تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
صفحة 1 من اصل 1
تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
الكتاب الثاني و يشتمل : أخبار العرب و أجيالهم و دولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد
و فيه ذكر معاصيرهم من الأمم المشاهير ، مثل السريانيين و النبط و الكلدانيين و الفرس و القبط و بني إسرائيل و بني يونان و الروم ، و الإلمام بأخبار دولهم . و يتقدم الكلام في ذلك مقدمتان :
إحدا
هما في أمم العالم و أنسابهم على الجملة .
الثانية في كيفية أوضاع الانساب في هذا الكتاب .
المقدمة الأولى في أمم العالم و اختلاف أجيالهم و الكلام على الجملة في أنسابهم
اعلم أن الله سبحانه و تعالى اعتمر هذا العالم بخلقه و كرم بني آدم باستخلافهم في أرضه ، و بثهم في نواحيها لتمام حكمته ، و خالف بين أممهم و أجيالهم إظهاراً لآياته فيتعارفون بالأنساب ، و يختلفون باللغات و الألوان ، و يتمايزون بالسير و المذاهب و الأخلاق ، و يفترقون بالنحل و الأديان و الأقاليم و الجهات . فمنهم العرب و الفرس و الروم و بنو إسرائيل و البربر ، و منهم الصقالبة و الحبش و الزنج ، و منهم أهل الهند و أهل بابل و أهل الصين و أهل اليمن و أهل مصر و أهل المغرب . و منهم المسلمون و النصارى و اليهود و الصائبة و المجوس ،و منهم أهل الوبر و هم أصحاب الخيام و الحلل و أهل المدر و هم أصحاب المجاشر و القرى و الأطم ، و منهم البدو الظواهر و الحضر الأهلون . و منهم العرب أهل البيان و الفصاحة و العجم و أهل الرطانة بالعبرانية و الفارسية و الإغريقية و اللطينية و البربرية . خالف أجناسهم و أحوالهم و ألسنتهم و ألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق و حاجات المعاش بحسب خصوصياتهم و نحلهم فتظهر آثار القدرة و عجائب الصنعة و آيات الوحدانية إن في ذلك لآيات للعالمين .
و اعلم أن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال و الأمم لخفائه و اندارسه بدروس الزمان و ذهابه . و لهذا كان الاختلاف كثيراً ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمة الواحدة إذا اتصلت مع الأيام و تشعبت بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين و الفرس و البربر و قحطات من العرب . فإذا اختلفت الأنساب و اختلفت فيها المذاهب و تباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد الأحوال و المتعارف من المقارنات في الزمان و المكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص القبائل و سمات الشعوب و الفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بينهم .
و سئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبة إلى آدم فكره ذلك و قال من أين يعلم ذلك ؟ فقيل له فإلى إسمعيل فأنكر ذلك و قال من يخبره به ؟ و على هذا درج كثير من علماء السلف و كره أيضاً أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن فلان و قال من يخبره به . و كان بعضهم إذا تلا قوله تعالى : " و الذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله " قال : كذبت النسابون . و احتجوا أيضاً بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال من ههنا كذب النسابون . و احتجوا أيضاً بما ثبت فيه أنه علم لا ينفع و جهالة لا تضر إلى غير ذلك من الاستدلالات .
و ذهب كثير من أئمة المحدثين و الفقهاء مثل ابن إسحق و الطبري و البخاري إلى جواز الرفع في الأنساب و لم يكرهوه ، محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب قريش لقريش و مضر بل لسائر و العرب و كذا ابن عباس و جبير بن مطعم و عقيل بن أبي طالب و كان من بعدهم ابن شهاب و الزهري و ابن سيرين و كثير من التابعين . قالوا و تدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة و ولاية النكاح و العاقلة في الديانات و العلم بنسب النبي صلى الله عليه و سلم و أنه القرشي الهاشمي الذي كان بمكة و هاجر إلى المدينة فان هذا من فروض الإيمان و لا يعذر الجاهل به . و كذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها . و كذا من يفرق في الحرية و الاسترقاق بين العرب و العجم . فهذا كله يدعو إلى معرفة الأنساب و يؤكد فضل هذا العلم و شرفه فلا ينبغي أن يكون ممنوعا .
و أما " حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم لما بلغ نسبه إلى عدنان قال من ههنا كذب النسابون " يعني من عدنان . فقد أنكر السهيلي روايته من طريق ابن عباس مرفوعاً و قال الأصح أنه موقوف على ابن مسعود . و خرج السهيلي " عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن البري بن أعراق الثري " . قال و فسرت أم سلمة زيداً بأنه الهميسع و البري بأنه نبت أو نابت و أعراق الثري بأنه اسمعيل ، و اسمعيل هو ابن ابراهيم و ابراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى . ورد السهيلي تفسير أم سلمة و هو الصحيح ، و قال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه و سلم " كلكم بنو آدم و آدم من تراب " لا يريد أن الهميسع و من دونه ابن لاسمعيل لصلبه و عضد ذلك باتفاق الأخبار على بعد المدة بين عدنان و اسمعيل التي تستحيل في العادة أن يكون فيما بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لأحد من الفريقين . و أما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع و جهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم مثل الجرجاني و أبي محمد بن حزم و أبي عمر بن عبد البر .
و فيه ذكر معاصيرهم من الأمم المشاهير ، مثل السريانيين و النبط و الكلدانيين و الفرس و القبط و بني إسرائيل و بني يونان و الروم ، و الإلمام بأخبار دولهم . و يتقدم الكلام في ذلك مقدمتان :
إحدا
هما في أمم العالم و أنسابهم على الجملة .
الثانية في كيفية أوضاع الانساب في هذا الكتاب .
المقدمة الأولى في أمم العالم و اختلاف أجيالهم و الكلام على الجملة في أنسابهم
اعلم أن الله سبحانه و تعالى اعتمر هذا العالم بخلقه و كرم بني آدم باستخلافهم في أرضه ، و بثهم في نواحيها لتمام حكمته ، و خالف بين أممهم و أجيالهم إظهاراً لآياته فيتعارفون بالأنساب ، و يختلفون باللغات و الألوان ، و يتمايزون بالسير و المذاهب و الأخلاق ، و يفترقون بالنحل و الأديان و الأقاليم و الجهات . فمنهم العرب و الفرس و الروم و بنو إسرائيل و البربر ، و منهم الصقالبة و الحبش و الزنج ، و منهم أهل الهند و أهل بابل و أهل الصين و أهل اليمن و أهل مصر و أهل المغرب . و منهم المسلمون و النصارى و اليهود و الصائبة و المجوس ،و منهم أهل الوبر و هم أصحاب الخيام و الحلل و أهل المدر و هم أصحاب المجاشر و القرى و الأطم ، و منهم البدو الظواهر و الحضر الأهلون . و منهم العرب أهل البيان و الفصاحة و العجم و أهل الرطانة بالعبرانية و الفارسية و الإغريقية و اللطينية و البربرية . خالف أجناسهم و أحوالهم و ألسنتهم و ألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق و حاجات المعاش بحسب خصوصياتهم و نحلهم فتظهر آثار القدرة و عجائب الصنعة و آيات الوحدانية إن في ذلك لآيات للعالمين .
و اعلم أن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال و الأمم لخفائه و اندارسه بدروس الزمان و ذهابه . و لهذا كان الاختلاف كثيراً ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمة الواحدة إذا اتصلت مع الأيام و تشعبت بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين و الفرس و البربر و قحطات من العرب . فإذا اختلفت الأنساب و اختلفت فيها المذاهب و تباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد الأحوال و المتعارف من المقارنات في الزمان و المكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص القبائل و سمات الشعوب و الفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بينهم .
و سئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبة إلى آدم فكره ذلك و قال من أين يعلم ذلك ؟ فقيل له فإلى إسمعيل فأنكر ذلك و قال من يخبره به ؟ و على هذا درج كثير من علماء السلف و كره أيضاً أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال إبراهيم بن فلان بن فلان و قال من يخبره به . و كان بعضهم إذا تلا قوله تعالى : " و الذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله " قال : كذبت النسابون . و احتجوا أيضاً بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال من ههنا كذب النسابون . و احتجوا أيضاً بما ثبت فيه أنه علم لا ينفع و جهالة لا تضر إلى غير ذلك من الاستدلالات .
و ذهب كثير من أئمة المحدثين و الفقهاء مثل ابن إسحق و الطبري و البخاري إلى جواز الرفع في الأنساب و لم يكرهوه ، محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب قريش لقريش و مضر بل لسائر و العرب و كذا ابن عباس و جبير بن مطعم و عقيل بن أبي طالب و كان من بعدهم ابن شهاب و الزهري و ابن سيرين و كثير من التابعين . قالوا و تدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة و ولاية النكاح و العاقلة في الديانات و العلم بنسب النبي صلى الله عليه و سلم و أنه القرشي الهاشمي الذي كان بمكة و هاجر إلى المدينة فان هذا من فروض الإيمان و لا يعذر الجاهل به . و كذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها . و كذا من يفرق في الحرية و الاسترقاق بين العرب و العجم . فهذا كله يدعو إلى معرفة الأنساب و يؤكد فضل هذا العلم و شرفه فلا ينبغي أن يكون ممنوعا .
و أما " حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه و سلم لما بلغ نسبه إلى عدنان قال من ههنا كذب النسابون " يعني من عدنان . فقد أنكر السهيلي روايته من طريق ابن عباس مرفوعاً و قال الأصح أنه موقوف على ابن مسعود . و خرج السهيلي " عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن البري بن أعراق الثري " . قال و فسرت أم سلمة زيداً بأنه الهميسع و البري بأنه نبت أو نابت و أعراق الثري بأنه اسمعيل ، و اسمعيل هو ابن ابراهيم و ابراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى . ورد السهيلي تفسير أم سلمة و هو الصحيح ، و قال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه و سلم " كلكم بنو آدم و آدم من تراب " لا يريد أن الهميسع و من دونه ابن لاسمعيل لصلبه و عضد ذلك باتفاق الأخبار على بعد المدة بين عدنان و اسمعيل التي تستحيل في العادة أن يكون فيما بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لأحد من الفريقين . و أما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع و جهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم مثل الجرجاني و أبي محمد بن حزم و أبي عمر بن عبد البر .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
و ألحق في الباب أن كل واحد من المذهبيين ليس على إطلاقه فإن الأنساب القريبة التي يمكن التوصل إلى معرفتها لا يضر الاشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الأمور الشرعية من التعصيب و الولاية و العاقلة و فرض الإيمان بمعرفة النبي صلى الله عليه و سلم ، و نسب الخلافة و التفرقة بين العرب و العجم في الحرية و الاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر كله و في الأمور العادية أيضاً تثبت به اللحمة الطبيعة التي يكون بهذا المدافعة و المطالبة . و منفعة ذلك في إقامة الملك و الدين ظاهرة . و قد كان صلى الله عليه و سلم و أصحابه ينسبون إلى مضر و يتساءلون عن ذلك . و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " تعلموا من أنسابكن ما تصلون به أرحامكم " . و هذا كله ظاهر في النسب القريب ، و أما الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها إلا بالشواهد و المقارنات لبعد الزمان و طول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأساً لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك و غيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه . و هذا وجه قوله صلى الله عليه و سلم فيما بعد عدنان من ههنا كذب النسابون لأنها أحقاب متطاولة و معالم دراسة لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها أن عملها لا ينفع و جهلها لا يضر كما نقل و الله الهادي إلى الصواب .
و لنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة و نترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول : إن النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليفة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الإخباريين من أن الجن و الطم أمتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم ، و هو ضعيف متروك و ليس لدينا من أخبار آدم و ذريته إلا ما وقع في المصحف الكريم و هو معروف بين الأئمة . و اتفقوا على أن فيهم أنبياء مثل شيث و إدريس و ملوك في تلك الأجيال معدودون و طوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين و معناه الموحدون ، و مثل السريانيين و هم المشركون . و زعموا أن أمم الصابئة منهم و أنهم من و لد صابئ بن لمك بن أخنوخ ، و كان نحلتهم في الكواكب و القيام لها كلها و استنزال روحانيتها و أن من حزبهم الكلدانيين أي الموحدين . و قد ألف أبو إسحق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم و نحلتهم . و ذكر أخبارهم أيضاً داهر مؤرخ السريانيين و البابا الصابي الحراني و ذكروا استيلاءهم على العالم و جملا من نواميسهم . و قد اندرسوا و انقطع أثرهم . و قد يقال أن السريانيين من أهل تلك الأجيال ، و كذلك النمرود و الازدهاق و هو المسمى بالضحاك من ملوك الفرس و ليس ذلك بصحيح عند المحققين .
و اتفقوا على أن الطوفان الذي كان في زمن و بدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور و مهلك الذين ركبوا معه في السفينة و لم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله و عاد أباً ثانياً للخليفة و هو نوح بن لامك و يقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام و سكونها ابن خنوخ ، و يقال أخنوخ ، و يقال أشنخ ، و يقال أخنخ و هو إدريس النبي فيما قاله ابن إسحاق ابن بيرد و يقال بيرد بن مهلائيل و يقال ماهلايل بن قاين و يقال قنين بن أنوش و يقال يانش بن شيث بن آدم ، و معنى شيث عطية الله هكذا نسبه ابن إسحق و غيره من الأئمة و كذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الأئمة . و نقل ابن إسحق أن خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو إدريس النبي صلوات الله عليه و هو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس النبي صلوات الله عليه و هو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس عندهم ليس بجد لنوح و لا في عمود نسبه و قد زعم الحكماء الأقدمون أيضاً أن إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم . و كذلك يقال : أن الصائبة من ولد صابئ بن لامك و هو أخو نوح عليه السلام . و قيل أن صابئ متوشلخ جده .
و اعلم أن الخلاف الذي في ضبط هذه الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف فإن هذه الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة و مخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب ، فإذا وقع الحرف متواسطاً بين حرفين من لغة العرب ، فترده العرب تارة إلى هذا و تارة إلى هذا . و كذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم ، فمن ههنا اختلف الضبط في هذه الأسماء .و اعلم أن الفرس و الهند لا يعرفون الطوفان و بعض الفرس يقولون كان ببابل فقط . و اعلم أن آدم هوكيوميرث و هو نهاية نسبهم فيما يزعمون ، و أن أفريدون الملك في آبائهم هو نوح ، و أنه بعث لازدهاق و هو الضحاك فلبسه الملك و قبله كما يذكر بعد في أخبارهم . و قد تترجح صحة هذا الأنساب من التوراة و كذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهودا و من نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها و قد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام و اسرائيل و شعوب الأسباط و نسب ما بينهم و بين آدم صلوات الله عليه . و النسب و القصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق الاتحري النسخ الصحيحة و النقل المعتبر . و أما ما يقال من أن علمائهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم . فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه : أن ذلك بعيد ، و قال معاذ الله أن تعمد أمة الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه ، و قال و إنما بدلوه و حرفوه بالتأويل و يشهد لذلك قوله تعالى : " و عندهم التوراة فيها حكم الله " و لو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله و ما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف و التبديل فيها إليهم فإنما المعني به التأويل اللهم إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة و عدم الضبط . و تحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما و ملكهم قد ذهب ، و جماعتهم انتشرت في الآفاق و استوى الضابط منهم وغير الضابط ، و العالم و الجاهل ، و لم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك
و لنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة و نترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول : إن النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليفة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الإخباريين من أن الجن و الطم أمتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم ، و هو ضعيف متروك و ليس لدينا من أخبار آدم و ذريته إلا ما وقع في المصحف الكريم و هو معروف بين الأئمة . و اتفقوا على أن فيهم أنبياء مثل شيث و إدريس و ملوك في تلك الأجيال معدودون و طوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين و معناه الموحدون ، و مثل السريانيين و هم المشركون . و زعموا أن أمم الصابئة منهم و أنهم من و لد صابئ بن لمك بن أخنوخ ، و كان نحلتهم في الكواكب و القيام لها كلها و استنزال روحانيتها و أن من حزبهم الكلدانيين أي الموحدين . و قد ألف أبو إسحق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم و نحلتهم . و ذكر أخبارهم أيضاً داهر مؤرخ السريانيين و البابا الصابي الحراني و ذكروا استيلاءهم على العالم و جملا من نواميسهم . و قد اندرسوا و انقطع أثرهم . و قد يقال أن السريانيين من أهل تلك الأجيال ، و كذلك النمرود و الازدهاق و هو المسمى بالضحاك من ملوك الفرس و ليس ذلك بصحيح عند المحققين .
و اتفقوا على أن الطوفان الذي كان في زمن و بدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور و مهلك الذين ركبوا معه في السفينة و لم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله و عاد أباً ثانياً للخليفة و هو نوح بن لامك و يقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام و سكونها ابن خنوخ ، و يقال أخنوخ ، و يقال أشنخ ، و يقال أخنخ و هو إدريس النبي فيما قاله ابن إسحاق ابن بيرد و يقال بيرد بن مهلائيل و يقال ماهلايل بن قاين و يقال قنين بن أنوش و يقال يانش بن شيث بن آدم ، و معنى شيث عطية الله هكذا نسبه ابن إسحق و غيره من الأئمة و كذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الأئمة . و نقل ابن إسحق أن خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو إدريس النبي صلوات الله عليه و هو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس النبي صلوات الله عليه و هو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس عندهم ليس بجد لنوح و لا في عمود نسبه و قد زعم الحكماء الأقدمون أيضاً أن إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم . و كذلك يقال : أن الصائبة من ولد صابئ بن لامك و هو أخو نوح عليه السلام . و قيل أن صابئ متوشلخ جده .
و اعلم أن الخلاف الذي في ضبط هذه الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف فإن هذه الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة و مخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب ، فإذا وقع الحرف متواسطاً بين حرفين من لغة العرب ، فترده العرب تارة إلى هذا و تارة إلى هذا . و كذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم ، فمن ههنا اختلف الضبط في هذه الأسماء .و اعلم أن الفرس و الهند لا يعرفون الطوفان و بعض الفرس يقولون كان ببابل فقط . و اعلم أن آدم هوكيوميرث و هو نهاية نسبهم فيما يزعمون ، و أن أفريدون الملك في آبائهم هو نوح ، و أنه بعث لازدهاق و هو الضحاك فلبسه الملك و قبله كما يذكر بعد في أخبارهم . و قد تترجح صحة هذا الأنساب من التوراة و كذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهودا و من نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها و قد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام و اسرائيل و شعوب الأسباط و نسب ما بينهم و بين آدم صلوات الله عليه . و النسب و القصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق الاتحري النسخ الصحيحة و النقل المعتبر . و أما ما يقال من أن علمائهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم . فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه : أن ذلك بعيد ، و قال معاذ الله أن تعمد أمة الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه ، و قال و إنما بدلوه و حرفوه بالتأويل و يشهد لذلك قوله تعالى : " و عندهم التوراة فيها حكم الله " و لو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله و ما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف و التبديل فيها إليهم فإنما المعني به التأويل اللهم إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة و عدم الضبط . و تحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما و ملكهم قد ذهب ، و جماعتهم انتشرت في الآفاق و استوى الضابط منهم وغير الضابط ، و العالم و الجاهل ، و لم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل و تحريف غير متعمد من علمائهم و أحبارهم . و يمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذ تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه .
ثم اتفق النسابون و نقلت المفسرين على أن ولد نوح الذي تفرعت الأمم منهم ثلاثة : سام و حام ويافث و قد وقع ذكرهم في التوراة ، و أن يافث أكبرهم و حام الأصغر و سام الأوسط . و خرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك و أن سام أبو العرب ، و يافث أبو الروم ، و حام أبو الحبش و الزنج و في بعضها السودان . و في بعضها سام أبو العرب و فارس و الروم ، و يافث أبو الترك و الصقالبة و يأجوج و مأجوج ، و حام أبو القبط و السودان و البربر ، و مثله عن ابن المسيب و وهب بن منبه . و هذه الأحاديث و إن صحت فإنما الأنساب فيها مجملة و لا بد من نقل ما ذكره المحققون في تفريغ أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً . و كذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد اسمه كنعان و هو الذي هلك في الطوفان ، قال و تسمية العرب يام ، و آخر مات قبل الطوفان اسمه عابر . و قال هشام كان له ولد اسمه بوناطر فمن ولد العرب على اختلافهم و إبراهيم و بنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين .
و الخلاف بينهم إنما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام .
فالذي نقله ابن إسحاق : أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة و هم : أرفخشد و لاوذ و إرم و أشوذ و غليم . و كذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة و أن بني أشوذ هم أهل الموصل ، و بني غليم أهل خوزستان و منها الأهواز . و لم يذكر في التوراة ولد لاوذ . و قال ابن إسحق : و كان للاوذ أربعة من الولد : و هم طسم و عمليق و جرجان و فارس قال : و من العماليق أمة جاسم فمنهم بنو لف و بنو هزان و بنو مطر و بنو الأزرق و منهم بديل و راحل و ظفار ، و منهم الكنعانيون و برابرة الشام و فراعنة مصر . و عن غير ابن إسحاق أن عبد بن ضخم و أميم من ولد لاوذ . قال ابن إسحق : و كانت طسم و العماليق و أميم و جاسم يتكلمون بالعربية و فارس يجاورونهم إلى المشرق و يتكلمون بالفارسية .
قال و ولد إرم : عوص و كاثر و عبيل و من ولد عوص عاد و منزلهم بالرمال و الأحقاف إلى حضرموت . و من ولد كاثرثمود و جديس و منزل ثمود بالحجر بين الشام و الحجاز .
و قال هشام بن الكلبي : عبيل بن عوص أخو عاد . و قال ابن حزم عن قدماء النسابين : أن لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عاص و كاثر . و قال : فعلى هذا يكون جديس و ثمود أخوين ، و طسم و عملاق أخوين أبناء عم لحام و كلهم بنو عم عاد . قال : و يذكرون أن عبد بن ضخم بن إرم و أن أميم بن لاوذ بن إرم . قال الطبري : و فهم الله لسان العربية عاداً و ثمود و عبيل و طسم و جديس و أميم و عمليق و هم العرب العاربة . و ربما يقال : إن من العرب العاربة يقطن أيضاً ، و يسمون أيضاً العرب البائدة و لم يبق على وجه الأرض منهم أحد . قال : و كان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان و هم النبط . و قال هشام بن محمد الكلبي : إن النبط بنو نبيط بن ماش بن إرم و السريان بنو سريان بن نبط ، و ذكر أيضاً أن فارس من ولد أشوذ بن سام و قال فيه فارس بن طبراش بن أشوذ ، وقيل أنهم من أميم بن لاوذ و قيل ابن غليم و في التوراة : ذكر ملك الأهواز و اسمه كردلا عمرو من بني غليم و الأهواز متصلة ببلاد فارس . فلعل هذا القائل ظن أن أهل أهواز هم فارس و الصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر . و قال أيضاً إن البربر من ولد عمليق بن لاوذ و أنهم بنو تميلة من مأرب بن قاران بن عمر بن عمليق و الصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر . و ذكر في التوراة ولد إرم أربعة عوص و كاثر و ماش و يقال مشح و الرابع حول . و لم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا شيء إلا أن الجرامقة من ولد كاثر . و قد قيل إن الكرد و الديلم من العرب . و هو قول مرغوب عنه . و قال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد إيران و نبيط و جرموق و باسل فمن إيران الفرس و الكرد و الخزر ، و من نبيط النبط و السريان ، و من جرموق الجرامقة و أهل الموصل ، و من باسل الديلم و أهل الجبل . قال الطبري : و من ولد أرفخشد العبرانيون و بنو عابر بن شالخ بن أرفخشد و هكذا نسبه في التوراة . و في غيره أن شالخ بن قينن بن أرفخشذ و إنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه كان ساحراً و ادعى الألوهية .
و عند بعضهم أن النمروذ من ولد أرفخشذ و هو ضعيف و في التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ و يقطن ، و عند المحققين من النسابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا . و من فالغ إبراهيم عليه السلام و شعوبه و يأتي ذكرهم . و من يقطن شعوب كثيرة ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له و هم : المرذاذ و معربه و مضاض و هم جرهم و إرم و هم حضور و سالف و هم أهل السلفات و سبا وهم أهل اليمن من حمير و التبابعة و كهلان و هدرماوت و هم حضرموت . هؤلاء خمسة ، و ثمانية أخرى ننقل أسماءهم و هي عبرانية و لم نقف على تفسير شيء منها و لا يعلم من أي البطون هم ، و هم : بباراح و أوزال و دفلا و عوثال و أفيمايل و أيوفير و حويلا ويوفاف ، و عند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدري من أيهم ، و قال هشام بن الكلبي : إن الهند و السن من نوفير بن يقطن و الله أعلم .و أما يافث فمن ولده الترك و الصين و الصقالبة و يأجوج و مأجوج باتفاق من النسابين . و في آخرين خلاف كما يذكر . و كان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة . و هم كومر و ياوان و ماذاي و ماغوغ و قطوبال و ماشخ و طيراش و عدهم ابن إسحق هكذا و حذف ماذاي و لم يذكر كومر و توغرما و أشبان و ريغاث هكذا في نص التوراة . و وقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر ، و أن أشبان هم الصقالبة ، و أن ريغاث هم الإفرنج و يقال لهم برنسوس ، و الخزر هم التركمان و شعوب الترك كلهم من بني كومر و لم يذكروا
ثم اتفق النسابون و نقلت المفسرين على أن ولد نوح الذي تفرعت الأمم منهم ثلاثة : سام و حام ويافث و قد وقع ذكرهم في التوراة ، و أن يافث أكبرهم و حام الأصغر و سام الأوسط . و خرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك و أن سام أبو العرب ، و يافث أبو الروم ، و حام أبو الحبش و الزنج و في بعضها السودان . و في بعضها سام أبو العرب و فارس و الروم ، و يافث أبو الترك و الصقالبة و يأجوج و مأجوج ، و حام أبو القبط و السودان و البربر ، و مثله عن ابن المسيب و وهب بن منبه . و هذه الأحاديث و إن صحت فإنما الأنساب فيها مجملة و لا بد من نقل ما ذكره المحققون في تفريغ أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً . و كذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد اسمه كنعان و هو الذي هلك في الطوفان ، قال و تسمية العرب يام ، و آخر مات قبل الطوفان اسمه عابر . و قال هشام كان له ولد اسمه بوناطر فمن ولد العرب على اختلافهم و إبراهيم و بنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين .
و الخلاف بينهم إنما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام .
فالذي نقله ابن إسحاق : أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة و هم : أرفخشد و لاوذ و إرم و أشوذ و غليم . و كذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة و أن بني أشوذ هم أهل الموصل ، و بني غليم أهل خوزستان و منها الأهواز . و لم يذكر في التوراة ولد لاوذ . و قال ابن إسحق : و كان للاوذ أربعة من الولد : و هم طسم و عمليق و جرجان و فارس قال : و من العماليق أمة جاسم فمنهم بنو لف و بنو هزان و بنو مطر و بنو الأزرق و منهم بديل و راحل و ظفار ، و منهم الكنعانيون و برابرة الشام و فراعنة مصر . و عن غير ابن إسحاق أن عبد بن ضخم و أميم من ولد لاوذ . قال ابن إسحق : و كانت طسم و العماليق و أميم و جاسم يتكلمون بالعربية و فارس يجاورونهم إلى المشرق و يتكلمون بالفارسية .
قال و ولد إرم : عوص و كاثر و عبيل و من ولد عوص عاد و منزلهم بالرمال و الأحقاف إلى حضرموت . و من ولد كاثرثمود و جديس و منزل ثمود بالحجر بين الشام و الحجاز .
و قال هشام بن الكلبي : عبيل بن عوص أخو عاد . و قال ابن حزم عن قدماء النسابين : أن لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عاص و كاثر . و قال : فعلى هذا يكون جديس و ثمود أخوين ، و طسم و عملاق أخوين أبناء عم لحام و كلهم بنو عم عاد . قال : و يذكرون أن عبد بن ضخم بن إرم و أن أميم بن لاوذ بن إرم . قال الطبري : و فهم الله لسان العربية عاداً و ثمود و عبيل و طسم و جديس و أميم و عمليق و هم العرب العاربة . و ربما يقال : إن من العرب العاربة يقطن أيضاً ، و يسمون أيضاً العرب البائدة و لم يبق على وجه الأرض منهم أحد . قال : و كان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان و هم النبط . و قال هشام بن محمد الكلبي : إن النبط بنو نبيط بن ماش بن إرم و السريان بنو سريان بن نبط ، و ذكر أيضاً أن فارس من ولد أشوذ بن سام و قال فيه فارس بن طبراش بن أشوذ ، وقيل أنهم من أميم بن لاوذ و قيل ابن غليم و في التوراة : ذكر ملك الأهواز و اسمه كردلا عمرو من بني غليم و الأهواز متصلة ببلاد فارس . فلعل هذا القائل ظن أن أهل أهواز هم فارس و الصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر . و قال أيضاً إن البربر من ولد عمليق بن لاوذ و أنهم بنو تميلة من مأرب بن قاران بن عمر بن عمليق و الصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر . و ذكر في التوراة ولد إرم أربعة عوص و كاثر و ماش و يقال مشح و الرابع حول . و لم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا شيء إلا أن الجرامقة من ولد كاثر . و قد قيل إن الكرد و الديلم من العرب . و هو قول مرغوب عنه . و قال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد إيران و نبيط و جرموق و باسل فمن إيران الفرس و الكرد و الخزر ، و من نبيط النبط و السريان ، و من جرموق الجرامقة و أهل الموصل ، و من باسل الديلم و أهل الجبل . قال الطبري : و من ولد أرفخشد العبرانيون و بنو عابر بن شالخ بن أرفخشد و هكذا نسبه في التوراة . و في غيره أن شالخ بن قينن بن أرفخشذ و إنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه كان ساحراً و ادعى الألوهية .
و عند بعضهم أن النمروذ من ولد أرفخشذ و هو ضعيف و في التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ و يقطن ، و عند المحققين من النسابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا . و من فالغ إبراهيم عليه السلام و شعوبه و يأتي ذكرهم . و من يقطن شعوب كثيرة ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له و هم : المرذاذ و معربه و مضاض و هم جرهم و إرم و هم حضور و سالف و هم أهل السلفات و سبا وهم أهل اليمن من حمير و التبابعة و كهلان و هدرماوت و هم حضرموت . هؤلاء خمسة ، و ثمانية أخرى ننقل أسماءهم و هي عبرانية و لم نقف على تفسير شيء منها و لا يعلم من أي البطون هم ، و هم : بباراح و أوزال و دفلا و عوثال و أفيمايل و أيوفير و حويلا ويوفاف ، و عند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدري من أيهم ، و قال هشام بن الكلبي : إن الهند و السن من نوفير بن يقطن و الله أعلم .و أما يافث فمن ولده الترك و الصين و الصقالبة و يأجوج و مأجوج باتفاق من النسابين . و في آخرين خلاف كما يذكر . و كان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة . و هم كومر و ياوان و ماذاي و ماغوغ و قطوبال و ماشخ و طيراش و عدهم ابن إسحق هكذا و حذف ماذاي و لم يذكر كومر و توغرما و أشبان و ريغاث هكذا في نص التوراة . و وقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر ، و أن أشبان هم الصقالبة ، و أن ريغاث هم الإفرنج و يقال لهم برنسوس ، و الخزر هم التركمان و شعوب الترك كلهم من بني كومر و لم يذكروا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
من أي الثلاثة هم . و الظاهر أنه ممن توغرما و نسبهم ابن سعيد إلى الترك ابن عامور بن سويل بن يافث ، و الظاهر أنه غلط و أن عامور هو كومر صحف عليه . و هم أجناس كثيرة منهم الطغرغر و هم التتر و الخطا و كانوا بأرض طغماج و الخزلقية و الغز الذي كان منهم السلجوقية و الهياطلة الذي كان منهم الخلج ، و يقال للهياطلة الصغد أيضاً . و من أجناس الترك الغور و الخزر و القفجاق ، و يقال الخفشاخ ، و منهم يمك و العلان ، و يقال الأز ، و منهم الشركس و أزكش . و من ماغوغ عند الإسرائيليين يأجوج و مأجوج ، و قال ابن إسحق : إنهم من كومر و من ماذاي الديلم و يسمون في اللسان العبراني ماهان . و منهم أيضاً همذان و جعلهم بعض الإسرائيليين من بني همذان بن يافث و عد همذان ثامنا للسبعة المذكورين من ولده .
و أما ياوان فعند الإسرائليلين أنه كان له من الولد أربعة و هم : داود بن و اليشا و كيتم و ترشيش ، و إن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم و الباقي يونان ، و أن ترشيش أهل طرسوس .
و أما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق و الليمان من المغرب . و يقال أن أهل أفريقية قبل البربر منهم و أن الإفرنج أيضاً منهم . و يقال أيضاً أن أهل الأندلس قديماً منهم . و أما ماشخ فكان ولده عند الإسرائيليين بخراسان و قد انقضوا لهذا العهد فيما يظهر و عند بعض النسابين أن الأشبان منهم .
و أما طيراش فهم الفرس عند الإسرائليين و ربما قال غيرهم إنهم من كومر و أن الخزر و الترك من طيرش و أن الصقالبة و برجان و الأشبان من ياوان و أن يأجوج و مأجوج من كومر و هي كلها مزاعم بعيدة عن الصواب . و قال اهروشيوش مؤرخ الروم أن القوط و اللطين من ماغوغ . و هذا آخر الكلام في أنساب يافث .
و أما حام فمن ولده : السودان و الهند و القبط و كنعان باتفاق . و في آخرين خلاف نذكره و كان له على ما وقع في التوارة أربعة من الولد و هم مصر و يقول بعضهم مصرايم و كنعان و كوش و قوط . فمن ولد مصر عن الاسرائيليين فتروسيم و كسلوحيم و وقع في التوراة فلشنين منهما معاً . و لم يتعين من أحدهما و بنو فلشين الذين كان منهم جالوت . و من ولد مصر عندهم كفتورع و يقولون هم أهل دمياط و وقع الانقلوس ابن أخت قيطش الذي خرب القدس في الجلوة الكبرى على اليهود . قال إن كفتورع هو قبطقاي و يظهر من هذه الصيغة أنهم القبط لما بين الاسمين من الشبه . و من ولد مصر عناميم و كان لهم نواحي إسكندرية و هم أيضاً بفتوحيم و لوديم و لهابيم . و لم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء . و أما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون و لهم ناحية صيدا و إيموري و كرساش ، و كانوا بالشام و انتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى أفريقية فأقاموا بها . و من كنعان أيضاً يبوسا و كانوا ببيت المقدس و هربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى أفريقية و المغرب و أقاموا بها . و الظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولاً و آخراً إلا أن المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء . و من كنعان أيضاً حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق . و منهم عرفان و أروادى و خوي و لهم نابلس و سبا و لهم طرابلس و ضمارى و لهم حمص و حما و لهم أنطاكية و كانت تسمى حما باسمهم و أما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد و هم سفنا و سبا و جويلا و رعما و سفخا و من ولد رعماشا و هم السند و دادان و هم الهند . و فيها أن النمروذ من ولد كوش و لم يعنيه و في تفاسيرها أن جويلا زويلة و هم أهل برقة . و أما أهل اليمن من ولد سبا . و أما قوط فعند أكثر الإسرائيلين أن القبط منهم . و نقل الطبري عن ابن إسحق أن الهند و السند و الحبشة من بني السودان من ولد كوش . و أن النوبة و فزان و زغاوة و الزنج منهم من كنعان . و قال ابن سعيد أجناس السودان كلهم من ولد حام و نسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من ولده غير هؤلاء الحبشة إلى حبش ، و النوبة إلى نوابة أو نوى ، و الزنج إلى زنج ، و لم يسم أحداً من آباء الأجناس الباقية و هؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام فلعلهم من أعقابهم ، أو لعلها أسماء أجناس . و قال هشام بن محمد الكلبي إن النمروذ هو ابن كوش بن كنعان . و قال أهروشيوش مؤرخ الروم : إن سبا و أهل إفريقية يعني البربر من جويلا بن كوش و يسمى يضول و هذا و الله أعلم غلط لأنه مر أن يضول في التوراة من ولد يافث و لذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان ابن رعما من ولد مصر بن حام بنو قبط بن لاب بن مصر الكلام في بني حام .
و هذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة و الخلاف الذي في تفاصيلها يذكر في أماكنه و الله ولي العون و التوفيق .
المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول و غيرهماعلم أن الأنساب تتشعب دائماً و ذلك أن الرجل قد يكون له من الولد ثلاثة أو أربعة أو أكثر ، و يكون لكل واحد منهم كذلك ، و كل واحد منهم فرع ناشئ عن أصل أو فرع أو عن فرع فرع فصارت بمثابة الأغصان للشجرة تكون قائمة على ساق واحدة هي أصلها و الفروع عن جانبها ، و لكل واحد من الفروع فروع أخرى إلى أن تنتهي إلى الغاية . فلذلك اخترنا بعد الكلام على الأنساب للأمة و شعوبها أن نضع ذلك على شكل شجرة نجعل أصلها و عمود نسبها باسم الأعظم من أولئك الشعوب و من له التقدم عليهم فيجعل عمود نسبة أصلالها و تفرع الشعوب الأخرى عن جانبه من كل جهة ، كأنها فروع لتلك الشجرة حتى تتصل تلك الأنساب عموداً و فروعاً بأصلها الجامع لها ظاهرة للعيان في صفحة واحدة ، فترسم في
و أما ياوان فعند الإسرائليلين أنه كان له من الولد أربعة و هم : داود بن و اليشا و كيتم و ترشيش ، و إن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم و الباقي يونان ، و أن ترشيش أهل طرسوس .
و أما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق و الليمان من المغرب . و يقال أن أهل أفريقية قبل البربر منهم و أن الإفرنج أيضاً منهم . و يقال أيضاً أن أهل الأندلس قديماً منهم . و أما ماشخ فكان ولده عند الإسرائيليين بخراسان و قد انقضوا لهذا العهد فيما يظهر و عند بعض النسابين أن الأشبان منهم .
و أما طيراش فهم الفرس عند الإسرائليين و ربما قال غيرهم إنهم من كومر و أن الخزر و الترك من طيرش و أن الصقالبة و برجان و الأشبان من ياوان و أن يأجوج و مأجوج من كومر و هي كلها مزاعم بعيدة عن الصواب . و قال اهروشيوش مؤرخ الروم أن القوط و اللطين من ماغوغ . و هذا آخر الكلام في أنساب يافث .
و أما حام فمن ولده : السودان و الهند و القبط و كنعان باتفاق . و في آخرين خلاف نذكره و كان له على ما وقع في التوارة أربعة من الولد و هم مصر و يقول بعضهم مصرايم و كنعان و كوش و قوط . فمن ولد مصر عن الاسرائيليين فتروسيم و كسلوحيم و وقع في التوراة فلشنين منهما معاً . و لم يتعين من أحدهما و بنو فلشين الذين كان منهم جالوت . و من ولد مصر عندهم كفتورع و يقولون هم أهل دمياط و وقع الانقلوس ابن أخت قيطش الذي خرب القدس في الجلوة الكبرى على اليهود . قال إن كفتورع هو قبطقاي و يظهر من هذه الصيغة أنهم القبط لما بين الاسمين من الشبه . و من ولد مصر عناميم و كان لهم نواحي إسكندرية و هم أيضاً بفتوحيم و لوديم و لهابيم . و لم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء . و أما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون و لهم ناحية صيدا و إيموري و كرساش ، و كانوا بالشام و انتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى أفريقية فأقاموا بها . و من كنعان أيضاً يبوسا و كانوا ببيت المقدس و هربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى أفريقية و المغرب و أقاموا بها . و الظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولاً و آخراً إلا أن المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء . و من كنعان أيضاً حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق . و منهم عرفان و أروادى و خوي و لهم نابلس و سبا و لهم طرابلس و ضمارى و لهم حمص و حما و لهم أنطاكية و كانت تسمى حما باسمهم و أما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد و هم سفنا و سبا و جويلا و رعما و سفخا و من ولد رعماشا و هم السند و دادان و هم الهند . و فيها أن النمروذ من ولد كوش و لم يعنيه و في تفاسيرها أن جويلا زويلة و هم أهل برقة . و أما أهل اليمن من ولد سبا . و أما قوط فعند أكثر الإسرائيلين أن القبط منهم . و نقل الطبري عن ابن إسحق أن الهند و السند و الحبشة من بني السودان من ولد كوش . و أن النوبة و فزان و زغاوة و الزنج منهم من كنعان . و قال ابن سعيد أجناس السودان كلهم من ولد حام و نسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من ولده غير هؤلاء الحبشة إلى حبش ، و النوبة إلى نوابة أو نوى ، و الزنج إلى زنج ، و لم يسم أحداً من آباء الأجناس الباقية و هؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام فلعلهم من أعقابهم ، أو لعلها أسماء أجناس . و قال هشام بن محمد الكلبي إن النمروذ هو ابن كوش بن كنعان . و قال أهروشيوش مؤرخ الروم : إن سبا و أهل إفريقية يعني البربر من جويلا بن كوش و يسمى يضول و هذا و الله أعلم غلط لأنه مر أن يضول في التوراة من ولد يافث و لذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان ابن رعما من ولد مصر بن حام بنو قبط بن لاب بن مصر الكلام في بني حام .
و هذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة و الخلاف الذي في تفاصيلها يذكر في أماكنه و الله ولي العون و التوفيق .
المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول و غيرهماعلم أن الأنساب تتشعب دائماً و ذلك أن الرجل قد يكون له من الولد ثلاثة أو أربعة أو أكثر ، و يكون لكل واحد منهم كذلك ، و كل واحد منهم فرع ناشئ عن أصل أو فرع أو عن فرع فرع فصارت بمثابة الأغصان للشجرة تكون قائمة على ساق واحدة هي أصلها و الفروع عن جانبها ، و لكل واحد من الفروع فروع أخرى إلى أن تنتهي إلى الغاية . فلذلك اخترنا بعد الكلام على الأنساب للأمة و شعوبها أن نضع ذلك على شكل شجرة نجعل أصلها و عمود نسبها باسم الأعظم من أولئك الشعوب و من له التقدم عليهم فيجعل عمود نسبة أصلالها و تفرع الشعوب الأخرى عن جانبه من كل جهة ، كأنها فروع لتلك الشجرة حتى تتصل تلك الأنساب عموداً و فروعاً بأصلها الجامع لها ظاهرة للعيان في صفحة واحدة ، فترسم في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
الخيال دفعة و يكون ذلك أعون على تصور الأنساب و تشعبها فإن الصور الحسية أقرب إلى الارتسام في الخيال من المعاني المتعلقة . ثم لما كانت هذه الأمم كلها لها دول و سلطان ، اعتمدنا بالقصد الأول ذكر الملوك منهم في تلك الشجرات متصلة أنسابهم إلى الجد الذي يجمعهم ، بعد أن نرسم على كل واحد منهم رتبته في تعاقبهم واحداً بعد واحد بحروف أ ب ج د فالألف للأول و الباء للثاني و الجيم للثالث و الدال للرابع و الهاء للخامس و هلم جراً ، و نهاية الأجداد لأهل تلك الدولة في الآخر منهم ، و يكون للأول غصون و فروع في كل جهة عنه فإذا نظرت في الشجرة علمت أنساب الملوك في كل دولة و ترتبهم بتلك الحروف واحداً بعد واحد و الله أعلم بالصواب .
القول في أجيال العرب و أوليتها و اختلاف طبقاتها و تعاقبها و أنساب كل طبقة منها
اعلم أن العرب منهم الأمة الراحلة الناجعة ، أهل الخيام لسكانهم و الخيل لركوبهم ، و الأنعام لكسبهم ، يقومون عليها ، و يقتاتون من ألبانها ، و يتخذون الدفء و الأثاث من أوبارها و أشعارها ، و يحملون أثقالها على ظهورها . يتنازلون حللاً متفرقة ، و يبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص ، و يختطف الناس من السبل ، و يتقلبون دائماً في المجالات فراراً من حمارة القيظ تارة ، و صبارة البرد أخرى ، و انتجاعاً لمراعي غنمهم ، و ارتياداً لمصالح إبلهم الكفيلة بمعاشهم ، و حمل أثقالهم و دفئهم و منافعهم ، فاختصوا لذلك بسكن الإقليم الثالث ما بين البحر المحيط من المغرب إلى أقصى اليمن و حدود الهند من المشرق . فعمروا اليمن و الحجاز و نجداً و تهامة و ما وراء ذلك مما دخلوا إليه في الماء الخامسة كما ذكروه من مصر وصحاري برقة و تلولها و قسطنطينة و أفريقية و زاغا و المغرب الأقصى و السوس ، لاختصاص هذه البلاد بالرمال و القفار المحيطة بالأرياف و التلول و الأرياف الآهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع و زخرف الأرض لرعي الكلأ و العشب في منابتها ، و التنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها . و ربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من أضرارهم بإفساد السابلة ، و رعي الزرع مخضراً ، و انتهابه قائماً و حصيداً إلا ما حاطته الدولة ، و ذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها . ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعي شجرها ، ونتاج إبلهم في رمالها ، و ما أحاط به عملهم من مصالحها ، و فراراً بأنفسهم و ظعائنها من أذى البرد إلى دفء مشاتيها . فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف و الصحراء ما بين الإقليم الثالث و الرابع صاعدين و منحدرين على ممر الأيام ، شعارهم لبس المخيط في الغالب ، و لبس العمائم تيجاناً على رؤوسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها و هم عرب المشرق ، و قوم يلفون منها الليث و الاخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها و هم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر قبلهم . و كذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية ، و هجروا تنكب القسى . و كان المعروف لأولهم و من بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين .
ثم إن العرب لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام و الفصاحة في المنطق و الذلاقة في اللسان و لذلك سموا بهذا الاسم فإنه مشتق من الابانة لقولهم أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه . و منه قوله صلى الله عليه و سلم : " الثيب تعرب عن نفسها " . و البيان سمتهم بين الأمم منذ كانوا . و انظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر منذ كانوا . و انظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم و خطبائهم من رضي لذلك ، فاختار منهم وفد أوفده عليه و كان من خبره و استغراب ما جاؤوا به من البيان ما هو معروف .
فهذه كلها شعائرهم و سماتهم و أغلبه عليهم اتخاذ الإبل و القيام على نتاجها و طلب الانتجاع بها الارتياد مراعيها و مفاحص توليدها بما كان معاشهم منها . فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين . كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة و البقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه إلا بالعرض و لذلك كان النسب في بعضهم مجهولاً عند الأكثر و في بعضهم خفياً على الجمهور . و ربما تكون هذه السمات و الشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب إلا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم . و هذا الانتقال لا يكون إلا في أزمنة متطاولة و أحقاب متداولة . و لذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل و الخفاء .و اعلم أن حيل العرب بعد الطوفان و عصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى و ثمود و العمالقة و طسم و جديس و أميم و جرهم و حضرموت و من ينتمي إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح . ثم لما انقرضت تلك العصور و ذهب أولئك الأمم و أبادهم الله بما شاء من قدرته و صار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير و كهلان و أعقابهم من التبابعة و من إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام . ثم لما تطاولت تلك العصور و تعاقبت و كان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده و اختص الله بالنبوة منهم إبراهيم بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ و كان من شأنه مع نمروذ ما قصه القرآن . ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور ، و تخلف ابنه إسمعيل مع أمه هاجر بالحجر قرباناً لله ، و مرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها و نشأ إسمعيل بينهم ، و ربي في أحيائهم ، و تعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجمياً . ثم كان بناء البيت كما قصه ، ثم عظم نسله و كثر و صار بالجيل آخر من ربيعة و مضر و من إليهم من إياد وعك و شعوب نزار و عدنان و سائر ولد إسمعيل و هم
القول في أجيال العرب و أوليتها و اختلاف طبقاتها و تعاقبها و أنساب كل طبقة منها
اعلم أن العرب منهم الأمة الراحلة الناجعة ، أهل الخيام لسكانهم و الخيل لركوبهم ، و الأنعام لكسبهم ، يقومون عليها ، و يقتاتون من ألبانها ، و يتخذون الدفء و الأثاث من أوبارها و أشعارها ، و يحملون أثقالها على ظهورها . يتنازلون حللاً متفرقة ، و يبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص ، و يختطف الناس من السبل ، و يتقلبون دائماً في المجالات فراراً من حمارة القيظ تارة ، و صبارة البرد أخرى ، و انتجاعاً لمراعي غنمهم ، و ارتياداً لمصالح إبلهم الكفيلة بمعاشهم ، و حمل أثقالهم و دفئهم و منافعهم ، فاختصوا لذلك بسكن الإقليم الثالث ما بين البحر المحيط من المغرب إلى أقصى اليمن و حدود الهند من المشرق . فعمروا اليمن و الحجاز و نجداً و تهامة و ما وراء ذلك مما دخلوا إليه في الماء الخامسة كما ذكروه من مصر وصحاري برقة و تلولها و قسطنطينة و أفريقية و زاغا و المغرب الأقصى و السوس ، لاختصاص هذه البلاد بالرمال و القفار المحيطة بالأرياف و التلول و الأرياف الآهلة بمن سواهم من الأمم في فصل الربيع و زخرف الأرض لرعي الكلأ و العشب في منابتها ، و التنقل في نواحيها إلى فصل الصيف لمدة الأقوات في سنتهم من حبوبها . و ربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من أضرارهم بإفساد السابلة ، و رعي الزرع مخضراً ، و انتهابه قائماً و حصيداً إلا ما حاطته الدولة ، و ذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها . ثم ينحدرون في فصل الخريف إلى القفار لرعي شجرها ، ونتاج إبلهم في رمالها ، و ما أحاط به عملهم من مصالحها ، و فراراً بأنفسهم و ظعائنها من أذى البرد إلى دفء مشاتيها . فلا يزالون في كل عام مترددين بين الريف و الصحراء ما بين الإقليم الثالث و الرابع صاعدين و منحدرين على ممر الأيام ، شعارهم لبس المخيط في الغالب ، و لبس العمائم تيجاناً على رؤوسهم يرسلون من أطرافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها و هم عرب المشرق ، و قوم يلفون منها الليث و الاخدع قبل لبسها ثم يتلثمون بما تحت أذقانهم من فضلها و هم عرب المغرب حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر قبلهم . و كذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية ، و هجروا تنكب القسى . و كان المعروف لأولهم و من بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين .
ثم إن العرب لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام و الفصاحة في المنطق و الذلاقة في اللسان و لذلك سموا بهذا الاسم فإنه مشتق من الابانة لقولهم أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه . و منه قوله صلى الله عليه و سلم : " الثيب تعرب عن نفسها " . و البيان سمتهم بين الأمم منذ كانوا . و انظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر منذ كانوا . و انظر قصة كسرى لما طلب من خليفته على العرب النعمان بن المنذر أن يوفد عليه من كبرائهم و خطبائهم من رضي لذلك ، فاختار منهم وفد أوفده عليه و كان من خبره و استغراب ما جاؤوا به من البيان ما هو معروف .
فهذه كلها شعائرهم و سماتهم و أغلبه عليهم اتخاذ الإبل و القيام على نتاجها و طلب الانتجاع بها الارتياد مراعيها و مفاحص توليدها بما كان معاشهم منها . فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين . كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة و البقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه إلا بالعرض و لذلك كان النسب في بعضهم مجهولاً عند الأكثر و في بعضهم خفياً على الجمهور . و ربما تكون هذه السمات و الشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب إلا أنهم في الغالب يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم . و هذا الانتقال لا يكون إلا في أزمنة متطاولة و أحقاب متداولة . و لذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل و الخفاء .و اعلم أن حيل العرب بعد الطوفان و عصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى و ثمود و العمالقة و طسم و جديس و أميم و جرهم و حضرموت و من ينتمي إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح . ثم لما انقرضت تلك العصور و ذهب أولئك الأمم و أبادهم الله بما شاء من قدرته و صار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير و كهلان و أعقابهم من التبابعة و من إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام . ثم لما تطاولت تلك العصور و تعاقبت و كان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده و اختص الله بالنبوة منهم إبراهيم بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ و كان من شأنه مع نمروذ ما قصه القرآن . ثم كان من هجرته إلى الحجاز ما هو مذكور ، و تخلف ابنه إسمعيل مع أمه هاجر بالحجر قرباناً لله ، و مرت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها و نشأ إسمعيل بينهم ، و ربي في أحيائهم ، و تعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجمياً . ثم كان بناء البيت كما قصه ، ثم عظم نسله و كثر و صار بالجيل آخر من ربيعة و مضر و من إليهم من إياد وعك و شعوب نزار و عدنان و سائر ولد إسمعيل و هم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى