى وعجز بسبب ضعفها في الداخل، واحتكاكها بمدافع الغرب وآلاته الضخمة القوية، وأن نراها في فترة من فترات عزها ومجدها في عهد أمراء جو أو في عهد منج هوانج أو هواي دزونج أو كانج- شي. ذلك أن الصيني في تلك الأيام أيام حب الجمال كان يمثل بلا ريب أرقى المدنيات وأنضج الثقافات اللتين شهدتهما آسية أو إن شئت فقل أية قارة من القارات.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1369
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
الفصل السادس
حكومة يثني عليها فلتير
الفرد المغمور - الحكم الذاتي - القرية والإقليم - تراخي القانون -
صرامة العقاب - الإمبراطور - الرقيب - المجالس الإدارية - الإعداد
للمناصب العامة - الترشيح بالتعليم - نظام الامتحانات - عيوبه - وفضائله
إن أكثر ما يروعنا في هذه الحضارة هو نظام حكومتها. وإذا كانت الدولة المثالية هي التي تجمع بين الديمقراطية والأرستقراطية فإن الصينيين قد أنشأوا هذه الدولة منذ ألف عام أو تزيد؛ وإذا كانت خير الحكومات هي أقلها حكما، فقد كانت حكومة الصين خير حكومات العالم على الإطلاق. ولم يشهد التاريخ قط حكومة كان لها رعايا أكثر من رعايا الحكومة الصينية أو كانت في حكمها أطول عهدا وأقل سيطرة من تلك الحكومة.
ولسنا نقصد بهذا أن الفردية أو الحرية الفردية كان لها شأن عظيم في بلاد الصين؛ ذلك أن فكرة الفردية كانت ضعيفة في تلك البلاد وأن الفرد كان مغمورا في الجماعات التي ينتمي إليها. فقد كان أولا عضوا من أعضاء أسرة، ووحدة عابرة في موكب الحياة بين أسلافه وأخلافه؛ وكانت القوانين والعادات تحمله تبعة أعمال غيره من أفراد أسرته كما يحملون هم تبعة أعماله؛ وكان فضلا عن هذا ينتمي عادة على جمعية سرية، وإذا كان من سكان الحواضر فانه ينتمي إلى نقابة من نقابات الحرف.
وهذه كلها أمور تحد من حقه في أن يفعل ما يشاء. وكان يحيط به فضلا عن هذا طائفة من العادات القديمة ويهدده رأي عام قوي بالطرد من البلاد إذا خرج على أخلاق الجماعة أو تقاليدها خروجا خطيرا. وكانت قوة هذه النظم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1370
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
الشعبية التي نشأت بطبيعتها من حاجات الناس وتعاونهم الاختياري هي التي مكنت الصين من أن تحتفظ بنظامها واستقرارها رغم ما يشوب القانون والدولة من لين وضعف.
ولكن الصينيين ظلوا أحرارا من الناحيتين السياسية والاقتصادية في داخل هذا الإطار من نظم الحكم الذاتي التي أقاموها بأنفسهم لأنفسهم.
لقد كانت المسافات الشاسعة التي تفصل كل مدينة عن الأخرى وتفصل المدن كلها عن عاصمة الإمبراطورية، والجبال الشامخة والصحاري الواسعة والمجاري التي تتعذر فيها الملاحة أو لا تقوم عليها القناطر، وانعدام وسائل النقل والاتصال السريع وصعوبة تموين جيش كبير يكفي لفرض سلطان الحكومات المركزية على شعب تبلغ عدته أربعمائة مليون من الأنفس - كانت هذه كلها عوامل تضطر الدولة لأن تترك لكل إقليم من أقاليمها استقلالا ذاتيا يكاد أن يكون كاملا من كل الوجوه.
وكانت وحدة الإدارة المحلية هي القرية يحكمها حكما متراخيا رؤساء العشائر بإشراق "زعيم" منهم ترشحه الحكومة. وكانت كل طائفة من القرى مجتمعة حول بلدة كبيرة تؤلف "بينا" أي مقاطعة بلغت عدتها في الصين نحو ألف وثلاثمائة. ويتألف من كل بينين أو أكثر تحكمهما معا مدينة "فو"، ومن كل فوين أو ثلاثة "داو" أي دائرة، ومن كل داوين أو أكثر "شنج" أي إقليم. وكانت الإمبراطورية في عهد المنشو تتألف من ثمانية عشر من هذه الأقاليم. وكانت الدولة تعين من قبلها موظفا في كل بين يدير شئونه، ويجبى ضرائبه، ويفصل في قضاياه، وتعين موظفا آخر في كل فو وآخر في كل داو؛ كما تعين قاضيا، وخازنا لبيت المال، وحاكما، ونائبا للإمبراطور أحيانا في كل إقليم(127). ولكن هؤلاء الموظفين كانوا يقنعون أحيانا بجباية الضرائب والفروض الأخرى
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
الشعبية التي نشأت بطبيعتها من حاجات الناس وتعاونهم الاختياري هي التي مكنت الصين من أن تحتفظ بنظامها واستقرارها رغم ما يشوب القانون والدولة من لين وضعف.
ولكن الصينيين ظلوا أحرارا من الناحيتين السياسية والاقتصادية في داخل هذا الإطار من نظم الحكم الذاتي التي أقاموها بأنفسهم لأنفسهم.
لقد كانت المسافات الشاسعة التي تفصل كل مدينة عن الأخرى وتفصل المدن كلها عن عاصمة الإمبراطورية، والجبال الشامخة والصحاري الواسعة والمجاري التي تتعذر فيها الملاحة أو لا تقوم عليها القناطر، وانعدام وسائل النقل والاتصال السريع وصعوبة تموين جيش كبير يكفي لفرض سلطان الحكومات المركزية على شعب تبلغ عدته أربعمائة مليون من الأنفس - كانت هذه كلها عوامل تضطر الدولة لأن تترك لكل إقليم من أقاليمها استقلالا ذاتيا يكاد أن يكون كاملا من كل الوجوه.
وكانت وحدة الإدارة المحلية هي القرية يحكمها حكما متراخيا رؤساء العشائر بإشراق "زعيم" منهم ترشحه الحكومة. وكانت كل طائفة من القرى مجتمعة حول بلدة كبيرة تؤلف "بينا" أي مقاطعة بلغت عدتها في الصين نحو ألف وثلاثمائة. ويتألف من كل بينين أو أكثر تحكمهما معا مدينة "فو"، ومن كل فوين أو ثلاثة "داو" أي دائرة، ومن كل داوين أو أكثر "شنج" أي إقليم. وكانت الإمبراطورية في عهد المنشو تتألف من ثمانية عشر من هذه الأقاليم. وكانت الدولة تعين من قبلها موظفا في كل بين يدير شئونه، ويجبى ضرائبه، ويفصل في قضاياه، وتعين موظفا آخر في كل فو وآخر في كل داو؛ كما تعين قاضيا، وخازنا لبيت المال، وحاكما، ونائبا للإمبراطور أحيانا في كل إقليم(127). ولكن هؤلاء الموظفين كانوا يقنعون أحيانا بجباية الضرائب والفروض الأخرى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1371
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
والفصل في المنازعات التي يعجز المحكمون عن تسويتها بالحسنى، ويتركون حفظ النظام لسلطان العادة وللأسرة والعشيرة والنقابة الطائفية. وكان كل إقليم ولاية شبه مستقلة لا تتدخل الحكومة الإمبراطورية في أعمالها، ولا تفرض عليها شرائعها طالما كانت تدفع حصتها من الضرائب وتحافظ على الأمن والنظام في داخل حدودها. وكان انعدام وسائل الاتصال السهلة مما جعل الحكومة المركزية فكرة معنوية أكثر منها حقيقة واقعية. ومما جعل عواطف الأهلين الوطنية تنصرف في دوائرهم وأقاليمهم، ولا تتسع إلا في القليل النادر حتى تشمل الإمبراطورية بوجه عام.
وفي هذا البناء غير المحكم كان القانون ضعيفا، بغيضا، متباينا. وكان الناس يفضلون أن تحكمهم عاداتهم وتقاليدهم، وأن يسووا نزاعهم بالتراضي خارج دور القضاء. وكانوا يعبرون عن آرائهم في التقاضي بمثل هذه الحكم والأمثال القصيرة القوية: "قاض برغوثا يعضك" و "اكسب قضيتك تخسر مالك". وكانت تمر سنين على كثير من المدن التي تبلغ عدة أهلها آلافاً مؤلفة لا ترفع فيها قضية واحدة إلى المحاكم(128) وكانت قوانين البلاد قد جمعت في عهد أباطرة تانج ولكنها كلها اقتصرت تقريبا على الجرائم ولم تبذل محاولات جدية لوضع قانون مدني. وكانت المحاكمات بسيطة سهلة لأن المحامي لم يكن يسمح له بمناقشة الخصم داخل المحكمة، وإن كان في استطاعة كتاب مرخصين من الدولة أن يعدوا في بعض الأحيان تقارير بالنيابة عن المتقاضين ويتلوها على القاضي(129). ولم يكن هناك نظام للمحلفين، ولم يكن في نصوص القوانين ما يحمي الفرد من أن يقبض عليه موظفو الدولة على حين غفلة ويعتقلوه. وكانت تؤخذ بصمات أصابع المتهمين(130)، ويلجأ أحيانا إلى تعذيبهم لكي يقروا بجرائمهم، ولم يكن هذا التعذيب الجسمي ليزيد إلا قليلا على ما يتبع الآن لهذا الغرض عينه في أكثر المدن رقيا. وكان العقاب صارما، وإن لم يكن أشّد وحشية مما كان في معظم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1372
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
بلاد القارة الآسيوية؛ وكان أوله قص الشعر ويليه الضرب ثم النفي من البلاد ثم الإعدام. وإذا كان المتهم ذا فضائل غير معهودة أو كان من طبقة راقية سمح له أن ينتحر(131). وكانت العقوبات تخفف أحيانا تخفيفا كريما، وكان حكم الإعدام لا يصدر في الأوقات العادية إلا من الإمبراطور نفسه. وكان الناس جميعا من الناحية النظرية سواسية أمام القانون، شأنهم في هذا كشأننا نحن في هذه الأيام. ولكن هذه القوانين لم تمنع السطو في الطرق العامة أو الارتشاء في وظائف الدولة ودور القضاء، غير أنها كان لها قسط متواضع في معاونة الأسرة والعادات الموروثة في أن تهب الصين درجة من النظام الاجتماعي والأمن والاطمئنان الشخصي لم تضارعها فيها أمة أخرى قبل القرن العشرين(132).
وكان الإمبراطور يشرف على هذه الملايين الكثيرة من فوق عرشه المزعزع. وكان يحكم من الوجهة النظرية بحقه المقدس؛ فقد كان هو "ابن السماء" وممثل الكائن الأعلى في هذه الأرض. وبفضل سلطانه الإلهي هذا كانت له السيطرة على الفصول وكان يأمر الناس أن يوفقوا بين أعمالهم وبين النظام السماوي المسيطر على العالم، وكانت كلمته هي القانون وأحكامه هي القضاء الذي لا مرد له. وكان المدبر لشؤون الدولة ورئيس ديانتها، يعين جميع موظفيها ويمتحن المتسابقين لأعلى مناصبها ويختار من يخلفه على العرش. لكن سلطانه كان يحده من الوجهة العملية القانون والعادات المرعية، فكان ينتظر منه أن يحكم من غير أن يخرج على النظم التي انحدرت من الماضي المقدس. وكان معرضا في أي وقت لأن يعزَّر على يد رجل ذي مقام كبير يسمى بالرقيب؛ وكان في واقع الأمر محوطاً بحلقة قوية من المستشارين والمبعوثين من مصلحته أن يعمل بمشورتهم، وإذا ظلم أو فسد حكمه خسر بحكم العادات المرعية وباتفاق أهل الدولة "تفويض السماء"، وأمكن
صفحة رقم : 1373
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
خلعه بالقوة من غير أن يعد ذلك خروجا على الدين أو الأخلاق.
وكان الرقيب رئيس مجلس مهمته التفتيش على جميع الموظفين في أثناء قيامهم بواجباتهم، ولم يكن الإمبراطور نفسه بمنجاة من إشرافه. وقد حدث مرارا في تاريخ الصين أن عزر الرقيب الإمبراطور نفسه. من ذلك أن الرقيب سونج أشار على الإمبراطور جياه تشنج (1196-1821)، بالاحترام اللائق بمقامه العظيم طبعا، أن يراعى جانب الاعتدال في صلاته بالممثلين وبتعاطي المسكرات. فما كان من جياه تشنج إلا أن استدعى سونج للمثول أمامه، وسأله وهو غاضب أي عقاب يليق أن يوقع على من كان موظفا وقحا مثله، فأجابه سونج: "الموت بتقطيع جسمه إرباً". ولما أمره الإمبراطور باختيار عقاب أخف من هذا أجابه بقوله "إذن فليقطع رأسي" فطلب إليه مرة أخرى أن يختار عقابا أخف فاختار أن يقتل خنقا. وأعجب الإمبراطور بشجاعته وخشي وجوده بالقرب منه فعينه حاكما على إقليم إيلي(134).
وأضحت الحكومة المركزية على مر الزمن أداة إدارية شديدة التعقيد. وكان أقرب الهيئات إلى العرش المجلس الأعلى، ويتكون من أربعة "وزراء كبار" يرأسهم في العادة أمير من أمراء الأسرة المالكة. وكان يجتمع بحكم العادة في كل يوم في ساعات الصباح المبكرة لينظر في شؤون الدولة السياسية. وكان يعلو عنه في المنزلة، ولكن يقل عنه في السلطان، هيئة أخرى من المستشارين يسمون "بالديوان الداخلي". وكان يشرف على الأعمال الإدارية "ستة مجالس" للشؤون المدنية، والدخل، والاحتفالات، والحرب، والعقوبات، والأشغال العامة؛ وكان ثمة إدارة للمستعمرات تصرف شؤون الأقاليم النائية مثل منغوليا، وسنكيانج والتبت. ولكنها لم تكن لها إدارة للشؤون الخارجية لأن الصين لم تكن تعترف بأن في العالم دولة مساوية لها، ومن أجل ذلك لم تنشئ في
صفحة رقم : 1374
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
بلادها للاتصال بها غير ما وضعته من النظم لاستقبال البعوث التي تحمل لها الخراج.
وكان أكبر أسباب ضعف الحكومة قلة مواردها وضعف وسائل الدفاع عن أراضيها ورفضها كل اتصال بالعالم الخارجي يعود عليها بالنفع. لقد فرضت الضرائب على أراضيها، واحتكرت بيع الملح، وعطلت نماء التجارة بما فرضته بعد عام 1821 من عوائد على انتقال البضائع على طرق البلاد الرئيسية، ولكن فقر السكان، وما كانت تعانيه من الصعاب في جباية الضرائب والمكوس، وما يتصف به الجباة من الخيانة، كل هذا قد ترك خزانة الدولة عاجزة عن الوفاء بحاجات القوى البحرية والبرية التي كان في وسعها لولا هذا العجز أن تنقذ البلاد من مذلة الغزو والهزيمة . ولعل أهم أسباب هزائمها هو فساد موظفي حكومتها؛ وذلك أن ما كان يتصف به موظفوها من جدارة وأمانة قد ضعف في خلال القرن التاسع عشر فأضحت البلاد تعوزها الزعامة الرشيدة في الوقت الذي كانت فيه نصف ثروة العالم ونصف قواه يتجمعان لسل استقلالها وانتهاب مواردها والقضاء على أنظمتها.
بيد أن أولئك الموظفين كانوا يختارون بوسيلة لا مثيل لها في دقتها وتعد في جملتها أجدر وسائل الاختيار بالإعجاب والتقدير، وخير ما وصل إليه العالم من الوسائل لاختيار الخدام العموميين. لقد كانت وسيلة جديرة بإعجاب أفلاطون، ولا تزال رغم عجزها وتخلي الصين عنها تقرب الصين إلى قلوب الفلاسفة. وكانت
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
بلاد القارة الآسيوية؛ وكان أوله قص الشعر ويليه الضرب ثم النفي من البلاد ثم الإعدام. وإذا كان المتهم ذا فضائل غير معهودة أو كان من طبقة راقية سمح له أن ينتحر(131). وكانت العقوبات تخفف أحيانا تخفيفا كريما، وكان حكم الإعدام لا يصدر في الأوقات العادية إلا من الإمبراطور نفسه. وكان الناس جميعا من الناحية النظرية سواسية أمام القانون، شأنهم في هذا كشأننا نحن في هذه الأيام. ولكن هذه القوانين لم تمنع السطو في الطرق العامة أو الارتشاء في وظائف الدولة ودور القضاء، غير أنها كان لها قسط متواضع في معاونة الأسرة والعادات الموروثة في أن تهب الصين درجة من النظام الاجتماعي والأمن والاطمئنان الشخصي لم تضارعها فيها أمة أخرى قبل القرن العشرين(132).
وكان الإمبراطور يشرف على هذه الملايين الكثيرة من فوق عرشه المزعزع. وكان يحكم من الوجهة النظرية بحقه المقدس؛ فقد كان هو "ابن السماء" وممثل الكائن الأعلى في هذه الأرض. وبفضل سلطانه الإلهي هذا كانت له السيطرة على الفصول وكان يأمر الناس أن يوفقوا بين أعمالهم وبين النظام السماوي المسيطر على العالم، وكانت كلمته هي القانون وأحكامه هي القضاء الذي لا مرد له. وكان المدبر لشؤون الدولة ورئيس ديانتها، يعين جميع موظفيها ويمتحن المتسابقين لأعلى مناصبها ويختار من يخلفه على العرش. لكن سلطانه كان يحده من الوجهة العملية القانون والعادات المرعية، فكان ينتظر منه أن يحكم من غير أن يخرج على النظم التي انحدرت من الماضي المقدس. وكان معرضا في أي وقت لأن يعزَّر على يد رجل ذي مقام كبير يسمى بالرقيب؛ وكان في واقع الأمر محوطاً بحلقة قوية من المستشارين والمبعوثين من مصلحته أن يعمل بمشورتهم، وإذا ظلم أو فسد حكمه خسر بحكم العادات المرعية وباتفاق أهل الدولة "تفويض السماء"، وأمكن
صفحة رقم : 1373
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
خلعه بالقوة من غير أن يعد ذلك خروجا على الدين أو الأخلاق.
وكان الرقيب رئيس مجلس مهمته التفتيش على جميع الموظفين في أثناء قيامهم بواجباتهم، ولم يكن الإمبراطور نفسه بمنجاة من إشرافه. وقد حدث مرارا في تاريخ الصين أن عزر الرقيب الإمبراطور نفسه. من ذلك أن الرقيب سونج أشار على الإمبراطور جياه تشنج (1196-1821)، بالاحترام اللائق بمقامه العظيم طبعا، أن يراعى جانب الاعتدال في صلاته بالممثلين وبتعاطي المسكرات. فما كان من جياه تشنج إلا أن استدعى سونج للمثول أمامه، وسأله وهو غاضب أي عقاب يليق أن يوقع على من كان موظفا وقحا مثله، فأجابه سونج: "الموت بتقطيع جسمه إرباً". ولما أمره الإمبراطور باختيار عقاب أخف من هذا أجابه بقوله "إذن فليقطع رأسي" فطلب إليه مرة أخرى أن يختار عقابا أخف فاختار أن يقتل خنقا. وأعجب الإمبراطور بشجاعته وخشي وجوده بالقرب منه فعينه حاكما على إقليم إيلي(134).
وأضحت الحكومة المركزية على مر الزمن أداة إدارية شديدة التعقيد. وكان أقرب الهيئات إلى العرش المجلس الأعلى، ويتكون من أربعة "وزراء كبار" يرأسهم في العادة أمير من أمراء الأسرة المالكة. وكان يجتمع بحكم العادة في كل يوم في ساعات الصباح المبكرة لينظر في شؤون الدولة السياسية. وكان يعلو عنه في المنزلة، ولكن يقل عنه في السلطان، هيئة أخرى من المستشارين يسمون "بالديوان الداخلي". وكان يشرف على الأعمال الإدارية "ستة مجالس" للشؤون المدنية، والدخل، والاحتفالات، والحرب، والعقوبات، والأشغال العامة؛ وكان ثمة إدارة للمستعمرات تصرف شؤون الأقاليم النائية مثل منغوليا، وسنكيانج والتبت. ولكنها لم تكن لها إدارة للشؤون الخارجية لأن الصين لم تكن تعترف بأن في العالم دولة مساوية لها، ومن أجل ذلك لم تنشئ في
صفحة رقم : 1374
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
بلادها للاتصال بها غير ما وضعته من النظم لاستقبال البعوث التي تحمل لها الخراج.
وكان أكبر أسباب ضعف الحكومة قلة مواردها وضعف وسائل الدفاع عن أراضيها ورفضها كل اتصال بالعالم الخارجي يعود عليها بالنفع. لقد فرضت الضرائب على أراضيها، واحتكرت بيع الملح، وعطلت نماء التجارة بما فرضته بعد عام 1821 من عوائد على انتقال البضائع على طرق البلاد الرئيسية، ولكن فقر السكان، وما كانت تعانيه من الصعاب في جباية الضرائب والمكوس، وما يتصف به الجباة من الخيانة، كل هذا قد ترك خزانة الدولة عاجزة عن الوفاء بحاجات القوى البحرية والبرية التي كان في وسعها لولا هذا العجز أن تنقذ البلاد من مذلة الغزو والهزيمة . ولعل أهم أسباب هزائمها هو فساد موظفي حكومتها؛ وذلك أن ما كان يتصف به موظفوها من جدارة وأمانة قد ضعف في خلال القرن التاسع عشر فأضحت البلاد تعوزها الزعامة الرشيدة في الوقت الذي كانت فيه نصف ثروة العالم ونصف قواه يتجمعان لسل استقلالها وانتهاب مواردها والقضاء على أنظمتها.
بيد أن أولئك الموظفين كانوا يختارون بوسيلة لا مثيل لها في دقتها وتعد في جملتها أجدر وسائل الاختيار بالإعجاب والتقدير، وخير ما وصل إليه العالم من الوسائل لاختيار الخدام العموميين. لقد كانت وسيلة جديرة بإعجاب أفلاطون، ولا تزال رغم عجزها وتخلي الصين عنها تقرب الصين إلى قلوب الفلاسفة. وكانت
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1375
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
هذه الطريقة من الناحية النظرية توفق أحسن التوفيق بين المبادئ الأرستقراطية والديمقراطية: فهي تمنح الناس جميعا فرصة متكافئة لإعداد أنفسهم للمناصب العامة، ولكنها لا تفتح أبواب المناصب إلا لمن أعدوا أنفسهم لها. ولقد أنتجت خير النتائج من الوجهة العملية مدى ألف عام.
وكانت بداية هذه الطريقة في مدارس القرى - وهي معاهد خاصة ساذجة لا تزيد قليلا على حجرة واحدة في كوخ صغير - كان يقوم فيها معلم واحد بتعليم أبناء أسر القرية تعليما أوليا ينفق عليه بما يؤديه هؤلاء الأبناء من أجر ضئيل. أما النصف الفقير من السكان فقد ظل أبناؤه أميين(137). ولم تكن الدولة هي التي تنفق على تلك المدارس، ولم يكن الكهنة هم الذين يديرونها، ذلك أن التعليم قد بقى في الصين كما بقى الزواج فيه مستقلا عن الدين لا صلة بينهما سوى أن الكنفوشية كانت عقيدة المعلمين. وكانت أوقات الدراسة طويلة كما كان النظام صارما في هذه المدارس المتواضعة. فكان الأطفال يأتون إلى المعلم في مطلع الشمس ويدرسون معه حتى الساعة العاشرة، ثم يفطرون ويواصلون الدرس حتى الساعة الخامسة، ثم ينصرفون بقية النهار. وكانت العطلات قليلة العدد قصيرة الأجل، وكانت الدراسة تعطل بعد الظهر في فصل الصيف، ولكن هذا الفراغ الذي كان يصرف في العمل في الحقول كان يعوض بفصول مسائية في ليالي الشتاء. وكان أهم ما يتعلمه الأطفال كتابات كنفوشيوس وشعر تانج؛ وكانت أداة المعلم عصا من الخيزران. وكانت طريقة التعليم الحفظ عن ظهر قلب؛ فكان الأطفال الصغار يواصلون حفظ فلسفة المعلم كونج ويناقشون فيها مدرسهم حتى ترسخ كل كلمة من كلماته في ذاكرتهم وحتى يستقر بعضها في قلوبهم. وكانت الصين تأمل أن يتمكن جميع أبنائها، ومنهم الزراع أنفسهم، بهذه الطريقة القاسية الخالية من اللذة أن يصبحوا فلاسفة وسادة مهذبين،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
هذه الطريقة من الناحية النظرية توفق أحسن التوفيق بين المبادئ الأرستقراطية والديمقراطية: فهي تمنح الناس جميعا فرصة متكافئة لإعداد أنفسهم للمناصب العامة، ولكنها لا تفتح أبواب المناصب إلا لمن أعدوا أنفسهم لها. ولقد أنتجت خير النتائج من الوجهة العملية مدى ألف عام.
وكانت بداية هذه الطريقة في مدارس القرى - وهي معاهد خاصة ساذجة لا تزيد قليلا على حجرة واحدة في كوخ صغير - كان يقوم فيها معلم واحد بتعليم أبناء أسر القرية تعليما أوليا ينفق عليه بما يؤديه هؤلاء الأبناء من أجر ضئيل. أما النصف الفقير من السكان فقد ظل أبناؤه أميين(137). ولم تكن الدولة هي التي تنفق على تلك المدارس، ولم يكن الكهنة هم الذين يديرونها، ذلك أن التعليم قد بقى في الصين كما بقى الزواج فيه مستقلا عن الدين لا صلة بينهما سوى أن الكنفوشية كانت عقيدة المعلمين. وكانت أوقات الدراسة طويلة كما كان النظام صارما في هذه المدارس المتواضعة. فكان الأطفال يأتون إلى المعلم في مطلع الشمس ويدرسون معه حتى الساعة العاشرة، ثم يفطرون ويواصلون الدرس حتى الساعة الخامسة، ثم ينصرفون بقية النهار. وكانت العطلات قليلة العدد قصيرة الأجل، وكانت الدراسة تعطل بعد الظهر في فصل الصيف، ولكن هذا الفراغ الذي كان يصرف في العمل في الحقول كان يعوض بفصول مسائية في ليالي الشتاء. وكان أهم ما يتعلمه الأطفال كتابات كنفوشيوس وشعر تانج؛ وكانت أداة المعلم عصا من الخيزران. وكانت طريقة التعليم الحفظ عن ظهر قلب؛ فكان الأطفال الصغار يواصلون حفظ فلسفة المعلم كونج ويناقشون فيها مدرسهم حتى ترسخ كل كلمة من كلماته في ذاكرتهم وحتى يستقر بعضها في قلوبهم. وكانت الصين تأمل أن يتمكن جميع أبنائها، ومنهم الزراع أنفسهم، بهذه الطريقة القاسية الخالية من اللذة أن يصبحوا فلاسفة وسادة مهذبين،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1376
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
وكان الصبي يخرج من المدرسة ذا علم قليل وإدراك كبير، جاهلا بالحقائق ناضج العقل .
وكان هذا التعليم هو الأساس الذي أقامت عليه الصين - في عهد أسرة هان على سبيل التجربة وفي عهد أسرة تانج بصفة نهائية - نظام تولي المناصب العامة بالامتحان. ومن أقوال الصينيين في هذا: إن من أضر الأمور بالشعب أن يتعلم حكامه طرق الحكم بالحكم نفسه، وإن من واجبهم كلما استطاعوا أن يتعلموا طرق الحكم قبل أن يحكموا، ومن أضر الأمور بالشعب أن يحال بينه وبين تولي المناصب العامة وأن يصبح الحكم امتيازا تتوارثه فئة قليلة من أبناء الأمة؛ ولكن من الخير للشعب أن تقصر المناصب على من أعدوا لها بفضل مواهبهم وتدريبهم. وكان الحل الذي عرضته الصين لمشكلة الحكمة القديمة المستعصية هي أن تتيح لكل الرجال ديمقراطيا فرصة متكافئة لأن يدربوا هذا التدريب، وأن تقصر الوظائف أرستقراطيا على من يثبتون أنهم أليق الناس لأن يتولوها. ومن أجل هذا كانت تعقد في أوقات معينة امتحانات عامة في كل مركز من المراكز يتقدم إليها كل من شاء من الذكور متى كانوا في سن معينة.
وكان المتقدم إلى الامتحان يمتحن في قوة تذكره وفهمه لكتابات كنفوشيوس وفي مقدار ما يعرف من الشعر الصيني ومن تاريخ الصين، وفي قدرته على أن يكتب أبحاثا في السياسة والأخلاق كتابة تدل على الفهم والذكاء. وكان في وسع من يخفق في الامتحان أن يعيد الدرس ويتقدم إليه مرة أخرى، ومن نجح منح درجة شيو دزاي التي تؤهله لأن يكون عضوا في طبقة الأدباء ولأن يعين في
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
وكان الصبي يخرج من المدرسة ذا علم قليل وإدراك كبير، جاهلا بالحقائق ناضج العقل .
وكان هذا التعليم هو الأساس الذي أقامت عليه الصين - في عهد أسرة هان على سبيل التجربة وفي عهد أسرة تانج بصفة نهائية - نظام تولي المناصب العامة بالامتحان. ومن أقوال الصينيين في هذا: إن من أضر الأمور بالشعب أن يتعلم حكامه طرق الحكم بالحكم نفسه، وإن من واجبهم كلما استطاعوا أن يتعلموا طرق الحكم قبل أن يحكموا، ومن أضر الأمور بالشعب أن يحال بينه وبين تولي المناصب العامة وأن يصبح الحكم امتيازا تتوارثه فئة قليلة من أبناء الأمة؛ ولكن من الخير للشعب أن تقصر المناصب على من أعدوا لها بفضل مواهبهم وتدريبهم. وكان الحل الذي عرضته الصين لمشكلة الحكمة القديمة المستعصية هي أن تتيح لكل الرجال ديمقراطيا فرصة متكافئة لأن يدربوا هذا التدريب، وأن تقصر الوظائف أرستقراطيا على من يثبتون أنهم أليق الناس لأن يتولوها. ومن أجل هذا كانت تعقد في أوقات معينة امتحانات عامة في كل مركز من المراكز يتقدم إليها كل من شاء من الذكور متى كانوا في سن معينة.
وكان المتقدم إلى الامتحان يمتحن في قوة تذكره وفهمه لكتابات كنفوشيوس وفي مقدار ما يعرف من الشعر الصيني ومن تاريخ الصين، وفي قدرته على أن يكتب أبحاثا في السياسة والأخلاق كتابة تدل على الفهم والذكاء. وكان في وسع من يخفق في الامتحان أن يعيد الدرس ويتقدم إليه مرة أخرى، ومن نجح منح درجة شيو دزاي التي تؤهله لأن يكون عضوا في طبقة الأدباء ولأن يعين في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1377
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
المناصب الصغرى في الحكومة الإقليمية؛ وأهم من هذا أن يكون من حقه أن يتقدم إما مباشرة أو بعد استعداد جديد لامتحان آخر يعقد في الأقاليم كل ثلاث سنوات شبيه بالأول ولكنه أصعب منه. ومن خفق فيه أجاز أن يتقدم إليه مرة أخرى؛ وكان يفعل ذلك كثيرون من المتقدمين فكان يجتازه في بعض الأحيان رجال جاوزا الثمانين وظلوا طوال حياتهم يدرسون، وكثيرا ما مات الناس وهم يتأهبون لدخول هذه الامتحانات. وكان الذين ينجحون يختارون للوظائف الحكومية الصغرى، كما كان من حقهم أن يتقدموا للامتحان النهائي الشديد الذي يعقد في بكين. وكان في تلك المدينة ردهة للامتحان العام تحتوي على عشرة آلاف حجرة انفرادية يقضى فيها المتسابقون ثلاثة أيام متفرقة في عزلة تامة، ومعهم طعامهم وفراشهم، يكتبون مقالات أو رسائل في موضوعات تعلم لهم بعد دخولهم. وكانت هذه الغرف خالية من وسائل التدفئة والراحة رديئة - الإضاءة غير صحية لأن الروح لا الجسم - في رأيهم - هي التي يجب أن تكون موضع الاهتمام! وكان من الموضوعات المألوفة في هذه الامتحانات أن ينشئ المتقدم قصيدة في: "صوت المجاديف والتلال الخضراء والماء"، وأن يكتب مقالا عن الفقرة الآتية من كتابات كنفوشيوس. قال دزانج دزي: "من يك ذا كفاية ويسأل من لا كفاية له؛ ومن يك ذا علم كثير ويسأل من لا يعلم إلا القليل؛ ومن يملك ثم يتظاهر بأنه لا يملك؛ ومن يمتلئ ثم يبدي أنه فارغ" ولم يكن في أي امتحان من هذه الامتحانات كلمة واحدة عن العلوم أو الأعمال التجارية أو الصناعية؛ لأنها لم تكن تهدف إلى تبين علم الرجل بل ترمي إلى معرفة ما له من حكم صادق وخلق قويم. وكان كبار موظفي الدولة يختارون من الناجحين في هذا الامتحان النهائي.
وتبين على مر الزمن ما تنطوي عليه هذه الطريقة من عيوب. فقد وجد الغش سبيله إلى الحكم في الامتحان، وإن كان الغش في الامتحان أو في
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
المناصب الصغرى في الحكومة الإقليمية؛ وأهم من هذا أن يكون من حقه أن يتقدم إما مباشرة أو بعد استعداد جديد لامتحان آخر يعقد في الأقاليم كل ثلاث سنوات شبيه بالأول ولكنه أصعب منه. ومن خفق فيه أجاز أن يتقدم إليه مرة أخرى؛ وكان يفعل ذلك كثيرون من المتقدمين فكان يجتازه في بعض الأحيان رجال جاوزا الثمانين وظلوا طوال حياتهم يدرسون، وكثيرا ما مات الناس وهم يتأهبون لدخول هذه الامتحانات. وكان الذين ينجحون يختارون للوظائف الحكومية الصغرى، كما كان من حقهم أن يتقدموا للامتحان النهائي الشديد الذي يعقد في بكين. وكان في تلك المدينة ردهة للامتحان العام تحتوي على عشرة آلاف حجرة انفرادية يقضى فيها المتسابقون ثلاثة أيام متفرقة في عزلة تامة، ومعهم طعامهم وفراشهم، يكتبون مقالات أو رسائل في موضوعات تعلم لهم بعد دخولهم. وكانت هذه الغرف خالية من وسائل التدفئة والراحة رديئة - الإضاءة غير صحية لأن الروح لا الجسم - في رأيهم - هي التي يجب أن تكون موضع الاهتمام! وكان من الموضوعات المألوفة في هذه الامتحانات أن ينشئ المتقدم قصيدة في: "صوت المجاديف والتلال الخضراء والماء"، وأن يكتب مقالا عن الفقرة الآتية من كتابات كنفوشيوس. قال دزانج دزي: "من يك ذا كفاية ويسأل من لا كفاية له؛ ومن يك ذا علم كثير ويسأل من لا يعلم إلا القليل؛ ومن يملك ثم يتظاهر بأنه لا يملك؛ ومن يمتلئ ثم يبدي أنه فارغ" ولم يكن في أي امتحان من هذه الامتحانات كلمة واحدة عن العلوم أو الأعمال التجارية أو الصناعية؛ لأنها لم تكن تهدف إلى تبين علم الرجل بل ترمي إلى معرفة ما له من حكم صادق وخلق قويم. وكان كبار موظفي الدولة يختارون من الناجحين في هذا الامتحان النهائي.
وتبين على مر الزمن ما تنطوي عليه هذه الطريقة من عيوب. فقد وجد الغش سبيله إلى الحكم في الامتحان، وإن كان الغش في الامتحان أو في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1378
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
تقديره يعاقب عليه أحيانا بالإعدام. وأصبح شراء الوظائف بالمال كثيرا متفشيا في القرن التاسع عشر(138)، من ذلك أن موظفا صغيرا باع عشرين ألف شهادة مزورة قبل أن يكشف أمره(139). ومنها أن صورة المقالة التي تكتب في الامتحان أصبحت صورة عادية معروفة يعد المتسابقون أنفسهم لها إعدادا آلياً. كذلك كان منهج الدراسة ينزع إلى الهبوط بالثقافة إلى الصور الشكلية دون اللباب، ويحول دون الرقي الفكري لأن الأفكار التي كانت تتداول في هذه المقالات قد تحددت وتعينت خلال مئات السنين. وكان من آثارها أن أصبح الخريجون طبقة بيروقراطية ذات عقلية رسمية متعجرفة بطبيعتها، أنانية، مستبدة في بعض الأحيان وفاسدة في كثير من الأحوال؛ لا يستطيع الشعب مع ذلك أن يعزلها أو يشرف على أعمالها إلا إذا لجأ بعد يأسه إلى الطريقة الخطرة طريقة الإضراب عن طاعتها أو مقاطعتها وعدم التعامل معها. وقصارى القول أن هذا النظام كان ينطوي على كل العيوب الني يمكن أن ينطوي عليها أي نظام حكومي يبتدعه ويسيره بنو الإنسان؛ فعيوبه هي عيوب القائمين عليه لا عيوب النظام نفسه، وليس ثمة نظام آخر لم يكن فيه من العيوب من في هذا النظام .
أما مزاياه فهي كثيرة: فهو برئ من طريقة الترشيح وما يؤثر فيها من تيارات خفية؛ وليس فيه مجال للمساعي الدنيئة وللنفاق والخداع في تصوير النتائج، ولا تدور فيه المعارك الصورية بين الأحزاب، ولا يتأثر بالانتخابات الفاسدة ذات الجلبة والضجيج، ولا يتيح الفرصة لتسلم المركز الرفيع عن طريق الشهرة الزائفة. لقد كانت الحكومة القائمة على هذا النظام حكومة ديمقراطية على الزعامة وعلى المناصب الرفيعة. وكانت أرستقراطية في أحسن صورها، لأنها
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
تقديره يعاقب عليه أحيانا بالإعدام. وأصبح شراء الوظائف بالمال كثيرا متفشيا في القرن التاسع عشر(138)، من ذلك أن موظفا صغيرا باع عشرين ألف شهادة مزورة قبل أن يكشف أمره(139). ومنها أن صورة المقالة التي تكتب في الامتحان أصبحت صورة عادية معروفة يعد المتسابقون أنفسهم لها إعدادا آلياً. كذلك كان منهج الدراسة ينزع إلى الهبوط بالثقافة إلى الصور الشكلية دون اللباب، ويحول دون الرقي الفكري لأن الأفكار التي كانت تتداول في هذه المقالات قد تحددت وتعينت خلال مئات السنين. وكان من آثارها أن أصبح الخريجون طبقة بيروقراطية ذات عقلية رسمية متعجرفة بطبيعتها، أنانية، مستبدة في بعض الأحيان وفاسدة في كثير من الأحوال؛ لا يستطيع الشعب مع ذلك أن يعزلها أو يشرف على أعمالها إلا إذا لجأ بعد يأسه إلى الطريقة الخطرة طريقة الإضراب عن طاعتها أو مقاطعتها وعدم التعامل معها. وقصارى القول أن هذا النظام كان ينطوي على كل العيوب الني يمكن أن ينطوي عليها أي نظام حكومي يبتدعه ويسيره بنو الإنسان؛ فعيوبه هي عيوب القائمين عليه لا عيوب النظام نفسه، وليس ثمة نظام آخر لم يكن فيه من العيوب من في هذا النظام .
أما مزاياه فهي كثيرة: فهو برئ من طريقة الترشيح وما يؤثر فيها من تيارات خفية؛ وليس فيه مجال للمساعي الدنيئة وللنفاق والخداع في تصوير النتائج، ولا تدور فيه المعارك الصورية بين الأحزاب، ولا يتأثر بالانتخابات الفاسدة ذات الجلبة والضجيج، ولا يتيح الفرصة لتسلم المركز الرفيع عن طريق الشهرة الزائفة. لقد كانت الحكومة القائمة على هذا النظام حكومة ديمقراطية على الزعامة وعلى المناصب الرفيعة. وكانت أرستقراطية في أحسن صورها، لأنها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1379
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
حكومة يتولاها أقدر الرجال الذين اختيروا اختيارا ديمقراطيا من بين جميع طبقات الشعب ومن كل جيل. وبفضل هذه الطريقة وجهت عقول الأمة ومطامعها وجهة الدرس والتحصيل، وكان أبطالها الذين تقتدي بهم هم رجال العلم والثقافة لا سادة المال .
ولقد كان جديرا بالإعجاب أن يجرب مجتمع من المجتمعات أن يحكمه من الناحيتين الاجتماعية والسياسية رجال أعدوا للحكم بتعلم الفلسفة والعلوم الإنسانية، ولذلك كان من شر المآسي أن تنقض قوى التطور والتاريخ القاسية التي لا ترحم ولا تلين على ذلك النظام الفذ وعلى جميع معالم الحضارة التي كان هو أهم عناصرها فتدمرها تدميرا.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الشعب والدولة -> حكومة يثني عليها فلتير
حكومة يتولاها أقدر الرجال الذين اختيروا اختيارا ديمقراطيا من بين جميع طبقات الشعب ومن كل جيل. وبفضل هذه الطريقة وجهت عقول الأمة ومطامعها وجهة الدرس والتحصيل، وكان أبطالها الذين تقتدي بهم هم رجال العلم والثقافة لا سادة المال .
ولقد كان جديرا بالإعجاب أن يجرب مجتمع من المجتمعات أن يحكمه من الناحيتين الاجتماعية والسياسية رجال أعدوا للحكم بتعلم الفلسفة والعلوم الإنسانية، ولذلك كان من شر المآسي أن تنقض قوى التطور والتاريخ القاسية التي لا ترحم ولا تلين على ذلك النظام الفذ وعلى جميع معالم الحضارة التي كان هو أهم عناصرها فتدمرها تدميرا.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1380
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> الخطر الأبيض
الباب السابع والعشرون
الثورة والتجديد
الفصل الأول
الخطر الأبيض
النزاع بين آسية وأوربا - البرتغاليون - الأسبان - الهولنديون -
الإنجليز - تجارة الأفيون - حروب الأفيون - فتنة بنج تاي - منج-
حرب اليابان - محاولة تمزيق الصين- "الباب المفتوح" - الإمبراطورة
الوالدة - إصلاحات كوانج شو - عزله - الملاكون - الغرامة الحربية
اتخذت هذه القوى شكل الانقلاب الصناعي. فقد نشطت أوربا وتجدد شبابها على أثر كشف القوى الآلية واستخدامها في صنع الآلات ومضاعفة الإنتاج. وما لبثت أوربا أن وجدت نفسها قادرة على إنتاج سلع أرخص من التي تنتجها أية أمة أو قارة ظلت تعتمد على الصناعات والحرف اليدوية. وعجزت أوربا عن تصريف منتجات آلاتها بين سكانها، لأنها كانت تؤدي لعمالها أجوراً أقل بعض الشيء من القيمة الكاملة لجهودهم، واضطرت من أجل ذلك إلى البحث عن أسواق خارجية لتصرف فيها ما زاد من منتجاتها على حاجتها، فكان لا بد لها أن تستعمر ودفعها الاستعمار إلى الحروب. وأصبح القرن التاسع عشر بحكم الظروف القائمة فيه وبدافع الاختراعات الكثيرة التي تعاقبت في خلاله لا ينقطع فيه النظام بين ما كان في آسية من حضارة قديمة ناضجة منهوكة، وما قام في أوربا الصناعية من حضارة فتية، قوية منهومة.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> الخطر الأبيض
الباب السابع والعشرون
الثورة والتجديد
الفصل الأول
الخطر الأبيض
النزاع بين آسية وأوربا - البرتغاليون - الأسبان - الهولنديون -
الإنجليز - تجارة الأفيون - حروب الأفيون - فتنة بنج تاي - منج-
حرب اليابان - محاولة تمزيق الصين- "الباب المفتوح" - الإمبراطورة
الوالدة - إصلاحات كوانج شو - عزله - الملاكون - الغرامة الحربية
اتخذت هذه القوى شكل الانقلاب الصناعي. فقد نشطت أوربا وتجدد شبابها على أثر كشف القوى الآلية واستخدامها في صنع الآلات ومضاعفة الإنتاج. وما لبثت أوربا أن وجدت نفسها قادرة على إنتاج سلع أرخص من التي تنتجها أية أمة أو قارة ظلت تعتمد على الصناعات والحرف اليدوية. وعجزت أوربا عن تصريف منتجات آلاتها بين سكانها، لأنها كانت تؤدي لعمالها أجوراً أقل بعض الشيء من القيمة الكاملة لجهودهم، واضطرت من أجل ذلك إلى البحث عن أسواق خارجية لتصرف فيها ما زاد من منتجاتها على حاجتها، فكان لا بد لها أن تستعمر ودفعها الاستعمار إلى الحروب. وأصبح القرن التاسع عشر بحكم الظروف القائمة فيه وبدافع الاختراعات الكثيرة التي تعاقبت في خلاله لا ينقطع فيه النظام بين ما كان في آسية من حضارة قديمة ناضجة منهوكة، وما قام في أوربا الصناعية من حضارة فتية، قوية منهومة.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1381
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> الخطر الأبيض
وكان الانقلاب التجاري الذي حدث في أيام كولمب هو الذي أفسح الطريق ومهد السبيل للانقلاب الصناعي. فقد كشف الرحالة عن أراضي قديمة، وفتحوا ثغوراً جديدة، ونقلوا إلى الثقافات القديمة منتجات الغرب وأفكاره. وكان البرتغاليون المغامرون في أوائل القرن السادس عشر قد استولوا على جزائر ملقا، وكانوا من قبل قد ثبتوا أقدامهم في بلاد الهند، ثم طافوا حول شبه جزيرة الملايو، ووصلوا بسفائنهم الجميلة ومدافعهم الرهيبة إلى كانتون (1517).
وكان أولئك القادمون خلقاً متوحشين لا يخضعون لقانون، ويعدون كل الشعوب الشرقية فريسة مشروعة مباحة لهم، ولم يكونوا يفترقون إلا قليلاً عن القراصنة.. إن كان بين هؤلاء وبينهم فرق على الإطلاق(1)...، وعاملهم الصينيون معاملة القرصان فألقوا بممثليهم في السجون، ورفضوا ما عرضوه عليهم من تجارة حرة، وكثيرا ما طهر الصينيون الغضاب الحانقون الأحياء التي استقر فيها البرتغاليون بذبح ساكنيها.ولكن البرتغاليين أعانوا الصينيين على قتال غيرهم من القرصان، فكان جزاؤهم على هذه المعونة أن منحتهم بيكين حق الإقامة في مكاو وحكمها كأنها ملك لهم، فشادوا في تلك المدينة مصانع كبيرة لصنع الأفيون، وأجازت لهم أن يستخدموا في هذه المصانع الرجال والنساء والأطفال. ودرت عليهم هذه الصناعة أرباحاً عظيمة يكفي لمعرفة مقدارها أن نقول أن مصنعاً واحداً كان يعود على الحكومة البرتغالية التي أنشئت في هذا الإقليم بربح مقداره 000ر560ر1 دولار في كل عام(2).
ثم جاء الأسبان وفتحوا جزائر الفلبين في عام 1571م واستقروا في جزيرة فرموزا الصينية؛ وأعقبهم الهولنديون، وفي عام 1637م أقبلت خمس سفن إنجليزية وصعدت في النهر إلى كانتون وأسكتت بمدافعها القوية المدافع التي قاومتها وأنزلت في المدينة بضائعها(3). وعلم البرتغاليون الصينيين شراء الدخان وشربه، ثم بدأ في مستهل القرن الثامن عشر استيراد الأفيون من الهند إلى الصين. وحرمت
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> الخطر الأبيض
وكان الانقلاب التجاري الذي حدث في أيام كولمب هو الذي أفسح الطريق ومهد السبيل للانقلاب الصناعي. فقد كشف الرحالة عن أراضي قديمة، وفتحوا ثغوراً جديدة، ونقلوا إلى الثقافات القديمة منتجات الغرب وأفكاره. وكان البرتغاليون المغامرون في أوائل القرن السادس عشر قد استولوا على جزائر ملقا، وكانوا من قبل قد ثبتوا أقدامهم في بلاد الهند، ثم طافوا حول شبه جزيرة الملايو، ووصلوا بسفائنهم الجميلة ومدافعهم الرهيبة إلى كانتون (1517).
وكان أولئك القادمون خلقاً متوحشين لا يخضعون لقانون، ويعدون كل الشعوب الشرقية فريسة مشروعة مباحة لهم، ولم يكونوا يفترقون إلا قليلاً عن القراصنة.. إن كان بين هؤلاء وبينهم فرق على الإطلاق(1)...، وعاملهم الصينيون معاملة القرصان فألقوا بممثليهم في السجون، ورفضوا ما عرضوه عليهم من تجارة حرة، وكثيرا ما طهر الصينيون الغضاب الحانقون الأحياء التي استقر فيها البرتغاليون بذبح ساكنيها.ولكن البرتغاليين أعانوا الصينيين على قتال غيرهم من القرصان، فكان جزاؤهم على هذه المعونة أن منحتهم بيكين حق الإقامة في مكاو وحكمها كأنها ملك لهم، فشادوا في تلك المدينة مصانع كبيرة لصنع الأفيون، وأجازت لهم أن يستخدموا في هذه المصانع الرجال والنساء والأطفال. ودرت عليهم هذه الصناعة أرباحاً عظيمة يكفي لمعرفة مقدارها أن نقول أن مصنعاً واحداً كان يعود على الحكومة البرتغالية التي أنشئت في هذا الإقليم بربح مقداره 000ر560ر1 دولار في كل عام(2).
ثم جاء الأسبان وفتحوا جزائر الفلبين في عام 1571م واستقروا في جزيرة فرموزا الصينية؛ وأعقبهم الهولنديون، وفي عام 1637م أقبلت خمس سفن إنجليزية وصعدت في النهر إلى كانتون وأسكتت بمدافعها القوية المدافع التي قاومتها وأنزلت في المدينة بضائعها(3). وعلم البرتغاليون الصينيين شراء الدخان وشربه، ثم بدأ في مستهل القرن الثامن عشر استيراد الأفيون من الهند إلى الصين. وحرمت
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 13 من اصل 19 • 1 ... 8 ... 12, 13, 14 ... 19
مواضيع مماثلة
» قصة الحضارة - لول ديورانت
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
صفحة 13 من اصل 19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى