الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
4 مشترك
صفحة 18 من اصل 19
صفحة 18 من اصل 19 • 1 ... 10 ... 17, 18, 19
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1483
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
حصر نفسه في حدود هذه الدنيا مادام لا سبيل إلى معرفة سواها؛" إن حمقى الناس يؤدون صلواتهم لآلهة مشكوك في وجودها، طلباً لسعادة أنفسهم في الوقت الذي تراهم فيه يقترفون الموبقات(105)"؛ وحاول أن تكون فلسفته عاملاً على توحيد خبرة الحياة وحكمة العقل، وتوحيد الشهوات والخلق المستقيم، فقد كان من رأيه أن الأمر الأهم الذي يدعو قبل غيره إلى التفكير؛ هو كيف نجعل من الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة، فذلك أجدى علينا من التفكير في كيفية توحيد المعرفة، وتراه يتحدث بلسان يدهشك أن تلمح فيه نغمة الزمن الذي نعيش فيه الآن.
"ليس الغرض من التعلم هو مجرد التوسع في المعرفة، بل الغرض هو تكوين الشخصية؛ غاية التعلم أن نخلق من أنفسنا رجالاً صادقين قبل أن نكون رجالاً عالمين.... إن دراسة الأخلاق التي كانت تُعَدُّ عماد التعليم في مدارس العهد القديم تكاد لا تجد مكاناً في مدارسنا اليوم، لكثرة ما يطلب إلى التلاميذ دراسته من مواد؛ لم يعد الناس يرون في صالحهم أن ينفقوا مجهودهم في الإصغاء إلى تعاليم الأعلين من رجال الحكمة القدماء، ونتج عن ذلك أن ضحينا على المذبح الذي يسمونه "حق الفرد" بعلاقات الود بين السيد وخادمه، والرئيس ومرؤوسيه، والكبير والصغير. السبب الحقيقي الذي حدا بالناس ألا يقدروا تعاليم الحكماء هو أن العلماء يحاولون أن يتظاهروا بعلمهم فذلك عندهم أولى من أن يعيشوا على غرار ما جاء في تعاليم الحكماء"(106).
ويظهر أن شباب عصره قد توجه إليه باللوم على جموده، لأننا نراه يلقي في وجوههم درساً لا بد لكل جيل قوي من الناس أن يعود إلى دراسته:
"قد تظنون يا أبنائي أن كلمات رجل كهل تدعو إلى السأم، ومع ذلك فإذا ما لقنكم أبوكم درساً، فلا تزوروّا عنه، بل أصغوا إلى ما يقول؛ قد
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
حصر نفسه في حدود هذه الدنيا مادام لا سبيل إلى معرفة سواها؛" إن حمقى الناس يؤدون صلواتهم لآلهة مشكوك في وجودها، طلباً لسعادة أنفسهم في الوقت الذي تراهم فيه يقترفون الموبقات(105)"؛ وحاول أن تكون فلسفته عاملاً على توحيد خبرة الحياة وحكمة العقل، وتوحيد الشهوات والخلق المستقيم، فقد كان من رأيه أن الأمر الأهم الذي يدعو قبل غيره إلى التفكير؛ هو كيف نجعل من الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة، فذلك أجدى علينا من التفكير في كيفية توحيد المعرفة، وتراه يتحدث بلسان يدهشك أن تلمح فيه نغمة الزمن الذي نعيش فيه الآن.
"ليس الغرض من التعلم هو مجرد التوسع في المعرفة، بل الغرض هو تكوين الشخصية؛ غاية التعلم أن نخلق من أنفسنا رجالاً صادقين قبل أن نكون رجالاً عالمين.... إن دراسة الأخلاق التي كانت تُعَدُّ عماد التعليم في مدارس العهد القديم تكاد لا تجد مكاناً في مدارسنا اليوم، لكثرة ما يطلب إلى التلاميذ دراسته من مواد؛ لم يعد الناس يرون في صالحهم أن ينفقوا مجهودهم في الإصغاء إلى تعاليم الأعلين من رجال الحكمة القدماء، ونتج عن ذلك أن ضحينا على المذبح الذي يسمونه "حق الفرد" بعلاقات الود بين السيد وخادمه، والرئيس ومرؤوسيه، والكبير والصغير. السبب الحقيقي الذي حدا بالناس ألا يقدروا تعاليم الحكماء هو أن العلماء يحاولون أن يتظاهروا بعلمهم فذلك عندهم أولى من أن يعيشوا على غرار ما جاء في تعاليم الحكماء"(106).
ويظهر أن شباب عصره قد توجه إليه باللوم على جموده، لأننا نراه يلقي في وجوههم درساً لا بد لكل جيل قوي من الناس أن يعود إلى دراسته:
"قد تظنون يا أبنائي أن كلمات رجل كهل تدعو إلى السأم، ومع ذلك فإذا ما لقنكم أبوكم درساً، فلا تزوروّا عنه، بل أصغوا إلى ما يقول؛ قد
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1484
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
تظنون أن تقاليد أسرتكم أمر سخيف، ومع ذلك فلا تحطموها، لأنها تجسيد لحكمة آبائكم"(107).
ولعله كان يستحق اللوم على أهم كتبه وعنوانه "أونا ديكاكو" ومعناه "الحكمة العظمى للنساء" لأن هذا الكتاب كان له تأثير رجعي قوي على مركز المرأة في اليابان، لكنه لم يكن واعظاً متجهماً يحاول أن يتلمس الخطيئة في كل ما يجلب المتعة، فقد أدرك أن من مهام المربي أن يعلمنا كيف نستمتع بالبيئة التي نعيش فيها، كما يعلمنا أن نفهم تلك البيئة وأن نتحكم فيها (إذا استطعنا):
"لا تدعوا يوماً واحداً يفر من أيديكم بغير متعة... لا تسمحوا لحماقة الآخرين أن تنال من أنفسكم تعذيباً... تذكروا أن الدنيا لم تخل من الحمق منذ أول خلقها.... فلا ينبغي إذن أن نغّم أنفسنا، أو أن نضيع أسباب متعتنا، حتى إن حدث لأبنائنا وأشقائنا وأقربائنا أن يكونوا أثرين فيتجاهلوا خير مجهوداتنا في سبيل إسعادهم... إن "ساكي" (نوع من الخمر) هو هبة السماء الرائعة، فهي توسع القلب إذا ما شربناها بمقادير قليلة، وهي كذلك تنعش الروح إذا ما ناله الهم، وتفرق الهموم وتصلح الصحة، وبذلك تعين الإنسان وأصدقاءه أيضاً على التمتع بأسباب اللذة، غير أن من يسرف في شرابها يفقد احترامه، وينزلق لسانه بالثرثرة، وينطق بكلمات مسيئة كأنه مجنون... اشربوا "الساكي" بالمقدار الكافي لإنعاش نفوسكم ثم لا زيادة، وبذلك يمكنكم أن تتمتعوا برؤية الزهر وهو يتفتح من أكمامه، إن من الحمق أن تسرف في الشراب فتفسد على نفسك هذه الهبة العظيمة التي وهبتها لك السماء"(108).
ولقد وجد- كما وجد غيره من سائر الفلاسفة- أن الطبيعة هي آخر موئل يلوذ به ليلتمس سعادته:
"لو أننا جعلنا قلوبنا معين النعيم، وأعيننا وآذاننا أبوابه، ثم اجتنبنا سافل الشهوات إذن لتكاثر نعيمنا، لأننا عندئذ نصبح سادة الجبال والماء والقمر
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1485
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
والزهور؛ ولا يكون بنا حاجة إلى سؤال أحد يهبنا هذه الأشياء؛ كلا ولا بنا أن ندفع سناً (مليماً) واحداً لنظفر بها، لأن هذه الأشياء لا يملكها إنسان بعينه، إن أولئك الذين يستطيعون أن يستمتعوا بجمال السماء من فوقهم، وجمال الأرض من تحتهم، ليس بهم حاجة إلى أن يغبطوا الأغنياء على رفاهية عيشتهم، لأنهم عندئذ يكونون أغنى من أغنى الناس؛ إن مشاهد الطبيعة في تغير دائم، فلست تجد صباحين أو مساءين على أتم تشابه... ففي لحظة ما قد يحس الإنسان كأن جمال الدنيا بأسره قد انمحى؛ لكن ما هو إلا أن يأخذ الثلج في السقوط، وينهض الإنسان من نومه في الصباح التالي، ليجد القرية والجبال قد تحولت إلى فضة، وتدب الحياة في الأشجار التي كانت عارية، إذ يعود إليها بأزهارها... إن الشتاء يشبه نعاس الليل، الذي يجدد لنا القوة والنشاط.
إنني أحب الزهر، فأنهض من نومي مبكراً
وأحب القمر، فآوي إلى مخدعي متأخراً....
إن الناس يجيئون ويروحون كأنهم مجاري الماء العابرة
أما القمر فباق على طول العصور
لقد كان تأثير الكونفوشيوسية على التفكير الفلسفي في اليابان أشد منه في الصين نفسها، لأنه قضى هناك على كل مقاومة من فريق الثائرين من جهة، كما قضى على المثاليين المتصوفين من جهة أخرى؛ إن مدرسة "شوشي" التي كان من رجالها "سيجوا" و "رازان" و "إكن"، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى "شوهسي" لأنها اتبعت طريقته في تفسير الكتب الصينية التي تحتوي على المتون، تفسيراً توخى فيه التزام الأصل وعدم الحرية في التصرف، ولقد نهضت مدرسة أخرى ظلت تقاومها حيناً، هي مدرسة "أويومي" التي كان على رأسها "وانج يانج منج" الذي عرفه "نيبون" باسم "أويومي"
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
والزهور؛ ولا يكون بنا حاجة إلى سؤال أحد يهبنا هذه الأشياء؛ كلا ولا بنا أن ندفع سناً (مليماً) واحداً لنظفر بها، لأن هذه الأشياء لا يملكها إنسان بعينه، إن أولئك الذين يستطيعون أن يستمتعوا بجمال السماء من فوقهم، وجمال الأرض من تحتهم، ليس بهم حاجة إلى أن يغبطوا الأغنياء على رفاهية عيشتهم، لأنهم عندئذ يكونون أغنى من أغنى الناس؛ إن مشاهد الطبيعة في تغير دائم، فلست تجد صباحين أو مساءين على أتم تشابه... ففي لحظة ما قد يحس الإنسان كأن جمال الدنيا بأسره قد انمحى؛ لكن ما هو إلا أن يأخذ الثلج في السقوط، وينهض الإنسان من نومه في الصباح التالي، ليجد القرية والجبال قد تحولت إلى فضة، وتدب الحياة في الأشجار التي كانت عارية، إذ يعود إليها بأزهارها... إن الشتاء يشبه نعاس الليل، الذي يجدد لنا القوة والنشاط.
إنني أحب الزهر، فأنهض من نومي مبكراً
وأحب القمر، فآوي إلى مخدعي متأخراً....
إن الناس يجيئون ويروحون كأنهم مجاري الماء العابرة
أما القمر فباق على طول العصور
لقد كان تأثير الكونفوشيوسية على التفكير الفلسفي في اليابان أشد منه في الصين نفسها، لأنه قضى هناك على كل مقاومة من فريق الثائرين من جهة، كما قضى على المثاليين المتصوفين من جهة أخرى؛ إن مدرسة "شوشي" التي كان من رجالها "سيجوا" و "رازان" و "إكن"، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى "شوهسي" لأنها اتبعت طريقته في تفسير الكتب الصينية التي تحتوي على المتون، تفسيراً توخى فيه التزام الأصل وعدم الحرية في التصرف، ولقد نهضت مدرسة أخرى ظلت تقاومها حيناً، هي مدرسة "أويومي" التي كان على رأسها "وانج يانج منج" الذي عرفه "نيبون" باسم "أويومي"
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1486
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
ففلاسفة اليابان الذين كانوا ينتمون إلى مدرسة "أويومي" اقتفوا أثر "وانج" في استدلال الصواب والخطأ الأخلاقيين من ضمير الفرد، أكثر مما عمدوا في ذلك إلى تقاليد المجتمع وتعاليم الحكماء الأقدمين، يقول "ناكايي توجو" (1608-48): "لقد لبثت أعواماً طوالاً أؤمن إيماناً قوياً في "شوشي" حتى شاءت رحمة الله أن ترد إلى اليابان لأول مرة مؤلفات "أويومي"، ولولا ما استقيته من تعاليمها، لظلت حياتي فارغة جدباء"(110)، وعلى ذلك أخذ "ناكايي" على نفسه أن يبشر بوحدانية مثالية، تذهب إلى أن العالم وحدة من "كي" و "ري"- أي وحدة من الأشياء الجزئية (أو الأعراض) والعقل أو القانون؛ والله، وهذه الوحدة شيء واحد؛ فعالم الأشياء جسده والقانون الكوني روحه(111)، فقد جرى "ناكايي" مجرى "سبينوزا" و "وانج يانج منج" و "الفلاسفة المدرسيين في أوربا" في قبوله لهذا القانون الكوني بشيء من الحب العقلي، واعتبر الخير والشر لفظتين بشريتين، ووجهة نظر ذاتية لا تعبر عن حقائق موضوعية، وهو كذلك يشبه "سبينوزا" شبهاً عجيباً في أنه رأى معنى من معاني الخلود في الوحدة التأملية التي تدمج روح الفرد في قانون العالم، أي عقل العالم الذي لا يخضع لقيود الزمان:
"إن عقل الإنسان هو عقل العالم الذي يخضع في سيره لمنطق العقل، لكن هناك عقلاً آخر يسمى بالضمير، وهذا هو الجانب الذي لا ينتمي إلى عالم الأشياء بل هو لا نهائي وأبدي، لأنه لما كان الضمير فينا هو نفسه العقل الإلهي أو الكوني، كان بغير بداية أو نهاية، فإذا ما سلكنا في أفعالنا مهتدين بهذا الجانب من العقل، أي بالضمير كنا بمثابة التجسيد اللانهائي والأبدي، وكانت لنا حياة خالدة إلى الأبد"(112).
كان "ناكايي" رجلاً له إخلاص القديسين، لكن فلسفته لم تصادف هوى لا عند الشعب ولا عند الحكومة، فقد ارتعدت حكومة الحكام
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
ففلاسفة اليابان الذين كانوا ينتمون إلى مدرسة "أويومي" اقتفوا أثر "وانج" في استدلال الصواب والخطأ الأخلاقيين من ضمير الفرد، أكثر مما عمدوا في ذلك إلى تقاليد المجتمع وتعاليم الحكماء الأقدمين، يقول "ناكايي توجو" (1608-48): "لقد لبثت أعواماً طوالاً أؤمن إيماناً قوياً في "شوشي" حتى شاءت رحمة الله أن ترد إلى اليابان لأول مرة مؤلفات "أويومي"، ولولا ما استقيته من تعاليمها، لظلت حياتي فارغة جدباء"(110)، وعلى ذلك أخذ "ناكايي" على نفسه أن يبشر بوحدانية مثالية، تذهب إلى أن العالم وحدة من "كي" و "ري"- أي وحدة من الأشياء الجزئية (أو الأعراض) والعقل أو القانون؛ والله، وهذه الوحدة شيء واحد؛ فعالم الأشياء جسده والقانون الكوني روحه(111)، فقد جرى "ناكايي" مجرى "سبينوزا" و "وانج يانج منج" و "الفلاسفة المدرسيين في أوربا" في قبوله لهذا القانون الكوني بشيء من الحب العقلي، واعتبر الخير والشر لفظتين بشريتين، ووجهة نظر ذاتية لا تعبر عن حقائق موضوعية، وهو كذلك يشبه "سبينوزا" شبهاً عجيباً في أنه رأى معنى من معاني الخلود في الوحدة التأملية التي تدمج روح الفرد في قانون العالم، أي عقل العالم الذي لا يخضع لقيود الزمان:
"إن عقل الإنسان هو عقل العالم الذي يخضع في سيره لمنطق العقل، لكن هناك عقلاً آخر يسمى بالضمير، وهذا هو الجانب الذي لا ينتمي إلى عالم الأشياء بل هو لا نهائي وأبدي، لأنه لما كان الضمير فينا هو نفسه العقل الإلهي أو الكوني، كان بغير بداية أو نهاية، فإذا ما سلكنا في أفعالنا مهتدين بهذا الجانب من العقل، أي بالضمير كنا بمثابة التجسيد اللانهائي والأبدي، وكانت لنا حياة خالدة إلى الأبد"(112).
كان "ناكايي" رجلاً له إخلاص القديسين، لكن فلسفته لم تصادف هوى لا عند الشعب ولا عند الحكومة، فقد ارتعدت حكومة الحكام
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1487
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
العسكريين للفكرة القائلة بأن كل إنسان له حق الحكم بنفسه فيما يعتبر صواباً وما يعتبر خطأ، فلما نهض رجل آخر، هو "كومازاوا بانزن" يبشر بمذهب "أويومي" ثم تجاوز حدود الميتافيزيقيا وأوغل في السياسة، بحيث انتقد جهل "السيافين" وخواء حياتهم، صدر أمر بالقبض عليه، وكان "كومازاوا" يدرك أهمية العقبين في الإنسان، باعتبارهما عضوين ينفعان الفلاسفة بصفة خاصة في الفرار، فهرب إلى الجبال، حيث قضى معظم ما بقي له من سنين في غمرة الغابات(113)، وفي سنة 1795 صدر مرسوم يحرم المضي في تعليم فلسفة "أويومي"، وكان العقل الياباني من الاستسلام بحيث توارت تعاليم "أويومي" منذ ذلك الحين، فاندست في عبارات كونفوشيوسية، أو دخلت عنصراً متواضعاً في القانون العسكري، مما يدل على ما قد يبديه مجرى التاريخ من متناقضات، إذ حولت العقيدة البوذية المسالمة إلى تعاليم توحي للمقاتلين المتحمسين للوطن بالقتال.
ولما تقدم البحث العلمي في اليابان، بحيث صار في مقدور العلماء أن يتصلوا بكونفوشيوس في أصوله إلا في شروح الشارحين استطاع رجال من أمثال "إيتو جنسي" و "أوجيوسوراي" أن يؤسسوا المدرسة الكلاسيكية للفكر الياباني، التي أصرّت على أن تتخطى الشارحين جميعاً، فتصل بـ "ك أونج" العظيم اتصالاً مباشراً، ولم تكن أسرة "إيتو جنسي" لتتفق معه في تقديره لكونفوشيوس ووصمته بأنه يسبح من دراساته في عالم نظري مجرد، وتنبأت له بأنه سيموت فقيراً وأنبأته: "بأن البحث العلمي من خصائص أهل الصين، أما في اليابان فليس البحث العلمي بذي غناء، لأنك حتى إن برعت فيه، فلن تجد من تبيع له بضاعتك، وخير لك ألف مرة أن تكون طبيباً وتكسب المال" لكن الطالب الناشئ أصغى إلى قول أسرته دون أن يستمع له، ونسي منزلة أسرته وثراءها، وأطرح كل طموح مادي جانباً، وتنازل عن بيته وأملاكه إلى أخيه الأصغر، والتمس مكاناً معزولاً يعيش فيه ليتابع
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
العسكريين للفكرة القائلة بأن كل إنسان له حق الحكم بنفسه فيما يعتبر صواباً وما يعتبر خطأ، فلما نهض رجل آخر، هو "كومازاوا بانزن" يبشر بمذهب "أويومي" ثم تجاوز حدود الميتافيزيقيا وأوغل في السياسة، بحيث انتقد جهل "السيافين" وخواء حياتهم، صدر أمر بالقبض عليه، وكان "كومازاوا" يدرك أهمية العقبين في الإنسان، باعتبارهما عضوين ينفعان الفلاسفة بصفة خاصة في الفرار، فهرب إلى الجبال، حيث قضى معظم ما بقي له من سنين في غمرة الغابات(113)، وفي سنة 1795 صدر مرسوم يحرم المضي في تعليم فلسفة "أويومي"، وكان العقل الياباني من الاستسلام بحيث توارت تعاليم "أويومي" منذ ذلك الحين، فاندست في عبارات كونفوشيوسية، أو دخلت عنصراً متواضعاً في القانون العسكري، مما يدل على ما قد يبديه مجرى التاريخ من متناقضات، إذ حولت العقيدة البوذية المسالمة إلى تعاليم توحي للمقاتلين المتحمسين للوطن بالقتال.
ولما تقدم البحث العلمي في اليابان، بحيث صار في مقدور العلماء أن يتصلوا بكونفوشيوس في أصوله إلا في شروح الشارحين استطاع رجال من أمثال "إيتو جنسي" و "أوجيوسوراي" أن يؤسسوا المدرسة الكلاسيكية للفكر الياباني، التي أصرّت على أن تتخطى الشارحين جميعاً، فتصل بـ "ك أونج" العظيم اتصالاً مباشراً، ولم تكن أسرة "إيتو جنسي" لتتفق معه في تقديره لكونفوشيوس ووصمته بأنه يسبح من دراساته في عالم نظري مجرد، وتنبأت له بأنه سيموت فقيراً وأنبأته: "بأن البحث العلمي من خصائص أهل الصين، أما في اليابان فليس البحث العلمي بذي غناء، لأنك حتى إن برعت فيه، فلن تجد من تبيع له بضاعتك، وخير لك ألف مرة أن تكون طبيباً وتكسب المال" لكن الطالب الناشئ أصغى إلى قول أسرته دون أن يستمع له، ونسي منزلة أسرته وثراءها، وأطرح كل طموح مادي جانباً، وتنازل عن بيته وأملاكه إلى أخيه الأصغر، والتمس مكاناً معزولاً يعيش فيه ليتابع
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1488
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
دراساته بغير اضطراب، وكان وسيماً حتى لقد ظنه الناس أحياناً أميراً، لكنه ارتدى ثوب فلاح وتوارى عن أعين الناس، يقول مؤرخ ياباني:
إن "جنسي" كان فقيراً معدماً، بلغ من الفقر حداً أعجزه في نهاية العام أن يصنع كعك الأرز الذي يصنعه الناس في بداية العام الجديد؛ لكنه كان ثابت الجنان إزاء فقره هذا؛ ولقد جاءته زوجته وجثت تحت ركبتيها أمامه وقالت: "سأودي واجبات الدار مهما تكن الظروف، لكن ثمة شيئاً لا يحتمل، ذلك أن ولدنا "جنسو" لا يفهم معنى ما نحن فيه من فقر، وهو يغبط أبناء الجار على ما يأكلونه من كعك الأرز، وإنني أؤنبه على ذلك، لكن قلبي ينفطر له حتى ليكاد ينشق نصفين "لكن جنسي مضى منكباً على كتبه دون أن يجيبها بكلمة، ثم خلع خاتمه العقيق وناولها إياه، كأنما يقول لها: بيعي هذا واشتري بضعة كعكات من الأرز"(114).
أنشأ "جنسي" في كيوتو مدرسة خاصة، وأخذ يحاضر هناك مدى أربعين عاماً، وأهم ما قام به أنه درب عدداً يقرب من ثلاثة آلاف طالب في الفلسفة وكان يتحدث آناً بعد آن في الميتافيزيقيا، ويصف الكون بأنه كائن عضوي حي، تتغلب فيه الحياة على الموت دائماً، لكنه كان مثل كونفوشيوس يتحيز تحيزاً شديداً لما هو نافع على هذه الأرض.
"إن ما لا ينفع في حكم الدولة، أو في تيسير العلاقات بين أفراد الإنسان، لا غناء فيه... لابد للتعلم أن يكون مصحوباً بالفاعلية والحياة؛ ولا ينبغي أن يقتصر على مجرد النظريات الميتة أو التأمل.... إن من يعرف الطريق يلتمسها في حياته اليومية... إنك إذا حاولت أن تلتمس الطريق بعيداً عن العلاقات الإنسانية، فأنت بمثابة من يحاول أن يمسك الريح... إن الطريق المألوفة ممتازة بحسنها، ولن نجد في العالم ما يفوقها حسناً"(115).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
دراساته بغير اضطراب، وكان وسيماً حتى لقد ظنه الناس أحياناً أميراً، لكنه ارتدى ثوب فلاح وتوارى عن أعين الناس، يقول مؤرخ ياباني:
إن "جنسي" كان فقيراً معدماً، بلغ من الفقر حداً أعجزه في نهاية العام أن يصنع كعك الأرز الذي يصنعه الناس في بداية العام الجديد؛ لكنه كان ثابت الجنان إزاء فقره هذا؛ ولقد جاءته زوجته وجثت تحت ركبتيها أمامه وقالت: "سأودي واجبات الدار مهما تكن الظروف، لكن ثمة شيئاً لا يحتمل، ذلك أن ولدنا "جنسو" لا يفهم معنى ما نحن فيه من فقر، وهو يغبط أبناء الجار على ما يأكلونه من كعك الأرز، وإنني أؤنبه على ذلك، لكن قلبي ينفطر له حتى ليكاد ينشق نصفين "لكن جنسي مضى منكباً على كتبه دون أن يجيبها بكلمة، ثم خلع خاتمه العقيق وناولها إياه، كأنما يقول لها: بيعي هذا واشتري بضعة كعكات من الأرز"(114).
أنشأ "جنسي" في كيوتو مدرسة خاصة، وأخذ يحاضر هناك مدى أربعين عاماً، وأهم ما قام به أنه درب عدداً يقرب من ثلاثة آلاف طالب في الفلسفة وكان يتحدث آناً بعد آن في الميتافيزيقيا، ويصف الكون بأنه كائن عضوي حي، تتغلب فيه الحياة على الموت دائماً، لكنه كان مثل كونفوشيوس يتحيز تحيزاً شديداً لما هو نافع على هذه الأرض.
"إن ما لا ينفع في حكم الدولة، أو في تيسير العلاقات بين أفراد الإنسان، لا غناء فيه... لابد للتعلم أن يكون مصحوباً بالفاعلية والحياة؛ ولا ينبغي أن يقتصر على مجرد النظريات الميتة أو التأمل.... إن من يعرف الطريق يلتمسها في حياته اليومية... إنك إذا حاولت أن تلتمس الطريق بعيداً عن العلاقات الإنسانية، فأنت بمثابة من يحاول أن يمسك الريح... إن الطريق المألوفة ممتازة بحسنها، ولن نجد في العالم ما يفوقها حسناً"(115).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1489
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
وبعد موت "جنسي" مضى ولده "إيتو توجاي" في مواصلة مدرسته وعمله؛ وكان "توجاي" يهزأ بالشهرة ويقول: "هل يسعك أن تسمي من يُنسى اسمه بمجرد موته إلا بأحد اسمين، فإما حيوان وإما رماد؟ ولكن ألا يخطئ الإنسان إذا ما اشتدت رغبته في تأليف الكتب وإنشاء العبارات لكي يلقى اسمه إعجاباً ولا ينساه الناس؟"(116) وهو نفسه كتب مائتين واثنين وأربعين كتاباً، ومع ذلك عاش حياة متواضعة تملؤها الحكمة؛ ويشكو النقاد من أن هذه الكتب كانت كلها قوية فيما أسماه "موليير" بالفضائل التي تجلب النعاس ولكن تلاميذ "توجاي" يقولون إنه كتب مائتين واثنين وأربعين كتاباً دون أن يقول كلمة واحدة عن أي فيلسوف آخر، ولما مات وضعوا على قبره هذا "الشاهد" الذي نغبطه عليه:
إنه لم يتحدث في أخطاء الآخرين....
ولم يهتم بشيء إلا بالكتب
وكانت حياته خلواً من الحوادث
على أن أعظم رجل من أتباع كونفوشيوس المتأخرين، هو "أوجيوسوراي" فعلى حد قوله هو "منذ عهد جمو- أول أباطرة اليابان- لم يظهر من يوازيني إلا نفر قليل" وهو على نقيض "توجاي" في أنه كان يحب النقاش، وكان يعبر عن رأيه بقوة عن الفلاسفة الأحياء منهم والأموات؛ فلما سأله سائل شاب: "ماذا تحب غير القراءة؟" أجاب "ليس أحبِّ إليّ من أكل الفول المحروق ونقد عظماء اليابان" ويقول "ناميكاوا تنجين": "إن سوراي رجل جد عظيم، لكنه يظن أنه يعلم كل ما يمكن علمه، وهذه عادة سيئة"(118)، وكان في مستطاع "أوجيو" أن يكون متواضعاً إذا ما أراد ذلك، ومن رأيه أن اليابانيين جميعاً- ويذكر نفسه بينهم صراحة- قوم همج، وليس يعرف المدنية غير أهل الصين، وأنه "إذا كان هناك شيء لا بد من قوله، فقد قاله
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
وبعد موت "جنسي" مضى ولده "إيتو توجاي" في مواصلة مدرسته وعمله؛ وكان "توجاي" يهزأ بالشهرة ويقول: "هل يسعك أن تسمي من يُنسى اسمه بمجرد موته إلا بأحد اسمين، فإما حيوان وإما رماد؟ ولكن ألا يخطئ الإنسان إذا ما اشتدت رغبته في تأليف الكتب وإنشاء العبارات لكي يلقى اسمه إعجاباً ولا ينساه الناس؟"(116) وهو نفسه كتب مائتين واثنين وأربعين كتاباً، ومع ذلك عاش حياة متواضعة تملؤها الحكمة؛ ويشكو النقاد من أن هذه الكتب كانت كلها قوية فيما أسماه "موليير" بالفضائل التي تجلب النعاس ولكن تلاميذ "توجاي" يقولون إنه كتب مائتين واثنين وأربعين كتاباً دون أن يقول كلمة واحدة عن أي فيلسوف آخر، ولما مات وضعوا على قبره هذا "الشاهد" الذي نغبطه عليه:
إنه لم يتحدث في أخطاء الآخرين....
ولم يهتم بشيء إلا بالكتب
وكانت حياته خلواً من الحوادث
على أن أعظم رجل من أتباع كونفوشيوس المتأخرين، هو "أوجيوسوراي" فعلى حد قوله هو "منذ عهد جمو- أول أباطرة اليابان- لم يظهر من يوازيني إلا نفر قليل" وهو على نقيض "توجاي" في أنه كان يحب النقاش، وكان يعبر عن رأيه بقوة عن الفلاسفة الأحياء منهم والأموات؛ فلما سأله سائل شاب: "ماذا تحب غير القراءة؟" أجاب "ليس أحبِّ إليّ من أكل الفول المحروق ونقد عظماء اليابان" ويقول "ناميكاوا تنجين": "إن سوراي رجل جد عظيم، لكنه يظن أنه يعلم كل ما يمكن علمه، وهذه عادة سيئة"(118)، وكان في مستطاع "أوجيو" أن يكون متواضعاً إذا ما أراد ذلك، ومن رأيه أن اليابانيين جميعاً- ويذكر نفسه بينهم صراحة- قوم همج، وليس يعرف المدنية غير أهل الصين، وأنه "إذا كان هناك شيء لا بد من قوله، فقد قاله
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1490
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
بالفعل الملوك القدامى أو كونفوشيوس"(119)، وثارت في وجهه فئة "السيافين" وفئة العلماء، لكن الحاكم العسكري المصلح "يوشيموني" أعجبته فيه شجاعته ودافع عنه ضد السوقة العقلية، وقد أقام "سوراي" منبره في "ييدو" وراح يضحك ويسخر من "جنسي" الذي كان قد أعلن أن الإنسان خير بطبعه، فما أشبهه في ذلك بـ "هسون تسي" حين عارض النزعة العاطفية في "موتي" أو بـ "هُبز" حين فند "روسو" قبل أن يأتي "روسو" إلى عالم الوجود، وقال: "سوراي" إن الإنسان على نقيض ما ظنه "جنسي" شرير بطبعه، يختطف كل ما تقع عليه يداه، ولا يجعل منه مواطناً مقبولاً إلا الأخلاق والقوانين الموضوعتين، والتربية التي لا تلين في معاملته:
"تثور في الإنسان شهواته بمجرد ولادته، فإذا عجزنا عن تحقيق تلك الشهوات في أنفسنا- وهي شهوات لا حد لها ينشأ النزاع، فإذا ما نشأ نزاع أعقبته الفوضى، ولما كان الملوك القدامى يكرهون الفوضى، فقد وضعوا أسس اللياقة والاستقامة في السلوك، واستطاعوا بهما أن يلجموا شهوات الناس.... فليست الأخلاق سوى الوسائل الضرورية لضبط رعايا الإمبراطورية فهي لم تنشأ مع الفطرة ولا مع نزوات القلب الإنساني، لكنها من تدبير طائفة معينة من الحكماء امتازت بذكائها، ثم خلعت عليها الدولة مسحة السلطان(120).
وكأنما أرادت الأيام أن تثبت تشاؤم "سوراي"، فهبط الفكر الياباني في القرن الذي تلاه، هبط حتى عن الحد المتواضع الذي كان قد ارتفع إليه بفضل محاكاته لكونفوشيوس، وضاع أباديد في حرب أراقت المداد بين وثنيي الصين ومؤمني اليابان، وفي هذه الحرب التي شنها الأقدمون على المحدثين، كتب النصر للمحدثين، لأنهم جعلوا الأسلاف موضع إعجابهم، فتفوقوا في ذلك على أعدائهم وكانت الطائفة التي تناصر الصين من العلماء "واسمها كانجا كوشا" تسمى بلادهم اليابان- وهي وطنها -قطراً همجياً،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
بالفعل الملوك القدامى أو كونفوشيوس"(119)، وثارت في وجهه فئة "السيافين" وفئة العلماء، لكن الحاكم العسكري المصلح "يوشيموني" أعجبته فيه شجاعته ودافع عنه ضد السوقة العقلية، وقد أقام "سوراي" منبره في "ييدو" وراح يضحك ويسخر من "جنسي" الذي كان قد أعلن أن الإنسان خير بطبعه، فما أشبهه في ذلك بـ "هسون تسي" حين عارض النزعة العاطفية في "موتي" أو بـ "هُبز" حين فند "روسو" قبل أن يأتي "روسو" إلى عالم الوجود، وقال: "سوراي" إن الإنسان على نقيض ما ظنه "جنسي" شرير بطبعه، يختطف كل ما تقع عليه يداه، ولا يجعل منه مواطناً مقبولاً إلا الأخلاق والقوانين الموضوعتين، والتربية التي لا تلين في معاملته:
"تثور في الإنسان شهواته بمجرد ولادته، فإذا عجزنا عن تحقيق تلك الشهوات في أنفسنا- وهي شهوات لا حد لها ينشأ النزاع، فإذا ما نشأ نزاع أعقبته الفوضى، ولما كان الملوك القدامى يكرهون الفوضى، فقد وضعوا أسس اللياقة والاستقامة في السلوك، واستطاعوا بهما أن يلجموا شهوات الناس.... فليست الأخلاق سوى الوسائل الضرورية لضبط رعايا الإمبراطورية فهي لم تنشأ مع الفطرة ولا مع نزوات القلب الإنساني، لكنها من تدبير طائفة معينة من الحكماء امتازت بذكائها، ثم خلعت عليها الدولة مسحة السلطان(120).
وكأنما أرادت الأيام أن تثبت تشاؤم "سوراي"، فهبط الفكر الياباني في القرن الذي تلاه، هبط حتى عن الحد المتواضع الذي كان قد ارتفع إليه بفضل محاكاته لكونفوشيوس، وضاع أباديد في حرب أراقت المداد بين وثنيي الصين ومؤمني اليابان، وفي هذه الحرب التي شنها الأقدمون على المحدثين، كتب النصر للمحدثين، لأنهم جعلوا الأسلاف موضع إعجابهم، فتفوقوا في ذلك على أعدائهم وكانت الطائفة التي تناصر الصين من العلماء "واسمها كانجا كوشا" تسمى بلادهم اليابان- وهي وطنها -قطراً همجياً،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1491
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
واحتجت بأن الحكمة كل الحكمة مقرها في الصين، وقنعت بترجمة الأدب والفلسفة الصينيين والتعليق عليهما، أما العلماء الذين يناصرون اليابان (واسم جماعتهم واجا كوشا) فقد هاجموا هذا الموقف من معارضيهم لأنه موقف يؤدي إلى إشاعة الجهل ونبذ الروح الوطنية، ودعوا أمتهم أن تستدبر الصين، وأن تجدد قواها بالأخذ عن تراثها هي من شعر وتاريخ، وهاجم "مايوشي" أهل الصين قائلاً إنهم قوم أشرار بفطرتهم، ومجد اليابانيين لأنهم خيرون بطبعهم، وعزا فقر اليابان القديمة في الأدب والفلسفة إلى أن اليابانيين لم يكونوا بحاجة إلى إرشاد في الفضيلة ولا في العقل .
وحدث لطبيب شاب اسمه "موتو أوري نوريناجا" أن زار "مايوشي" فتأثر به إلى حد جعله ينفق أربعة وثلاثين عاماً في كتابة أربعة وأربعين مجلداً، يشرح فيها الـ "جوجيكي" ومعناها "مدونات الحوادث القديمة"- وهي المستودع الأصيل لأساطير اليابان، وخصوصاً أساطير "شنتو"، فجاء هذا الشرح وعنوانه "كوجيكي دن"، هجمة عنيفة على كل ما هو صيني في اليابان أو خارج اليابان، واستمسك استمساكاً شديداً بالصحة الحرفية لما ترويه القصص البدائية عن الأصل الإلهي الذي نشأت عنه الجزر اليابانية، والأباطرة والشعب، وشجع هذا الكتاب طبقة المثقفين في اليابان- رغم أنف الأوصياء على العرش عندئذ من أفراد أسرة توكو جاوا- شجعهم على الرجوع إلى لغة بلادهم وطرائق العيش فيها وتقاليدها، ومعنى ذلك كله أن يعيدوا عقيدة "شنتو" بدلاً من البوذية، وأن يردوا للأباطرة سيادتهم على طبقة
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
واحتجت بأن الحكمة كل الحكمة مقرها في الصين، وقنعت بترجمة الأدب والفلسفة الصينيين والتعليق عليهما، أما العلماء الذين يناصرون اليابان (واسم جماعتهم واجا كوشا) فقد هاجموا هذا الموقف من معارضيهم لأنه موقف يؤدي إلى إشاعة الجهل ونبذ الروح الوطنية، ودعوا أمتهم أن تستدبر الصين، وأن تجدد قواها بالأخذ عن تراثها هي من شعر وتاريخ، وهاجم "مايوشي" أهل الصين قائلاً إنهم قوم أشرار بفطرتهم، ومجد اليابانيين لأنهم خيرون بطبعهم، وعزا فقر اليابان القديمة في الأدب والفلسفة إلى أن اليابانيين لم يكونوا بحاجة إلى إرشاد في الفضيلة ولا في العقل .
وحدث لطبيب شاب اسمه "موتو أوري نوريناجا" أن زار "مايوشي" فتأثر به إلى حد جعله ينفق أربعة وثلاثين عاماً في كتابة أربعة وأربعين مجلداً، يشرح فيها الـ "جوجيكي" ومعناها "مدونات الحوادث القديمة"- وهي المستودع الأصيل لأساطير اليابان، وخصوصاً أساطير "شنتو"، فجاء هذا الشرح وعنوانه "كوجيكي دن"، هجمة عنيفة على كل ما هو صيني في اليابان أو خارج اليابان، واستمسك استمساكاً شديداً بالصحة الحرفية لما ترويه القصص البدائية عن الأصل الإلهي الذي نشأت عنه الجزر اليابانية، والأباطرة والشعب، وشجع هذا الكتاب طبقة المثقفين في اليابان- رغم أنف الأوصياء على العرش عندئذ من أفراد أسرة توكو جاوا- شجعهم على الرجوع إلى لغة بلادهم وطرائق العيش فيها وتقاليدها، ومعنى ذلك كله أن يعيدوا عقيدة "شنتو" بدلاً من البوذية، وأن يردوا للأباطرة سيادتهم على طبقة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1492
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
الحكام العسكريين، فقد كتب "موتو أوري" يقول: "كانت اليابان هي التي ولدت إلهة الشمس "أماتيراسو"، وتدل هذه الحقيقة على سيادتها على سائر الأقطار جميعاً"(122)، واستأنف تلميذه "هيراتا"- بعد موت موتو أوري- سبيل الحاجة في الموضوع فقال:
"إنه لمما يدعو إلى الأسف الشديد، أن يسود كل هذا الجهل بالشواهد التي تدل على المذهبين الأساسيين، وهما أن اليابان بلد الآلهة، وأهلها سلالة الآلهة فبين الشعب الياباني وبين الصينيين والهنود والروس والهولنديين والساميين والكمبوديين وسائر أمم العالم، خلاف في النوع، ولا يقتصر الأمر على اختلاف في الدرجة، فلم يكن مجرد الغرور بالنفس هو الذي جعل أهل هذه البلاد يسمونها أرض الآلهة؛ فالآلهة الذين خلقوا كل بلاد الدنيا ينتمون جميعاً بغير استثناء إلى العصر الإلهي، وجميعهم ولدوا في اليابان، فاليابان هي موطنهم الأول، والعالم كله يعترف بصدق هذا النبأ، فالكوريون هم أول من أتيح له أن يعرف هذه الحقيقة ثم انتشرت منهم تدريجاً حتى عمَّت المعمورة بأسرها، وآمن بها الناس أجمعون.... فلئن كانت البلاد الأخرى قد نشأت طبعاً بفعل قوة الآلهة الخالقة، إلا أنها لم تكن وليدة "إيزاناجي" و "إيزانامي"، ولا كانت المنشأ الذي ولدت فيه إلهة الشمس، وهذا هو علة انحطاطهم عنا"(123).
هؤلاء هم الناس، وتلك هي الآراء، التي كونت حركة "سونوجواي" ومرماها أن "تسمو بالإمبراطور، وأن تطرد الأجانب الهمج"؛ فمكنت هذه الحركة إبان القرن التاسع عشر للشعر الياباني أن يطيح بسلطة الحكام العسكريين؛ وأن يعيد السلطان والسيادة "للبيت الإلهي"، ثم أخذت هذا الحركة تلعب دوراً نشيطاً في القرن العشرين، إذ أخذت تغذي تلك الوطنية المستقلة التي لن تطمئن وترضى إلا إذا بسط "ابن السماء سلطانه على ملايين الناس في بلاد الشرق التي تعود، إلى بعثها، متكاثرة بخصوبة نسلها.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> المفكرون
الحكام العسكريين، فقد كتب "موتو أوري" يقول: "كانت اليابان هي التي ولدت إلهة الشمس "أماتيراسو"، وتدل هذه الحقيقة على سيادتها على سائر الأقطار جميعاً"(122)، واستأنف تلميذه "هيراتا"- بعد موت موتو أوري- سبيل الحاجة في الموضوع فقال:
"إنه لمما يدعو إلى الأسف الشديد، أن يسود كل هذا الجهل بالشواهد التي تدل على المذهبين الأساسيين، وهما أن اليابان بلد الآلهة، وأهلها سلالة الآلهة فبين الشعب الياباني وبين الصينيين والهنود والروس والهولنديين والساميين والكمبوديين وسائر أمم العالم، خلاف في النوع، ولا يقتصر الأمر على اختلاف في الدرجة، فلم يكن مجرد الغرور بالنفس هو الذي جعل أهل هذه البلاد يسمونها أرض الآلهة؛ فالآلهة الذين خلقوا كل بلاد الدنيا ينتمون جميعاً بغير استثناء إلى العصر الإلهي، وجميعهم ولدوا في اليابان، فاليابان هي موطنهم الأول، والعالم كله يعترف بصدق هذا النبأ، فالكوريون هم أول من أتيح له أن يعرف هذه الحقيقة ثم انتشرت منهم تدريجاً حتى عمَّت المعمورة بأسرها، وآمن بها الناس أجمعون.... فلئن كانت البلاد الأخرى قد نشأت طبعاً بفعل قوة الآلهة الخالقة، إلا أنها لم تكن وليدة "إيزاناجي" و "إيزانامي"، ولا كانت المنشأ الذي ولدت فيه إلهة الشمس، وهذا هو علة انحطاطهم عنا"(123).
هؤلاء هم الناس، وتلك هي الآراء، التي كونت حركة "سونوجواي" ومرماها أن "تسمو بالإمبراطور، وأن تطرد الأجانب الهمج"؛ فمكنت هذه الحركة إبان القرن التاسع عشر للشعر الياباني أن يطيح بسلطة الحكام العسكريين؛ وأن يعيد السلطان والسيادة "للبيت الإلهي"، ثم أخذت هذا الحركة تلعب دوراً نشيطاً في القرن العشرين، إذ أخذت تغذي تلك الوطنية المستقلة التي لن تطمئن وترضى إلا إذا بسط "ابن السماء سلطانه على ملايين الناس في بلاد الشرق التي تعود، إلى بعثها، متكاثرة بخصوبة نسلها.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1493
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
الباب الثلاثون
الفكر والفن في اليابان القديمة
الفصل الأول
اللغة والتعليم
اللغة - الكتابة - التعليم
كان اليابانيون قد استعاروا طرائق الكتابة وأساليب التعليم من أولئك الصينيين الذين جعلوا يتهمونهم بالهمجية كما رأيت؛ لكن اللغة كانت يابانية خالصة، وأرجح الظن أنها كانت لغة منغولية قريبة الشبه باللغة الكورية، لكنها لم تكن مشتقة من اللغة الكورية أو غيرها مما نعرف من لغات، اشتقاقاً يقوم على صحته البرهان القاطع، واللغة اليابانية تختلف عن اللغة الصينية بنوع خاص في كثرة مقاطعها واتصال أجزائها رغم بساطتها؛ فليس فيها أحرف حلقية ولا أحرف تخرج مع هواء التنفس ولا سواكن في أواخر الكلمات (ما عدا حرف ن) وتكاد كل حروف المد فيها أن تكون منغَّمة طويلة، ونحوها كذلك طبيعي وسهل، فقد استغنت في الأسماء عن التمييز العددي بين المفرد والجمع، كما استغنت عن التمييز الجنسي بين المذكر والمؤنث؛ كذلك استغنت في الصفات عن درجات التفضيل، وفي الأمثال استغنت عن التصاريف التي تدل على ضمير من قام بالفعل؛ وضمائر المتكلم والمخاطب والغائب فيها قليلة العدد، وليس فيها أسماء للوصل على الإطلاق؛ لكنها من جهة أخرى تحتوي على تصاريف تتغير بها الصفات والأفعال تبعاً للنفي ولصيغة
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
الباب الثلاثون
الفكر والفن في اليابان القديمة
الفصل الأول
اللغة والتعليم
اللغة - الكتابة - التعليم
كان اليابانيون قد استعاروا طرائق الكتابة وأساليب التعليم من أولئك الصينيين الذين جعلوا يتهمونهم بالهمجية كما رأيت؛ لكن اللغة كانت يابانية خالصة، وأرجح الظن أنها كانت لغة منغولية قريبة الشبه باللغة الكورية، لكنها لم تكن مشتقة من اللغة الكورية أو غيرها مما نعرف من لغات، اشتقاقاً يقوم على صحته البرهان القاطع، واللغة اليابانية تختلف عن اللغة الصينية بنوع خاص في كثرة مقاطعها واتصال أجزائها رغم بساطتها؛ فليس فيها أحرف حلقية ولا أحرف تخرج مع هواء التنفس ولا سواكن في أواخر الكلمات (ما عدا حرف ن) وتكاد كل حروف المد فيها أن تكون منغَّمة طويلة، ونحوها كذلك طبيعي وسهل، فقد استغنت في الأسماء عن التمييز العددي بين المفرد والجمع، كما استغنت عن التمييز الجنسي بين المذكر والمؤنث؛ كذلك استغنت في الصفات عن درجات التفضيل، وفي الأمثال استغنت عن التصاريف التي تدل على ضمير من قام بالفعل؛ وضمائر المتكلم والمخاطب والغائب فيها قليلة العدد، وليس فيها أسماء للوصل على الإطلاق؛ لكنها من جهة أخرى تحتوي على تصاريف تتغير بها الصفات والأفعال تبعاً للنفي ولصيغة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1494
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
الفعل في حالة الأمر مثلاً أو غيره، وهم يستعملون بدل أحرف الجر التي تسبق الكلمات المجرورة، أحرفاً تأتي بعد الكلمات لتحدد المقطع الأخير من الكلمة وفي ذلك ما فيه من مشقة وعناء، وحلت عندهم عبارات تكريمية معقدة، مثل "خادمك المطيع" و "سعادتكم" محل ضمائر المتكلم والمخاطب.
وقد استغنت اللغة- فيما يظهر- حتى عن الكتابة، إلى أن جاءها الكوريون والصينيون بهذا الفن في القرون الأولى بعد ميلاد المسيح، ومنذ ذلك الحين، اكتفى اليابانيون مدى مئات من السنين بطريقة الكتابة التي شاعت في "المملكة الوسطى" ليبعدوا بها عن كلامهم الذي يشبه في جماله لغة الإيطاليين؛ ولما كان حتماً عليهم أن يستخدموا حرفاً كاملاً من حروف الخط الصيني ليدل على كل مقطع من كل كلمة يابانية، فقد أصبحت الكتابة اليابانية في عصر "نارا" أعسر ضروب الكتابة التي عرفها الإنسان تقريباً؛ ثم حدث في القرن التاسع أن سن قانون يعمل على الاقتصاد في هذا الاتجاه، بأن يحدد كثيراً من الإشكالات اللغوية، فأراح هذا القانون أهل اليابان بما قدمه إليهم من صور الكتابة المبسطة، إذ قدم إليهم صورتين كل منهما يستعمل حرفاً صينياً- بعد اختصاره في صورة خطية منحنية- ليمثل مقطعاً من المقاطع السبعة والأربعين التي منها يتألف الكلام المنطوق عند اليابانيين؛ وهذه الأشكال التي تمثل السبعة والأربعين مقطعاً، حلت عندهم محل أحرف الهجاء ، ولما كان شطر كبير من الأدب الياباني مكتوباً بالصينية، ومعظم بقيته ليس مكتوباً بالكتابة المقطعية الشائعة، بل هو مزيج من الأحرف الصينية وأحرف الهجاء اليابانية، كان من المتعذر إلا على القليلين من العلماء الغربيين أن يتمكنوا من الأدب الياباني في أصوله؛ فنتج عن ذلك أن أصبح علمنا بالأدب الياباني
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1495
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
لا يتجاوز قطعاً متناثرة من هنا وهناك، ولذا فهو علم يخدعنا عن الأصل، ويستحيل أن يكون حكمنا على ذلك الأدب ذا قيمة كبيرة، ولما وجد اليسوعيون أن حوائل اللغة تقف في وجوههم سدوداً منيعة، قرروا أن لغة تلك الجزر قد صاغها الشيطان ليمنع نشر تعاليم الكتاب المقدس (الإنجيل) في بلاد اليابان .
لبثت الكتابة أمداً طويلاً بمثابة الترف يستمتع به أبناء الطبقات الرفيعة، ولم يبذل أي مجهود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر في سبيل نشرها بين طبقات الشعب؛ ففي عصر "كيوتو" أقام الأغنياء مدارس لأبنائهم، كما أنشأ الإمبراطوران "تنشي" و "مومو" في بداية القرن الثامن في كيوتو، أول جامعة يابانية؛ ثم نشأت مجموعة من المدارس الإقليمية شيئاً فشيئاً، تحت رقابة الحكومة، كان من حق متخرجيها أن يلتحقوا بالجامعة، ثم كان من حق من تخرج في الجامعة بعد اجتياز الامتحان المطلوب، أن يشغل مناصب الدولة؛ لكن جاءت الحرب الأهلية في الشطر الأول من العهد الإقطاعي، فأوقفت هذا التقدم في ميدان التعليم؛ وأهملت اليابان فنون العقل حتى أسعفتها الحكومة العسكرية التي قامت عليها أسرة "توكوجاوا" بأن أعادت السلام وشجعت العلم والأدب؛ وقد عدها "أيياسو" سبة فظيعة أن يجد تسعين في كل مائة من طائفة "السيافين" لا يعرفون القراءة أو الكتابة(5)، وفي سنة 1630 أنشأ
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
لا يتجاوز قطعاً متناثرة من هنا وهناك، ولذا فهو علم يخدعنا عن الأصل، ويستحيل أن يكون حكمنا على ذلك الأدب ذا قيمة كبيرة، ولما وجد اليسوعيون أن حوائل اللغة تقف في وجوههم سدوداً منيعة، قرروا أن لغة تلك الجزر قد صاغها الشيطان ليمنع نشر تعاليم الكتاب المقدس (الإنجيل) في بلاد اليابان .
لبثت الكتابة أمداً طويلاً بمثابة الترف يستمتع به أبناء الطبقات الرفيعة، ولم يبذل أي مجهود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر في سبيل نشرها بين طبقات الشعب؛ ففي عصر "كيوتو" أقام الأغنياء مدارس لأبنائهم، كما أنشأ الإمبراطوران "تنشي" و "مومو" في بداية القرن الثامن في كيوتو، أول جامعة يابانية؛ ثم نشأت مجموعة من المدارس الإقليمية شيئاً فشيئاً، تحت رقابة الحكومة، كان من حق متخرجيها أن يلتحقوا بالجامعة، ثم كان من حق من تخرج في الجامعة بعد اجتياز الامتحان المطلوب، أن يشغل مناصب الدولة؛ لكن جاءت الحرب الأهلية في الشطر الأول من العهد الإقطاعي، فأوقفت هذا التقدم في ميدان التعليم؛ وأهملت اليابان فنون العقل حتى أسعفتها الحكومة العسكرية التي قامت عليها أسرة "توكوجاوا" بأن أعادت السلام وشجعت العلم والأدب؛ وقد عدها "أيياسو" سبة فظيعة أن يجد تسعين في كل مائة من طائفة "السيافين" لا يعرفون القراءة أو الكتابة(5)، وفي سنة 1630 أنشأ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1496
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
"هياشي رازان" في "ييدو" مدرسة تخرج المعلمين في إدارة البلاد وفي الفلسفة الكونفوشيوسية، ولقد تطورت هذه المدرسة فيما بعد وأصبحت هي جامعة طوكيو؛ وكذلك أسس "كومازاوا" سنة 1666 في "شيزوتاني" أول كلية في الأقاليم، وأجازت الحكومة للمعلمين أن يلبسوا السيوف، فينافسوا طائفة "السيافين" في منزلتهم الاجتماعية، وبهذا شجعت طلاب العلم والباحثين والكهنة أن يقيموا مدارس خاصة في المنازل والمعابد لتعلم الناس تعليماً أولياً؛ وبلغ هذا الضرب من المدارس ثمانمائة سنة 1750، يتعلم فيها ما يقرب من أربعين ألفاً من الطلاب، وكانت كل هذه المعاهد من أجل أبناء "السيافين" أما التجار والفلاحون، فكان لا بد لهم أن يقنعوا بمحاضرات عامة، ولم يكن يتعلم من النساء على نحو منظم إلا الفتيات، ولم يتسع التعليم بحيث يشمل الجميع إلا حين مست الضرورة ودعت الحاجة بتأثير الحياة الصناعية(6) وهي في ذلك شبيهة بأوربا.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> اللغة والتعليم
"هياشي رازان" في "ييدو" مدرسة تخرج المعلمين في إدارة البلاد وفي الفلسفة الكونفوشيوسية، ولقد تطورت هذه المدرسة فيما بعد وأصبحت هي جامعة طوكيو؛ وكذلك أسس "كومازاوا" سنة 1666 في "شيزوتاني" أول كلية في الأقاليم، وأجازت الحكومة للمعلمين أن يلبسوا السيوف، فينافسوا طائفة "السيافين" في منزلتهم الاجتماعية، وبهذا شجعت طلاب العلم والباحثين والكهنة أن يقيموا مدارس خاصة في المنازل والمعابد لتعلم الناس تعليماً أولياً؛ وبلغ هذا الضرب من المدارس ثمانمائة سنة 1750، يتعلم فيها ما يقرب من أربعين ألفاً من الطلاب، وكانت كل هذه المعاهد من أجل أبناء "السيافين" أما التجار والفلاحون، فكان لا بد لهم أن يقنعوا بمحاضرات عامة، ولم يكن يتعلم من النساء على نحو منظم إلا الفتيات، ولم يتسع التعليم بحيث يشمل الجميع إلا حين مست الضرورة ودعت الحاجة بتأثير الحياة الصناعية(6) وهي في ذلك شبيهة بأوربا.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1497
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
الفصل الثاني
الشعر
الـ "مانيوشو" - الـ "كوكنشو" - مميزات الشعر
الياباني - أمثلة - لعبة الشعر - مقامر الـ "هوكا"
أقدم ما وصل إلينا من الأدب الياباني هو الشعر، وأقدم الشعر الياباني هو خير شعر اليابان إطلاقاً في رأي أصحاب العلم من أهل اليابان أنفسهم؛ ومن أقدم وأشهر الكتب اليابانية، كتاب الـ "مانيوشو" ومعناها "كتاب العشرة آلاف ورقة" وهو عشرون مجلداً، جمع فيها ناشران للكتاب أربعة آلاف وخمسمائة قصيدة، نظمها الشعراء خلال الأربعة القرون السالفة، وفيها تجد على الأخص شعر "هيتومارو" وشعر "أكاهيتو"، وهما الشاعران الرئيسيان اللذان ازدهر فيها الشعر في عصر "نارا"، ومن شعر "هيتومارو" هذه الأسطر الموجزة التالية التي كتبها يرثي بها حبيبته حين ماتت وتصاعد الدخان من جثمانها المحترق إلى شعاب التلال:
أواه؟ أهذه السحابة هي حبيبتي؟
هذه السحابة التي تجوب في الوهد العميق
الذي يتخلل جبل هاتسوزو المنعزل؟
ولقد حاول الإمبراطور "دايجو" محاولة أخرى ليحفظ الشعر الياباني من أيدي الفناء، فجمع ألفاً ومائة قصيدة نُظمت خلال القرن والنصف قرن الماضيين؛ فجمعها في ديوان مشترك أطلق عليه اسم "كوكنشو"، ومعناها "قصائد قديمة وحديثة"، وكان مساعده الأيمن في هذا العمل "تسورايوكي" الشاعر الظالم الذي كتب مقدمة للديوان، هي لنا أمتع من المقطوعات التي جاء
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
الفصل الثاني
الشعر
الـ "مانيوشو" - الـ "كوكنشو" - مميزات الشعر
الياباني - أمثلة - لعبة الشعر - مقامر الـ "هوكا"
أقدم ما وصل إلينا من الأدب الياباني هو الشعر، وأقدم الشعر الياباني هو خير شعر اليابان إطلاقاً في رأي أصحاب العلم من أهل اليابان أنفسهم؛ ومن أقدم وأشهر الكتب اليابانية، كتاب الـ "مانيوشو" ومعناها "كتاب العشرة آلاف ورقة" وهو عشرون مجلداً، جمع فيها ناشران للكتاب أربعة آلاف وخمسمائة قصيدة، نظمها الشعراء خلال الأربعة القرون السالفة، وفيها تجد على الأخص شعر "هيتومارو" وشعر "أكاهيتو"، وهما الشاعران الرئيسيان اللذان ازدهر فيها الشعر في عصر "نارا"، ومن شعر "هيتومارو" هذه الأسطر الموجزة التالية التي كتبها يرثي بها حبيبته حين ماتت وتصاعد الدخان من جثمانها المحترق إلى شعاب التلال:
أواه؟ أهذه السحابة هي حبيبتي؟
هذه السحابة التي تجوب في الوهد العميق
الذي يتخلل جبل هاتسوزو المنعزل؟
ولقد حاول الإمبراطور "دايجو" محاولة أخرى ليحفظ الشعر الياباني من أيدي الفناء، فجمع ألفاً ومائة قصيدة نُظمت خلال القرن والنصف قرن الماضيين؛ فجمعها في ديوان مشترك أطلق عليه اسم "كوكنشو"، ومعناها "قصائد قديمة وحديثة"، وكان مساعده الأيمن في هذا العمل "تسورايوكي" الشاعر الظالم الذي كتب مقدمة للديوان، هي لنا أمتع من المقطوعات التي جاء
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1497
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
الفصل الثاني
الشعر
الـ "مانيوشو" - الـ "كوكنشو" - مميزات الشعر
الياباني - أمثلة - لعبة الشعر - مقامر الـ "هوكا"
أقدم ما وصل إلينا من الأدب الياباني هو الشعر، وأقدم الشعر الياباني هو خير شعر اليابان إطلاقاً في رأي أصحاب العلم من أهل اليابان أنفسهم؛ ومن أقدم وأشهر الكتب اليابانية، كتاب الـ "مانيوشو" ومعناها "كتاب العشرة آلاف ورقة" وهو عشرون مجلداً، جمع فيها ناشران للكتاب أربعة آلاف وخمسمائة قصيدة، نظمها الشعراء خلال الأربعة القرون السالفة، وفيها تجد على الأخص شعر "هيتومارو" وشعر "أكاهيتو"، وهما الشاعران الرئيسيان اللذان ازدهر فيها الشعر في عصر "نارا"، ومن شعر "هيتومارو" هذه الأسطر الموجزة التالية التي كتبها يرثي بها حبيبته حين ماتت وتصاعد الدخان من جثمانها المحترق إلى شعاب التلال:
أواه؟ أهذه السحابة هي حبيبتي؟
هذه السحابة التي تجوب في الوهد العميق
الذي يتخلل جبل هاتسوزو المنعزل؟
ولقد حاول الإمبراطور "دايجو" محاولة أخرى ليحفظ الشعر الياباني من أيدي الفناء، فجمع ألفاً ومائة قصيدة نُظمت خلال القرن والنصف قرن الماضيين؛ فجمعها في ديوان مشترك أطلق عليه اسم "كوكنشو"، ومعناها "قصائد قديمة وحديثة"، وكان مساعده الأيمن في هذا العمل "تسورايوكي" الشاعر الظالم الذي كتب مقدمة للديوان، هي لنا أمتع من المقطوعات التي جاء
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
الفصل الثاني
الشعر
الـ "مانيوشو" - الـ "كوكنشو" - مميزات الشعر
الياباني - أمثلة - لعبة الشعر - مقامر الـ "هوكا"
أقدم ما وصل إلينا من الأدب الياباني هو الشعر، وأقدم الشعر الياباني هو خير شعر اليابان إطلاقاً في رأي أصحاب العلم من أهل اليابان أنفسهم؛ ومن أقدم وأشهر الكتب اليابانية، كتاب الـ "مانيوشو" ومعناها "كتاب العشرة آلاف ورقة" وهو عشرون مجلداً، جمع فيها ناشران للكتاب أربعة آلاف وخمسمائة قصيدة، نظمها الشعراء خلال الأربعة القرون السالفة، وفيها تجد على الأخص شعر "هيتومارو" وشعر "أكاهيتو"، وهما الشاعران الرئيسيان اللذان ازدهر فيها الشعر في عصر "نارا"، ومن شعر "هيتومارو" هذه الأسطر الموجزة التالية التي كتبها يرثي بها حبيبته حين ماتت وتصاعد الدخان من جثمانها المحترق إلى شعاب التلال:
أواه؟ أهذه السحابة هي حبيبتي؟
هذه السحابة التي تجوب في الوهد العميق
الذي يتخلل جبل هاتسوزو المنعزل؟
ولقد حاول الإمبراطور "دايجو" محاولة أخرى ليحفظ الشعر الياباني من أيدي الفناء، فجمع ألفاً ومائة قصيدة نُظمت خلال القرن والنصف قرن الماضيين؛ فجمعها في ديوان مشترك أطلق عليه اسم "كوكنشو"، ومعناها "قصائد قديمة وحديثة"، وكان مساعده الأيمن في هذا العمل "تسورايوكي" الشاعر الظالم الذي كتب مقدمة للديوان، هي لنا أمتع من المقطوعات التي جاء
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1498
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
لنا بها ربة الشعر عندهم، التي توجز القول إيجازاً- قال في تلك المقدمة:
"الشعر في اليابان كالبذرة، تنبت من قلب الإنسان فتورق من اللغة أوراقاً لا حصر لعددها.... ففي هذا العالم المليء بالأشياء، ترى الإنسان مجاهداً في سبيل ألفاظ يعبر بها عن الانطباع الذي تركته المرئيات والمسموعات في قلبه... وهكذا حدث لقلب الإنسان أن وجد التعبير المنشود في ألفاظ تمتعه، وجدها في جمال الزهر، وفي إعجابه بتغريد الطير، وفي حسن استقباله للضباب الذي يغسل بِنَدَاه سهول الأرض، كما وجدها في حزنه الذي شاطر به العطف على ندى الصباح السريع الزوال... لقد اهتز الشعراء إلى قرض الشعر كلما رأوا البطاح بيضاء برذاذ الثلج الذي يتناثر من زهرات الكريز الساقطة في أصباح الربيع، أو سمعوا في أمسيات الخريف حفيف الأوراق وهي تتساقط أو كلما رأوا مشاهد الأيام المؤلمة البشعة تنعكس أمام أعينهم على مرآة الحوادث عاماً بعد عام... أو كلما أخذتهم الرعدة حينما رأوا قطرة الندى الزائلة ترتعش على الكلأ المزدان بلآلئه"(.
لقد أجاد "تسورايوكي" التعبير عن الموضوع الذي لم يفتأ الشعر الياباني يتناوله- وهو ما تبديه الطبيعة من أوجه وحالات، ومن ازدهار وذبول الطبيعةُ في تلك الجزر، التي جعلتها البراكين مشهداً للروائع، وجعلها المطر الغزير دائمة الإيناع، وإن الشعراء في اليابان ليمرحون فيما لم تلكه الألسن من جوانب الحقول والغابات والبحر- فصغار السمك تنثر الرذاذ وهي تتقلب في مجاري الجبال، والضفادع تقفز فجأة من البرك الساخنة، والشطئان تخلو من المد والجزر، والتلال تقطعها كِسَف الضباب الذي سكن بلا حراك، وقطرة المطر تأوي كأنها الجواهر المكنونة في ثنية نجم من أنجم الكلأ؛ وكثيراً ما يمزج شعراء اليابان في شعرهم بين أغاني الحب وأشعار عبادتهم للطبيعة النامية، أو تراهم يرثون رثاء مراً لما يرونه في الازدهار والحب والحياة من قصر الأمد، والعجيب أن هذه الأمة التي تموج بالمقاتلين، قلما تتغنى في شعرها بالقتال، بل تراهم لا يثنون الحماسة في القلوب إلا بترانيم يترنمون بها
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
لنا بها ربة الشعر عندهم، التي توجز القول إيجازاً- قال في تلك المقدمة:
"الشعر في اليابان كالبذرة، تنبت من قلب الإنسان فتورق من اللغة أوراقاً لا حصر لعددها.... ففي هذا العالم المليء بالأشياء، ترى الإنسان مجاهداً في سبيل ألفاظ يعبر بها عن الانطباع الذي تركته المرئيات والمسموعات في قلبه... وهكذا حدث لقلب الإنسان أن وجد التعبير المنشود في ألفاظ تمتعه، وجدها في جمال الزهر، وفي إعجابه بتغريد الطير، وفي حسن استقباله للضباب الذي يغسل بِنَدَاه سهول الأرض، كما وجدها في حزنه الذي شاطر به العطف على ندى الصباح السريع الزوال... لقد اهتز الشعراء إلى قرض الشعر كلما رأوا البطاح بيضاء برذاذ الثلج الذي يتناثر من زهرات الكريز الساقطة في أصباح الربيع، أو سمعوا في أمسيات الخريف حفيف الأوراق وهي تتساقط أو كلما رأوا مشاهد الأيام المؤلمة البشعة تنعكس أمام أعينهم على مرآة الحوادث عاماً بعد عام... أو كلما أخذتهم الرعدة حينما رأوا قطرة الندى الزائلة ترتعش على الكلأ المزدان بلآلئه"(.
لقد أجاد "تسورايوكي" التعبير عن الموضوع الذي لم يفتأ الشعر الياباني يتناوله- وهو ما تبديه الطبيعة من أوجه وحالات، ومن ازدهار وذبول الطبيعةُ في تلك الجزر، التي جعلتها البراكين مشهداً للروائع، وجعلها المطر الغزير دائمة الإيناع، وإن الشعراء في اليابان ليمرحون فيما لم تلكه الألسن من جوانب الحقول والغابات والبحر- فصغار السمك تنثر الرذاذ وهي تتقلب في مجاري الجبال، والضفادع تقفز فجأة من البرك الساخنة، والشطئان تخلو من المد والجزر، والتلال تقطعها كِسَف الضباب الذي سكن بلا حراك، وقطرة المطر تأوي كأنها الجواهر المكنونة في ثنية نجم من أنجم الكلأ؛ وكثيراً ما يمزج شعراء اليابان في شعرهم بين أغاني الحب وأشعار عبادتهم للطبيعة النامية، أو تراهم يرثون رثاء مراً لما يرونه في الازدهار والحب والحياة من قصر الأمد، والعجيب أن هذه الأمة التي تموج بالمقاتلين، قلما تتغنى في شعرها بالقتال، بل تراهم لا يثنون الحماسة في القلوب إلا بترانيم يترنمون بها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1499
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
حيناً بعد حين، وكانت الكثرة الغالبة من القصائد قصيرة بعد عهد "نارا"، فهذه مجموعة "كوكنشو" التي تحتوي ألفاً ومائة قصيدة، لا تجد إلا خمساً منها فقط صيغت في صورة الـ "تانكا"- وهي صورة تكون فيها القصيدة مؤلفة من خمسة أبيات، أولها من خمسة مقاطع وثانيها من سبعة، وثالثها من خمسة، ورابعها من سبعة، وخامسها من سبعة، كذلك وليس في هذه القصائد قافية، ذلك لأن ألفاظ اللغة اليابانية كلها تقريباً تنتهي بحرف مد، فلا تترك مجال الاختيار أمام الشاعر من الاتساع بحيث ينتفي مختلف القواف، وكذلك ليس في شعرهم تفعيلات ولا نغم ولا مقدار معين من الكلمات في البيت الواحد، لكنك تجد فيه كثيراً من ألاعيب اللغة، فتراهم مثلاً يضيفون مقاطع في أوائل الكلمات لا يكون لها معنى سوى ما تضيفه إلى الكلام من تنغيم، ويستهلون قصائدهم بأبيات تعمل على تكملة الصورة أكثر مما تؤدي إلى تمام الفكرة، ويربطون العبارات بألفاظ تحمل معنيين على نحو يثير في القارئ الدهشة والانتباه، ولقد خلع الزمن ثوباً من الجلال على أمثال هذه الألاعيب اللفظية عند اليابانيين، كما هي الحال في توافق اللفظ والمعنى وفي القافية عند الإنجليز، وأشعارهم محببة لدى طبقات الشعب، ومع ذلك فلا يؤدي ذلك بالشاعر إلى السوقية في شعره، بل الأمر على نقيض ذلك، إذ تميل هذه القصائد الكلاسيكية إلى الأرستقراطية في فكرها ولفظها، فلأنها ولدت في جو تشيع فيه أبهة القصور، تراها مصوغة صياغة روعي فيها الإحكام على نحو يكاد يجعل منها تعبيراً عن الأنفة والكبرياء، وهذه القصائد تنشد كمال اللفظ والصياغة أكثر مما تبحث عن جدة المعنى، وهي تكسب العاطفة أكثر مما تعبر عنها، وهي في كبريائها أرفع من أن تطنب القول وتطيل، فلن تجد أرباب القلم في أي بلد من بلاد الأرض سوى اليابان، لهم ما لأدباء اليابان من تحفظ في القول يعترفون به اعترافاً صريحاً، فكأنما أراد شعراء اليابان أن يكفروا بتواضعهم في القول عما زل فيه مؤرخوها من تهويل في الفخر بأنفسهم،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
حيناً بعد حين، وكانت الكثرة الغالبة من القصائد قصيرة بعد عهد "نارا"، فهذه مجموعة "كوكنشو" التي تحتوي ألفاً ومائة قصيدة، لا تجد إلا خمساً منها فقط صيغت في صورة الـ "تانكا"- وهي صورة تكون فيها القصيدة مؤلفة من خمسة أبيات، أولها من خمسة مقاطع وثانيها من سبعة، وثالثها من خمسة، ورابعها من سبعة، وخامسها من سبعة، كذلك وليس في هذه القصائد قافية، ذلك لأن ألفاظ اللغة اليابانية كلها تقريباً تنتهي بحرف مد، فلا تترك مجال الاختيار أمام الشاعر من الاتساع بحيث ينتفي مختلف القواف، وكذلك ليس في شعرهم تفعيلات ولا نغم ولا مقدار معين من الكلمات في البيت الواحد، لكنك تجد فيه كثيراً من ألاعيب اللغة، فتراهم مثلاً يضيفون مقاطع في أوائل الكلمات لا يكون لها معنى سوى ما تضيفه إلى الكلام من تنغيم، ويستهلون قصائدهم بأبيات تعمل على تكملة الصورة أكثر مما تؤدي إلى تمام الفكرة، ويربطون العبارات بألفاظ تحمل معنيين على نحو يثير في القارئ الدهشة والانتباه، ولقد خلع الزمن ثوباً من الجلال على أمثال هذه الألاعيب اللفظية عند اليابانيين، كما هي الحال في توافق اللفظ والمعنى وفي القافية عند الإنجليز، وأشعارهم محببة لدى طبقات الشعب، ومع ذلك فلا يؤدي ذلك بالشاعر إلى السوقية في شعره، بل الأمر على نقيض ذلك، إذ تميل هذه القصائد الكلاسيكية إلى الأرستقراطية في فكرها ولفظها، فلأنها ولدت في جو تشيع فيه أبهة القصور، تراها مصوغة صياغة روعي فيها الإحكام على نحو يكاد يجعل منها تعبيراً عن الأنفة والكبرياء، وهذه القصائد تنشد كمال اللفظ والصياغة أكثر مما تبحث عن جدة المعنى، وهي تكسب العاطفة أكثر مما تعبر عنها، وهي في كبريائها أرفع من أن تطنب القول وتطيل، فلن تجد أرباب القلم في أي بلد من بلاد الأرض سوى اليابان، لهم ما لأدباء اليابان من تحفظ في القول يعترفون به اعترافاً صريحاً، فكأنما أراد شعراء اليابان أن يكفروا بتواضعهم في القول عما زل فيه مؤرخوها من تهويل في الفخر بأنفسهم،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1500
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
فيقول اليابانيون إنك إذا كتبت ثلاث صفحات عن الرياح الغربية، زللت في ثرثرة السوقة، فالفنان الأصيل لا ينبغي له أن يفكر للقارئ، بل واجبه أن يغريه حتى يستثير فيه نشاط التفكير لنفسه، فلا بد للفنان أن يبحث وأن يجد صورة حسية جديدة تثير في القارئ كل الأفكار وكل المشاعر التي يصر الشعر الغربي على بسطها في تفصيلاتها؛ فكل قصيدة عند الياباني لا بد أن تكون سجلاً هادئاً لوحي اللحظة التي كتبت فيها.
وعلى ذلك فإننا نضل سواء السبيل لو أننا بحثنا في هذه الدواوين، أو في مجموعة المختارات التي تسمى "هيا كونن إشيو"، ومعناها "أشعار متفرقة لمائة شاعر"، والتي هي شبيهة بالديوان الذي يجمع مختارات من الشعر الإنجليزي ويطلق عليه "الكنز الذهبي"- أقول إننا نضل سواء السبيل لو أننا بحثنا في هذه المجموعات عن قصيدة فيها حماسة أو عن ملحمة فيها حروب، أو عن مطولات غنائية، فهؤلاء الشعراء إنما أرادوا أن يخلدوا أنفسهم بسطر واحد يقوله الواحد منهم، فهاهو ذا "سايجيوهوشي" قد فقد أعز أصدقائه، وانقلب راهباً ووجد في أضرحة "إيسي" ما كانت تنشده نفسه المتصوفة من عزاء، فراح يقرض الشعر في عزيزه الفقيد، لكنه لم يكتب قصيدة مثل "أدونيس" أو حتى "ليسيداس" (وهما قصيدتان من الشعر الإنجليزي) بل اكتفى بهذه الأسطر البسيطة:
ما هذا الذي
يسكن هاهنا
لست أدري
لكن قلبي مليء بنشوة الرضى
والدموع تنهمر من عيني (9)
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
فيقول اليابانيون إنك إذا كتبت ثلاث صفحات عن الرياح الغربية، زللت في ثرثرة السوقة، فالفنان الأصيل لا ينبغي له أن يفكر للقارئ، بل واجبه أن يغريه حتى يستثير فيه نشاط التفكير لنفسه، فلا بد للفنان أن يبحث وأن يجد صورة حسية جديدة تثير في القارئ كل الأفكار وكل المشاعر التي يصر الشعر الغربي على بسطها في تفصيلاتها؛ فكل قصيدة عند الياباني لا بد أن تكون سجلاً هادئاً لوحي اللحظة التي كتبت فيها.
وعلى ذلك فإننا نضل سواء السبيل لو أننا بحثنا في هذه الدواوين، أو في مجموعة المختارات التي تسمى "هيا كونن إشيو"، ومعناها "أشعار متفرقة لمائة شاعر"، والتي هي شبيهة بالديوان الذي يجمع مختارات من الشعر الإنجليزي ويطلق عليه "الكنز الذهبي"- أقول إننا نضل سواء السبيل لو أننا بحثنا في هذه المجموعات عن قصيدة فيها حماسة أو عن ملحمة فيها حروب، أو عن مطولات غنائية، فهؤلاء الشعراء إنما أرادوا أن يخلدوا أنفسهم بسطر واحد يقوله الواحد منهم، فهاهو ذا "سايجيوهوشي" قد فقد أعز أصدقائه، وانقلب راهباً ووجد في أضرحة "إيسي" ما كانت تنشده نفسه المتصوفة من عزاء، فراح يقرض الشعر في عزيزه الفقيد، لكنه لم يكتب قصيدة مثل "أدونيس" أو حتى "ليسيداس" (وهما قصيدتان من الشعر الإنجليزي) بل اكتفى بهذه الأسطر البسيطة:
ما هذا الذي
يسكن هاهنا
لست أدري
لكن قلبي مليء بنشوة الرضى
والدموع تنهمر من عيني (9)
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1501
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
ولما فقدت "السيدة كاجا نوشيو" زوجها لم تكتب فيه سوى هذه السطور:
إن كل ما يبدو من أشياء
ليست سوى
حلم يطوف بحالم
إني لأنام.... وإني لأستيقظ....
فما أفسح السرير بغير زوج في جواري
وبعدئذ فقدت ابنها، فأضافت إلى القصيدة بيتين آخرين:
كم طاف اليوم
هذا الباسل الذي يقتنص اليعاسيب
وبات نظم المقطوعات الشعرية (ويسمونها تانكات) لعبة أرستقراطية شاعت في الدوائر الإمبراطورية في "نارا" و "كيوتو" حتى ليستطيع الناظم أن يشتري عفة المرأة بواحد وثلاثين مقطعاً من الشعر يجيد صياغتها، كما كانت عفة المرأة تباع في الهند القديمة بفيل(12)؛ وكان من المألوف أن يحيي الإمبراطور ضيوفه بكلمات يعطيها لهم مما يصلح لصياغة الشعر(13)، ونرى في أدب ذلك العصر إشارات ترد هنا وهناك، تدل على أن جماعة من الناس يتطارحون الشعر أو ينشدونه وهم سائرون في الطريق(14)، وكان الإمبراطور- في أوج العصر الهيوي- ينظم مباريات في الشعر يشترك فيها ما يقرب من ألف وخمسمائة شاعر يتنافسون أمام محكمين من العلماء، ليحكموا أيهم أفحل في صياغة الموجزات الشعرية، بل أنشئ في سنة 951 مكتب خاص للشعر، يشرف على تنظيم هذه المباريات، والقصائد الرابحة في كل مباراة تحفظ في دار المحفوظات.
وجاء القرن السادس عشر، فأحس الشعر الياباني عندئذ أنه يسرف في طول القصائد، وصمم على تقصير "التانْكاتْ"- وكانت "التانكا"
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1502
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
في الأصل تكملة يضيفها شخص إلى قصيدة بدأها شخص آخر- فأصبحت بعد التقصير ما يسمونه "هوكو"، أي "العبارة الواحدة" تتألف من ثلاثة أسطر تتكون أولها من خمسة مقاطع، وثانيها من سبعة، وثالثها من خمسة، أي أن مجموعة المقاطع تكون سبعة عشر مقطعاً، وكان نظم القصائد من نوع "الهوكو" هو البدْع الشائع في عصر "جنروكو" (1688-1704)، ثم بات البدْع عندهم شغفاً بلغ حد الهوس، ذلك لأن الشعب الياباني شبيه بالشعب الأمريكي في شدة حساسيته العاطفية العقلية التي تسبب سرعة التقلب في الأنماط الفكرية، وكنت ترى الرجال والنساء، والتجار والجند، والصناع والفلاحين، يهملون شؤون الحياة اليومية ليشتغلوا بصياغة شعرية موجزة من نوع "الهوكو" يصوغونها في لحظة حين يُطلب إليهم ذلك، ولما كان اليابانيون مولعين بالمقامرة فقد راحوا يراهنون بمبالغ جسيمة من المال في مباريات تقام لنظم قصائد "الهوكو" حتى لقد خَصَّصَ بعض المغامرين في ميدان الأعمال أنفسهم لإقامة أمثال هذه المباريات يجعلونها مرتزقاً لهم، فكانوا يحشدون كل يوم آلاف الناس المعجبين بهذا الضرب من التنافس، ولذلك اضطرت الحكومة آخر الأمر أن تقاوم هذه الحلبات الشعرية، وأن تمنع هذا الفن المأجور الجديد(15)، وأنبغ من أجاد الشعر من نوع الهوكو هو "ماتسوراباشو" (1643-94) الذي كان مولده- في رأي يوني نوجشي- "أعظم حادثة في تاريخ اليابان"(16)، وكان "باشو" هذا سيافاً ناشئاً، مات مولاه وأستاذه، فكان لموته أعمق الأثر في نفسه بحيث اعتزل حياة القصر، وزهد في لذائذ الجسد جميعاً، وراح يضرب في فجاج الأرض على غير هدى، متفكراً، معلماً، وعبر عن فلسفته الهادئة في نتف من شعر الطبيعة الذي ينزل من ذوَاقة الأدب في اليابان منزلة رفيعة، لأنه يضرب أروع الأمثلة للكلام كيف يوحي بالمعاني رغم إيجازه الشديد، ومن قوله:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1503
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> الشعر
البركة القديمة
وصوت الضفدعة وهي تثب في الماء
ومن قوله أيضاً:
ساق من حشيش حَطَّ عليه
اليعسوب محاولاً أن يضيئه(17).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1504
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
الفصل الثالث
النثر
1- القصص
السيدة موراساكي - قصة جنجي - امتيازها -
القصص الياباني في العصر المتأخر - كاتب فكه
لقد كانت القصائد اليابانية أشد إيجازاً من أن تصادف إعجاباً عند العقل الغربي، فلنا أن نعزّي أنفسنا بالقصة اليابانية، إذ قد تبلغ روائع القصص عندهم عشرين جزءاً، بل قد تبلغ أحياناً ثلاثين(18)، وأرفع هذه القصص مكانة هي قصة "جنجي مونوجاتاري" (ومعناها الحرفي والصحيح هو "ثرثرة تدور حول جنجي")، فهذه القصة في إحدى طبعاتها تملأ أربعة آلاف ومائتين وأربعاً وثلاثين صفحة(19)، وألفت هذه القصة الممتعة حوالي سنة 1001 ميلادية، ألفتها "السيدة موراساكي نوشيكيبو"، وهي من قبيلة فوجبوارا العريقة، وقد تزوجت من رجل من هذه القبيلة عينها، لكنه مات عنها فخلفها أرملة بعد الزواج بأربعة أعوام، فجعلت تُسَرِّي عن نفسها بتأليف قصة تاريخية في أربعة وخمسين جزءاً، وبعد أن استنفذت كل ما كان لديها من ورق، سرقت أوراق "السُّتْرات" البوذية المقدسة من معابدها، واستخدمتها ورقاً لمخطوط قصتها(20)، فحتى الورق كان يوماً ضرباً من الترف.
وبطل القصة ابن لإمبراطور أنجبه من أقرب محظياته إلى نفسه، وهي "اكبريتسوبو"، وهي من روعة الجمال بحيث أثارت الغيرة في صدور سائر المحظيات جميعاً، وجعل هؤلاء يغظنها حتى قضين على حياتها غيظاً، فاقرأ كيف تصف الكاتبة "موراساكي" الإمبراطور بأنه لا يجد في موتها ما يعزيه،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
الفصل الثالث
النثر
1- القصص
السيدة موراساكي - قصة جنجي - امتيازها -
القصص الياباني في العصر المتأخر - كاتب فكه
لقد كانت القصائد اليابانية أشد إيجازاً من أن تصادف إعجاباً عند العقل الغربي، فلنا أن نعزّي أنفسنا بالقصة اليابانية، إذ قد تبلغ روائع القصص عندهم عشرين جزءاً، بل قد تبلغ أحياناً ثلاثين(18)، وأرفع هذه القصص مكانة هي قصة "جنجي مونوجاتاري" (ومعناها الحرفي والصحيح هو "ثرثرة تدور حول جنجي")، فهذه القصة في إحدى طبعاتها تملأ أربعة آلاف ومائتين وأربعاً وثلاثين صفحة(19)، وألفت هذه القصة الممتعة حوالي سنة 1001 ميلادية، ألفتها "السيدة موراساكي نوشيكيبو"، وهي من قبيلة فوجبوارا العريقة، وقد تزوجت من رجل من هذه القبيلة عينها، لكنه مات عنها فخلفها أرملة بعد الزواج بأربعة أعوام، فجعلت تُسَرِّي عن نفسها بتأليف قصة تاريخية في أربعة وخمسين جزءاً، وبعد أن استنفذت كل ما كان لديها من ورق، سرقت أوراق "السُّتْرات" البوذية المقدسة من معابدها، واستخدمتها ورقاً لمخطوط قصتها(20)، فحتى الورق كان يوماً ضرباً من الترف.
وبطل القصة ابن لإمبراطور أنجبه من أقرب محظياته إلى نفسه، وهي "اكبريتسوبو"، وهي من روعة الجمال بحيث أثارت الغيرة في صدور سائر المحظيات جميعاً، وجعل هؤلاء يغظنها حتى قضين على حياتها غيظاً، فاقرأ كيف تصف الكاتبة "موراساكي" الإمبراطور بأنه لا يجد في موتها ما يعزيه،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1505
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
ولعل الكاتبة في هذا قد أسرفت في تقديرها لمدى استطاعة الرجل أن يخلص في حبه، قالت:
"وكرت الأعوام، لكن الإمبراطور لم ينس فقيدته؛ وعلى الرغم من كثرة النساء اللائى جيء بهن له في القصر لعلهن يثرن اهتمامه، فقد أغضى عنهن جميعاً، مؤمناً بأن العالم كله ليس فيه امرأة واحدة تشبه فقيدته... ولم ينفك يشكو من القدر الذي لم يسمح لهما معاً بأن يفيا بالعهد الذي كانا يكررانه كلما أصبح صباح أو أمسى مساء، وهو أن تكون حياتهما كحياة الطائرين التوأمين اللذين يشتركان في جناح واحد، أو كحياة الشجرتين التوأمتين اللتين تشتركان في غصن واحد"(21).
وكبر "جنجي" وأصبح أميراً فاتناً، له من وسامة الشكل أكثر مما له من استقامة الأخلاق، فجعل يتنقل من غانية إلى غانية تَنَقُّل "توم جونز"، إلا أنه قد بذ في تنقله ذلك البطل المعروف في أنه لم يفرق بين ذكر وأنثى، فهو يمثل فكرة المرأة عن الرجل - كله عاطفة وكله إغراء، دائم التفكير ودائم الحب لهذه المرأة أو لتلك؛ وكان "جنجي" أحياناً "إذا ما ألمت به الملمات، يعود إلى بيت زوجته"(22).
وترى الكاتبة "السيدة موراساكي" تقص لنا مغامراته بالتفصيل على نحو تحس فيه بفرحها برواية قصته، ملتمسة له ولنفسها العذر التماساً رقيقاً:
"إن الأمير الشاب كان ُيعَدُّ مهملاً لواجبه إهمالاً لا شك فيه، إذا لم يكن قد أسرف في "فلتاته" الكثيرة، وإن كل إنسان لا يسعه إلا أن يعد سلوكه هذا طبيعياً لا غبار عليه، حتى لو كان سلوكاً يعاب على عامة الناس... إنني في الحقيقة لأكره أن أقص بالتفصيل أموراً قد تحوط هو نفسه كل الاحتياط في إخفائها، لكني سأقص هذه التفصيلات، لأنني أعلم أنك لو وجدتني قد حذفت شيئاً، فستقول: لماذا؟ ألأن المفروض فيه أنه ابن إمبراطور،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
ولعل الكاتبة في هذا قد أسرفت في تقديرها لمدى استطاعة الرجل أن يخلص في حبه، قالت:
"وكرت الأعوام، لكن الإمبراطور لم ينس فقيدته؛ وعلى الرغم من كثرة النساء اللائى جيء بهن له في القصر لعلهن يثرن اهتمامه، فقد أغضى عنهن جميعاً، مؤمناً بأن العالم كله ليس فيه امرأة واحدة تشبه فقيدته... ولم ينفك يشكو من القدر الذي لم يسمح لهما معاً بأن يفيا بالعهد الذي كانا يكررانه كلما أصبح صباح أو أمسى مساء، وهو أن تكون حياتهما كحياة الطائرين التوأمين اللذين يشتركان في جناح واحد، أو كحياة الشجرتين التوأمتين اللتين تشتركان في غصن واحد"(21).
وكبر "جنجي" وأصبح أميراً فاتناً، له من وسامة الشكل أكثر مما له من استقامة الأخلاق، فجعل يتنقل من غانية إلى غانية تَنَقُّل "توم جونز"، إلا أنه قد بذ في تنقله ذلك البطل المعروف في أنه لم يفرق بين ذكر وأنثى، فهو يمثل فكرة المرأة عن الرجل - كله عاطفة وكله إغراء، دائم التفكير ودائم الحب لهذه المرأة أو لتلك؛ وكان "جنجي" أحياناً "إذا ما ألمت به الملمات، يعود إلى بيت زوجته"(22).
وترى الكاتبة "السيدة موراساكي" تقص لنا مغامراته بالتفصيل على نحو تحس فيه بفرحها برواية قصته، ملتمسة له ولنفسها العذر التماساً رقيقاً:
"إن الأمير الشاب كان ُيعَدُّ مهملاً لواجبه إهمالاً لا شك فيه، إذا لم يكن قد أسرف في "فلتاته" الكثيرة، وإن كل إنسان لا يسعه إلا أن يعد سلوكه هذا طبيعياً لا غبار عليه، حتى لو كان سلوكاً يعاب على عامة الناس... إنني في الحقيقة لأكره أن أقص بالتفصيل أموراً قد تحوط هو نفسه كل الاحتياط في إخفائها، لكني سأقص هذه التفصيلات، لأنني أعلم أنك لو وجدتني قد حذفت شيئاً، فستقول: لماذا؟ ألأن المفروض فيه أنه ابن إمبراطور،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1506
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
اضطرت إلى ستر سلوكه بستار جميل، وذلك بحذف كل نقائصه، وستقول إن ما أكتبه ليس تاريخاً، والقصة ملفقة أريد بها التأثير على الأجيال التالية تأثيراً يخدعهم عن الحقيقة، والقصة كما هي ستجعلني في أعين الناس ناقلة لأنباء الدعارة، لكن لا حيلة في ذلك"(23).
ويمرض "جنجي" خلال مغامراته الغرامية، فيندم على مغامراته تلك، ويزور ديراً ليرتد إلى حظيرة التقوى على يدي كاهن، لكنه في الدير يلتقي بأميرة جميلة (يأبى تواضع الكاتبة إلا أن تسميها باسمها هي، موراساكي) فتشغله تلك الأميرة حتى ليتعذر عليه أن يتابع الكاهن وهو ينحو إليه باللوم على خطاياه:
"بدأ الكاهن يقص القصص عن زوال هذه الحياة الدنيا وعن الجزاء في الحياة الآخرة، ولقد ارتاع جنجي حين تمثل له فداحة خطاياه التي اقترفها، إنه لعذاب أليم أن يعلم أن هذه الخطايا ستظل واخزة لضميره ما بقي حياً في هذه الدنيا، فما بالك بحياة أخرى ستتلو هذه، فياله من عقاب شديد ذلك الذي ينتظره في مستقبله! وكلما قال الكاهن شيئاً من هذا، أخذ جنجي يفكر في تعاسته، ألا ما أجملها فكرة أن يرتد راهباً وأن يقيم في مكان كهذا!... لكن سرعان ما استدارت أفكاره ناحية الوجه الجميل الذي قد رآه ذلك الأصيل واشتاق أن يعرف عن تلك المرأة شيئاً فسأل الكاهن: من ذا يسكن معك هاهنا(24)؟"
وتعاون الكاتبة المؤلفة بطلها جنجي على موت زوجته في الولادة، بحيث أتيح له أن يخلي مكان الصدارة في بيته لأميرته الجديدة "موراساكي" .
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الفكر والفن في اليابان القديمة -> النثر -> القصص
اضطرت إلى ستر سلوكه بستار جميل، وذلك بحذف كل نقائصه، وستقول إن ما أكتبه ليس تاريخاً، والقصة ملفقة أريد بها التأثير على الأجيال التالية تأثيراً يخدعهم عن الحقيقة، والقصة كما هي ستجعلني في أعين الناس ناقلة لأنباء الدعارة، لكن لا حيلة في ذلك"(23).
ويمرض "جنجي" خلال مغامراته الغرامية، فيندم على مغامراته تلك، ويزور ديراً ليرتد إلى حظيرة التقوى على يدي كاهن، لكنه في الدير يلتقي بأميرة جميلة (يأبى تواضع الكاتبة إلا أن تسميها باسمها هي، موراساكي) فتشغله تلك الأميرة حتى ليتعذر عليه أن يتابع الكاهن وهو ينحو إليه باللوم على خطاياه:
"بدأ الكاهن يقص القصص عن زوال هذه الحياة الدنيا وعن الجزاء في الحياة الآخرة، ولقد ارتاع جنجي حين تمثل له فداحة خطاياه التي اقترفها، إنه لعذاب أليم أن يعلم أن هذه الخطايا ستظل واخزة لضميره ما بقي حياً في هذه الدنيا، فما بالك بحياة أخرى ستتلو هذه، فياله من عقاب شديد ذلك الذي ينتظره في مستقبله! وكلما قال الكاهن شيئاً من هذا، أخذ جنجي يفكر في تعاسته، ألا ما أجملها فكرة أن يرتد راهباً وأن يقيم في مكان كهذا!... لكن سرعان ما استدارت أفكاره ناحية الوجه الجميل الذي قد رآه ذلك الأصيل واشتاق أن يعرف عن تلك المرأة شيئاً فسأل الكاهن: من ذا يسكن معك هاهنا(24)؟"
وتعاون الكاتبة المؤلفة بطلها جنجي على موت زوجته في الولادة، بحيث أتيح له أن يخلي مكان الصدارة في بيته لأميرته الجديدة "موراساكي" .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 18 من اصل 19 • 1 ... 10 ... 17, 18, 19
مواضيع مماثلة
» قصة الحضارة - لول ديورانت
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
صفحة 18 من اصل 19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى