تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 3
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العباس
ونبدأ منهم بدولة الأدارسة بالمغرب الأقصى . قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلي ابن أبي طالب و بنيه رضي الله عنهم ، و ما كان من شأنهم بالكوفة ، و موجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره ، و اضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم ، حتى قتل المتولون كبر ذلك منهم حجر بن عدي و أصحابه ، ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معروف ، ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته ، فخرجوا بعد وفاة يزيد و بيعة مروان ، و خرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة ، وسموا أنفسهم التوابين ، وولوا عليه سليمان بن صرد و لقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم . ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالبا بدم الحسين رضي الله عنه و داعيا لمحمد بن الحنفية و تبعه على ذلك جموعه من الشيعة ، و سماهم شرطة الله ، و زحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله ، و بلغ محمد بن الحنفية من أحوال المختار ما نقمه عليه ، . فكتب بليه بالبراءة منه فصار إلى الدعاء لعبد الله بن الزبير . ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب للكوفة يوسف بن عمر وصلبه ، و خرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان فقتل و صلب كذلك ، و طلت دماء أهل البيت في كل ناحية ، و قد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين . ثم اختلف الشيعة و افترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية و ذهبوا طرائق قددا ، فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبي صلى الله عليه و سلم لعلى بالإمامة ، و يسمونه الوصي بذلك ، و يتبرؤن من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم ، و خاصموا زيداً بذلك حين دعا بالكوفة . و من لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة . و منهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي و بنيه على سائر الصحابة ، و على شروط يشترطونها ، و إمامة الشيخين عندهم صحيحة و إن كان علي أفضل ، و هذا مذهب زيد و اتباعه ، و هم جمهور الشيعة و أبعدهم عن الانحراف و الغلو . و منهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية و بنيه من بعد الحسن و الحسين و من هؤلاء كانت شيعة بني العباس القائلون بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالإمامة . و انتشرت هذه المذاهب بين الشيعة و افترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم . و كان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان . و لما صار أمر بني أمية إلى اختلال ، أجمع أهل البيت بالمدينة ، و بايعوا بالخلافة سرا لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي و سلم له جميعهم . و حضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس و هو المنصور ، و بايع فيمن بايع له من أهل البيت ، و أجمعوا على ذلك لتقدمه فيهم لما علموا له من الفضل علهم ، و لهذا كان مالك و أبو حنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز ، و يريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل ، و ربما صار إليه الأمر من عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن علي . و كان أبو حنيفة يقول بفضله ، و يحتج إلى حقه فتأدت إليهما المحنة بسبب أيام أبي جعفر المنصور ، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره ، وحبس أبو حنيفة على القضاء . و لما انقرضت دولة بني أمية و جاءت دولة بني العباس ، و صار الأمر لأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن ، و أن محمد بن عبد الله يروم الخروج و أن دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وأخوته حسن و إبراهيم و جعفر ، و علي القائم و ابنه موسى بن عبد الله و سليمان و عبد الله ابن أخيه داود ، و محمد و إسماعيل و إسحاق بنو عمه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم و حبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم ، وأرهبوا الطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس و أربعين و بعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها ، و على الأهواز وفارس ، و بعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها ، و بعث عاملا إلى اليمن ، و دعا لنفسه ، و خطب على منبر النبي صلى الله عليه و سلم و تسمى بالمهدي و كان يدعى النفس الزكية ، و حبس رباح بن عثمان المري عامل المدينة ، فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور و نصه بعد البسملة : من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله . أما بعد " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " . و أن لك ذمة الله و عهده و ميثاقه ، إن تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك و ولدك و أخوتك و من تابعك و جميع شيعتك ، و أن أعطيك ألف ألف سرهم ، و أنزلك من البلاد حي شئت ، و أقضي لك ما شئت من الحاجات ، و أن أطلق من سجن من أهل بيتك و شيعتك و أنصارك ، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه . و إن شئت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد و الأمان ما أحببت و السلام . فأجابه محمد بن عبد الله بكتاب نصه بعد البسملة : من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد . أما بعد " طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين *
أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العباس
ونبدأ منهم بدولة الأدارسة بالمغرب الأقصى . قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلي ابن أبي طالب و بنيه رضي الله عنهم ، و ما كان من شأنهم بالكوفة ، و موجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره ، و اضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم ، حتى قتل المتولون كبر ذلك منهم حجر بن عدي و أصحابه ، ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معروف ، ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته ، فخرجوا بعد وفاة يزيد و بيعة مروان ، و خرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة ، وسموا أنفسهم التوابين ، وولوا عليه سليمان بن صرد و لقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم . ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالبا بدم الحسين رضي الله عنه و داعيا لمحمد بن الحنفية و تبعه على ذلك جموعه من الشيعة ، و سماهم شرطة الله ، و زحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله ، و بلغ محمد بن الحنفية من أحوال المختار ما نقمه عليه ، . فكتب بليه بالبراءة منه فصار إلى الدعاء لعبد الله بن الزبير . ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب للكوفة يوسف بن عمر وصلبه ، و خرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان فقتل و صلب كذلك ، و طلت دماء أهل البيت في كل ناحية ، و قد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين . ثم اختلف الشيعة و افترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية و ذهبوا طرائق قددا ، فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبي صلى الله عليه و سلم لعلى بالإمامة ، و يسمونه الوصي بذلك ، و يتبرؤن من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم ، و خاصموا زيداً بذلك حين دعا بالكوفة . و من لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة . و منهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي و بنيه على سائر الصحابة ، و على شروط يشترطونها ، و إمامة الشيخين عندهم صحيحة و إن كان علي أفضل ، و هذا مذهب زيد و اتباعه ، و هم جمهور الشيعة و أبعدهم عن الانحراف و الغلو . و منهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية و بنيه من بعد الحسن و الحسين و من هؤلاء كانت شيعة بني العباس القائلون بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالإمامة . و انتشرت هذه المذاهب بين الشيعة و افترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم . و كان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان . و لما صار أمر بني أمية إلى اختلال ، أجمع أهل البيت بالمدينة ، و بايعوا بالخلافة سرا لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي و سلم له جميعهم . و حضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس و هو المنصور ، و بايع فيمن بايع له من أهل البيت ، و أجمعوا على ذلك لتقدمه فيهم لما علموا له من الفضل علهم ، و لهذا كان مالك و أبو حنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز ، و يريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل ، و ربما صار إليه الأمر من عند الشيعة بانتقال الوصية من زيد بن علي . و كان أبو حنيفة يقول بفضله ، و يحتج إلى حقه فتأدت إليهما المحنة بسبب أيام أبي جعفر المنصور ، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره ، وحبس أبو حنيفة على القضاء . و لما انقرضت دولة بني أمية و جاءت دولة بني العباس ، و صار الأمر لأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن ، و أن محمد بن عبد الله يروم الخروج و أن دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وأخوته حسن و إبراهيم و جعفر ، و علي القائم و ابنه موسى بن عبد الله و سليمان و عبد الله ابن أخيه داود ، و محمد و إسماعيل و إسحاق بنو عمه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم و حبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم ، وأرهبوا الطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس و أربعين و بعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها ، و على الأهواز وفارس ، و بعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها ، و بعث عاملا إلى اليمن ، و دعا لنفسه ، و خطب على منبر النبي صلى الله عليه و سلم و تسمى بالمهدي و كان يدعى النفس الزكية ، و حبس رباح بن عثمان المري عامل المدينة ، فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور و نصه بعد البسملة : من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله . أما بعد " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " . و أن لك ذمة الله و عهده و ميثاقه ، إن تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك و ولدك و أخوتك و من تابعك و جميع شيعتك ، و أن أعطيك ألف ألف سرهم ، و أنزلك من البلاد حي شئت ، و أقضي لك ما شئت من الحاجات ، و أن أطلق من سجن من أهل بيتك و شيعتك و أنصارك ، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه . و إن شئت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد و الأمان ما أحببت و السلام . فأجابه محمد بن عبد الله بكتاب نصه بعد البسملة : من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد . أما بعد " طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين *
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " و أنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي أعطيتني فقد تعلم أن الحق حقنا و أنكم إنما أعطيتموه بنا ، و نهضتم فيه بسعينا و حزتموه بفضلنا ، وأن أبانا عليا عليه السلام ، كان الوصي و الإمام فكيف ورثتموه دوننا و نحن أحياء ! و قد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يشد بمثل فضلنا ، و لا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا و نسبنا و نسيبنا ، و إنا بنو بنته قاطمة في الإسلام من بينكم فإنا أوسط بني هاشم نسبا و خيرهم أما و أبا ، لم تلدني العجم و لم تعرف في أمهات الأولاد ، و أن الله عز وجل لم يزل يختار لنا ، فولدين من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه و سلم ، ومن أصحابه أقسمهم إسلاما و أوسعهم علما و أكثرهم جهادا علي بن أبي طالب ، ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله و صلى إلى القبلة ، و من بناته أفضلهن و سيدة نساء أهل الجنة ، و من المتولدين في الإسلام سيدا شباب أهل الجنة ، ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين من قبل جدي الحسن و الحسين فما زال الله يختار لي حتى اختار لي في معنى النار ، فولدني أرفع الناس درجة في الجنة و أهون أهل النار عذابا يوم القيامة ، فأنا ابن خير الأخيار و ابن خير الأشرار و ابن خير أهل الجنة و ابن خير أهل النار . و لك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك ، وكل ما أصبته إلا حدا من حدود الله أو حقا لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك و أحرى بقبول الأمان منك . فأما أمانك الذي عرضت علي فهو أي الأمانات هي ؟ أ أمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم ؟ و السلام . فأجابه المنصور ، بعد البسملة : من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله ! فقد أتاني كتابك و بلغني كلامك ، فإذا جل فخرك بالنساء لتضل به الحفاة و الغوغاء ، و لم يجعل الله النساء كالعمومة ، و لا الآباء كالعصبة و الأولياء ، و قد جعل الله العم أبا و بدأ به على الولد فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام : و اتبعت ملة آبائي إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب . و لقد علمت أن الله تبارك و تعالى بعث محمدا صلى الله عليه و سلم و عمومته أربعة ، فأجابه اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك . و أما ما ذكرت من النساء و قراباتهن فلو أعطى على قرب الأنساب و حق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت وهب ، و لكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه . و أما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام ، و لو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة و الأولى ، و أسعدهم بدخول الجنة غدا . و لكن الله أبى ذلك فقال : إنك لا تهدي من أحببت ، و لكن الله يهدي من يشاء . و أما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب ، و فاطمة أم الحسين و أن هاشما ولد عليا مرتين ، و أن عبد المطلب ولد الحسن مرتين ، فخير الأولين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يلده هاشم إلا مرة واحدة ، و لم يلده عبد المطلب إلا مرة واحدة . و أما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإن الله عز وجل قد أبى ذلك فقال : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين ، و لكنكم قرابة ابنته و أنها لقرابة قريبة ، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ، و لا يجوز أن تؤم فكيف تورث الإمامة من قبلها و لقد طلب بها أبوك من كل وجه ، و أخرجها تخاصم ، ومرضها سرا و دفنها ليلا ، و أبى الناس إلا تقديم الشيخين ، ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بالصلاة غيره . ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلا يأخذوا أباك فيهم . ثم كان في أصحاب الشورى ، فكل دفعه عنها ، بايع عبد الرحمن عثمان ، و قبلها عثمان ، و حارب أباك طلحة و الزبير ، و دعا سعدا إلى بيعته فأغلق بابه دونه . ثم بايع معاوية بعده ، و أفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن ، فسلمه إلى معاوية بخزف و دراهم ، و أسلم في يديه شيعته ، و خرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله ، و أخذ مالا من غير حله ، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه . فأما قولك إن الله اختار لك في الكفر فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار ، ولا من عذاب الله هين ، و لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يفتخر بالنار ، سترد فتعلم ، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . و أما قولك لم تلدك العجم و لم تعرف فيك أمهات الأولاد ، وأنك أوسط بني هاشم نسبا و خيرهم أما و أبا ، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طراً و قدمت نفسك على من هو خير منك أولا و آخراً وأصلا و فصلا ، فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و على والد والده ، فانظر ويحك أين تكون من الله غدا و ما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من علي بن الحسين ، و هو لأم ولد ، و لقد كان خيرا من جدك حسن بن حسن . ثم ابنه محمد خير من أبيك ، و جدته أم ولد ، ثم ابنه جعفر وهو خير ، و لقد علمت أن جدك عليا حكم الحكمين و أعطاهما عهده و ميثاقه على الرضا بما حكما به ، فأجمعا على خلعه . ثم خرج عمك الحسين بن علي بن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه ، ثم أتوا بكم على الأقتاب كالسبي المجلوب إلى الشام ، ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية و حرقوكم بالنار و صلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا يسيركم إذ لم تدركوه ، و رفعنا أقداركم و أورثناكم أرضهم و ديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة ، فسفهناهم وكفرناهم و بينا فضله ، و أشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة ، و ظننت أنا بما ذكرنا من فضل علي قدمناه على حمزة و العباس و جعفر ، كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم و ابتلى أبوك بالدماء . و لقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم ، و ولاية زمزم ، و كانت للعباس من دون أخوته فنازعنا فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها ، و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس من عمومته أحد حيا إلا العباس ، و كان وارثه
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
دون عبد المطلب ، و طلب الخلافة غير واحد من بني هاشم فلم ينلها إلا ولده فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء ، و بنوه القادة الخلفاء ، فقد ذهب يفضل القديم و الحديث و لولا أن العباس أخرج إلى بدر كرها لمات عماك طالب و عقيل جوعا أو يلحسان جفان عتبة وشيبة ، فأذهب عنهما العار والشنار . و لقد جاء الإسلام و العباس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم ، ثم فدى عقيلا يوم بدر ، فعززناكم في الكفر و فديناكم من الأسر و ورثناه دونكم خاتم الأنبياء و أدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه ، و وضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم و السلام . ثم عقد أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمه موسى بن علي ، فزحف إليه في العساكر ، و قاتله بالمدينة فهزمه و قتله في منتصف رمضان سنة خمس و أربعين ، و لحق ابنه علي بالسند إلى أن هلك هناك ، و اختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور ، و رجع عيسى إلى المنصور فجهزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة فقاتل آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه ، و قتله حسبما مر ذكره هنالك ، و قتل معه عيسى بن زيد بن علي فيمن قتل من أصحابه و زعم ابن قتيبة أن عيسى بن زيد ابن علي ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم ، و لقيه في مائة و عشرين ألفا ، و قاتله أياما إلى أن هم المنصور بالفرار ، ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى و لحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هنالك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي و قتلهما كما مر .
ثم خرج بالمدينة أيام المهدي سنة تسع و ستين من بني حسن الحسين بن علي بن حسن المثلث ، و هو أخو عبد الله بن حسن المثنى ، و عم المهدي ، و بويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة ، وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي و قد كان قدم حاجا من البصرة فولاه حربه يوم التروية ، فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة ، و هزمه و قتله ، و افترق أصحابه ، و كان فيهم عمه إدريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت منهم يومئذ ، و لحق بمصر نازعا إلى المغرب ، و على بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور و يعرف بالمسكين ، و كان يتشيع ، فعلم بشأن إدريس و أتاه إلى المكان الذي كان به مستخفيا ، و حمله على البريد إلى المغرب و معه راشد مولاه فنزل أبو ليلى سنة ست و سبعين ، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربه من قبائل البربر ، وكبيرهم لعهده فأجاره و أكرمه ، و جمع البربر على القيام بدعوته ، و خلع الطاعة العباسية و كشف القناع و اجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه و قاموا بأمره ، و كان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا . و ملك المغرب الأقصى ، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث و سبعين . و دخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته ، و استفحل ملكه ، و خاطب إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان ، وخاطب الرشيد بذلك ، فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي إسمه سليمان بن حريز ، و يعرف بالشماخ ، و أنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه و لحق بإدريس مظهرا للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا الدعوة العباسية و منتحلا للطالبين ، و اختصه الإمام إدريس و حلي بعينه ، و كان قد تأبط سما في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه ، و دفن ببو ليلى سنة خمس و سبعين ، و فر الشماخ و لحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده ، و أجاز الشماخ الوادي فأعجزه و بايع البرابرة بعد ملكه ابنه إدريس سنة ثمان و ثمانين ، و اجتمعوا على القيام فأمره و لحق به كثير من العرب من أفريقية والأندلس ، و عجز بنو الأغلب أمراء أفريقية عنه فاستفحلت له و لبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبي العافية و قومه مكناسة أولياء العبيديين أعوام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر ، و نعدد ملوكهم هناك واحدا واحدا ، و انقراض دولتهم و عودها ، و نستوعب ذلك كله لأنه أمس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم . ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست و سبعين أيام الرشيد ، و اشتدت شوكتهم و سرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان ، و تلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب و يكتب له الرشيد بذلك خطه ، فتم بينهما ، و جاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب ، و أجرى له أرزاقا سنية ، ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير ، فيقال أطلقه بعدها ، و وصله بمال ، و يقال سمه لشهر من اعتقاله ، و يقال أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكان بسببه نكبة البرامكة ، و انقرض شأن بني حسن و خفيت دعوة الزيدية حيناً من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمين والديلم ما نذكره و الله غالب على أمره .
الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد
كانت الدولة العباسية قد تمهدت من لدن أبي جعفر المنصور منهم ، و سكن أمر . الخوارج و الدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ، ووقع بين بنيه من . الفتنة ما وقع ، و قتل الأمين بيد طاهر بن الحسين ، و وقع في حصار بغداد من الحرب . والعبث ما وقع ، و بقي المأمون مقيما بخراسان تسكينا لأهلها عن ثائرة الفتن ، و ولي على العراق الحسن بن سهل ، اتسع الخرق حينئذ بالعراق و أشيع عن المأمون أن الفضل بن سهل غلب عليه ، و حجره فامتعض الشيعة لذلك ، و تكلموا ، و طمع العلوية في التوثب على الأمر ، فكان في العراق أعقاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنى المقتول بالبصرة أيام المنصور . و كان منهم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم و لقبه أبوه طباطبا ، للكنة كانت في لسانه ، أيام مرباه بين داياته فلقب بها ، و كان شيعته من الزيدية و غيرهم يدعون إلى إمامته لأنها كانت متوار في آبائه من إبراهيم الإمام جده على ما قلناه في خبره ، فخرج سنة تسع و تسعين ، و دعا لنفسه
ثم خرج بالمدينة أيام المهدي سنة تسع و ستين من بني حسن الحسين بن علي بن حسن المثلث ، و هو أخو عبد الله بن حسن المثنى ، و عم المهدي ، و بويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة ، وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي و قد كان قدم حاجا من البصرة فولاه حربه يوم التروية ، فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة ، و هزمه و قتله ، و افترق أصحابه ، و كان فيهم عمه إدريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت منهم يومئذ ، و لحق بمصر نازعا إلى المغرب ، و على بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور و يعرف بالمسكين ، و كان يتشيع ، فعلم بشأن إدريس و أتاه إلى المكان الذي كان به مستخفيا ، و حمله على البريد إلى المغرب و معه راشد مولاه فنزل أبو ليلى سنة ست و سبعين ، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربه من قبائل البربر ، وكبيرهم لعهده فأجاره و أكرمه ، و جمع البربر على القيام بدعوته ، و خلع الطاعة العباسية و كشف القناع و اجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه و قاموا بأمره ، و كان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا . و ملك المغرب الأقصى ، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث و سبعين . و دخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته ، و استفحل ملكه ، و خاطب إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان ، وخاطب الرشيد بذلك ، فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي إسمه سليمان بن حريز ، و يعرف بالشماخ ، و أنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه و لحق بإدريس مظهرا للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا الدعوة العباسية و منتحلا للطالبين ، و اختصه الإمام إدريس و حلي بعينه ، و كان قد تأبط سما في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه ، و دفن ببو ليلى سنة خمس و سبعين ، و فر الشماخ و لحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده ، و أجاز الشماخ الوادي فأعجزه و بايع البرابرة بعد ملكه ابنه إدريس سنة ثمان و ثمانين ، و اجتمعوا على القيام فأمره و لحق به كثير من العرب من أفريقية والأندلس ، و عجز بنو الأغلب أمراء أفريقية عنه فاستفحلت له و لبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبي العافية و قومه مكناسة أولياء العبيديين أعوام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر ، و نعدد ملوكهم هناك واحدا واحدا ، و انقراض دولتهم و عودها ، و نستوعب ذلك كله لأنه أمس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم . ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست و سبعين أيام الرشيد ، و اشتدت شوكتهم و سرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان ، و تلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب و يكتب له الرشيد بذلك خطه ، فتم بينهما ، و جاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب ، و أجرى له أرزاقا سنية ، ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير ، فيقال أطلقه بعدها ، و وصله بمال ، و يقال سمه لشهر من اعتقاله ، و يقال أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكان بسببه نكبة البرامكة ، و انقرض شأن بني حسن و خفيت دعوة الزيدية حيناً من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمين والديلم ما نذكره و الله غالب على أمره .
الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد
كانت الدولة العباسية قد تمهدت من لدن أبي جعفر المنصور منهم ، و سكن أمر . الخوارج و الدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ، ووقع بين بنيه من . الفتنة ما وقع ، و قتل الأمين بيد طاهر بن الحسين ، و وقع في حصار بغداد من الحرب . والعبث ما وقع ، و بقي المأمون مقيما بخراسان تسكينا لأهلها عن ثائرة الفتن ، و ولي على العراق الحسن بن سهل ، اتسع الخرق حينئذ بالعراق و أشيع عن المأمون أن الفضل بن سهل غلب عليه ، و حجره فامتعض الشيعة لذلك ، و تكلموا ، و طمع العلوية في التوثب على الأمر ، فكان في العراق أعقاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنى المقتول بالبصرة أيام المنصور . و كان منهم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم و لقبه أبوه طباطبا ، للكنة كانت في لسانه ، أيام مرباه بين داياته فلقب بها ، و كان شيعته من الزيدية و غيرهم يدعون إلى إمامته لأنها كانت متوار في آبائه من إبراهيم الإمام جده على ما قلناه في خبره ، فخرج سنة تسع و تسعين ، و دعا لنفسه
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
، و وافاه أبو السرايا السري بن منصور كبير بني شيبان فبايعه و قام بتدبير حربه ، و ملك الكوفة كثر تابعوه من الأعراب و غيرهم ، و صرح الحسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره ، ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة ، و يقال إن أبا السرايا سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين ، و استبد عليه ، و زحفت عليه جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا وملك البصرة و واسط و المدائن . و سرح الحسن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين و كان مغضباً فاسترضاه وجهز له الجيوش ، وزحف إلى أبي السرايا و أصحابه فغلبهم على المدائن ، و هزمهم و قتل منهم خلقاً ، و وجه أبو السرايا إلى مكة الحسين الأفطس بن الحسن بن علي زين العابدين ، وإلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن ، وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق ، وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة ، وكان بمكة مسرور الخادم الأكبر ، وسليمان بن داود بن عيسى ، فلما أحسوا بقدوم الحسين فروا عنها ، وبقي الناس في الموقف فوضى ، ودخلها الحسن من الغد فعاث بأهل في أهل الموسم ما شاء الله . واستخرج الكنز الذي كان في الكعبة من عهد الجاهلية وأقره النبي صلى الله عليه و سلم والخلفاء بعده ، وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله . ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه ، ثم بحث عن منصور ابن المهدي فكان أميراً معه ، واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة ، وخرج إلى القادسية ، ثم إلى واسط ، ولقيه عاملها وهزمه ، ولحق بجلولا مغلولا جريحا فقبض عليه عاملها وقدمع إلى الحسن بن سهل بالنهروان وضرب عنقه ، وذلك سنة مائتين . وبلغ الخبر الطالبيين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق ، وسموه أمير المؤمنين ، وغلب عليه ابناه علي وحسين فلم يكن يملك معهما من الأمر شيئاً ، ولحق إبراهيم ابن أخيه موسى الكاظم بن جعفر الصادق باليمن من أهل بيته فدعا لنفسه هنالك ، وتغلب على الكثير من بلاد اليمن ، وسمي بالجزار لكثرة من قتل من الناس . وخلص عامل اليمن وهو إسحاق بن موسى بن عيسى إلى المأمون فجهزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها ، وخرج جعفر بن محمد الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم ، ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فأمنه ، ودخل مكة وبايع للمأمون وخطب على المنبر بدعوته ، وسابقته الجيوش إلى اليمن فشردوا عنه الطالبيين وأقاموا فيه الدعوة العباسية ثم خرج الحسين الأفطس ودعا لنفسه بمكة ، وقتله المأمون وقتل ابنيه علياً ومحمد . ثم إن المأمون لما رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريباً منه في شأن علي والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحدى ومائتين ، وكتب بذلك إلى الآفاق ، وتقدم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة ، فحقد بنو العباس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمه إبراهيم بن المهدي سنة اثنتين ومائتين ، وخطب له ببغداد و عظمت الفتنة و شخص المأمون من خراسان متلافيا أمر العراق ، و هلك علي بن موسى في طريقه فجأة ، و دفن بطوس سنة ثلاث و مائتين . ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع ، و قبض على عمه إبراهيم و عفا عنه و سكن الفتنة . و في سنة تسع بعدها خرج باليمن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب يدعو للرضا من آل محمد ، و بايعه أهل اليمن ، و سرح إليه المأمون مولاه دينارا ، و استأمن له فأمنه و راجع الطاعة . ثم كثر خروج الزيدية من بعد ذلك بالحجاز و العراق و الجبال و الديلم و هرب إلى مصر خلق ، و أخذ منهم خلق ، و تتابع دعاتهم . فأول من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن زين العابدين ، هرب خوفا من المعتصم سنة تسع عشرة و مائتين ، و كان بمكان من العبادة و الزهد فلحق بخراسان ، ثم مضى إلى الطالقان و دعا بها لنفسه ، و اتبعته أمم الزيدية كلهم . ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه و قبض عليه ، وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات ، و بقال إنه مات مسموما ثم خرج من بعده بالكوفة أيضا الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين الأعرج بن علي ابن زين العابدين ، و اجتمع إليه الناس من بني أسد و غيرهم من جموعه و أشياعه ، وذلك سنة إحدى و خمسين و مائتين ، وزحف إليه ابن شيكال من أمراء الدولة فهزمه ، و لحق بصاحب الزنج فكان معه ، و كاتبه أهل الكوفة في العود إليه ، و ظهر عليه صاحب الزنج فقتله . و كان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل ، واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة و أعمالها ، و كان يقول في لفظة من أعلمه . أنه من و لد عيسى بن زيد الشهيد و أنه علي بن محمد بن زيد بن عيسى . ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد ، و الحق أنه دعي في أهل البيت كما نذكره في أخباره . وزحف إليه الموفق أخو المعتمد و دارت بينه و بينهم حروب إلى أن قتله ، و محا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفق و نذكره في أخباره . ثم خرج في الديلم من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي ، و هو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن خرج لخمس و خمسين فملك طبرستان و جرجان . وسائر أعمالها ، و كانت له و لشيعته الزيدية دولة هناك . ثم انقرضت آخر المائة الثالثة ، وورثها من ولد الحسن السبط ، ثم من ولد عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش و هو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر و هو ابن عم صاحب الطالقان . أسلم الديلم على يد هذا الأطروش و ملك بهم طبرستان و سائر أعمال الداعي ، و كانت له و لبنيه هنالك دولة ، و كانوا سببا لملك الديلم البلاد و تغلبهم على الخلفاء كما نذكر ذلك في أخبار دولتهم . ثم خرج باليمن من الزيدية من ولد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا أخي محمد صاحب أبي السرايا أعوام ثمانية و ثمانين ومائتين يحيى بن الحسين بن القاسم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الرسي فاستولى على صعدة و أورث عقبه فيها ملكا باقيا لهذا العهد ، و هي مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم . و في خلال ذلك خرج بالمدينة الأخوان محمد و علي ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم و عاثا في المدينة عيثا شديدا و تعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم نحوا من شهر و ذلك سنة إحدى و سبعين . ثم ظهر بالمغرب من دعاة الرافضة أبو عبد الله الشيعي في كتامة من قبائل البربر أعوام ستة و ثمانين و مائتين داعيا لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر ابن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق فظهر على الأغالبة بالقيروان ، و بايع لعبيد الله المهدي سنة ست و تسعين فتم أمره و ملك المغربين ، و استفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه . ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان و خمسين و ثلثمائة فملكها منهم المعز لدين الله معد بن إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي و شيد القاهرة . ثم ملك الشام و استفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس و ستين و خمسمائة . ثم ظهر في سواد الكوفة سنة ثمان و خمسين و مائتين من دعاة الرافضة رجل اسمه الفرج بن يحيى ، ويدعى قرمط ، بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفية فيه كثير من كلمات الكفر و التحليل و التحريم ، و ادعى أن أحمد بن الحنفية هو المهدي المنتظر ، و عاث في بلاد السواد ، ثم في بلاد الشام و تلقب و كرويه بن مهرويه ، و استبد طائفة منهم بالبحرين و نواحيها و رئيسهم أبو سعيد الجناجي ، و كان له هناك ملك و دولة أورثها بنيه من بعده إلى أن انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم . و كان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديين بالمغرب و طاعتهم . ثم كان بالعراق من دعاة الإسماعيلية و هؤلاء الرافضة طوائف آخرون ، و استبدوا بكثير من النواحي ، و نسب إليهم فيها القلاع قلعة الموت و غيرها ، و ينسبون تارة إلى القرامطة ، و تارة إلى العبيديين ، و كان من رجالاتهم الحسن بن الصباح في قلعة الموت و غيرها إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة للسلجوقية . و كان باليمامة و مكة و المدينة من بعد ذلك دول للزيدية و الرافضة فكان باليمامة دولة لبني الأخضر ، و هو محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى ، خرج أخوه إسماعيل بن يوسف في بادية الحجاز سنة اثنتين و خمسين و مائتين و ملك مكة . ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها و أورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة . و كان بمكة دولة لبني سليمان ابن داود بن حسن المثنى خرج محمد بن سليمان أيام المأمون و تسمى بالناهض ، و ملك مكة ، و استقرت إمارته في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمد بن جعفر ابن أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون فلكها من إبراهيم سنة أربع و خمسين و أربعمائة ، و غلب بني حسن على المدينة وداول الخطبة بمكة بين العباسيين و العبيديين و استفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة ، و غلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد . ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريس مطاعن بن عبد للكريم بن موسى بن عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون وورث دولة الهواشم و ملكهم ، و أورثها بنيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم ، و هؤلاء كلهم زيدية . و بالمدينة دولة للرافضة لولد الهناء . قال المسبحي : اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم ، و في كتاب العتبي مؤرخ دولة ابن سبكتكين أن مسلما اسمه محمد بن طاهر و كان صديقا لكافور ، و يدبر أمره . وهو من و لد الحسن بن علي زين العابدين . و استوف طاهر بن مسلم على المدينة أعوام ستين وثلثمائة و أورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم و الله وارث الأرض و من عليها .
الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى و مبدأ دولتهم و انقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحي المغرب
لما خرج حسين ين علف بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست و تسعين و مائة أيام المهدى ، و اجتمع عليه قرابته و فيهم عماه إدريس و يحيى ، و قاتلهم محمد بن سليمان بن علي بعجة على ثلاثة أميال بمكة فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته و انهزموا و أسر كثير منهم ، و نجا يحيى بن إدريس وسليمان ، و ظهر يحيى بعد ذلك في الديلم ، و قد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد و حبسه . و أما إدريس ففر و لحق بمصر ، و على بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور و يعرف بالمسكين ، و كان واضح يتشيع ، فعلم شأن إدريس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفيا و لم ير شيئا أخلص من أن يحمله على البريد إلى المغرب ففعل ، ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو و مولاه راشد ، ونزل بولية سنة اثنتي و سبعين و بها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة كبيرهم لعهده فأجاره ، و أجمع البرابر على القيام بدعوته ، وكشف القناع في ذلك ، و اجتمعت عليه زواغة و لواتة و سدراتة و غياثة و نفرة و مكناسة و غمارة و كافة للبرابر بالمغرب فبايعوه ، وقاموا بأمره و خطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا و لحق به من أخوته سليمان ، و نزل بأرض زناته من تلمسان و نواحيها ، و نذكر خبره فيما بعد و لما استوثق أمر إدريس و تمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية و اليهودية و النصرانية مثل قندلاوه و بهلوانه و مديونة و ما زار و فتح تامستا ومدينة شاله و تادلا و كان أكثرهم على دين اليهودية و النصرانية فأسلموا على يديه طوعا و كرها و هدم معاقلهم و حصونهم ثم زحف إلى تلمسان و بها من قبائل بني يعرب و مغراوه سنة ثلاث و سبعين ، و لقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه
الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى و مبدأ دولتهم و انقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحي المغرب
لما خرج حسين ين علف بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست و تسعين و مائة أيام المهدى ، و اجتمع عليه قرابته و فيهم عماه إدريس و يحيى ، و قاتلهم محمد بن سليمان بن علي بعجة على ثلاثة أميال بمكة فقتل الحسين في جماعة من أهل بيته و انهزموا و أسر كثير منهم ، و نجا يحيى بن إدريس وسليمان ، و ظهر يحيى بعد ذلك في الديلم ، و قد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد و حبسه . و أما إدريس ففر و لحق بمصر ، و على بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور و يعرف بالمسكين ، و كان واضح يتشيع ، فعلم شأن إدريس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفيا و لم ير شيئا أخلص من أن يحمله على البريد إلى المغرب ففعل ، ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو و مولاه راشد ، ونزل بولية سنة اثنتي و سبعين و بها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة كبيرهم لعهده فأجاره ، و أجمع البرابر على القيام بدعوته ، وكشف القناع في ذلك ، و اجتمعت عليه زواغة و لواتة و سدراتة و غياثة و نفرة و مكناسة و غمارة و كافة للبرابر بالمغرب فبايعوه ، وقاموا بأمره و خطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا و لحق به من أخوته سليمان ، و نزل بأرض زناته من تلمسان و نواحيها ، و نذكر خبره فيما بعد و لما استوثق أمر إدريس و تمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية و اليهودية و النصرانية مثل قندلاوه و بهلوانه و مديونة و ما زار و فتح تامستا ومدينة شاله و تادلا و كان أكثرهم على دين اليهودية و النصرانية فأسلموا على يديه طوعا و كرها و هدم معاقلهم و حصونهم ثم زحف إلى تلمسان و بها من قبائل بني يعرب و مغراوه سنة ثلاث و سبعين ، و لقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الطاعة ، و بذل له إدريس الأمان و لسائر زناتة فأمكنه من قياد البلد ، و بنى مسجدها وأمر بعمل منبره وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد . ورجع إلى مدينة و ليلى ثم دس إليه الرشيد مولى من موالي المهدى اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ أنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ، و لحق بإدريس مظهرا النزوع إليه فيمن نزع من وهران المغرب متبرئا من الدعوة العباسية و منتحلا للطلب و اختصه الإمام إدريس و حلا بعينه و كان قد تأبط سما في سنون ، فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه ، فكان فيه كما زعموا حتفه و دفن بوليلى سنة خمس و سبعين . و فر الشماخ و لحقه فيما زعموا راشد بوادي ملوية فاختلفا ضربتين قطع فيها راشد يد الشماخ ، و أجاز الوادي فأعجزه ، و اعتلق بالبرابر من أوربة و غيرهم فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه بايعوه حملا ثم رضيعا ثم فصيلا إلى أن شب و استنم فبايعوه بجامع و ليلى سنة ثمان و ثمانين ابن إحدى عشرة سنة ، و كان ابن الأغلب دس إليهم الأموال و استمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة ست و ثمانين ، وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن الياس العبدي ، و لم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس ، فقاموا بأمره و جردوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته ، وافتتحوا بلاد المغرب كلها و استوثق لهم الملك بها و استوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم . و سمته على الخرطوم وكأنها خطام ، و نزع إليه كثير من قبائل العرب و الأندلس ، حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر ، و كانوا له بطانة و حاشية ، و استفحل بهم سلطانه . ثم قتل كبير أوربة إسحاق بن محمود سنة اثنتين و تسعين لما أحس منه بموالاة إبراهيم بن الأغلب ، وكثرت حاشية الدولة و أنصارها ، و ضاقت وليلى بهم فاعتام موضعا لبناء مدينة لهم ، و كانت فاس موضعا لبني بوغش و بني الخير من وزاغة ، و كان في بني بوغش مجوس و يهود و نصارى ، و كان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم ، و أسلموا كلهم على يده و كانت بينهم فتن فبعث للإصلاح بينهم كاتبه أبا الحسن عبد الملك بن مالك الخزرجي ثم جاء إلى فاس و ضرب أبنيته بكزواوه ، وشرع في بنائها فاختط عدوة الأندلس سنة اثنتين و تسعين . و في سنة ثلاث بعدها اختط عدوة القرويين و بنى مساكنه ، و انتقل إلها و أسس جامع الشرفاء ، و كانت عدوة القرويين من لدن باب السلسلة إلى غدير الجوزاء و الجرف ، و استقام له أمر الخلافة و أمر القائمين بدعوته و أمر العز و الملك ثم خرج غازيا المصامدة سنة سبع و تسعين فافتتح بلادهم و دانوا بدعوته . ثم غزا تلمسان و جدد بناء مسجدها و إصلاح منبرها ، و أقام بها ثلاث سنين ، و انتظمت كلمة البرابرة و زناتة و محوا دعوة الخوارج منهم ، و اقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الأقصى إلى شلف . و دافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعدما ضايقه بالمكاد ، و استقاد الأولياء و استمال بهلول بن عبد الواحد المظفري بمن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد . و وفد عليه بالقيروان ، و استراب إدريس بالبرابرة فصالح إبراهيم بن الأغلب و سكن من غربه . و عجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة ، و دافعوا خلفاء بني العباس بالمعاذير بالغض من إدريس و القدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما هو أوهن من خيوط العناكب . و هلك إدريس سنة ثلاث عشرة و قام بالأمر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدته كنزة أم إدريس على أن يشرك أخوته في سلطانه و يقاسم ممالك أبيه فقسم المغرب بينهم أعمالاً اختص منها القاسم بطنجة وبسكرة و سبته و تيطاوين و قلعة حجر النسر وما إلى ذلك من البلاد و القبائل و اختص عمر بتيكيسان و ترغة و ما بينهما من قبائل صنهاجة و غمارة و اختص داود ببلاد هوارة وتسول و تازي و ما بينهما من القبائل : مكناسة و غياثة و اختص عبد الله باغمات و بلد نفيس و جبال المصامدة و بلاد لمطة و السوس الأقصى ، و اختص يحيى بأصيلا والعرائش و بلاد زوغة و ما إلى ذلك . و اختص عيسى بشالة و سلا و ازمور وتامسنا و ما إلى ذلك من القبائل و اختص حمزة بوليلى و أعمالها و أبقى الباقين في كفالتهم و كفالة جدتهم كنزة لصغرهم و بقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله و خرج عيسى بازمور على أخيه محمد طالبا الأمر لنفسه ، فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع . و لما أوقع عمر بعيسى و غلب على ما في يده استنابه إلى أعماله بإذن أخيه محمد . ثم أمره أخوه محمد بالنهوض إلى حرب القاسم لقعوده عن إجابته ، في محاربة عيسى فزحف إليه ، و أوقع به ، و استناب عليه إلى ما في يده فصار الريف البحري كله من عمل عمر هذا من تيكيشاش ، و بلاد غمارة إلى سبته ، ثم إلى طنجة ، و هذا ساحل البحر الرومي ، ثم ينعطف إلى أصيلا ثم سلا ، ثم أزمور و بلاد تامستا ، و هذا ساحل البحر الكبير و تزهد القاسم و بنى رباط بساحل أميلا للعبادة إلى أن هلك ، و اتسعت ولاية عمر بعمل عيسى و القاسم ، و خلصت طويته لأخيه محمد الأمير ، و هلك في إمارة أخيه محمد ببلد صنهاجة بموضع يقال له : فج الفرص سنة عشرين و مائتين ، و دفن بفاس و عمر هذا هو جد المحموديين الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره ، و عقد الأمر محمد علي عمله لولده علي بن عمر . ثم كان مهلك الأمير محمد لسبعة أشهر من مهلك أخيه عمر سنة إحدى و عشرين و مائتين بعد أن استخلف ولده عليا في مرضه و هو ابن تسع سني فقام بأمره الأولياء و الحاشية من العرب و أوربة و سائر البربر و صنائع الدولة و بايعوه غلاما مترعرعا و قاموا بأمره وأحسنوا كف الله و طاعته فكانت أيامه خير أيام ، و هلك سنة أربع و ثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته ، و عهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر ، و امتد سلطانه وعظمت دولته ، و حسنت آثار أيامه . و استجدت فاس في العمران و بنيت بها الحمامات و الفنادق للتجار ، و بنيت الأرباض ، و رحل إليها للناس من الثغور القاصية واتفق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
أن نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمى أم البنين بنت محمد الفهري ، و قال ابن أبي ذرع اسمها فاطمة ، و أنها من هوارة ، و كانت مثرية بموروث أفادته من ذويها ، واعتزمت على صرفه في وجوه الخير فاختطت المسجد الجامع بعدوة القرويين أصغر ما كان سنة خمس و أربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الإمام إدريس ، و أنبطت بصحنها بئرا شرابا للناس ، فكأنما نبهت بذلك عزائم الملوك من بعدها ، و نقلت إليه الخطبة من جامع إدريس لضيق محلته و جوار بيته و اختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبي بكر اليغرني صومعته سنة خمس و أربعين و ثلثمائة ، على رأس مائة سنة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشرقي منها ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر ، و جلب إليه الماء و أعد له السقاية و السلسلة بباب الحفاة منه . ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين ، و بني مرين و استمرت العمارة به ، وانصرفت هممهم إلى تشييده و المنافسات في الاحتفال به فبلغ الاحتفال فيه ما شاء الله حسبما هو مذكور فما تواريخ المغرب و هلك يحيى هذا سنة و ولى ابنه يحيى بن يحيى فأساء السيرة وكثر عبثه في الحرم و ثارت به العامة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبي سهل الحزامي ، و أخرجوه من عدوة القرويين إلى عدوة الأندلسيين فتوارى ليلتين و مات أسفا لليلته . و انقطع الملك من عقب محمد ابن إدريس ، و بلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه على بن عمر صاحب الريف ، واستدعاه أهل للدولة من العرب و البربر و الموالى فجاء إلى فاس و دخلها و بايعوه ، واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه عبد الرزاق الخارجي ، خرج بجبال لمتونه وكان على رأي الصفرية فزحف إلى فاس و غلب عليها ، ففر إلى أروبة و ملك عبد الرزاق عدوة الأندلس ، و امتنعت منه عدوة القرويين ، و ولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس ، و كان يعرف بالصرام ، بعثوا إليه فجاءهم في جموعه ، و كانت بينه و بين الخارجي حروب . و يقال إنه أخرجه من عدوة الأندلس ، و استعمل عليها ثعلبة بن محارب بن عبد الله ، كان من أهل الربض بقرطبة من ولد المهلب بن أبي صفرة . ثم استعمل ابنه عبد الله المعروف بعبود من بعده ، ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنة اثنتين و تسعين ومائتين ، وقام بالأمر مكانه يحيى بن إدريس بن عمر صاحب الريف ، و هو ابن أخي علي بن عمر فملك جميع أعمال الأدارسة ، و خطب له على سائر أعمال المغرب ، و كان أعلى بنى إدريس ملكا وأعظمهم سلطانا ، و كان فقيها عارفا بالحديث و لم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في السلطان و الدولة ، و في أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بأفريقية ، و تغلبوا على الإسكندرية و اختطوا المهدية كما نذكره في دولة كتامة ثم طمحوا إلى ملك المغرب وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة و صاحب تاهرت على محاربة ملوكه سنة خمس و ثلثمائة ، فزحف إليه في عساكر مكناسة و كتامة ، و برز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحب المغرب بجموعه من المغرب ، و أولياء للدولة من أوربة وسائل البرابرة والموالي ، و التقوا على مكناسة و كانت الدبرة على يحيى و قومه ، و رجع إلى فاس مغلولا و أجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه و طاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه ، يؤديها فقبل الشرط ، و خرج عن الأمر ، و خلع نفسه ، و أنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدي و أبقى عليه مصالحه في سكنى فاس ، و عقد له على عملي خاصة ، و عقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة يومئذ و صاحب سنور وتازير على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة و دولة موسى و كان بين موسى بن أبي العافية و بين يحيى بن إدريس شحناء و عداوة ، يضطغنها كل واحد لصاحبه حتى إذا عاد مضالة إلى المغرب في غزاته الثانية سنة تسع أغزاه موسى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس ، فقبض عليه مضالة واستصفى أمواله و ذخائره و غربه إلى أصيلا و الريف عمل ذي قرباه و رحمه ، و ولى على فاس ريحان الكتامي ثم خرج يحيى يريد إفريقية فاعترضه ابن أبي العافية وسجنه سنتين و أطلقه و لحق بالمهدية منه إحدى و ثلاثين و هلك في حصار أبي يزيد سنة و استبد ابن أبي العافية بملك المغرب و ثار على ريحان الكتامي بفاس سنة ثلاثة عشرة و ثلثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ، ونفى ريحان عنها و ملكها عامين ، و زحف للقاء موسى بن أبي العافية و كانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى ، و انجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل و خلص الحسن إلى فاس منهزما و غدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله و بعث إلى موسى فوصل إلى فاس و ملكها و طالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك ، و أطلق الحسن متنكرا فتدلى من السور فسقط و مات من ليلته و فر حامد ابن حمدان إلى المهدية ، و قتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن ثعلبة بن محارب وابنيه محمدا و يوسف و ذهب ملك الأدارسة ، و استولى ابن أبي العافية على جميع المغرب و أجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس ، و أخاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة ، و اجتمعوا إلى كبيرهم إبراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسن و ولوه عليهم واختط لهم الحصن المعروف بهم هنالك و هو حجر النسر سنة سبع عشرة و ثلثمائة ، و نزلوه و بنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة و طنجة ، و بقي إبراهيم كذلك . و شمر الناصر المرواني لطلب المغرب ، و ملك سبتة علي بن إدريس سنة تسع عشرة ، وكبيرهم يومئذ أبو العيش بن إدريس بن عمر فانجابوا له عنها و أنزل بها حاميته . و هلك إبراهيم بن محمد كبير بني محمد فتولى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون ، و هو أخو الحسن الحجام ، و اسمه القاسم بن محمد بن القاسم ، و قام بدعوة الشيعة انحرافا عن أبي العافية و مذاهبه . و اتصل الأمر في ولده و غمارة أولياؤهم والقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة . و دخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب ، و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
تغلبت زناتة على الضواحي . ثم ملك بنو يعرب فاس و بعدهم مغراوة و أقام الأدارسة بالريف مع غمارة و تجدد لهم به ملك في يني محمد ، و بني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر و مدينة سبتة و أصيلا . ثم تغلب علهم المروانيون و أخذوهم إلى الأندلس ، ثم أجازوهم إلى الإسكندرية و بعث العزيز العبيدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر و قتله . و عليه كان انقراض أمرهم و انقراض سلطان أوربة من المغرب ، و كان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلى غمارة فكانوا الدائلين من ملوك الأموية بالأندلس . و ذلك أن الأدارسة لما انقرض سلطانهم و صاروا إلى بلاد غمارة و استجدوا بها رياسة ، و استمرت في بني محمد و بني عمر من ولد إدريس بن إدريس ، و كانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة و خلطة . وكان بنو حمود هؤلاء من غمارة فأجازوا مع البربر حين أجازوا في مظاهرة المستعين ثم غلبوه بعد ذلك على الأمر و صار لهم ملك الأندلس حسبما نذكر في أخبارهم . و أما سليمان أخو إدريس أخبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس ، و طلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة و طلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيح نسبه . و لحق بتلمسان فملكها و أذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك ، سور ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ، ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط ، و اقتسموا ممالكه و نواحيه فكانت تلمسان من بعده لابنه محمد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد ، و أظن هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه ، فإن هذا أشبه من القاسم بن إدريس بمثل هذه الدعوى . وكانت أرشكول لعيسى بن محمد بن سليمان و كان منقطعا إلى الشيعة ، و كانت جراوة لإدريس بن محمد بن سليمان ، ثم لابنه عيسى وكنيته أبو العيش ، و لم تزل إمارتها في ولده ، ووليها بعده ابنه إبراهيم بن عيسى ، ثم ابنه يحيى بن إبراهيم ، ثم أخوه إدريس بن إبراهيم ، و كان إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر و أخوه يحيى كذلك ، و ارتاب من قبله ميسور قائد للشيعة فقبض عليه سنة ثلاثة و عشرين و ثلاثمائة ، ثم انحرف عنهم فما أخذ ابن أبي العافية بدعوة العلوية نابذ أولياء للشيعة فحاصر صاحب جراوة الحسن بن أبي للعيش ، و غلبه على جراوة فلحق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول . ثم حاصرها البوري بن موسى ابن أبي العافية و غلب عليهما ، و بعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبة ، و كانت تنس لإبراهيم بن محمد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده ، ثم لابنه يحيى بن محمد ، ثم ابنه علي بن يحيى ، و تغلب عليه زيري بن مناد سنة اثنتين و أربعين و ثلثمائة ففر إلى الجبر بن محمد بن خزر ، و جاز ابناه حمزة و يحيى إن الناصر فتلقاهما رحبا و تكرمة . ورجع يحيى منهما إلى طلب تنس فلم يظفر بها . و كان من ولد إبراهيم هذا أحمد بن عيسى بن إبراهيم صاحب سوق إبراهيم ، و سليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط . و كان من بني محمد بن سليمان هؤلاء و بطوش بن حناتش بن الحسن ابن محمد بن سليمان ، قال ابن حزم : و هم بالمغرب كثير جدا ، و كان لهم بها ممالك ، وقد بطل جميعها و لم يبق منهم بها رئيس بنواحي بجاية و حمل بني حمزة هؤلاء جوهر إلى القيروان و بقيت منهم بقايا في الجبال و الأطراف معروفون هنالك عند البربر و الله وارث الأرض و من عليها .
الخبر عن صاحب الزنج و تصاريف أمره واضمحلال دعوته
هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة ، و ذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه ، و كان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعهتم بالنواحي علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد ، و لما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه علي بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى ، و بقي هو متغيبا فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهدي أنه هو ، فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ، و لقيه صاحب الزنج حياً معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه و انتسب إلى يحيى بن يزيد قتيل الجون ، و نسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن علي ، و قال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر . ويشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلا من زبن العابدين ، قاله ابن حزم و غيره ، فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن الحسن الأصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه ، و تشتمل على اثني عشر إلى الحسين بن فاطمة ، و يبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه . و الذي عليه المحققون الطبري و ابن حزم و غيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمى و دريفن من قرى الري ، و اسمه علي بن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوثب ، و رأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتحل هذا النسب و ادعاه ، و ليس من أهله . و يصدق هذا أنه كان خارجيا على رأي الأزارقة يلعن الطائفتين من أهل الجمل و صفين ، وكيف يكون هذا من علوي صحيح النسب ؟ و لأجل انتحاله هذا النسب و بطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل و لم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل و عاث في جهات البصرة ، و استباح الأمصار و خربها ، و هزم العساكر و قتل الأمراء الأكابر ، و اتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده . و سياق الخبر عنه أنه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر ، ثم سار إلى البحرين سنة تسع و أربعين ومائتين فادعى أنه علوي من ولد الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي ، و دعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر . ئم تحول إلى الاحساء ، و نزل على بعض بني تميم و معه قوارة يحيى بن محمد الأزرق و سليمان بن جامع ، و قاتل أهل البحرين فهزموه و افترقت العرب عنه ، و لحق بالبصرة و الفتنة فيها بين البلالية و السعدية ، و بلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب و حبس ابنه و زوجته و بعض أصحابه ،
الخبر عن صاحب الزنج و تصاريف أمره واضمحلال دعوته
هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة ، و ذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه ، و كان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعهتم بالنواحي علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد ، و لما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه علي بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى ، و بقي هو متغيبا فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهدي أنه هو ، فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ، و لقيه صاحب الزنج حياً معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه و انتسب إلى يحيى بن يزيد قتيل الجون ، و نسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن علي ، و قال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر . ويشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلا من زبن العابدين ، قاله ابن حزم و غيره ، فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن الحسن الأصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه ، و تشتمل على اثني عشر إلى الحسين بن فاطمة ، و يبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه . و الذي عليه المحققون الطبري و ابن حزم و غيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمى و دريفن من قرى الري ، و اسمه علي بن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوثب ، و رأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتحل هذا النسب و ادعاه ، و ليس من أهله . و يصدق هذا أنه كان خارجيا على رأي الأزارقة يلعن الطائفتين من أهل الجمل و صفين ، وكيف يكون هذا من علوي صحيح النسب ؟ و لأجل انتحاله هذا النسب و بطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل و لم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل و عاث في جهات البصرة ، و استباح الأمصار و خربها ، و هزم العساكر و قتل الأمراء الأكابر ، و اتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده . و سياق الخبر عنه أنه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر ، ثم سار إلى البحرين سنة تسع و أربعين ومائتين فادعى أنه علوي من ولد الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي ، و دعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر . ئم تحول إلى الاحساء ، و نزل على بعض بني تميم و معه قوارة يحيى بن محمد الأزرق و سليمان بن جامع ، و قاتل أهل البحرين فهزموه و افترقت العرب عنه ، و لحق بالبصرة و الفتنة فيها بين البلالية و السعدية ، و بلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب و حبس ابنه و زوجته و بعض أصحابه ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بن زيد الشهيد كما قلناه ، و أقام بها حولاً ، ثم بلغه أن البلالية و السعدية أخرجوا محمد بن رجاء من البصرة ، و أن أهله خلصوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس و خمسين ، و معه يحيى بن محمد و سليمان بن جامع . و من أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني و علي بن أبان و عبدان غير من سمينا فنزل بظاهر البصرة ، و وجه دعوته إلى العبيد من الزنوج وأفسدهم على مواليهم و رغبهم في العتق ، ثم في الملك ، و اتخذ راية رسم فيها أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية . و جاءه موالي العبيد في طلبهم فأمرهم بضربهم و حسبهم ، ثم أطلقهم . و تسايل إليه الزنوج و اتبعوه و هزم عساكر البصرة و الأبلة وذهب إلى القادسية ، و جاءت العساكر من بغداد فهزمهم و نهب النواحي ، و جاء المدد إلى البصرة مع جعلان من قواد الترك و قاتلوه فهزمهم . ثم ملك الأبلة واستباحها ، و سار إلى الأهواز و بها إبراهيم بن المدير على الخوارج . فافتتحها و أسر ابن المدير سنة ست و خمسين إلى أن فر من محبسهم ، فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع و خمسين ، و هو يومئذ عامل البصرة و سار من واسط فهزمه علي بن أبان من قواد الزنج لحربهم ، هزمه إلى البحرين فتحصن بالبصرة ، و زحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه ، و دخلها و أحرق جامعها ، و نكب عليه صاحب الزنج فصرفه ، و ولى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني ، و بعث المعتمد محمد بن المولد إلى البصرة فأخرج عنه الزنج ، ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه . ثم ساروا إلى الأهواز وعليها منصور الخياط فواقع الزنج فغلبوه و كان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمد الموفق من مكة و عقد له على الكوفة و الحرمين و طريق مكة واليمن ، ثم عقد له على بغداد و السواد و واسط و كور دجلة و البصرة و الأهواز ، و أمره أن يعقد ليارجوج على البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين مكان سعيد بن صالح . ثم انهزم سعيد بن صالح فعقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه ، ثم قتله الزنج كما قلناه فأمر المعتمد أخاه الموفق بالمسير إليهم في ربيع سنة ثمان و خمسين ، و على مقدمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة ، و سار قائدهم علي بن أبان فلقي مفلحا فقتل مفلح وانهزم أصحابه و رجع الموفق إلى سامرا ، و كان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخياط ، و جاءه يحيى بن محمد البحراني من قواد الزنج ، و بلغهم مسير الموفق فانهزم يحيى البحراني ، و رجع في السفن ، فأخذ و حمل إلى سامرا فقتل . و بعث صاحب الزنج مكانه علي بن أبان و سليمان الشعراني فلكوا الأهواز من يد اصطيخور سنة تسع و خمسين ، بعد أن هزموه و هرب في السفن فغرق . و سرح المعتمد لحربهم موسى بن بغا بعد أن عقد له على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح ، و إلى البصرة إسحاق بن كيداجق ، و إلى باداورد إبراهيم بن سليمان ، وأقاموا في حروبهم مدة سنة و نصفها . ثم استعفى موسى بن بغا و ولى على تلك الأعمال مكانه مسرور البلخي ، و جهز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق لحربهم بعد أن عهد له بالخلافة و لقبه الناصر لدين الله الموفق ، و ولي على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان و على الحجاز ، فسار لذلك سنة اثنتين و ستين ، و اعترضه يعقوب الصفار يريد بغداد فشغل بحربه ، و انهزم الصفار و انتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز ، وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد و حضر معه حرب الصفار ، فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحي من العسكر و بث سراياه للنهب و التخريب في القادسية ، وجاءت العساكر من بغداد مع أغرتمش و خشتش ، فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان ابن جامع ، و قتل خشتش . و كان علي بن أبان من قوادهم قد سار إلى الأهواز ، وأميرها يومئذ محمد بن هزارمرد الكردي ، فبعث مسرور البلخي أحمد بن الينونة للقائهم فغلب أولا على الأهواز علي بن أبان . ثم ظاهره محمد بن هزارمرد و الأكراد فرجع إلى السوس ، و أقام علي بن أبان و صاحبه بتستر ، و طمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفار فاقتتلا ، و انهزم علي بن أبان و خرج و اضطربت فارس بالفتنة . ثم ملك الصفار الأهواز و واعد الزنج ، و سار سليمان بن جامع من قواد الزنج ، وولى الموفق على مدينة واسط أحمد بن المولد ، فزحف إليه الخليل بن أبان فهزمه ، و اقتحم واسطا و استباحها سنة أربع و ستين و ضربت خيولهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجرايا فاستباحوها ، و سار علي بن أبان إلى الأهواز فحاصرها و استعمل الموفق عليها مسرورا البلخي فبعث تكيد البخاري إلى تستر فهزمهم علي بن أبان و جماعة الزنج ، و سألوه الموادعة فوادعهم و اتهمه مسرور فقبض عليه ، و بعث مكانه أغرتمش فهزم الزنج أولا ثم هزموه ثانيا فوادعهم . ثم سار علي بن أبان إلى محمد بن هزارمرد الكردي فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهم ، و على الخطبة له في أعماله . ثم سار ابن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز ، فزحف إليه مسرور البلخي فهزمه و استباح معسكره . و كان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العباس سنة ست و ستين في عشرة آلاف من المقاتلة ، و معه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بأن سليمان بن جامع أقبل في المقاتلة و السفن برا و بحرا ، و على مقدمته الجناني ، و لحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر ، و نزلوا من الطفح إلى أسفل واسط ، فسار إليهم أبو العباس فهزمهم ، فتأخروا وراءهم و أقام على واسط يردد عليهم الحروب و الهزائم مرة بعد أخرى ، ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان و ابن جامع أن يجتمعا لحرب أبي العباس بن الموفق ، و بلغ ذلك الموفق فسار من بغداد في ربيع سنة سبع و ستين فانتهى إلى المنيعة ، و قاتل الزنج فانهزموا أمامه و اتبعهم أصحاب أبي العباس ابنه فاقتحموا عليهم المنيعة و قتلوا و أسروا ، و هدم سور المنيعة و طمس خندقها و هرب الشعراني و ابن جامع . و سار أبو العباس إلى المنصورة بطهشا فنازلها و غلب عليها ، و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
أفلت ابن جامع إلى واسط و غلب على ما فيها من الذخائر و الأموال ، و هدم سورها و طم خنادقها و رجع إلى واسط . ثم سار الموفق إلى الزنج بالأهواز و استخلف ابنه هرون على جنده بواسط ، وجاءه الخبر برجوع الزنج إلى طهشا و المنصورة ، فرد إليهم من يوقع بهم ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس و علي بن أبان بالأهواز ، فسار إلى صاحبه و استأمن المخلفون هنالك إلى الموفق فأمنهم ، و سار إلى تستر و أمن محمد بن عبد الله الكردي ، ثم وافى الأهواز وكتب إلى ابنه هرون أن يوافيه بالجند بنهر المبارك من فرات البصرة ، وبعث ابنه أبا العباس لحرب الخبيث بنهر أبي الخصيب واستأمن إليه جماعة من قواده فأمنهم وكتب إليه بالدعوة و الأعذار ، و زحف إليه في مدينته المختارة له ، وأطلق السفن في البحر و عبى عساكره و هي نحو من خمسين ألفا و الزنج في نحو من ثلثمائة ألف مقاتل ، و نصب الآلات و رتب المنازل للحصار ، و بنى المقاعد للقتال ، واختط مدينه الموفقية لنزوله ، وكتب بحمل إلأموال و الميرة إليها فحملت ، و قطع الميرة . عن المختارة ، وكتب إلى البلاد بإنشاء السفن و الاستكثار منها ، و قام يحاصرها من شعبان سنة سبع و ستين إلى صفر من سنة سبعين . ثم اقتحم علهم المختارة فملكها و فر الخبيث و ابنه انكلاي و ابن جامع إلى معقل أعده و اتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه ، و أمرهم من الغد باتباعه فانهزم و قتل من أصحابه و أمر ابن جامع . ثم قتل صاحب الزنج و جيء برأسه و لحق أنكلاي بالديناري في خمسة آلاف ، و لحقهم أصحاب الموفق فظفروا بهم و أسروهم أجمعين . و كان درمونة من قواده قد لحق بالبطيحة ، و اعتصم بالمغايض و الآجام ليقطع الميرة عن أصحاب الموفق ، فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفق فأمنه ، ثم أقام الموفق بمدينته قليلا و ولى على البصرة والأبلة و كور دجلة ، و رجع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة سبعين ، و كان لصاحب الزنج من الولد محمد و لقبه انكلاي و معناه بالزنجية ابن الملك ، ثم يحيى وسليمان و الفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا . و الله وارث الأرض و من عليها .
الخبرعن دعاة الديلم و الجيل من العلوية و ما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي و أخيه أولا ثم الأطروش و بنيه وتصاريف ذلك إلى إنقضائه
كان أبو جعفر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن ابن زيد بن الحسن و ولاه المدينة ، و هو الذي امتحن الإمام مالكا رحمه الله كما هو معروف . و هو الذي أغرى المنصور من قبل ببني حسن و أخبره بدسيسة محمد المهدي وابنه عبد الله في شأن الدعاء لهم حتى قبض علهم و حملهم إلى العراق كما قدمناه . وكان له عقب بالري منهم : الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن والي المدينة ، و لما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافل بها لسليمان بن عبد الله ابن طاهر نائبا عن محمد بن طاهر صاحب خراسان ، و بين محمد و جعفر من بنى رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة ، و قد تقدم ذكرها ، أغروا به أهل تلك النواحي و بعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه ، و كانوا على المجوسية يومئذ ، و هم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم ، و قتله و سبيه منهم أيام المسالمة ، و ملكهم يومئذ و هشوذار بن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه . و بعث ابنا رستم إلى محمد بن إبراهيم بطبرستان لكون الدعوة له فامتنع ، و دلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم ، و قد اتفق الديلم و ابنا رستم و أهل ناحيتهم على ببعته فبايعوه ، و انضم إليهم أهل جبال طبرستان . و زحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونه ، و خالفه الحسن بن زيد في جماعة إلى آمد فملكها ، و نجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية و زحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب ، و بعث بعض قواده إلى سارية فملكها ، و انهزم سلمان إلى جرجان ، و استولى الحسن على معسكره بما فيه و على حرمه و أولاده فبعثهم إليه في السفن . و يقال إن سليمان انهزم له لدسيسة التشيع التي كانت في بني طاهر ، ثم أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان فملكها و هرب عنها سليمان ، ثم بعث الحسن دعاته إلى النواحي و كان يعرف بالداعي العلوي فبعث إلى الري القاسم ابن عمه علي بن إسماعيل ، و بها القاسم بن علي بن زين العابدين السمري فملكها ، و استخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير ابن زين العابدين . و بعث إلى قزوين الحسين المعروف بالكوكبي بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن جعفر ، و هزمه و أسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه و قتله ، و ملك الري من يده ، و ذلك سنة خمسين و مائتين . ثم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم و دخلها سليمان . ثم قصد سارية و أتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم و أتاه أهل آمد و غيرهم طائعين فصفح عنهم . ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه ، و قتل من أعيان أصحابه ثلثمائة وأربعين رجلا . ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث و خمسين فلقيه الحسن الكوبي على قزوين ، و انهزم إلى الديلم و استولى موسى بن بغا على قزوين . ثم رجع الكوكبي سنة ست و خمسين ، فاستولى على الري و استولى القاسم بن علي بعدها على الكرخ سنة سبع . ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان و بعث إليهما محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن ، و غلبهم عليها و انتقض أمر ابن طاهر بخراسان من يومئذ و اختلف المغلبون عليه ، و كان ذلك داعيا إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده . ثم غلبه الحسن سنة تسع و خمسين على قومس .
الخبرعن دعاة الديلم و الجيل من العلوية و ما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي و أخيه أولا ثم الأطروش و بنيه وتصاريف ذلك إلى إنقضائه
كان أبو جعفر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن ابن زيد بن الحسن و ولاه المدينة ، و هو الذي امتحن الإمام مالكا رحمه الله كما هو معروف . و هو الذي أغرى المنصور من قبل ببني حسن و أخبره بدسيسة محمد المهدي وابنه عبد الله في شأن الدعاء لهم حتى قبض علهم و حملهم إلى العراق كما قدمناه . وكان له عقب بالري منهم : الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن والي المدينة ، و لما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافل بها لسليمان بن عبد الله ابن طاهر نائبا عن محمد بن طاهر صاحب خراسان ، و بين محمد و جعفر من بنى رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة ، و قد تقدم ذكرها ، أغروا به أهل تلك النواحي و بعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه ، و كانوا على المجوسية يومئذ ، و هم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم ، و قتله و سبيه منهم أيام المسالمة ، و ملكهم يومئذ و هشوذار بن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه . و بعث ابنا رستم إلى محمد بن إبراهيم بطبرستان لكون الدعوة له فامتنع ، و دلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم ، و قد اتفق الديلم و ابنا رستم و أهل ناحيتهم على ببعته فبايعوه ، و انضم إليهم أهل جبال طبرستان . و زحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونه ، و خالفه الحسن بن زيد في جماعة إلى آمد فملكها ، و نجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية و زحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب ، و بعث بعض قواده إلى سارية فملكها ، و انهزم سلمان إلى جرجان ، و استولى الحسن على معسكره بما فيه و على حرمه و أولاده فبعثهم إليه في السفن . و يقال إن سليمان انهزم له لدسيسة التشيع التي كانت في بني طاهر ، ثم أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان فملكها و هرب عنها سليمان ، ثم بعث الحسن دعاته إلى النواحي و كان يعرف بالداعي العلوي فبعث إلى الري القاسم ابن عمه علي بن إسماعيل ، و بها القاسم بن علي بن زين العابدين السمري فملكها ، و استخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير ابن زين العابدين . و بعث إلى قزوين الحسين المعروف بالكوكبي بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن جعفر ، و هزمه و أسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه و قتله ، و ملك الري من يده ، و ذلك سنة خمسين و مائتين . ثم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم و دخلها سليمان . ثم قصد سارية و أتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم و أتاه أهل آمد و غيرهم طائعين فصفح عنهم . ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه ، و قتل من أعيان أصحابه ثلثمائة وأربعين رجلا . ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث و خمسين فلقيه الحسن الكوبي على قزوين ، و انهزم إلى الديلم و استولى موسى بن بغا على قزوين . ثم رجع الكوكبي سنة ست و خمسين ، فاستولى على الري و استولى القاسم بن علي بعدها على الكرخ سنة سبع . ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان و بعث إليهما محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن ، و غلبهم عليها و انتقض أمر ابن طاهر بخراسان من يومئذ و اختلف المغلبون عليه ، و كان ذلك داعيا إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده . ثم غلبه الحسن سنة تسع و خمسين على قومس .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
استيلاء الصفار على طبرستان
كان عبد الله السخري ينازعه يعقوب بن الليث الصفار الرياسة بسجستان ، فلما استولى يعقوب على الأمر هرب عبد الله إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فأجاره . فلما هلك يعقوب الصفار بنيسابور هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد و نزل سارية و بعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد ، فسار إليه يعقوب سنة ستين ، و هزمه فلحق بأرض الديلم و لحق عبد الله بالري ، و ملك يعقوب سارية و آمد و جبى خراجها ، و سار في طلب الحسن فتعلق بجبال طبرستان ، و اعترضه الأمطار و الأوحال فلم يخلص إلا بمشقة . وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن و ما فعله معه ، و سار إلى الري في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه ، و إلى الري فقتله . ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى و ستين ، و غلب عليها أصحاب الصفار و اقطتعها عنهم . ثم انتقض السجستاني على يعقوب بن الليث بخراسان و ملكها من يده كما ذكرناه ، فسار وحاربه أبو طلحة بن شركب و أمره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس و ستين ، و انتزع جرجان من يده ، ثم خرج عنها لقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم ، فملكها الحسن بن زيد . ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست و ستين ، كبسه بجرجان و هو غاز فهزمه ولحق بآمد و ملك سارية ، و استخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين . و انصرف فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ، و دعا لنفسه فبايعه جماعة ، ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله .
و فاة الحسن بن زيد و ولاية أخيه
ثم توفي الحسن بن زيد صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين و ولي مكانه أخوه محمد ، و كان قيامهم أولا على ابن طاهر كما ذكرناه . ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان و انتقض عليه أحمد السجستاني ، و ملكها من يده . ثم مات يعقوب سنة خمس و ستين و ولي مكانه أخوه عمرو ، و زحف إلى خراسان ، و قاسم السجستاني فيها و كانت بينهما حروب ، و كان الحسن داعي طبرستان يقابلهما جميعا إلى أن هلك ، و ولى مكانه أخوه كما ذكرناه . و كانت قزوين تغلب عليها أثناء ذلك عساكر الموفق و وليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين و سبعين ، و زحف إليه محمد بن زيد في عالم كبير من الديلم و أهل طبرستان و خراسان فانهزم ، و قتل من عسكره ستة آلاف ، و أسر ألفان ، و غنم أذكوتكين عسكره جميعا و ملك الري و فرق عماله في نواحيها . ثم مات السجستاني و قام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمد بن زيد على طبرستان و جرجان فلحق بالديلم ، ثم صالحه سنة إحدى وثمانين و خطب له فيها سنة اثنتين و ثمانين على أن ينجده على عمرو بن الليث . و كتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه ، فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد ابن زيد خذلانه لرافع فخلى له عن طبرستان و ملكها .
مقتل محمد بن زيد
كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان ، و قتل رافع بن هرثمة ، طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه . و اتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون و هزم جيوش عمرو بن الليث و رجع إلى بخارى ، فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ و أعوزه العبور . وجاء إسماعيل فعبر النهر ، و أخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر ، ثم اقتتلوا فانهزم عمرو و أسره إسماعيل و بعث به إلى المعتضد سنة ثمان و ثمانين فحبسه إلى أن قتل ، و عقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو . و لما اتصل بمحمد بن زيد ، واقعة عمرو و أمره سار من طبرستان لا يرى أن إسماعيل يقصدها ، فلما انتهى إن جرجان بعث إليه إسماعيل يصده عن ذلك فأبى ، فسرح إليه محمد بن هرون ، و كان من قواد رافع بن هرثمة ، و صار من قواد إسماعيل ابن سامان فلقي محمد بن زيد على جرجان و اقتتلوا فانهزم محمد بن هرون أولا ، ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد ، و افترقت عساكره و قتل من عسكره عالم و أسر ابنه زيد ، و أصابته هو جراحات هلك منها لأيام قلائل ، و غنم ابن هرون عسكره بما فيه ، و سار إلى طبرستان فملكها و بعث يزيد إلى إسماعيل فأنزله ببخارى ، و وسع عليه الأنفاق و اشتدت عليه شوكه الديلم و حار بهم إسماعيل سنة تسع و ثمانين ، و ملكهم يومئذ ابن حسان فهزمهم ، و صارت طبرستان و جرجان في ملك بني سامان مع خراسان ، إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد . و يقال إن زيد بن محمد بن زيد ملك طبرستان من بعد ذلك إلى أن توفي و ملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد .
ظهور الأطروش العلوي و ملكه طبرستان
الأطروش هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم ، وقد مر ذلك . و إسم الأطروش الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر ، دخل إلى الديلم بعد مقتل محمد بن زيد و أقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام و يأخذ منهم العشر ، و يدافع عنهم ملكهم ابن حسان ، فأسلم منهم خلق كثير ، و اجتمعوا عليه و بنى في بلادهم المساجد و حملهم على رأي الزيدية فدانوا به . ثم دعاهم إلى المسير معه إلى طبرستان . و كان عاملها محمد بن نوح من قبل أحمد بن إسماعيل بن سامان ، و كان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغي عليه . ثم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح و ولى
كان عبد الله السخري ينازعه يعقوب بن الليث الصفار الرياسة بسجستان ، فلما استولى يعقوب على الأمر هرب عبد الله إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فأجاره . فلما هلك يعقوب الصفار بنيسابور هرب عبد الله إلى الحسن بن زيد و نزل سارية و بعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد ، فسار إليه يعقوب سنة ستين ، و هزمه فلحق بأرض الديلم و لحق عبد الله بالري ، و ملك يعقوب سارية و آمد و جبى خراجها ، و سار في طلب الحسن فتعلق بجبال طبرستان ، و اعترضه الأمطار و الأوحال فلم يخلص إلا بمشقة . وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن و ما فعله معه ، و سار إلى الري في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه ، و إلى الري فقتله . ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى و ستين ، و غلب عليها أصحاب الصفار و اقطتعها عنهم . ثم انتقض السجستاني على يعقوب بن الليث بخراسان و ملكها من يده كما ذكرناه ، فسار وحاربه أبو طلحة بن شركب و أمره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس و ستين ، و انتزع جرجان من يده ، ثم خرج عنها لقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم ، فملكها الحسن بن زيد . ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست و ستين ، كبسه بجرجان و هو غاز فهزمه ولحق بآمد و ملك سارية ، و استخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين . و انصرف فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ، و دعا لنفسه فبايعه جماعة ، ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله .
و فاة الحسن بن زيد و ولاية أخيه
ثم توفي الحسن بن زيد صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين و ولي مكانه أخوه محمد ، و كان قيامهم أولا على ابن طاهر كما ذكرناه . ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان و انتقض عليه أحمد السجستاني ، و ملكها من يده . ثم مات يعقوب سنة خمس و ستين و ولي مكانه أخوه عمرو ، و زحف إلى خراسان ، و قاسم السجستاني فيها و كانت بينهما حروب ، و كان الحسن داعي طبرستان يقابلهما جميعا إلى أن هلك ، و ولى مكانه أخوه كما ذكرناه . و كانت قزوين تغلب عليها أثناء ذلك عساكر الموفق و وليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين و سبعين ، و زحف إليه محمد بن زيد في عالم كبير من الديلم و أهل طبرستان و خراسان فانهزم ، و قتل من عسكره ستة آلاف ، و أسر ألفان ، و غنم أذكوتكين عسكره جميعا و ملك الري و فرق عماله في نواحيها . ثم مات السجستاني و قام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمد بن زيد على طبرستان و جرجان فلحق بالديلم ، ثم صالحه سنة إحدى وثمانين و خطب له فيها سنة اثنتين و ثمانين على أن ينجده على عمرو بن الليث . و كتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه ، فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد ابن زيد خذلانه لرافع فخلى له عن طبرستان و ملكها .
مقتل محمد بن زيد
كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان ، و قتل رافع بن هرثمة ، طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه . و اتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون و هزم جيوش عمرو بن الليث و رجع إلى بخارى ، فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ و أعوزه العبور . وجاء إسماعيل فعبر النهر ، و أخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر ، ثم اقتتلوا فانهزم عمرو و أسره إسماعيل و بعث به إلى المعتضد سنة ثمان و ثمانين فحبسه إلى أن قتل ، و عقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو . و لما اتصل بمحمد بن زيد ، واقعة عمرو و أمره سار من طبرستان لا يرى أن إسماعيل يقصدها ، فلما انتهى إن جرجان بعث إليه إسماعيل يصده عن ذلك فأبى ، فسرح إليه محمد بن هرون ، و كان من قواد رافع بن هرثمة ، و صار من قواد إسماعيل ابن سامان فلقي محمد بن زيد على جرجان و اقتتلوا فانهزم محمد بن هرون أولا ، ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد ، و افترقت عساكره و قتل من عسكره عالم و أسر ابنه زيد ، و أصابته هو جراحات هلك منها لأيام قلائل ، و غنم ابن هرون عسكره بما فيه ، و سار إلى طبرستان فملكها و بعث يزيد إلى إسماعيل فأنزله ببخارى ، و وسع عليه الأنفاق و اشتدت عليه شوكه الديلم و حار بهم إسماعيل سنة تسع و ثمانين ، و ملكهم يومئذ ابن حسان فهزمهم ، و صارت طبرستان و جرجان في ملك بني سامان مع خراسان ، إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد . و يقال إن زيد بن محمد بن زيد ملك طبرستان من بعد ذلك إلى أن توفي و ملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد .
ظهور الأطروش العلوي و ملكه طبرستان
الأطروش هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم ، وقد مر ذلك . و إسم الأطروش الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر ، دخل إلى الديلم بعد مقتل محمد بن زيد و أقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام و يأخذ منهم العشر ، و يدافع عنهم ملكهم ابن حسان ، فأسلم منهم خلق كثير ، و اجتمعوا عليه و بنى في بلادهم المساجد و حملهم على رأي الزيدية فدانوا به . ثم دعاهم إلى المسير معه إلى طبرستان . و كان عاملها محمد بن نوح من قبل أحمد بن إسماعيل بن سامان ، و كان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغي عليه . ثم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح و ولى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
عليها غيره ، فأساء السيرة فأعاد إليها ابن نوح ، ثم مات فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوكا فأساء السيرة و تنكر لرؤساء الديلم ، فدعاهم الحسن الأطروش للخروج فعه فأجابوه فسار إليهم صعلوك ، ولقيهم بشاطئ البحر على مرحلة من سالوس فانهزم و قتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف ، و حصر الأطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم و نزل آمد . و جاء صهره الحسن بن قاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد والي المدينة ، و قد مر ذكره ، فلم يحضر قتل أولئك المستأمنين ، و استولى الأطروش على طبرستان و تسمى الناصر ، و ذلك سنة إحدى وثلثمائة ، و لحق صعلوك بالري ، و سار منها إلى بغداد . ثم زحف الناصر سنة اثنتين وثلثمائة ، فخرج عن آمد و لحق بسالوس ، و بث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي و هو الحسن بن زيد . ثم زحفت إليه عساكر خراسان و هي للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع و ثلثمائة ، و ولي صهره و بنوه و كانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره . و كان له من الولد أبو القاسم و أبو الحسن و كان قواده من الديلم جماعة منهم ليلى بن النعمان ، و ولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان ، و ماكان بن كالي ، و كانت له ولاية استراباذ ، و يقرأ من كتاب الديلم ، و كان من قواده من الديلم جماعة أخرى منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان و مرداويج من أصحاب اسفار و السيكري من أصحابه أيضا ، و مولويه من أصحاب مرداويح ، و يأتي الخبر عن جميعهم . و كان الحسن بن قاسم صهر الأطروش ، و كان رديفه في الأمر حتى كان يعرف بالداعي الصغير ، و استعمل على جرجان سنة ثمان و ثلثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم . و كان له مكان في قومه ، و كان الأطروش و أولاده يلقبونه المزيد لدين الله ، المنتصر لآل رسول الله ، و كانت خراسان يومئذ لنصر بن أحمد من بني سامان . و كان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان ، و كان بها فراتكين من موالي ابن سامان فوقعت بينه و بين ليلى حروب و هزمه ليلى ، و استفحل أمره و نزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه و أصهر إليه بأخته و استأمن إليه أبو القاسم بن حفص و هو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عندما نكب خاله أحمد فأمنه و أجاره . ثم حرضه الحسن بن قاسم الداعي الصغير على المسير إلى نيسابور ، فسار إليها و معه أبو القاسم بن حفص فملكها من يفراتكين سنة ثمان و ثلثمائة ، و خطب بها للداعي . و أنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويه بن علي ، و معه محمد بن عبيد الله البلعي و أبو جعفر صعلوك ، و خوارزم شاه و سيجور الدواني و يقراخان فلقيهم ليلى بطوس ، و قاتلوه فانهزم إلى آمد و لم يقدر على الحصار ، و لحقه يقراخان فقبض عليه و بعث حمويه من قتله ، و استأمن الديلم إليهم فأمنوهم ، و أشار حمويه بقتلهم فاستجار بالقواد ، و بعث برأس ليلى إلى بغداد ، و ذلك في ربيع من سنة تسع و بقي فارس مولى فراتكين بجرجان .
إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش
ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع و ثلثمائة ، كما قدمناه ، ولى مكانه بطبرستان صهره ، و هو الحسن بن القاسم ، و قد مر ذكره ، و يسمى بالداعي الصغير ، و تلقب بالناصر . و بعض الناس يقولون هو الحسن بن محمد أخي الأطروش ، هكذا قال ابن حزم و غيره ، و ليس بصحيح و إنما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة . ثم من عقب حافده محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن ، و كان أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له ماكان بن كالي ، و قام بأمره فلما قتل ليلى بن النعمان صاحب جرجان ، و عاد فراتكين إليها ، ثم انصرف عنها و جاءه أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له فملكها ، فبعث السعيد بن سامان صاجا خراسان قائده سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهرا ، و مع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب ، و هو ابن عم ماكان بن كالي فلما اشتد بهم الحصار خرج أبو الحسن و سرخاب في ثمانية آلاف من الديلم و الجند فانهزم سيجور أولا فأتبعوه و قد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم ، و قتل من الديلم و الجند نحو أربعة آلاف ، و خلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ، و لحقه سرخاب فخلفه ، و أقام سيجور بجرجان . ثم هلك سرخاب و سار أبو الحسن إلى سارية و استخلف ماكان بن كالي على استراباذ ، فاجتمع إليه الديلم و ولوه على أنفسهم ، و زحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة . ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها و ولوا عليها يقراخان ، و عادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ، ثم سار ماكان بن كالي إلى استراباذ و ملكها من يد يقراخان ، ثم ملك جرجان و أقام بها و ذلك سنة عشر و ثلثمائة . ثم استولى اسفار بن شيرويه على جرجان ، و استقل بها ، و كان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ماكان بن كالي ونكره لبعض أحواله فطرده من عسكره ، و سار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه ، و بعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له ، و قد كان ماكان سار إلى طبرستان و ولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسن عليا ، و كان أبو الحسن بن الأطروش معتقلا عنده ، و هم ليلة بقتله ، و قصده في محبسه فظفر به أبو علي و قتله ، و خرج من الدار و اختفى و بعث من الغد الى القواد فبايعوا له و ولوا على جيشه علي بن خرشيد و رضوا به . و استقدموا اسفار بن شيرويه فأستأذن بكر بن محمد و قدم عليهم ، و سارإليهم ماكان بن كالي فحاربوه و غلبوه على طبرستان ، و أنزلوا بها أبا علي بن الأطروش فأقام بها أياما و مات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه ، و جاء ماكان بن كالي لحرب اسفار بطبرستان فانهزم اسفار و لحق ببكر بن محمد بجرجان و أقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة و ثلثمائة فولاه السعيد على جرجان ، و أرسل إلى مردوايح بن دينار
إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش
ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع و ثلثمائة ، كما قدمناه ، ولى مكانه بطبرستان صهره ، و هو الحسن بن القاسم ، و قد مر ذكره ، و يسمى بالداعي الصغير ، و تلقب بالناصر . و بعض الناس يقولون هو الحسن بن محمد أخي الأطروش ، هكذا قال ابن حزم و غيره ، و ليس بصحيح و إنما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة . ثم من عقب حافده محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن ، و كان أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له ماكان بن كالي ، و قام بأمره فلما قتل ليلى بن النعمان صاحب جرجان ، و عاد فراتكين إليها ، ثم انصرف عنها و جاءه أبو الحسن بن الأطروش باستراباذ فبايع له فملكها ، فبعث السعيد بن سامان صاجا خراسان قائده سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهرا ، و مع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب ، و هو ابن عم ماكان بن كالي فلما اشتد بهم الحصار خرج أبو الحسن و سرخاب في ثمانية آلاف من الديلم و الجند فانهزم سيجور أولا فأتبعوه و قد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم ، و قتل من الديلم و الجند نحو أربعة آلاف ، و خلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ، و لحقه سرخاب فخلفه ، و أقام سيجور بجرجان . ثم هلك سرخاب و سار أبو الحسن إلى سارية و استخلف ماكان بن كالي على استراباذ ، فاجتمع إليه الديلم و ولوه على أنفسهم ، و زحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة . ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها و ولوا عليها يقراخان ، و عادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ، ثم سار ماكان بن كالي إلى استراباذ و ملكها من يد يقراخان ، ثم ملك جرجان و أقام بها و ذلك سنة عشر و ثلثمائة . ثم استولى اسفار بن شيرويه على جرجان ، و استقل بها ، و كان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ماكان بن كالي ونكره لبعض أحواله فطرده من عسكره ، و سار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه ، و بعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له ، و قد كان ماكان سار إلى طبرستان و ولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسن عليا ، و كان أبو الحسن بن الأطروش معتقلا عنده ، و هم ليلة بقتله ، و قصده في محبسه فظفر به أبو علي و قتله ، و خرج من الدار و اختفى و بعث من الغد الى القواد فبايعوا له و ولوا على جيشه علي بن خرشيد و رضوا به . و استقدموا اسفار بن شيرويه فأستأذن بكر بن محمد و قدم عليهم ، و سارإليهم ماكان بن كالي فحاربوه و غلبوه على طبرستان ، و أنزلوا بها أبا علي بن الأطروش فأقام بها أياما و مات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه ، و جاء ماكان بن كالي لحرب اسفار بطبرستان فانهزم اسفار و لحق ببكر بن محمد بجرجان و أقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة و ثلثمائة فولاه السعيد على جرجان ، و أرسل إلى مردوايح بن دينار
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الجبلي ، و جعله أمير جيشه ، و زحفوا إلى طبرستان فملكوها . و كان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الري و قزوين وزنجار و أبهر و قم ، و قائده ماكان بن كالي الديلمي فسار إلى طبرستان و قاتله اسفار فانهزم ماكان ، و الحسن بن القاسم الداعي ، و قتل بخذلان أصحابه إياه ، لأنه كان يشتد عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل ، و كان خال مرداويح و وشكين فيقدموه عليهم و يحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش . و نما الخبر بذلك إلى الداعي و قدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد و أدخلهم إلى قصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا و قتلهم عن آخرهم ، فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن و قتل ، و استولى اسفار على طبرستان و الري و جرجان و قزوين و زنجار و أبهر و قم و الكرج ، و دعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان ، و أقام بسارية و استعمل على آمد هرون بن بهرام ، و قصد بذلك استخلاصه لنفسه لأنه كان يخطب لأبي جعفر من و لد الناصر الأطروش فولاه آمد و زوجه بإحدى نسائه الأعيان بها ، و حضر عرسه أبو جعفر و غيره من العلويين ، وهجم عليه اسفار يوم عرسه بآمد ، فقبض على أبي جعفر و غيره من أعيان العلويين ، و حملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك . و من تاريخ بعض المتأخرين أن الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطروش ، بويع بعد موته و لقب الناصر ، و ملك جرجان . و كان الديلم قد اشتملوا على جعفر بن الأطروش ، و تابعوه فصار الداعي إلى طبرستان و ملكها و لحق جعفر بدنباوند فقبض عليه علي بن أحمد بن نصر و بعث به إلى علي بن وهشودان بن حسان ملك الديلم و هو عامله ، فحبسه علي بن وهشودان بن حسان ملك الديلم فلما قتل أطلقه من بعده حسرة فيروز ، فاستجاش جعفر بالديلم و عاد إلى طبرستان فملكها و هرب الحسن . ثم مات جعفر فبويع أبو الحسن ابن أخيه الحسن ، فلما ظهر ماكان بن كالي بايع للحسن الداعي و أخرجه إليه ، و قبض على الحسن بن أحمد و هو ابن أخي جعفر وحبسه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن و نجا ، و بايعه القواد بجرجان . ثم حاربه ماكان فانهزم الحسن إلى آمد و مات بها ، و بويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد و قصده ماكان من الري فهرب من آمد إلى سارية و بها اسفار بن شيرويه . فقاتل دونه و انهزم اسفار إلى جرجان ، و استأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس . ثم بايع ماكان لأبي القاسم الداعي ، و خرج الحسن إلى الري و طلب مرداويح بثأر خاله سيداب بن بندار . و كان الداعي يرجان سنة إحدى و عشرين و ثلثماثة ، و انصرف ماكان إلى الديلم ، ثم ملك طبرستان و بايع بها لأبي علي الناصر بن إسماعيل بن جعفر بن الأطروش ، و هلك بعد مدة . و مضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويح على الري ، فكتب إليه وأخرجه عن الديلم و أحسن إليه . فلما غلب على طبرستان و أخرج ماكان عنها بايع لأبي جعفر هذا ، و سمي صاحب القلنسوة إلى أن مات ، و بويع أخوه و لقب الثائر ، و أقام مع الديلم و زحف سنة ست و ثلاثين إلى جرجان ، و بها ركن الدولة بن بويه ، فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائر ، و تعلق بالجبال ، و أقام مع الديلم و ملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس و خمسين و ثلثمائة ، لثلاثين سنة من ملكه ، و بايعوا لأخيه الحسين بن جعفر و تلقب بالناصر ، و تقبض عليه ليكو بن وشكس ملك الجبل و سلمه و انقرض ملك الفاطميين أجمع بتلك الجبال و البقاء لله وحده .
الخبر عن دولة الاسماعيلية و نبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان و القاهرة و ما كان لهم من الدولة من المشرق و المغرب
أصل هؤلاء العبيديين من الشيعة الإمامية ، و قد تقدم لنا حكاية مذهبهم و البراءة من الشيخين و من سائرالصحابة ، لعدولهم عن بيعة علي إلى غيره مع وصية النبي صلى الله عليه و سلم له بالإمامة بزعمهم ، و بهذا امتازوا عن سائر الشيعة . و إلا فالشيعة كلهم مطبقون على تفضيل علي و لم يقدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الأفضل ، و لا عند الكيسانية لأنهم لم يدعوا هذه الوصية ، فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها . و هذه الوصية لم تعرف لأحد من أهل النقل . و هي من موضوعات الإمامية و أكاذيبهم ، و قد يسمون رافضة ، قالوا لأنه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة و اختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين و أنهم ظلموا عليا فنكر ذلك عليهم فقالوا له : و أنت أيضا فلم يظلمك أحد ، و لا حق لك في الأمر ، و انصرفوا عنه و رفضوه فسموا رافضة ، و سمي أتباعه زيدية . ثم صارت الإمامة من علي إلى الحسن ثم الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ، ثم ابنه محمد الباقر ، ثم ابنه جعفر الصادق ، كل هؤلاء بالوصية ، و هم ستة أئمة لم يخالف أحد من الرافضة في إمامتهم . ثم افترقوا من ههنا فرقتين و هم الاثنا عشرية و الإسماعيلية . واختص الاثنا عشرية باسم الإمامية لهذا العهد ، و مذهبهم أن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم ، و خرج دعاته بعد موت أبيه فحمله هرون من المدينة و حبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم أشخصه إلى بغداد و حبسه عند ابن شاهك . و يقال إن يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله ، و توفي سنة ثلاث و ثمانين و مائة . و زعم شيعتهم أن الإمام بعده ابنه علي الرضا و كان عظيما في بني هاشم ، و كانت له مع المأمون صحبة ، و عهد له بالأمر من بعده سنة إحدى و مائتين عند ظهور الدعاة للطالبيين و خروجهم في كل ناحية . و كان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العباسيين و بايعوا لعمه ابراهيم بن المهدي ببغداد ، فارتحل المأمون إلى العراق و علي الرضا معه ، فهلك علي في طريقه سنة ثلاث و مائتين و دفن بطوس ، و يقال إن المأمون سمه . و يحكى
الخبر عن دولة الاسماعيلية و نبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان و القاهرة و ما كان لهم من الدولة من المشرق و المغرب
أصل هؤلاء العبيديين من الشيعة الإمامية ، و قد تقدم لنا حكاية مذهبهم و البراءة من الشيخين و من سائرالصحابة ، لعدولهم عن بيعة علي إلى غيره مع وصية النبي صلى الله عليه و سلم له بالإمامة بزعمهم ، و بهذا امتازوا عن سائر الشيعة . و إلا فالشيعة كلهم مطبقون على تفضيل علي و لم يقدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الأفضل ، و لا عند الكيسانية لأنهم لم يدعوا هذه الوصية ، فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها . و هذه الوصية لم تعرف لأحد من أهل النقل . و هي من موضوعات الإمامية و أكاذيبهم ، و قد يسمون رافضة ، قالوا لأنه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة و اختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين و أنهم ظلموا عليا فنكر ذلك عليهم فقالوا له : و أنت أيضا فلم يظلمك أحد ، و لا حق لك في الأمر ، و انصرفوا عنه و رفضوه فسموا رافضة ، و سمي أتباعه زيدية . ثم صارت الإمامة من علي إلى الحسن ثم الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ، ثم ابنه محمد الباقر ، ثم ابنه جعفر الصادق ، كل هؤلاء بالوصية ، و هم ستة أئمة لم يخالف أحد من الرافضة في إمامتهم . ثم افترقوا من ههنا فرقتين و هم الاثنا عشرية و الإسماعيلية . واختص الاثنا عشرية باسم الإمامية لهذا العهد ، و مذهبهم أن الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم ، و خرج دعاته بعد موت أبيه فحمله هرون من المدينة و حبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم أشخصه إلى بغداد و حبسه عند ابن شاهك . و يقال إن يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله ، و توفي سنة ثلاث و ثمانين و مائة . و زعم شيعتهم أن الإمام بعده ابنه علي الرضا و كان عظيما في بني هاشم ، و كانت له مع المأمون صحبة ، و عهد له بالأمر من بعده سنة إحدى و مائتين عند ظهور الدعاة للطالبيين و خروجهم في كل ناحية . و كان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العباسيين و بايعوا لعمه ابراهيم بن المهدي ببغداد ، فارتحل المأمون إلى العراق و علي الرضا معه ، فهلك علي في طريقه سنة ثلاث و مائتين و دفن بطوس ، و يقال إن المأمون سمه . و يحكى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
أنه دخل عليه يعوده في مرضه فقال له : أوصني ! فقال له : علي إياك أن تعطي شيئا و تندم عليه ، و لا يصح ذلك لنزاهة المأمون من إراقة الدماء بالباطل سيما دماء أهل البيت ثم زعم شيعتهم أن الأمر من بعد علي الرضا لابنه محمد التقي و كان له من المأمون مكان ، وأصهر إليه في ابنته ، فأنكحه المأمون إياها سنة خمس و مائتين ، ثم هلك سنة عشرين و مائتين و دفن بمقابر قريش . و تزعم الاثنا عشرية أن الإمام بعده ابنه علي و يلقبونه الهادي ، و يقال الجواد ، و مات سنة أربع و خمسين و مائتين و قبره بقم ، و زعم ابن سعيد أن المقتدر سمه . و يزعمون أن الإمام بعده ابنه الحسن ، و يلقب العسكري لأنه ولد بسر من رأى ، و كانت تسمى العسكر ، و حبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ستين و مائتين ، و دفن إلى جنب أبيه في المشهد و ترك حملا ولد منه ابنه محمد فاعتقل ، و يقال دخل مع أمه في السرداب بدار أبيه و فقد ، فزعمت شيعتهم أنه الإمام بعد أبيه ، و لقبوه المهدي و الحجة . و زعموا أنه حي لم يمت و هم الآن ينتظرونه ، و وقفوا عند هذا الانتظار ، و هو الثاني عشر من ولد على و لذلك سقيت شيعته الاثني عشرية . و هذا المذهب في المدينة و الكرخ و الشام و الحلة و العراق ، و هم حتى الآن على ما بلغنا يصلون المغرب ، فاذا قضوا الصلاة قدموا مركبا إلى دار السرداب بجهازه و حليته و نادوا بأصوات متوسطة : أيها الإمام أخرج إلينا فإن الناس منتظرون ، و الخلق حائرون ، و الظلم عام ، و الحق مفقود ! فأخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله في آثارك ! و يكررون ذلك إلى أن تبدو النجوم ، ثم ينصرفون إلى الليلة القابلة هكذا دأبهم . و هؤلاء من الجهل بحيث ينتظرون من يقطع بموته مع طول الأمد ، لكن التعصب حملهم على ذلك و ربما يحتجون لذلك بقصة الخضر و الأخرى أيضا باطلة ، و الصحيح أن الخضر قد مات . و أما الإسماعيلية فزعموا أن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسماعيل ، و توفي قبل أبيه . و كان أبو جعفر المنصور طلبه فشهد له عامل المدينة بأنه مات . و فائدة النص عندهم على إسماعيل و إلى كان مات قبل أبيه بقاء الإمامة في ولده كما نص موسى على هرون صلوات الله علهما و مات قبله . و النص عندهم لا مرجع وراءه ، لأن البداء على الله محال . و يقولون في ابنه محمد أنه السابع التام من الأئمة الظاهرين ، و هو أول الأئمة المستورين عندهم الذين يستترون و يظهرون الدعاة ، و عددهم ثلاثة و لن تخلوا الأرض منهم عن إمام ، إما ظاهر بذاته أو مستور ، فلا بد من ظهور حجته و دعاته . و الأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الأسبوع ، و السموات و الكواكب ، و النقباء تدور عندهم على اثني عشر . و هم يغلطون الأئمة حيث جعلوا عدد النقباء للأئمة . و أول الأئمة المستورين عندهم محمد بن إسماعيل و هو محمد المكتوم ، ثم ابنه جعفر المصدق ، ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبد الله المهدي صاحب الدولة بأفريقية و المغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة . و كان من هؤلاء الإسماعيلية القرامطة ، و استقرت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابي و بنيه أبي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب ، ثم ابنه عبد الله و يسمى بالمنصور ، و كان من الاثني عشرية أولا ، فلما بطل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية و بعث محمد الحبيب أبو عبد الله إلى اليمن داعية له ، فلما بلغه عن محمد بن بعفر ملك صنعاء أنه أظهر التوبة و النسك ، و تخلى عن الملك فقدم اليمن و وجد بها شيعة يعرفون ببني موسى في عدن لاعة . و كان علي بن الفضل من أهل اليمن و من كبار الشيعة ، و طاهر بن حوشب على أمره ، وكتب له الإمام محمد بالعهد لعبد الله ابنه ، و أذن له في الحرب فقام بدعوته و بثها في اليمن و جيش الجيوش ، و فتح المدائن و ملك صنعاء ، وأخرج منها بني يبعن ، و فرق الدعاة في اليمن و اليمامة و البحرين و السند و الهند و مصر والمغرب ، و كان يظهر الدعوة للرضا من آل محمد ، و يبطن محمدا الحبيب تسترا إلى أن استولى على اليمن ، و كان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة و من عنده سار إلى أفريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيرا ، و كان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب . أقاموا بأفريقية و بثوا فيها الدعوة ، و تناقله من البرابرة أمم و كان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي و وجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليمه و بثه و إحيائه حتى تم الأمر ، و بويع لعبد الله كما نذكر الآن في أخبارهم .
ابتداء دولة العبيديين
و أولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق . و لا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان و غيرهم و بالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، و شهد فيه أعلام الأئمة ، و قد مر ذكرهم . فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان و ابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب ، شاهد بصحة نسبهم . و شعر الشريف الرضي مسجل بذلك . و الذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع و هي ما علمت و قد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة ، فتلون الناس بمذهب أهل الدولة ، و جاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي ، مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم ، و ظهور كلمتهم حتى في مكة و المدينة أدل شيء على صحة نسبهم . و أما من يجعل نسبهم في اليهودية و النصرانية ليعمون القدح و غيره فكفاه ذلك إثما و سفسفة . و كان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق و اليمن و أفريقية . و كان أصل ظهورهم بأفريقية دخول الحلواني و أبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق ، و قال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا و احرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة ، و الآخر ببلد سوف جمار و كلاهما من أرض كتامة
ابتداء دولة العبيديين
و أولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق . و لا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان و غيرهم و بالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، و شهد فيه أعلام الأئمة ، و قد مر ذكرهم . فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان و ابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب ، شاهد بصحة نسبهم . و شعر الشريف الرضي مسجل بذلك . و الذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع و هي ما علمت و قد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة ، فتلون الناس بمذهب أهل الدولة ، و جاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي ، مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم ، و ظهور كلمتهم حتى في مكة و المدينة أدل شيء على صحة نسبهم . و أما من يجعل نسبهم في اليهودية و النصرانية ليعمون القدح و غيره فكفاه ذلك إثما و سفسفة . و كان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق و اليمن و أفريقية . و كان أصل ظهورهم بأفريقية دخول الحلواني و أبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق ، و قال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا و احرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة ، و الآخر ببلد سوف جمار و كلاهما من أرض كتامة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي ، و كان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص و كان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين ، فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب ، فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن ، و أن المهدي خارج في هذا الوقت فسار و أظهر الدعوة للمهدي من آل محمد بنعوته المعروفة عندهم ، و استولى على أكثر اليمن ، و تسمى بالمنصور و ابتنى حصنا بجبل لاعة . و ملك صنعاء من بني يعفر و فرق الدعاة في اليمن واليمامة و البحرين و السند و الهند و مصر و المغرب . و كان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب ، و كان محتسبا بالبصرة ، و قيل إنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم ، و أبو عبد الله هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلم مذهب الإمامية ، فاتصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب ، و رأى ما فيه من الأهلية فأرسله الى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه ، ثم يذهب إلى المغرب و يقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة . فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب و لزمه و شهد مجالسه و أفاد علمه . ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة و رؤساءهم ، و فيهم من لقي الحلواني و ابن بكار و أخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم ، و كان منهم موسى بن حريث كبير بني سكتان من جملة أحد شعوبهم و أبو القاسم الورنجومي من أحلافهم ، و مسعود بن عيسى بن ملال المساكتي ، و موسى بن تكاد ، فجلس إليهم و سمعوا منه مذاهبهم و رأوا ما هو عليه من العبادة و الزهد فعلق بقلويهم ، و صار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به و اغتبط بهم . و لما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاويا وجه مذهبه عنهم ، بعد أن سألهم عن قومهم و عصابتهم و بلادهم و ملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك ، و أنهم إنما يعطون السلطان طاعة معروفة فاستيقن تمام أمره فيهم ، و خرج معهم إلى المغرب و سلكوا طريق الصحراء ، و عدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة ، و بها محمد بن حمدون بن سماك الأندلسي من بجاية الأندلس نزيلا عندهم ، و كان قد أدرك الحلواني و أخذ عنه . فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه ، و فاوضه و تفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة . ثم ارتحلوا و صحبهم ابن حمدون ، و دخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان و ثمانين و مائتين فنزل على موسى بن حريث ببلده أنكجان في بلد بني سكتان من جبيلة ، و عين له مكان منزله بفج الأخيار ، و أن النص عنده من المهدي بذلك و بهجرة المهدي و أن أنصار الأخيار من أهل زمانه و أن اسمهم مشتق من الكتمان . و اجتمع إليه الكثير من أهل كتامة و لقي علماءهم و اشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر مذهبه ، و أعلن بإمامة أهل البيت ، و دعا للرضا من آل محمد و اتبعه أكثر كتامة ، و كانوا يسمونه بأبي عبد الله الشيعي و المشرقي . و بلغ خبره إلى أمير أفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب ، فبعث إليه بالتهديد و الوعيد ، فأساء الرد عليه ، و خاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلب ، و أغراهم عمال بلادهم بالشيعي مثل موسى بن عياش صاحت مسيلة ، و علي بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف . و جاء ابن تميم صاحب يلزمة ، فاجتمعوا و تفاوضوا في شأنه ، و حضر يحيى المساكتي و كان يدعى بالأمير و مهدي بن أبي كمارة رئيس لهيعة ، و فرج بن حيران رئيس إجانة ، و ثمل بن بجل رئيس لطانة . و راسلوا بيان بن صفلان رئيس بني سكتان ، و أبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم ، و حذروه عاقبة أمره فرد أمره إلى أهل العلم ، فجاؤوا بالعلماء و هموا باغتياله فلم يتم لهم ذلك ، و أطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه و ردوهم خائبين . ثم رجعوا بيان بن صقلاب في أمره و لاطفوه حتى صفا إليهم ، و شعر بذلك أبو عبد الله الشيعي و أصحابه ، فبعثوا إلى الحسن بن هرون الغساني يسألونه الهجرة إليهم ، فأجابهم و لحق ببلدة تازروت من بلادهم . و اجتمعت غسان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل ، فاعتز و امتنع و عظم أمره . ثم انتقض على الحسن بن هرون أخوه محمد منافسة له في الرياسة ، و كان صديقا لمهدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله ، و عظمت الفتنة بين لهيعة و غسان ، و ولى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هرون على حروبه ، و ظهر بعد أن كان مختفيا . و كان لمهدي بن أبي كمارة . شيخ لهيعة أخ اسمه أبو مديني ، و كان من أحباب أبي عبد الله فقتل أخاه مهديا و رأس على لهيعة مكانه ، فصاروا جميعا إلى ولاية أبي عبد الله و أبي مديني شيخهم . ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي و أصحابه ، و نازلوه بمكانه من تازروت ، و بعث الشيعي سهل بن فوكاش إلى فحل بن نوح رئيس لطانة ، و كان صهره لينجد له عن حربهم . في السلم ، فمشى إلى كتامة ، و أبوا إلا أن يناجزوهم الحرب ، فغلبهم أبو عبد الله و أصحابه ، و انهزمت كتامة و أبلى عروبة بن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاء حسنا ، و اجتمعت إلى أبي عبد الله غسان كلها و يلزمة و لهيعة و عامة بجاجية و رئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة و أبو زاكي تمام بن معارك . و لحق بحيلة من بجاجية فرج بن خيران ، و يوسف بن محمد من لطانة ، و فحل بن نوح ، واستقام أمر الباقي للشيعي و جمع فتح بن يحيى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي ، فسار إليهم و أوقع بهم ، و لحق فلهم بسطيف . ثم استأمنوا إليه فأمنهم و دخلوا في أمره ، و ولى منهم هرون بن يونس على حروبه ، و لحق رئيسهم فتح بن يحيى بعجيسة ، و جمع ثانية لحرب الشيعي فسار إليه و معه جموع كتامة ، و تحصن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي و فتحها ، واجتمعت إليه عجيسة و زواوة و جميع قبائل كتامة ، و رجع إلى تازروت و بث دعاته في كل ناحية فدخل الناس في أمره طوعا و كرها . و لحق فتح بن يحيى بالأمير إبراهيم بن أحمد بتونس ، و استحثه لحرب الشيعي . ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلة بعض أهلها ، و قتل صاحبها موسى بن عياش و ولى عليها ماكنون بن ضبارة الجايي و هو
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
أبو يوسف ، و لحق إبراهيم بن موسى بن عياش بأبي العباس إبراهيم بن الأغلب بتونس بعد خروج أبيه إلى صقلية . و كان فتح بن يحيى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك ، و وعده المظاهرة فجهز العساكر ، و عقد عليها لابنه أبي خوال ، و زحف من تونس سنة تسع و ثمانين فدوخ كتامة ، ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال ، و فر الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها ، فهدم أبو خوال القصر و اتبعه . و توغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره ، و توقع البيات . و سار إبراهيم بن موسى بن عياش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسس الأخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه و اتبعوه إلى المعسكر فاضطرب ، و أجفل أبو خوال و خرج من بلاد كتامة ، و استوطن أبو عبد الله إيكجان و بنى بها بلدا و سماها دار الهجرة ، و استبصر الناس في أمره و دخلوا في دعوته . ثم هلك الحسن بن هرون ، و جهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال و رده لحرب الشيعي و كتامة فسار في بلادهم ، ورجع منهزما و أقام قريبا منهم يدافعهم ، و يمنعهم من التقدم . و في خلال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الأغلب و قتل ابنه أبو العباس ، و قام بالأمر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال و قتله ، و انتقل من تونس إلى وقادة ، و انهمك في لذاته ، و انتشرت جيوش الشيعي في البلاد ، و علا أمره و بشرهم بأن المهدي قرب ظهوره فكان كما قال .
وصول المهدي الى المغرب و اعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال و بيعته
و لما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام ، عهد إلى ابنه عبيدالله و قال له : أنت المهدي و تهاجر بعدي هجرة بعيدة ، و تلقى محنا شديدة . و اتصل خبره بسائر دعاته في أفريقية و اليمن ، و بعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم ، و أنهم في انتظاره . و شاع خبره و اتصل بالعباسيين ، فطلبه المكتفي ففر من أرض الشام الى العراق ، ثم لحق بمصر و معه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا و خاصته و مواليه ، بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها علي بن الفضل من بعد ابن حوشب ، و أنه أساء السيرة فأنثنى عن ذلك ، و اعتزم على اللحاق بأبي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية ، ثم خرج من الإسكندرية في زي التجار . و جاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر و هو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم ، و القعود لهم بالمراصد ، وكتب نعته و حليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم ، و امتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم . و جد المهدي في السير و كان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه ، فيقال إن ابنه أبا القاسم استردها من برقة حين زحف إلى مصر ، و لما انتهى إلى طرابلس و فارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ، و مر بالقيروان و قد سبق خبرهم إلى زيادة الله ، و هو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس و ساء له فأنكر فحبسه . و كتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته و سار إلى قسنطينة . ثم عدل عنها خشية على أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إن سجلماسة و بها اليسع بن مدرار فأكرمه . ثم جاء كتاب زيادة الله و يقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع ، ثم أن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة و زحف إلى سطيف فحاصرها مدة ، و كان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها ، و أخوه أبو حبيب فملكها و كان بها أيضا داود بن جاثة من كبار لهيعة ، لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي و أخيه . و استأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله و دخلها فهدمها ، و جهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش ، و كانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها و هم متحصنون بجبلهم . ثم زحف إليهم و واقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية و لحق بالقيروان . وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه و عرفوه بالخبر . ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها و قتل فتح بن يحيى المساكتي ، ثم افتتحها على الأمان ، ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة . و جهز زيادة الله العساكر مع هرون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول ، و كانوا في طاعة الشيعي فهدمها هرون و قتل أهلها و زحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه و قتله . ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلها على يد يوسف الغساني و لحق عسكرها بالقيروان و شاع عن الشيعي و فاؤه بالأمان فأمنه الناس ، و كثر الأرجاف بزيادة الله فجهز العساكر و أزاح العلل ، و أنفق ما في خزائنه و ذخائره ، و خرج بنفسه سنة خمس و تسعين و نزل الأريس . ثم حاد عن اللقاء و أشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردأ للعساكر فرجع ، و قدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته و أمره بالمقام هنالك . ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها و ملكها صلحا و بعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة ، و قتل عاملها ، و سرح عساكره في أفريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة و غيرهم . ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم ، و استعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني ، فجاء إبراهيم بن أبي الأغلب و اقتحمها عليه ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر الى باغاية ثم إلى سكانة ثم إلى تبسة ففتحها كلها على الأمان . ثم إلى القصرين من قمودة فأمن أهلها و أطاعوه ، و سار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلة عسكره ، فنهض إلى الشيعي و اعترضه في عساكره و اقتتلوا ، ثم تحاجزوا ، و رجع الشيعي إلى إيكجان و إبراهيم إلى الأريس . ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها و
وصول المهدي الى المغرب و اعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال و بيعته
و لما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام ، عهد إلى ابنه عبيدالله و قال له : أنت المهدي و تهاجر بعدي هجرة بعيدة ، و تلقى محنا شديدة . و اتصل خبره بسائر دعاته في أفريقية و اليمن ، و بعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم ، و أنهم في انتظاره . و شاع خبره و اتصل بالعباسيين ، فطلبه المكتفي ففر من أرض الشام الى العراق ، ثم لحق بمصر و معه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا و خاصته و مواليه ، بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها علي بن الفضل من بعد ابن حوشب ، و أنه أساء السيرة فأنثنى عن ذلك ، و اعتزم على اللحاق بأبي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية ، ثم خرج من الإسكندرية في زي التجار . و جاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر و هو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم ، و القعود لهم بالمراصد ، وكتب نعته و حليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم ، و امتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم . و جد المهدي في السير و كان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه ، فيقال إن ابنه أبا القاسم استردها من برقة حين زحف إلى مصر ، و لما انتهى إلى طرابلس و فارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ، و مر بالقيروان و قد سبق خبرهم إلى زيادة الله ، و هو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس و ساء له فأنكر فحبسه . و كتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته و سار إلى قسنطينة . ثم عدل عنها خشية على أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إن سجلماسة و بها اليسع بن مدرار فأكرمه . ثم جاء كتاب زيادة الله و يقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع ، ثم أن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة و زحف إلى سطيف فحاصرها مدة ، و كان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها ، و أخوه أبو حبيب فملكها و كان بها أيضا داود بن جاثة من كبار لهيعة ، لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي و أخيه . و استأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله و دخلها فهدمها ، و جهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش ، و كانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها و هم متحصنون بجبلهم . ثم زحف إليهم و واقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية و لحق بالقيروان . وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه و عرفوه بالخبر . ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها و قتل فتح بن يحيى المساكتي ، ثم افتتحها على الأمان ، ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة . و جهز زيادة الله العساكر مع هرون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول ، و كانوا في طاعة الشيعي فهدمها هرون و قتل أهلها و زحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه و قتله . ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلها على يد يوسف الغساني و لحق عسكرها بالقيروان و شاع عن الشيعي و فاؤه بالأمان فأمنه الناس ، و كثر الأرجاف بزيادة الله فجهز العساكر و أزاح العلل ، و أنفق ما في خزائنه و ذخائره ، و خرج بنفسه سنة خمس و تسعين و نزل الأريس . ثم حاد عن اللقاء و أشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردأ للعساكر فرجع ، و قدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته و أمره بالمقام هنالك . ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها و ملكها صلحا و بعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة ، و قتل عاملها ، و سرح عساكره في أفريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة و غيرهم . ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم ، و استعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني ، فجاء إبراهيم بن أبي الأغلب و اقتحمها عليه ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر الى باغاية ثم إلى سكانة ثم إلى تبسة ففتحها كلها على الأمان . ثم إلى القصرين من قمودة فأمن أهلها و أطاعوه ، و سار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلة عسكره ، فنهض إلى الشيعي و اعترضه في عساكره و اقتتلوا ، ثم تحاجزوا ، و رجع الشيعي إلى إيكجان و إبراهيم إلى الأريس . ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
اقتحمها على الأمان ، ثم إلى قفصة كذلك . ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا مع أبي مكدولة الجيلي . ثم سار إلى إيكجان و خالفه إبراهيم إلى باغاية ، و بلغ الخبر إلى الشيعي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي ، و معه عروبة بن يوسف الملوشي و رجاء بن أبي قنة فى إثني عشر ألفا ، فقاتلوا ابن أبي الأغلب و منعوه من باغاية فرحل عنها ، و اتبعوه إلى فج العرعر و رجعوا عنه . ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنة ست و تسعين في مائتي ألف من العساكر إلى إبراهيم بن أبي الأغلب بالأريس . ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم إبراهيم و استبيح معسكره ، و فر إلى القيروان ، و دخل الشيعي الأريس فاستباحها ، ثم سار فنزل قمودة و اتصل الخبر بزيادة الله و هو برقادة ففر إلى المشرق ، و نهبت قصوره . و افترق أهل رقادة إلى القيروان و سوسة . و لما وصل إبراهيم بن أبي الأغلب إلى القيروان نزل قصر الإمارة و جمع الناس و أرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالأموال فاعتدوا و تصايحت به العامة ففر عنها ، و لحق بصاحبه و بلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة ، و قدم بين يديه عروبة بن يوسف و حسن بن أبي خنزير فساروا و أمنوا الناس ، و جاء على أثرهم . و خرج أهل رقادة و القيروان للقائه فأمنهم و أكرمهم ، و دخل رقادة في رجب سنة ست و تسعين و نزل قصرها ، و أطلق أخاه أبا العباس من الاعتقال و نادى بالأمان فتراجع الناس ، و فر العمال فى النواحي و طلب أهل القيروان فهربوا ، و قسم دور البلد على كتامة فسكنوها ، و جمع أموال زيادة الله و سلاحه فأمر بحفظها و حفظ جواريه ، و استأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحد . و نقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ، و من الآخر تفرق أعداء الله ، و على السلاح عدة في سبيل الله ، و في وسم الخيل الملك لله . ثم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي ، و استخلف على أفريقية أخاه أبا العباس ، و ترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي و اهتز المغرب لخروجه ، و فرت زناتة من طريقه . ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم و أرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل : و خرج للقائه . فلما تراءى الجمعان انفض معسكره و هرب هو و أصحابه و خرج أهل البلد من الغد للشيعي و جاؤوا معه إلى محبس المهدي و ابنه فأخرجهما و بايع للمهدي ، و مشي مع رؤساء القبائل بين أيديهما و هو يبكي من الفرح و يقول : هذا مولاكم حتى أنزله بالمخيم ، و بعث في طلب اليسع فأدرك ، و جيء به فقتل ، و أقاموا بسجلماسة أربعين يوما ثم ارتحلوا إلى أفريقية ، و مروا بأيكجان ، فسلم الشيعي ما كان بها من الأموال للمهدي . ثم نزلوا رقادة في ربيع سنة سبع و تسعين ، و حضر أهل القيروان و بويع للمهدي البيعة العامة ، و استقام أمره و بث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف ، و قسم الأموال و الجواري في رجال كتامة ، و أقطعهم الأعمال ، و دون الدواوين و جبى الأموال و بعث العمال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي ، و على صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير ، فسار إليها و نزل البحر ، و نزل مازر في عيد الأضحى من سنة سبع و تسعين ، فاستقضى إسحق بن المنهال ، و ولى أخاه على كريت . ثم أجاز البحر سنة ثمان و تسعين إلى العدوة الشمالية ، و نزل بسيط قلورية من بلاد الإفرنج فأثخن فيها ، و رجع إلى صقلية فأساء السيرة في أهلها فثاروا به و حبسوه ، وكتبوا إلى المهدي فقبل عذرهم ، و ولى عليهم مكانه علي بن عمر البلوي فوصل خاتم تسع و تسعين .
مقتل أبي عبد الله الشيعي و أخيه
لما استقام سلطان عبيد الله المهدي بأفريقية استبد بأمره ، وكفح أبا عبد الله الشيعي و أخاه أبا العباس عن الاستبداد عليه ، و التحكم فى أمره فعظم ذلك عليهما ، و صرح أبو العباس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك ، فلم يصغ إليه . ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه ، و بلغ ذلك إلى المهدي فلم يصدقه . ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس ، و قال إنه مفسد للهيبة فتلطف في رده و لم يجبه إليه ففسدت النية بينهما ، و استفسدوا كتامة و أغروهم به و ذكروهم بما أخذه من أموال أيكجان ، و استأثر به دونهم و ألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونا إليه ، حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ ، و قال له : جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك ، فقتله المهدي . ثم عظمت استرابتهم و اتفقوا على قتل المهدي ، و داخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك و غيره من قبائل كتامة . و نمي الخبر إلى المهدي فتلطف في أمرهم ، و ولى من داخلهم من قواد كتامة على البلاد ، فبعث تمام بن معارك على طرابلس ، و بعث إلى عاملها ماكنون بقتله ، فقتله عند وصوله . ثم إتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم ، و كان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله و استصفاء أمواله ، و كان أكثرها لزيادة الله . ثم إن المهدي استدعى عروبة بن يوسف ، و أخاه حباسة ، و أمرهما بقتل الشيعي و أخيه فوقفا لهما عند القصر ، و حمل عروبة على أبي عبد الله ، فقال له : لا تفعل ! فقال : الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك ! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان و تسعين . و يقال إن المهدي صلى على أبي عبد الله و ترحم عليه ، و علام أن الذي حمله على ذلك إغراء أبي العباس أخيه ، و ثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي و سكنها . ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة و أهل القيروان ، و فشا القتل فيهم فركب المهدي و سكنها ، وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة و قتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله .
مقتل أبي عبد الله الشيعي و أخيه
لما استقام سلطان عبيد الله المهدي بأفريقية استبد بأمره ، وكفح أبا عبد الله الشيعي و أخاه أبا العباس عن الاستبداد عليه ، و التحكم فى أمره فعظم ذلك عليهما ، و صرح أبو العباس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك ، فلم يصغ إليه . ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه ، و بلغ ذلك إلى المهدي فلم يصدقه . ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس ، و قال إنه مفسد للهيبة فتلطف في رده و لم يجبه إليه ففسدت النية بينهما ، و استفسدوا كتامة و أغروهم به و ذكروهم بما أخذه من أموال أيكجان ، و استأثر به دونهم و ألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونا إليه ، حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ ، و قال له : جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك ، فقتله المهدي . ثم عظمت استرابتهم و اتفقوا على قتل المهدي ، و داخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك و غيره من قبائل كتامة . و نمي الخبر إلى المهدي فتلطف في أمرهم ، و ولى من داخلهم من قواد كتامة على البلاد ، فبعث تمام بن معارك على طرابلس ، و بعث إلى عاملها ماكنون بقتله ، فقتله عند وصوله . ثم إتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم ، و كان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله و استصفاء أمواله ، و كان أكثرها لزيادة الله . ثم إن المهدي استدعى عروبة بن يوسف ، و أخاه حباسة ، و أمرهما بقتل الشيعي و أخيه فوقفا لهما عند القصر ، و حمل عروبة على أبي عبد الله ، فقال له : لا تفعل ! فقال : الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك ! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان و تسعين . و يقال إن المهدي صلى على أبي عبد الله و ترحم عليه ، و علام أن الذي حمله على ذلك إغراء أبي العباس أخيه ، و ثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي و سكنها . ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة و أهل القيروان ، و فشا القتل فيهم فركب المهدي و سكنها ، وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة و قتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بقية أخبار المهدي بعد الشيعي
و لما استقام أمر المهدي بعد الشيعي ، جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار ، و ولى على برقة و ما إليها حباسة بن يوسف . و على المغرب أخاه عروبة ، و أنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها ، و ولى عليها دواس بن صولات اللهيص . ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ، و نصبوا طفلا لقبوه المهدي ، و زعموا أنه نبي و أن أبا عبد الله الشيعي لم يمت ، فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم و هزمهم ، و قتل الطفل الذي نصبوه و أثخن فيهم و رجع . ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة ، وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسبم فحاصرها طويلا ، ثم فتحها و أثخن فيهم و أغرمهم ثلثمائة ألف دينار . ثم أغزى ابنه أبا القاسم و جموعه كتامة سنة إحدى و ثلثمائة إلى الإسكندرية و مصر ، و بعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب ، و شحنها بالإمداد و عقد عليها لحباسة بن يوسف ، و سارت العساكر فملكوا برقة ، ثم الإسكندرية و الفيوم . و بعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين و مؤنس الخادم فتواقعوا مرات ، و أجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ، ثم عاد حباسة في العساكر فى البحر سنة اثنتين و ثلثماثة إلى الإسكندرية فملكها ، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات ، و كان الظهور آخراً للمؤنس ، و قتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف . و انصرف إلى المغرب فقتله المهدي و انتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب و اجتمع إليه خلق كثير من كتامة و البربر . و سرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم و قتل عروبة و بني عمه في أمم لا تحصى . ثم نتقض أهل صقلية و تقبضوا على عاملهم علف بن عمرو ، و ولوا عليهم أحمد بن قهرب ، فدعا للمقتدر العباسي ، و ذلك سنة أربع و ثلثمائة ، و خلع طاعة المهدي و جهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه ، و قتل ابن أبي خنزير . ثم راجع أهل صقلية أمرهم و كاتبوا المهدي و ثاروا بابن قهرب فخلعوه ، و بعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير ، و ولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد ، و بعث معه عساكر كتامة ، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج . و يحكى عنه أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ، و أراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنائها ، و مر بتونس و قرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند ، فاختط المهدية بها و جعلها دار ملكه ، و أدار بها سوراً محكما و جعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار ، و ابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث . و لما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ، و نظر إلى منتهاه و قال : إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد . ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين ، و بحث في أرضها أهراء للطعام و مصانع للماء ، و بنى فيها القصور و الدور فكملت سنة ست ، ولما فرغ منها قال : اليوم أمنت على الفواطم . ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع و ثلئمائة فملك الاسكندرية ، ثم سار فملك الجيزة و الأشمونين وكثيرا من الصعيد . و كتب إلى أهل مكة بطلب للطاعة فلم يجيبوا إليها ، و بعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر و كانت بينه و بين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس ، و أصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء و الوباء فرجع إلى أفريقية ، و كانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مددا لأبي القاسم و عليها سليمان الخادم و يعقوب الكتامي و كانا شجاعين ، و سار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة و عشرين مركبا و التقوا على رشيد و ظفرت مراكب طرسوس و أحرقوا و أسروا سليمان و يعقوب ، فمات سليمان في حبس مصر ، و هرب يعقوب من حبس بغداد إلى أفريقية . ثم اغزى المهدي سنة ثمان و ثلثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة و هو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو ، و استنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته ، و عقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب و رجع . ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه و مهد جوانبه و أغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس ، فتقبض عليه و ضم فاس إلى أعمال موسى و محا دعوة الإدريسية من المغرب ، و أجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف و غمارة و استجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ، و منهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث و أربعمائة كما نذكر هنالك . ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة ، و عقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم . و سار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه و بينهم حروب هلك مضالة فى بعضها على يد محمد بن خزر . و اضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة و أولياء الشيعة سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، ففر محمد بن خزر ، و أصحابه إلى الرمال . و فتح أبو القاسم بلد مزاتة و مطماطة و هوارة و سائر الأباضية و الصفرية و نواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ، ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط ، و نازل صاحب جراوة من آل إدريس و هو الحسن بن أبي العيش و ضيق عليه و دوخ أقطار المغرب ، و رجع و لم يلق كيدا . و مر بمكان بلد المسيلة و بها بنو كملان من هوارة ، و كان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان ، و قضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه . و لما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم و سماها المحمدية ، و دفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها ، و عقد له عليها و على الزاب
و لما استقام أمر المهدي بعد الشيعي ، جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار ، و ولى على برقة و ما إليها حباسة بن يوسف . و على المغرب أخاه عروبة ، و أنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها ، و ولى عليها دواس بن صولات اللهيص . ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ، و نصبوا طفلا لقبوه المهدي ، و زعموا أنه نبي و أن أبا عبد الله الشيعي لم يمت ، فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم و هزمهم ، و قتل الطفل الذي نصبوه و أثخن فيهم و رجع . ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة ، وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسبم فحاصرها طويلا ، ثم فتحها و أثخن فيهم و أغرمهم ثلثمائة ألف دينار . ثم أغزى ابنه أبا القاسم و جموعه كتامة سنة إحدى و ثلثمائة إلى الإسكندرية و مصر ، و بعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب ، و شحنها بالإمداد و عقد عليها لحباسة بن يوسف ، و سارت العساكر فملكوا برقة ، ثم الإسكندرية و الفيوم . و بعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين و مؤنس الخادم فتواقعوا مرات ، و أجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ، ثم عاد حباسة في العساكر فى البحر سنة اثنتين و ثلثماثة إلى الإسكندرية فملكها ، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات ، و كان الظهور آخراً للمؤنس ، و قتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف . و انصرف إلى المغرب فقتله المهدي و انتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب و اجتمع إليه خلق كثير من كتامة و البربر . و سرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم و قتل عروبة و بني عمه في أمم لا تحصى . ثم نتقض أهل صقلية و تقبضوا على عاملهم علف بن عمرو ، و ولوا عليهم أحمد بن قهرب ، فدعا للمقتدر العباسي ، و ذلك سنة أربع و ثلثمائة ، و خلع طاعة المهدي و جهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه ، و قتل ابن أبي خنزير . ثم راجع أهل صقلية أمرهم و كاتبوا المهدي و ثاروا بابن قهرب فخلعوه ، و بعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير ، و ولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد ، و بعث معه عساكر كتامة ، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج . و يحكى عنه أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ، و أراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنائها ، و مر بتونس و قرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند ، فاختط المهدية بها و جعلها دار ملكه ، و أدار بها سوراً محكما و جعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار ، و ابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث . و لما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ، و نظر إلى منتهاه و قال : إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد . ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين ، و بحث في أرضها أهراء للطعام و مصانع للماء ، و بنى فيها القصور و الدور فكملت سنة ست ، ولما فرغ منها قال : اليوم أمنت على الفواطم . ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع و ثلئمائة فملك الاسكندرية ، ثم سار فملك الجيزة و الأشمونين وكثيرا من الصعيد . و كتب إلى أهل مكة بطلب للطاعة فلم يجيبوا إليها ، و بعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر و كانت بينه و بين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس ، و أصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء و الوباء فرجع إلى أفريقية ، و كانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مددا لأبي القاسم و عليها سليمان الخادم و يعقوب الكتامي و كانا شجاعين ، و سار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة و عشرين مركبا و التقوا على رشيد و ظفرت مراكب طرسوس و أحرقوا و أسروا سليمان و يعقوب ، فمات سليمان في حبس مصر ، و هرب يعقوب من حبس بغداد إلى أفريقية . ثم اغزى المهدي سنة ثمان و ثلثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة و هو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو ، و استنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته ، و عقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب و رجع . ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه و مهد جوانبه و أغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس ، فتقبض عليه و ضم فاس إلى أعمال موسى و محا دعوة الإدريسية من المغرب ، و أجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف و غمارة و استجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ، و منهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث و أربعمائة كما نذكر هنالك . ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة ، و عقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم . و سار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه و بينهم حروب هلك مضالة فى بعضها على يد محمد بن خزر . و اضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة و أولياء الشيعة سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، ففر محمد بن خزر ، و أصحابه إلى الرمال . و فتح أبو القاسم بلد مزاتة و مطماطة و هوارة و سائر الأباضية و الصفرية و نواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ، ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط ، و نازل صاحب جراوة من آل إدريس و هو الحسن بن أبي العيش و ضيق عليه و دوخ أقطار المغرب ، و رجع و لم يلق كيدا . و مر بمكان بلد المسيلة و بها بنو كملان من هوارة ، و كان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان ، و قضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه . و لما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم و سماها المحمدية ، و دفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها ، و عقد له عليها و على الزاب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بقية أخبار المهدي بعد الشيعي
و لما استقام أمر المهدي بعد الشيعي ، جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار ، و ولى على برقة و ما إليها حباسة بن يوسف . و على المغرب أخاه عروبة ، و أنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها ، و ولى عليها دواس بن صولات اللهيص . ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ، و نصبوا طفلا لقبوه المهدي ، و زعموا أنه نبي و أن أبا عبد الله الشيعي لم يمت ، فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم و هزمهم ، و قتل الطفل الذي نصبوه و أثخن فيهم و رجع . ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة ، وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسبم فحاصرها طويلا ، ثم فتحها و أثخن فيهم و أغرمهم ثلثمائة ألف دينار . ثم أغزى ابنه أبا القاسم و جموعه كتامة سنة إحدى و ثلثمائة إلى الإسكندرية و مصر ، و بعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب ، و شحنها بالإمداد و عقد عليها لحباسة بن يوسف ، و سارت العساكر فملكوا برقة ، ثم الإسكندرية و الفيوم . و بعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين و مؤنس الخادم فتواقعوا مرات ، و أجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ، ثم عاد حباسة في العساكر فى البحر سنة اثنتين و ثلثماثة إلى الإسكندرية فملكها ، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات ، و كان الظهور آخراً للمؤنس ، و قتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف . و انصرف إلى المغرب فقتله المهدي و انتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب و اجتمع إليه خلق كثير من كتامة و البربر . و سرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم و قتل عروبة و بني عمه في أمم لا تحصى . ثم نتقض أهل صقلية و تقبضوا على عاملهم علف بن عمرو ، و ولوا عليهم أحمد بن قهرب ، فدعا للمقتدر العباسي ، و ذلك سنة أربع و ثلثمائة ، و خلع طاعة المهدي و جهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه ، و قتل ابن أبي خنزير . ثم راجع أهل صقلية أمرهم و كاتبوا المهدي و ثاروا بابن قهرب فخلعوه ، و بعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير ، و ولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد ، و بعث معه عساكر كتامة ، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج . و يحكى عنه أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ، و أراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنائها ، و مر بتونس و قرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند ، فاختط المهدية بها و جعلها دار ملكه ، و أدار بها سوراً محكما و جعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار ، و ابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث . و لما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ، و نظر إلى منتهاه و قال : إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد . ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين ، و بحث في أرضها أهراء للطعام و مصانع للماء ، و بنى فيها القصور و الدور فكملت سنة ست ، ولما فرغ منها قال : اليوم أمنت على الفواطم . ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع و ثلئمائة فملك الاسكندرية ، ثم سار فملك الجيزة و الأشمونين وكثيرا من الصعيد . و كتب إلى أهل مكة بطلب للطاعة فلم يجيبوا إليها ، و بعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر و كانت بينه و بين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس ، و أصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء و الوباء فرجع إلى أفريقية ، و كانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مددا لأبي القاسم و عليها سليمان الخادم و يعقوب الكتامي و كانا شجاعين ، و سار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة و عشرين مركبا و التقوا على رشيد و ظفرت مراكب طرسوس و أحرقوا و أسروا سليمان و يعقوب ، فمات سليمان في حبس مصر ، و هرب يعقوب من حبس بغداد إلى أفريقية . ثم اغزى المهدي سنة ثمان و ثلثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة و هو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو ، و استنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته ، و عقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب و رجع . ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه و مهد جوانبه و أغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس ، فتقبض عليه و ضم فاس إلى أعمال موسى و محا دعوة الإدريسية من المغرب ، و أجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف و غمارة و استجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ، و منهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث و أربعمائة كما نذكر هنالك . ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة ، و عقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم . و سار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه و بينهم حروب هلك مضالة فى بعضها على يد محمد بن خزر . و اضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة و أولياء الشيعة سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، ففر محمد بن خزر ، و أصحابه إلى الرمال . و فتح أبو القاسم بلد مزاتة و مطماطة و هوارة و سائر الأباضية و الصفرية و نواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ، ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط ، و نازل صاحب جراوة من آل إدريس و هو الحسن بن أبي العيش و ضيق عليه و دوخ أقطار المغرب ، و رجع و لم يلق كيدا . و مر بمكان بلد المسيلة و بها بنو كملان من هوارة ، و كان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان ، و قضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه . و لما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم و سماها المحمدية ، و دفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها ، و عقد له عليها و على الزاب
و لما استقام أمر المهدي بعد الشيعي ، جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار ، و ولى على برقة و ما إليها حباسة بن يوسف . و على المغرب أخاه عروبة ، و أنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها ، و ولى عليها دواس بن صولات اللهيص . ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي ، و نصبوا طفلا لقبوه المهدي ، و زعموا أنه نبي و أن أبا عبد الله الشيعي لم يمت ، فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم و هزمهم ، و قتل الطفل الذي نصبوه و أثخن فيهم و رجع . ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلثمائة ، وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسبم فحاصرها طويلا ، ثم فتحها و أثخن فيهم و أغرمهم ثلثمائة ألف دينار . ثم أغزى ابنه أبا القاسم و جموعه كتامة سنة إحدى و ثلثمائة إلى الإسكندرية و مصر ، و بعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب ، و شحنها بالإمداد و عقد عليها لحباسة بن يوسف ، و سارت العساكر فملكوا برقة ، ثم الإسكندرية و الفيوم . و بعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين و مؤنس الخادم فتواقعوا مرات ، و أجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب ، ثم عاد حباسة في العساكر فى البحر سنة اثنتين و ثلثماثة إلى الإسكندرية فملكها ، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات ، و كان الظهور آخراً للمؤنس ، و قتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف . و انصرف إلى المغرب فقتله المهدي و انتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب و اجتمع إليه خلق كثير من كتامة و البربر . و سرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم و قتل عروبة و بني عمه في أمم لا تحصى . ثم نتقض أهل صقلية و تقبضوا على عاملهم علف بن عمرو ، و ولوا عليهم أحمد بن قهرب ، فدعا للمقتدر العباسي ، و ذلك سنة أربع و ثلثمائة ، و خلع طاعة المهدي و جهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه ، و قتل ابن أبي خنزير . ثم راجع أهل صقلية أمرهم و كاتبوا المهدي و ثاروا بابن قهرب فخلعوه ، و بعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير ، و ولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد ، و بعث معه عساكر كتامة ، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج . و يحكى عنه أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ، و أراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنائها ، و مر بتونس و قرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند ، فاختط المهدية بها و جعلها دار ملكه ، و أدار بها سوراً محكما و جعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار ، و ابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث . و لما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ، و نظر إلى منتهاه و قال : إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد . ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين ، و بحث في أرضها أهراء للطعام و مصانع للماء ، و بنى فيها القصور و الدور فكملت سنة ست ، ولما فرغ منها قال : اليوم أمنت على الفواطم . ثم جهز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع و ثلئمائة فملك الاسكندرية ، ثم سار فملك الجيزة و الأشمونين وكثيرا من الصعيد . و كتب إلى أهل مكة بطلب للطاعة فلم يجيبوا إليها ، و بعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر و كانت بينه و بين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس ، و أصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء و الوباء فرجع إلى أفريقية ، و كانت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مددا لأبي القاسم و عليها سليمان الخادم و يعقوب الكتامي و كانا شجاعين ، و سار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة و عشرين مركبا و التقوا على رشيد و ظفرت مراكب طرسوس و أحرقوا و أسروا سليمان و يعقوب ، فمات سليمان في حبس مصر ، و هرب يعقوب من حبس بغداد إلى أفريقية . ثم اغزى المهدي سنة ثمان و ثلثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة و هو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو ، و استنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته ، و عقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب و رجع . ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخه و مهد جوانبه و أغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس ، فتقبض عليه و ضم فاس إلى أعمال موسى و محا دعوة الإدريسية من المغرب ، و أجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف و غمارة و استجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة ، و منهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث و أربعمائة كما نذكر هنالك . ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة ، و عقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم . و سار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه و بينهم حروب هلك مضالة فى بعضها على يد محمد بن خزر . و اضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة و أولياء الشيعة سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، ففر محمد بن خزر ، و أصحابه إلى الرمال . و فتح أبو القاسم بلد مزاتة و مطماطة و هوارة و سائر الأباضية و الصفرية و نواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ، ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط ، و نازل صاحب جراوة من آل إدريس و هو الحسن بن أبي العيش و ضيق عليه و دوخ أقطار المغرب ، و رجع و لم يلق كيدا . و مر بمكان بلد المسيلة و بها بنو كملان من هوارة ، و كان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان ، و قضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه . و لما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم و سماها المحمدية ، و دفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها ، و عقد له عليها و على الزاب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بعد اختطاطها فبناها و حصنها و شحنها بالأقوات ، فكانت مددا للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر . ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس و المغرب ، و خلع طاعة الشيعة ، و انحرف إلى الأموية من وراء البحر و بث دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسي قائد المهدي و سار في العساكر فلقيه ميسور و هزمه ، و أوقع به و بقومه بمكناسة ، و أزعجه عن الغرب إلى الصحاري و أطراف البلاد و دوخ المغرب و ثقف أطرافه و رجع ظافراً .
وفاة عبيد الله المهدي و ولاية ابنه أبي القاسم
ثم توفي عبيد الله المهدي في ربيع سنة اثنتي و عشرين لأربع و عشرين سنة من خلافته ، و ولى ابنه أبو القاسم محمد ، و يقال نزار بعده ، و لقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال إنه لم يركب سائرأيامه إلا مرتين ، و كثر عليه الثوار . و ثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي و زعم أنه ابن المهدي و حاصر طرابلس . ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه ، ثم أغزى المغرب و ملكه ، و ولى على فاس أحمد بن بكر ابن أبي سهل الجذابي ، و حاصر الأدارسة ملوك الريف و غوارة فنهض ميسور الخصي من القيروان في العساكر ، و دخل المغرب و حاصر فاس ، و استنزل عاملها أحمد بن بكر . ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب ، و أخذ الثورى بن موسى في بعضها أسيرا و أجلاه ميسور عن المغرب ، و ظاهره عليه الأدارسة للذين بالريف ، و انقلب ميسور إلى القيروان سنة أربع و عشرين ، و عقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال ابن أبي العافية و ما يفتحه من البلاد ، فملك المغرب كلها ما عدا فاس ، و أقام دعوة الشيعة بسائر أعماله . ثم جهز أبو القاسم أسطولا ضخماً لغزو ساحل الإفرنجة و عقد عليه ليقرب ابن اسحاق فأثخن في بلاد الإفرنجة ، و سبى و نازل بلد جنوة و افتتحها ، و عظم صنع الله في شأنها ، و مروا بسردانية من جزرالفرنج فأثخنوا فيها . ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فأحرقوا مراكبها . ثم بعث عسكرا إلى مصر مع خادمه زيران فملكو الإسكندرية ، و جاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها و رجعوا إلى المغرب .
أخبار أبي يزيد الخارجي
و هوأبو يزيد مخلد بن كيراد ، و كان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر ، وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة و بها ولد ولده أبو يزيد و نشأ بتوزر ، و تعلم القران و خالط النكارية من الخوارج و هم الصفرية ، فمال إلى مذهبهم و أخذ به ثم سافر إلى تاهرت و أقام فيها يعلم الصبيان ، و لم صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي انتقل هو إلى تقيوس ، و أقام يعلم فيها . و كان يذهب إلى تكبير أهل ملته ، و استباحة الأموال و الدماء و الخروج على السلطان . ثم أخذ نفسه بالحسبة على الناس و تغيير المنكر سنة ست عشرة و ثلثمائة فكثر أتباعه ، و لما مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس ، و ركب الحمار و تلقب بشيخ المؤمنين ، و دعا للناصر صاحب الأندلس من بني أمية فاتبعه أمم من البربر . و زحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر و هزمه ، و زحف إلى باغاية فحاصرها ، ثم انهزم عنها ، و كتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث و ثلاثين . ثم فتح تبسة صلحا ، و مجانة كذلك ، و أهدى له رجل من أهل مرماجنة حمارا أشهب فكان يركبه و به لقب . و كان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين . و كان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا ، و ملكها أبو يزيد و أحرقها و نهبها و قتل في الجامع من لجأ إليه ، و بعث عسكرا إلى سبيبة ففتحها و قتل عاملها . و بلغ الخبر إلى القاسم فقال لابد أن يبلغ المصلي من المهدية ، ثم جهز العساكر و بعثها إلى رقادة و القيروان ، و بعث خادمه ميسورا الخصي لحربه . و بعث عسكرا مع خادمه بشري إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد و هزمه إلى تونس ، و دخل أبو يزيد باجة فنهبها و أحرقها ، و قتل الأطفال و سبى النساء ، و اجتمع إليه قبائل البربر ، و اتخذ الأبنية و البيوت و آلات الحرب ، و بعث إليه بشري عسكرا من تونس ، و بعث أبو يزيد للقائهم عسكرا آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد و ظفر أصحاب بشري . ثم ثار أهل تونس ببشري فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنهم و ولى عليهم ، و سار إلى القيروان و بعث القائم خديمه بشري للقائه . و أمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة ، و بعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد و قتل منهم أربعة آلاف ، و جيء بأسراهم إلى المهدئة فقتلوا ، فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم و أتبعهم إلى القيروان ، و نزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل ، و عاملها يومئذ خليل بن إسحاق و هو ينتظر وصول ميسور بالعساكر ، ثم ضايقه أبو يزيد و أغراه الناس بالخروج فخرج ، و هزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان . و دخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها و بعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث و ثلاثين ، و نهبها و أمن خليلا فقتله أبو يزيد ، وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم و رفع النهب عنهم ، و زحف ميسور إلى أبي يزيد ، و كان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد و داخلوه في الغدر بميسور ، و كتب إليه القائم بذلك فحذرهم فطردهم عنه ، و لحقوا بأبي يزيد و ساروا معه إلى ميسور فانهزم ميسور ، و قتله بنو كملان و جاؤوا برأسه فأطافه بالقيروان ، و بعث بالبشري إلى البلاد . و بلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار ، و أمر بحفر الخنادق ، و أقام أبو يزيد سبعين يوما في مخيم ميسور و بث السرايا في كل ناحية يغنمون و يعودون ، و أرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة و استباحوها ، و خرب عمران أفريقية من
وفاة عبيد الله المهدي و ولاية ابنه أبي القاسم
ثم توفي عبيد الله المهدي في ربيع سنة اثنتي و عشرين لأربع و عشرين سنة من خلافته ، و ولى ابنه أبو القاسم محمد ، و يقال نزار بعده ، و لقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال إنه لم يركب سائرأيامه إلا مرتين ، و كثر عليه الثوار . و ثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي و زعم أنه ابن المهدي و حاصر طرابلس . ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه ، ثم أغزى المغرب و ملكه ، و ولى على فاس أحمد بن بكر ابن أبي سهل الجذابي ، و حاصر الأدارسة ملوك الريف و غوارة فنهض ميسور الخصي من القيروان في العساكر ، و دخل المغرب و حاصر فاس ، و استنزل عاملها أحمد بن بكر . ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب ، و أخذ الثورى بن موسى في بعضها أسيرا و أجلاه ميسور عن المغرب ، و ظاهره عليه الأدارسة للذين بالريف ، و انقلب ميسور إلى القيروان سنة أربع و عشرين ، و عقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال ابن أبي العافية و ما يفتحه من البلاد ، فملك المغرب كلها ما عدا فاس ، و أقام دعوة الشيعة بسائر أعماله . ثم جهز أبو القاسم أسطولا ضخماً لغزو ساحل الإفرنجة و عقد عليه ليقرب ابن اسحاق فأثخن في بلاد الإفرنجة ، و سبى و نازل بلد جنوة و افتتحها ، و عظم صنع الله في شأنها ، و مروا بسردانية من جزرالفرنج فأثخنوا فيها . ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فأحرقوا مراكبها . ثم بعث عسكرا إلى مصر مع خادمه زيران فملكو الإسكندرية ، و جاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها و رجعوا إلى المغرب .
أخبار أبي يزيد الخارجي
و هوأبو يزيد مخلد بن كيراد ، و كان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر ، وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة و بها ولد ولده أبو يزيد و نشأ بتوزر ، و تعلم القران و خالط النكارية من الخوارج و هم الصفرية ، فمال إلى مذهبهم و أخذ به ثم سافر إلى تاهرت و أقام فيها يعلم الصبيان ، و لم صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي انتقل هو إلى تقيوس ، و أقام يعلم فيها . و كان يذهب إلى تكبير أهل ملته ، و استباحة الأموال و الدماء و الخروج على السلطان . ثم أخذ نفسه بالحسبة على الناس و تغيير المنكر سنة ست عشرة و ثلثمائة فكثر أتباعه ، و لما مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس ، و ركب الحمار و تلقب بشيخ المؤمنين ، و دعا للناصر صاحب الأندلس من بني أمية فاتبعه أمم من البربر . و زحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر و هزمه ، و زحف إلى باغاية فحاصرها ، ثم انهزم عنها ، و كتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث و ثلاثين . ثم فتح تبسة صلحا ، و مجانة كذلك ، و أهدى له رجل من أهل مرماجنة حمارا أشهب فكان يركبه و به لقب . و كان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين . و كان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا ، و ملكها أبو يزيد و أحرقها و نهبها و قتل في الجامع من لجأ إليه ، و بعث عسكرا إلى سبيبة ففتحها و قتل عاملها . و بلغ الخبر إلى القاسم فقال لابد أن يبلغ المصلي من المهدية ، ثم جهز العساكر و بعثها إلى رقادة و القيروان ، و بعث خادمه ميسورا الخصي لحربه . و بعث عسكرا مع خادمه بشري إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد و هزمه إلى تونس ، و دخل أبو يزيد باجة فنهبها و أحرقها ، و قتل الأطفال و سبى النساء ، و اجتمع إليه قبائل البربر ، و اتخذ الأبنية و البيوت و آلات الحرب ، و بعث إليه بشري عسكرا من تونس ، و بعث أبو يزيد للقائهم عسكرا آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد و ظفر أصحاب بشري . ثم ثار أهل تونس ببشري فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنهم و ولى عليهم ، و سار إلى القيروان و بعث القائم خديمه بشري للقائه . و أمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة ، و بعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد و قتل منهم أربعة آلاف ، و جيء بأسراهم إلى المهدئة فقتلوا ، فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم و أتبعهم إلى القيروان ، و نزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل ، و عاملها يومئذ خليل بن إسحاق و هو ينتظر وصول ميسور بالعساكر ، ثم ضايقه أبو يزيد و أغراه الناس بالخروج فخرج ، و هزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان . و دخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها و بعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث و ثلاثين ، و نهبها و أمن خليلا فقتله أبو يزيد ، وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم و رفع النهب عنهم ، و زحف ميسور إلى أبي يزيد ، و كان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد و داخلوه في الغدر بميسور ، و كتب إليه القائم بذلك فحذرهم فطردهم عنه ، و لحقوا بأبي يزيد و ساروا معه إلى ميسور فانهزم ميسور ، و قتله بنو كملان و جاؤوا برأسه فأطافه بالقيروان ، و بعث بالبشري إلى البلاد . و بلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار ، و أمر بحفر الخنادق ، و أقام أبو يزيد سبعين يوما في مخيم ميسور و بث السرايا في كل ناحية يغنمون و يعودون ، و أرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة و استباحوها ، و خرب عمران أفريقية من
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
سائر الضواحي و لحق فلهم بالقيروان حفاة عراة . و مات أكثرهم جوعاً و عطشاً . ثم بعث القائم إلى رؤساء كتامة و القبائل و إلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسي رإلى المهدية فتأهبوا لذلك ، و سمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية ، و بث السرايا في جهاتها ، و سمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الأولى ، و كان ابنه فضل قد جاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة ، و ركب في أثرهم و لقي أصحابه منهزمين . و لما رآه الكتاميون انهزموا بغير قتال و أتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية و رجع . ثم جاء بعد أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث ، و عليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة و هزمهم ، و جاوز السور إلى البحر و وصل المصلى على رمية سهم من البلد ، و البربر يقاتلون من الجانب الآخر . ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم و بلغ ذلك أبا يزيد ، و سمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية و يأتي زيري و كتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الأرباض ، و مالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه ، و تخلص بعد الجهد و وصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه و انهزم العبيد . ثم رحل و تأخر قليلا و حفر على معسكره خندقا و اجتمع عليه خلق عظيم من البربر و نفوسة و الزاب و أقاصى المغرب ، و ضيق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلهم و تورط في قتالها يومه ذلك . ثم خلص و كتب إلى عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها ، فجاؤوا و زحف بهم آخر رجب فانهزم ، و قتل من أصحابه . ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال و لم يظفر ، و رجع إلى معسكره و اشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات و الدواب ، و افترق أهلها في النواحي ، و لم يبق بها إلا الجند و فتح القائم أهراء الزرع التي أعدها المهدي و فرقها فيهم . ثم اجتمعت كتامة و عسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثا من وربجومة و غيرهم فهزموا كتامة ، و وافت أبا يزيد حشود الربر من كل ناحية و أحاط بسوسة و ضيق عليها . ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرمات و المنافسة بينهم فانفضوا عنه ، و رجع إلى القيروان سنة أربع و ثلاثين و غنم أهل المهدية معسكره ، و كثر عبث البربر في أمصار أفريقيه و ضواحيها ، و ثار أهل القيروان بهم ، و راجعوا طاعة القائم ، و جاء على بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبي يزيد و هزمه ، و سارإلى تونس و جاءت عساكر القائم فواقعوه مرات و انهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع و ثلاثين . فبعث أيوب ثانية لقتال على بن حمدون ببلطة ، و كانت حروبه معه سجالا إلى أن اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها . و لحق ابن حمدون ببلاد كتامة و اجتمعت قبائل كتامة و نفزة و مزاتة و عسكروا بقسنطينة . و بعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم ، و جاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم . و ملك ابن حمدون مدينة يتجست و باغاية . ثم زحف أبو يزيد إلى سوسة في جمادي الآخرة من سنته و بها عسكر القائم ، و توفي القائم و هو بمكانه من حصارها .
وفاة القائم و ولاية ابنه المنصور
ثم توفي القائم أبوالقاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب أفريقية ، بعد أن عهد إلى ولده إسماعيل بعده و تلقب بالمنصور ، و كتم موت أبيه حذرا أن يطلع عليه أبو يزيد و هو بمكانه من حصار سوسة ، فلم يسم بالخليفة و لا غيرالسكة و لا الخطبة و لا البنود إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد كما يذكر .
بقية أخبار أبي يزيد و مقتله
و لما مات القائم كان أبو يزيد محاصرا لسوسة كما تقدم ، و قد جهد أهلها الحصار ، فلما ولي إسماعيل المنصور و كان أول عمله أن بعث الأساطيل من المهدية إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة و الأمتعة و الميرة مع رشيق الكاتب و يعقوب بن إسحاق ، و خرج بنفسه في أثرهم ، و أشار أصحابه بالرجوع فرجع و وصل الأسطول إلى سوسة ، و خرجوا لقتال أبي يزيد و عساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد ، و استبيح معسكره نهبا و إحراقا ، و لحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول و ثاروا بعامله فخرج إليه ، و رحل إلى سبيبة و ذلك أواخر شوال سنه أربع . و جاء المنصور إلى القيروان و أمن أهلها و أبقى على حرم أبي يزيد و أولاده ، و أجرى عليهم الرزق ، و خرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبي يزيد و جاءت أخرى من عسكر أبي يزيد لمثل ذلك فالتقوا و انهزمت سرية المنصور ، فقوي أبو يزيد بذلك و كثر جمعه ، و عاد فقاتل القيروان و خندق المنصور على عسكره ، و قاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ، ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا و ثبت المنصور و راجع أصحابه من طريق المهدية و سوسة . ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل أواخر ذي القعدة ، ثم رجع فقاتلهم و كانت الحرب سجالا ، و بعث السرايا إلى طريق المهدية و سوسة نكاية فيهم ، و بعث إلى المنصور في حرمه و أولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم . و قد كان أقسم على الرحيل ، فلما وصلوا إليه نكث و قاتلهم خامس المحرم سنة خمس و ثلاثين فهزمهم . ثم عبى المنصور عساكره منتصف المحرم و جعل البرابر في الميمنة و كتامة في الميسرة ، و هو وأصحابه في القلب . و حمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها ثم على القلب فلقيه المنصور و اشتد القتال . ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم و أسلم أثقاله و عسكره و قتل خلق من أصحابه و بلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف ، و مضى أبو يزيد لوجهه ، و مر بباغاية فمنعه أهلها من الدخول فأقام يحاصرها ، و رحل
وفاة القائم و ولاية ابنه المنصور
ثم توفي القائم أبوالقاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب أفريقية ، بعد أن عهد إلى ولده إسماعيل بعده و تلقب بالمنصور ، و كتم موت أبيه حذرا أن يطلع عليه أبو يزيد و هو بمكانه من حصار سوسة ، فلم يسم بالخليفة و لا غيرالسكة و لا الخطبة و لا البنود إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد كما يذكر .
بقية أخبار أبي يزيد و مقتله
و لما مات القائم كان أبو يزيد محاصرا لسوسة كما تقدم ، و قد جهد أهلها الحصار ، فلما ولي إسماعيل المنصور و كان أول عمله أن بعث الأساطيل من المهدية إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة و الأمتعة و الميرة مع رشيق الكاتب و يعقوب بن إسحاق ، و خرج بنفسه في أثرهم ، و أشار أصحابه بالرجوع فرجع و وصل الأسطول إلى سوسة ، و خرجوا لقتال أبي يزيد و عساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد ، و استبيح معسكره نهبا و إحراقا ، و لحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول و ثاروا بعامله فخرج إليه ، و رحل إلى سبيبة و ذلك أواخر شوال سنه أربع . و جاء المنصور إلى القيروان و أمن أهلها و أبقى على حرم أبي يزيد و أولاده ، و أجرى عليهم الرزق ، و خرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبي يزيد و جاءت أخرى من عسكر أبي يزيد لمثل ذلك فالتقوا و انهزمت سرية المنصور ، فقوي أبو يزيد بذلك و كثر جمعه ، و عاد فقاتل القيروان و خندق المنصور على عسكره ، و قاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ، ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا و ثبت المنصور و راجع أصحابه من طريق المهدية و سوسة . ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل أواخر ذي القعدة ، ثم رجع فقاتلهم و كانت الحرب سجالا ، و بعث السرايا إلى طريق المهدية و سوسة نكاية فيهم ، و بعث إلى المنصور في حرمه و أولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم . و قد كان أقسم على الرحيل ، فلما وصلوا إليه نكث و قاتلهم خامس المحرم سنة خمس و ثلاثين فهزمهم . ثم عبى المنصور عساكره منتصف المحرم و جعل البرابر في الميمنة و كتامة في الميسرة ، و هو وأصحابه في القلب . و حمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها ثم على القلب فلقيه المنصور و اشتد القتال . ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم و أسلم أثقاله و عسكره و قتل خلق من أصحابه و بلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف ، و مضى أبو يزيد لوجهه ، و مر بباغاية فمنعه أهلها من الدخول فأقام يحاصرها ، و رحل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
المنصور في ربيع الأول لاتباعه ، و استخلف على المهدية مراما الصقلي و أدركه على باغاية فأجفل المنصور في إتباعه . و كلما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة من أصحاب أبي يزيد و مواطئه بالغرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه ، و أمره بطلب أبي يزيد . و وصل أبو يزيد إلى بني برزال و كانوا نكارية ، و بلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة . ثم عاد إلى نواحي غمرت فصادف المنصور و قاتله فانهزم أبو يزيد إلى جبل سالات ، و المنصور في أثره في جبال و أوعار و مضايق تفضي إلى القفر ، و أصابهم الجهد و علم أنه ليس أمامه إلا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة . و وفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمه و وصله كما يجب له . و جاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة ، و أقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة و حاصرها . فلما عوفي المنصور رحل أول رجب سنة خمس و ثلاثين و قصده فأفرج عن المسيلة ، و قصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة و عجيسة فتحصنوا بها . و جاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان و نزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم و أسلم عسكره و أولاده ، و طعنه بعض الفرسان فأكبه و حامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف ، و تخلص . ثم سار المنصور في أثره أول رمضان و لم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان و صعوبته . ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب ، و ترك أثقاله و ساروا إلى رؤوس الجبال يرمون بالصخر ، و تزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي و كثر القتل . ثم تحاجزوا و تحصن أبو يزيد بقلعة كتامة و استأمن الذين معه من هوارة فأمنهم المنصور ، و حصر أبا يزيد في القلعة و قاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة و أضرمها نارا ، و قتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية و جمع أهله و أولاده في القصر ، و أظلم الليل فأمر المنصور بإشعال النيران في الشعراء المحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذرا من فراره ، حتى خرج الليل و حمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له ، و أمر المنصور بطلبه فألفوه و قد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحا فسقط من الوعر و ارتث فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر ، و أقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست و ثلاثين . ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده و حشوه تبنا و اتخذ له قفصا فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله . و رحل إلى القيروان و المهدية و لحق ابنه فضل بمعبد بن خزر ، و زحف به إلى طبنة و بسكرة . و قصد المنصور فانهزم معبد و صعد إلى كتامة ، فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع و قيصر ، و معهما زيري بن مناد في صنهاجة ، فانهزم فضل و معبد و افترق جمعهم و رجع المنصور إلى القيروان فدخلها .
بقية أخبار المنصور
ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب و انحرف عن طاعة الشيعة ، و دعا للأموية من وراء البحر ، و زحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست و ثلاثين ، و جاء إلى سوق حمزة فأقام به . و حشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ، و رحل مع المنصور فأفرج حميد عن تاهرت ، و عقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني ، و عقد لزيري بن مناد على قومه و على سائر بلادهم . ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال ، و أقام هو على واد ميناس ، و كان هنالك ثلاثة جبال كل منهم عليه قصر مبني بالحجر المنحوت ، فوجد في وجه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح ، فأمر المنصور التراجمة بقراءته ، و إذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهل هذا البلد على الملك ، فبعثني إليهم ففتح الله عليهم و بنيت هذا البناء لأذكر به . ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه . ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد و حمله و دخل المنصورية في جمادى سنة ست و ثلاثين ، فبلغه أن فضل بن أبي يزيد جاء إلى جبل أوراس ، و داخل البربر في الثورة فخرج إليه المنصور فدخل الرمل ، و رجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ، و رجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية و أقام محاصرها فغدر به باطيط ، و بعث برأسه الى المنصور . ثم عقد سنة تسع و ثلاثين للحسين بن علي بن أبي الحسين الكلبي على صقلية و أعمالها ، و كانت لخليل بن إسحاق فصرفه الحسين و استقل بولايتها ، فكان له فيها و لبنيه ملك سنذكره . و بلغ المنصور أن ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله ، و شحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلي ، و أمر الحسين بن علي عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الإفرنجة ، و نزلوا قلورية و لقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه . و كان فتحا لا كفاء له ، و ذلك سنة أربعين و ثلثمائة ، و رجع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة اثنتين و أربعين ، و كان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أبي يزيد لم يزل منتقضاً و أولياء المنصور في طلبه حتى أخذ في بعض الوقائع ، و سيق مع ابنه إلى المنصور فطيف بهما في أسواق المنصورية ، ثم قتلا سنة إحدى و أربعين و ثلثمائة .
وفاة المنصور و ولاية ابنه المعز
ثم توفي المنصور إسماعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى و أربعين لسبع سنين من خلافته ، أصابه الجهد من مطر و ثلج تجلد على ملاقاته ، و دخل على أثره الحمام فعيت حرارته و لازمه السهر فمات . و كان طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلى قد نهاه عن الحمام فلم يقبل و ولي الأمر بعده ابنه معد ، و لقب المعز لدين الله فاستقام أمره ، و خرج لجبل
بقية أخبار المنصور
ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب و انحرف عن طاعة الشيعة ، و دعا للأموية من وراء البحر ، و زحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست و ثلاثين ، و جاء إلى سوق حمزة فأقام به . و حشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ، و رحل مع المنصور فأفرج حميد عن تاهرت ، و عقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني ، و عقد لزيري بن مناد على قومه و على سائر بلادهم . ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال ، و أقام هو على واد ميناس ، و كان هنالك ثلاثة جبال كل منهم عليه قصر مبني بالحجر المنحوت ، فوجد في وجه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح ، فأمر المنصور التراجمة بقراءته ، و إذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهل هذا البلد على الملك ، فبعثني إليهم ففتح الله عليهم و بنيت هذا البناء لأذكر به . ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه . ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد و حمله و دخل المنصورية في جمادى سنة ست و ثلاثين ، فبلغه أن فضل بن أبي يزيد جاء إلى جبل أوراس ، و داخل البربر في الثورة فخرج إليه المنصور فدخل الرمل ، و رجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ، و رجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية و أقام محاصرها فغدر به باطيط ، و بعث برأسه الى المنصور . ثم عقد سنة تسع و ثلاثين للحسين بن علي بن أبي الحسين الكلبي على صقلية و أعمالها ، و كانت لخليل بن إسحاق فصرفه الحسين و استقل بولايتها ، فكان له فيها و لبنيه ملك سنذكره . و بلغ المنصور أن ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله ، و شحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلي ، و أمر الحسين بن علي عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الإفرنجة ، و نزلوا قلورية و لقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه . و كان فتحا لا كفاء له ، و ذلك سنة أربعين و ثلثمائة ، و رجع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة اثنتين و أربعين ، و كان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أبي يزيد لم يزل منتقضاً و أولياء المنصور في طلبه حتى أخذ في بعض الوقائع ، و سيق مع ابنه إلى المنصور فطيف بهما في أسواق المنصورية ، ثم قتلا سنة إحدى و أربعين و ثلثمائة .
وفاة المنصور و ولاية ابنه المعز
ثم توفي المنصور إسماعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى و أربعين لسبع سنين من خلافته ، أصابه الجهد من مطر و ثلج تجلد على ملاقاته ، و دخل على أثره الحمام فعيت حرارته و لازمه السهر فمات . و كان طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلى قد نهاه عن الحمام فلم يقبل و ولي الأمر بعده ابنه معد ، و لقب المعز لدين الله فاستقام أمره ، و خرج لجبل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
أوراس سنة اثنتين و أربعين ، و جالت فيه عساكره و استأمن إليه بنو كملان و مليلة من هوارة ، و دخلوا في طاعته فأمنهم و أحسن إليهم . و استأمن إليه محمد بن خزر بعد قتل أخيه معبد فأمنه و رجع إلى القيروان و ترك مولاه قيصر في العساكر ، و عقد له على باغاية فدوخ البلاد و أحسن إلى الناس ، و ألف من كان شارداً من البربر . و رجع بهم إلى القيروان فأكرمهم المعز و وصلهم . ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقاه مبرة و تكريما . و أقام عنده بالقيروان إلى أن هلك سنة ثمان و أربعين . و استقدم المعز زيري بن مناد سنة ثلاث و أربعين أمير صنهاجة ، فقدم من أشير فأجزل صلته و رده إلى عمله . و بعث إلى الحسين بن علي عامل صقلية سنة أربع و أربعين أن يخرجه بأسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الأندلس ، فعاث فيه و غنم و سبى ، و رجع فأخرج الناصر صاحب الأندلس أسطوله إلى سواحل أفريقية مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر ، و أقلعوا . ثم عاودوا سنة خمس و أربعين فى سبعين مركبا فأحرقوا مرسى الخزر و عاثوا في جهات سوسة ، ثم في نواحي طبرنة و رجعوا . و استقام أمر المعز في بلاد أفريقية و المغرب و اتسعت إيالته ، و كانت أعماله من ايفكان خلف تاهرت بثلاثة مراحل إلى زناتة التي دون مصر و على تاهرت و ايفكان يعلى بن محمد اليفرني ، و على أشير و أعمالها زيري بن مناد الصنهاجي و على المسيلة و أعمالها . جعفر بن علي الأندلسي و على باغاية و أعمالها قيصر الصقلي . و كان على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي ، و على سجلماسة محمد بن واسول المكناسي . ثم بلغه سنة سبع و أربعين أن يعلى بن محمد اليفرني داخل الأموية من وراء البحر ، و أن أهل المغرب الأقصى نقضوا طاعة الشيعة ، فأغزى جوهر الصقلي الكاتب إلى المغرب بالعساكر ، و كان على وزارته ، و خرج معه جعفر بن علي صاحب المسيلة ، و زيري بن مناد صاحب أشير و تلقاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الأوسط . و لما ارتحل عن ايفكان وقعت هيعة في أصحاب صيلة و قيل له إن بني يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى و ناشته سيوف كتامة لحينه ، و خرب ايفكان و أسر ابنه يدو بن يعلى ، و تمادوا إلى فاس ثم تجاوزوها إلى سجلماسه فأخذها ، و تقبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذي تلقب بأمير المؤمنين من بني واسول ، و ولى ابن المعتز من بني عمه مكانه و دوخ المغرب إلى البحر . ثم رجع إلى فاس و حاصرها و واليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي ، و قاتلها مدة فامتنعت عليه و جاءته هدايا الأمراء الأدكرنية من السوس . ثم رحل الى سجلماسة ، و بها محمد بن واسول من مكناسة و قد تلقب بأمير المؤمنين الشاكر لله ، و ضرب السكة باسمه تقدست عزة الله ، فلما سمع بجوهر هرب ، ثم أخذ أسيرا و جيء به إلى جوهر ، و سار عن سجلماسة و افتتح البلاد في طريقه . ثم عاد إلى فاس و أقام في حصارها إلى أن افتتحها عنوة على يد زيري بن مناد تسنم أسوارها ليلا و دخلها و تقبض على أحمد بن بكر ، و ذلك سنة ثمان و أربعين ، و ولى عليها من قبله ، و طرد عمال بني أمية من سائر المغرب . و انقلب إلى القيروان ظافرا عزيزا ، و ضم تاهرت إلى زيري بن مناد . و قدم بالفاطميين و بأحمد بن بكر و بمحمد بن واسول أسيربن في قفصين ، و دخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود . و كانت ولاية المغرب و المشرق منقسمة بين مولييه قيصر و مظفر ، و كانا متغلبين على دولته فقبض عليهما سنة تسع و أربعين و قتلهما . و في سنة خمسين كان تغلب للنصارى على جزيرة أقريطش ، و كان بها أهل الأندلس من جالية الحكم بن هشام بسبب ثورة الرفض ، ففر بهم إن الإسكندرية فثاروا بها ، و عبد الله بن طاهر يومئذ عامل مصر فحاصرهم بالإسكندرية حتى نزلوا على الأمان ، و أن يجيزوا البحر إلى جزيرة أقريطش فعمروها و نزلوها منذ تلك الأيام ، و أميرها أبو حفص البلوطي منهم ، و استبد بها و ورث بنوه رياسة فيها إلى أن نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب ، و اقتحموها عليهم عنوة ، و قتلوا منهم و أسروا ، و بقيت في أيدي النصارى لهذا العهد و الله غالب على أمره . و افتتح صاحب صقلية سنة إحدى و خمسين قلعة طرمين ، من حصون صقلية بعد حصار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر و نصف للحصار ، و أسكن المسلمين بالقلعة و سماها المعزية نسبة إلى المعز صاحب أفريقية . ثم سار صاحب صقلية بعدها و هو أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسن إلى حصار رمطة من قلاع صقلية فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينية ، فجهز لهم العساكر برا و بحرا ، و استمد صاحب صقلية المعز فأمده بالعساكر مع ابنه الحسن ، و وصل مدده إلى مدينة ميسنى ، و ساروا بجموعهم إلى رمطة ، و كان على حصارها الحسن بن عمار ، فحمل عسكرا على رمطة و زحف إلى عسكر الروم مستميتا فقاتلهم فقتل أمير الروم و جماعة من البطارقة و هزموا أقبح هزيمة ، واعترضهم خندق فسقطوا فيه ، و أثخن المسلمون فيهم و غنموا عسكرهم . و اشتد الحصار على أهل رمطة و عدموا الأقوات فاقتحمها المسلمون عنوة ، و ركب فل الروم البحر يطلبون النجاة ، فأتبعهم الأمير أحمد بن الحسن في أسطوله فأدركهم و سبح بعض السلمين في الماء فخرق مراكبهم و انهزموا ، و بث أحمد سرايا المسلمين في مدائن الروم فغنموا منها و عاثوا فها حتى صالحوهم على الجزية ، و كانت هذه الواقعة سنة أربع و خمسين و تسمى وقعة المجاز .
فتح مصر
ثم إن المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الأخشيدي و عظم فيها الغلاء و كثرت الفتن و شغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين بختيار بن معز الدولة ، و عضد الدولة ابن عمه ، فاعتزم المعز على المسير إلى مصر ، و أخرج جوهرا الكاتب إلى
فتح مصر
ثم إن المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافور الأخشيدي و عظم فيها الغلاء و كثرت الفتن و شغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين بختيار بن معز الدولة ، و عضد الدولة ابن عمه ، فاعتزم المعز على المسير إلى مصر ، و أخرج جوهرا الكاتب إلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
المغرب لحشد كتامة ، و أوعز إلى عمال برقة لحفر الآبار في طريقها ، و ذلك سنة خمس و خمسين ، فسيره إلى مصر و خرج لتوديعه ، و أقام أياما في معسكره ، و سار جوهر و بلغ خبره إلى عساكر الأخشيدية بمصر فافترقوا ، و كان ما يذكر في أخبارهم ، و قدم جوهر منتصف شعبان من سنة ثمان و خمسي فدخلها و خطب في الجامع العتيق منه باسم المعز ، و أقيمت الدعوة العلوية و في جمادى من سنة تسع و خمسين دخل جوهر جامع ابن طولون فصلى فيه ، و أمر بزيادة حي على خير العمل في الأذان ، فكان أول أذان أذن به في مصر . ثم بعث إلى المعز بالهدايا و بأعيان دولة الأخشيدية فحبسهم المعز بالمهدية ، و أحسن إلى القضاة و العلم من وفدهم ، و ردهم إلى مصر ، و شرع جوهر في بناء القاهرة و استحث المعز للقدوم على مصر .
فتح دمشق
و لما فتحت مصر ، و أخذ بنو طفج ، هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكة و معه جماعة من قوادهم ، فلما استشعر جوهر به بعث جعفر بن فلاح الكتامي في العساكر إليه فقاتله مرارا ثم أسره و من كان معه من القواد ، و بعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المعز بأفريقية ، و دخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها ، ثم أمن من بقي و جبى الخراج و سارإلى طبرية و يها ابن ملهم و قد أقام الدعوة للمعز فتجافى عنه ، و سار إلى دمشق فافتتحها عنوة و أقام بها الخطبة للمعز لأيام من المحرم سنة تسع و خمسين ، و كان بدمشق الشريف أبو القاسم بن أبي يعلى الهاشمي و كان مطاعا فهم ، فجمع الأوباش و الذعار و ثار بهم في الجمعة الثانية ، و لبس السواد و أعاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياما و أولى عليهم الهزائم و عاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبي يعلى ليلا من البلد و أصبحوا حيارى ، و كانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس و الوعد الجميل ، و أن يدخل البلد فيطوف فيه و يرجع إلى معسكره فدخل ، و عاث المغاربة في البلد بالنهب فثار الناس بهم و حملوا عليهم ، و قتلوا منم و شرعوا في حفر الخنادق و تحصين البلد . و مشى الشريف أبو القاسم في الصلح بينهم و بين جعفر بن فلاح ، فتم ذلك منتصف ذي الحجة من سنة تسع و خمسين ، و دخل صاحب شرطة جعفر فسكن الناس و فبض على جماعة من الأحداث و قتل منهم و حبس . ثم قبض على الشريف أبي القاسم بن أبي يعلى في المحرم من سنة ستين ، و بعث به إلى مصر ، و استقام ملك دمشق لجعفر بن فلاح ، و كان خرج بأفريقية في سنة ثمان و خمسين أبو جعفر الزناتي و اجتمعت إليه جموع من البربر و النكارية ، و خرج إليه المعز بنفسه ، و انتهى إلى باغاية و افترقت جموع أبي خزر و سلك الأوعار فعاد المعز و أمر بلكين بن زيري بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره ، ثم جاء أبو جعفر مستأمنا سنة تسع و خمسين فقبله ، و أجرى عليه الرزق ، و على أثر ذلك وصلت كتب جوهر بإقامة دعوته بمصر و الشام ، و باستدعائه إليها فاشتد سرور المعز بذلك ، و أظهره في الناس و نطق الشعراء بامتداحه ثم زحف القرامطة إلى دمشق و عليهم ملكهم الأعصم . و لقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهم و قتلهم . ثم رجعوا إليه سنة إحدى و ستين و برز إليهم جعفر فهزموه و قتلوه ، و ملك الأعصم دمشق و سار إلى مصر و كاتب جوهر بذلك المعز فاعتزم على الرحلة إليها .
مسير المعز الى مصر و نزوله بالقاهرة
و لما انتهت هذه الأخبار إلى المعز اعتزم على المسير إلى مصر ، و بدأ بالنظر في تمهيد المغرب و قطع شواغله ، و كان محمد بن الحسن بن خزر المغراوي مخالفا عليه بالمغرب الأوسط ، و قد كثرت جموعه من زنانة و البربر ، و كان جبارا طاغيا قأهم المعز أمره وخشي على أفريقية عائلته ، فأمر بلكين بن زيري بن مناد بغزوه فغزاه فى بلاده ، وكانت بينهما حروب عظيمة . ثم انهزم محمد بن خزر و جموعه ، ولما أحس بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه ، و قتل في المعركه سبعة عشر من أمراء زناتة و أسر منهم كثير و ذلك سنة ستين . وسر المعز ذلك وقعد للهناء به . واستقدم بلكين بن زيري ستخلفه على أفريقية والمغرب ، وأنزله القيروان و سماه يوسف ، وكناه أبا الفتوح ، و ولى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي ، ولم يجعل لبلكين ولاية عليه ، و لا على صاحب صقلية . وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم ، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني ، و حسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين ، وعسكر ظاهر المنصورية آخر شوال من سنة إحدى وستين ، وأقام على سردانية قريبا من القيروان حتى فرغ من أعماله ، ولحقته عساكره وأهل بيته وعماله ، وحمل له ما كان في قصره من الأموال والأمتعة . و ارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه و سار معه بلكين قليلا ، ثم ودعه و رده إلى عمله ، و سار هو إلى طرابلس في عساكره ، و هرب بعضهم إلى جبل نفوسة قامتنعوا بها ، و سار إلى برقة فقتل بها شاعره محمد بن هانيء الأندلسي ، وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة اثنتين وستين . ثم سار إلى الإسكندرية وبلغها في شعبان من هذه السنة ، ولقيه بها أعيان مصر فأكرمهم و وصلهم ، و سار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله و منزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم .
حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق
فتح دمشق
و لما فتحت مصر ، و أخذ بنو طفج ، هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكة و معه جماعة من قوادهم ، فلما استشعر جوهر به بعث جعفر بن فلاح الكتامي في العساكر إليه فقاتله مرارا ثم أسره و من كان معه من القواد ، و بعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المعز بأفريقية ، و دخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها ، ثم أمن من بقي و جبى الخراج و سارإلى طبرية و يها ابن ملهم و قد أقام الدعوة للمعز فتجافى عنه ، و سار إلى دمشق فافتتحها عنوة و أقام بها الخطبة للمعز لأيام من المحرم سنة تسع و خمسين ، و كان بدمشق الشريف أبو القاسم بن أبي يعلى الهاشمي و كان مطاعا فهم ، فجمع الأوباش و الذعار و ثار بهم في الجمعة الثانية ، و لبس السواد و أعاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياما و أولى عليهم الهزائم و عاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبي يعلى ليلا من البلد و أصبحوا حيارى ، و كانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس و الوعد الجميل ، و أن يدخل البلد فيطوف فيه و يرجع إلى معسكره فدخل ، و عاث المغاربة في البلد بالنهب فثار الناس بهم و حملوا عليهم ، و قتلوا منم و شرعوا في حفر الخنادق و تحصين البلد . و مشى الشريف أبو القاسم في الصلح بينهم و بين جعفر بن فلاح ، فتم ذلك منتصف ذي الحجة من سنة تسع و خمسين ، و دخل صاحب شرطة جعفر فسكن الناس و فبض على جماعة من الأحداث و قتل منهم و حبس . ثم قبض على الشريف أبي القاسم بن أبي يعلى في المحرم من سنة ستين ، و بعث به إلى مصر ، و استقام ملك دمشق لجعفر بن فلاح ، و كان خرج بأفريقية في سنة ثمان و خمسين أبو جعفر الزناتي و اجتمعت إليه جموع من البربر و النكارية ، و خرج إليه المعز بنفسه ، و انتهى إلى باغاية و افترقت جموع أبي خزر و سلك الأوعار فعاد المعز و أمر بلكين بن زيري بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره ، ثم جاء أبو جعفر مستأمنا سنة تسع و خمسين فقبله ، و أجرى عليه الرزق ، و على أثر ذلك وصلت كتب جوهر بإقامة دعوته بمصر و الشام ، و باستدعائه إليها فاشتد سرور المعز بذلك ، و أظهره في الناس و نطق الشعراء بامتداحه ثم زحف القرامطة إلى دمشق و عليهم ملكهم الأعصم . و لقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهم و قتلهم . ثم رجعوا إليه سنة إحدى و ستين و برز إليهم جعفر فهزموه و قتلوه ، و ملك الأعصم دمشق و سار إلى مصر و كاتب جوهر بذلك المعز فاعتزم على الرحلة إليها .
مسير المعز الى مصر و نزوله بالقاهرة
و لما انتهت هذه الأخبار إلى المعز اعتزم على المسير إلى مصر ، و بدأ بالنظر في تمهيد المغرب و قطع شواغله ، و كان محمد بن الحسن بن خزر المغراوي مخالفا عليه بالمغرب الأوسط ، و قد كثرت جموعه من زنانة و البربر ، و كان جبارا طاغيا قأهم المعز أمره وخشي على أفريقية عائلته ، فأمر بلكين بن زيري بن مناد بغزوه فغزاه فى بلاده ، وكانت بينهما حروب عظيمة . ثم انهزم محمد بن خزر و جموعه ، ولما أحس بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه ، و قتل في المعركه سبعة عشر من أمراء زناتة و أسر منهم كثير و ذلك سنة ستين . وسر المعز ذلك وقعد للهناء به . واستقدم بلكين بن زيري ستخلفه على أفريقية والمغرب ، وأنزله القيروان و سماه يوسف ، وكناه أبا الفتوح ، و ولى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي ، ولم يجعل لبلكين ولاية عليه ، و لا على صاحب صقلية . وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم ، وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني ، و حسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين ، وعسكر ظاهر المنصورية آخر شوال من سنة إحدى وستين ، وأقام على سردانية قريبا من القيروان حتى فرغ من أعماله ، ولحقته عساكره وأهل بيته وعماله ، وحمل له ما كان في قصره من الأموال والأمتعة . و ارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه و سار معه بلكين قليلا ، ثم ودعه و رده إلى عمله ، و سار هو إلى طرابلس في عساكره ، و هرب بعضهم إلى جبل نفوسة قامتنعوا بها ، و سار إلى برقة فقتل بها شاعره محمد بن هانيء الأندلسي ، وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة اثنتين وستين . ثم سار إلى الإسكندرية وبلغها في شعبان من هذه السنة ، ولقيه بها أعيان مصر فأكرمهم و وصلهم ، و سار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله و منزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم .
حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
كان للقرامطة على بني طفج بدمشق ضريبة يؤدونها إليهم ، فلما ملك ابن فلاح بدعوة المعز قطع تلك الضريبة ، و آسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق و عليهم الأعصم ملكهم ، فبرز إليهم جعفر بن فلاح فهزموه وقتلوه ، و ملكوا دمشق و ما بعدها ، إلى الرملة ، وهرب من كان بالرملة و تحصنوا بيافا . وملك القرامطة الرملة و جهزوا العساكر على يافا ، و ساروا إلى مصر ونزلوا عين شمس و هي المعروفة لهذا العهد بالمطرية . و اجتمع إليهم خلق كثير من العرب و أولياء بني طفج ، و حاصروا المغاربة بالقاهرة و قاتلوهم أياما فكان الظفر بهم . ثم خرج المغاربة واستماتوا وهزمهم فرحلوا إلى الرملة و ضيقوا حصار يافا ، و بعث إليهم جعفر بالمدد في البحر فأخذه القرامطة و انتهى الخبر إلى المعز بالقيروان . و جاء إلى مصر و دخلها كما ذكرناه . و سمع أنهم يريدون المسير إلى مصر فكتب إلى الأعصم يذكره فضل بنيه و أنهم إنما دعوا له و لآبائه و بالغ في وعظه و تهدده فأساء في جوابه ، و كتب إليه : وصل كتابك الذي قل تحصيله و كثر تفصيله ، و نحن سائرون إليك و السلام . و سار من الأحساء إلى مصر و نزل عين شمس في عساكره ، واجتمع إليه الناس من العرب وغيرهم . وجاء حسان بن الجراح في جموع عظيمة من طيء ، و بث سراياه في البلاد فعاثوا فيها وأهم المعز شأنه ، فراسل ابن الجراح واستماله بمائة ألف دينار على أن ينهزم على القرامطة و استحلفوه على ذلك . وخرج المعز ليوم عينوه لذلك فانهزم ابن الجراح بالعرب ، و ثبت القرامطة قليلا ثم انهزموا و أخذ منهم نحو ألف و خمسمائة أسير . و قتلوا صبرا و نهب معسكرهم و جرد المعز القائد أبا محمود في عشرة آلاف فارس ، و ساروا في اتباعهم و لحق القرامطة باذرعات و ساروا منها إلى الأحساء ، و بعث المعز القائد ظالم بن موهوب العقيلي واليا على دمشق فدخلها ، و كان العامل بها من قبل القرامطة أبو اللجاء و ابنه في جماعة منهم فحبسهم ظالم و أخذ أموالهم ، و رجع القائد أبو محمود من اتباع القرامطة إلى دمشق فتلقاه ظالم و سر بقدومه و سأله المقام بظاهر دمشق حذرا من القرامطة ففعل و دفع أبا اللجاء و ابنه فبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها . و عاث أصحاب أبي محمود في دمشق ، فاضطرب الناس و قتل صاحب الشرطة بعضهم فثاروا به و قتلوا أصحابه . و ركب ظالم بذراريهم و أجفل أهل الضواحي إلى البلد من عيث المغاربة ، ثم وقعت في منتصف شوال من سنة ثلاث و ستين فتنة بين العامة وبين عسكر أبي محمود و قاتلوه أياما ، ثم هزمهم و تبعهم إلى البلد . و كان ظالم بن موهوب يداري العامة فأشفق في هذا اليوم على نفسه ، وخرج من دار الإمارة و أحرق المغاربة ناحية باب الفراديس ، و مات فيها خلق ، و اتصلت الفتنة إلى ربيع الآخر من سنة أربع و ستين . ثم وقع الصلح بينهم على إخراج ظالم من البلد و ولاية جيش بن الصمصامة بن أخت أبي محمود فسكن الناس إليه . ثم رجع المغاربة إلى العيث و عاد العامة إلى الثورة ، و قصدوا القصر الذي فيه جيش فهرب و لحق بالعسكر، و زحف إلى البلد فقاتلهم و أحرق ما كان بقي و قطع الماء عن البلد فضاقت الأحوال و بطلت الأسواق ، و بلغ الخبر إلى المعز فنكر ذلك على أبي محمود و استعظمه ، وبعث إلى زياد الخادم في طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لاستكشاف حالها ، و أن يصرف القائد أبا محمود عنها ، فصرفه إلى الرملة ، و بعث إلى المعز بالخبر ، و أقام بدمشق إلى أن وصل أفتكين واليا على دمشق . و كان أفتكين هذا من موالي عز الدولة بن بويه ، و لما ثار الأتراك على ابنه بختيار مع سبكتكين ، و مات سبكتكين ، قدمه الأتراك عليهم ، و حاصروا بختيار بواسط ، وجاء عضد الدولة لإنجاده فاجفلوا عن واسط فتركوه ببغداد . و سار أفتكين في طائفة من الجند إلى حمص فنزل قريبا منها ، و قصده ظالم بن موهوب العقيلي ليقبضه فعجز عنه ، و سار أفتكين فنزل بظاهر دمشق و بها زياد خادم المعز ، و قد غلب عليه ، وعلى أعيان البلد الأحداث و الذعار ، فلم يملكوا معهم أمر أنفسهم فخرج الأعيان إلى أفتكين ، و سألوا منه الدخول إليهم ليولوه ، و شكوا إليه حال المغاربة و ما يحملونهم عليه من عقائد بعض الرفض ، و ما أنزل بهم عمالهم من الظلم و العسف ، فأجابهم واستحلفهم و حلف لهم ، و ملك البلد و خرج منها زياد الخادم ، و قطع خطبة المعز العلوي و خطب للطائع العباسي ، و قمع أهل الفساد و دفع العرب عما كانوا استولوا عليه من الضواحي . و استقل ملك دمشق و كاتب المعز بطلب طاعته و ولايتها من قبله . فلم يثق إليه و رده ، و تجهز لقصده ، و جهز العساكر فتوفي بعسكره ببلبيس كما يذكر .
وفاة المعز و ولاية ابنه العزيز
ثم توفي المعز بمصر في منتصف ربيع الآخر سنة خمس و ستين لثلاث و عشرين سنة من خلافته ، و ولي ابنه نزار بعهده إليه و وصيته ، و لقب العزيز بالله ، و كتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلى بالناس و خطبهم ، و دعا لنفسه و عزى بأبيه ، و أقر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيام أبيه ، و أقر بلكين بن زيري على ولاية أفريقية و أضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامي ، و هي طرابلس و سرت وجرابيه . و كان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم فتركوا الخطبة للعزيز ، فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة وضيقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم ، و خطب العزيز بمكة و كان أمير مكة عيسى بن جعفر و المدينة طاهر بن مسلم ، و مات في هذه السنة فولى ابنه الحسن وابن أخيه مكانه .
وفاة المعز و ولاية ابنه العزيز
ثم توفي المعز بمصر في منتصف ربيع الآخر سنة خمس و ستين لثلاث و عشرين سنة من خلافته ، و ولي ابنه نزار بعهده إليه و وصيته ، و لقب العزيز بالله ، و كتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلى بالناس و خطبهم ، و دعا لنفسه و عزى بأبيه ، و أقر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيام أبيه ، و أقر بلكين بن زيري على ولاية أفريقية و أضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامي ، و هي طرابلس و سرت وجرابيه . و كان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم فتركوا الخطبة للعزيز ، فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة وضيقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم ، و خطب العزيز بمكة و كان أمير مكة عيسى بن جعفر و المدينة طاهر بن مسلم ، و مات في هذه السنة فولى ابنه الحسن وابن أخيه مكانه .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 1 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» تاريخ دمشق الجزء الرابع والله المستعان
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
صفحة 1 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى