تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
صفحة 1 من اصل 2
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
ـ صحيفة
كان لبني عبد مناف في قريش جمل من العدد و الشرف لا يناهضهم فيها أحد من سائر بطون قريش . و كان فخداهم بنو أمية و بنو هاشم حياً جميعاً ينتمون لعبد مناف و ينسبون إليه . و قريش تعرف ذلك و تسأل لهم الرياسة عليهم إلا أن بني أمية أكثر عدداً من بني هاشم و أوفر رجالاً . و العزة إنما هي بالكثرة . قال الشاعر :
و إنما العزة للكاثر
و كان لهم قبيل الإسلام شرف معروف انتهى إلى حرب بن أمية و كان رئيسهم في حرب الفجار . و حدث الإخباريون أن قريشاً توقعوا ذات يوم و حرب هذا مسند ظهره إلى الكعبة فتبادر إليه غلمة منهم ينادون يا عم أدرك قومك ، فقام يجر إزاره حتى أشرف عليهم من بعض الربا و لوح بطرف ثوبه فبادرت الطائفتان إليه بعد أن كان حمي و طيسهم . و لما جاء ، الإسلام و دهش الناس لما وقع من أمر النبوة و الوحي و تنزل الملائكة ، و ما وقع من خوارق الأمور و نسي الناس أمر العصبية مسلمهم و كافرهم . أما المسلمون فنهاهم الإسلام عن أمور الجاهلية كما في الحديث أن الله أذهب عنكم غبية الجاهلية و فخرها لأننا و أنتم بنو آدم و آدم من تراب . و أما المشركون فشغلهم ذلك الأمر العظيم عن شأن العصائب و ذهلوا عنه حيناً من الدهر . و لذلك لما افترق أمر بني أمية و بني هاشم بالإسلام .إنما ذلك الإفتراق بحصار بني هاشم في الشعب لا غير و لم يقع كبير فتنة لأجل نسيان العصبات و الذهول عنها بالإسلام حتى كانت الهجرة و شرع الجهاد و لم يبق إلا العصبية الطبيعية التي لا تفارق و هي بعزة الرجل على أخيه و جاره في القتل و العدوان عليه فهذه لا يذهبها شيء و لا هي محظورة بل هي مطلوبة في الجهاد و الدعاء إلى الدين ألا ترى إلى صفوان بن أمية و قوله عندما انكشف المسلمون يوم حنين و هو يومئذ مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يسلم ، فقال له أخوه : ألا بطل السحر اليوم ؟ فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك . لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوزان . ثم أن شرف بني عبد مناف لم يزل في بني عبد شمس و بني هاشم . فلما هلك أبو طالب و هاجر بنوه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و حمزة كذلك . ثم من بعده العباس و الكثير من بني عبد المطلب و سائر بني هاشم خلا الجو حينئذ من مكان بني هاشم بمكة و استغلظت رياسة بني أمية في قريش . ثم استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر و هلك فيها عظماء بني عبد شمس : عتبة و ربيعة و الوليد و عقبة بن أبي معيط و غيرهم . فاستقل أبو سفيان بشرف بني أمية و التقدم في قريش ، و كان رئيسهم في أحد و قائدهم في الأحزاب و ما بعدها . و لما كان الفتح قال العباس للنبي صلى الله عليه و سلم أبو سفيان ليلتئذ ، كما هو معروف و كان صديقاً له : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له ذكراً . فقال : " من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن " . ثم من على قريش بعد أن ملكهم يومئذ و قال : " إذهبوا فأنتم الطلقاء و أسلموا " . و شكت مشيخة قريش بعد ذلك لأبي بكر ما وجدوه في أنفسهم من التخلف عن رتب المهاجرين الأولين ، و ما بلغهم من كلام عمر في تركه شوراهم فاعتذر لهم أبو بكر و قال أدركوا إخوانكم بالجهاد و أنفذهم لحروب الردة فأحسنوا الغناء عن الإسلام و قوموا الأعراب عن الحيف و الميل . ثم جاء عمر فرمي بهم الروم و أرعب قريشاً في النفير إلى الشام فكان معظمهم هنالك و استعمل يزيد بن أبي سفيان على الشام . و طال أمد ولايته إلى أن هلك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة فولى أخاه معاوية و أقره عثمان من بعد عمر فاتصلت رياستهم على قريش في الإسلام برياستهم قبيل الفتح التي لم تحل صبغتها و لا ينسى عهدها أيام شغل بني هاشم بأمر النبوة و نبذوا الدنيا من أيديهم بما اعتاضوا عنها من مباشر الوحي وشرف القرب من الله برسوله و مازال الناس يعرفون ذلك لبني أمية . و انظر مقاله حنظلة بن زياد الكاتب لمحمد بن أبي بكر : إن هذا الأمر إن صار إلى التغلب غلبك عليه بنو عبد مناف . و لما هلك عثمان و اختلف الناس على علي كانت عساكر علي أكثر عدداً لمكان الخلافة و الفضل إلا أنها من سائر القبائل من ربيعة و يمن و غيرهم ، و جموع معاوية إنما هي جند الشام من قريش شوكة مضرو بأسهم نزلوا بثغور الشام منذ الفتح فكانت عصبيته أشد و أمضى شوكة ، ثم كسر من جناح علي ما كان من أمر الخوارج و شغله بهم إلى أن ملك معاوية و خلع الحسن نفسه و اتفقت الجماعة على بيعة معاوية في منتصف سنة إحدى و أربعين عندها نسى الناس شأن النبوة و الخوارق و رجعوا إلى أمر العصبية و التغالب و تعين بنو أمية للغلب على مضر و سائر العرب و معاوية يومئذ كبيرهم . فلما تتعده الخلافة و لا ساهمه فيها غيره فاستوت قدمه و استفحل شأنه و استحكمت في أرض مصر رياسته و توثق عقده . و أقام في سلطانه و خلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة التي لم يكن أحد من قوقه أوفر فيها منه يداً من أهل الترشيح من ولد فاطمة و بني هاشم و آل الزبير و أمثالهم و يصانع رؤوس العربو قروم مضر بالأغضاء و الإحتمال و الصبر على الأذى و المكروه و كانت غاياته فيلا الحلم لا تدرك و عصابته فيها لا تنزع و مرقاته فيها تزل عنها الأقدام ذكر أنه مازح عدي بن حاتم يوماً يؤنبه بصحبه علي فقال له عدي : و الله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا و أن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا و لئن أدنيت إلينا من الغدر شبراً لندنين إليك من الشر باعاً و أن حز الحلقوم و حشرجة الحيزوم ، لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي فشم السيف يا معاوية يبعث السيف فقال معاوية هذه كلمات حق فاكتبوها و أقبل عليه و لاطفه و تحادثا و أخباره في الحلم كثيرة .
بعث معاوية العمال إلى الأمصارلما استقبل معاوية بالخلافة عام عدم الجماعة بعث العمال إلى الأمصار ، فبعث على الكوفة المغيرة بن شعبة . و يقال إنه ولى عليها أولا عبد الله بن عمرو بن العاص فأتاه المغيرة منتصحاً و قال : عمرو بمصر و ابنه بالكوفة فأنت بين نابي أسد فعزله و ولى المغيرو .و بلغ ذلك عمراً فقال لمعاوية : يختان المال فلا تقدر على رده فعد فاستعمل من يخافك فنصب المغيرة على الصلاة و ولى على الخراج غيره ، و كان القضاء شريح . و لما ولي المغيرة على الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الري بعده . و كان يغزو الديلم ثم بعث على البصرة بسر بن أرطأة و كان قد تغلب عليها حمران بن زيد عند صلح الحسن مع معاوية فبعث بسراً عليها فخطب الناس و تعرض الناس و تعرض لعلي . ثم قال : نشدت الله رجلاً يعلم أني صادق أو كاذب و لا صدقني أو كذبني . فقال أبو بكرة : اللهم لا نعلمك إلا كاذباً فأمر به فخنق فقام أبو لؤلؤة الضبي فدفع عنه . و كان على فارس من أعمال البصرة زياد بن أبيه و بعث إليه معاوية يطلبه في المال فقال : ضرفت بعضه في وجهه و استودعت بعضه للحاجة إليه و حملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله فكتب إليه معاوية بالقدوم لينظر في ذلك فامتنع فلما ولي بسر على البصرة جمع عنده أولاد زياد و الأكابر عبد الرحمن و عبد الله و عباد و كتب إليه لتقدمن أو لأقتلن بينك فامتنع و اعتزم بسر على قتلهم فأتاه أبو يبكرة و كان أخا زياد لأمه فقال : أخذتهم بلا ذنب و صالح الحسن على أصحاب علي حيث كانوا فأمهله بسر إلى أن يأتي بكتاب معاوية . ثم قدم أبو بكرة على معاوية و قال : إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال و إن بسراً يريد قتل بني زياد ! فكتب إليه بتخليتهم و جاء إلى البصرة يوم المهاد و لم يبق منه إلا ساعة و هم موثقون للقتل فأدركهم و أطلقهم انتهى . ثم عزل معاوية بسراً عن البصرة و أراد أن يولي عتبة ابن أبي سفيان فقال له ابن عامر : إن لي بالبصرة أموالاً و ودائع و إن لم تولني عليها ذهبت . فولاه و جعل إليه معها خرسان وسجستان و قدمها سنة إحدى و أربعين فولي على خراسان قيس بن الهيثم السلمي و كان أهل بلخ و باذغيس و هراة و يوشلخ قد نضوا ، فسار إلى بلخ و حاصرها حتى سألوا الصلح وراجعوا الطاعة ، و قيل إنما صالحهم الربيع بن زياد سنة إحدى و خمسين على ما سيأتي ثم قدم قيس على ابن عامر فضربه و حبسه و ولى مكانه عبد الله بن حازم ، و قدم خراسان فأرسل إليه أهل هراة و باذغيس و يرشلخ في الأمان و الصلح فأجابهم و حمل لابن عامر مالاً انتهى . ثم ولى معاوية سنة إثنتين و أربعين على المدينة مروان بن الحكم و على مكة خالد بن العاص
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
بن هشام . و استقصى مروان عبد الله بن الحرث بن نوفل و عزل مروان عن المدينة سنة تسع و أربعين و ولى مكانه سعيد بن العاص و ذلك لثمان سنين من ولايته . و جعل سعيد على القضاء ابن عبد الرحمن مكان عبد الله بن الحرث ثم عزل معاوية سعيداً سنة أربع و خمسين ورد إليها مروان .
قدوم زياد
و كان زياد قد امتنع بفارس بعد مقتل علي كما قدمناه و كان عبد الرحمن ابن أخيه أبي بكرة يلي بكرة يلي أمواله بالبصرة و رفع إلى معاوية أن زياداً استودع أمواله عبد الرحمن فبعث إلى المغيرة بالكوفة أن ينظر في ذلك فأحضر عبد الرحمن و قال له : إن يكن أبوك أساء إلي فقد أحسن عمك و أحسن العذر عند معاوية ثم قدم المغيرة على معاوية فذكر له ما عنده من وجل باعتصام زياد بفارس فقال : داهية العرب معه أموال فارس يدبر الحيل فما آمن أن يبايع لرجل من أهل البيت و يعيد الحرب خدعة ، فأستأذنه المغيرة أن يأتيه و يتلطف له ثم أتاه و قال : إن معاوية بعثني إليك و قد بايعه الحسن و لم يكن هناك غيره فخذ لنفسك قبل معاوية عنك . قال : أشر علي و المستشار مؤتمن فقال أرى أن تشخيص إليه و تصل حبلك بحبله و ترجع عنه فكتب إليه معاوية بأمانه و خرج زياد من فارس نحو معاوية و معه المنجاب بن رابد الضبي و حارثة بن بدر الغداني ، و اعترضه عبد الله بن حازم في جماعة و قد بعثه ابن عامر ليأتيه به فلما رأى كتاب الأمان تركه و قدم على معاوية فسأله عن أموال فارس فأخبره بما أنفق و بما حمل إلى علي و بما بقي عنده مودعاً للمسلمين فصدقه معاوية و قبضه منه . و يقال إنه قال له : أخاف أن تكون مكروباً بي فصالحني فصالحه على ألفي درهم بعث بها إليه و استأذنه في نزول الكوفة فأذن له و كان المغيرة يكرمه و يعظمه و كتب إليه معاوية أن يلزم زياداً و حجر بن عدي و سليمان بن صرد و سيف بن ربعي و ابن الكوا و ابن الحميق بالصلاة في الجماعة فكانوا يحضرون معه الصلوات .
عمال ابن عامر الثغور
لما ولي ابن عامر على البصرة استعمل عبد الرحمن بن سمرة على سجستان فأتاها و على شرطتها عباد بن الحصين و معه من الأشراف عمر بن عبيد الله بن معمر وغيره . و كان أهل البلاد قد كفروا ، ففتح أكثرها حتى بلغ كابل و حاصرها أشهراً و نصب عليها المجانيق حتى ثلم سورها و لم يقدر المشركون على سد الثلمة . و بات عباد بن الحسين عليها يطاعنهم إلى الصبح ، ثم خرجوا من الغد للقتال فهزمهم المسلمون و دخلوا البلدة عنوة ثم سار إلى نسف فملكها عنوة ثم إلى حسك فصالحه أهلها ثم إلى الرجح فقاتلوه و ظفر بهم و فتحها . ثم إلى زابلستان و هي غزنة و أعمالها ففتحها ثم عاد إلى كابل و قد نكث أهلها ففتحها و استعمل على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدي ، و يقال بل ولاه معاوية من قبلة فغزا التيعان فأصاب مغنماً و وفد على معاوية و أهدى له من خيولها ، ثم عاد إلى غزوهم فاستنجدوا بالترك و قتلوه ، و كان كريماً في الغاية يقال : لم يكن أحد يوقد النار في عسكره ، و سأل ذات ليلة عن نار رآها فقيل له خبيص يصنع لنفساء فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثة أيام . و استعمل على خراسان قيس بن الهيثم فتغافل بالخراج و الهدنة فولى مكانه عبد الله بن حاتم . فخاف قيساً و أقبل فزاد ابن عامر غضباً لتضيعه الثغر و بعث مكانه من يشكر و قيل أسلم بن زرعة الكلابي ثم بعث عبد الله بن حازم و قيل : إن ابن حازم قال لابن عامر : إن قيساً لا ينهض بخراسان و أخاف إن لقي قيس حرباً أن ينهزم و يفسد خراسان ، فاكتب لي عهداً إن عجز عن عدو قمت مقامه . فكتب و خرجت خارجة من طخارستان فأشار ابن حازم عليه أن يتأخر حتى يجتمع عليه الناس فلما سار غير بعيد أخرج ابن حازم عهده و قام بأمر الناس و هزم العدو . و بلغ الخبر إلى الإمصار فغضبت أصحاب قيس و قالوا خدع صاحبنا ، و شكوا إلى معاوية فاستقدمه فاعتذر فقبل منه ، و قال له أقم في الناس بعذرك ففعل . و في سنة ثلاث و أربعين توفي عمرو بن العاص بمصر فاستعمل معاوية مكانه عبد الله ابنه .
عزل ابن عامر
و كان حليماً ليناً للسفهاء فطرق البصرة الفساد من ذلك . و قال له زياد جرد السيف فقال : لا أصلح الناس بفساد نفسي . ثم بعث وفداً من البصرة إلى معاوية فوافقوا عنده وفد الكوفة و منهم ابن الكوا و هو عبد الله بن أبي أوفى اليشكري فلما سألهم معاوية عن الأمصار أجابه ابن الكوا بعجز ابن عامر و ضعفه فقال معاوية : تتكلم على أهل البصرة و هم حضور ! و بلغ ذلك ابن عامر فغضب و ولى على خراسان من أعداء ابن الكوا عبد الله بن أبي شيخ اليشكري أو طفيل بن عوف فسخر منه ابن الكوا لذلك و قال : وددت أنه ولى كل يشكري من أجل عداوتي . ثم أن معاوية استقدم ابن عامر فقدم و أقام أياماً فلما ودعه قال : إني سائلك ثلاثاً قال : هن لك ، قال : ترد علي عملي و لا تغضب و تهب لي مالك بعرفة و دورك بمكة . قال : قد فعلت . قال : وصلتك رحم ، فقال ابن عامر : و إني سائلك ثلاثاً ترد علي عملي بعرفة و لا تحاسب لي عاملاً و لا تتبع لي أثراً و تنكحني إبنتك هنداً . قال : قد فعلت ! و يقال : إن معاوية خيره بين أن يرده على إتباع أثره و حسابه بما سار إليه أو يعزله و يسوغه ما أصاب فاختار الثالثة فعزله و ولى مكانه الحرث ابن عبد الله الأزدي .
استخلاف زياد
كانت سمية أم زيادة مولاة للحرث بن كندة الطيب و ولدت عنده أبا بكرة ثم زوجها بمولى له و ولدت زياداً و كان أبو سفيان قد ذهب إلى الطائف في بعض حاجاته فأصابها بنوع من أنكحة الجاهلية و ولدت زياداً هذا ، و نسبه إلى أبي سفيان و أقر لها به ، إلا أنه كان بخفية ، و لما شب زياد بخفية ، و لما شب به النجابة و استكتبه أبو موسى الأشعري و هو على البصرة ، و استكفاه عمر في أمر فحسن منار دينه و حضر عنده يعلمه بما صنع ، فأبلغ ما شاء في الكلام فقال عمرو بن العاص و كان حاضراً لله هذا الغلام ، لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه . قال أبو سفيان و علي يسمع : و الله إني لأعرف أباه و من وضعه في رحم أمه ، فقال له علي : اسكت فلوسمع عمر هذا منك كان إليك سريعاً . ثم إستعمل علي زياداً على فارس فضبطها و كتب إليه معاوية يتهدده و يعرض له بولادة أبي سفيان إياه فقام في الناس فقال : عجباً لمعاوية يخوفني دين ابن عم الرسول في المهاجرين و لأنصار ! و كتب إليه علي إني و ليتك و أنا أراك أهلاً و قد كان من أبي سفيان فلتة من آمال الباطل و كذبب النفس ، و لا توجب ميراثاً و لا نسباً . و معاوية يأتي الإنسان من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذر ثم احذر و السلام . و لما قتل علي و صالح زياد معاوية و ضع مصقلة بن هبيرة الشيباني على معاوية له بنسب أبي سفيان ففعل ، و رأى معاوية أن يستميله باستلحاقه فالتمس الشهادة بذلك ممن علم لحوق نسبه بأبي سفيان فشهد له رجال من أهل البصرة و ألحقه ، و كان أكثر شيعة علي ينكرون ذلك و ينقمونه على معاوية حتى أخوه أبو بكرة . و كتب زياد إلى عائشة في بعض الأحيان من زياد بن أبي سفيان يستدعي جوابها بهذا النسب ليكون له حجة فكتبت إليه : من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد . و كان عبد الله بن عامر يبغض زياداً و قال يوماً لبعض أصحابه : من عبد القيس ؟ ! ابن سمية يقبح آثاري و يعترض عمالي لقد هممت بقسامة من قريش أن أبا سفيان لم يرسمية ! فأخبر زياد بذلك فأخبر به معاوية ، فأمر حاجبه أن يرده من أقصى الأبواب و شكا ذلك إلى يزيد ، فركب معه فأدخله على معاوية فلما رآه قام من مجلسه و دخل إلى بيته فقال يزيد : نقعد في انتظاره فلم يزالا حتى عدا ابن عامر فيما كان منه من القول ، و قال : إني لا أتكثر بزياد من قلة و لا أتغزز به من ذلة و لكن عرفت حق الله فوضعه موضعه فخرج ابن عامر و ترضى زياداً و رضى له معاوية .
ولاية زياد البصرةكان زياد بعد صلح معاوية و استلحاقه نزل الكوفة و كان يتشوف الامارة عليها .فاستثقل المغيرة ذلك منه فاستعفى معاوية من ولاية الكوفة فلم يعفه . فيقال إنه خرج زياد إلى الشام ، ثم إن معاوية عزل الحرث بن عبد الله الأزدي عن البصرة و ولى عليها زياداً سنة خمس و
قدوم زياد
و كان زياد قد امتنع بفارس بعد مقتل علي كما قدمناه و كان عبد الرحمن ابن أخيه أبي بكرة يلي بكرة يلي أمواله بالبصرة و رفع إلى معاوية أن زياداً استودع أمواله عبد الرحمن فبعث إلى المغيرة بالكوفة أن ينظر في ذلك فأحضر عبد الرحمن و قال له : إن يكن أبوك أساء إلي فقد أحسن عمك و أحسن العذر عند معاوية ثم قدم المغيرة على معاوية فذكر له ما عنده من وجل باعتصام زياد بفارس فقال : داهية العرب معه أموال فارس يدبر الحيل فما آمن أن يبايع لرجل من أهل البيت و يعيد الحرب خدعة ، فأستأذنه المغيرة أن يأتيه و يتلطف له ثم أتاه و قال : إن معاوية بعثني إليك و قد بايعه الحسن و لم يكن هناك غيره فخذ لنفسك قبل معاوية عنك . قال : أشر علي و المستشار مؤتمن فقال أرى أن تشخيص إليه و تصل حبلك بحبله و ترجع عنه فكتب إليه معاوية بأمانه و خرج زياد من فارس نحو معاوية و معه المنجاب بن رابد الضبي و حارثة بن بدر الغداني ، و اعترضه عبد الله بن حازم في جماعة و قد بعثه ابن عامر ليأتيه به فلما رأى كتاب الأمان تركه و قدم على معاوية فسأله عن أموال فارس فأخبره بما أنفق و بما حمل إلى علي و بما بقي عنده مودعاً للمسلمين فصدقه معاوية و قبضه منه . و يقال إنه قال له : أخاف أن تكون مكروباً بي فصالحني فصالحه على ألفي درهم بعث بها إليه و استأذنه في نزول الكوفة فأذن له و كان المغيرة يكرمه و يعظمه و كتب إليه معاوية أن يلزم زياداً و حجر بن عدي و سليمان بن صرد و سيف بن ربعي و ابن الكوا و ابن الحميق بالصلاة في الجماعة فكانوا يحضرون معه الصلوات .
عمال ابن عامر الثغور
لما ولي ابن عامر على البصرة استعمل عبد الرحمن بن سمرة على سجستان فأتاها و على شرطتها عباد بن الحصين و معه من الأشراف عمر بن عبيد الله بن معمر وغيره . و كان أهل البلاد قد كفروا ، ففتح أكثرها حتى بلغ كابل و حاصرها أشهراً و نصب عليها المجانيق حتى ثلم سورها و لم يقدر المشركون على سد الثلمة . و بات عباد بن الحسين عليها يطاعنهم إلى الصبح ، ثم خرجوا من الغد للقتال فهزمهم المسلمون و دخلوا البلدة عنوة ثم سار إلى نسف فملكها عنوة ثم إلى حسك فصالحه أهلها ثم إلى الرجح فقاتلوه و ظفر بهم و فتحها . ثم إلى زابلستان و هي غزنة و أعمالها ففتحها ثم عاد إلى كابل و قد نكث أهلها ففتحها و استعمل على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدي ، و يقال بل ولاه معاوية من قبلة فغزا التيعان فأصاب مغنماً و وفد على معاوية و أهدى له من خيولها ، ثم عاد إلى غزوهم فاستنجدوا بالترك و قتلوه ، و كان كريماً في الغاية يقال : لم يكن أحد يوقد النار في عسكره ، و سأل ذات ليلة عن نار رآها فقيل له خبيص يصنع لنفساء فأمر أن يطعم الناس الخبيص ثلاثة أيام . و استعمل على خراسان قيس بن الهيثم فتغافل بالخراج و الهدنة فولى مكانه عبد الله بن حاتم . فخاف قيساً و أقبل فزاد ابن عامر غضباً لتضيعه الثغر و بعث مكانه من يشكر و قيل أسلم بن زرعة الكلابي ثم بعث عبد الله بن حازم و قيل : إن ابن حازم قال لابن عامر : إن قيساً لا ينهض بخراسان و أخاف إن لقي قيس حرباً أن ينهزم و يفسد خراسان ، فاكتب لي عهداً إن عجز عن عدو قمت مقامه . فكتب و خرجت خارجة من طخارستان فأشار ابن حازم عليه أن يتأخر حتى يجتمع عليه الناس فلما سار غير بعيد أخرج ابن حازم عهده و قام بأمر الناس و هزم العدو . و بلغ الخبر إلى الإمصار فغضبت أصحاب قيس و قالوا خدع صاحبنا ، و شكوا إلى معاوية فاستقدمه فاعتذر فقبل منه ، و قال له أقم في الناس بعذرك ففعل . و في سنة ثلاث و أربعين توفي عمرو بن العاص بمصر فاستعمل معاوية مكانه عبد الله ابنه .
عزل ابن عامر
و كان حليماً ليناً للسفهاء فطرق البصرة الفساد من ذلك . و قال له زياد جرد السيف فقال : لا أصلح الناس بفساد نفسي . ثم بعث وفداً من البصرة إلى معاوية فوافقوا عنده وفد الكوفة و منهم ابن الكوا و هو عبد الله بن أبي أوفى اليشكري فلما سألهم معاوية عن الأمصار أجابه ابن الكوا بعجز ابن عامر و ضعفه فقال معاوية : تتكلم على أهل البصرة و هم حضور ! و بلغ ذلك ابن عامر فغضب و ولى على خراسان من أعداء ابن الكوا عبد الله بن أبي شيخ اليشكري أو طفيل بن عوف فسخر منه ابن الكوا لذلك و قال : وددت أنه ولى كل يشكري من أجل عداوتي . ثم أن معاوية استقدم ابن عامر فقدم و أقام أياماً فلما ودعه قال : إني سائلك ثلاثاً قال : هن لك ، قال : ترد علي عملي و لا تغضب و تهب لي مالك بعرفة و دورك بمكة . قال : قد فعلت . قال : وصلتك رحم ، فقال ابن عامر : و إني سائلك ثلاثاً ترد علي عملي بعرفة و لا تحاسب لي عاملاً و لا تتبع لي أثراً و تنكحني إبنتك هنداً . قال : قد فعلت ! و يقال : إن معاوية خيره بين أن يرده على إتباع أثره و حسابه بما سار إليه أو يعزله و يسوغه ما أصاب فاختار الثالثة فعزله و ولى مكانه الحرث ابن عبد الله الأزدي .
استخلاف زياد
كانت سمية أم زيادة مولاة للحرث بن كندة الطيب و ولدت عنده أبا بكرة ثم زوجها بمولى له و ولدت زياداً و كان أبو سفيان قد ذهب إلى الطائف في بعض حاجاته فأصابها بنوع من أنكحة الجاهلية و ولدت زياداً هذا ، و نسبه إلى أبي سفيان و أقر لها به ، إلا أنه كان بخفية ، و لما شب زياد بخفية ، و لما شب به النجابة و استكتبه أبو موسى الأشعري و هو على البصرة ، و استكفاه عمر في أمر فحسن منار دينه و حضر عنده يعلمه بما صنع ، فأبلغ ما شاء في الكلام فقال عمرو بن العاص و كان حاضراً لله هذا الغلام ، لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه . قال أبو سفيان و علي يسمع : و الله إني لأعرف أباه و من وضعه في رحم أمه ، فقال له علي : اسكت فلوسمع عمر هذا منك كان إليك سريعاً . ثم إستعمل علي زياداً على فارس فضبطها و كتب إليه معاوية يتهدده و يعرض له بولادة أبي سفيان إياه فقام في الناس فقال : عجباً لمعاوية يخوفني دين ابن عم الرسول في المهاجرين و لأنصار ! و كتب إليه علي إني و ليتك و أنا أراك أهلاً و قد كان من أبي سفيان فلتة من آمال الباطل و كذبب النفس ، و لا توجب ميراثاً و لا نسباً . و معاوية يأتي الإنسان من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذر ثم احذر و السلام . و لما قتل علي و صالح زياد معاوية و ضع مصقلة بن هبيرة الشيباني على معاوية له بنسب أبي سفيان ففعل ، و رأى معاوية أن يستميله باستلحاقه فالتمس الشهادة بذلك ممن علم لحوق نسبه بأبي سفيان فشهد له رجال من أهل البصرة و ألحقه ، و كان أكثر شيعة علي ينكرون ذلك و ينقمونه على معاوية حتى أخوه أبو بكرة . و كتب زياد إلى عائشة في بعض الأحيان من زياد بن أبي سفيان يستدعي جوابها بهذا النسب ليكون له حجة فكتبت إليه : من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد . و كان عبد الله بن عامر يبغض زياداً و قال يوماً لبعض أصحابه : من عبد القيس ؟ ! ابن سمية يقبح آثاري و يعترض عمالي لقد هممت بقسامة من قريش أن أبا سفيان لم يرسمية ! فأخبر زياد بذلك فأخبر به معاوية ، فأمر حاجبه أن يرده من أقصى الأبواب و شكا ذلك إلى يزيد ، فركب معه فأدخله على معاوية فلما رآه قام من مجلسه و دخل إلى بيته فقال يزيد : نقعد في انتظاره فلم يزالا حتى عدا ابن عامر فيما كان منه من القول ، و قال : إني لا أتكثر بزياد من قلة و لا أتغزز به من ذلة و لكن عرفت حق الله فوضعه موضعه فخرج ابن عامر و ترضى زياداً و رضى له معاوية .
ولاية زياد البصرةكان زياد بعد صلح معاوية و استلحاقه نزل الكوفة و كان يتشوف الامارة عليها .فاستثقل المغيرة ذلك منه فاستعفى معاوية من ولاية الكوفة فلم يعفه . فيقال إنه خرج زياد إلى الشام ، ثم إن معاوية عزل الحرث بن عبد الله الأزدي عن البصرة و ولى عليها زياداً سنة خمس و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
أربعين ، و جمع له خراسان و سجستان ثم جمع له السند و البحرين و عمان ، و قدم البصرة فخطب خطبته البتراء و هي معروفة ، و إنما سميت البتراء لأنه لم يفتحها بالحمد و الثناء ، فحذرهم في خطبته ما كانوا عليه من الإنهماك في الشهوات و الاسترسال في الفسق و الضلال ، و انطلاق أيدي السفهاء على الجنايات و انتهاك الحرم و هم يدنون منهم ، فأطال في ذلك عنفهم و وبخهم و عرفهم ما يجب عليهم في الطاعة من المناصحة و الانقياد للائمة و قال : لكم عندي ثلاث لا أحتجب عن طالب حاجة و لو طرقني ليلاً و لا أحبس العطاء عن اباية و لا أحمر البعوث فلما فرغ من خطبته قال له عبد الله بن الأيهم : أشهد أنك أوتيت الحكمة و فصل الخطاب . قال : كذبت ذاك نبي الله داود ثم استعمل على شرطته عبد الله بن حصين و أمره أن يمنع الناس من الولوج بالليل . و كان قد قال في خطبته لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه و كان يأمر بقراءة سورة البقرة بعد صلاة العشاء مؤخرة ثم يمهل بقدر مايبلغ الرجل أقصى البصرة ، ثم يخرج صاحب الشرطة فلا يجد أحداً إلا قتله . و كان أول من شدد أمر السلطان و شيد الملك فجرد السيف و أخذ بالظنة و عاقب على الشبهة و خافه السفهاء و الذعار و أمن الناس على أنفسهم و متاعهم حتى كان الشيء يسقط من يد الإنسان فلا يتعرض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه و لا يغلق أحد باباً و أدر العطاء و استكثر من الشرط فبلغوا أربعة آلاف وسئل في إصلاح السابلة فقال : حتى أصلح المصر . فلما ضبطه أصلح ما وراءه ، و كان يستعين بعدة من الصحابة منهم عمران بن حصين ولاه قضاء البصرة فاستعفى ، فولى مكانه عبد الله بن فضالة الليثي ، ثم أخاه عاصماً ، ثم زرارة بن أوفى و كانت أخته عند زياد ، و كان يستعين بأنس بن مالك و عبد الرحمن بن سمرة و سمرة بن جندب . ويقال : إن زياداً أول من سير بين يديه بالحراب و العمد ، و اتخذ الحرس رابطة ، فكان خمسمائة منهم لا يفارقون المسجد ، ثم قسم ولاية خراسان على أربعة : فولى على مرو أمين ابن أحمد اليشكري ، و على نيسابور خليد بن عبد الله الحنفي ، و على مرو الروذ و العاريات والطالقات قيس بن الهيثم ، و على هراة و بادغيس و بوشنج نافع بن خالد الطائي ، ثم إن نافعاً بعث إليه بجواد باهر في غنمه في بعض وجوهه ، و كانت قوائمه منه ، فأخذ منها قائمة و جعل مكانها أخرى ذهباً و بعث بجواده مع غلامه زيد و كان يتولى أموره فسعى فيه عند زياد بأمر تلك القائمة فعزله و حبسه ، و أغرمه مائة ألف كتب عليه بها كتاباً ، و قيل ثمانمائة ألف . و شفع فيه رجال من الأزد فأطلقه و استعمل مكانه الحكم بن عمرو الغفاري و جعل معه رجالاً على الجباية منهم أسلم بن زرعة الكلابي . و غزا الحكم طخارستان فغنم غنائم كثيرة ، ثم سار سنة سبع و أربعين إلى جبال الغور ، و كانوا قد ارتدوا ، ففتح و غنم و سبى وعبر النهر في ولايته إلى ما وراءه فملأه غارة . و لما رجع من غزاة الغور مات بمرو و استخلف على عمله أنس بن أبي أناس بن ربين فلم يرضه زياد . و كتب إلى خليد بن عبد الله الحنفي بولاية خراسان ، ثم بعث الربيع بن زياد المحاربي في خمسين ألفاً من البصرة و الكوفة .
صوائف الشام
و دخل المسلمون سنة إثنتين و أربعين إلى بلاد الروم فهزموهم و قتلوا جماعة من البطارقة و أثخنوا فيها ثم دخل بسر بن أرطأة أرضهم سنة ثلاث و أربعين و مشى بها و بلغ القسطنطينية . ثم دخل عبد الرحمن بن خالد و كان علىحمص فشتى بهم و غزاهم بسر تلك السنة في البحر . ثم دخل عبد الرحمن إليها سنة ست و أربعين فشتى بها ، و شتى أبو عبد الرحمن السبيعي على انطاكية ثم دخلوا سنة ثمان وأربعين فشتى عبد الرحمن بأنطاكية أيضاً . و دخل عبد الله بن قيس الفزاري في تلك السنة بالصائفة و غزاهم مالك بن هبيرة اليشكري في البحر و عقبة بن عامر الجهني في البحر أيضاً بأهل مصر و أهل المدينة . ثم دخل مالك بن هبيرة سنة تسع و أربعين فشتى بأرض الروم ودخل عبد الله بن كرز الجيلي بالصائفة و شتى يزيد بن ثمرة الرهاوي في بلاد الروم بأهل الشام في البحر و عقبة بن نافع بأهل مصر كذلك ثم بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ، ندب يزيد ابنه معهم فتثاقل فتركه . ثم بلغ الناس أن الغزاة أصابهم جوع و مرض و بلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك :
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالفدفد البيد من حمى و من شوم
إذا اتطأت على الأنماط مرتفقاً بدير مران عندي أم كلثوم
وهي امرأت بنت عبد الله بن عامر فحلف ليلحقن بهم فسار في جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عباس و ابن عامر و ابن الزبير و أبو أيوب الأنصاري فأوغلوا في بلاد الروم و بلغوا القسطنطينية و قاتلوا الروم عليها . فاستشهد أبو أيوب الأنصاري ودفن قريباً من سورها و رجع يزيد و العساكر إلى الشام ثم شتى فضاله بن عبيد بأرض الروم سنة إحدى و خمسين و غزا بسر بن أرطأة بالصائفة .
وفاة المغيرة
توفي المغيرة و هو عامل علىالكوفة سنة خمس بالطاعون ، و قيل سنة تسع و أربعين و قيل سنة إحدى و خمسين ، فولى مكانه معاوية زياداً و جمع له المصريين فسار زياد إليها و استخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصبوه على المنبر فلما نزل جلس علىكرسي و أحاط أصحابه بأبواب المسجد يأتونه بالناس يستحلفهم على ذلك ، و من لم يخلف حبسه فبلغوا ثمانين و اتخذ المقصورة من يوم حبس . ثم بلغه عن أوفى بن حسين شيء فطلبه ، فهرب ثم أخذه فقتله و قال له عمارة بن عتبة بن أبي معيط : إن عمر بن الحمق يجتمع إليه شيعة علي فأرسل إليه زياد و نهاه عن الاجتماع عنده . و قال لا أبيح أحداً حتى يخرج علي ، و أكثر سمرة بن حندب اليتامى بالبصرة يقال قتل ثمانية آلاف فأنكر ذلك ذلك عليه زياد .
كان عمرو بن العاص قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على إفريقية ، و هو ابن خالته انتهى إلىلواته و مرانه ، فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم و قتل و سبى . ثم افتتح سنة اثنتين و أربعين غذامس . و في السنة التي بعدها ودان و كورا من كور السودان و أثخن في تلك النواحي ، و كان له فيها جهاد و فتوح . ثم ولاه معاوية على إفريقية سنة و خمسين و بعث إليه عشرة آلاف فارس ، فدخل إفريقية و انضاف إليه مسلمة البربر ، فكبر جمعه و وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا ، فإذا رجعوا عنهم ارتدوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها العساكر من البربر فاختلط القيروان و بنى بها المسجد الجامع ، و بنى الناس مساكنهم و مساجدهم ، و كان دورها ثلاثة آلاف باع و ستمائة باع ، و كملت في خمس سنين و كان يغزو و يبعث السرايا للإغارة و النهب ، و دخل أكثر البربر في الإسلام و اتسعت خطة المسلمين و رسخ الدين . ثم ولى معاوية على مصر و أفريقية مسلمة بن مخلد الأنصاري و استعمل على أفريقية مولاه أبا المهاجر فأساء عزل عقبة و استخف به فسير ابن مخلد الأنصاري عقبة إلى معاوية و شكا إليه فاعتذر له و وعده برده إلى عمله ، ثم ولاه يزيد سنة إثنتين و ستين و ذكر الواقدي : أن عقبة ولي أفريقية سنة تسع و أربعين فاختلط القيروان ثم عزله يزيد سنة اثنتين و ستين بأبي المهاجر . فحينئذ فبض على عقبة و ضيق عليه فكتب إليه يزيد يبعثه إليه و أعاده والياً على أفريقية فحبس أبا المهاجر إلى أن قتلهم جميعاً كسلة ملك البرانس من البربر كما نذكر بعد . كان المغيرة بن شعبة أيام إمارته على الكوفة كثيراً ما يتعرض لعلي في مجالسه و خطبه ، و يترحم على عثمان و يدعو له فكان حجر بن عدي إذا سمعه يقول : بلاياكم ثد أضل الله و لعن . ثم يقول أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ، و من تزكون أحق بالذم . فبعث له المغيرة يقول : يا حجر اتق غضب السلطان و سطوته ، فإنها تهلك أمثالك لا يزيده على ذلك . و لما كان آخر إمارته المغيرة قال في بعض أيامه مثل ما كان يقول فصاح به حجر ثم قال له : مر لنا بأرزاقنا فقد حبستها منا و أصبحت مولعاً بذم المؤمنين ، و صاح الناس من جوانب المسجد صدق حجر فر لنا بأرزاقنا ، فالذي أنت فيه لا يجدي علينا نفعاً . فدخل المغيرة إلى بيته و عذله قومه في جراءة حجر عليه يوهن سلطانه ، و يسخط عليه معاوية فقال لا أحب أن آتي بقتل أحد من أهل المصر . و سيأتي بعدي من يصنع معه مثل ذلك فيقتله ثم توفي المغيرة و ولي زياد فلما قدم خطب الناس و ترحم على عثمان و لعن قاتليه . و قال
صوائف الشام
و دخل المسلمون سنة إثنتين و أربعين إلى بلاد الروم فهزموهم و قتلوا جماعة من البطارقة و أثخنوا فيها ثم دخل بسر بن أرطأة أرضهم سنة ثلاث و أربعين و مشى بها و بلغ القسطنطينية . ثم دخل عبد الرحمن بن خالد و كان علىحمص فشتى بهم و غزاهم بسر تلك السنة في البحر . ثم دخل عبد الرحمن إليها سنة ست و أربعين فشتى بها ، و شتى أبو عبد الرحمن السبيعي على انطاكية ثم دخلوا سنة ثمان وأربعين فشتى عبد الرحمن بأنطاكية أيضاً . و دخل عبد الله بن قيس الفزاري في تلك السنة بالصائفة و غزاهم مالك بن هبيرة اليشكري في البحر و عقبة بن عامر الجهني في البحر أيضاً بأهل مصر و أهل المدينة . ثم دخل مالك بن هبيرة سنة تسع و أربعين فشتى بأرض الروم ودخل عبد الله بن كرز الجيلي بالصائفة و شتى يزيد بن ثمرة الرهاوي في بلاد الروم بأهل الشام في البحر و عقبة بن نافع بأهل مصر كذلك ثم بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ، ندب يزيد ابنه معهم فتثاقل فتركه . ثم بلغ الناس أن الغزاة أصابهم جوع و مرض و بلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك :
ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالفدفد البيد من حمى و من شوم
إذا اتطأت على الأنماط مرتفقاً بدير مران عندي أم كلثوم
وهي امرأت بنت عبد الله بن عامر فحلف ليلحقن بهم فسار في جمع كثير جمعهم إليه معاوية فيهم ابن عباس و ابن عامر و ابن الزبير و أبو أيوب الأنصاري فأوغلوا في بلاد الروم و بلغوا القسطنطينية و قاتلوا الروم عليها . فاستشهد أبو أيوب الأنصاري ودفن قريباً من سورها و رجع يزيد و العساكر إلى الشام ثم شتى فضاله بن عبيد بأرض الروم سنة إحدى و خمسين و غزا بسر بن أرطأة بالصائفة .
وفاة المغيرة
توفي المغيرة و هو عامل علىالكوفة سنة خمس بالطاعون ، و قيل سنة تسع و أربعين و قيل سنة إحدى و خمسين ، فولى مكانه معاوية زياداً و جمع له المصريين فسار زياد إليها و استخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصبوه على المنبر فلما نزل جلس علىكرسي و أحاط أصحابه بأبواب المسجد يأتونه بالناس يستحلفهم على ذلك ، و من لم يخلف حبسه فبلغوا ثمانين و اتخذ المقصورة من يوم حبس . ثم بلغه عن أوفى بن حسين شيء فطلبه ، فهرب ثم أخذه فقتله و قال له عمارة بن عتبة بن أبي معيط : إن عمر بن الحمق يجتمع إليه شيعة علي فأرسل إليه زياد و نهاه عن الاجتماع عنده . و قال لا أبيح أحداً حتى يخرج علي ، و أكثر سمرة بن حندب اليتامى بالبصرة يقال قتل ثمانية آلاف فأنكر ذلك ذلك عليه زياد .
كان عمرو بن العاص قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على إفريقية ، و هو ابن خالته انتهى إلىلواته و مرانه ، فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم و قتل و سبى . ثم افتتح سنة اثنتين و أربعين غذامس . و في السنة التي بعدها ودان و كورا من كور السودان و أثخن في تلك النواحي ، و كان له فيها جهاد و فتوح . ثم ولاه معاوية على إفريقية سنة و خمسين و بعث إليه عشرة آلاف فارس ، فدخل إفريقية و انضاف إليه مسلمة البربر ، فكبر جمعه و وضع السيف في أهل البلاد ، لأنهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا ، فإذا رجعوا عنهم ارتدوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها العساكر من البربر فاختلط القيروان و بنى بها المسجد الجامع ، و بنى الناس مساكنهم و مساجدهم ، و كان دورها ثلاثة آلاف باع و ستمائة باع ، و كملت في خمس سنين و كان يغزو و يبعث السرايا للإغارة و النهب ، و دخل أكثر البربر في الإسلام و اتسعت خطة المسلمين و رسخ الدين . ثم ولى معاوية على مصر و أفريقية مسلمة بن مخلد الأنصاري و استعمل على أفريقية مولاه أبا المهاجر فأساء عزل عقبة و استخف به فسير ابن مخلد الأنصاري عقبة إلى معاوية و شكا إليه فاعتذر له و وعده برده إلى عمله ، ثم ولاه يزيد سنة إثنتين و ستين و ذكر الواقدي : أن عقبة ولي أفريقية سنة تسع و أربعين فاختلط القيروان ثم عزله يزيد سنة اثنتين و ستين بأبي المهاجر . فحينئذ فبض على عقبة و ضيق عليه فكتب إليه يزيد يبعثه إليه و أعاده والياً على أفريقية فحبس أبا المهاجر إلى أن قتلهم جميعاً كسلة ملك البرانس من البربر كما نذكر بعد . كان المغيرة بن شعبة أيام إمارته على الكوفة كثيراً ما يتعرض لعلي في مجالسه و خطبه ، و يترحم على عثمان و يدعو له فكان حجر بن عدي إذا سمعه يقول : بلاياكم ثد أضل الله و لعن . ثم يقول أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ، و من تزكون أحق بالذم . فبعث له المغيرة يقول : يا حجر اتق غضب السلطان و سطوته ، فإنها تهلك أمثالك لا يزيده على ذلك . و لما كان آخر إمارته المغيرة قال في بعض أيامه مثل ما كان يقول فصاح به حجر ثم قال له : مر لنا بأرزاقنا فقد حبستها منا و أصبحت مولعاً بذم المؤمنين ، و صاح الناس من جوانب المسجد صدق حجر فر لنا بأرزاقنا ، فالذي أنت فيه لا يجدي علينا نفعاً . فدخل المغيرة إلى بيته و عذله قومه في جراءة حجر عليه يوهن سلطانه ، و يسخط عليه معاوية فقال لا أحب أن آتي بقتل أحد من أهل المصر . و سيأتي بعدي من يصنع معه مثل ذلك فيقتله ثم توفي المغيرة و ولي زياد فلما قدم خطب الناس و ترحم على عثمان و لعن قاتليه . و قال
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
حجر ما كان يقول فسكت عنه و رجع إلى البصرة و استخلف على الكوفة عمرو بن حريث و بلغه أن حجراً يجتمع إليه شيعة علي و يلعنون بلعن معاوية و البراءة منهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها ثم خطب الناس و حجر جالس يسمع فتهدده و قال : لست بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر و أودعه نكالاً لمن بعده ثم بعث إليه فامتنع من الإجابة فبعث صاحب الشرطة شداد بن الهيثم الهلالي إليه جماعة فسبهم أصحابه . فجمع زياد أهل الكوفة و تهددهم فتبرؤا فقال : ليدع كل رجل منكم عشيرته الذين عند حجر ففعلوا حتى إذا لم يبق معه إلا قومه ، قال زياد لصاحب الشرطة : انطلق إليه فأت به طوعاً أو كرهاً فلما جاءه يدعوه امتنع من الإجابة فحمل عليهم و أشار إليه أبوا العمرطة الكندي بأن يلحق بكندة فمنعوه ، هذا و زياد على المنير ينتظر ثم غشيهم أصحاب زياد و ضرب عمرو بن الحمق فسقط و دخل في دور الأزد فاختفى و خرج حجر من أبواب كندة فركب و معه أبو العمرطة إلى دور قومه و اجتمع إليه الناس و لم يأته من كندة إلا قليل ثم أرسل زياد و هو على المنبر مذحج و همذان ليأتوه بحجر ، فلما علم أنهم قصدوه تسرب من داره إلى النخع و نزل على أخي الأشتر . و بلغه أن الشرطة تسأل عنه في النخع . فأتى الأزد و اختفى عند ربيعة بن ناجد ، و أعياهم طلبه فدعا حجر محمد بن الأشعث أن يأخذ له أمانا من زياد حتى يبعث به إلى معاوية ، فجاء محمد و معه جرير بن عبد الله و حجر بن يزيد و عبد الله بن الحرث أخو الأشتر فاستأمنوا له زياداً فأجابهم ثم أحضروا حجراً فحبسه و طلب أصحابه فخرج عمرو بن الحمق إلى الموصل و معه زواعة بن شداد فاختفى في جبل هناك و رفع أمرهما إلى عامل الموصل و هو عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ابن أخت معاوية ، و يعرف بابن أم الحكم فسار إليهما و هرب زواعة و قبض على عمرو ، و كتب إلى معاوية ، و كتب إلى معاوية بذلك فكتب إليه أنه طعن عثمان سبعاً بمشاقص كانت معه فاطعنه كذلك فمات في الأولى و الثانية ثم جد زياد في طلب أصحاب حجر و أتى بقبيصة بن ضبعة العبسي بأمان فحبسه و جاء قيس بن عباد الشبلي برجل من قومه من أصحاب حجر فأحضره زياد و سأله عن علي فأثنى عليه فضربه و حبسه . و عاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث ، ثم دخل بيته في الكوفة و سعى به إلى الحجاج فقتله . ثم أرسل زياد إلى عبد الله ابن خليفة الطائي من أصحاب حجر فتوارى و جاء الشرط فأخذوه و نادات أخته الفرار بقومه فخلصوه فأخذ زياد عدي بن حاتم و هو في المسجد و قال : إئتني بعبد الله و خبره جهرة فقال : آتيك بابن عمي تقتله ؟ و الله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه فحبسه ، فنكر ذلك الناس و كلموه و قالوا تفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و كبير طيء قال : أخرجه على أن يخرج ابن عمه عني فأطلقه و أمر عدي عبد الله أن يلحق بجبل طيء فلم يزل هنالك حتى مات و أتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر و غيره و لما جمع منهم اثني عشر في السجن دعا برؤوس الأرباع يومئذ و هم عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، و خالد بن عرفطة على ربع تميم و همدان و قيس ابن الوليد على ربع ربيعة و كندة ، و أبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج و أسد . فشهدوا كلهم أن حجراً جمع الجموع و أظهر شتم معاوية ، و دعا إلى حربه و زعم أن الأمر لا يصلح إلا في الطالبيين و وثب بالمصر و أخرج العامل و أظهر غدر أبي تراب و الترحم عليه ، و البراءة من عدوه و أهل حربه ، و أن النفر الذين معه و هم رؤس أصحابه على مقدم رأيه ثم استكثر زياد من الشهود فشهد إسحق و موسى إبنا طلحة و المنذر ابن الزبير و عمارة بن عقبة بن أبي معيط و عمر بن سعد بن أبي وقاص و غيرهم و في الشهود شريح بن الحرث و شريح بن هانئ ثم استدعى زياد وائل بن حجر الحضرمي و كثير ابن شهاب و دفع إليهما حجر بن عدي و أصحابه و هم الأرقم بن عبد الله الكندي و شريك بن شداد الحضرمي و صيفي بن فضيل الشيباني و قبيصة بن ضبيعة العبسي ، و كريم ابن عفيف الخثعمي ، و عاصم بن عوف البجلي و ورقاء بن سمي البجلى ، و كرام بن حبان العتري و عبد الرحمن بن حسان العنزي و محرز بن شهاب التميمي و عبد الله بن حوية السعدي ثم أتبع هؤلاء الإحدى عشر و محرز بن شهاب التميمي و عبد الله بن حوية السعدي ثم أتبع هؤلاء الإحدى عشر بعتبة بن الأخنس من سعد بن بكر و سعد بن غوات الهمداني ، و أمرهما أن يسيرا بهم إلى معاوية . ثم لحقها شريح بن هانئ و دفع كتابه إلى معاوية بن وائل و لما انتهوا إلى مرج غدراء قريب دمشق تقدم ابن وائل و كثير إلى معاوية ، فقرأ كتاب شريح و فيه بلغني أن زياداً كتب شهادتي و أني أشهد على حجر أنه ممن يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة و يديم الحج و العمرة و يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر ، حرام الدم و المال فإن شئت فأقبله أو فدعه ، فقال معاوية : ما أرى هذا إلا أخرج نفسه من شهادتكم و حبس القوم بمرج غدراء حتى لحقهم عتبة بن الأخنس و سعد بن غوات اللذين ألحقها زياد بها . و جاء عامر بن الأسود العجيلي إلى معاوية فأخبره بوصولهما ، فاستوهب يزيد بن أسد البجلي عاصماً و ورقاء إبني عمه و قد كتب يزيد يزكيهما و يشهد ببراءتهما فأطلقهما معاوية و شفع وائل بن حجر في الأرقم و أبو الأعور السلمي في ابن الأخنس و حبيب بن سلمة في أخويه فتركهم و سأله مالك بن هبيرة السكوني في حجر فرده فغضب و حبس في بيته و بعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي ، و الحسين بن عبد الله الكلابي ، و أبا شريف البدري إلى حجر و أصحابه ليقتلوا منهم من أمرهم بقتله فأتوهم و عرض عليهم البراءة من علي فأبوا وصلوا عامة ليلتهم ثم قدموا من الغد للقتل و توضأ حجر و صلى و قال : لولا أن يظنوا بي الجزع من الموت لاستكثرت منها . اللهم إنا نستعديك على أمشاء أهل الكوفة ، يشهدون علينا و أهل الشام يقتلوننا . ثم مشى إليه هدبة بن فياض بالسيف ، فارتعد فقالوا : كيف و أنت زعمت أنك لا تجزع من الموت ؟ فابرأ من صاحبك و ندعك .
فقال : و ما لي لا أجزع و أنا بين القبر و الكفن ، و السيف . و إن جزعت من الموت لا أقول ما يسخط الرب فقتلوه و قتلوا ستة معه و هم شريك بن شداد و صيفي بن فضيل و قبيصة ، و محرز بن شهاب ، و كرام بن حبان و دفنوهم و صلوا عليهم بعبد الرحمن بن حسان العنزي وجيء بكريم بن الخثعمي إلى معاوية فطلب منه البراءة من علي فسكت و استوهبه سمرة بن عبد الله الخثعمي من معاوية فوهبه له ، على أن لا يدخل الكوفة . فنزل إلى الموصل ثم سأل عبد الرحمن بن حسان عن علي فأثنى خيراً ثم عن عثمان فقال : أول من فتح باب الظلم و أغلق باب الحق فرده إلى زياد ليقتله شر قتلة فدفنه حياً و هو سابع القوم . و أما مالك بن هبيرة السكوني فلما لم يشفعه معاوية في حجر جمع قومه و سار ليخلصه و أصحابه فلقي القتلة و سألهم فقالوا مات القوم و سار إلى عدي فتيقتن قتلهم فأرسل في إثر القتلة فلم يدركوهم ، و أخبروا معاوية فقال : تلك حرارة يجدها في نفسه و كأني بها قد طفئت . ثم أرسل إليه بمائة ألف و قال : خفت أن يعيد القوم حرباً فيكون على المسلمين أعظم من قتل حجر فطابت نفسه . و لما بلغ عائشة خبر حجر و أصحابه ، أرسلت عبد الرحمن بن الحرث إلى معاوية يشفع فيهم فجاء و قد قتلوا فقال لمعاوية : أين غاب عنك حلم أبي سفيان ؟ فقال : حيث غاب علي مثلك من حلماء قومي و حملني ابن سمية فاحتملت و أسفت عائشة لقتل حجر و كانت تثني عليه . و قيل في سياقة الحديث غير ذلك و هو أن زياداً أطال الخطبة في يوم جمعة فتأخرت الصلاة فأنكر حجر و نادى بالصلاة فلم يلتفت إليه . و خشي فوت الصلاة فحصبه بكف من الحصباء الصلاة فقام الناس معه فخافهم زياد و نزل فصلى . و كتب إلى معاوية و عظم عليه الأمر ، فكتب إليه أن يبعث به موثقا في الحديد و بعث من يقبض عليه فكان ما مر .ثم قبض عليه وحمله إلى معاوية ، فلما رآه معاوية أمر بقتله فصلى ركعتين و أوصى من حضره من قومه لا تفكوا عني قيدا و لا تغسلوا دماً فإني لاق معاوية غداً على الجادة و قتل . و قالت عائشة لمعاوية : أين حملك عن حجر ؟ قال : لم يحضرني رشيد . و كان زياد قد ولى الربيع بن زياد الحارثي على خراسان سنة إحدى و خمسين بعد أن هلك حسن بن عمر الغفاري و بعث معه من جند الكوفة و البصرة خمسين ألفاً فيهم بريدة بن الحصيب ، و أبو برزة الأسلمي من الصحابة و غزا بلخ ففتحها صلحاً ، و كانوا انتقضوا بعد صلح الأحمق بن قيس . ثم فتح قهستان عنوة و استحلم من كان بناحيتها من الترك ، و لم يفلت منهم إلا قيزل طرخان و قتله قتيبة ابن مسلم في ولايته فلما بلغ الربيع بن زياد بخراسان قتل حجر سخط لذلك و قال : لا تزال العرب تقتل بعده صبراً و لو نكروا قتله منعوا أنفسهم من ذلك ، لكنهم أقروا فذلوا . ثم دعا بعد صلاة جمعة لأيام من خبره و قال للناس : إني قد مللت الحياة ، و إني داع فأمنوا ثم رفع يديه و قال : اللهم إن كان لي عندك خبر فاقبضني إليك عاجلاً و أمن
فقال : و ما لي لا أجزع و أنا بين القبر و الكفن ، و السيف . و إن جزعت من الموت لا أقول ما يسخط الرب فقتلوه و قتلوا ستة معه و هم شريك بن شداد و صيفي بن فضيل و قبيصة ، و محرز بن شهاب ، و كرام بن حبان و دفنوهم و صلوا عليهم بعبد الرحمن بن حسان العنزي وجيء بكريم بن الخثعمي إلى معاوية فطلب منه البراءة من علي فسكت و استوهبه سمرة بن عبد الله الخثعمي من معاوية فوهبه له ، على أن لا يدخل الكوفة . فنزل إلى الموصل ثم سأل عبد الرحمن بن حسان عن علي فأثنى خيراً ثم عن عثمان فقال : أول من فتح باب الظلم و أغلق باب الحق فرده إلى زياد ليقتله شر قتلة فدفنه حياً و هو سابع القوم . و أما مالك بن هبيرة السكوني فلما لم يشفعه معاوية في حجر جمع قومه و سار ليخلصه و أصحابه فلقي القتلة و سألهم فقالوا مات القوم و سار إلى عدي فتيقتن قتلهم فأرسل في إثر القتلة فلم يدركوهم ، و أخبروا معاوية فقال : تلك حرارة يجدها في نفسه و كأني بها قد طفئت . ثم أرسل إليه بمائة ألف و قال : خفت أن يعيد القوم حرباً فيكون على المسلمين أعظم من قتل حجر فطابت نفسه . و لما بلغ عائشة خبر حجر و أصحابه ، أرسلت عبد الرحمن بن الحرث إلى معاوية يشفع فيهم فجاء و قد قتلوا فقال لمعاوية : أين غاب عنك حلم أبي سفيان ؟ فقال : حيث غاب علي مثلك من حلماء قومي و حملني ابن سمية فاحتملت و أسفت عائشة لقتل حجر و كانت تثني عليه . و قيل في سياقة الحديث غير ذلك و هو أن زياداً أطال الخطبة في يوم جمعة فتأخرت الصلاة فأنكر حجر و نادى بالصلاة فلم يلتفت إليه . و خشي فوت الصلاة فحصبه بكف من الحصباء الصلاة فقام الناس معه فخافهم زياد و نزل فصلى . و كتب إلى معاوية و عظم عليه الأمر ، فكتب إليه أن يبعث به موثقا في الحديد و بعث من يقبض عليه فكان ما مر .ثم قبض عليه وحمله إلى معاوية ، فلما رآه معاوية أمر بقتله فصلى ركعتين و أوصى من حضره من قومه لا تفكوا عني قيدا و لا تغسلوا دماً فإني لاق معاوية غداً على الجادة و قتل . و قالت عائشة لمعاوية : أين حملك عن حجر ؟ قال : لم يحضرني رشيد . و كان زياد قد ولى الربيع بن زياد الحارثي على خراسان سنة إحدى و خمسين بعد أن هلك حسن بن عمر الغفاري و بعث معه من جند الكوفة و البصرة خمسين ألفاً فيهم بريدة بن الحصيب ، و أبو برزة الأسلمي من الصحابة و غزا بلخ ففتحها صلحاً ، و كانوا انتقضوا بعد صلح الأحمق بن قيس . ثم فتح قهستان عنوة و استحلم من كان بناحيتها من الترك ، و لم يفلت منهم إلا قيزل طرخان و قتله قتيبة ابن مسلم في ولايته فلما بلغ الربيع بن زياد بخراسان قتل حجر سخط لذلك و قال : لا تزال العرب تقتل بعده صبراً و لو نكروا قتله منعوا أنفسهم من ذلك ، لكنهم أقروا فذلوا . ثم دعا بعد صلاة جمعة لأيام من خبره و قال للناس : إني قد مللت الحياة ، و إني داع فأمنوا ثم رفع يديه و قال : اللهم إن كان لي عندك خبر فاقبضني إليك عاجلاً و أمن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
الناس . ثم خرج فما تواترت ثيابه حتى سقط ، فحمل إلى بيته ، و استخلف إبنه عبد الله و مات من يومه . ثم مات ابنه بعده بشهرين و استخلف خليد ابن عبد الله الحنفي و أقره زياد .
وفاة زياد
ثم مات زياد في رمضان ثلاث وخمسين بطاعون أصابه في يمينه يقال بدعوة ابن عمر ، و ذلك أن زياداً كتب إلى معاوية إني ضبت العراق بشمالي و يميني فارغة فاشغلها بالحجاز ، فكتب له عهده بذلك ، و خاف أهل الحجاز و أتوا عبد الله بن عمر يدعوهم الله أن يكفيهم ذلك فاستقبل القبلة و دعا معهم و كان من دعائه : اللهم اكفناه ، ثم كان الطاعون فأصيب في يمينه فأشير عليه بقطعها فاستدعى شريحاً القاضي فاستشاره فقال إن يكن الأجل فرغ فتلقى الله أجذم كراهية في لقائه و إلا فتعيش أقطع ، و يعير ولدك فقال : لا أبيت و الطاعون في لحاف واحد ، و اعتزم على قطعها فلما نظر إلى النار و المكاوي جزع و تركه ، و قيل تركه لإشارة شريح و عذل الناس شريحاً في ذلك فقال : المستشار مؤتمن . و لما حضرته الوفاة قال له ابنه : قد هيأت لكفنك ستين ثوباً فقال : يابني قددنا لأبيك خير من لباسه . ثم مات و دفن بالتوسة قرب الكوفة ، و كان يلبس القميص و يرقعه ، و لما مات استخلف على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد و كان خليفته على البصرة عبد الله بن عمر بن غيلان و عزل بعد ذلك عبد الله بن خالد عن الكوفة و ولى عليها الضحاك بن قيس .
ولاية عبيد الله بن زياد على خراسان ثم على البصرة
و لما قدم إبنه عبيد الله على معاوية و هو ابن خمسين و عشرين سنة قال : من استعمل أبوك على المصرين ؟ فأخبره فقال : لو استعملك لاستعملتك . فقال عبيد الله : أنشدك الله أن تقول لي أحد بعدك لو استعملك أبوك و عمك استعملتك . فولاه خراسان و وصاه فكان من وصيته : إتق الله و لا تؤثرن على تقواه شيئاً ، فإن في تقواه عوضاً وق عرضك من أن تدنسه ، و إن أعطيت عهداً فأزف به ، و لا تتبعن كثيراً بقليل ، و لا يخرجن منك أمر حتى تبرمه فإذا خرج فلا يردن عليك . و إذا لقيت عوك فكبر أكبر من معك ، و قاسمهم على كتاب الله ، و لا تطمعن أحداً في غير حقه ، و لا تؤيسن أحداً من حق هو له . ثم ودعه فسار إلى خراسان أولرسنة أربع و خمسين ، و قدم إليها أسلم بن زرعة الكلابي ، ثم قدم فقطع النهر إلى جبال بخارى على الإبل ففتح رامين و نسف و سكند و لقيه الترك فهزمهم و كان مع ملكهم امرأته خاتون ، فأعجلوها عن لبس خفيها ، فأصاب المسلمون أحدهما و قوم بمائتي ألف درهم . و كان عبيد الله ذلك اليوم يحمل عليهم و هو يطعن حتى يغيب عن أصحابه ثم يرفع رايته تقطر دماً . و كان هذا الزحف من زحوف خراسان المعدودة ، و كانت أربعة منها للأحنف بن قيس بقهستان و المرعات و زحف لعبد الله بن حازم قضى فيه حموع فاران و أقام عبيد الله والياً على خراسان سنتين و ولاه معاوية سنة خمس و خمسين على البصرة . و ذلك أن ابن غيلان خطب و هو أمير على البصرة ، فحصبه رجل من بني ضبة فقطع يده فأتاه بنو ضبة يسألونه الكتاب إلى معاوية بالاعتذار عنه ، و أنه قطع على أمر لم يصح ، مخافة أن يعاقبهم جميعاً فكتب لهم و سار ابن غيلان إلى معاوية رأس السنة و أوفاه الضبيون بالكتاب ، فادعوا أن ابن غيلان قطع صاحبهم ظلماً فلما قرأ معاوية الكتاب قال : أما القود من عمالي فلا سبيل إليه ، و لكن أدي صاحبكم من بيت المال و عزل عبد الله بن غيلان عن البصرة ، و استعمل عليها عبيد الله بن زياد ، فسار إليها عبيد الله و ولى على خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فلم يغز و لم يفتح .
العهد ليزيد
ذكر الطبري بسنده قال : قدم المغيرة على معاوية فشكا إليه الضعف ، فاستعفاه فأعفاه و أراد أن يولي سعيد بن العاص و قال أصحاب المغيرة للمغيرة : إن معاوية قلاك ، فقال له : رويداً و نهض إلى يزيد و عرض له بالبيعة ، و قال ذهب أعيان الصحابة و كبراء قريش و رادوا أسنانهم ، و إنما بقي أبناؤهم و أنت من أفضلهم و أحسنهم رأياً و سياسة ، و ما أدري ما يمنع أمير المؤمنين من العهد لك فأدى ذلك يزيد إلى أبيه و استدعاه و فاوضه في ذلك . فقال : قد رأيت ما كان من الاختلاف و سفك الدماء بعد عثمان و في يزيد منك خلف ، فاعهد له يكون كهفاً للناس بعدك فلا تكون فتنة و لا يسفك دم و أنا أكفيك الكوفة و يكفيك ابن زياد البصرة فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة ، و أمره أن يعمل في بيعة يزيد فقدم الكوفة و ذاكر من يرجع إليه من شيعة بني أمية فأجابوه ، و أوفد منهم جماعة مع إبنه موسى فدعاه إلى عقد البيعة ليزيد .فقال : أوقد رضيتموه ؟ قالوا : نعم ! نحن و من وراءنا . فقال : ننظر ما قدمتم له و يقضي الله أمره ، و الأناة خير من العجلة ثم كتب إلى زياد يستنيره بفكر و كف عن هدم دار سعيد و كتب سعيد إلى معاوية يعذله في إدخال الظعينة بين قرابته و يقول لو لم تكن بني أب واحد لكانت قرابتنا ما جمعنا الله عليه من نصرة الخليفة المظلوم يجب عليك أن تدعي ذلك فاعتذر له معاوية و تنصل . و قدم سعيد عليه و سأله عن مروان فأثنى خيراً فلما كان سنة سبع و خمسين عزل مروان و و لى مكانه الوليد بن عتيبة بن أبي سفيان و قيل سنة ثمان .
عزل الضحاك عن الكوفة و ولاية ابن أم الحكم ثم النعمان بن بشير
عزل معاوية الضحاك عن الكوفة سنة ثمان و خمسين و ولى مكانه عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي و هو ابن أم الحكم أخت معاوية فخرجت عليه الخوارج الذين كان المغيرة حبسهم في بيعة المستورد بن علقمة ، و خرجوا من سجنه بعد موته فاجتمعوا على حيان بن ضبيان السلمي و معاذ بن جرير الطائي ، فسير إليهم عبد الرحمن الجيش من الكوفة فقتلوا أجمعين كما يذكر في أخبار الخوارج . ثم إن أهل الكوفة نقلوا عن عبد الرحمن سوء سيرته ، فعزله معاوية عنهم و ولى مكانه النعمان بن بشير . قال : أوليك خيراً من الكوفة ، فولاه مصر ، كان عليها معاوية بن خديج السكوني ، و سار إلى مصر فاستقبله معاوية على مرحلتين منها ، و قال : إرجع إلى حالك لا تسرفينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة فرجع إلى معاوية و أقام معاوية بن خديج في عمله .
ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان
وفي سنة تسع و خمسين قدم عبد الرحمن بن زياد وافداً على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين أما لنا حق ؟ قال : بلى ! فماذا قال توليني ؟ قال : بالكوفة النعمان بن بشير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و بالبصرة و خراسان عبيد الله أخوك ، و بسجستان عباد أخوك و لا أرى ما يشبهك إلا أن أشركك في عمل عبيد الله فإن عمله واسع يحتمل الشركة فولاه خراسان فسار إليها ، و قدم بين يديه قيس بن الهيثم السلمي ، فأخذ أسلم بن زرعة و حبسه . ثم قدم عبد الرحمن فأغرمه ثلثمائة ألف درهم و أقام في بخراسان و كان متضعفاً لم يقر قط . و قدم على يزيد بين يدي قتل الحسين ، فاستخلف على خراسان قيس بن الهيثم . فقال له يزيد : كم معك من مال خراسان ؟ قال عشرون ألف درهم فخيره بين أخذها بالحساب ورده إلى عمله أو تسويغة إياها و عزله ، على أن يعطي عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم ، فاختار تسويغها و العزل . و بعث إلى ابن جعفر بألف ألف و قال نصفها من يزيد و نصفها مني . ثم إن أهل االبصرة وفدوا مع عبيد الله بن زياد على معاوية فأذن له على منازلهم و دخل الأحنف آخرهم و كان هيأ المنزلة من عبيد الله فرحب به معاوية و أجلسه على سريره . ثم تكلم القوم و أثنوا على عبيد الله و سكت الأحنف ، فقال معاوية : تكلم با أبا بحر فقال أخشى خلاف القوم ، فقال : انهضوا فقد عزلت عنكم عبيد الله و اطلبوا والياً ترضونه ، فطفق القوم يختلفون إلى رجال بني أمية و أشراف الشام ، و قعد الأحنف في منزله ساكت . فقال معاوية : تكلم يا أبا بحر فقال : إن وليت علينا من أهل بيتك لم نعدل بعبيد الله أحداً ، و إن وليت من غيرهم ينظر في ذلك قال : فإني أعدته عليكم ، ثم أوصاه بالأحنف و قبح رأيه في مباعدته و لما هاجت الفتنة لم يعزله غير الأحنف ثم أخذ على وفد البصرة البيعة لابنه يزيد معهم .
وفاة زياد
ثم مات زياد في رمضان ثلاث وخمسين بطاعون أصابه في يمينه يقال بدعوة ابن عمر ، و ذلك أن زياداً كتب إلى معاوية إني ضبت العراق بشمالي و يميني فارغة فاشغلها بالحجاز ، فكتب له عهده بذلك ، و خاف أهل الحجاز و أتوا عبد الله بن عمر يدعوهم الله أن يكفيهم ذلك فاستقبل القبلة و دعا معهم و كان من دعائه : اللهم اكفناه ، ثم كان الطاعون فأصيب في يمينه فأشير عليه بقطعها فاستدعى شريحاً القاضي فاستشاره فقال إن يكن الأجل فرغ فتلقى الله أجذم كراهية في لقائه و إلا فتعيش أقطع ، و يعير ولدك فقال : لا أبيت و الطاعون في لحاف واحد ، و اعتزم على قطعها فلما نظر إلى النار و المكاوي جزع و تركه ، و قيل تركه لإشارة شريح و عذل الناس شريحاً في ذلك فقال : المستشار مؤتمن . و لما حضرته الوفاة قال له ابنه : قد هيأت لكفنك ستين ثوباً فقال : يابني قددنا لأبيك خير من لباسه . ثم مات و دفن بالتوسة قرب الكوفة ، و كان يلبس القميص و يرقعه ، و لما مات استخلف على الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد و كان خليفته على البصرة عبد الله بن عمر بن غيلان و عزل بعد ذلك عبد الله بن خالد عن الكوفة و ولى عليها الضحاك بن قيس .
ولاية عبيد الله بن زياد على خراسان ثم على البصرة
و لما قدم إبنه عبيد الله على معاوية و هو ابن خمسين و عشرين سنة قال : من استعمل أبوك على المصرين ؟ فأخبره فقال : لو استعملك لاستعملتك . فقال عبيد الله : أنشدك الله أن تقول لي أحد بعدك لو استعملك أبوك و عمك استعملتك . فولاه خراسان و وصاه فكان من وصيته : إتق الله و لا تؤثرن على تقواه شيئاً ، فإن في تقواه عوضاً وق عرضك من أن تدنسه ، و إن أعطيت عهداً فأزف به ، و لا تتبعن كثيراً بقليل ، و لا يخرجن منك أمر حتى تبرمه فإذا خرج فلا يردن عليك . و إذا لقيت عوك فكبر أكبر من معك ، و قاسمهم على كتاب الله ، و لا تطمعن أحداً في غير حقه ، و لا تؤيسن أحداً من حق هو له . ثم ودعه فسار إلى خراسان أولرسنة أربع و خمسين ، و قدم إليها أسلم بن زرعة الكلابي ، ثم قدم فقطع النهر إلى جبال بخارى على الإبل ففتح رامين و نسف و سكند و لقيه الترك فهزمهم و كان مع ملكهم امرأته خاتون ، فأعجلوها عن لبس خفيها ، فأصاب المسلمون أحدهما و قوم بمائتي ألف درهم . و كان عبيد الله ذلك اليوم يحمل عليهم و هو يطعن حتى يغيب عن أصحابه ثم يرفع رايته تقطر دماً . و كان هذا الزحف من زحوف خراسان المعدودة ، و كانت أربعة منها للأحنف بن قيس بقهستان و المرعات و زحف لعبد الله بن حازم قضى فيه حموع فاران و أقام عبيد الله والياً على خراسان سنتين و ولاه معاوية سنة خمس و خمسين على البصرة . و ذلك أن ابن غيلان خطب و هو أمير على البصرة ، فحصبه رجل من بني ضبة فقطع يده فأتاه بنو ضبة يسألونه الكتاب إلى معاوية بالاعتذار عنه ، و أنه قطع على أمر لم يصح ، مخافة أن يعاقبهم جميعاً فكتب لهم و سار ابن غيلان إلى معاوية رأس السنة و أوفاه الضبيون بالكتاب ، فادعوا أن ابن غيلان قطع صاحبهم ظلماً فلما قرأ معاوية الكتاب قال : أما القود من عمالي فلا سبيل إليه ، و لكن أدي صاحبكم من بيت المال و عزل عبد الله بن غيلان عن البصرة ، و استعمل عليها عبيد الله بن زياد ، فسار إليها عبيد الله و ولى على خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فلم يغز و لم يفتح .
العهد ليزيد
ذكر الطبري بسنده قال : قدم المغيرة على معاوية فشكا إليه الضعف ، فاستعفاه فأعفاه و أراد أن يولي سعيد بن العاص و قال أصحاب المغيرة للمغيرة : إن معاوية قلاك ، فقال له : رويداً و نهض إلى يزيد و عرض له بالبيعة ، و قال ذهب أعيان الصحابة و كبراء قريش و رادوا أسنانهم ، و إنما بقي أبناؤهم و أنت من أفضلهم و أحسنهم رأياً و سياسة ، و ما أدري ما يمنع أمير المؤمنين من العهد لك فأدى ذلك يزيد إلى أبيه و استدعاه و فاوضه في ذلك . فقال : قد رأيت ما كان من الاختلاف و سفك الدماء بعد عثمان و في يزيد منك خلف ، فاعهد له يكون كهفاً للناس بعدك فلا تكون فتنة و لا يسفك دم و أنا أكفيك الكوفة و يكفيك ابن زياد البصرة فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة ، و أمره أن يعمل في بيعة يزيد فقدم الكوفة و ذاكر من يرجع إليه من شيعة بني أمية فأجابوه ، و أوفد منهم جماعة مع إبنه موسى فدعاه إلى عقد البيعة ليزيد .فقال : أوقد رضيتموه ؟ قالوا : نعم ! نحن و من وراءنا . فقال : ننظر ما قدمتم له و يقضي الله أمره ، و الأناة خير من العجلة ثم كتب إلى زياد يستنيره بفكر و كف عن هدم دار سعيد و كتب سعيد إلى معاوية يعذله في إدخال الظعينة بين قرابته و يقول لو لم تكن بني أب واحد لكانت قرابتنا ما جمعنا الله عليه من نصرة الخليفة المظلوم يجب عليك أن تدعي ذلك فاعتذر له معاوية و تنصل . و قدم سعيد عليه و سأله عن مروان فأثنى خيراً فلما كان سنة سبع و خمسين عزل مروان و و لى مكانه الوليد بن عتيبة بن أبي سفيان و قيل سنة ثمان .
عزل الضحاك عن الكوفة و ولاية ابن أم الحكم ثم النعمان بن بشير
عزل معاوية الضحاك عن الكوفة سنة ثمان و خمسين و ولى مكانه عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي و هو ابن أم الحكم أخت معاوية فخرجت عليه الخوارج الذين كان المغيرة حبسهم في بيعة المستورد بن علقمة ، و خرجوا من سجنه بعد موته فاجتمعوا على حيان بن ضبيان السلمي و معاذ بن جرير الطائي ، فسير إليهم عبد الرحمن الجيش من الكوفة فقتلوا أجمعين كما يذكر في أخبار الخوارج . ثم إن أهل الكوفة نقلوا عن عبد الرحمن سوء سيرته ، فعزله معاوية عنهم و ولى مكانه النعمان بن بشير . قال : أوليك خيراً من الكوفة ، فولاه مصر ، كان عليها معاوية بن خديج السكوني ، و سار إلى مصر فاستقبله معاوية على مرحلتين منها ، و قال : إرجع إلى حالك لا تسرفينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة فرجع إلى معاوية و أقام معاوية بن خديج في عمله .
ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان
وفي سنة تسع و خمسين قدم عبد الرحمن بن زياد وافداً على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين أما لنا حق ؟ قال : بلى ! فماذا قال توليني ؟ قال : بالكوفة النعمان بن بشير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و بالبصرة و خراسان عبيد الله أخوك ، و بسجستان عباد أخوك و لا أرى ما يشبهك إلا أن أشركك في عمل عبيد الله فإن عمله واسع يحتمل الشركة فولاه خراسان فسار إليها ، و قدم بين يديه قيس بن الهيثم السلمي ، فأخذ أسلم بن زرعة و حبسه . ثم قدم عبد الرحمن فأغرمه ثلثمائة ألف درهم و أقام في بخراسان و كان متضعفاً لم يقر قط . و قدم على يزيد بين يدي قتل الحسين ، فاستخلف على خراسان قيس بن الهيثم . فقال له يزيد : كم معك من مال خراسان ؟ قال عشرون ألف درهم فخيره بين أخذها بالحساب ورده إلى عمله أو تسويغة إياها و عزله ، على أن يعطي عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم ، فاختار تسويغها و العزل . و بعث إلى ابن جعفر بألف ألف و قال نصفها من يزيد و نصفها مني . ثم إن أهل االبصرة وفدوا مع عبيد الله بن زياد على معاوية فأذن له على منازلهم و دخل الأحنف آخرهم و كان هيأ المنزلة من عبيد الله فرحب به معاوية و أجلسه على سريره . ثم تكلم القوم و أثنوا على عبيد الله و سكت الأحنف ، فقال معاوية : تكلم با أبا بحر فقال أخشى خلاف القوم ، فقال : انهضوا فقد عزلت عنكم عبيد الله و اطلبوا والياً ترضونه ، فطفق القوم يختلفون إلى رجال بني أمية و أشراف الشام ، و قعد الأحنف في منزله ساكت . فقال معاوية : تكلم يا أبا بحر فقال : إن وليت علينا من أهل بيتك لم نعدل بعبيد الله أحداً ، و إن وليت من غيرهم ينظر في ذلك قال : فإني أعدته عليكم ، ثم أوصاه بالأحنف و قبح رأيه في مباعدته و لما هاجت الفتنة لم يعزله غير الأحنف ثم أخذ على وفد البصرة البيعة لابنه يزيد معهم .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
بقية الصوئف
دخل بسر بن أرطأة سنة إثنتين و خمسين أرض الروم و شتى بها و قيل رجع و نزل هناك سفيان بن عوف الأزدري فشتى بها و توفي هناك . و غزا بالصائفة محمد بن عبد الله الثقفي ، ثم دخل عبد الرحمن ابن أم الحكم سنة ثلاث و خمسين إلى أرض الروم و شتى بها و افتتحت في هذه السنة رودس ، فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي و نزلها المسلمون على حذر من الروم ، ثم كانوا يعترضونه في البحر و يأخذون سفنه ، و كان معاوية يدركهم بالعطاء حتى خافهم الروم ثم نقلهم يزيد في ولايته . ثم دخل سنة أربع و خمسين إلى بلاد الروم محمد بن مالك و شتى بها و غزا بالصائفة ابن يزيد السلمي ، و فتح المسلمون جزيرة أروى قرب القسطنطينية و مقدمهم جنادة بن أبي أمية ، فملكوها سبع سنين و نقلهم يزيد في ولايته و في سنة خمس و خمسين كان شتى سفيان بن عوف بأرض الروم ، و قيل عمر بن محرز و قيل عبد الله بن قيس . و في سنة ست و خمسين كان شتى جنادة بن أبي أمية ، و قيل عبد الرحمن بن مسعود ، و قيل غزا في البحر يزيد ابن سمرة . و في البر عياض بن الحرث . و في سنة سبع و خمسين كان شتى عبد الله بن قيس بأرض الروم . و غزا مالك بن عبد الله الخثعمي في البر ، و عمر بن يزيد الجهني في البحر . و في سنة ثمان و خمسين كان شتى عمر بن مرة الجهني بأرض الروم ، و غزا في البحر جنادة بن أمية . و فتح المسلمون في هذه السنة حصن كفخ من بلاد الروم ، و عليهم عمير بن الحباب السلمي صعد سورها و قاتل عليه وحده حتى انكشف الروم و فتحه . و في سنة ستين غزا مالك بن عبد الله سوية وملك جنادة بن أبي أمية رودس و هدم مدينتها .
وفاة معاوية : و توفي معاوية سنة ستين و كان خطب الناس قبل موته و قال : إني كزرع مستحصد و قد طالت إمارتي عليكم حتى مللتكم و مللتموني ، و تمنيت فراقكم و تمنيتم فراقي و لن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه ، كما أن من كان قبلي خير مني . و قد قيل من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه . اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي و بارك لي . فلم يمض إلا قليل حتى ازداد به مرضه فدعا إبنه يزيد و قال : يابني إني قد كفيتك الرحلة و الترحال و وطأت لك الأمور و أخضعت لك رقاب العرب ، و جمعت لك ما لم يجمعه أحد . و إني أخاف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي انتسب لك إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر فرجل قد و قذته العبادة ، و إذا لم يبق غيره بايعك . و أما الحسين فإن أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه ، فإن له رحماً ما مثله و حقاً عظيماً . و أما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله و ليس له همة إلا في النساء . و أما الذي يجثم لك جثوم الأسد و يراوغك روغان الثعلب و إذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك و قدرت عليه فقطعه إرباً إرباً . هذا حديث الطبري عن هاشم و له عن هاشم من طريق آخر قال : لما حضرت وفاة معاوية سنة ستين كان يزيد غائباً فدعا بالضحاك بن قيس الفهري و كان صاحب شرطته ، و مسلم بن عتبة المزني فقال : أبلغا يزيد وصيتي ، أنظر أهل الحجاز فإنهم أهلك فأكرم من قدم إليك منهم و تعاهد من غاب . و انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم عاملاً فافعل ، فإن عزل عامل أخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف . و انظر أهل الشام فليكونوا بطانتك و عيبتك ، و إن رابك شيء من عدوك فانتصر بهم ، فإذا أصبتم فاردد أهل الشآم إلى بلادهم ، لإنهم إن قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم و لست أخاف عليك من قريش إلا ثلاثاً و لم يذكر في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر . و قال في ابن عمر : قد وقذه الدين فليس ملتمساً شيئاً قبلك و قال في الحسين : و لو أني صاحبه عفوت عنه . و أنا أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه و خذل أخاه . و قال في ابن الزبير : إذا شخص إليك فالبد له إلا أن يلتمس منك صلحاً فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت .
و توفي في منتصف رجب و يقال جمادي لتسع عشرة سنة و أشهر من ولايته و كان على خاتمه عبد الله بن محصن الحميري و هو أول من اتخذ ديوان الخاتم ، و كان سببه أنه أمر لعمر بن الزبير بمائة ألف درهم ، و كتب له بذلك إلى زياد بالعراق ، ففض عمر الكتاب و صير المائة مائتين ، فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية ، و أخذ عمر بردها و حبسه فأداها عنه أخوه عبد الله فأحدث عند ذلك ديوان الخاتم ، و حزم الكتب و لم تكن تحزم و كان على شرطته قيس بن همزة الهمداني ، فعزله ابن بيد بن عمر العدوي ، و كان على حرسه المختار من مواليه . و قيل أبو المحارى مالك مولى حميرة و هو أول من أتخذ الحرس ، و على حجابه مولاه سعد ، و كان كاتبه و صاحبه أمره سرجون بن منصور الرومي ، و على القضاء فضالة بن عبد الله الأنصاري و بعده أبو دويس عائذ بن عبد الله الخولاني .
بيعة يزيد
بويع يزيد بعد موت أبيه و على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، و على مكة عمر ابن سعيد بن العاص ، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد ، و على الكوفة النعمان بن بشير . و لم يكن همه إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية بيعته ، فكتب إلى الوليد بموت معاوية ، و أن يأخذ حسيناً و ابن عمر و ابن الزبير بالبيعة من غير رخصة فلما قرأ مروان الكتاب بنعي معاوية ، استرجع و ترحم ، و استشار الوليد في أمر أولئك النفر ، فأشار عليه أن يحضرهم لوقته فإن بايعوا و إلا قتلهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فيثب كل رجل منهم في ناحية ، و إلا ابن عمر فإنه لا يحب القتال ، و لا يحب الولاية ، و إلا أن يرفع إليه الأمر . فبعث عبد الله بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث ، فجاء إلى الحسين و ابن الزبير في المسجد في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس و قال : أجيبا الأمير فقالا : لا تنصرف إلا أن نأتيه ، ثم حدثا فيما بعث إليهما ، فلم يعلموا ما وقع . و جمع الحسين فتيانه و أهل بيته و سار إليه فأجلسهم بالباب ، و قال إن دعوتكم أو سمعتم صوتي فادخلوا بأجمعكم . ثم دخل فسلم و مروان عنده فشكرهما على الصلة بعد القطيعة ، و دعا بإصلاح ذات البين فأقراه الوليد الكتاب بنعي معاوية و دعاه إلى البيعة ، فاسترجع و ترحم و قال : مثلي لا يبايع سراً و لا يكتفي بها مني ، فإذا ظهرت إلى الناس و دعوتهم كان أمرنا واحداً و كنت أول مجيب فقال الوليد و كان يحب المسالمة : انصرف . فقال مروان : لا يقدر منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينك و بينهم ، ألزمه البيعة و إلا اضرب عنقه . فوثب الحسين و قال أنت تقتلني أو هو ! كذبت و الله ! و انصرف إلى منزله . و أخذ مروان في عذل الوليد . فقال : يامروان و الله ما أحب أن لي ما طلعت الشمس من مال الدنيا و ملكها ، و أني قتلت الحسين إن قال لا أبايع . و أما ابن الزبير فاختفى في داره و جمع أصحابه ، و ألح الوليد في طلبه ، و بعث مواليه فشتموه و هددوه ، و أقاموا ببابه في طلبه ، فبعث ابن الزبير أخاه جعفرا يلاطف الوليد و يشكو ما أصابه من الذعر ، و يعده بالحضور من الغداة ، و أن يصرف رسله من بابه ، فبعث إليهم و انصرفوا . و خرج ابن الزبير من ليلته مع أخيه جعفر وحدهما ، و أخذا طريق الفراع إلى مكة فسرح الرحالة في طلبه فلم يدركوه و رجعوا و تشاغلوا بذلك عن الحسين سائر يومه . ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال : أصبحوا و ترون و فري . و سار في الليلة الثانية ببنيه و إخوته و بني أخيه إلا محمد بن الحنفية ، و كان قد نصحه و قال تنح عن يزيد و عن الأمصار ما استطعت ، و ابعث دعاتك إلى الناس ، فإن أجابوك فاحمد الله ، و إن اجتمعوا على غيرك يضر بذلك دينك و لا عقلك ، و لم تذهب به مروأتك و لا فلك ، و أنا أخاف أن تأتي مصراً أو قوماً فيخلفون عليك ، فتكون الأول إساءة ، فإذاً خير الأمة نفساً و أبا أضيعها ذماراً و أذلها . قال له الحسين : فإني ذاهب قال : إنزل مكة فإن إطمأنت بك الدار فسبيل ذلك ، و إن فاتت بك لحقت بالرمال و شعب الجبال . و من بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس ، و تعرف الرأي فقال يا أخي نصحت و أشفقت ! و لحق بمكة . و بعث الوليد إلى ابن عمر ليبايع فقال : أنا أبايع أمام الناس ، و قيل الناس ، و قيل ابن عمر و ابن عباس كانا بمكة ، و رجعاً إلى المدينة فلقيا الحسين و ابن الزبير و أخبرهما بموت معاوية و بيعة يزيد . فقال ابن عمر : لا تفرقا جماعة المسلمين ، و قدم هو و ابن عباس المدينة و بايعا عنه بيعة الناس و لما دخل ابن الزبير مكة و عليها عمر بن سعيد قال : أنا عائد بالبيت ، و لم يكن يصلي و لا يقف معهم و يقف هو و أصحابه ناحية .
دخل بسر بن أرطأة سنة إثنتين و خمسين أرض الروم و شتى بها و قيل رجع و نزل هناك سفيان بن عوف الأزدري فشتى بها و توفي هناك . و غزا بالصائفة محمد بن عبد الله الثقفي ، ثم دخل عبد الرحمن ابن أم الحكم سنة ثلاث و خمسين إلى أرض الروم و شتى بها و افتتحت في هذه السنة رودس ، فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي و نزلها المسلمون على حذر من الروم ، ثم كانوا يعترضونه في البحر و يأخذون سفنه ، و كان معاوية يدركهم بالعطاء حتى خافهم الروم ثم نقلهم يزيد في ولايته . ثم دخل سنة أربع و خمسين إلى بلاد الروم محمد بن مالك و شتى بها و غزا بالصائفة ابن يزيد السلمي ، و فتح المسلمون جزيرة أروى قرب القسطنطينية و مقدمهم جنادة بن أبي أمية ، فملكوها سبع سنين و نقلهم يزيد في ولايته و في سنة خمس و خمسين كان شتى سفيان بن عوف بأرض الروم ، و قيل عمر بن محرز و قيل عبد الله بن قيس . و في سنة ست و خمسين كان شتى جنادة بن أبي أمية ، و قيل عبد الرحمن بن مسعود ، و قيل غزا في البحر يزيد ابن سمرة . و في البر عياض بن الحرث . و في سنة سبع و خمسين كان شتى عبد الله بن قيس بأرض الروم . و غزا مالك بن عبد الله الخثعمي في البر ، و عمر بن يزيد الجهني في البحر . و في سنة ثمان و خمسين كان شتى عمر بن مرة الجهني بأرض الروم ، و غزا في البحر جنادة بن أمية . و فتح المسلمون في هذه السنة حصن كفخ من بلاد الروم ، و عليهم عمير بن الحباب السلمي صعد سورها و قاتل عليه وحده حتى انكشف الروم و فتحه . و في سنة ستين غزا مالك بن عبد الله سوية وملك جنادة بن أبي أمية رودس و هدم مدينتها .
وفاة معاوية : و توفي معاوية سنة ستين و كان خطب الناس قبل موته و قال : إني كزرع مستحصد و قد طالت إمارتي عليكم حتى مللتكم و مللتموني ، و تمنيت فراقكم و تمنيتم فراقي و لن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه ، كما أن من كان قبلي خير مني . و قد قيل من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه . اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي و بارك لي . فلم يمض إلا قليل حتى ازداد به مرضه فدعا إبنه يزيد و قال : يابني إني قد كفيتك الرحلة و الترحال و وطأت لك الأمور و أخضعت لك رقاب العرب ، و جمعت لك ما لم يجمعه أحد . و إني أخاف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي انتسب لك إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، و عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر فرجل قد و قذته العبادة ، و إذا لم يبق غيره بايعك . و أما الحسين فإن أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه ، فإن له رحماً ما مثله و حقاً عظيماً . و أما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله و ليس له همة إلا في النساء . و أما الذي يجثم لك جثوم الأسد و يراوغك روغان الثعلب و إذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك و قدرت عليه فقطعه إرباً إرباً . هذا حديث الطبري عن هاشم و له عن هاشم من طريق آخر قال : لما حضرت وفاة معاوية سنة ستين كان يزيد غائباً فدعا بالضحاك بن قيس الفهري و كان صاحب شرطته ، و مسلم بن عتبة المزني فقال : أبلغا يزيد وصيتي ، أنظر أهل الحجاز فإنهم أهلك فأكرم من قدم إليك منهم و تعاهد من غاب . و انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم عاملاً فافعل ، فإن عزل عامل أخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف . و انظر أهل الشام فليكونوا بطانتك و عيبتك ، و إن رابك شيء من عدوك فانتصر بهم ، فإذا أصبتم فاردد أهل الشآم إلى بلادهم ، لإنهم إن قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم و لست أخاف عليك من قريش إلا ثلاثاً و لم يذكر في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر . و قال في ابن عمر : قد وقذه الدين فليس ملتمساً شيئاً قبلك و قال في الحسين : و لو أني صاحبه عفوت عنه . و أنا أرجو أن يكفيك الله بمن قتل أباه و خذل أخاه . و قال في ابن الزبير : إذا شخص إليك فالبد له إلا أن يلتمس منك صلحاً فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت .
و توفي في منتصف رجب و يقال جمادي لتسع عشرة سنة و أشهر من ولايته و كان على خاتمه عبد الله بن محصن الحميري و هو أول من اتخذ ديوان الخاتم ، و كان سببه أنه أمر لعمر بن الزبير بمائة ألف درهم ، و كتب له بذلك إلى زياد بالعراق ، ففض عمر الكتاب و صير المائة مائتين ، فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية ، و أخذ عمر بردها و حبسه فأداها عنه أخوه عبد الله فأحدث عند ذلك ديوان الخاتم ، و حزم الكتب و لم تكن تحزم و كان على شرطته قيس بن همزة الهمداني ، فعزله ابن بيد بن عمر العدوي ، و كان على حرسه المختار من مواليه . و قيل أبو المحارى مالك مولى حميرة و هو أول من أتخذ الحرس ، و على حجابه مولاه سعد ، و كان كاتبه و صاحبه أمره سرجون بن منصور الرومي ، و على القضاء فضالة بن عبد الله الأنصاري و بعده أبو دويس عائذ بن عبد الله الخولاني .
بيعة يزيد
بويع يزيد بعد موت أبيه و على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، و على مكة عمر ابن سعيد بن العاص ، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد ، و على الكوفة النعمان بن بشير . و لم يكن همه إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية بيعته ، فكتب إلى الوليد بموت معاوية ، و أن يأخذ حسيناً و ابن عمر و ابن الزبير بالبيعة من غير رخصة فلما قرأ مروان الكتاب بنعي معاوية ، استرجع و ترحم ، و استشار الوليد في أمر أولئك النفر ، فأشار عليه أن يحضرهم لوقته فإن بايعوا و إلا قتلهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فيثب كل رجل منهم في ناحية ، و إلا ابن عمر فإنه لا يحب القتال ، و لا يحب الولاية ، و إلا أن يرفع إليه الأمر . فبعث عبد الله بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث ، فجاء إلى الحسين و ابن الزبير في المسجد في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس و قال : أجيبا الأمير فقالا : لا تنصرف إلا أن نأتيه ، ثم حدثا فيما بعث إليهما ، فلم يعلموا ما وقع . و جمع الحسين فتيانه و أهل بيته و سار إليه فأجلسهم بالباب ، و قال إن دعوتكم أو سمعتم صوتي فادخلوا بأجمعكم . ثم دخل فسلم و مروان عنده فشكرهما على الصلة بعد القطيعة ، و دعا بإصلاح ذات البين فأقراه الوليد الكتاب بنعي معاوية و دعاه إلى البيعة ، فاسترجع و ترحم و قال : مثلي لا يبايع سراً و لا يكتفي بها مني ، فإذا ظهرت إلى الناس و دعوتهم كان أمرنا واحداً و كنت أول مجيب فقال الوليد و كان يحب المسالمة : انصرف . فقال مروان : لا يقدر منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينك و بينهم ، ألزمه البيعة و إلا اضرب عنقه . فوثب الحسين و قال أنت تقتلني أو هو ! كذبت و الله ! و انصرف إلى منزله . و أخذ مروان في عذل الوليد . فقال : يامروان و الله ما أحب أن لي ما طلعت الشمس من مال الدنيا و ملكها ، و أني قتلت الحسين إن قال لا أبايع . و أما ابن الزبير فاختفى في داره و جمع أصحابه ، و ألح الوليد في طلبه ، و بعث مواليه فشتموه و هددوه ، و أقاموا ببابه في طلبه ، فبعث ابن الزبير أخاه جعفرا يلاطف الوليد و يشكو ما أصابه من الذعر ، و يعده بالحضور من الغداة ، و أن يصرف رسله من بابه ، فبعث إليهم و انصرفوا . و خرج ابن الزبير من ليلته مع أخيه جعفر وحدهما ، و أخذا طريق الفراع إلى مكة فسرح الرحالة في طلبه فلم يدركوه و رجعوا و تشاغلوا بذلك عن الحسين سائر يومه . ثم أرسل إلى الحسين يدعوه فقال : أصبحوا و ترون و فري . و سار في الليلة الثانية ببنيه و إخوته و بني أخيه إلا محمد بن الحنفية ، و كان قد نصحه و قال تنح عن يزيد و عن الأمصار ما استطعت ، و ابعث دعاتك إلى الناس ، فإن أجابوك فاحمد الله ، و إن اجتمعوا على غيرك يضر بذلك دينك و لا عقلك ، و لم تذهب به مروأتك و لا فلك ، و أنا أخاف أن تأتي مصراً أو قوماً فيخلفون عليك ، فتكون الأول إساءة ، فإذاً خير الأمة نفساً و أبا أضيعها ذماراً و أذلها . قال له الحسين : فإني ذاهب قال : إنزل مكة فإن إطمأنت بك الدار فسبيل ذلك ، و إن فاتت بك لحقت بالرمال و شعب الجبال . و من بلد إلى آخر حتى ننظر مصير أمر الناس ، و تعرف الرأي فقال يا أخي نصحت و أشفقت ! و لحق بمكة . و بعث الوليد إلى ابن عمر ليبايع فقال : أنا أبايع أمام الناس ، و قيل الناس ، و قيل ابن عمر و ابن عباس كانا بمكة ، و رجعاً إلى المدينة فلقيا الحسين و ابن الزبير و أخبرهما بموت معاوية و بيعة يزيد . فقال ابن عمر : لا تفرقا جماعة المسلمين ، و قدم هو و ابن عباس المدينة و بايعا عنه بيعة الناس و لما دخل ابن الزبير مكة و عليها عمر بن سعيد قال : أنا عائد بالبيت ، و لم يكن يصلي و لا يقف معهم و يقف هو و أصحابه ناحية .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
عزل الوليد عن المدينة و ولاية عمر بن سعيد
و لما بلغ الخبر إلى يزيد بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر ، عزله عن المدينة و استعمل عليها عمر بن سعيد الأشرق فقمها في رمضان و استعمل على شرطته عمر ابن الزبير بالمدينة لما كان بينه و بين أخيه من البغضاء ، و أحضر نفراً من شيعة الزبير بالمدينة فضربهم من الأربعين إلى الخمسين إلى الستين ، منهم المنذر بن الزبير و ابنه محمد ، و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، و عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام و محمد ابن عمار بن ياسر و غيرهم . ثم جهز البعوث إلى مكة سبعمائة أو نحوها ، و قال لعمر بن الزبير : من نبعث إلى أخيك ؟ فقال : لا تجد رجلا أنكى له مني . فجهز معه سعمائة مقاتل فيهم أنيس بن عمرو الأسلمي . و عذله موران بن الحكم في غزو مكة و قال له : إتق الله و لا تحل حرمة البيت فقال : و الله لنغزونه في جوف الكعبة و جاء أبو شريح الخزاعي إلى عمر بن سعيد فقال : سمعت رسول الله الله يقول : إنما أذن لي بالقتال فيها ساعة من نهار ، ثم عادت كحرمتها بالأمس . فقال له عمر : نحن أعلم بحرمتها منك أيها الشيخ . و قيل إن يزيد كتب إلى عمر بن سعيد أن يبعث عمر بن الزبير بالجيش إلى أخيه ، فبعثه في ألفي مقاتل و على مقدمته أنيس . فنزل أنيس بذي طوى و نزل عمر بالأبطح و بعث إلى أخيه أن بريمين يزيد ، فإنه حلف أن لا يقبل بيعة إلا بيعة إلا أن يؤتي بك في جامعة فلا يضرب الناس بعضهم بعضاً ، فإنك في بلد حرام . فأرسل عبد الله بن الزبير من اجتمع له من أهل مكة مع عبد الله بن صفوان فهرموا أنيساً بذي طوى و قتل أنيس في الهزيمة و تخلف عن عمر بن الزبير أصحابه فدخل دار ابن علقمة و أجاره عبدة بن الزبير . و قال لأخيه : قد أجرته فأنكر ذلك عليه . و قيل : إن صفوان قال لعبد الله بن الزبير : أكفني أخاك أنا أكفيك أنيس بن عمرو ، و سار إلى أنيس فهزمه و قتله . و سار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمر فتفرق عنه أصحابه ، و أجاره أخوه عبدة ، فلم يجز أخوه عبد الله جواره و ضربه بكل من ضربة بالمدينة و حبسه بسجن عارم و مات تحت السياط .
مسير الحسين إلى الكوفة و مقتله
و لما خرج الحسين إلى مكة لقيه عبد الله بن مطيع و سأله أين تريد ؟ فقال : مكة و أستخير الله فما بعد ، فنصحه أن لا يقرب الكوفة ، و ذكره قتلهم أباه و خذلانهم أخاه ، و أن يقيم بمكة لا يفارق الحرم حتى يتداعى إليه الناس . و رجع عنه و ترك الحسين بمكة فأقام و الناس يختلفون إليه ، و ابن الزبير في جانب الكعبة يصلي و يطوف عامة النهار ، و ياتي الحسين فيمن يأتي و يعلم أن أهل الحجاز لا يلقوا إليه مع الحسين . و لما بلغ أهل الكوفة بيعة يزيد و لحاق الحسين بمكة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد و كتبوا إليه عن نفر منهم سليمان و المسيب بن محمد ، و رفاعه بن شداد ، و حبيب ابن مظاهر و غيرهم يستدعونه و أنهم لم يبايعوا للنعمان ، و لا يجتمعوا معه في جمعة و لا عيد ، و لو جئتنا أخرجناه و بعثوا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني ، و عبد الله بن وال ثم كتبوا إليه بعد ليلتين نحو مائة و خمسين صحيفة ، ثم ثالثا يستحثونه للحاق بهم كتب له بذلك شيب بن ربعي و حجاز بن ابجر و يزيد بن الحرث و يزيد بن رويم و عروة بن قيس و عمر بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمير التميمي فأجابهم الحسين : فهمت ما قصصتم و قد بعثت إليكمم ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، يكتب إلي بأمركم و رأيكم ، فإن اجتمع ملؤكم على ما قدمت به رسلكم أقدم عليكم قريباً . و لعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدين بدين الحق . و سار مسلم فدخل المدينة و صلى في المسجد و ودع أهله و استأجر دليلين من قيس فضلا الطريق و عطش القوم فمات الدليلان بعد أن أشارا إليهم بموضع الماء ، فانتهوا إليه و شربوا و نجوا فتطير مسلم من ذلك ، و كتب إلى الحسين يستعفيه . فكتب إليه خشيت أن يكون حملك على ذلك إلا الجبن ، فامض لوجهك و السلام . و سار مسلم فدخل الكوفة أول ذي الحجة من سنة ستين ، و اختلف إليه الشيعة و قرأ عليهم كتاب الحسين ، فبكوا و وعدوه النصر وعلم مكانه النعمان بن بشير أمير الكوفة و كان حليماً يجنح إلى المسالمة ، فخطب و حذر الناس الفتنة . و قال : لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آخذ بالظنة و التهمة ، و لكن إن نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فوالله لأضربنكم بسيفي ما دام قائمته بيدي ، و لو لم يكن لي ناصر فقال له بعض حلفاء بني أمية : لا يصلح ما ترى إلا الغشم ، و هذا الذي أنت عليه مع عدوك رأي المستضعفين فقال : أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله . ثم تركه فكتب عبد الله بن مسلم و عمارة بن الوليد و عمارة بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد بالخبر ، و تضعف النعمان و ضعفه فابعث إلى الكوفة رجلاً قوياً ينفد أمرك و يعمل عملك في عدوك فأشار عليه سرجون .
مسيرة المختار إلى الكوفة و أخذها من ابن المطيع بعد كربلاء
مضى إبراهيم إلى المختار و أخبره الخبر و بعثوا في الشيعة و نادوا بثأر الحسين ، و مضى إبراهيم إلى النخع فاستركبهم و سار بهم في المدينة ليلاً و هو يتجنب المواضع التي فيها الأمراء ثم لقي بعضهم فهزمهم ، ثم آخرين كذلك ثم رجع إلى المختار فوجد شيث بن ربعي و حجار بن أبجر العجلي يقاتلانه فهزمهما ، و حاشب بن المطيع فأشار إليه بجمع الناس و النهوض إلى القوم فولى أمرهم فركب و اجتمه الناس و توافى إلى المختار نحو أربع آلاف من الشيعة و بعث ابن مطيع شيث بن ربعي في ثلاثة آلاف و ربع بن إياس في أربعة آلاف فسرح إليهم المختار إبراهيم بن الأشتر لراشد في ستمائة فارس و ستمائة راجل و نعيم بن هبيرة لشيث في ثلثمائة فارس و ستمائة راجل و اقتتلوا من بعد صلاة الصبح . و قتل نعيم فوهن المختار و ظهر شيث و أصحابه عليهم و قاتل إبراهيم بن الأشتر راشد بن إياس فقتله ، و انهزم أصحابه و ركبهم الفشل . و بعث ابن المطيع جيشاً كثيفاً فهزمهم ، ثم حمل على شيث فهزمه ، و بعث المختار فمنعه الرماة من دخول الكوفة . و رجع المنهزمون إلى ابن مطيع فدهش فشجعه عمر ابن الحجاج الزبيدي و قال له : أخرج و اندب الناس ففعل . و قام في الناس و وبخهم على هزيمتهم و ندبهم ثم بعث عمر بن الحجاج في ألفين و شمر بن ذي الجوشن في ألفين و نوفل بن مساحق في خمسة آلاف . و وقف هو بكتائبه . و اختلف على القصر شيث بن ربعي فحمل ابن الأشتر على ابن مساحق فهزمه و أسره ، ثم من عليه و دخل ابن مطيع القصر و حاصره إبراهيم محمد الأشتر ثلاثاً و معه يزيد بن أنس و أحمد بن شميط ، و لما اشتد الحصار على ابن مطيع ، أشار عليه بن ربعي بأن يستأمن للمختار ، و يلق بابن الزبير و له ما يعده . فخرج عنهم مساء و نزل دار أبي موسى و أستأمن القوم للمختار فدخل القصر و غدا على الناس في المسجد فخطبهم ، و دعاهم إلى بيعة ابن الحنفية ، فبايعه أشراف الكوفة على الكتاب و السنة ، و اللطف بأهل البيت ، و وعدهم بحسن السيرة و بلغة أن ابن مطيع في دار موسى فبعث إليه بمائة ألف درهم و قال يجهز بهذه . و كان ابن مطيع قد فرق بيوت الأموال على الناس ، و سار ابن مطيع إلى وجهه و ملك الكوفة ، و جعل على شرطته عبد الله بن كامل ، و على حرسه كيسان أبا عمرة ، و جعل الأشراف جلساءه ، و عقد لعبد الله بن الحرث بن الأشتر على أرمينية ، و لمحمد بن عمير بن عطارد على أذربيجان ، و لعبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل ، و لا سحق بن مسعود على المدائن ، و لسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان . و أمره بقتال الكراد و إصلاح السابلة . و ولى شريحاً على القضاء ثم طعنت فيه الشيعة بأنه شهد على حجر بن عدي ، و لم يبلغ عن هانىء بن عروة رسالته إلى قومه و أن علياً غرمه و أنه عثماني . و سمع ذلك هو فتمارض فجعل مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم مرض فولى مكانه عبد الله بن مالك الطائي .
مسيرة ابن زياد إلى المختار و خلافة أهل الكوفة عليهكان مروان بن الحكم لما استوثق له الشآم بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز مع جيش ابن دلجة القيني و قد شاته و مقتله . و الآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد فكان من أمره و أمر التوابين من الشيعة ما تقدم و أقام محاصراً لزفر بن الحرث بقرقيسيا ، وهو مع قومه قيس على طاعة ابن الزبير ، فاشتغل بهم عن العراق سنة أو نحوها . ثم توفي مروان و ولي بعده عبد الملك فأقره على ولايته و أمره بالجد و يئس من امر زفر و قيس فنهض إلى الموصل
و لما بلغ الخبر إلى يزيد بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر ، عزله عن المدينة و استعمل عليها عمر بن سعيد الأشرق فقمها في رمضان و استعمل على شرطته عمر ابن الزبير بالمدينة لما كان بينه و بين أخيه من البغضاء ، و أحضر نفراً من شيعة الزبير بالمدينة فضربهم من الأربعين إلى الخمسين إلى الستين ، منهم المنذر بن الزبير و ابنه محمد ، و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، و عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام و محمد ابن عمار بن ياسر و غيرهم . ثم جهز البعوث إلى مكة سبعمائة أو نحوها ، و قال لعمر بن الزبير : من نبعث إلى أخيك ؟ فقال : لا تجد رجلا أنكى له مني . فجهز معه سعمائة مقاتل فيهم أنيس بن عمرو الأسلمي . و عذله موران بن الحكم في غزو مكة و قال له : إتق الله و لا تحل حرمة البيت فقال : و الله لنغزونه في جوف الكعبة و جاء أبو شريح الخزاعي إلى عمر بن سعيد فقال : سمعت رسول الله الله يقول : إنما أذن لي بالقتال فيها ساعة من نهار ، ثم عادت كحرمتها بالأمس . فقال له عمر : نحن أعلم بحرمتها منك أيها الشيخ . و قيل إن يزيد كتب إلى عمر بن سعيد أن يبعث عمر بن الزبير بالجيش إلى أخيه ، فبعثه في ألفي مقاتل و على مقدمته أنيس . فنزل أنيس بذي طوى و نزل عمر بالأبطح و بعث إلى أخيه أن بريمين يزيد ، فإنه حلف أن لا يقبل بيعة إلا بيعة إلا أن يؤتي بك في جامعة فلا يضرب الناس بعضهم بعضاً ، فإنك في بلد حرام . فأرسل عبد الله بن الزبير من اجتمع له من أهل مكة مع عبد الله بن صفوان فهرموا أنيساً بذي طوى و قتل أنيس في الهزيمة و تخلف عن عمر بن الزبير أصحابه فدخل دار ابن علقمة و أجاره عبدة بن الزبير . و قال لأخيه : قد أجرته فأنكر ذلك عليه . و قيل : إن صفوان قال لعبد الله بن الزبير : أكفني أخاك أنا أكفيك أنيس بن عمرو ، و سار إلى أنيس فهزمه و قتله . و سار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمر فتفرق عنه أصحابه ، و أجاره أخوه عبدة ، فلم يجز أخوه عبد الله جواره و ضربه بكل من ضربة بالمدينة و حبسه بسجن عارم و مات تحت السياط .
مسير الحسين إلى الكوفة و مقتله
و لما خرج الحسين إلى مكة لقيه عبد الله بن مطيع و سأله أين تريد ؟ فقال : مكة و أستخير الله فما بعد ، فنصحه أن لا يقرب الكوفة ، و ذكره قتلهم أباه و خذلانهم أخاه ، و أن يقيم بمكة لا يفارق الحرم حتى يتداعى إليه الناس . و رجع عنه و ترك الحسين بمكة فأقام و الناس يختلفون إليه ، و ابن الزبير في جانب الكعبة يصلي و يطوف عامة النهار ، و ياتي الحسين فيمن يأتي و يعلم أن أهل الحجاز لا يلقوا إليه مع الحسين . و لما بلغ أهل الكوفة بيعة يزيد و لحاق الحسين بمكة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد و كتبوا إليه عن نفر منهم سليمان و المسيب بن محمد ، و رفاعه بن شداد ، و حبيب ابن مظاهر و غيرهم يستدعونه و أنهم لم يبايعوا للنعمان ، و لا يجتمعوا معه في جمعة و لا عيد ، و لو جئتنا أخرجناه و بعثوا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني ، و عبد الله بن وال ثم كتبوا إليه بعد ليلتين نحو مائة و خمسين صحيفة ، ثم ثالثا يستحثونه للحاق بهم كتب له بذلك شيب بن ربعي و حجاز بن ابجر و يزيد بن الحرث و يزيد بن رويم و عروة بن قيس و عمر بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمير التميمي فأجابهم الحسين : فهمت ما قصصتم و قد بعثت إليكمم ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، يكتب إلي بأمركم و رأيكم ، فإن اجتمع ملؤكم على ما قدمت به رسلكم أقدم عليكم قريباً . و لعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدين بدين الحق . و سار مسلم فدخل المدينة و صلى في المسجد و ودع أهله و استأجر دليلين من قيس فضلا الطريق و عطش القوم فمات الدليلان بعد أن أشارا إليهم بموضع الماء ، فانتهوا إليه و شربوا و نجوا فتطير مسلم من ذلك ، و كتب إلى الحسين يستعفيه . فكتب إليه خشيت أن يكون حملك على ذلك إلا الجبن ، فامض لوجهك و السلام . و سار مسلم فدخل الكوفة أول ذي الحجة من سنة ستين ، و اختلف إليه الشيعة و قرأ عليهم كتاب الحسين ، فبكوا و وعدوه النصر وعلم مكانه النعمان بن بشير أمير الكوفة و كان حليماً يجنح إلى المسالمة ، فخطب و حذر الناس الفتنة . و قال : لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آخذ بالظنة و التهمة ، و لكن إن نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فوالله لأضربنكم بسيفي ما دام قائمته بيدي ، و لو لم يكن لي ناصر فقال له بعض حلفاء بني أمية : لا يصلح ما ترى إلا الغشم ، و هذا الذي أنت عليه مع عدوك رأي المستضعفين فقال : أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله . ثم تركه فكتب عبد الله بن مسلم و عمارة بن الوليد و عمارة بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد بالخبر ، و تضعف النعمان و ضعفه فابعث إلى الكوفة رجلاً قوياً ينفد أمرك و يعمل عملك في عدوك فأشار عليه سرجون .
مسيرة المختار إلى الكوفة و أخذها من ابن المطيع بعد كربلاء
مضى إبراهيم إلى المختار و أخبره الخبر و بعثوا في الشيعة و نادوا بثأر الحسين ، و مضى إبراهيم إلى النخع فاستركبهم و سار بهم في المدينة ليلاً و هو يتجنب المواضع التي فيها الأمراء ثم لقي بعضهم فهزمهم ، ثم آخرين كذلك ثم رجع إلى المختار فوجد شيث بن ربعي و حجار بن أبجر العجلي يقاتلانه فهزمهما ، و حاشب بن المطيع فأشار إليه بجمع الناس و النهوض إلى القوم فولى أمرهم فركب و اجتمه الناس و توافى إلى المختار نحو أربع آلاف من الشيعة و بعث ابن مطيع شيث بن ربعي في ثلاثة آلاف و ربع بن إياس في أربعة آلاف فسرح إليهم المختار إبراهيم بن الأشتر لراشد في ستمائة فارس و ستمائة راجل و نعيم بن هبيرة لشيث في ثلثمائة فارس و ستمائة راجل و اقتتلوا من بعد صلاة الصبح . و قتل نعيم فوهن المختار و ظهر شيث و أصحابه عليهم و قاتل إبراهيم بن الأشتر راشد بن إياس فقتله ، و انهزم أصحابه و ركبهم الفشل . و بعث ابن المطيع جيشاً كثيفاً فهزمهم ، ثم حمل على شيث فهزمه ، و بعث المختار فمنعه الرماة من دخول الكوفة . و رجع المنهزمون إلى ابن مطيع فدهش فشجعه عمر ابن الحجاج الزبيدي و قال له : أخرج و اندب الناس ففعل . و قام في الناس و وبخهم على هزيمتهم و ندبهم ثم بعث عمر بن الحجاج في ألفين و شمر بن ذي الجوشن في ألفين و نوفل بن مساحق في خمسة آلاف . و وقف هو بكتائبه . و اختلف على القصر شيث بن ربعي فحمل ابن الأشتر على ابن مساحق فهزمه و أسره ، ثم من عليه و دخل ابن مطيع القصر و حاصره إبراهيم محمد الأشتر ثلاثاً و معه يزيد بن أنس و أحمد بن شميط ، و لما اشتد الحصار على ابن مطيع ، أشار عليه بن ربعي بأن يستأمن للمختار ، و يلق بابن الزبير و له ما يعده . فخرج عنهم مساء و نزل دار أبي موسى و أستأمن القوم للمختار فدخل القصر و غدا على الناس في المسجد فخطبهم ، و دعاهم إلى بيعة ابن الحنفية ، فبايعه أشراف الكوفة على الكتاب و السنة ، و اللطف بأهل البيت ، و وعدهم بحسن السيرة و بلغة أن ابن مطيع في دار موسى فبعث إليه بمائة ألف درهم و قال يجهز بهذه . و كان ابن مطيع قد فرق بيوت الأموال على الناس ، و سار ابن مطيع إلى وجهه و ملك الكوفة ، و جعل على شرطته عبد الله بن كامل ، و على حرسه كيسان أبا عمرة ، و جعل الأشراف جلساءه ، و عقد لعبد الله بن الحرث بن الأشتر على أرمينية ، و لمحمد بن عمير بن عطارد على أذربيجان ، و لعبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل ، و لا سحق بن مسعود على المدائن ، و لسعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان . و أمره بقتال الكراد و إصلاح السابلة . و ولى شريحاً على القضاء ثم طعنت فيه الشيعة بأنه شهد على حجر بن عدي ، و لم يبلغ عن هانىء بن عروة رسالته إلى قومه و أن علياً غرمه و أنه عثماني . و سمع ذلك هو فتمارض فجعل مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم مرض فولى مكانه عبد الله بن مالك الطائي .
مسيرة ابن زياد إلى المختار و خلافة أهل الكوفة عليهكان مروان بن الحكم لما استوثق له الشآم بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز مع جيش ابن دلجة القيني و قد شاته و مقتله . و الآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد فكان من أمره و أمر التوابين من الشيعة ما تقدم و أقام محاصراً لزفر بن الحرث بقرقيسيا ، وهو مع قومه قيس على طاعة ابن الزبير ، فاشتغل بهم عن العراق سنة أو نحوها . ثم توفي مروان و ولي بعده عبد الملك فأقره على ولايته و أمره بالجد و يئس من امر زفر و قيس فنهض إلى الموصل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
فخرج عنها عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار إلى تكريت ، و كتب إلى المختار بالخير ، فبعث يزيد بن أنس الأسدي في ثلاثة آلاف إلى الموصل ، فسار إليها على المدائن و سرح ابن زياد للقائة ربيعة بن المختار الغنوي في ثلاثة آلاف فالتقيا ببابل و عبى يزيد أصحابه و هو راكب على حمار و حرضهم ، و قال : إن مت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي و إن هلك فعبد الله بن ضمرة الفزاري ، و إن هلك فسعد الخثعمي . ثم اقتتلوا يوم عرفة و انهزم أهل الشآم و قتل ربيعة ، و سار الفل غير بعيد فلقيهم عبد الله بن حملة الخثعمي قد سرحه ابن زياد في ثلاثة آلاف فرد المنهزمين و عاد القتال يوم الأضحى ، فانهزم أهل الشام و أثخن فيهم أهل الكوفة بالقتل و النهب ، و أسروا منهم ثلثمائة فقتلوهم . و هلك يزيد بن أنس من آخر يومه و قام بأمرهم ورقاء بن عازب خليفتة ، و هاب لقاء ابن زياد بعد يزيد ، و قال : نرجع بموت أميرنا قبل أن يتجرأ علينا أهل الشام بذلك . و انصرف الناس و تقدم الخبر إلى الكوفة فأرجف الناس بالمختار و أشيع أن يزيد قتل و سر المختار رجوع العسكر فسرح إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف و ضم إليه جيش يزيد ثم تأخر ابن زياد فسار لذلك . ثم اجتمع أشراف الكوفة عند شيث بن ربعي و كان شيخهم جاهلياً إسلامياً ، و شكوا من سيرة المختار و إيثاره الموالي عليهم ، و دعوه إلى الوثوب به . فقال : حتى ألقاه و اعذر إليه ، ثم ذهب إليه و ذكر له جميع ما نكروه فوعده الرجوع إلى مرادهم ، و ذكر له شأن الموالي و شركتهم في الفيء فقال : إن أعيتموني عهدكم على قتال بني أمية و ابن الزبير تركتهم فقال : اخرج إليهم بذلك و خرج فلم يرجع . و اجتمع رأيهم على قتاله و هم شيث بن ربعي و محمد بن الأشعث و عبد الرحمن بن سعد بن قيس و شمر بن ذي الجوشن و كعب بن أبي كعب النخعي ، و عبد الرحمن محمد مخنف الأزدي . و قد كان ابن مخنف أشار عليهم بأن يمهلوه لقدوم أهل الشآم و أهل البصرة فيكفونكم أمره قبل أن يقاتلكم بمواليكم و شجعانكم و هم عليكم أشد ، فأبوا من رأيه و قالوا : لا تفسد جماعتنا . ثم خرجوا و شهروا السلاح و قالوا للمختار : اعتزلنا فإن ابن الحنفية لم يبعثك . قال : نبعث إليه الرسل مني و منكم ، و أخذ يعللهم بأمثال هذه المراجعات و كف أصحابه عن قتالهم ينتظر وصول إبراهيم بن الأشتر ، و قد بعث إليه بالرجوع فجاء فرأى القوم مجتمعين ورفاعة بن شداد البجلي يصلي بهم . فلما وصل إبراهيم عبأ المختار أصحابه و سرح بين يديه أحمد ابن شميط البخلي و عبد الله بن كامل الشادي فانهزم أصحابهما و صبرا و مدهما المختار بالفرسان و الرجال فوجا بعد فوج ، و سار ابن الأشتر إلى مصر و فيهم شيث ابن ربعي فقاتلوه فهزمهم فاشتد ابن كامل على اليمن و رجع رفاعة بن شداد أمامهم إلى المختار فقاتل معه حتى قتل من أهل اليمن عبد بن بن سعيد بن قيس ، و الفرات ابن زخر بن قيس ، و عمر بن مخنف ، و خرج أخوه عبد الرحمن فمات و انهزم أهل اليمن هزيمة قبيحة و أسر من الوادعيين خمسمائة أسير فقتل المختار كل من شهد قتل الحسين مهنم فكانوا نصفهم و أطلق الباقين و نادى المختار الأمان إلا من شهد في دماء أهل البيت و فر عمر بن الحجاج الزبيدي ، و كان أشد من حضر قتل الحسين ، فلم يوقف له على خبر و قيل أدركه أصحاب المختار فأخذوا رأسه ، و بعث في طلب شمر بن ذي الجوشن ، فقتل طالبه و انتهى إلى قرية الكلبانية فارتاح يظن أنه نجا . و إذا في قرية أخرى بإزائه أبو عمرة صاحب المختار ، بعثه مسلخةً بينه و بين أهل البصرة ، فنمي إليه خبره فركب إليه فقتله و ألقى شلوه للكلاب و انجلت الوقعة عن سبعمائة و ثمانين قتيلاً أكثرهم من اليمن ، و كان آخر سنة ست و ستين ، و خرج أشراف الناس إلى البصرة و تتبع المختار قتله الحسين و دل على عبيد الله بن أسد الجهني و مالك بن نسير الكندي . و حمل ابن مالك المحاربي بالقادسية فأحضرهم و قتلهم . ثم أحضر زياد بن مالك الضبعي و عمران بن خالد العثري و عبد الرحمن بن أبي حشكارة البجلي ، و عبد الله ابن قيس الخولاني ، و كانوا نهبوا من الورث الذي مع الحسين فقتلهم و أحضر عبد الله أو عبد الرحمن بن طلحة و عبد الله بن وهيب الهمداني ابن عم الأعشى فقتلهم . و أحضر عثمان بن خالد الجهني و أبا أسماء بشر بن سميط القابس ، و كانا مشتركين في قتل عبد الرحمن بن عقيل و في سلبه ، فقتلهما و حرقهما بالنار . و بحث عن خولي بن يزيد الأصبحي صاحب رأس الحسين ، فجيء برأسه و حرق بالنار . ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص بعد أن كان أخذ له الأمان منه عبد الله بن أبي جعدة ابن همبيرة فبعث أبا عمرة فجاءه برأسه و ابنه حفص عنده فقال : تعرف هذا ؟ قال : نعم ! ولا خير في العيش بعده فقتله . و يقال : إن الذي بعث المختار على قتله الحسين أن يزيد بن شراحيل الأنصاري قدم على محمد بن الحنفية ، فقال له ابن الحنفية : يزعم المختار أنه لنا شيعة و قتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه فلما سمع المختار ذلك تتبعهم بالقتل و بعث برأس عمر و ابنه إلى ابن الحنفية و كتب إليه أنه قتل من قدر عليه و هو في طلب الباقين ثم أحضر حكيم بن طفيل الطائي ، و كان رمى الحسين بسهم ، و أصاب سلب العباس ابنه . و جاء عدي بن حاتم يشفع فيه فقتله ابن كامل و الشيعة قبل أن يصل حذراً من قبول المختار شفاعته . و بحث عن مرة بن منقذ بن عبد القيس قاتل علي بن الحسين فدافع عن نفسه و نجا إلى مصعب بن الزبير و قد شلت يده بضربة و بحث عن زيد وفاد الحسين قاتل عبد الله بن مسلم بن عقيل رماه بسهمين و قد وضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته و قتله بالأخرى فخرج بالسيف يدافع . فقال ابن كامل : ارموه بالحجارة فرموه حتى سقط و أحرقوه حياً . و طلب سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين فلحق بالبصرة . و طلب عمر بن صبح الصدائي فقتله طعناً بالرماح ، و أرسل في طلب محمد بن الأشعث و هو في قريته عند القادسية فهرب إلى مصعب و هدم المختار داره . و طلب آخرين كذلك من المتهمين بأمر الحسين فلحقوا بمصعب و هدم دورهم .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
شأن المختار مع ابن الزبير
كان على البصرة الحرث بن أبي ريبعة و هو القباع عاملاً لابن الزبير . و على شرطته عباد بن حسين و على المقاتلة قيس بن الهيثم . و جاء المثنى بن مخرمة العبدي و كان ممن شهد مع سليمان بن صرد ، و رجع فبايع للمختار و بعثه إلى البصرة يدعو له بها فأجابه كثير من الناس ، و عسكر لحرب القباع . فسرح إليه عباد بن حسين و قيس بن الهيثم في العساكر فانهزم المثنى إلى قومه عبد القيس ، و أرسل القباع عسكراً يأتونه به فجاءه زياد بن عمر العنكبي فقال له : لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنهم فأرسل الأحنف بن قيس و أصلح الأمر على أن يخرج المثنى عنهم فسار إلى الكوفة . و قد كان المختار لما أخرج ابن مطيع من البصرة كتب إلى ابن الزبير يخادعه ليتم أمره في الدعاء لأهل البيت ، و طلب المختار في الوفاء بما وعده به الولاية ، فأراد ابن الزبير أن يتبين الصحيح من أمره ، فولى عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام على الكوفة ، و أعلمه بطاعة المختار و بعثه إليها و جاء الخبر إلى المختار ، فبعث زائدة بن قدامة في خمسمائة فارس ، و أعطاه سبعين ألف درهم ، و قال : ادفعها إلى عمر فهي ضعف ما أنفق ، و أمره بالانصراف بعد تمكث ، فإن أبى فأره الخيل فكان كذلك . و لما رأى عمر الخيل أخذ المال و سار نحو البصرة ، و اجتمع هو و ابن مطيع في إمارة القباع قبل وثوب ابن مخرمة . و قيل إن المختار كتب إلى ابن الزبير : إني اتخذت الكوفة داراً فإن سوغتني ذلك و أعطيتني مائة ألف درهم سرت إلى الشام و كفيتك مروان . فمنعه من ذلك فأقام المختار بطاعته و يوادعه ليتفرغ لأهل الشام ثم بعث عبد الملك بن مروان عبد الملك بن الحرث ابن الحكم بن أبي العاص إلى وادي القرى فكتب المختار إلى ابن الزبير يعرض عليه المدد فأجابه أن يعجل بإيفاذ الجيش إلى جند عبد الملك بوادي القرى فسرح شرحبيل ابن دوس الهمداني في ثلاثة آلاف أكريم من الموالي و أمره أن يأتي المدينة و يكاتبه بذلك ، و اتهمه ابن الزبير فبعث من مكة عباس بن سهل بن سعد في ألفين و أمره أن يستنفر العرب و إن رأى من جيش المختار خلافاً ناجزهم و أهلكهم . فلقيهم عباس بالرقيم و هم على تعبية فقال : سيروا بنا إلى العدو الذي بوادي القرى . فقال ابن دوس : إنما أمرني المختار أن آتي المدينة ففطن عباس لما يريد فأتاهم بالعلوفة و الزاد و تخير ألفاً من أصحابه و حمل عليهم فقتل ابن دوس و سبعين معه من شجعان قومه و أمن الباقين فرجعوا للكوفة ، و مات أكثرهم في الطريق . و كتب المختار إلى ابن الحنفية يشكو ابن الزبير ، و يوهمه أنه بعث الجيش في طاعته ، ففعل بهم ابن الزبير ما فعل . و يستأذنه في بعث الجيوش إلى المدينة و يبعث ابن الحنفية عليهم رجلاً من قبله فيفهم الناس أني في طاعتك ، فكتب إليه ابن الحنفية قد عرفت قصدك و وفاءك بحقي و أحب الأمر إلي الطاعة ، فأطلع الله و تجنب دماء المسلمين . فلو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً و الأعوان كثيراً لكني أعتزلهم و أصبر حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين . ثم دعا ابن الزبير محمد بن الحنفية و من معه من أهل بيته و شيعته إلى البيعة فامتنع و بعث إليه ابن الزبير و أغلظ عليه و عليهم ، فاستكانوا و صبروا فتركهم . فلما استولى المختار على الكوفة و أظهر الشيعة دعوة ابن الحنفية خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به ، فاعتزم عليهم في البيعة ، و توعدهم بالقتل ، و حبسهم بزمزم ، و ضرب لهم أجلاً و كتب ابن الحنفية إلى المختار بذلك فأخبر الشيعة و ندبهم و بعث أمراء منهم في نحو ثلثمائة ، عليهم أبو عبد الله الجدلي و بعث لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم و ساروا إلى مكة فدخلوا المسجد الحرام و بأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم و طفقوا ينادون بثأر الحسين ، حتى انتهوا إلى زمزم و أخرج ابن الحنفية و كان قد بقي من أجله يومان ، واستأذنوه في قتال ابن الزبير . فقال : لا استحل القتال في الحرم ثم جاء باقي الجند و خافهم ابن الزبير و خرج ابن الحنفية إلى شعب علي و اجتمع له أربعة آلاف رجل فقسم بينهم المال . و لما قتل المختار و استوثق أمر ابن الزبير بعث إليهم في البيعة فخافه على نفسه و كتب لعبد الملك فأذن له أن يقدم الشام حتى يستقيم أمر الناس و وعده بالإحسان . و خرج ابن الحنفية و أصحابه إلى الشام . و لما وصل مدين لقيه خبر مهلك عمر بن سعيد فندم و أقام بأيلة ، و ظهر في الناس فضله و عبادته و زهده و كتب له عبد الملك أن يبايعه فرجع إلى مكة و نزل شعب أبي طالب ، فأخرجه ابن الزبير فسار إلى الطائف ، و عذل ابن عباس ابن الزبير على شأنه ، ثم خرج عنه و لحق بالطائف و مات هنالك و صلى عليه ابن الحنفية و عاش إلى أن أدرك حصار الحجاج لابن الزبير . و لما قتل ابن الزبير بايع لعبد الملك و كتب عبد الملك إلى الحجاج بتعظيم حقه و بسط أمله ، ثم قدم إلى الشام و طلب من عبد الملك أن يرفع حكم الحجاج عنه ففعل ، و قيل إن ابن الزبير بعث إلى ابن عباس و ابن الحنفية في البيعة حتى يجتمع الناس على إمام ، فإن في هذه فتنة فحبس ابن الحنفية في زمزم و ضيق على ابن عباس في منزله و أراد إحراقهما فأرسل المختار جيشه كما تقدم و نفس عنهما و لما قتل المختار قوى ابن الزبير عليهما فخرجا إلى الطائف .
مقتل ابن زيادو لما فرغ المختار من قتال أهل الكوفة آخر سنة ست و ستين بعث إبراهيم بن الأشتر لقتال ابن زياد و بعث معه وجوه أصحابه و فرسانهم و شيعته و أوصاه ، و بعث معه بالكرسي الذي كان يستنصر به و هو كرسي قد غشاه بالذهب و قال للشيعة : هذا فيكم مثل التابوت في بني إسرائيل ، فكبر شأنه و عظم . و قاتل ابن زياد فكان له الظهور و افتتن به الشيعة ، و يقال : إنه كرسي علي بن أبي طالب ، و إن المختار أخذه من والد جعدة بن هبيرة ، و كانت
كان على البصرة الحرث بن أبي ريبعة و هو القباع عاملاً لابن الزبير . و على شرطته عباد بن حسين و على المقاتلة قيس بن الهيثم . و جاء المثنى بن مخرمة العبدي و كان ممن شهد مع سليمان بن صرد ، و رجع فبايع للمختار و بعثه إلى البصرة يدعو له بها فأجابه كثير من الناس ، و عسكر لحرب القباع . فسرح إليه عباد بن حسين و قيس بن الهيثم في العساكر فانهزم المثنى إلى قومه عبد القيس ، و أرسل القباع عسكراً يأتونه به فجاءه زياد بن عمر العنكبي فقال له : لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنهم فأرسل الأحنف بن قيس و أصلح الأمر على أن يخرج المثنى عنهم فسار إلى الكوفة . و قد كان المختار لما أخرج ابن مطيع من البصرة كتب إلى ابن الزبير يخادعه ليتم أمره في الدعاء لأهل البيت ، و طلب المختار في الوفاء بما وعده به الولاية ، فأراد ابن الزبير أن يتبين الصحيح من أمره ، فولى عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام على الكوفة ، و أعلمه بطاعة المختار و بعثه إليها و جاء الخبر إلى المختار ، فبعث زائدة بن قدامة في خمسمائة فارس ، و أعطاه سبعين ألف درهم ، و قال : ادفعها إلى عمر فهي ضعف ما أنفق ، و أمره بالانصراف بعد تمكث ، فإن أبى فأره الخيل فكان كذلك . و لما رأى عمر الخيل أخذ المال و سار نحو البصرة ، و اجتمع هو و ابن مطيع في إمارة القباع قبل وثوب ابن مخرمة . و قيل إن المختار كتب إلى ابن الزبير : إني اتخذت الكوفة داراً فإن سوغتني ذلك و أعطيتني مائة ألف درهم سرت إلى الشام و كفيتك مروان . فمنعه من ذلك فأقام المختار بطاعته و يوادعه ليتفرغ لأهل الشام ثم بعث عبد الملك بن مروان عبد الملك بن الحرث ابن الحكم بن أبي العاص إلى وادي القرى فكتب المختار إلى ابن الزبير يعرض عليه المدد فأجابه أن يعجل بإيفاذ الجيش إلى جند عبد الملك بوادي القرى فسرح شرحبيل ابن دوس الهمداني في ثلاثة آلاف أكريم من الموالي و أمره أن يأتي المدينة و يكاتبه بذلك ، و اتهمه ابن الزبير فبعث من مكة عباس بن سهل بن سعد في ألفين و أمره أن يستنفر العرب و إن رأى من جيش المختار خلافاً ناجزهم و أهلكهم . فلقيهم عباس بالرقيم و هم على تعبية فقال : سيروا بنا إلى العدو الذي بوادي القرى . فقال ابن دوس : إنما أمرني المختار أن آتي المدينة ففطن عباس لما يريد فأتاهم بالعلوفة و الزاد و تخير ألفاً من أصحابه و حمل عليهم فقتل ابن دوس و سبعين معه من شجعان قومه و أمن الباقين فرجعوا للكوفة ، و مات أكثرهم في الطريق . و كتب المختار إلى ابن الحنفية يشكو ابن الزبير ، و يوهمه أنه بعث الجيش في طاعته ، ففعل بهم ابن الزبير ما فعل . و يستأذنه في بعث الجيوش إلى المدينة و يبعث ابن الحنفية عليهم رجلاً من قبله فيفهم الناس أني في طاعتك ، فكتب إليه ابن الحنفية قد عرفت قصدك و وفاءك بحقي و أحب الأمر إلي الطاعة ، فأطلع الله و تجنب دماء المسلمين . فلو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً و الأعوان كثيراً لكني أعتزلهم و أصبر حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين . ثم دعا ابن الزبير محمد بن الحنفية و من معه من أهل بيته و شيعته إلى البيعة فامتنع و بعث إليه ابن الزبير و أغلظ عليه و عليهم ، فاستكانوا و صبروا فتركهم . فلما استولى المختار على الكوفة و أظهر الشيعة دعوة ابن الحنفية خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به ، فاعتزم عليهم في البيعة ، و توعدهم بالقتل ، و حبسهم بزمزم ، و ضرب لهم أجلاً و كتب ابن الحنفية إلى المختار بذلك فأخبر الشيعة و ندبهم و بعث أمراء منهم في نحو ثلثمائة ، عليهم أبو عبد الله الجدلي و بعث لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم و ساروا إلى مكة فدخلوا المسجد الحرام و بأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم و طفقوا ينادون بثأر الحسين ، حتى انتهوا إلى زمزم و أخرج ابن الحنفية و كان قد بقي من أجله يومان ، واستأذنوه في قتال ابن الزبير . فقال : لا استحل القتال في الحرم ثم جاء باقي الجند و خافهم ابن الزبير و خرج ابن الحنفية إلى شعب علي و اجتمع له أربعة آلاف رجل فقسم بينهم المال . و لما قتل المختار و استوثق أمر ابن الزبير بعث إليهم في البيعة فخافه على نفسه و كتب لعبد الملك فأذن له أن يقدم الشام حتى يستقيم أمر الناس و وعده بالإحسان . و خرج ابن الحنفية و أصحابه إلى الشام . و لما وصل مدين لقيه خبر مهلك عمر بن سعيد فندم و أقام بأيلة ، و ظهر في الناس فضله و عبادته و زهده و كتب له عبد الملك أن يبايعه فرجع إلى مكة و نزل شعب أبي طالب ، فأخرجه ابن الزبير فسار إلى الطائف ، و عذل ابن عباس ابن الزبير على شأنه ، ثم خرج عنه و لحق بالطائف و مات هنالك و صلى عليه ابن الحنفية و عاش إلى أن أدرك حصار الحجاج لابن الزبير . و لما قتل ابن الزبير بايع لعبد الملك و كتب عبد الملك إلى الحجاج بتعظيم حقه و بسط أمله ، ثم قدم إلى الشام و طلب من عبد الملك أن يرفع حكم الحجاج عنه ففعل ، و قيل إن ابن الزبير بعث إلى ابن عباس و ابن الحنفية في البيعة حتى يجتمع الناس على إمام ، فإن في هذه فتنة فحبس ابن الحنفية في زمزم و ضيق على ابن عباس في منزله و أراد إحراقهما فأرسل المختار جيشه كما تقدم و نفس عنهما و لما قتل المختار قوى ابن الزبير عليهما فخرجا إلى الطائف .
مقتل ابن زيادو لما فرغ المختار من قتال أهل الكوفة آخر سنة ست و ستين بعث إبراهيم بن الأشتر لقتال ابن زياد و بعث معه وجوه أصحابه و فرسانهم و شيعته و أوصاه ، و بعث معه بالكرسي الذي كان يستنصر به و هو كرسي قد غشاه بالذهب و قال للشيعة : هذا فيكم مثل التابوت في بني إسرائيل ، فكبر شأنه و عظم . و قاتل ابن زياد فكان له الظهور و افتتن به الشيعة ، و يقال : إنه كرسي علي بن أبي طالب ، و إن المختار أخذه من والد جعدة بن هبيرة ، و كانت
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
أمه أم هانيء بنت أبي طالب فهو ابن أخت علي . ثم أسرع إبراهيم بن الأشتر في السير و أوغل في أرض الموصل ، و كان ابن زياد قد ملكها كما مر . فلما دخل إبرهيم أرض الموصل عبى أصحابه ، و لما بلغ نهر الحارم بعث على مقدمته الطغيل بن لقيط النخعي ، و نزل ابن زياد قريباً من النهر و كانت قيس مطبقة على بني مروان عند المرج ، و جند عبد الملك يومئذ فلقي عمير بن الحباب السلمي إبراهيم بن الأشتر و أوعده أن ينهزم بالميسرة ، و أشار عليه بالمشاجرة و رأى عند ابن الأشتر ميلاً إلى المطاولة فثناه عن ذلك و قال : إنهم ميولا منكم رعباً و أن طاولتهم اجترؤوا عليكم قال : و بذاك أوصاني صاحبي . ثم عبى أصحابه في السحر الأول ، و نزل يمشي و يحرض الناس حتى أشرف على القوم وجاءه عبد الله بن الزبير السلولي بأنهم خرجوا على دهش و فشل و ابن الأشتر يحرض أصحابه و يذكرهم أفعال ابن زياد . ثم التقى الجمعان و حمل الحصين بن نمير من ميمنة أهل الشام على مسيرة إبراهيم فقتل علي بن مالك الخثعمي ، ثم أخذ الراية فرد بن علي فقتل ، و انهزمت الميسرة ، فأخذ الراية عبد الله بن ورقاء بن جنادة السلولي ، و رجع بالمنهزمين إلى الميسرة كما كانوا . و حملت ميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد و هم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب كما وعدهم فمنعته الأنفة من ذلك و قاتل قتالاً شديداً . و قصد ابن الأشتر قلب العسكر و سواده الأعظم ، فاقتتلوا أشد قتال حتى كانت أصوات الضرب بالحديد كأصوات القصارين ، و إبراهيم يقول لصاحب رايته : إنغمس برأيتك فيهم . ثم حملوا حملة رجل واحد فانهزم أصحاب ابن زياد . و قال ابن الأشتر إني قتلت رجلاً تحت راية منفردة شممت منه رائحة المسك و ضربته بسيفي فقصمته نصفين فالتمسوه فإذا هو ابن زياد فأخذت رأسه و أحرقت جثته . و حمل شريك جدير الثعلبي على الحصين بن نمير فاعتقله و جاء أصحابه فقتلوا الحصين . و يقال إن الذي قتل ابن زيد هو ابن جدير هذا ، و قتل شرحبيل بن ذي الكلاع و ادعى قتله سفيان بن يزيد الأزدي وورقاء بن عازب الأزدي ، و عبيد الله بن زهير السلمي و اتبع أصحاب ابن الأشتر المنهزمين فغرق في النهر أكبر ممن قتل ، و غنموا جميع ما في العسكر و طرأ ابن الأشتر بالبشارة إلى المختار فأتته بالمدائن و أنفذ ابن الأشتر عماله إلى البلاد فبعث أخاه عبد الرحمن على نصيبين ، و غلب على سنجار و دارا و ما والاهما من أرض الجزيرة . و ولى زفر بن الحرث قبس و حاتم بن النعمان الباهلي حران و الرهاء و شمشاط و عمير بن الحباب السلمي كفرنوبي و طور عبدين و أقام بالموصل و أنفذ رؤوس عبيد الله و قواده إلى المختار .
مسير مصعب إلى المختار و قتله إياهكان ابن الزبير في أول سنة سبع و ستين أو آخر ست عزل الحرث بن ربيعة و هو القباع و ولى مكانه أخاه مصعباً فقدم البصرة و صعد المنبر و جاء الحرث فأجلسه مصعب تحته بدرجة ثم خطب و قرأ الآيات من أول القصص و نزل و لحق به أشراف الكوفة حتى قربوا من المختار ، و دخل عليه شيث بن ربعي و هو ينادي واغوثاه ! ثم قدم محمد بن الأشعث بعده و استوثقوه إلى المسير و بعث إلى المهلب بن أبي الصفرة و هو عامله على فارس ليحضر معه قتال المختار فأبطأ و أغفل فأرسل إليه محمد بن الأشعث بكتابه ، فقال المهلب : ما وجد مصعب بريداً غيرك ؟ فقال : ما أنا ببريد و لكن غلبنا عبيدنا على أبنائنا و حرمنا فأقبل معه المهلب بالجموع و الأموال و عسكر مصعب عند الجسر فأرسل عبد الرحمن بن محنف إلىالكوفة و سرا ليثبط الناس عن المختار و يدعوا إلى ابن الزبير و سار على التعبية و بعث في مقدمته عباد بن الحصين الحبطي التميمي و على ميمنته عمر بن عبيد الله بن معمر ، و على ميسرته المهلب و بلغ الخبر المختار فقام في أصحابه ، و قربهم إلى الخروج مع ابن شميط و عسكر محمد في أعفر و بعث رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر مع ابن شميط و أصحابه فثبتوا و حمل المهلب من الميسرة على ابن كامل فثبت مع كر المهلب و حمل حملة منكرة و صبر ابن كامل قليلاً و انهزموا و حمل الناس جميعاً على ابن شميط فانهزم و قتل و استمر القتل في الرجالة و بعث مصعب عباداً فقتل كل أسير أخذه . و تقدم محمد بن الأشعث في خيل من أهل الكوفة فلم يدركوا منهزماً إلا قتلوه . و لما فرغ مصعب منهم أقبل فقطع الفرات من موضع واسط و حملوا الضعفاء و أثقالهم في السفن ثم خرجوا إلى نهر الفرات و سار إلى الكوفة . و لما بلغ المختار خبر الهزيمة و من قتل من أصحابه و أن مصعباً أقبل إليه في البر و البحر سار إلى مجتمع الأنهار نهر الجزيرة و المسلحين و القادسية و نهر يسر فسكر الفرات فذهب ماؤه في الأنهار . و بقيت سفن أهل البصرة في الطين فخرجوا إلى السكر و ازالوه و قصدوا الكوفة . و سار إلى المختار و نزل حر وراء بعد أن حصن القصر و أدخل عدة الحصار ، و أقبل مصعب و على ميمنته المهلب ، و على ميسرته عمر بن عبيد الله ، و على الخيل عباد بن الحصين ، و جعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندي ، و على ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني و على الخيل عمر بن عبيد الله النهدي . و نزل محمد بن الأشعث فيمن هرب من أهل الكوفة بين العسكريين . و لما التقى الجمعان اقتتلوا ساعة و حمل عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي على من بإزائه فحطم أصحاب المختار حطمة منكرة و كشفوهم ، و حمل مالك بن عمر النهدي في الرجالة عند المساء على ابن الأشعث حملة منكرة فقتل ابن الأشعث و عامة أصحابه ، و قتل عبيد الله بن علي بن أبي طالب و قاتل المختار . ثم افترق الناس و دخل القصر و سار مصعب من الغد فنزل السبخة و قطع عنهم الميرة و كان الناس يأتونهم بالقليل من الطعام و الشراب خفية ففطن مصعب لذلك فمنعه و أصابهم العطش فكانوا يصبون العسل في الآبار و يشربون . ثم إن المختار أشار على أصحابه بالاستماتة فتحنط و تطيب و خرج في عشرين رجلاً منهم السائب بن مسلك الأشعري فعذله فقال : ويحك يا أحمق وثب ابن الزبير بالحجاز ، و وثب بجدة باليمامة ، و ابن مروان بالشام فكنت كأحدهم إلا أني طلبت بثأر أهل البيت إذ نامت عقد العرب ، فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية . ثم تقدم فقاتل حتى قتل على يد رجلين من بني حنيفة أخوين طرفة و طراف ابني عبد الله بن دجاجة . و كان عبد الله بن جعدة بن هبيرة لما رأى عزم المختار على الاستماتة تدلى من القصر ، و اختفى عند بعض إخوانه ، ثم بعث الذين بقوا بالقصر إلى مصعب و نزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين و أشار عليه المهلب باستبقائهم ، فاعترضه أشراف أهل الكوفة ، و رجع إلى رأيهم . ثم أمر بكف المختار ابن أبي عبيد فقطعت و سمرت إلى جانب المسجد فلم ينزعها من هنالك إلا الحجاج . و قتل زوجه عمرة بنت النعمان بن بشير زعمت أن المختار فاستأذن أخاه عبد الله و قتلها . ثم كتب مصعب إلى ابراهيم بن الأشتر يدعوه إلى طاعته ، و وعده بولاية أعنة الخيل و ما غلب عليه من المغربة . و كتب إليه عبد الملك بولاية العراق ، و اختلف عليه أصحابه فجنح إلى مصعب خشية مما أصاب ابن زياد و أشراف أهل الشام و كتب إلى مصعب بالإجابة و سار إليه فبعث على عمله بالموصل و الجزيرة و أرمينية و أذربيجان المهلب بن أبي صفرة . و قيل إن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة و إنه بعث على مقدمته أحمد بن شميط ، و بعث مصعب عباد الحبطي و معه عبيد الله بن علي بن أبي طالب ، و تراضوا ليلاً ، فناجزهم المختار من ليلته و انكشف أصحاب مصعب إلى عسكرهم و اشتد القتال و قتل أصحاب مصعب جماعة منهم محمد بن الشعث فلما أصبح المختار وجد أصحابه قد توغلوا في أصحاب مصعب و ليس عنده أحد فانصرف و دخل قصر الكوفة و فقد أصحابه فلحقوا به ، و دخل القصر معه ثمانية آلاف منهم . و أقبل مصعب فحاصرهم أربعة أشهر يقاتلهم بالسيوف كل يوم حتى قتل ، و طلب الذين في القصر الأمان من مصعب و نزلوا على حكمه فقتلهم جميعاً ، و كانوا ستة آلاف رجل . و لما ملك مصعب الكوفة بعث عبد الله بن الزبير ابنه حمزة على البصرة مكان مصعب فأساء السيرة و قصر بالأشراف ففزعوا إلى مالك بن مسمع ، فخرج إلى الجسر و بعث إلى حمزة أن الحق بأبيك . و كتب الأحنف إلى أبيه أن يعزله عنهم و يعيد لهم مصعباً ففعل و خرج حمزة بالأموال فعرض له مالك بن مسمع و قال : لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن له عمر بن عبيد الله العطاء فكف عنه . و قيل إن عبيد الله بن الزبير إنما رد مصعباً إلى البصرة عند وفادته عليه بعد سنة من قتل المختار . و لما ورده إلى البصرة استعمل عمر بن عبيد الله بن معمر على فارس و ولاه حرب الأزارقة . و كان المهلب على حربهم أيام مصعب و حمزة ، فلما رد مصعباً أراد أن يولي المهلب الموصل و
مسير مصعب إلى المختار و قتله إياهكان ابن الزبير في أول سنة سبع و ستين أو آخر ست عزل الحرث بن ربيعة و هو القباع و ولى مكانه أخاه مصعباً فقدم البصرة و صعد المنبر و جاء الحرث فأجلسه مصعب تحته بدرجة ثم خطب و قرأ الآيات من أول القصص و نزل و لحق به أشراف الكوفة حتى قربوا من المختار ، و دخل عليه شيث بن ربعي و هو ينادي واغوثاه ! ثم قدم محمد بن الأشعث بعده و استوثقوه إلى المسير و بعث إلى المهلب بن أبي الصفرة و هو عامله على فارس ليحضر معه قتال المختار فأبطأ و أغفل فأرسل إليه محمد بن الأشعث بكتابه ، فقال المهلب : ما وجد مصعب بريداً غيرك ؟ فقال : ما أنا ببريد و لكن غلبنا عبيدنا على أبنائنا و حرمنا فأقبل معه المهلب بالجموع و الأموال و عسكر مصعب عند الجسر فأرسل عبد الرحمن بن محنف إلىالكوفة و سرا ليثبط الناس عن المختار و يدعوا إلى ابن الزبير و سار على التعبية و بعث في مقدمته عباد بن الحصين الحبطي التميمي و على ميمنته عمر بن عبيد الله بن معمر ، و على ميسرته المهلب و بلغ الخبر المختار فقام في أصحابه ، و قربهم إلى الخروج مع ابن شميط و عسكر محمد في أعفر و بعث رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر مع ابن شميط و أصحابه فثبتوا و حمل المهلب من الميسرة على ابن كامل فثبت مع كر المهلب و حمل حملة منكرة و صبر ابن كامل قليلاً و انهزموا و حمل الناس جميعاً على ابن شميط فانهزم و قتل و استمر القتل في الرجالة و بعث مصعب عباداً فقتل كل أسير أخذه . و تقدم محمد بن الأشعث في خيل من أهل الكوفة فلم يدركوا منهزماً إلا قتلوه . و لما فرغ مصعب منهم أقبل فقطع الفرات من موضع واسط و حملوا الضعفاء و أثقالهم في السفن ثم خرجوا إلى نهر الفرات و سار إلى الكوفة . و لما بلغ المختار خبر الهزيمة و من قتل من أصحابه و أن مصعباً أقبل إليه في البر و البحر سار إلى مجتمع الأنهار نهر الجزيرة و المسلحين و القادسية و نهر يسر فسكر الفرات فذهب ماؤه في الأنهار . و بقيت سفن أهل البصرة في الطين فخرجوا إلى السكر و ازالوه و قصدوا الكوفة . و سار إلى المختار و نزل حر وراء بعد أن حصن القصر و أدخل عدة الحصار ، و أقبل مصعب و على ميمنته المهلب ، و على ميسرته عمر بن عبيد الله ، و على الخيل عباد بن الحصين ، و جعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندي ، و على ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني و على الخيل عمر بن عبيد الله النهدي . و نزل محمد بن الأشعث فيمن هرب من أهل الكوفة بين العسكريين . و لما التقى الجمعان اقتتلوا ساعة و حمل عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي على من بإزائه فحطم أصحاب المختار حطمة منكرة و كشفوهم ، و حمل مالك بن عمر النهدي في الرجالة عند المساء على ابن الأشعث حملة منكرة فقتل ابن الأشعث و عامة أصحابه ، و قتل عبيد الله بن علي بن أبي طالب و قاتل المختار . ثم افترق الناس و دخل القصر و سار مصعب من الغد فنزل السبخة و قطع عنهم الميرة و كان الناس يأتونهم بالقليل من الطعام و الشراب خفية ففطن مصعب لذلك فمنعه و أصابهم العطش فكانوا يصبون العسل في الآبار و يشربون . ثم إن المختار أشار على أصحابه بالاستماتة فتحنط و تطيب و خرج في عشرين رجلاً منهم السائب بن مسلك الأشعري فعذله فقال : ويحك يا أحمق وثب ابن الزبير بالحجاز ، و وثب بجدة باليمامة ، و ابن مروان بالشام فكنت كأحدهم إلا أني طلبت بثأر أهل البيت إذ نامت عقد العرب ، فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية . ثم تقدم فقاتل حتى قتل على يد رجلين من بني حنيفة أخوين طرفة و طراف ابني عبد الله بن دجاجة . و كان عبد الله بن جعدة بن هبيرة لما رأى عزم المختار على الاستماتة تدلى من القصر ، و اختفى عند بعض إخوانه ، ثم بعث الذين بقوا بالقصر إلى مصعب و نزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين و أشار عليه المهلب باستبقائهم ، فاعترضه أشراف أهل الكوفة ، و رجع إلى رأيهم . ثم أمر بكف المختار ابن أبي عبيد فقطعت و سمرت إلى جانب المسجد فلم ينزعها من هنالك إلا الحجاج . و قتل زوجه عمرة بنت النعمان بن بشير زعمت أن المختار فاستأذن أخاه عبد الله و قتلها . ثم كتب مصعب إلى ابراهيم بن الأشتر يدعوه إلى طاعته ، و وعده بولاية أعنة الخيل و ما غلب عليه من المغربة . و كتب إليه عبد الملك بولاية العراق ، و اختلف عليه أصحابه فجنح إلى مصعب خشية مما أصاب ابن زياد و أشراف أهل الشام و كتب إلى مصعب بالإجابة و سار إليه فبعث على عمله بالموصل و الجزيرة و أرمينية و أذربيجان المهلب بن أبي صفرة . و قيل إن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة و إنه بعث على مقدمته أحمد بن شميط ، و بعث مصعب عباد الحبطي و معه عبيد الله بن علي بن أبي طالب ، و تراضوا ليلاً ، فناجزهم المختار من ليلته و انكشف أصحاب مصعب إلى عسكرهم و اشتد القتال و قتل أصحاب مصعب جماعة منهم محمد بن الشعث فلما أصبح المختار وجد أصحابه قد توغلوا في أصحاب مصعب و ليس عنده أحد فانصرف و دخل قصر الكوفة و فقد أصحابه فلحقوا به ، و دخل القصر معه ثمانية آلاف منهم . و أقبل مصعب فحاصرهم أربعة أشهر يقاتلهم بالسيوف كل يوم حتى قتل ، و طلب الذين في القصر الأمان من مصعب و نزلوا على حكمه فقتلهم جميعاً ، و كانوا ستة آلاف رجل . و لما ملك مصعب الكوفة بعث عبد الله بن الزبير ابنه حمزة على البصرة مكان مصعب فأساء السيرة و قصر بالأشراف ففزعوا إلى مالك بن مسمع ، فخرج إلى الجسر و بعث إلى حمزة أن الحق بأبيك . و كتب الأحنف إلى أبيه أن يعزله عنهم و يعيد لهم مصعباً ففعل و خرج حمزة بالأموال فعرض له مالك بن مسمع و قال : لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن له عمر بن عبيد الله العطاء فكف عنه . و قيل إن عبيد الله بن الزبير إنما رد مصعباً إلى البصرة عند وفادته عليه بعد سنة من قتل المختار . و لما ورده إلى البصرة استعمل عمر بن عبيد الله بن معمر على فارس و ولاه حرب الأزارقة . و كان المهلب على حربهم أيام مصعب و حمزة ، فلما رد مصعباً أراد أن يولي المهلب الموصل و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
الجزيرة و أرمينية ليكون بينه و بين عبد الملك فاستقدمه و استخلف على عمله المغيرة . فلما قدم البصرة عزله مصعب عن حرب الخوارج و بلاد فارس و استعمل عليها عمر بن عبيد الله بن معمر فكان له في حروبهم ما نذكره في أخبار الخوارج .
خلاف عمر بن سعيد الأشرف و مقتله
كان عبد الملك بعد رجوعه من قنسرين اقام بدمشق زماناً ، ثم سار لقتال زخر بن الحرث الكلابي بقرقيسيا ، و استخلف على دمشق عبد الرحمن بن أمر الحكم الثفقي ابن اخته ، و سار معه عمر بن سعيد . فلما بلغ بطنان انتقض عمر و أسرى ليلاً إلى دمشق ، و هرب ابن أم الحكم عنها فدخلها عمر و هدم داره ، و اجتمع إليه الناس فخطبهم و وعدهم و جاء عبد الملك على أثره فحاصره بدمشق و وقع بينهما القتال أياماً ثم اصطلحا وكتب بينهما كتاباً و أمنه عبد الملك فخرج إليه عمر و دخل عبد الملك دمشق فأقام أربعة أيام ثم بعث إلى عمر ليأتيه ، فقال له عبد الله بن يزيد بن معاوية و هو صهره و كان عنده : لا تأتيه فإني أخشى عليك منه فقال : و الله لو كنت نائماً ما أيقظني ! و وعد الرسول بالرواح إليه ، ثم أتى بالعشي و لبس درعه تحت القباء ، و مضى في مائة من مواليه وقد جمع عبد الملك عنده بني مروان وحسان بن نجد الكلبي و قبيصة بن ذؤيب الخزاعي و أذن لعمر فدخل . و لم يزل أصحابه يجلسون عند كل باب حتى بلغوا قاعة الدار و ما معه إلا غلام واحد و نظر إلى عبد الملك و الجماعة حوله فأحس بالشر و قال للغلام : إنطلق إلى أخي يحيى و قل له يأتيني ، فلم يفهم عنه و أعاد عليه فيجيبه الغلام لبيك و هو لا يفهم فقال له : أغرب عني . ثم أذن عبد الملك لحسان و قبيصة فلقيا عمر ، و دخل فأجلسه معه على السرير و حادثه زمناً ، ثم أمر بنزع السيف عنه فأنكر ذلك عمر و قال : اتق الله يا أمير المؤمنين ! فقال له عبد الملك أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟ فأخذ عنه السيف ؟ ثم قال له عبد الملك : يا أبا أمية إنك حين خلعتني حلفت بيمين إن أنا رأيتك بحيث أقدر عليك أن أجعلك في جامعة ، فقال بنو مروان ثم تطلقه يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ! و ما عسيت أن أصنع بأبي أمية ؟ فقال بنو مروان : أبر قسم أمير المؤمنين يا أبا أمية فقال عمر : قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين فأخرج من تحته فراشه جامعة و أمر غلاماً فجمعه فيها و سأله أن لا يخرجه على رؤوس الناس فقال أمكراً عند الموت ؟ ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته ثم سأل الإبقاء فقال عبد الملك : و الله لو علمت أنك تبقى إن أبقيت عليك و تصلح قريش لأبقيتك ، و لكن لا يجتمع رجلان مثلنا في بلد فشتمه عمر و خرج عبد الملك إلى الصلاة و أمر أخاه عبد العزيز بقتله . فلما قام إليه بالسيف ذكره الرحم ، فأمسك عنه و جلس و رجع عبد الملك من الصلاة و غلقت الأبواب ، فغلظ لعبد العزيز ثم تناول عمر فذبحه بيده و قيل أمر غلامه بن الزغير فقتله و فقد الناس عمر مع عبد الملك حين خرج إلى الصلاة فأقبل أخوه يحيى في أصحابه و عبيده و كانوا ألفاً ، و معه حميد بن الحرث وحريث و زهير بن الأبرد فهتفوا باسمه ثم كسروا باب المقصورة و ضربوا بالسيوف ، و خرج الوليد بن عبد الملك و اقتتلوا ساعة ثم خرج عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفي بالرأس فألقاه إلى الناس و ألقى إليهم عبد العزيز بن مروان بدر الأموال فانتهبوها و افترقوا . ثم خرج عبد الملك إلى الناس و سأل عن الوليد فأخبر بجراحته و أتى بيحيى بن سعيد و أخيه عنبسة فحبسهما و حبس بني عمر بن سعيد ثم أخرجهم جميعاً و ألحقهم بمصعب ، حتى حضروا عنده بعد قتل مصعب فأمنهم و وصلهم . و كان بنو عمر أربعة أمية و سعد و إسماعيل و محمد . و لما حضروا عنده ، قال : أنتم أهل بيت ترون لكم على جميع قومكم فضلاً لن يجعله الله لكم ، و الذي كان بيني و بين أبيكم لم يكن حديثاً بل كان قديماً في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية فقال سعيد : يا أمير المؤمنين تعد علينا أمراً كان في الجاهلية و الإسلام قد هدم ذلك و وعد جنة و حذر ناراً ، و أما عمر فهو ابن عمك و قد وصل إلى الله و أنت أعلم بما صنعت ، و إن أحد ثنا به فبطن الأرض خير لنا من ظهرها فرق لهم عبد الملك و قال : أبوكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله و اخترت قتله على قتلتي ، و أما أنتم فما أرغبني فيكم و أوصلني لقرابتكم و أحسن حالتهم . و قيل إن عمر إنما كان خلفه و قتله حين سار عبد الملك لقتال مصعب طلبه أن يجعل له العهد بعده كما فعل أبوه فلم يجبه إلى ذلك ، فرجع إلى دمشق فعصى و امتنع بها و كان قتله سنة تسعة و ستين .
مسير عبد الملك إلى العراق و مقتل مصعب
و لما صفا الشام لعبد الملك اعتزم على غزو العراق و أتته الكتب من أشرافهم يدعونه فاستمهله أصحابه فأبى ، وسار نحو العراق و بلغ مصعباً سيره فأرسل إلى المهلب بن أبي صفرة و هو بفارس في قتال الخوارج يستشيره و قد كان عزل عمر بن عبيد الله بن معمر عن فارس و حرب الخوارج ، و ولى مكانه المهلب و ذلك حين استخلف على الكوفة . و جاء خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد على البصرة مختفيا ، و أعيد لعبد الملك ابن مسمع في بكر بن وائل و الأزد ، و أمد عبد الملك بعبيد الله ابن زياد بن ضبيان و حاز بهم عمر بن عبيد الله بن معمر ثم صالحهم على أن يخرجوا خالداً فأخرجوه و جاء مصعب و قد طمع أن يدرك خالداً فوجده قد خرج فسخط على ابن معمر و سب أصحابه و ضربهم و هدم دورهم و حلقهم و هدم دار مالك بن مسمع و استباحها . و عزل ابن معمر عن فارس و ولى المهلب و خرج إلى الكوفة فلم يزل بها حتى سار للقاء عبد الملك و كان معه الأحنف فتوفي بالكوفة و لما بعث عن المهلب ليسير معه أهل البصرة إلا أن يكون المهلب على قتال الخوارج رده و قال له المهلب إن أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك و كاتبهم فلا يتعدى ثم بعث مصعب عن إبراهيم بن الأشتر و كان على الموصل و الجزيرة فجعله في مقدمته و سار حتى عسكر في معسكره ، و سار عبد الملك و على مقدمته أخوه محمد ابن مروان ، و خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد ، فنزلوا قريباً من قرقيسيا . و حضر زفر ابن الحرث الكلابي ، ثم صالحه و بعث زفر معه الهذيل ابنه في عسكر و سار معه فنزل بمسكن قريباً من مسكن مصعب و فر الهذيل بن زفر فلحق بمصعب ، و كتب عبد الملك إلى أهل العراق و كتبوا إليه و كلهم بشرط أصفهان و أتى ابن الأشتر بكتاب مختوما إلى مصعب فقرأه ، فإذا هو يدعوه إلى نفسه و يجعل له ولاية العراق فأخبره مصعب بما فيه و قال مثل و قال مثل هذا ألا يرغب عنه فقال إبراهيم ما كنت لأتقلد الغدر و الخيانة و لقد كتب عبد الملك لأصحابك كلهم مثل هذا فأطعن و اقتلهم أو احسبهم في أضيق محبس ، فأبى عليه مصعب و أضمر أهل العراق الغدر بمصعب . و عذلهم قيس بن الهيثم منهم في طاعة أهل الشام فأعرضوا عنه . و لما تدانى العسكران بعث عبد الملك إلى مصعب بقول ، فقال : نجعل الأمر شورى فقال مصعب : ليس بيننا إلا السيف فقدم عبد الملك أخاه محمداً و قدم مصعب إبراهيم بن الأشتر و أمده بالجيش ، فأزال محمداً عن موقفه ، و أمده عبد الملك بعبيد الله بن يزيد فاشتد القتال و قتل من أصحاب مصعب بن عمر الباهلي والد قتيبة ، و أمد مصعب إبراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم و نكره . و قال أوصيته لا يمدني بعتاب و أمثاله و كان قد بايع لعبد الملك فجر الهزيمة على إبراهيم و قتله و حمل رأسه إلى عبد الملك .و تقدم أهل الشام فقاتل مصعب و دعا رؤس العراق إلى القتال فاعتذروا و تثاقلوا فدنا محمد بن مروان بن مصعب و ناداه بالأمان و أشعره بأهل العراق فأعرض عنه ، فنادى ابنه عيسى بن مصعب فأذن له أبوه في لقائه فجاءه و بذل له الأمان و أخبر أباه فقال : أتظنهم يعرفون لك ذلك ؟ فإن أحببت فافعل قال : لا يتحدث نساء قريش أني رغبت بنفسي عنك . قال : فاذهب إلى عمك بمكة فأخبره بصنيع أهل العراق و دعني ، فإني مقتول . فقال : لا أخبر قريشاً عنك أبداً ، و لكن إلحق أنت بالبصرة فإنهم على الطاعة أو بأمير المؤمنين بمكة فقال : لا يتحدث قريش أني فررت . ثم قال لعيسى : تقدم يا بني أحتسبك فتقدم في ناس فقتل و قتلوا . و ألح عبد الملك في قبول أمانه فأبى و دخل سرادقه فتحفظ ورمى السرادق و خرج فقاتل و دعاه عبيد الله بن زياد بن ضبيان فشتمه و حمل عليه و ضربه فجرحه . و خذل أهل العراق مصعباً حتى بقي في سبعة أنفس ، و أثخنته الجراحة فرجع إليه عبيد الله بن زياد ابن ضبيان فقتله و جاء برأسه إلى عبد الملك فأمر له بألف دينار فلم يأخذها . و قال : إنما قتلته بثأر أخي . و كان قطع الطريق فقتله صاحب شرطته و قيل : إن الذي قتله زائدة بن قدامة الثقفي من أصحاب المختار و أخذ عبيد الله رأسه و أمر عبد الملك به و بابنه عيسى فدفنا بدار
خلاف عمر بن سعيد الأشرف و مقتله
كان عبد الملك بعد رجوعه من قنسرين اقام بدمشق زماناً ، ثم سار لقتال زخر بن الحرث الكلابي بقرقيسيا ، و استخلف على دمشق عبد الرحمن بن أمر الحكم الثفقي ابن اخته ، و سار معه عمر بن سعيد . فلما بلغ بطنان انتقض عمر و أسرى ليلاً إلى دمشق ، و هرب ابن أم الحكم عنها فدخلها عمر و هدم داره ، و اجتمع إليه الناس فخطبهم و وعدهم و جاء عبد الملك على أثره فحاصره بدمشق و وقع بينهما القتال أياماً ثم اصطلحا وكتب بينهما كتاباً و أمنه عبد الملك فخرج إليه عمر و دخل عبد الملك دمشق فأقام أربعة أيام ثم بعث إلى عمر ليأتيه ، فقال له عبد الله بن يزيد بن معاوية و هو صهره و كان عنده : لا تأتيه فإني أخشى عليك منه فقال : و الله لو كنت نائماً ما أيقظني ! و وعد الرسول بالرواح إليه ، ثم أتى بالعشي و لبس درعه تحت القباء ، و مضى في مائة من مواليه وقد جمع عبد الملك عنده بني مروان وحسان بن نجد الكلبي و قبيصة بن ذؤيب الخزاعي و أذن لعمر فدخل . و لم يزل أصحابه يجلسون عند كل باب حتى بلغوا قاعة الدار و ما معه إلا غلام واحد و نظر إلى عبد الملك و الجماعة حوله فأحس بالشر و قال للغلام : إنطلق إلى أخي يحيى و قل له يأتيني ، فلم يفهم عنه و أعاد عليه فيجيبه الغلام لبيك و هو لا يفهم فقال له : أغرب عني . ثم أذن عبد الملك لحسان و قبيصة فلقيا عمر ، و دخل فأجلسه معه على السرير و حادثه زمناً ، ثم أمر بنزع السيف عنه فأنكر ذلك عمر و قال : اتق الله يا أمير المؤمنين ! فقال له عبد الملك أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟ فأخذ عنه السيف ؟ ثم قال له عبد الملك : يا أبا أمية إنك حين خلعتني حلفت بيمين إن أنا رأيتك بحيث أقدر عليك أن أجعلك في جامعة ، فقال بنو مروان ثم تطلقه يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ! و ما عسيت أن أصنع بأبي أمية ؟ فقال بنو مروان : أبر قسم أمير المؤمنين يا أبا أمية فقال عمر : قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين فأخرج من تحته فراشه جامعة و أمر غلاماً فجمعه فيها و سأله أن لا يخرجه على رؤوس الناس فقال أمكراً عند الموت ؟ ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته ثم سأل الإبقاء فقال عبد الملك : و الله لو علمت أنك تبقى إن أبقيت عليك و تصلح قريش لأبقيتك ، و لكن لا يجتمع رجلان مثلنا في بلد فشتمه عمر و خرج عبد الملك إلى الصلاة و أمر أخاه عبد العزيز بقتله . فلما قام إليه بالسيف ذكره الرحم ، فأمسك عنه و جلس و رجع عبد الملك من الصلاة و غلقت الأبواب ، فغلظ لعبد العزيز ثم تناول عمر فذبحه بيده و قيل أمر غلامه بن الزغير فقتله و فقد الناس عمر مع عبد الملك حين خرج إلى الصلاة فأقبل أخوه يحيى في أصحابه و عبيده و كانوا ألفاً ، و معه حميد بن الحرث وحريث و زهير بن الأبرد فهتفوا باسمه ثم كسروا باب المقصورة و ضربوا بالسيوف ، و خرج الوليد بن عبد الملك و اقتتلوا ساعة ثم خرج عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفي بالرأس فألقاه إلى الناس و ألقى إليهم عبد العزيز بن مروان بدر الأموال فانتهبوها و افترقوا . ثم خرج عبد الملك إلى الناس و سأل عن الوليد فأخبر بجراحته و أتى بيحيى بن سعيد و أخيه عنبسة فحبسهما و حبس بني عمر بن سعيد ثم أخرجهم جميعاً و ألحقهم بمصعب ، حتى حضروا عنده بعد قتل مصعب فأمنهم و وصلهم . و كان بنو عمر أربعة أمية و سعد و إسماعيل و محمد . و لما حضروا عنده ، قال : أنتم أهل بيت ترون لكم على جميع قومكم فضلاً لن يجعله الله لكم ، و الذي كان بيني و بين أبيكم لم يكن حديثاً بل كان قديماً في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية فقال سعيد : يا أمير المؤمنين تعد علينا أمراً كان في الجاهلية و الإسلام قد هدم ذلك و وعد جنة و حذر ناراً ، و أما عمر فهو ابن عمك و قد وصل إلى الله و أنت أعلم بما صنعت ، و إن أحد ثنا به فبطن الأرض خير لنا من ظهرها فرق لهم عبد الملك و قال : أبوكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله و اخترت قتله على قتلتي ، و أما أنتم فما أرغبني فيكم و أوصلني لقرابتكم و أحسن حالتهم . و قيل إن عمر إنما كان خلفه و قتله حين سار عبد الملك لقتال مصعب طلبه أن يجعل له العهد بعده كما فعل أبوه فلم يجبه إلى ذلك ، فرجع إلى دمشق فعصى و امتنع بها و كان قتله سنة تسعة و ستين .
مسير عبد الملك إلى العراق و مقتل مصعب
و لما صفا الشام لعبد الملك اعتزم على غزو العراق و أتته الكتب من أشرافهم يدعونه فاستمهله أصحابه فأبى ، وسار نحو العراق و بلغ مصعباً سيره فأرسل إلى المهلب بن أبي صفرة و هو بفارس في قتال الخوارج يستشيره و قد كان عزل عمر بن عبيد الله بن معمر عن فارس و حرب الخوارج ، و ولى مكانه المهلب و ذلك حين استخلف على الكوفة . و جاء خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد على البصرة مختفيا ، و أعيد لعبد الملك ابن مسمع في بكر بن وائل و الأزد ، و أمد عبد الملك بعبيد الله ابن زياد بن ضبيان و حاز بهم عمر بن عبيد الله بن معمر ثم صالحهم على أن يخرجوا خالداً فأخرجوه و جاء مصعب و قد طمع أن يدرك خالداً فوجده قد خرج فسخط على ابن معمر و سب أصحابه و ضربهم و هدم دورهم و حلقهم و هدم دار مالك بن مسمع و استباحها . و عزل ابن معمر عن فارس و ولى المهلب و خرج إلى الكوفة فلم يزل بها حتى سار للقاء عبد الملك و كان معه الأحنف فتوفي بالكوفة و لما بعث عن المهلب ليسير معه أهل البصرة إلا أن يكون المهلب على قتال الخوارج رده و قال له المهلب إن أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك و كاتبهم فلا يتعدى ثم بعث مصعب عن إبراهيم بن الأشتر و كان على الموصل و الجزيرة فجعله في مقدمته و سار حتى عسكر في معسكره ، و سار عبد الملك و على مقدمته أخوه محمد ابن مروان ، و خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد ، فنزلوا قريباً من قرقيسيا . و حضر زفر ابن الحرث الكلابي ، ثم صالحه و بعث زفر معه الهذيل ابنه في عسكر و سار معه فنزل بمسكن قريباً من مسكن مصعب و فر الهذيل بن زفر فلحق بمصعب ، و كتب عبد الملك إلى أهل العراق و كتبوا إليه و كلهم بشرط أصفهان و أتى ابن الأشتر بكتاب مختوما إلى مصعب فقرأه ، فإذا هو يدعوه إلى نفسه و يجعل له ولاية العراق فأخبره مصعب بما فيه و قال مثل و قال مثل هذا ألا يرغب عنه فقال إبراهيم ما كنت لأتقلد الغدر و الخيانة و لقد كتب عبد الملك لأصحابك كلهم مثل هذا فأطعن و اقتلهم أو احسبهم في أضيق محبس ، فأبى عليه مصعب و أضمر أهل العراق الغدر بمصعب . و عذلهم قيس بن الهيثم منهم في طاعة أهل الشام فأعرضوا عنه . و لما تدانى العسكران بعث عبد الملك إلى مصعب بقول ، فقال : نجعل الأمر شورى فقال مصعب : ليس بيننا إلا السيف فقدم عبد الملك أخاه محمداً و قدم مصعب إبراهيم بن الأشتر و أمده بالجيش ، فأزال محمداً عن موقفه ، و أمده عبد الملك بعبيد الله بن يزيد فاشتد القتال و قتل من أصحاب مصعب بن عمر الباهلي والد قتيبة ، و أمد مصعب إبراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم و نكره . و قال أوصيته لا يمدني بعتاب و أمثاله و كان قد بايع لعبد الملك فجر الهزيمة على إبراهيم و قتله و حمل رأسه إلى عبد الملك .و تقدم أهل الشام فقاتل مصعب و دعا رؤس العراق إلى القتال فاعتذروا و تثاقلوا فدنا محمد بن مروان بن مصعب و ناداه بالأمان و أشعره بأهل العراق فأعرض عنه ، فنادى ابنه عيسى بن مصعب فأذن له أبوه في لقائه فجاءه و بذل له الأمان و أخبر أباه فقال : أتظنهم يعرفون لك ذلك ؟ فإن أحببت فافعل قال : لا يتحدث نساء قريش أني رغبت بنفسي عنك . قال : فاذهب إلى عمك بمكة فأخبره بصنيع أهل العراق و دعني ، فإني مقتول . فقال : لا أخبر قريشاً عنك أبداً ، و لكن إلحق أنت بالبصرة فإنهم على الطاعة أو بأمير المؤمنين بمكة فقال : لا يتحدث قريش أني فررت . ثم قال لعيسى : تقدم يا بني أحتسبك فتقدم في ناس فقتل و قتلوا . و ألح عبد الملك في قبول أمانه فأبى و دخل سرادقه فتحفظ ورمى السرادق و خرج فقاتل و دعاه عبيد الله بن زياد بن ضبيان فشتمه و حمل عليه و ضربه فجرحه . و خذل أهل العراق مصعباً حتى بقي في سبعة أنفس ، و أثخنته الجراحة فرجع إليه عبيد الله بن زياد ابن ضبيان فقتله و جاء برأسه إلى عبد الملك فأمر له بألف دينار فلم يأخذها . و قال : إنما قتلته بثأر أخي . و كان قطع الطريق فقتله صاحب شرطته و قيل : إن الذي قتله زائدة بن قدامة الثقفي من أصحاب المختار و أخذ عبيد الله رأسه و أمر عبد الملك به و بابنه عيسى فدفنا بدار
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
الجاثليق عند نهر رحبيل و كان ذلك إحدى و سبعين . ثم دعا عبد الملك جند العراق إلى البيعة فبايعوه و سار إلى الكوفة فأقام بالنخيلة أربعين يوماً و خطب الناس فوعد المحسن ، و طلب يحيى بن سعيد من جعفة و كانوا أخواله فأحضروه فأمنه و ولى أخاه بشر بن مروان على الكوفة و محمد بن نمير على همدان و يزيد بن ورقاء بن رويم على الري و لم يف لهم بأصبهان كما شرطوا عليه ، و كان عبد الله بن يزيد بن أسد والد خالد القسري ، و يحيى بن معتوق الهمداني قد لجئا إلى علي بن عبد الله بن عباس و لجأ هذيل بن زفر بن الحرث و عمر بن يزيد الحكمي إلى خالد بن يزيد فأمنهم عبد الملك و صنع عمر بن حريث لعبد الملك طعاماً فأخبره بالخورنق و أذن للناس عامة فدخلوا ، و جاء عمر بن حريث فأجلسه معه على سريره و طعم الناس . ثم طاف مع عمر بن حريث على القصر يسأله عن مساكنه و معالمه و لما بلغ عبد الله بن حازم مسير مصعب لقتال عبد الملك قال : أمعه عمر بن معمر ؟ قيل : هو على فارس . قال : فالمهلب قيل : في قتال الخوارج ، قال : فعباد بن الحسين ؟ قيل على البصرة . قال : و أنا بخراسان !
خديني فجريني جهاراً و أنشدي بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
ثم بعث عبد الملك برأس مصعب إلى الكوفة ، ثم إلى الشام فنصب بدمشق و أرادوا التطاوف به فمنعت من ذلك زوجة عبد الملك عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته و دفنته . و انتهى قتل مصعب إلى المهلب و هو يحارب الأزارقة فبايع الناس لعبد الملك بن مروان و لما جاء خبر مصعب لعبد الله بن الزبير خطب الناس فقال : الحمد لله الذي له الخلق و الأمر يؤتي الملك من يشاء ، و ينزع الملك ممن يشاء ، و يعز من يشاء ، و يذل من يشاء ، ألا و إنه لم يذل الله من كان الحق معه و إن كان الناس عليه طراً . و قد أتانا من العراق خبر أحزننا و أفرحنا أتانا قتل مصعب فالذي أفرحنا منه أن قتله شهادة و أما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة يحدها حميمه عند المصيبة ثم عبد من عبيد الله و عون من أعواني ألا و إن أهل العراق ، أهل الغدر و النفاق سلموه و باعوه بأقل الثمن فإن فو الله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص و الله ما قتل رجل منهم في الجاهلية و لا في الإسلام و لا نموت إلا طعناً بالرماح و تحت ظلال السيوف . ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه و لا يبيد ملكه ، فإن تقبل لا آخذها أخذ البطور ، و إن تدبر لم أبك عليها بكاء الضرع المهين . أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم . و لما بلغ الخبر إلى البصرة تنازع ولايتها حمدان بن أبان و عبد الله بن أبي بكرة و استعان حمدان بعبد الله ابن الأهتم عليها ، و كانت له منزلة عند بني أمية ، فلما تمهد الأمر بالعراق لعبد الملك بعد مصعب ولى على البصرة خالد بن عبد الله بن أسيد ، فاستخلف عليها عبيد الله بن أبي بكرة ، فقدم على حمدان و عزله حتى جاء خالد ، ثم عزل خالداً سنة ثلاث و سبعين و ولى مكانه على البصرة أخاه بشراً و جمع له المصرين و سار بشر إلى البصرة و استخلف على الكوفة عمر بن حريث و ولى عبد الملك على الجزيرة و أرمينية بعد قتل مصعب أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث و ستين ، فغزا الروم و مزقهم بعد أن كان هادن ملك الروم أيام الفتنة على ألف دينار يدفعها إليه في كل يوم .
أمر زفر بن الحرث بقرقيسيا
قد ذكرنا في وقعة راهط مسير بن زفر إلى قرقيسيا و اجتماع قيس عليه و أقام بها يدعو لابن الزبير و لما ولي عبد الملك كتب إلى أبان بن عقبة بن أبي معيط ، و هو على حمص بالمسير إلى زفر ، فسار و على مقدمته عبد الله بن رميت العلائي فعاجله عبد الله بالحرب و قتل من أصحابه نحو ثلثمائة ثم أقبل أبان فواقع زفر ، و قيل ابنه وكيع بن زفر و أوهنه . ثم سار إليه عبد الملك إلى قرقيسيا قبل مسيره إلى مصعب فحاصره و نصب عليه المجانيق و قال : كلب لعبد الملك لا تخلط معنا القيسية ، فإنهم ينهزمون إذا التقينا مع زفر ففعل . و اشتد حصارهم و كان زفر يقاتلهم في كل غداة و أمر ابنه الهذيل يوماً أن يحمل زفر حتى يضرب فسطاط عبد الملك ففعل و قطع بعض أطنابه ، ثم بعث عبد الملك أخاه بالأمان لزفر و ابنه الهذيل على أنفسهما و من معهما و أن لهم ما أحبوا فأجاب الهذيل و أدخل أباه في ذلك . و قال : عبد الملك لنا خير من ابن الزبير فأجاب على أن له الخيار في بيعته سنة . و أن ينزل حيث شاء و لا يعين على ابن الزبير و بينما الرسل تختلف بينهم إذ قيل لعبد الملك قد هدم من المدينة أربعة أبراج ، فترك الصلح و زحف إليهم ، فكشفوا أصحابه إلى عسكرهم و رجع إلى الصلح و استقر بينهم على الأمان ووضع الدماء و الأموال . و أن لا يبايع لعبد الملك حتى يموت ابن الزبير للبيعة التي له في عنقه ، و أن يدفع إليه مال نفسه في أصحابه و تأخر زفر عن لقاء عبد الملك خوفاً من فعلته بعمر بن سعيد . فأرسل إليه بقضيب النبي صلى الله عليه و سلم فجاء إليه و أجلسه عبد الملك معه على سريره و زوج إبنه مسلمة الرباب بنت زفر و سار عبد الملك إلى قتال مصعب فبعث زفر ابنه الهذيل معه بعسكر و لما قارب مصعباً هرب إليه و قاتل مع ابن الأشتر حتى إذا اقتتلوا اختفى الهذيل في الكوفة حتى أمنه عبد الملك كما مر .
مقتل ابن حازم بخراسان و ولاية بكير بن وشاح عليها
قد تقدم لنا خلاف بني تميم على ابن حازم بخراسان و أنهم كانوا على ثلاث فرق ، و كف فرقتين منهم . و بقي يقاتل الفرقة الثالثة من نيسابور و عليهم بجير بن ورقاء الصريمي فلما قتل مصعب بعث عبد الملك إلى حازم يدعوه إلى البيعة و يطعمه خراسان سبع سنين . و بعث الكتاب مع رجل من بني عامر بن صعصعة . فقال ابن حازم : لولا الفتنة بين سليم و عامر و لكن كل كتابك فأكله و كان بكير بن وشاح التميمي خليفة بن حازم على مرو ، فكتب إليه عبد الملك بعهده على خراسان و رغبه بالمطامع إن انتهى ، فخلع ابن الزبير و دعا إلى عبد الملك و أجابه أهل مرو و بلغ ابن حازم فخاف أن يأتيه بكير و يجتمع عليه أهل مرو و أهل نيسابور فترك بجيراً و ارتحل عنه إلى مرو و يزيد ابنه يترمد فأتبعه بجير و لحقه قريباً من مرو و اقتتلوا فقتل ابن حازم . طعنه بجير و آخران معه فصرعوه و قعد أحدهم على صدره فقطع رأسه و بعث بجير البشير بذلك إلى عبد الملك و ترك الرأس و جاء بكير بن وشاح في أهل مرو و أراد إنفاذ الرأس إلى عبد الملك و أنه الذي قتل ابن حازم و أقام في ولاية خراسان . و قيل إن ذلك إنما كان بعد قتل ابن الزبير و أن عبد الملك أنفذ رأسه إلى ابن حازم و دعاه إلى البيعة فغسل الرأس و كفنه و بعثه إلى ابن الزبير بالمدينة و كان من شأنه مع الرسول و مع بجير و بكير ما ذكرناه .كان عبد الملك لما بويع بالشام بعث إلى المدينة عروة بن أنيف في ستة آلاف من أهل الشام و أمره أن يسكن بالعرصة و لا يدخل المدينة و عامل ابن الزبير يومئذ على المدينة الحرث بن حاطب بن الحرث بن معمر الجمعي ، فهرب الحرث و أقام ابن أنيف شهراً يصلي بالناس الجمعة بالمدينة و يعود إلى معسكره ثم رجع ابن أنيف إلى الشام و رجع الحرث إلى المدينة و بعث ابن الزبير بن خالد الدورقي على خيبر و فدك . ثم بعث عبد الملك إلى الحجاز عبد الملك بن الحرث بن الحكم في أربعة آلاف فنزل وادي القرى ، و بعث سرية إلى سليمان بخيبر و هرب و أدركوه فقتلوه و من معه و أقاموا بخيبر و عليهم ابن القمقام و ذكر لعبد الملك ذلك فاغتم و قال قتلوا رجلاً صالحاً بغير ذنب . ثم عزل ابن الزبير الحرث بن حاطب عن المدينة و ولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري فبعث جابر إلى خيبر أبا بكر بن أبي قيس في ستمائة فانهزم ابن القمقام و أصحابه أمامه و قتلوا صبراً . ثم بعث عبد الملك طارق بن عمر مولى عثمان ، و أمره أن ينزل بين أيلة و وادي القرى ، و يعمل كما يعمل عمال ابن الزبير من الانتشار ، و ليسد خللاً إن ظهر له بالحجاز ، فبعث طارق خيلاً إلى أبي بكير بخيبر و اقتتلوا فأصيب أبو بكير في مائتين من أصحابه و كتب ابن الزبير إلى القباع و هو عامله على البصرة يستمده ألفي فارس إلى المدينة فبعثهم القباع و أمر ابن الزبير جابر ابن الأسود أن يسيرهم إلى قتال طارق ففعل و لقيهم فهزمهم و قتل مقدمهم ، و قتل من أصحابه خلقا و أجهز على جريحهم و لم يستبق أسيرهم ، و رجع إلى وادي القرى . ثم عزل ابن الزبير جابراً عن المدينة و استعمل طلحة بن عبد الله بن عوف ، و هو طلحة النداء و ذلك سنة سبعين . فلم يزل على المدينة حتى أخرجه طارق و لما قتل عبد الملك مصعباً و دخل الكوفة وبعث منها الحجاج بن يوسف الثقفي في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال ابن الزبير ، و كتب معه بالأمان لابن الزبير و من معه إن أطاعوا فسار في جمادى سنة إثنتين و سبعين ، فلم يتعرض للمدينة و نزل الطائف . و كان يبعث الخيل إلى عرفة و يلقاهم هناك خيل ابن الزبير فيهزمون دائماً و تعود خيل الحجاج بالظفر . ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بضعف ابن الزبير و تفرق أصحابه و يستأذنه في دخول الحرم لحصار ابن الزبير و يستمده ، فكتب عبد الملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجاج فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين و سبعين ، و أخرج عنها طلحة النداء عامل ابن الزبير ، و ولى مكانه رجلاً من أهل الشام و سار إلى الحجاج بمكة في خمسة آلاف . و لما قدم الحجاج مكة أحرم بحجه و نزل بئر ميمون و حج بالناس و لم يطف و لا سعى ، و حصر ابن الزبير عن عرفة فنحر بدنة بمكة و لم يمنع الحاج من الطواف و السعي . ثم نصب الحجاج المنجنيق على أبي قبيس و رمى به الكعبة و كان ابن عمر قد حج تلك السنة فبعث إلى الحجاج بالكف عن المنجنيق لأجل الطائفين ففعل ، و نادى منادي الحجاج عند الإفاضة انصرفوا فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير ، و رمى بالمنجنيق على الكعبة و ألحت الصواعق عليهم في يومين و قتلت من أصحاب الشام رجالاً فذعروا . فقال لهم الحجاج لا شك فهذه صواعق تهامة و إن الفتح قد حضر فأبشروا . ثم أصابت الصواعق من أصحاب ابن الزبير فسرى عن أهل الشام فكانت الحجارة تقع بين يدي ابن الزبير و هو يصلي فلا ينصرف و لم يزل القتال بينهم ، و غلت الأسعار و أصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح ابن الزبير فرسه و قسم لحمها في أصحابه و يبعت الدجاجة بعشرة دراهم و المد من الذرة بعشرين و بيوت ابن الزبير ممملوأة قمحاً و شعيراً و ذرةً و تمراً و لا ينفق منها إلا ما يمسك الرمق ، يقوي بها نفوس أصحابه . ثم أجهدهم . ثم أجهدهم الحصار و بعث الحجاج إلى أصحاب ابن الزبير بالأمان فخرج إليهم منهم نحو عشرة آلاف ، و افترق الناس عنه و كان ممن فارقه ابناه حمزة و حبيب ، و أقام ابنه الزبير حتى قتل معه . و حرض الناس الحجاج و قال : قد ترون قلة أصحاب ابن الزبير و ما هم فيه من الجهد و الضيق فتقدموا و املؤا ما بين الحجون و الأبواء فدخل ابن الزبير على أمه أسماء و قال يا أمه قد خذلني الناس حتى ولدي و القوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك ؟ فقالت له : أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق و تدعو إليه فامض له فقد قتل عليه أصحابك ، و لا تمكن من رقبتك و قد بلغت بها علمين بين بني أمية . و إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك و من قتل معك و إن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الأحرار و لا أهل الدين فقال : يا أمه أخاف أن يمثلوا بي و يصلبوني فقالت : يا بني الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ ، فامض على بصيرتك و استعن بالله فقبل رأسها و قال هذا رأيي و الذي خرجت به داعياً إلى يومي هذا ، و ما ركنت إلى الدنيا و لا أحببت الحياة و ما أخرجني إلا الغضب لله و أن تستحل حرماته ، و لكن أحببت أن أعلم
خديني فجريني جهاراً و أنشدي بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
ثم بعث عبد الملك برأس مصعب إلى الكوفة ، ثم إلى الشام فنصب بدمشق و أرادوا التطاوف به فمنعت من ذلك زوجة عبد الملك عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته و دفنته . و انتهى قتل مصعب إلى المهلب و هو يحارب الأزارقة فبايع الناس لعبد الملك بن مروان و لما جاء خبر مصعب لعبد الله بن الزبير خطب الناس فقال : الحمد لله الذي له الخلق و الأمر يؤتي الملك من يشاء ، و ينزع الملك ممن يشاء ، و يعز من يشاء ، و يذل من يشاء ، ألا و إنه لم يذل الله من كان الحق معه و إن كان الناس عليه طراً . و قد أتانا من العراق خبر أحزننا و أفرحنا أتانا قتل مصعب فالذي أفرحنا منه أن قتله شهادة و أما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة يحدها حميمه عند المصيبة ثم عبد من عبيد الله و عون من أعواني ألا و إن أهل العراق ، أهل الغدر و النفاق سلموه و باعوه بأقل الثمن فإن فو الله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص و الله ما قتل رجل منهم في الجاهلية و لا في الإسلام و لا نموت إلا طعناً بالرماح و تحت ظلال السيوف . ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه و لا يبيد ملكه ، فإن تقبل لا آخذها أخذ البطور ، و إن تدبر لم أبك عليها بكاء الضرع المهين . أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم . و لما بلغ الخبر إلى البصرة تنازع ولايتها حمدان بن أبان و عبد الله بن أبي بكرة و استعان حمدان بعبد الله ابن الأهتم عليها ، و كانت له منزلة عند بني أمية ، فلما تمهد الأمر بالعراق لعبد الملك بعد مصعب ولى على البصرة خالد بن عبد الله بن أسيد ، فاستخلف عليها عبيد الله بن أبي بكرة ، فقدم على حمدان و عزله حتى جاء خالد ، ثم عزل خالداً سنة ثلاث و سبعين و ولى مكانه على البصرة أخاه بشراً و جمع له المصرين و سار بشر إلى البصرة و استخلف على الكوفة عمر بن حريث و ولى عبد الملك على الجزيرة و أرمينية بعد قتل مصعب أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث و ستين ، فغزا الروم و مزقهم بعد أن كان هادن ملك الروم أيام الفتنة على ألف دينار يدفعها إليه في كل يوم .
أمر زفر بن الحرث بقرقيسيا
قد ذكرنا في وقعة راهط مسير بن زفر إلى قرقيسيا و اجتماع قيس عليه و أقام بها يدعو لابن الزبير و لما ولي عبد الملك كتب إلى أبان بن عقبة بن أبي معيط ، و هو على حمص بالمسير إلى زفر ، فسار و على مقدمته عبد الله بن رميت العلائي فعاجله عبد الله بالحرب و قتل من أصحابه نحو ثلثمائة ثم أقبل أبان فواقع زفر ، و قيل ابنه وكيع بن زفر و أوهنه . ثم سار إليه عبد الملك إلى قرقيسيا قبل مسيره إلى مصعب فحاصره و نصب عليه المجانيق و قال : كلب لعبد الملك لا تخلط معنا القيسية ، فإنهم ينهزمون إذا التقينا مع زفر ففعل . و اشتد حصارهم و كان زفر يقاتلهم في كل غداة و أمر ابنه الهذيل يوماً أن يحمل زفر حتى يضرب فسطاط عبد الملك ففعل و قطع بعض أطنابه ، ثم بعث عبد الملك أخاه بالأمان لزفر و ابنه الهذيل على أنفسهما و من معهما و أن لهم ما أحبوا فأجاب الهذيل و أدخل أباه في ذلك . و قال : عبد الملك لنا خير من ابن الزبير فأجاب على أن له الخيار في بيعته سنة . و أن ينزل حيث شاء و لا يعين على ابن الزبير و بينما الرسل تختلف بينهم إذ قيل لعبد الملك قد هدم من المدينة أربعة أبراج ، فترك الصلح و زحف إليهم ، فكشفوا أصحابه إلى عسكرهم و رجع إلى الصلح و استقر بينهم على الأمان ووضع الدماء و الأموال . و أن لا يبايع لعبد الملك حتى يموت ابن الزبير للبيعة التي له في عنقه ، و أن يدفع إليه مال نفسه في أصحابه و تأخر زفر عن لقاء عبد الملك خوفاً من فعلته بعمر بن سعيد . فأرسل إليه بقضيب النبي صلى الله عليه و سلم فجاء إليه و أجلسه عبد الملك معه على سريره و زوج إبنه مسلمة الرباب بنت زفر و سار عبد الملك إلى قتال مصعب فبعث زفر ابنه الهذيل معه بعسكر و لما قارب مصعباً هرب إليه و قاتل مع ابن الأشتر حتى إذا اقتتلوا اختفى الهذيل في الكوفة حتى أمنه عبد الملك كما مر .
مقتل ابن حازم بخراسان و ولاية بكير بن وشاح عليها
قد تقدم لنا خلاف بني تميم على ابن حازم بخراسان و أنهم كانوا على ثلاث فرق ، و كف فرقتين منهم . و بقي يقاتل الفرقة الثالثة من نيسابور و عليهم بجير بن ورقاء الصريمي فلما قتل مصعب بعث عبد الملك إلى حازم يدعوه إلى البيعة و يطعمه خراسان سبع سنين . و بعث الكتاب مع رجل من بني عامر بن صعصعة . فقال ابن حازم : لولا الفتنة بين سليم و عامر و لكن كل كتابك فأكله و كان بكير بن وشاح التميمي خليفة بن حازم على مرو ، فكتب إليه عبد الملك بعهده على خراسان و رغبه بالمطامع إن انتهى ، فخلع ابن الزبير و دعا إلى عبد الملك و أجابه أهل مرو و بلغ ابن حازم فخاف أن يأتيه بكير و يجتمع عليه أهل مرو و أهل نيسابور فترك بجيراً و ارتحل عنه إلى مرو و يزيد ابنه يترمد فأتبعه بجير و لحقه قريباً من مرو و اقتتلوا فقتل ابن حازم . طعنه بجير و آخران معه فصرعوه و قعد أحدهم على صدره فقطع رأسه و بعث بجير البشير بذلك إلى عبد الملك و ترك الرأس و جاء بكير بن وشاح في أهل مرو و أراد إنفاذ الرأس إلى عبد الملك و أنه الذي قتل ابن حازم و أقام في ولاية خراسان . و قيل إن ذلك إنما كان بعد قتل ابن الزبير و أن عبد الملك أنفذ رأسه إلى ابن حازم و دعاه إلى البيعة فغسل الرأس و كفنه و بعثه إلى ابن الزبير بالمدينة و كان من شأنه مع الرسول و مع بجير و بكير ما ذكرناه .كان عبد الملك لما بويع بالشام بعث إلى المدينة عروة بن أنيف في ستة آلاف من أهل الشام و أمره أن يسكن بالعرصة و لا يدخل المدينة و عامل ابن الزبير يومئذ على المدينة الحرث بن حاطب بن الحرث بن معمر الجمعي ، فهرب الحرث و أقام ابن أنيف شهراً يصلي بالناس الجمعة بالمدينة و يعود إلى معسكره ثم رجع ابن أنيف إلى الشام و رجع الحرث إلى المدينة و بعث ابن الزبير بن خالد الدورقي على خيبر و فدك . ثم بعث عبد الملك إلى الحجاز عبد الملك بن الحرث بن الحكم في أربعة آلاف فنزل وادي القرى ، و بعث سرية إلى سليمان بخيبر و هرب و أدركوه فقتلوه و من معه و أقاموا بخيبر و عليهم ابن القمقام و ذكر لعبد الملك ذلك فاغتم و قال قتلوا رجلاً صالحاً بغير ذنب . ثم عزل ابن الزبير الحرث بن حاطب عن المدينة و ولى مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري فبعث جابر إلى خيبر أبا بكر بن أبي قيس في ستمائة فانهزم ابن القمقام و أصحابه أمامه و قتلوا صبراً . ثم بعث عبد الملك طارق بن عمر مولى عثمان ، و أمره أن ينزل بين أيلة و وادي القرى ، و يعمل كما يعمل عمال ابن الزبير من الانتشار ، و ليسد خللاً إن ظهر له بالحجاز ، فبعث طارق خيلاً إلى أبي بكير بخيبر و اقتتلوا فأصيب أبو بكير في مائتين من أصحابه و كتب ابن الزبير إلى القباع و هو عامله على البصرة يستمده ألفي فارس إلى المدينة فبعثهم القباع و أمر ابن الزبير جابر ابن الأسود أن يسيرهم إلى قتال طارق ففعل و لقيهم فهزمهم و قتل مقدمهم ، و قتل من أصحابه خلقا و أجهز على جريحهم و لم يستبق أسيرهم ، و رجع إلى وادي القرى . ثم عزل ابن الزبير جابراً عن المدينة و استعمل طلحة بن عبد الله بن عوف ، و هو طلحة النداء و ذلك سنة سبعين . فلم يزل على المدينة حتى أخرجه طارق و لما قتل عبد الملك مصعباً و دخل الكوفة وبعث منها الحجاج بن يوسف الثقفي في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال ابن الزبير ، و كتب معه بالأمان لابن الزبير و من معه إن أطاعوا فسار في جمادى سنة إثنتين و سبعين ، فلم يتعرض للمدينة و نزل الطائف . و كان يبعث الخيل إلى عرفة و يلقاهم هناك خيل ابن الزبير فيهزمون دائماً و تعود خيل الحجاج بالظفر . ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بضعف ابن الزبير و تفرق أصحابه و يستأذنه في دخول الحرم لحصار ابن الزبير و يستمده ، فكتب عبد الملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجاج فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين و سبعين ، و أخرج عنها طلحة النداء عامل ابن الزبير ، و ولى مكانه رجلاً من أهل الشام و سار إلى الحجاج بمكة في خمسة آلاف . و لما قدم الحجاج مكة أحرم بحجه و نزل بئر ميمون و حج بالناس و لم يطف و لا سعى ، و حصر ابن الزبير عن عرفة فنحر بدنة بمكة و لم يمنع الحاج من الطواف و السعي . ثم نصب الحجاج المنجنيق على أبي قبيس و رمى به الكعبة و كان ابن عمر قد حج تلك السنة فبعث إلى الحجاج بالكف عن المنجنيق لأجل الطائفين ففعل ، و نادى منادي الحجاج عند الإفاضة انصرفوا فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير ، و رمى بالمنجنيق على الكعبة و ألحت الصواعق عليهم في يومين و قتلت من أصحاب الشام رجالاً فذعروا . فقال لهم الحجاج لا شك فهذه صواعق تهامة و إن الفتح قد حضر فأبشروا . ثم أصابت الصواعق من أصحاب ابن الزبير فسرى عن أهل الشام فكانت الحجارة تقع بين يدي ابن الزبير و هو يصلي فلا ينصرف و لم يزل القتال بينهم ، و غلت الأسعار و أصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح ابن الزبير فرسه و قسم لحمها في أصحابه و يبعت الدجاجة بعشرة دراهم و المد من الذرة بعشرين و بيوت ابن الزبير ممملوأة قمحاً و شعيراً و ذرةً و تمراً و لا ينفق منها إلا ما يمسك الرمق ، يقوي بها نفوس أصحابه . ثم أجهدهم . ثم أجهدهم الحصار و بعث الحجاج إلى أصحاب ابن الزبير بالأمان فخرج إليهم منهم نحو عشرة آلاف ، و افترق الناس عنه و كان ممن فارقه ابناه حمزة و حبيب ، و أقام ابنه الزبير حتى قتل معه . و حرض الناس الحجاج و قال : قد ترون قلة أصحاب ابن الزبير و ما هم فيه من الجهد و الضيق فتقدموا و املؤا ما بين الحجون و الأبواء فدخل ابن الزبير على أمه أسماء و قال يا أمه قد خذلني الناس حتى ولدي و القوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك ؟ فقالت له : أنت أعلم بنفسك إن كنت على حق و تدعو إليه فامض له فقد قتل عليه أصحابك ، و لا تمكن من رقبتك و قد بلغت بها علمين بين بني أمية . و إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك و من قتل معك و إن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الأحرار و لا أهل الدين فقال : يا أمه أخاف أن يمثلوا بي و يصلبوني فقالت : يا بني الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ ، فامض على بصيرتك و استعن بالله فقبل رأسها و قال هذا رأيي و الذي خرجت به داعياً إلى يومي هذا ، و ما ركنت إلى الدنيا و لا أحببت الحياة و ما أخرجني إلا الغضب لله و أن تستحل حرماته ، و لكن أحببت أن أعلم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
فقد زدتيني بصيرة و إني يا أمه في يومي هذا مقتول فلا يشتد حزنك و سلمي لأمر الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر و لا عمد بفاحشة و لم يجر و لم يغدر و لم يظلم و لم يقر على الظلم ، و لم يكن آثر عندي من رضا الله تعالى . اللهم لا أقر هذا تزكية لنفسي لكن تعزية لأمي حتى تسلو عني فقالت : إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلاً إن تقدمتني احتسبتك و إن ظفرت سررت بظفرك . ثم قالت : أخرج حتى أنظر ما يصير أمرك جزاك الله خيراً . قال : فلا تدعي الدعاء لي ، فدعت له و ودعها و ودعته و لما عانقته للوداع وقعت يدها على الدرع فقالت : ما هذا صنيع من يريد ما تريد ! فقال : ما لبستها إلا لأشد منك فقالت : إنه لا يشد مني فنزعها و قالت له إلبس ثيابك مشمرة ثم خرج فحمل على أهل الشام حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو و أصحابه و أشار عليه بعضهم بالفرار فقال : بئس الشيخ إذن أنا في الإسلام إذا واقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم و امتلأت أبواب المسجد بأهل الشام و الحجاج و طارق بناحية الأبطح إلى المروة و ابن الزبير يحمل على هؤلاء و ينادي أبا صفوان لعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف فيجيبه من جانب المعترك و لما رأى الحجاج إحجام الناس عن ابن الزبير غضب و ترجل و حمل إلى صاحب الراية بين يديه فتقدم ابن الزبير إليهم و كشفهم عنه و لرجع فصلى ركعتين عند المقام و حملوا على صاحب الراية فقتلوه عند باب بني شيبة و أخذوا الراية ثم قاتلهم و ابن مطيع معه حتى قتل و يقال أصابته جراحة فمات منها بعد أيام . و يقال : إنه قال : لأصحابه يوم قتل : يا آل الزبير أوطبتم لي نفساً عن أنفسكم كأهل بيت من العرب اصطلمنا في الله ؟ فلا يرعكم وقع السيوف فإن ألم الدواء في الجرح أشد من ألم وقعها ، صونوا سيوفكم بما تصونون وجوهكم و غضوا أبصاركم عن البارقة و ليشغل كل امرئ قرنه و لا تسألوا عني ، و من كان سائلا فإني في الرعيل الأول ثم حمل حتى بلغ الحجون فأصابته حجارة في وجه فأرغش لها و دمى وجهه . ثم قاتل قتالاً شديداً و قتل في جمادى الآخر سنة ثلاث و سبعين و حمل رأسه إلى الحجاج فسجد ، و كبر أهل الشام و ثار الحجاج و طارق حتى وقفا عليه ، و بعث الحجاج برأسه و رأس عبد الله بن صفوان و رأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى عبد الملك و صلب جثته منكسة على ثنية الحجون اليمنى . و بعثت إليه أسماء في دفنه فأبى ، و كتب إليه عبد الملك يلومه على ذلك فخلى بينها و بينه و لما قتل عبد الله ركب أخوه عروة و سبق الحجاج إلى عبد الملك فرحب به و أجلسه على سريره ، و جرى ذكر عبد الله فقال عروة : إنه كان ! فقال عبد الملك : و ما فعل ؟ قال : قتل فخر ساجداً . ثم أخبره عروة أن الحجاج صلبه فاستوهب جثته لأمه فقال : نعم ، و كتب إلى الحجاج ينكر عليه صلبه فبعث بجثته إلى أمه و صلى عليه عروة و دفنه و ماتت أمه بعده قريباً . و لما فرغ الحجاج من ابن الزبير دخل إلى مكة فبايعه أهلها لعبد الملك و أمر بكنس المسجد من الحجارة و الدم و سار إلى المدينة و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
كانت من عمله فأقام بها شهرين و أساء إلى أهلها و قال : أنتم قتلة عثمان و ختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافاً بهم كما يفعل بأهل الذمة ، منهم جابر بن عبد الله و أنس بن مالك و سهل بن سعد ثم عاد إلى مكة و نقلت عنه في ذم المدينة أقوال قبيحة أمره فيها إلى الله ، و قيل إن ولاية الحجاج المدينة و ما دخل منها كانت سنة أربع و سبعين و إن عبد الملك عزل عنها طارقاً و استعمله . ثم هدم الحجاج بناء الكعبة الذي بناه ابن الزبير و أخرج الحجرمنه و أعاده إلى البناء الذي أقره عليه النبي صلى الله عليه و سلم . و لم يصدق ابن الزبير في الحديث الذي رواه عن عائشة . فلما صح عنده بعد ذلك قال وددت أني تركته و ما تحمل .
ولاية المهلب حرب الأزارقة
و لما عزل الملك بن خالد بن عبد الله عن البصرة و استعمل مكانه أخاه بشر بن مروان و جمع له المصرين أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة فيمن ينتخبه من أهل البصرة و يترك وراءه في الحرب ، و أن يبعث من أهل الكوفة رجلاً شريفاً معروفاً بالبأس و النجدة في جيش كثيف إلى المهلب ، فيتبعوا الخوارج حتى يهلكوهم فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ينتخب الناس من الديوان . و شق على بشر أن امرأة المهلب جاءت من عند عبد الملك ، فغص به و دعا عبد الرحمن بن مخنف فأعلمه منزلته عنده و قال : إني أوليك جيش الكوفة بحرب الأزارقة فكن عند حسن ظني بك أخذ يغريه بالمهلب و أن لا يقبل رأيه و لا مشورته ، فأظهر له الوفاق و سار إلى المهلب فنزلوا رامهرمز و لقي بها الخوارج فحدق عليه على ميل من المهلب حيث يتراءى العسكران . ثم أتاهم نعي بشر بن مروان لعشر ليال من مقدمهم و أنه استخلف على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد فافترق الناس من أهل المصرين إلى بلادهم ، و نزلوا الأهواز و كتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم و يحذرهم عقوبة عبد الملك إن لم يرجعوا إلى المهلب فلم يلتفتوا إليه و مضوا إلى الكوفة و استأذنوا عمر بن حريث في الدخول و لم يأذن لهم فدخلوا و أضربوا عن إذنه .
ولاية أسد بن عبد الله على خراسان
و لما ولي بكير بن وشاح على خراسان اختلف عليه بطون تميم و أقاموا في العصبية له و عليه سنتين ، و خاف أهل خراسان أن تفسد البلاد و يقهرهم العدو فكتبوا إلى عبد الملك بذلك و أنها لا تصلح إلا على رجل من قريش و استشار أصحابه فقال له أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد : نزكيهم برجل منك فقال : لولا انهزامك عن أبي فديك كنت لها فاعتذر و حلف أن الناس خذلوه و لم يجد مقاتلاً فانحزت بالعصبة التي بقيت من المسلمين عن الهلكة ، و قد كتب إليك خالد بن عبد الله بعذري و قد علمه الناس ، فولاه خراسان . و لما سمع بكير بن شاح بمسيره بعث ، إلى بجير بن ورقاء و هو حبسه كما مر فأبى و أشار عليه بعض أصحابه أن يقبل مخافة القتل فقبل و صالح بكير أو بعث إليه بكير بأربعين ألفاً على أن لا يقاتله فلما قارب أمية نيسابور إليه بجير و عرفه عن أمور خراسان و ما يحسن به طاعة أهلها و حذره غدر بكير و جاء معه إلى مرو فلم يعرض أمية لبكير و لا لعماله و عرض عليه شرطته فأبى . و قال : لا أحمل الجزية اليوم و قد كانت تحمل إلي بالأمس و أراد أن يوليه بعض النواحي من خراسان فحذره بجير منه . ثم ولى أمية ابنه عبد الله على سجستان فنزل بستا . و غزا رتبيل الذي ملك على الترك بعد المقتول الأول و كان هائباً للمسلمين فراسلهم في الصلح و بعث ألف ألف و بعث بهدايا و رقيق فأبى عبد الله من قبولها و طلب الزيادة فجلا رتبيل عن البلاد حتى أوغل فيها عبد الله . ثم عليه الشعاب و المضايق حتى سأل منه الصلح و أن يخلي عينه عن المسلمين فشرط رتيبل عليه ثلثمائة ألف درهم و العهد بأن لا يغزو بلادهم فأعطاه ذلك و بلغ الخبر بذلك عبد الملك فعزله .
ولاية الحجاج العراق
ثم ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف على الكوفة و البصرة سنة خمسة و سبعين و أرسل إليه و هو بالمدينة يأمره بالمسير إلى العراق فسار على النجب في إثني عشر راكباً حتى قدم الكوفة في شهر رمضان . و قد كان بشر بعث المهلب إلى الخوارج فدخل المسجد و صعد المنبر و قال : علي بالناس فظنوه من بعض الخوارج فهموا به ، حتى تناول عمير بن ضابي البرجمي الحصباء و أراد أن يحصبه ، فلما تكلم جعل الحصباء يسقط من يديه و هو لا يشعر به . ثم حضر الناس فكشف الحجاج عن وجهه و خطب خطبته المعروفة . ذكرها الناس و أحسن من أوردها المبرد في الكامل يتهدد فيها أهل الكوفة و يتوعدهم عن التخلف عن المهلب . ثم نزل و حضر الناس عنده للعطاء و اللحاق بالمهلب فقام إليه عمير ابن ضابي و قال : أنا شيخ كبير عليل و ابني هذا أشد مني فقال : هذا خير لنا منك قال : و من أنت ؟ قال عمير بن ضابي قال : الذي غزا عثمان في داره ؟ قال : نعم . فقال : يا عدوا الله إلى عثمان بدلاً . قال : إنه حبس أبي و كان شيخاً كبيراً . فقال : إني لا أحب حياتك إن في قتلك صلاح المصرين ، و أمر به فقتل و نهب ماله . و قيل إن عنبسه بن سعيد بن العاص هو الذي أغرى به الحجاج حين دخل عليه . ثم أمر الحجاج مناديه فنادى ألا إن ضابي تخلف بعد النداء فأمرنا بقتله ، و ذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلب فتساءل الناس إلى المهلب و هو بدار هرمز و جاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و أمره أن يشتد على خالد بن عبد الله ، و بلغه الخبر فقسم في أهل البصرة ألف ألف و خرج عنها . و يقال إن الحجاج أول من عاقب على التخلف عن البعوث بالقتل قال الشعبي : كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر و عثمان و علي تنزع عمامته و يقام بين الناس ، فلما ولي مصعب أضاف إليه حلق الرؤس و اللحى ، فلما ولي بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده و ربما مات فلما جاء الحجاج ترك ذلك كله و جعل عقوبة من تخلى بمكانه من الثغر أو البعث القتل . ثم ولى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ابن الحرث الكلابي العلاقي و أخوه ، فغلباه على البلاد و قتلاه فأرسل الحجاج مجاعة ابن سعيد التميمي مكانه فغلب و غزا و فتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته .
وقوع أهل البصرة بالحجاجثم خرج الحجاج من الكوفة و استخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة و سار إلى البصرة و قدمها و خطب بالكوفة و توعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك بن عمرو اليشكري و كان به فتق فاعتذر به و بأن بشر بن مروان قبل عذره بذلك و أحضر عطاءه ليرد لبيت المال فضرب الحجاج عنقه و تتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه و بين المهلب ثمانية فرسخاً . و أقام يشد ظهره و قال : يا أهل المصرين هذا و الله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج . ثم قطع لهم الزيادة التي زادها مصعب في الأعطية و كانت مائة مائة و قال : لسنا نجيزها فقال عبد الله بن الجارود : إنما هي زيادة عبد الملك و قد أجازها أخوه بشر بأمره ، فانتهره الحجاج فقال : إني لك ناصح و إنه قول ورائي فمكث الحجاج أشهراً لا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فرد عليه ابن الجارود مثل الرد الأول . فقال له مضفلة بن كرب العبدي سمعاً و طاعة للأمير فيما أحببنا و كرهنا و ليس لنا أن نرد عليه . فانتهره ابن الجارود و شتمه و أتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعي و قالوا : إن هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة و إنا نبايعك على إخراجه من العراق ، و نكتب إلى عبد الملك أن يولي علينا غيره و إلا خلعناه و هو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق ، فبايعوه سراً و تعاهدوا و بلغ الحجاج أمرهم فاحتاط و جد . ثم خرجوا في ربيع سنة ستة و سبعين و ركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم و لم يبق مع الحجاج إلا خاصته و أهل بيته و بعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله ، و صرح بخلع الحجاج فقال له الرسول : تهلك قومك و عشيرتك ! و أبلغه تهديد الحجاج إياه فضرب و أخرج و قال : لولا أنك رسول لقتلتك . ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشى فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع و أخذوا زجاجته و انصرفوا عنها . فكان رأيهم أن يخرجوه و لا يقتلوه . و قال الغضبان بن أبي القبعثري الشيباني لابن الجارود : لا ترجع عنه و حرضه
ولاية المهلب حرب الأزارقة
و لما عزل الملك بن خالد بن عبد الله عن البصرة و استعمل مكانه أخاه بشر بن مروان و جمع له المصرين أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة فيمن ينتخبه من أهل البصرة و يترك وراءه في الحرب ، و أن يبعث من أهل الكوفة رجلاً شريفاً معروفاً بالبأس و النجدة في جيش كثيف إلى المهلب ، فيتبعوا الخوارج حتى يهلكوهم فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ينتخب الناس من الديوان . و شق على بشر أن امرأة المهلب جاءت من عند عبد الملك ، فغص به و دعا عبد الرحمن بن مخنف فأعلمه منزلته عنده و قال : إني أوليك جيش الكوفة بحرب الأزارقة فكن عند حسن ظني بك أخذ يغريه بالمهلب و أن لا يقبل رأيه و لا مشورته ، فأظهر له الوفاق و سار إلى المهلب فنزلوا رامهرمز و لقي بها الخوارج فحدق عليه على ميل من المهلب حيث يتراءى العسكران . ثم أتاهم نعي بشر بن مروان لعشر ليال من مقدمهم و أنه استخلف على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد فافترق الناس من أهل المصرين إلى بلادهم ، و نزلوا الأهواز و كتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم و يحذرهم عقوبة عبد الملك إن لم يرجعوا إلى المهلب فلم يلتفتوا إليه و مضوا إلى الكوفة و استأذنوا عمر بن حريث في الدخول و لم يأذن لهم فدخلوا و أضربوا عن إذنه .
ولاية أسد بن عبد الله على خراسان
و لما ولي بكير بن وشاح على خراسان اختلف عليه بطون تميم و أقاموا في العصبية له و عليه سنتين ، و خاف أهل خراسان أن تفسد البلاد و يقهرهم العدو فكتبوا إلى عبد الملك بذلك و أنها لا تصلح إلا على رجل من قريش و استشار أصحابه فقال له أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد : نزكيهم برجل منك فقال : لولا انهزامك عن أبي فديك كنت لها فاعتذر و حلف أن الناس خذلوه و لم يجد مقاتلاً فانحزت بالعصبة التي بقيت من المسلمين عن الهلكة ، و قد كتب إليك خالد بن عبد الله بعذري و قد علمه الناس ، فولاه خراسان . و لما سمع بكير بن شاح بمسيره بعث ، إلى بجير بن ورقاء و هو حبسه كما مر فأبى و أشار عليه بعض أصحابه أن يقبل مخافة القتل فقبل و صالح بكير أو بعث إليه بكير بأربعين ألفاً على أن لا يقاتله فلما قارب أمية نيسابور إليه بجير و عرفه عن أمور خراسان و ما يحسن به طاعة أهلها و حذره غدر بكير و جاء معه إلى مرو فلم يعرض أمية لبكير و لا لعماله و عرض عليه شرطته فأبى . و قال : لا أحمل الجزية اليوم و قد كانت تحمل إلي بالأمس و أراد أن يوليه بعض النواحي من خراسان فحذره بجير منه . ثم ولى أمية ابنه عبد الله على سجستان فنزل بستا . و غزا رتبيل الذي ملك على الترك بعد المقتول الأول و كان هائباً للمسلمين فراسلهم في الصلح و بعث ألف ألف و بعث بهدايا و رقيق فأبى عبد الله من قبولها و طلب الزيادة فجلا رتبيل عن البلاد حتى أوغل فيها عبد الله . ثم عليه الشعاب و المضايق حتى سأل منه الصلح و أن يخلي عينه عن المسلمين فشرط رتيبل عليه ثلثمائة ألف درهم و العهد بأن لا يغزو بلادهم فأعطاه ذلك و بلغ الخبر بذلك عبد الملك فعزله .
ولاية الحجاج العراق
ثم ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف على الكوفة و البصرة سنة خمسة و سبعين و أرسل إليه و هو بالمدينة يأمره بالمسير إلى العراق فسار على النجب في إثني عشر راكباً حتى قدم الكوفة في شهر رمضان . و قد كان بشر بعث المهلب إلى الخوارج فدخل المسجد و صعد المنبر و قال : علي بالناس فظنوه من بعض الخوارج فهموا به ، حتى تناول عمير بن ضابي البرجمي الحصباء و أراد أن يحصبه ، فلما تكلم جعل الحصباء يسقط من يديه و هو لا يشعر به . ثم حضر الناس فكشف الحجاج عن وجهه و خطب خطبته المعروفة . ذكرها الناس و أحسن من أوردها المبرد في الكامل يتهدد فيها أهل الكوفة و يتوعدهم عن التخلف عن المهلب . ثم نزل و حضر الناس عنده للعطاء و اللحاق بالمهلب فقام إليه عمير ابن ضابي و قال : أنا شيخ كبير عليل و ابني هذا أشد مني فقال : هذا خير لنا منك قال : و من أنت ؟ قال عمير بن ضابي قال : الذي غزا عثمان في داره ؟ قال : نعم . فقال : يا عدوا الله إلى عثمان بدلاً . قال : إنه حبس أبي و كان شيخاً كبيراً . فقال : إني لا أحب حياتك إن في قتلك صلاح المصرين ، و أمر به فقتل و نهب ماله . و قيل إن عنبسه بن سعيد بن العاص هو الذي أغرى به الحجاج حين دخل عليه . ثم أمر الحجاج مناديه فنادى ألا إن ضابي تخلف بعد النداء فأمرنا بقتله ، و ذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلب فتساءل الناس إلى المهلب و هو بدار هرمز و جاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و أمره أن يشتد على خالد بن عبد الله ، و بلغه الخبر فقسم في أهل البصرة ألف ألف و خرج عنها . و يقال إن الحجاج أول من عاقب على التخلف عن البعوث بالقتل قال الشعبي : كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر و عثمان و علي تنزع عمامته و يقام بين الناس ، فلما ولي مصعب أضاف إليه حلق الرؤس و اللحى ، فلما ولي بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده و ربما مات فلما جاء الحجاج ترك ذلك كله و جعل عقوبة من تخلى بمكانه من الثغر أو البعث القتل . ثم ولى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ابن الحرث الكلابي العلاقي و أخوه ، فغلباه على البلاد و قتلاه فأرسل الحجاج مجاعة ابن سعيد التميمي مكانه فغلب و غزا و فتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته .
وقوع أهل البصرة بالحجاجثم خرج الحجاج من الكوفة و استخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة و سار إلى البصرة و قدمها و خطب بالكوفة و توعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك بن عمرو اليشكري و كان به فتق فاعتذر به و بأن بشر بن مروان قبل عذره بذلك و أحضر عطاءه ليرد لبيت المال فضرب الحجاج عنقه و تتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه و بين المهلب ثمانية فرسخاً . و أقام يشد ظهره و قال : يا أهل المصرين هذا و الله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج . ثم قطع لهم الزيادة التي زادها مصعب في الأعطية و كانت مائة مائة و قال : لسنا نجيزها فقال عبد الله بن الجارود : إنما هي زيادة عبد الملك و قد أجازها أخوه بشر بأمره ، فانتهره الحجاج فقال : إني لك ناصح و إنه قول ورائي فمكث الحجاج أشهراً لا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فرد عليه ابن الجارود مثل الرد الأول . فقال له مضفلة بن كرب العبدي سمعاً و طاعة للأمير فيما أحببنا و كرهنا و ليس لنا أن نرد عليه . فانتهره ابن الجارود و شتمه و أتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعي و قالوا : إن هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة و إنا نبايعك على إخراجه من العراق ، و نكتب إلى عبد الملك أن يولي علينا غيره و إلا خلعناه و هو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق ، فبايعوه سراً و تعاهدوا و بلغ الحجاج أمرهم فاحتاط و جد . ثم خرجوا في ربيع سنة ستة و سبعين و ركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم و لم يبق مع الحجاج إلا خاصته و أهل بيته و بعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله ، و صرح بخلع الحجاج فقال له الرسول : تهلك قومك و عشيرتك ! و أبلغه تهديد الحجاج إياه فضرب و أخرج و قال : لولا أنك رسول لقتلتك . ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشى فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع و أخذوا زجاجته و انصرفوا عنها . فكان رأيهم أن يخرجوه و لا يقتلوه . و قال الغضبان بن أبي القبعثري الشيباني لابن الجارود : لا ترجع عنه و حرضه
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
على معالجته فقال إلى الغداة ، و كان مع الحجاج عثمان بن قطن و زياد بن عمر العتكي صاحب الشرطة بالبصرة ، فاستشارهما فأشار زياد بأن يستأمن القوم و يلحق بأمير المؤمنين و أشار عثمان بالثبات و لو كان دونه الموت . و قال : لا تخرج إلى أمير المؤمنين من العراق بعد أن رقاك إلى ما رقاك و فعلت ما فعلت بابن الزبير و الحجاز فقبل رأي عثمان و حقد على زياد في إشارته و جاءه عامر بن مسمع يقول : قد أخذ لك الأمان من الناس فجعل الحجاج يغالطه رافعاً صوته عليه ليسمع الناس و يقول و الله لا آمنهم حتى تؤتوني بالهذيل بن عمران و عبد الله بن حكيم . ثم أرسل إلى عبيد بن كعب الفهري أن إئتني فامنعني ، فقال له : إن أتبتني منعتك فأبى و بعث إلى محمد بن عمير بن عطارد و عبد الله بن حكيم بمثل ذلك ، و أجابوه مثله . ثم إن عباد بن الحصين الجفطي مر بابن الجارود و الهذيل و عبد الله بن حكيم يتناجون فطلب الدخول معهم فأبوا و غضب و سار إلى الحجاج و جاءه قتيبة بن مسلم في بني أعصر للحمية القتيبية . ثم جاءه سبرة بن علي الكلابي و جعفر بن عبد الرحمن بن مخثف الأزدي ، فثابت إليه نفسه و علم أنه قد امتنع و أرسل إليه مسمع بن مالك بن مسمع : إن شئت أتيتك و إن شئت أقمت و ثبطت عنك ، فأجابه أن أقم فلما أصبح إذا حوله ستة آلاف و قال ابن الجارود لعبد الله بن زياد بن ضبيان ما الرأي ؟ قال تركته أمس و لم يبق إلا الصبر ثم تراجعوا و عبى ابن الجارود و أصحابه على ميمنة الهذيل و على ميسرته سعيد بن أسلم ، و حمل ابن الجارود حتى حاصر أصحاب الحجاج و عطف الحجاج عليه فقارب ابن الجارود أن يظفر . ثم أصابه سهم غرب فوقع ميتاً و نادى منادي الحجاج بأمان الناس إلا الهذيل و ابن حكيم و أمر أن لا يتبع المنهزمين ، و لحق ابن ضبيان بعمار فهلك هنالك . و بعث الحجاج برأس ابن الجارود و رأس ثمانية عشر من أصحابه إلى الملك و نصبت ليراها الخوارج فيتأسوا من الاختلاف و حبس الحجاج عبيد بن كعب و محمد بن عمير لامتناعهما من الإتيان إليه و حبس ابن القبعثري لتحريضه عليه ، فأطلقه عبد الملك و كان فيمن قتل مع ابن الجارود عبد الله بن أنس بن مالك فقال الحجاج : لا أرى أنساً يعين علي و دخل البصرة و أخذ ماله . و جاءه أنس فأساء عليه و أفحش في كلمة في شتمه و كتب أنس إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يشتمه و يغلظ عليه في التهديد على ما فعل بأنس . و أن تجيء إلى منزله و تتنصل إليه و إلا نبعث من يضرب ظهرك و يتهتك سترك . قالوا وجعل الحجاج في قراءته يتغير و يرتعد و جبينه يرشح عرقاً . ثم جاء إلى أنس بن مالك و اعتذر إليه . و في عقب هذه الواقعة خرج الزنج بفرات البصرة ، و قد كانوا قبل ذلك أيام مصعب و لم يكونوا بالكثير و أفسدوا الثمار و الزروع . ثم جمع لهم خالد بن عبد الله فافترقوا قبل أن ينال منهم و قتل بعضهم و صلبه . فلما كانت الواقعة قدموا عليهم رجلاً منهم إسمه رياح و يلقب بشير زنجي أي أسد الزنج و أفسدوا فلما فرغ الحجاج من ابن الجارود أمر زياد بن عمر صاحب الشرطة أن يبعث إليهم من يقاتلهم و بعث إبنه حفصاً في جيش فقتلوه و انهزم أصحابه فبعث جيشاً فهزم الزنج و أبادهم .
مقتل ابن مخنف و حرب الخوارج
كان االمهلب و عبد الرحمن بن مخنف واقفين للخوراج برامهرمز فلما أمدهم الحجاج بالعساكر من الكوفة و البصرة تأخر الخوارج من رامهرمز إلى كازرون و أتبعهم العساكر حتى نزلوا بهم . و خندق المهلب على نفسه ، و قال ابن مخنف و أصحابه خدمنا سيوفنا . فبيتهم الخوارج و أصابوا الغرة في ابن مخنف فقاتل هو و أصحابه حتى قتلوا ، هكذا حديث أهل البصرة ، و أما أهل الكوفة فذكروا أنهم لما ناهضوا الخوارج اشتد القتال بينهم و مال الخوارج على المهلب فاضطروه إلى معسكره و أمده عبد الرحمن بالخيل و الرجال ، و لما رأى الخوارج مدده تركوا من يشغل المهلب و قصدوا عبد الرحمن فقاتلوه و انكشفوا عنه ، و صبر في سبعين من قومه فثابوا إلى عتاب بن ورقاء ، و قد أمره الحجاج أن يسمع فثقل ذلك عليه ، فلم يحسن بينهما العشرة و كان يتراءف في الكلام ، و ربما أغلظ له المهلب . فأرسل عتاب إلى الحجاج يسأله القعود ، و كان حرب الخوارج و شبيب قد اتسع عليه ، فصادفا منه ذلك مرقعاً و استقدمه و أمره أن يترك العسكر مع المهلب فولى المهلب عليهم ابنه حبيباً ، و أقام يقاتلهم بنيسابور نحواً من سنة و تحركت الخوارج على الحجاج من لدن سنة ستة و سبعين إلى سنة ثمان و شغل بحربهم و أول من خرج منهم صالح بن سرح من بني تميم بعث إليه العساكر فقتل فولوا عليهم شبيباً و اتبعه كثير من بني شيبان و بعث إليهم الحجاج العساكر مع الحرث بن عميرة ثم مع سفيان الخثعمي ثم انحدر ابن سعيد فهزموها و أقبل شبيب إلى الكوفة فحاربهم الحجاج و امتنع ثم سرح عليه العساكر و بعث في أثرهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزموهم . ثم بعث عتاب بن ورقاء و زهرة بن حوية مدداً لهم فانهزموا و قتل عتاب و زهرة ثم قتل شبيب و اختلف الخوارج بينهم و قتل منهم جماعة كما يذكر ذلك كله في أخبارهم .
ضرب السكة الإسلامية
كان عبد الملك كتب في صدر كتابه إلى الروم : " قل هو الله أحد " و ذكر النبي مع التاريخ ، فنكر ذلك ملك الروم و قال : اتركوه و إلا ذكرناه نبيكم في دنانير بما تكرهونه فعظم ذلك عليه و استشار الناس فأشار عليه خالد بن يزيد بضرب السكة و ترك دنانيرهم ففعل . ثم نقش الحجاج فيها " هو الله أحد " فكره الناس ذلك لأنه قد يمسها غير الطاهر ، ثم بالغ في تخليص الذهب و الفضة من الغش و زاد ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك عليه . ثم زاد خالد القسري عليهم في ذلك أيام هشام ثم أفرط يوسف بن عمر من بعدهم في المبالغة و امتحان العيار و ضرب عليه فكانت الهبيرية و الخالدية و اليوسفية أجود نقود بني أمية . ثم أمر المنصور أن لا يقبل في الخراج غيرها و سميت النقود الأولى مكروهة إما لعدم جودتها أو لما نقش عليها الحجاج و كرهه . و كانت دراهم العجم مختلفة بالصغر و الكبر ، فكان منها مثقال وزن عشرين قيراطاً و إثني عشرة قراريط و هي أنصاف المثاقيل فجمعوا قراريط الأنصاف الثلاثة فكانت إثنين و أربعين فجعلوا ثلثها و هو إثنا عشر قيراطاً وزن الدهم العربي فكانت كل عشرة دراهم تزن مثاقيل . و قيل إن مصعب بن الزبير ضرب دراهم قليلة أيام أخيه عبد الله و الأصح أن عبد الملك أول من ضرب السكة في الإسلام .
مقتل بكير بن وشاح بخراسانقد تقدم لنا عزل بكير عن خراسان و ولاية أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد سنة اربع و سبعين و أن بكيراً أقام في سلطان أمية بخراسان و كان يكرمه و يدعوه لولاية شاء من أعمال خراسان ، فلا يجيب ، و أنه ولاه طخارستان ، وتجهز لها فيه بجير بن ورقاء فمنعه ، ثم أمره بالتجهز لغزو ما وراء النهر ، فحذره منه بجير فرده فغضب بكير . ثم تجهز أمية لغزو غارا ، و موسى بن عبد الله بن حازم لترمذ و استخلف ابنه على خراسان . فلما أراد قطع النهر قال لبكير : إرجع مرو فأكفنيها فقد وليتكها ، و قم بأمر ابن حازم فإني أخشى أن لا يضبطها . فانتخب من وثق من أصحابه و رجع ، و أشار عليه صاحبه عتاب بأن يحرق السفن و يرجع إلى مرو فيخلع أمية ، و وافقه الأحنف بن عبد الله العنبري على ذلك فقال لهم بكير : أخشى على من معي . قالوا نأتيك من أهل مرو بمن تشاء ، قال : يهلك المسلمون . قال ناد في الناس برفع الخراج فيكونون معك . قال فيهلك أمية و أصحابه . قال لهم عدد و عدد يقاتلون عن أنفسهم حتى يبلغوا الصين فأحرق بكير السفن و رجع إلى مرو فخلع أمية و حبس إبنه و بلغ الخبر أمية فصالح أهل الشام بخارى و رجع و أمر باتخاذ السفن و عبر و جاءه موسى بن عبد الله بن حازم من مدداً له و بعث شماس بن و بعث شماس بن ورقاء في ثمانمائة في مقدمته فبيته بكير و هزمه ، فبعث مكانه ثابت بن عطية فهزمه . ثم التقى أمية و بكير فاقتتلوا أياماً . ثم انهزم بكير إلى مرو و حاصره أمية حتى سأل الصلح على ولاية ما شاء من خراسان ، و أن يقضي عنه أربعمائة ألف دينه ، و يصل أصحابه و لا يقبل فيه سعاية بجير فتم الصلح و دخل أمية مدينة مرو و أعاد بكيراً إلى ما كان عليه من الكرامة و أعطى عتاب العدابي عشرين ألفاً و عزل بجير عن شرطته بعطا بن أبي السائب . و قيل إن بكيراً لم يصحب أمية إلى النهر و إنما استخلفه على مرو فلما عبر أمية النهر خلع و فعل ما فعل . ثم أن بجيراً سعى بأمية بأن بكيراً دعاه إلى الخلاف و شهد عليه جماعة من أصحابه ،
مقتل ابن مخنف و حرب الخوارج
كان االمهلب و عبد الرحمن بن مخنف واقفين للخوراج برامهرمز فلما أمدهم الحجاج بالعساكر من الكوفة و البصرة تأخر الخوارج من رامهرمز إلى كازرون و أتبعهم العساكر حتى نزلوا بهم . و خندق المهلب على نفسه ، و قال ابن مخنف و أصحابه خدمنا سيوفنا . فبيتهم الخوارج و أصابوا الغرة في ابن مخنف فقاتل هو و أصحابه حتى قتلوا ، هكذا حديث أهل البصرة ، و أما أهل الكوفة فذكروا أنهم لما ناهضوا الخوارج اشتد القتال بينهم و مال الخوارج على المهلب فاضطروه إلى معسكره و أمده عبد الرحمن بالخيل و الرجال ، و لما رأى الخوارج مدده تركوا من يشغل المهلب و قصدوا عبد الرحمن فقاتلوه و انكشفوا عنه ، و صبر في سبعين من قومه فثابوا إلى عتاب بن ورقاء ، و قد أمره الحجاج أن يسمع فثقل ذلك عليه ، فلم يحسن بينهما العشرة و كان يتراءف في الكلام ، و ربما أغلظ له المهلب . فأرسل عتاب إلى الحجاج يسأله القعود ، و كان حرب الخوارج و شبيب قد اتسع عليه ، فصادفا منه ذلك مرقعاً و استقدمه و أمره أن يترك العسكر مع المهلب فولى المهلب عليهم ابنه حبيباً ، و أقام يقاتلهم بنيسابور نحواً من سنة و تحركت الخوارج على الحجاج من لدن سنة ستة و سبعين إلى سنة ثمان و شغل بحربهم و أول من خرج منهم صالح بن سرح من بني تميم بعث إليه العساكر فقتل فولوا عليهم شبيباً و اتبعه كثير من بني شيبان و بعث إليهم الحجاج العساكر مع الحرث بن عميرة ثم مع سفيان الخثعمي ثم انحدر ابن سعيد فهزموها و أقبل شبيب إلى الكوفة فحاربهم الحجاج و امتنع ثم سرح عليه العساكر و بعث في أثرهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزموهم . ثم بعث عتاب بن ورقاء و زهرة بن حوية مدداً لهم فانهزموا و قتل عتاب و زهرة ثم قتل شبيب و اختلف الخوارج بينهم و قتل منهم جماعة كما يذكر ذلك كله في أخبارهم .
ضرب السكة الإسلامية
كان عبد الملك كتب في صدر كتابه إلى الروم : " قل هو الله أحد " و ذكر النبي مع التاريخ ، فنكر ذلك ملك الروم و قال : اتركوه و إلا ذكرناه نبيكم في دنانير بما تكرهونه فعظم ذلك عليه و استشار الناس فأشار عليه خالد بن يزيد بضرب السكة و ترك دنانيرهم ففعل . ثم نقش الحجاج فيها " هو الله أحد " فكره الناس ذلك لأنه قد يمسها غير الطاهر ، ثم بالغ في تخليص الذهب و الفضة من الغش و زاد ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك عليه . ثم زاد خالد القسري عليهم في ذلك أيام هشام ثم أفرط يوسف بن عمر من بعدهم في المبالغة و امتحان العيار و ضرب عليه فكانت الهبيرية و الخالدية و اليوسفية أجود نقود بني أمية . ثم أمر المنصور أن لا يقبل في الخراج غيرها و سميت النقود الأولى مكروهة إما لعدم جودتها أو لما نقش عليها الحجاج و كرهه . و كانت دراهم العجم مختلفة بالصغر و الكبر ، فكان منها مثقال وزن عشرين قيراطاً و إثني عشرة قراريط و هي أنصاف المثاقيل فجمعوا قراريط الأنصاف الثلاثة فكانت إثنين و أربعين فجعلوا ثلثها و هو إثنا عشر قيراطاً وزن الدهم العربي فكانت كل عشرة دراهم تزن مثاقيل . و قيل إن مصعب بن الزبير ضرب دراهم قليلة أيام أخيه عبد الله و الأصح أن عبد الملك أول من ضرب السكة في الإسلام .
مقتل بكير بن وشاح بخراسانقد تقدم لنا عزل بكير عن خراسان و ولاية أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد سنة اربع و سبعين و أن بكيراً أقام في سلطان أمية بخراسان و كان يكرمه و يدعوه لولاية شاء من أعمال خراسان ، فلا يجيب ، و أنه ولاه طخارستان ، وتجهز لها فيه بجير بن ورقاء فمنعه ، ثم أمره بالتجهز لغزو ما وراء النهر ، فحذره منه بجير فرده فغضب بكير . ثم تجهز أمية لغزو غارا ، و موسى بن عبد الله بن حازم لترمذ و استخلف ابنه على خراسان . فلما أراد قطع النهر قال لبكير : إرجع مرو فأكفنيها فقد وليتكها ، و قم بأمر ابن حازم فإني أخشى أن لا يضبطها . فانتخب من وثق من أصحابه و رجع ، و أشار عليه صاحبه عتاب بأن يحرق السفن و يرجع إلى مرو فيخلع أمية ، و وافقه الأحنف بن عبد الله العنبري على ذلك فقال لهم بكير : أخشى على من معي . قالوا نأتيك من أهل مرو بمن تشاء ، قال : يهلك المسلمون . قال ناد في الناس برفع الخراج فيكونون معك . قال فيهلك أمية و أصحابه . قال لهم عدد و عدد يقاتلون عن أنفسهم حتى يبلغوا الصين فأحرق بكير السفن و رجع إلى مرو فخلع أمية و حبس إبنه و بلغ الخبر أمية فصالح أهل الشام بخارى و رجع و أمر باتخاذ السفن و عبر و جاءه موسى بن عبد الله بن حازم من مدداً له و بعث شماس بن و بعث شماس بن ورقاء في ثمانمائة في مقدمته فبيته بكير و هزمه ، فبعث مكانه ثابت بن عطية فهزمه . ثم التقى أمية و بكير فاقتتلوا أياماً . ثم انهزم بكير إلى مرو و حاصره أمية حتى سأل الصلح على ولاية ما شاء من خراسان ، و أن يقضي عنه أربعمائة ألف دينه ، و يصل أصحابه و لا يقبل فيه سعاية بجير فتم الصلح و دخل أمية مدينة مرو و أعاد بكيراً إلى ما كان عليه من الكرامة و أعطى عتاب العدابي عشرين ألفاً و عزل بجير عن شرطته بعطا بن أبي السائب . و قيل إن بكيراً لم يصحب أمية إلى النهر و إنما استخلفه على مرو فلما عبر أمية النهر خلع و فعل ما فعل . ثم أن بجيراً سعى بأمية بأن بكيراً دعاه إلى الخلاف و شهد عليه جماعة من أصحابه ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
و أن معه إبني أخيه فقبض عليه أمية و قتله و قتل معه إبني أخيه و ذلك سنة سبع و سبعين . ثم عبر النهر لغزو بلخ فحصره الترك حتى جهد هو و عسكره و أشرفوا على الهلاك ثم نجوا و رجعوا إلى مرو .
مقتل بجير بن زياد
و لما قتل بكير بسعاية بجير بن ورقاء تعاقد بنو سعد بن عوف من تميم و هم عشيرته على الطلب بدمه و خرج فتى منهم من البادية إسمه شمردل و قدم خراسان و وقف يوماً على بجير فطعنه فصرعه و لم يمت و قتل شمردل و جاء مكانه صعصعة بن حرب العوفي و مضى إلى سجستان و جاور قرابة بجير مدة و انتسب إلى خنفية ثم قال لهم : إن لي بخراسان ميراثاً فاكتبوا إلى بجير يعينني ، فكتبوا له و جاء إليه و أخبره بنسبه و ميراثه ، و أقام عنده شهراً يحضر باب المهلب و قد أنس به و أمن عائلته ، ، و جاء صعصعة يوماً و هو عند المهلب في قميص و رداء و دنا ليكلمه فطعنه و مات من الغد و قال صعصعة فمنعته مقاعس و قالوا أخذ بثأره فحمل المهلب دم صعصعة و جعل دم بجير ببكير و قيل إن المهلب بعثه إلى بجير فقتله و الله أعلم و كان ذلك سنة إحدى و ثمانين .
ولاية الحجاج على خراسان و سجستان
و في سنة ثمان و سبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان و سجستان و ضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث المهلب بن أبي صفرة على خراسان و قد كان فرغ من حرب الأزارقة فاستدعاه و أجلسه معه على السرير ، و أحسن إلى أهل البلاد من أصحابه و زادهم و بعث عبيد الله بن أبي بكرة على سجستان فأما المهلب فقدم إبنه حبيباً إلى خراسان فلم يعرض لأمية و لا لعماله حتى قدم أبوه المهلب بعد سنة من ولايته ، و سار في خمسة آلاف و قطع النهر الغربي و ما وراء النهر ، و على مقدمته أبو الأدهم الرماني في ثلاثة آلاف ، فنزل على كش و جاءه ابن عمر الختن يستنجده على ابن عمه ، فبعث معه ابنه يزيد ، فبيت ابن العم عساكر الختن و قتل الملك و جاءه صر يريد قلعتهم حتى صالحوا بما رضي ، و رجع . و بعث ابنه حبيباً في أربعة آلاف صاحب بخارى في أربعين ألفاً . و كبس بعض جنده في قرية فقتلهم و أحرقها و رجع إلى أبيه . و أقام المهلب يحاصر كش سنتين حتى صالحوه على فدية و أما عبد الله بن أبي بكرة فأقام بسجستان و رتبيل على صلحه يؤدي الخراج . ثم امتنع فأمر الحجاج ابن أبي بكرة فغزوه و استباحوا بلاده ، فسار في أهل المصرين و على أهل الكوفة شريح بن هانئ من أصحاب علي ، فدخل بلاد رتبيل و توغل فيها حتى كانوا على ثمانية عشر فرسخاً من مدينتهم و أثخن و استباح و خرب القرى و الحصون . ثم أخذ الترك عليهم القرى و الشعاب حتى ظنوا الهلكة فصالحهم عبيد الله على الخروج من أرضهم ، على أن يعطيهم سبعمائة ألف درهم . و نكر ذلك عليه شريح و أبى إلا القتال و حرض الناس و رجع و قتل حين ، قتل في ناس من أصحابه و نجا الباقون و خرجوا من بلاد رتبيل ، و لقيهم الناس بالأطعمة فكانوا يموتون إذا شبعوا . فجعلوا يطعمونهم السمن قليلاً قليلاً حتى استمروا و كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في غزو بلاد رتبيل فأذن له فجهز عشرين ألف فارس من الكوفة و عشرين ألفاً من البصرة و اختار أهل الغنى و الشجاعة ، و أزاح عللهم و أنفق فيهم ألفي ألف سوى أعطياتهم ، و أخذهم بالخيل الرائعة و السلاح الكامل . و بعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و كان يبغضه و يقول أريد قتله . و يخبر الشعبي بذلك عبد الرحمن فيقول أنا أزيله عن سلطانه ، فلما بعثه على ذلك الجيش تنصح أخوه إسماعيل للحجاج و قال لا تبعثه فإني أخشى خلافه . فقال هو أهيب لي من أن يخالف أمري . و سار عبد الرحمن في الجيش و قدم سجستان و استنفرهم و حذر العقوبة لمن يتعدى و ساروا جميعاً إلى بلاد رتبيل و بذل الخراج فلم يقبل منه و دخل بلاده فحواها شيئاً فشيئاً و بعث عماله عليها و رجع المصالح بالنواحي و الأرصاد على العقاب و الشعاب ، و امتلأت أيدي الناس من الغنائم ، و منع من التوغل في البلاد إلى قابل . و قد قيل في بعث عبد الرحمن بن الأشعث غير هذا أن الحجاج كان قد أنزل هميان بن عدي السدي مسلحة بكرمان إن احتاج إليه عامل السند و سجستان ، فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمه و قام بموضعه . ثم مات عبد الله بن أبي بكرة فولاه الحجاج مكانه و جهز إليه هذا الجيش و كان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم .
أخبار ابن الأشعث و مقتلهو لما وصل كتاب ابن الأشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبخه على القعود عن التوغل و يأمره بالمضي لما أمره به من هدم حصونهم و قتل مقاتليهم و سبي ذراريهم . و أعاد عليه الكتاب بذلك ثانياً و ثالثاً و قال له : إن مضيت و إلا فأخوك إسحق أمير الناس . فجمع عبد الرحمن الناس ورد الرأي عليهم و قال : قد كنا عزمنا جميعاً على ترك التوغل في بلد العدو و رأينا رأياً و كتب بذلك إلى الحجاج و هذا كتابه يستعجزني و يستضعفني و يأمرني بالتوغل بكم و أنا رجل منكم ، فثار الناس و قالوا : لا نسمع و لا نطيع للحجاج . و قال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني : اخلعوا عدو الله الحجاج و بايعوا الأمير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا . و قال عبد المؤمن بن شيث بن ربعي : انصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم و وثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج و نفيه من العراق و على النصرة له و لم يذكر عبد الملك . و صالح عبد الرحمن رتبيل على أنه إن ظهر فلا خراج على رتبيل ما بقي من الدهر ، و إن هزم منعه ممن يريده . و جعل عبد الرحمن على سبت عياض بن هميان الشيباني و على رومج عبد الله بن عامر التميمي ، و على كرمان حرثة بن عمر التميمي . ثم سار إلى العراق في جموعه و أعشى همدان بين يديه يجري بمدحه و ذم الحجاج . و على مقدمته عطية بن عمير العيرني . و لما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك و قالوا إذا خلعنا الحجاج فقد خلعناه فخلعه الناس و بايعوا عبد الرحمن على السنة و على جهاد أهل الضلالة و المخلين و خلعهم . و كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره و يستمده و كتب المهلب إلى الحجاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم ، فنكر كتابه و اتهمه . و جند عبد الملك الجند إلى الحجاج فساروا إليه متتابعين ، و سار الحجاج من البصرة فنزل تستر و بعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد و قتل منهم جمعاً كثيراً و ذلك في أضحى إحدى و ثمانين ، و أجفل الحجاج إلى البصرة ، ثم تأخر عنها إلى الغاوية و راجع كتاب المهلب فعلم نصيحته . و دخل عبد الرحمن البصرة فبايعه أهلها و سائر نواحيها لأن الحجاج كان اشتد على الناس في الخراج ، و أمر من دخل الأمصار أن يرجع إلى القرى ، يستوفي الجزية ، فنكر ذلك الناس و جعل أهل القرى يبكون منه ، فلما قدم عبد الرحمن بايعوه على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . ثم اشتد القتال بينهم في المحرم سنة إثنتين و ثمانين ، و تزاحفوا على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . و انهزم أهل العراق و قصدوا الكوفة و انهزم منهم خلق كثير . و فشا القتل في القرى فقتل منهم عقبة بن الغافر الأزدي في جماعة استلحموا معه ، و قتل الحجاج بعد الهزيمة منهم عشرة آلاف و كان هذا اليوم يسمى يوم الراوية . و اجتمع من بقي بالبصرة على عبد الرحمن ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و بايعوه ، فقاتل بهم الحجاج خمس ليال ثم لحق بابن الأشعث بالكوفة ربيعة طائفة من أهل البصرة . و لما جاء عبد الرحمن الكوفة و خليفة الحجاج عليها عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضرمي وثب مع مطر بن ناجية من بني تميم مع أهل الكوفة ، فاستولى على القصر و أخرجه . فلما وصل ابن الأشعث لقيه أهل الكوفة و احتف به همدان و جاء إلى القصر فمنعه مطر فصعد الناس القصر و أخذوه فحبسه عبد الرحمن و ملك الكوفة . ثم إن الحجاج استعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و رجع إلى الكوفة فنزل دوير فيرة ، و نزل عبد الرحمن دير الجماجم و اجتمع إلى كل واحد أمداده و خندق على نفسه و بعث عبد الملك إبنه عبد الله و أخاه محمداً في جند كثيف و أمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج و يجرى عليهم أعطياتهم كأهل الشام ، و ينزل عبد الرحمن إلى أي بلد شاء عاملاً لعبد الملك . فوجم الحجاج لذلك و كتب إلى عبد الملك : إن هذا ممن يزيدهم جراءة و ذكره بقضية عثمان و سعيد بن العاص . فأبى عبد الملك من رأيه و عرض عبد الله و محمد بن مروان ما جاء به عبد الملك و تشاور أهل
مقتل بجير بن زياد
و لما قتل بكير بسعاية بجير بن ورقاء تعاقد بنو سعد بن عوف من تميم و هم عشيرته على الطلب بدمه و خرج فتى منهم من البادية إسمه شمردل و قدم خراسان و وقف يوماً على بجير فطعنه فصرعه و لم يمت و قتل شمردل و جاء مكانه صعصعة بن حرب العوفي و مضى إلى سجستان و جاور قرابة بجير مدة و انتسب إلى خنفية ثم قال لهم : إن لي بخراسان ميراثاً فاكتبوا إلى بجير يعينني ، فكتبوا له و جاء إليه و أخبره بنسبه و ميراثه ، و أقام عنده شهراً يحضر باب المهلب و قد أنس به و أمن عائلته ، ، و جاء صعصعة يوماً و هو عند المهلب في قميص و رداء و دنا ليكلمه فطعنه و مات من الغد و قال صعصعة فمنعته مقاعس و قالوا أخذ بثأره فحمل المهلب دم صعصعة و جعل دم بجير ببكير و قيل إن المهلب بعثه إلى بجير فقتله و الله أعلم و كان ذلك سنة إحدى و ثمانين .
ولاية الحجاج على خراسان و سجستان
و في سنة ثمان و سبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان و سجستان و ضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث المهلب بن أبي صفرة على خراسان و قد كان فرغ من حرب الأزارقة فاستدعاه و أجلسه معه على السرير ، و أحسن إلى أهل البلاد من أصحابه و زادهم و بعث عبيد الله بن أبي بكرة على سجستان فأما المهلب فقدم إبنه حبيباً إلى خراسان فلم يعرض لأمية و لا لعماله حتى قدم أبوه المهلب بعد سنة من ولايته ، و سار في خمسة آلاف و قطع النهر الغربي و ما وراء النهر ، و على مقدمته أبو الأدهم الرماني في ثلاثة آلاف ، فنزل على كش و جاءه ابن عمر الختن يستنجده على ابن عمه ، فبعث معه ابنه يزيد ، فبيت ابن العم عساكر الختن و قتل الملك و جاءه صر يريد قلعتهم حتى صالحوا بما رضي ، و رجع . و بعث ابنه حبيباً في أربعة آلاف صاحب بخارى في أربعين ألفاً . و كبس بعض جنده في قرية فقتلهم و أحرقها و رجع إلى أبيه . و أقام المهلب يحاصر كش سنتين حتى صالحوه على فدية و أما عبد الله بن أبي بكرة فأقام بسجستان و رتبيل على صلحه يؤدي الخراج . ثم امتنع فأمر الحجاج ابن أبي بكرة فغزوه و استباحوا بلاده ، فسار في أهل المصرين و على أهل الكوفة شريح بن هانئ من أصحاب علي ، فدخل بلاد رتبيل و توغل فيها حتى كانوا على ثمانية عشر فرسخاً من مدينتهم و أثخن و استباح و خرب القرى و الحصون . ثم أخذ الترك عليهم القرى و الشعاب حتى ظنوا الهلكة فصالحهم عبيد الله على الخروج من أرضهم ، على أن يعطيهم سبعمائة ألف درهم . و نكر ذلك عليه شريح و أبى إلا القتال و حرض الناس و رجع و قتل حين ، قتل في ناس من أصحابه و نجا الباقون و خرجوا من بلاد رتبيل ، و لقيهم الناس بالأطعمة فكانوا يموتون إذا شبعوا . فجعلوا يطعمونهم السمن قليلاً قليلاً حتى استمروا و كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في غزو بلاد رتبيل فأذن له فجهز عشرين ألف فارس من الكوفة و عشرين ألفاً من البصرة و اختار أهل الغنى و الشجاعة ، و أزاح عللهم و أنفق فيهم ألفي ألف سوى أعطياتهم ، و أخذهم بالخيل الرائعة و السلاح الكامل . و بعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و كان يبغضه و يقول أريد قتله . و يخبر الشعبي بذلك عبد الرحمن فيقول أنا أزيله عن سلطانه ، فلما بعثه على ذلك الجيش تنصح أخوه إسماعيل للحجاج و قال لا تبعثه فإني أخشى خلافه . فقال هو أهيب لي من أن يخالف أمري . و سار عبد الرحمن في الجيش و قدم سجستان و استنفرهم و حذر العقوبة لمن يتعدى و ساروا جميعاً إلى بلاد رتبيل و بذل الخراج فلم يقبل منه و دخل بلاده فحواها شيئاً فشيئاً و بعث عماله عليها و رجع المصالح بالنواحي و الأرصاد على العقاب و الشعاب ، و امتلأت أيدي الناس من الغنائم ، و منع من التوغل في البلاد إلى قابل . و قد قيل في بعث عبد الرحمن بن الأشعث غير هذا أن الحجاج كان قد أنزل هميان بن عدي السدي مسلحة بكرمان إن احتاج إليه عامل السند و سجستان ، فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمه و قام بموضعه . ثم مات عبد الله بن أبي بكرة فولاه الحجاج مكانه و جهز إليه هذا الجيش و كان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم .
أخبار ابن الأشعث و مقتلهو لما وصل كتاب ابن الأشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبخه على القعود عن التوغل و يأمره بالمضي لما أمره به من هدم حصونهم و قتل مقاتليهم و سبي ذراريهم . و أعاد عليه الكتاب بذلك ثانياً و ثالثاً و قال له : إن مضيت و إلا فأخوك إسحق أمير الناس . فجمع عبد الرحمن الناس ورد الرأي عليهم و قال : قد كنا عزمنا جميعاً على ترك التوغل في بلد العدو و رأينا رأياً و كتب بذلك إلى الحجاج و هذا كتابه يستعجزني و يستضعفني و يأمرني بالتوغل بكم و أنا رجل منكم ، فثار الناس و قالوا : لا نسمع و لا نطيع للحجاج . و قال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني : اخلعوا عدو الله الحجاج و بايعوا الأمير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا . و قال عبد المؤمن بن شيث بن ربعي : انصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم و وثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج و نفيه من العراق و على النصرة له و لم يذكر عبد الملك . و صالح عبد الرحمن رتبيل على أنه إن ظهر فلا خراج على رتبيل ما بقي من الدهر ، و إن هزم منعه ممن يريده . و جعل عبد الرحمن على سبت عياض بن هميان الشيباني و على رومج عبد الله بن عامر التميمي ، و على كرمان حرثة بن عمر التميمي . ثم سار إلى العراق في جموعه و أعشى همدان بين يديه يجري بمدحه و ذم الحجاج . و على مقدمته عطية بن عمير العيرني . و لما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك و قالوا إذا خلعنا الحجاج فقد خلعناه فخلعه الناس و بايعوا عبد الرحمن على السنة و على جهاد أهل الضلالة و المخلين و خلعهم . و كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره و يستمده و كتب المهلب إلى الحجاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم ، فنكر كتابه و اتهمه . و جند عبد الملك الجند إلى الحجاج فساروا إليه متتابعين ، و سار الحجاج من البصرة فنزل تستر و بعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد و قتل منهم جمعاً كثيراً و ذلك في أضحى إحدى و ثمانين ، و أجفل الحجاج إلى البصرة ، ثم تأخر عنها إلى الغاوية و راجع كتاب المهلب فعلم نصيحته . و دخل عبد الرحمن البصرة فبايعه أهلها و سائر نواحيها لأن الحجاج كان اشتد على الناس في الخراج ، و أمر من دخل الأمصار أن يرجع إلى القرى ، يستوفي الجزية ، فنكر ذلك الناس و جعل أهل القرى يبكون منه ، فلما قدم عبد الرحمن بايعوه على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . ثم اشتد القتال بينهم في المحرم سنة إثنتين و ثمانين ، و تزاحفوا على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . و انهزم أهل العراق و قصدوا الكوفة و انهزم منهم خلق كثير . و فشا القتل في القرى فقتل منهم عقبة بن الغافر الأزدي في جماعة استلحموا معه ، و قتل الحجاج بعد الهزيمة منهم عشرة آلاف و كان هذا اليوم يسمى يوم الراوية . و اجتمع من بقي بالبصرة على عبد الرحمن ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و بايعوه ، فقاتل بهم الحجاج خمس ليال ثم لحق بابن الأشعث بالكوفة ربيعة طائفة من أهل البصرة . و لما جاء عبد الرحمن الكوفة و خليفة الحجاج عليها عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضرمي وثب مع مطر بن ناجية من بني تميم مع أهل الكوفة ، فاستولى على القصر و أخرجه . فلما وصل ابن الأشعث لقيه أهل الكوفة و احتف به همدان و جاء إلى القصر فمنعه مطر فصعد الناس القصر و أخذوه فحبسه عبد الرحمن و ملك الكوفة . ثم إن الحجاج استعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و رجع إلى الكوفة فنزل دوير فيرة ، و نزل عبد الرحمن دير الجماجم و اجتمع إلى كل واحد أمداده و خندق على نفسه و بعث عبد الملك إبنه عبد الله و أخاه محمداً في جند كثيف و أمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج و يجرى عليهم أعطياتهم كأهل الشام ، و ينزل عبد الرحمن إلى أي بلد شاء عاملاً لعبد الملك . فوجم الحجاج لذلك و كتب إلى عبد الملك : إن هذا ممن يزيدهم جراءة و ذكره بقضية عثمان و سعيد بن العاص . فأبى عبد الملك من رأيه و عرض عبد الله و محمد بن مروان ما جاء به عبد الملك و تشاور أهل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
العراق بينهم و أشار عليهم عبد الرحمن بقبول ذلك ، و أن العزة لهم على عبد الملك لا تزول ، فتوثبوا من كل جانب منكرين لذلك و مجددين الخلع . و تقدمهم في ذلك عبد الله بن دواب السلمي و عمير بن تيحان ، ثم برزوا للقتال و جعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي ، و على ميسرته عمارة بن تميم اللخمي ، و على الخيل سفيان بن الأبرد الكلبي ، و على الرجالة عبد الله بن حبيب الحكمي . و جعل عبد الرحمن على ميمنته الحجاج بن حارثة الخثعمي ، و على ميسرته الأبرد بن قرة التميمي ، و على خيله عبد الرحمن ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، و على رجالته محمد بن سعد بن أبي وقاص ، و على مجنبته عبد الله بن رزم الحرشي ، و على القرى جبلة بن زخر بن قيس الجعفي و فيهم سعيد بن جبير و عامر الشعبي و أبو البحتري الطائي و عبد الرحمن بن أبي ليلى . ثم أقاموا يتزاحفون كل يوم و يقتتلون بقية سنتهم ، و كتيبة القرى معروفة بالصبر يحملون عليها فلا تنتقص . فعبى الحجاج ثلاث كتائب مع الجراح بن عبد الله الحكمي و حملوا على القرى ثلاث حملات و جبلة يحرض القرى و يبيتهم و الشعبي و سعيد بن جبير كذلك . ثم حملوا على الكتائب ففرقوها و أزالوها عن مكانها و تأخر جبلة عنهم ليكون لهم فئة يرجعون إليه ، و أبصره الوليد بن نجيب الكلبي فقصده في جماعة من أهل الشام و قتله و جيء برأسه إلى الحجاج و قدموا عليهم مكانه و ظهر القتل في القرى . ثم اقتتلوا بعد ذلك ما يزيد على مائة يوم كثر فيها القتلى و المبارزة . ثم اقتتلوا يوماً في منتصف جمادى الآخرة و حمل سفيان بن الأبرد في ميمنة الحجاج على ميسرة عبد الرحمن فانهزم الأبرد بن قرة من غير قتال فتقوضت صفوف الميمنة ، و ركبهم أصحاب الحجاج ، ثم انهزم عبد الرحمن و أصحابه . ومضى الحجاج إلى الكوفة و محمد بن مروان إلى الموصل و عبد الله بن عبد الملك إلى الشام . و أخذ الحجاج الناس على أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر ، و قتل من أبي ودعا بكميل بن زياد صاحب علي فقتله لاقتصاصه . ثم أقام بالكوفة شهراً و أنزل أهل الشام في بيوت أهل الكوفة ، و لحق ابن الأشعث بالبصرة إليه جموع المنهزمين و معه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة و لحق به محمد بن سعد بن أبي وقاص بالمدائن ، و سار نحو الحجاج و معه بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني كان قدم عليه قبل الهزيمة من الري و كان انتقض بها ثم غلب عليها و لحق بعبد الرحمن فكان معه و بايع عبد الرحمن خلق كثير على الموت ، و نزل مسكن و خندق عليه و على أصحابه و الحجاج قبالتهم و قاتلهم خالد بن جرير بن عبد الله و كان قدم من خراسان في بعث الكوفة ، فقاتلهم خمسة عشر يوماً من شعبان أشد قتال ، و قتل زياد بن غنيم القيني . و كان علي صالح الحجاج فهد منهم ثم أبى بكر القتال . و حل بسطام بن مصقلة بن هبيرة في أربعة آلاف من فرسان الكوفة و البصرة ، كسروا جفون سيوفهم و حملوا على أهل الشام فكشفوا الشام فكشفوهم مراراً و أحاط بهم الرماة و لحقوا فقتلوا . و حمل عبد الملك بن المهلب على أصحاب عبد الرحمن فكشفوهم . ثم حمل أصحاب الحجاج من كل جانب فانهزم عبد الرحمن و أصحابه و قتل عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه ، و أبو البحتري الطائي و معلى بن الأشعث نحو سجستان و يقال إن بعض الأعراب جاء إلى الحجاج فدله على طريق من وراء معسكر ابن الأشعث فبعث معه أربعة آلاف جاؤا من ورائه ، و أصبح الحجاج فقاتله و استطرد له حتى نهب معسكره و أقبلت السرية من الليل إلى معسكر ابن الأشعث و كان الغرقى منهم أكثر من القتلى ، و جاء الحجاج إلى المعسكر فقتل من وجد فيه و كان عدة القتلى أربعة آلاف منهم : عبد الله بن شداد بن الهادي و بسطام بن مصقلة و عمر بن ربيعة الرقاشي و بشر بن المنذر الجارود و غيرهم . و لما سار ابن الأشعث إلى سجستان أتبعه الحجاج بالعساكر ، و عليهم عمارة بن تميم اللخمي ، و معهم محمد بن الحجاج فأدركوه بالسوس فقاتلوه و انهزم إلى سابور واجتمع إليه الأكراد و قاتلوا العساكر قتالاً شديداً فهزم ، و خرج عمارة و لحق ابن الأشعث بكرمان فلقيه عامله بها و هيأ له النزول فنزل . ثم رحل إلى زرنج فمنعه عامله من الدخول ، فحاصرها أياماً ثم سار إلى بست و عليها من قبله عياض بن هميان بن هشام السلوبي الشيباني ، ثم استغفله فأوثقه . و كان رتبيل ملك الترك قد سار ليستقبله ، و نزل على بست و تهدد عياضاً فأطلقه ، و حمل رتبيل إلى بلاده و أنزله عنده . و اجتمع المنهزمون فاتفقوا على قصد خراسان لينموا بعشائرهم و قصدوا للصلاة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث ، و كتبوا إلى عبد الرحمن بن الأشعث يستقدمونه فقدم عليهم و ثناهم عن قصد خراسان مخافة من سطوة يزيد بن المهلب و أن يجتمع أهل الشام و أهل خراسان فأبوا و قالوا بل يكثر بها تابعنا . فسار معهم إلى هراة فهرب عنهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فخشي الانتقاض و قال : إنما أتيتكم و أمركم جميعاً و أنا الآن منصرف إلى صاحبي الذي جئت من عنده يعني رتبيل . و رجع عنهم في قليل و بقي معظم العسكر مع عبد الرحمن بن العباس بسجستان ، فجمع بابن الأشعث و سار إلى خراسان في عشرين ألفاً و نزل هراة و لقوا الرقاد فقتلوه . و بعث إليه يزيد بن المهلب بالرحلة من البلاد ، فقال إنما نزلنا لنستريح و نرتحل ، ثم أخذ في الجباية و سار نحوه يزيد بن المهلب و التقوا فافترق أصحاب عبد الرحمن عنه ، و صبرت معه طائفة ثم انهزموا و أمر يزيد بالكف عنهم و غنم ما في عسكرهم و أسر جماعة منهم فيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص و عمر بن موسى بن عبد الله بن معمر و عباس بن الأسود بن عوف و الهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة ، و فيروز و أبوا العلج مولى عبيد الله بن معمر و سوار بن مروان و عبد الله بن طلحة الطلحات ، و عبد الله بن فضالة الزهراني الأزدي . و لحق عبد الرحمن بن العباس بالسند و أتى ابن سمرة إلى مرو و انصرف يزيد إلى مرو . و بعث بالأسرى إلى الحجاج مع سيدة بن نجدة ، و قال له أخوه حبيب : ألا تبعث عبد الرحمن بن طلحة ؟ فإن له عندنا يدين ، و قد ودى عن المهلب لأبوه طلحة مائة ألف ، فتركه و ترك عبد الله بن فضالة لأنه من الازد . و بعث الباقين و قدموا عليه بمكان واسط قبل بنائها فدعا بفيروز و قال : ما أخرجك مع هؤلاء و ليس بينك و بينهم نسب ؟ قال : فتنة عمت الناس قال : أكتب أمولك فكتب ألفي ألف و أكثر . فقال للحجاج : و أنا آمن على دمي ؟ قال : لا و الله لتؤدينها ثم أقتلك . قال : لا تجمع مالي و دمي و أمر به فنحي . ثم أحضر محمد بن سعد بن أبي وقاص فوبخه طويلاً ثم أمر به فقتل ثم دعا بعمر بن موسى فوبخه و لاطفه في العذر فلم يقبل ثم أمر به فقتل . ثم أحضر الهلقام بن نعيم فوبخه . و قال : ابن الأشعث طلب الممالك فالذي طلبت أنت ؟ قال : أن توليني العراق مكانه فأمر به فقتل . ثم أحضر عبد الله بن عامر فعذله في عبد الله يزيد بن المهلب لأنه أطلق قومه من الأسر و قاد نحوه مطراً ، فأطرق الحجاج ، ثم قال : ما أنت و ذاك ؟ ثم أمر به فقتل فلم يزل في نفسه من يزيد حتى عزله . ثم أمر بفيروز فعذب و لما أحس بالموت قال أظهروني للناس ليردوا علي ودائعي فلما ظهر نادى من كان لي عنده شيء فهو في حل فأمر به فقتل . و أمر بقتل عمر بن فهر الكندي و كان شريفاً ، و أحضر أعشى همدان و استنشده قصيدته بين الأثلج و بين قيس ، و فيها تحريض ابن الأشعث و أصحابه فقال : ليست هذه و إنما التي بين الأثلج و بين قيس بارق على روي الدال . فأنشده فلما بلغ قوله بخ بخ للوالدة و للمولود . قال : و الله لا تبخبخ بعدها أبداً و قتل . و سأل الحجاج عن الشعبي فقال له يزيد بن أبي مسلم إنه لحق بالري فكتب إلى قتيبة بن مسلم و هو عامله على الري بإرسال الشعبي . فقدم على الحجاج سنة ثلاث و ثمانين ، و كان ابن أبي مسلم له صديقاً فأشار عليه بحسن الإعتذار فلما دخل على الحجاج سلم عليه بالأمرة و قال : و أيم الله لا أقول إلا الحق قد و الله حرضنا و جهدنا فما كنا أقوياء فجرة ، و لا أتقياء بررة ، و قد نصرك الله و ظفرت فإن سطوت فبذنوبنا و إن عفوت فبحلمك و الحجة لك علينا . فقال الحجاج : هذا و الله أحب إلي ممن يقول ما شهدت و لا فعلت و سيفه يقطر من دمائنا . ثم أمنه و انصرف . و لما ظفر الحجاج بابن الأشعث و هزمه لحق كثير من المنهزمين بعمر بن الصلت و قد كان غلب على الري تلك الفتنة . فلما اجتمعوا أرادوا أن يحظوا عند الحجاج و يمحوا عن ذنب الجماجم فأشاروا على عمر بخلع الحجاج فامتنع فدسوا عليه أباه فأجاب . و لما سار قتيبة إلى الري خرجوا مع عمر لقتاله ثم غدروا به فانهزم ، و لحق بطبرستان و أقره الأصبهبد و أحسن إليه ، و أرادوا الوثوب على الأصبهبد فشاور أباه و قال : قد علمت الأعاجم أني أشرف منه فمنعه أبوه ودخل قتيبة الري و كتب الحجاج إلى الأصبهبد أن يبعث بهم أو برؤسهم ففعل ذلك : و لما انصرف عبد الرحمن بن الأشعث من هراة إلى رتبيل قال له علقمة ابن عمر الازدي : لا أدخل معك دار الحرب لأن رتبيل إن دخل إليه الحجاج فيك و في أصحابك قتلكم أو أسلمكم إليه ، و نحن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
خمسمائة قد تبايعنا على أن نتحصن بمدينة حتى نأمن أو نموت كراماً و قدم عليهم مودود البصري ، و زحف إليهم عمارة بن تميم اللخمي و حاصرهم حتى استأمنوا فخرجوا إليه و قلاهم و تتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل و زحف عليه و أغرىفي عبد الرحمن يرهبه و يرغبه ، و كان عبيد بن سميع التميمي من أصحاب الأشعث و كان رسوله إلى رتبيل أولاً فأنس به رتبيل و زحف عليه و أغرى القاسم بن الأشعث أخاه عبد الرحمن فخافه وزير لرتبيل أخذ العهد من الحجاج و إسلام عبد الرحمن إليه على أن يكف عن أرضه سبع سنين فأجابه رتبيل و خرج إلى عمارة سراً . و كتب عمارة إلى الحجاج بذلك فأجاب و كتب له بالكف عنه عشر سنين ، و بعث إليه رتبيل برأس عبد الرحمن و قيل مات بالسل فقطع رأسه و بعث به ، و قيل أرسله مقيداً مع ثلاثين من أهل بيته إلى عمارة فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح القصر فمات ، فبعث عمارة برأسه و ذلك سنة أربع أو خمس و ثمانين .
قد كنا قدمنا حصار المهلب مدينة كش من وراء النهر فأقام عليها سنتين ، و كان استخلف على خراسان إبنه المغيرة فمات سنة إثنتين و ثمانين ، فجزع عليه و بعث إبنه يزيد إلى مرو و مكنه في سبعين فارساً ، و لقيهم في مفازة نسف جمع من الترك يقاربون الخمسمائة فقاتلوا قتالاً شديداً يطلبون ما في أيديهم و المغيرة يمتنع حتى أعطى بعض أصحابه لبعضهم شيئاً من المتاع و السلاح ، و لحقوا بهم و لحق يزيد بمرو . ثم سأل أهل كش من المهلب الصلح على مال يعطونه ، فاسترهن منهم رهناً من أبنائهم في ذلك ، و انفتل المهلب و خلف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية و يرد الرهن ، فلما صار ببلخ كتب إليه : لا تخل الرهن و إن قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كش كتابة و قال : و إن عجلت أعطيتك الرهن ، و أقول له جاء الكتاب بعد إعطائه . فعجل صاحب كش بالفدية و أخذ الرهن و عرض له الترك كما عرضوا ليزيد و قاتلهم فقتلهم و أسر منهم أسرى ، ففدوهم فرداً فرداً و أطلقهم . و لما وصل إلى المهلب ضربه ثلاثين سوطاً عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن . فخلف حريث بن قطنة ليقتلن المهلب ، و خاف ثابتاً أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى و حلف ليقتلن المهلب ، و خاف ثابت إن كان ذلك أن يقتلوا جميعاً فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم ، فلحق به في ثلثمائة من أصحابهما . ثم هلك المهلب و استخلف ابنه يزيد ، و أوصى إبنه حبيباً بالصلاة و أوصى ولده جميعاً بالاجتماع و الإلفة ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فإنها تنسىء في الأجل و تثري و تكثر العدد و أنهاكم عن القطيعة ، فإنها تعقب النار و الذلة و القلة ، و عليكم بالطاعة و الجماعة و لتكن فعالكم أفضل من مقالكم و اتقوا الجواب وزلة اللسان فإن الرجل تزل قدمه فينعش و يزل لسانه فيهلك و اعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل و رواحه إليكم تذكرة له . و آثروا الجود على البخل و أحبوا العرف و اصنعوا المعروف ، فإن الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده . و عليكم في الحرب بالتؤدة و المكيدة فإنها أنفع من الشجاعة ، و إذا كان اللقاء نزل القضاء و إن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الأمر وجهه فظفر ، و إن يظفر قيل ما فرط و لا ضيع و لكن القضاء غالب . و عليكم بقراءة القرآن و تعلم السنن و آداب الصالحين و إياكم و كثرة الكلام في مجالسكم . ثم مات و ذلك سنة إثنتين و ثمانين . و يقال إنه لما حثهم على الإلفة و الإجتماع أحضر سهاماً محزومة فقال : أتكسرون هذه مجتمعة ؟ قالوا : لا . قال : فتكسرونها مفترقة ؟ قالوا : نعم . قال : فهكذا الجماعة . و استولى يزيد على خراسان بعد أبيه و كتب له الحجاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها و حاصرها ففتحها و غنم ما كان فيها من الأموال و الذخائر ، و كانت من أحصن القلاع . و كان بيزك إذا أشرف عليها يسجد لها . و لما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح و كان كاتبه يعمر العدواني حليف هذيل فكتب : إنا لقينا العدو فمنحنا الله أكنافهم فقتلنا طائفة و لحقت طائفة برؤس الجبال و مهامه الأودية و أهضام الغيطان و أفناء الأنهار . فقال الحجاج : من يكتب ليزيد ؟ قيل : يحيى بن يعمر . فكتب بحمله على البريد فلما جاءه قال : أين ولدت ؟ قال : بالأهواز قال : فمن أين هذه الفصاحة ؟ قال : حفظت من أولاد أبي و كان فصيحاً قال : يلحن عنبسة بن سعيد ؟ قال : نعم كثيراً . قال ففلان ؟ قال : نعم . قال : فأنا ؟ قال : تلحن خفيفاً تجعل أن موضع إن موضع أن . قال : أجلتك ثلاثاً و إن و جدتك بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان.
بناء الحجاج مدينة واسط
كان الحجاج ينزل أهل الشام على أهل الكوفة فضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان سنة ثلاث ، و ثمانين ، و عسكروا قريباً من الكوفة حتى يستتموا ، و رجع منهم ذات ليلة فتى حديث عهد بعرس بابنه عمه فطرق و دق الباب فلم يفتح له إلا بعد هنيهة و إذا سكران من أهل الشام فشكت إليه إبنه عمه مراودته إياها . فقال لها : ائذني له فأذنت له . و جاء فقتله الفتى و خرج إلى العسكر و قال : إبعثي إلى الشاميين و ارفعي إليهم صاحبهم فأحضروها عند الحجاج فأخبرته ، فقال : صدقت ! و قال للشاميين لا قود له و لا عقل فإنه قتيل الله إلى النار . ثم نادى مناديه لا ينزل أحد على أحد و بعث الرواد فارتادوا له مكان واسط و وجد هناك راهباً ينظف بقعته من النجاسات فقال : ما هذه ؟ قال : نجد كتبنا أنه ينشأ ههنا مسجد للعبادة . فاختط الحجاج مدينة واسط هنالك و بنى المسجد هنالك و بنى المسجد في تلك البقعة .
عزل يزيد عن خراسان
يقال إن الحجاج وفد إلى عبد الملك و مر في طريقه براهب قيل له إن عنده علماً من الحدثان فقال : هل تجدون في كتابكم ما أنتم فيه ؟ قال : نعم فقال : مسمى أو موصوفاً ؟ قال : موصوفاً . قال فما تجدون صفة ملكنا ؟ قال : صفته كذا . قال ثم من ؟ قال : آخر اسمه الوليد . قال : ثم من ؟ قال : آخر اسمه ثقفي . قال فمن تجد بعدي قال رجل يدعى يزيد . قال أتعرف صفته قال لا أعرف صفته إلا أنه يغدر غدرة فوقع في نفسي الحجاج أنه يزيد بن المهلب و وجل منه و قدم على عبد الملك . ثم عاد إلى خراسان و كتب إلى عبد الملك يذم يزيد و آل المهلب و أنهم زبيرية فكتب إليه إن وفاءهم لآل الزبير يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخونه غدرهم و ما يقول الراهب فكتب إليه عبد الملك إنك أكثرت في يزيد فانظر من تولي مكانه فسمى له قتيبة بن مسلم فكتب له أن يوليه . و كره الحجاج أن يكتبه بالعزل فاستقدمه و أمره أن يستخلف أخاه المفضل و استشار يزيد حصن بن المنذر الرقاشي فقال له : أقم و اعتل و كاتب عبد الملك فإنه حسن الرأي فيك نحن أهل بيت بورك لنا في الطاعة و أنا أكره الخلاف . و أخذ يتجهز و أبطأ فكتب الحجاج إلى المفضل بولاية خراسان و استلحاق يزيد . فقال : إنه لا يضرك بعدي و إنما ولاك مخافة أن امثنع و خرج يزيد في ربيع سنة خمس و ثمانين . ثم عزل المفضل لتسعة أشهر من ولايته و ولى قتيبة بن مسلم و قيل سبب عزل اليزيد أن الحجاج أذل العراق كلهم إلا آل المهلب و كان يستقدم يزيد فيعتل عليه بالعدا و الحروب و قيل كتب إليه أن يغزو خوارزم فاعتذر إليه بأنها قليلة السلب شديدة الكلف . ثم استقدمه بعد ذلك فقال إني أغزو خوارزم فكتب الحجاج لا تغزها فغزاها و أصاب سبياً و صالحه أهلها و انفتل في الشتاء . و أصاب البرد فتدثروا بلباس الأسرى فبقوا عراياً و قتلهم المفضل . و لما ولى المفضل خراسان غزا باذغيس ففتحها و أصاب مغنماً و أصاب مغنماً فقسمه ثم غزا شومان فغنم و قسم ما أصابه .
مقتل موسى بن حازمكان عبد الله بن حازم لما قتل بني تميم بخراسان و افترقوا عليه فخرج إلى نيسابور ، و خاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى : اقطع نهر بلخ حتى نلتجئ إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه . فسار موسى عن مرو في مائتين و عشرين فارساً و اجتمع إليه شبه الأربعمائة و قوم من بين سليم و أتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم و أصاب منهم مالاً ، و قطع النهر . و سأل صاحب بخارى أن يأوي إليه فأبى و خافه ، و بعث إليه بصلة فسار عنه و عرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه ، و أتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام و بلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم و لم يزل مقيماً بسمرقند . و بارز بعض أصحابه يوماً بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها و لم يطق
قد كنا قدمنا حصار المهلب مدينة كش من وراء النهر فأقام عليها سنتين ، و كان استخلف على خراسان إبنه المغيرة فمات سنة إثنتين و ثمانين ، فجزع عليه و بعث إبنه يزيد إلى مرو و مكنه في سبعين فارساً ، و لقيهم في مفازة نسف جمع من الترك يقاربون الخمسمائة فقاتلوا قتالاً شديداً يطلبون ما في أيديهم و المغيرة يمتنع حتى أعطى بعض أصحابه لبعضهم شيئاً من المتاع و السلاح ، و لحقوا بهم و لحق يزيد بمرو . ثم سأل أهل كش من المهلب الصلح على مال يعطونه ، فاسترهن منهم رهناً من أبنائهم في ذلك ، و انفتل المهلب و خلف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية و يرد الرهن ، فلما صار ببلخ كتب إليه : لا تخل الرهن و إن قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كش كتابة و قال : و إن عجلت أعطيتك الرهن ، و أقول له جاء الكتاب بعد إعطائه . فعجل صاحب كش بالفدية و أخذ الرهن و عرض له الترك كما عرضوا ليزيد و قاتلهم فقتلهم و أسر منهم أسرى ، ففدوهم فرداً فرداً و أطلقهم . و لما وصل إلى المهلب ضربه ثلاثين سوطاً عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن . فخلف حريث بن قطنة ليقتلن المهلب ، و خاف ثابتاً أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى و حلف ليقتلن المهلب ، و خاف ثابت إن كان ذلك أن يقتلوا جميعاً فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم ، فلحق به في ثلثمائة من أصحابهما . ثم هلك المهلب و استخلف ابنه يزيد ، و أوصى إبنه حبيباً بالصلاة و أوصى ولده جميعاً بالاجتماع و الإلفة ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فإنها تنسىء في الأجل و تثري و تكثر العدد و أنهاكم عن القطيعة ، فإنها تعقب النار و الذلة و القلة ، و عليكم بالطاعة و الجماعة و لتكن فعالكم أفضل من مقالكم و اتقوا الجواب وزلة اللسان فإن الرجل تزل قدمه فينعش و يزل لسانه فيهلك و اعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل و رواحه إليكم تذكرة له . و آثروا الجود على البخل و أحبوا العرف و اصنعوا المعروف ، فإن الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده . و عليكم في الحرب بالتؤدة و المكيدة فإنها أنفع من الشجاعة ، و إذا كان اللقاء نزل القضاء و إن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الأمر وجهه فظفر ، و إن يظفر قيل ما فرط و لا ضيع و لكن القضاء غالب . و عليكم بقراءة القرآن و تعلم السنن و آداب الصالحين و إياكم و كثرة الكلام في مجالسكم . ثم مات و ذلك سنة إثنتين و ثمانين . و يقال إنه لما حثهم على الإلفة و الإجتماع أحضر سهاماً محزومة فقال : أتكسرون هذه مجتمعة ؟ قالوا : لا . قال : فتكسرونها مفترقة ؟ قالوا : نعم . قال : فهكذا الجماعة . و استولى يزيد على خراسان بعد أبيه و كتب له الحجاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها و حاصرها ففتحها و غنم ما كان فيها من الأموال و الذخائر ، و كانت من أحصن القلاع . و كان بيزك إذا أشرف عليها يسجد لها . و لما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح و كان كاتبه يعمر العدواني حليف هذيل فكتب : إنا لقينا العدو فمنحنا الله أكنافهم فقتلنا طائفة و لحقت طائفة برؤس الجبال و مهامه الأودية و أهضام الغيطان و أفناء الأنهار . فقال الحجاج : من يكتب ليزيد ؟ قيل : يحيى بن يعمر . فكتب بحمله على البريد فلما جاءه قال : أين ولدت ؟ قال : بالأهواز قال : فمن أين هذه الفصاحة ؟ قال : حفظت من أولاد أبي و كان فصيحاً قال : يلحن عنبسة بن سعيد ؟ قال : نعم كثيراً . قال ففلان ؟ قال : نعم . قال : فأنا ؟ قال : تلحن خفيفاً تجعل أن موضع إن موضع أن . قال : أجلتك ثلاثاً و إن و جدتك بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان.
بناء الحجاج مدينة واسط
كان الحجاج ينزل أهل الشام على أهل الكوفة فضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان سنة ثلاث ، و ثمانين ، و عسكروا قريباً من الكوفة حتى يستتموا ، و رجع منهم ذات ليلة فتى حديث عهد بعرس بابنه عمه فطرق و دق الباب فلم يفتح له إلا بعد هنيهة و إذا سكران من أهل الشام فشكت إليه إبنه عمه مراودته إياها . فقال لها : ائذني له فأذنت له . و جاء فقتله الفتى و خرج إلى العسكر و قال : إبعثي إلى الشاميين و ارفعي إليهم صاحبهم فأحضروها عند الحجاج فأخبرته ، فقال : صدقت ! و قال للشاميين لا قود له و لا عقل فإنه قتيل الله إلى النار . ثم نادى مناديه لا ينزل أحد على أحد و بعث الرواد فارتادوا له مكان واسط و وجد هناك راهباً ينظف بقعته من النجاسات فقال : ما هذه ؟ قال : نجد كتبنا أنه ينشأ ههنا مسجد للعبادة . فاختط الحجاج مدينة واسط هنالك و بنى المسجد هنالك و بنى المسجد في تلك البقعة .
عزل يزيد عن خراسان
يقال إن الحجاج وفد إلى عبد الملك و مر في طريقه براهب قيل له إن عنده علماً من الحدثان فقال : هل تجدون في كتابكم ما أنتم فيه ؟ قال : نعم فقال : مسمى أو موصوفاً ؟ قال : موصوفاً . قال فما تجدون صفة ملكنا ؟ قال : صفته كذا . قال ثم من ؟ قال : آخر اسمه الوليد . قال : ثم من ؟ قال : آخر اسمه ثقفي . قال فمن تجد بعدي قال رجل يدعى يزيد . قال أتعرف صفته قال لا أعرف صفته إلا أنه يغدر غدرة فوقع في نفسي الحجاج أنه يزيد بن المهلب و وجل منه و قدم على عبد الملك . ثم عاد إلى خراسان و كتب إلى عبد الملك يذم يزيد و آل المهلب و أنهم زبيرية فكتب إليه إن وفاءهم لآل الزبير يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخونه غدرهم و ما يقول الراهب فكتب إليه عبد الملك إنك أكثرت في يزيد فانظر من تولي مكانه فسمى له قتيبة بن مسلم فكتب له أن يوليه . و كره الحجاج أن يكتبه بالعزل فاستقدمه و أمره أن يستخلف أخاه المفضل و استشار يزيد حصن بن المنذر الرقاشي فقال له : أقم و اعتل و كاتب عبد الملك فإنه حسن الرأي فيك نحن أهل بيت بورك لنا في الطاعة و أنا أكره الخلاف . و أخذ يتجهز و أبطأ فكتب الحجاج إلى المفضل بولاية خراسان و استلحاق يزيد . فقال : إنه لا يضرك بعدي و إنما ولاك مخافة أن امثنع و خرج يزيد في ربيع سنة خمس و ثمانين . ثم عزل المفضل لتسعة أشهر من ولايته و ولى قتيبة بن مسلم و قيل سبب عزل اليزيد أن الحجاج أذل العراق كلهم إلا آل المهلب و كان يستقدم يزيد فيعتل عليه بالعدا و الحروب و قيل كتب إليه أن يغزو خوارزم فاعتذر إليه بأنها قليلة السلب شديدة الكلف . ثم استقدمه بعد ذلك فقال إني أغزو خوارزم فكتب الحجاج لا تغزها فغزاها و أصاب سبياً و صالحه أهلها و انفتل في الشتاء . و أصاب البرد فتدثروا بلباس الأسرى فبقوا عراياً و قتلهم المفضل . و لما ولى المفضل خراسان غزا باذغيس ففتحها و أصاب مغنماً و أصاب مغنماً فقسمه ثم غزا شومان فغنم و قسم ما أصابه .
مقتل موسى بن حازمكان عبد الله بن حازم لما قتل بني تميم بخراسان و افترقوا عليه فخرج إلى نيسابور ، و خاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى : اقطع نهر بلخ حتى نلتجئ إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه . فسار موسى عن مرو في مائتين و عشرين فارساً و اجتمع إليه شبه الأربعمائة و قوم من بين سليم و أتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم و أصاب منهم مالاً ، و قطع النهر . و سأل صاحب بخارى أن يأوي إليه فأبى و خافه ، و بعث إليه بصلة فسار عنه و عرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه ، و أتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام و بلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم و لم يزل مقيماً بسمرقند . و بارز بعض أصحابه يوماً بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها و لم يطق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
صاحبها مدافعته و استجاش عليه بطرخون . فخرج موسى للقائه و قد اجتمع معه سبعمائة فارس فاقتتلوا إلى الليل و دس موسى بعض أصحابه إلى طرخون يخوفه عاقبة أمره و أن كل من يأتي خراسان يطالبه بدمه فقال : يرتحل عن كش ؟ فقال له : نعم ! و كف حتى ارتحل و أتى ترمذ ، فنزل إلى جانب حصن بها مشرف على النهر ، و أبى ملك ترمذ من تمليكه الحصن فأقام هنالك و لاطف الملك و تودد له و صار يتصيد معه . و صنع له الملك يوماً طعاماً وأحضره في مائة من أصحابه ليأكلوا ، فلما طعموا امتنعوا من الذهاب . و قال موسى هذا الحصن إما بيتي أو قبري و قاتلهم فقتل منهم عدة و استولى على الحصن و أخرج ملك ترمذ و لم يتعرض لله و لا لأصحابه . و لحق به جمع من أصحاب أبيه فقوي بهم ، و كان يغير على ما حوله . و لما ولي أمية خراسان سار لغزوه و خالفه بكير كما تقدم . ثم بعث إليه بعد صلحه مع بكير الجيوش مع رجل من خزاعة و حاصروه . و عاود ملك ترمذ إستنصاره بالترك في جمع كثير و نزلوا عليه من جانب آخر . و كان يقاتل العرب أول النهار و الترك آخره ثلاثة أشهر . ثم بيت الترك ليلة فهزمهم و حوى عسكرهم بما فيه من المال و السلاح و لم يهلك من أصحابه إلا ستة عشر رجلاً . و أصبح الخزاعي و العرب و قد خافوا مثلها . و إذا عمر بن خالد بن حصين الكلابي على موسى بن حازم و كان صاحبه فقال : إنا لانظفر إلا بمكيدة فاضربني و خلني ، فضربه خمسين سوطاً فلحق بالخزاعي و قال : إن ابن حازم اتهمني بعصبيتكم و أني عين لكم فأمنه الخزاعي و أقام عنده . و دخل عليه يوماً و هو خال فقال له : لا ينبغي أن تكون بغير سلاح . فرفع طرف فراشه و أراه سيفاً منتضى تحته فضربه عمر حتى قتله و لحق بموسى . و تفرق الجيش و استأمن بعضهم موسى . و لما ولي المهلب على خراسان قال لبنيه : إياكم و موسى فإنه إن مات جاء على خراسان أمير من قيس . ثم لحق به حريث و ثابت ابنا قطنة الخزاعي فكانا معه . و لما ولي يزيد أخذ أموالهما و حرمهما ، و قتل أخاهما للأم الحرث بن معقد ، فسار ثابت إلى طرخون صريخاً ، و كان محبباً إلى الترك فغضب له طرخون . وجمع له نيزك و ملك الصغد و أهل بخارى و الصاغان ، فقدموا ثابت إلى موسى و قد اجتمع عليه فل عبد الرحمن بن عباس من هراة و فل ابن الأشعث من العراق و من كابل . فكان معه نحو ثمانية آلاف فقال له ثابت و حريث : سر بنا فب هذا العسكر مع الترك ، فنخرج يزيد من خراسان و نوليك ، فحذر موسى أن يغلباه على خراسان ، و نصحه بعض أصحابه في ذلك فقال لهما : إن أخرجنا يزيد قدم عامل المدينة عبد الملك ، و لكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر و يكون لنا ، فأخرجوهم و انصرف طرخون و الترك . و قوي أمر العرب بترمذ و جبوا الأموال و استبد ثابت و حريث على موسى و أغراه أصحابه بهما فهم بقتلهما ، و إذا بجموع العجم قد خرجت إليهم من الهياطلة و التبت و الترك فخرج موسى فيمن معه للقتال . و وقف ملك الترك على ما قيل في عشرة آلاف ، فحمل عليهم حريث بن قطنة حتى أزالهم عن موضعهم ، و أصيب بسهم في وجهه و تحاجزوا ثم بيتهم موسى فانهزموا و قتل من الترك خلق كثير و مات منهم قليل . و مات حريث بعد يومين و رجع موسى بالظفر و الغنيمة . و قال له أصحابه : قد كفينا أمر حريث فاكفنا أمر ثابت فأبى . و بلغ ثابتاً بعض ما كانوا يخوضون فيه و دس محمد بن عبد الله الخزاعي عليهم على أنه من سبي الباسيان و لا يحسن العربية ، فاتصل بموسى و كان ينقل إلى ثابت خبر أصحابه فقام لهم ليلة : قد أكثرتم علي فعلى أي وجه تقتلونه و لا أغدر به ؟ فقال له أخوه نوح : إذا أتاك غداً عد لنا به إلى بعض الدور فقتلناه قبل أن يصل إليك . فقال و الله : إنه لهلاككم و جاء الغلام إلى ثابت بالخبر فخرج من ليلته في عشرين فارساً و أصبحوا ففقدوه و فقدوا الغلام فعلموا أنه كان عيناً . و نزل ثابت بحشور و اجتمع إليه خلق كثير من العرب و العجم . و سار إليه موسى و قاتله ، فحصر ثابتاً بالمدينة . و أتاه طرخون مدداً فرجع موسى إلى ترمذ . ثم اجتمع ثابت و طرخون و أهل بخارى و نسف و أهل كش في ثمانين ألفاً . فحاصروا موسى بترمذ حتى جهد أصحابه . و قال يزيد بن هذيل و الله لأقتلن ثابتاً أو أموت . فاستأمن إليه و حذره بعض أصحابه منه فأخذ إبنيه قدامة و الضحاك رهناً و أقام يزيد يتلمس غرة ثابت . و مات ابن الزياد و القصير و الخزاعي فخرج إليه ثابت يعزيه بغير سلاح فضربه يزيد على رأسه و هرب و أخذ طرخون قدامة و الضحاك إبني يزيد فقتلهما . و هلك ثابت لسبعة أيام و قام مكانه من أصحابه ظهير و ضعف أمرهم و بيتهم موسى ليلاً في ثلثمائة فبعث إليه طرخون كف أصحابك فإنا نرحل الغداة . فرجع و ارتحل طرخون و العجم جميعاً . و لما ولي المفضل خراسان بعث عثمان بن مسعود في جيش إلى موسى بن حازم و كتب إلى مدرك بن المهلب في بلخ بالمسير معه ، فعبرالنهر في خمسة عشر ألفاً ، و كتب إلى رتبيل و إلى طرخون أن يكونوا مع عثمان . فحاصروا موسى بن حازم فضيقوا عليه شهرين ، و قد خندق عثمان على معسكره حذر البيات فقال موسى لأصحابه : اخرجوا بنا مستميتين واقصدوا الترك فخرجوا و خلف النضر ابن أخيه سليمان في المدينة و قال له : إن أنا قتلت فملك المدينة لمدرك بن المهلب دون عثمان و جعل ثلث أصحابه بإزاء عثمان و قال لا تقاتلوه إلا إن قاتلكم و قصد طرخون و أصحابه و صدقوهم القتال ، فانهزم طرخون و أخذوا و حجزت الترك و الصغد بينهم و بين الحصن فقاتلهم فعقروا فرسه و أردفه مولى له فبصر به عثمان حين وثب فعرفه فقصده و عقروا به الفرس و قتلوه ، و قتل خلق كثير من العرب و تولى قتل موسى واصل العنبري و نادى منادي عثمان بكف القتل و بالأسر و بعث النضر بن سليمان إلى مدرك بن المهلب فسلم إليه مدينة ترمذ و سلمها مدرك إلى عثمان و كتب المفضل إلى الحجاج بقتل موسى فلم يسره لأنه من قيس و كان قتل موسى سنة خمس و ثمانين لخمس عشرة سنة من تغلبه على ترمذ .
البيعة للوليد بالعهد
و كان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد و البيعة لابنه الوليد ، و كان قبيصة ينهاه عن ذلك و يقول : لعل الموت يأتيه و تدفع العار عن نفسك و جاءه روح بن زنباع ليلة و كان عنده عظيماً ففاوضه في ذلك فقال : لو فعلته ما انتضج فيه عنزان . فقال : نصلح إن شاء الله . و أقام روح عنده و دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنح الليل و هما نائمان و كان لا يحجب عنه و إليه الخاتم و السكة فأخبره بموت عبد العزيز أخيه . فقال روح : كفانا الله ما نريد ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك و ولاه عليها . و يقال : إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز إني رأيت أن يصير الأمر إلى ابن أخيك ، فكتب له أن تجعل الأمر له من بيعة فكتب له إني أرى في أبي بكر ما ترى في الوليد . فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز إني و إياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا و لا ندري أينا يأتيه الموت فلا تفسد على بقية عمري فرق له عبد الملك و تركه . و لما بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد و سليمان ، و كتب بالبيعة لهما إلى البلدان . و كان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا و أبى سعيد بن المسيب فضربه ضرباً مبرحاً و طاف به و حبسه . و كتب عبد الملك إلى هشام يلومه و يقول : إن سعيداً ليس عنده شقاق و لا نفاق و لا خلاف و قد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير فضربه جابر بن الأسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطاً ، و كتب إليه ابن الزبير يلومه . و قيل إن بيعة الوليد و سليمان كانت سنة أربع و ثمانين و الأول أصح . و قيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال : أبسط بشرك و ألن كنفك و آثر الرفق في الأمور فهو أبلغ لك ، وانظر حاجبك و ليكن من خير أهلك فإنه وجهك و لسانك . و لا يقفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الذي تأذن له أو ترده ، فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك و تثبت في قلوبهم محبتك ، و إذا انتهى إليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة و اعلم أن لك نصف الرأي و لأخيك نصفه و لم يهلك امرؤ عن مشورة و إذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إصابتها .
وفاة عبد الملك و بيعة الوليدثم توفي عبد الملك منتصف شوال سنة ست و ثمانين و أوصى إلى بنيه فقال : أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية و أحصن كهف ، ليعطف الكبير منكم على الصغير ، و انظروا مسلمة
البيعة للوليد بالعهد
و كان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد و البيعة لابنه الوليد ، و كان قبيصة ينهاه عن ذلك و يقول : لعل الموت يأتيه و تدفع العار عن نفسك و جاءه روح بن زنباع ليلة و كان عنده عظيماً ففاوضه في ذلك فقال : لو فعلته ما انتضج فيه عنزان . فقال : نصلح إن شاء الله . و أقام روح عنده و دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنح الليل و هما نائمان و كان لا يحجب عنه و إليه الخاتم و السكة فأخبره بموت عبد العزيز أخيه . فقال روح : كفانا الله ما نريد ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك و ولاه عليها . و يقال : إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز إني رأيت أن يصير الأمر إلى ابن أخيك ، فكتب له أن تجعل الأمر له من بيعة فكتب له إني أرى في أبي بكر ما ترى في الوليد . فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز إني و إياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا و لا ندري أينا يأتيه الموت فلا تفسد على بقية عمري فرق له عبد الملك و تركه . و لما بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد و سليمان ، و كتب بالبيعة لهما إلى البلدان . و كان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا و أبى سعيد بن المسيب فضربه ضرباً مبرحاً و طاف به و حبسه . و كتب عبد الملك إلى هشام يلومه و يقول : إن سعيداً ليس عنده شقاق و لا نفاق و لا خلاف و قد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير فضربه جابر بن الأسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطاً ، و كتب إليه ابن الزبير يلومه . و قيل إن بيعة الوليد و سليمان كانت سنة أربع و ثمانين و الأول أصح . و قيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال : أبسط بشرك و ألن كنفك و آثر الرفق في الأمور فهو أبلغ لك ، وانظر حاجبك و ليكن من خير أهلك فإنه وجهك و لسانك . و لا يقفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الذي تأذن له أو ترده ، فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك و تثبت في قلوبهم محبتك ، و إذا انتهى إليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة و اعلم أن لك نصف الرأي و لأخيك نصفه و لم يهلك امرؤ عن مشورة و إذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إصابتها .
وفاة عبد الملك و بيعة الوليدثم توفي عبد الملك منتصف شوال سنة ست و ثمانين و أوصى إلى بنيه فقال : أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية و أحصن كهف ، ليعطف الكبير منكم على الصغير ، و انظروا مسلمة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ، ولحيكم الذي عنه ترمون و أكرموا الحجاج فإنه الذي وطأ لكم المنابر ، و دوخ لكم البلاد ، و أذل لكم مغنى الأعداء . و كونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب . و كونا في الحرب أحراراً فإن القتال لا يقرب منية و كونوا للمعروف مناراً فإن المعروف يبقى أجره و ذخره و ذكره ، و ضعوامعروفكم عند ذوي الأحساب فإنه لصون له ، و اشكر لما يؤتي إليهم منه ، و تعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا ، و إن عادوا فانتقموا . و لما دفن عبد الملك قال الوليد : إنا لله و إنا إليه راجعون و الله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين و الحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة ، فكان أول من عزى نفسه و هنأه . ثم قام عبد الله بن همام السامولي و هو يقول :
الله أعطاك التي لا فوقها و قد أراد الملحدون عوقها
عنك و يأبى الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها
و بايعه ثم بايع الناس بعده و قيل إن الوليد صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله و قد كان من قضاء الله و سابق علمه ، و ما كتب على أنبيائه و حملة على أنبيائه و حملة عرشه الموت و قد صار إلى منازل الأبرار و ولي هذه الأمة بالذي يحق لله عليه في الشدة على المذنب و اللين لأهل الحق و الفضل ، و إقامة ما أقام الله من منازل الإسلام و إعلائه من حج البيت و غزو الثغور و شن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزاً و لا مفرطاً . أيها الناس عليكم بالطاعة و لزوم الجماعة فإن الشيطان مع المنفرد . أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فهي عيناه ، و من سكت مات بدائه ثم نزل .
ولاية قتيبة بن مسلم خراسان و أخباره
قدم قتيبة خراسان أميراً عن الحجاج سنة ستة و ثمانين فعرض الجند و حث على الجهاد و سار غازياً وجعل على الحرب بمرو أياس بن عبد الله بن عمرو ، و على الخراج عثمان بن السعدي و تلقاه دهاقين البلخ و الطالقان و ساروا معه . و لما عبر النهر تلقاه ملك الصغانيان بهداياه . و كان ملك أخرون و شومان يسيء جواره فدعا إلى بلاده و سلمها إليه . و سار قتيبة إلى أخرون و شومان و هو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه . و قبضها ثم انصرف إلى مرو و استخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ، ففتح بعد رجوع قتيبة كاشان و أورشت من فرغانة ، ثم أخسيكت مدينة فرغانة القديمة ، و كان معه ابن يسار و أبلى في هذه الغزاة . و قيل إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس و ثمانين و كان من ذلك السبي امرأة برمك . و كان برمك على النوبهار ، فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة فوقع عليها و علقت منه بخالد ، ثم صالح أهل بلخ و أمر قتيبة برد السبي ، فألحق عبد الله به حملها . ثم ردت إلى برمك . و ذكر أن ولد عبد الله بن مسلم إدعوه و رفعوا أمرهم إلى المهدي و هو بالري ، فقال بعض قرابتهم إنكم إن استلحقتموه لا بد لكم أن تزوجوه ، فتركوه و لما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين هددهم فبعث بهم إليهم . ثم كتب إليه يستقدمه على الأمان فخشي و تثاقل ، ثم قدم و صالح لأهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع و ثمانين . فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد و بمن حولهم من الترك . و ساروا إليه في جموع عظيمة ، و أخذوا عليه الطرق . فانقطعت الأخبار و الرسل ما بينه و بين المسلمين شهرين ، ثم هزمهم بعض الأيام و اثخن فيهم بالقتل و الأسر وجاء إلى السور ليهدمه ، فسألوا الصلح فصالحهم و استعمل عليهم و سار عنهم غير بعيد . فقتلوا العامل و من معه فرجع إليهم و هدم سورهم و قتل المقاتلة و سبى الذرية و غنم من السلاح و آنية الذهب و الفضة ما لم يصيبوا مثله . ثم غزا سنة ثمان و ثمانين بلد نومكثت فصالحوه و سار إلى رامسة فصالحوه أيضاً ، فانصرف و زحف أيضاً إليه الترك و الصغد و أهل فرغانة في مائتي ألف و ملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين ، و اعترضوا مقدمته و عليها أخوه عبد الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة و كان ينزل معه ، فأبلى مع المسلمين ثم انهزم الترك و جموعهم ، و رجع قتيبة إلى مرو . ثم أمره الحجاج سنة تسع و ثمانين و بخارى ، و ملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم و لقيه الصغد و أهل كش و نسف بالمفازة و قاتلوه فهزمهم و مضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان و لم يظفر منه بشيء و رجع إلى مرو .
عمارة المسجد
كان الوليد عزل هشام بن إسماعيل المخزومي عن المدينة سنة سبع و ثمانين لأربع سنين من ولايته ، و ولى عليها عمربن عبد العزيز فقدمها و نزل دار مروان و دعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون ، فجعلهم أهل مشورته لايقطع أمراً دونهم و أمرهم أن يبلغوه الحاجات و الظلامات فشكروه و جزوه خيراً . و دعا له الناس ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد و يشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها ، و قدم القبلة و من أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل و ادفع إليه الثمن و اهدم عليه الملك ، و لك في عمر و عثمان أسوة . فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها و بعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب و مائة من الفعلة و أربعين حملاً من الفسيفساء و بعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز و استكثر معهم من فعله الشام و شرع عمر في عمارته و ولى الوليد في سنة تسع و ثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسري .
فتح السند
كان الحجاج قد ولى علىثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل ، و جهز معه ستة آلاف مقاتل و نزل مكران ، فأقام بها أياماً ثم أتى فيريوز ففتحها ثم أرمايل ثم سار إلى الدبيل و كان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم و عليه راية فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة و البد صنم مركوز في بناء و الدقل منارة عليه و كل ما يعبد فهو عندهم بد . فحاصر الدبيل و رماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الأسوار ففتحت عنوة و أنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين و بني جامعها و سار عنها إلى النيروز . و قد كانوا بعثوا إلى الحجاج و صالحوه فلقوا محمداً بالميرة و أدخلوه مدينتهم و سار عنها و جعل لا يمر بمدينة من مدائن السند إلا فتحها حتى بلغ نهر مهران ، و استعد ملك السند لمحاربته و إسمه داهر بن صصة ثم عقد الجسر على النهر و عبر فقاتله داهر و هو على الفيل و حوله الفيلة . ثم اشتد القتال و ترجل داهر فقاتل حتى قتل و انهزم الكفار و استلحمهم المسلمون و لحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها و خافته ، فأحرقت نفسها و جواريها . و ملك المدينة و لحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة و هي يومئذ غيضة ، ففتحها عنوة و استلحم من وجد بها و خربها . ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة و قطع نهر ساسل إلى الملقاد فحاصرها و قطع الماء فنزلوا على حكمه ، فقتل المقاتلة و سبى الذرية ، و قتل سدنة البلد و هو ستة آلاف و أصابوا في البلد ذهباً كثيراً في بيت طوله عشرة أذرع و عرضه ثمانية كانت الأموال تهدى إليه من البلدان و يحجون إليه و يحلقون شعرهم عنده و يزعمون أنه هو أيوب فاستكمل فتح السند و بعث من الخمس بمائة و عشرين ألف ألف و كانت النفقة نصفها .
فتح الطالقان و سمرقند و غزوكش و نسف و الشاش و فرغانة و صلح خوارزمقد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع و ثمانين ، و انصرف عنها و لم يظفر . و بعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها و يأمره بالعود فسار إليها و معه نيزك طرخان صاحب باذغيس ، و حاصرها و استجاش ملكها وردان أخذاه بمن حوله من الصغد و الترك . فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين و كانت الأزد في المقدمة فانهزموا حتى جاوزوا عسكر المسلمين ثم رجعوا و زحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم . ثم زحف بنو تميم و قاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم و أزالوهم عنها و كان بين المسلمين و
الله أعطاك التي لا فوقها و قد أراد الملحدون عوقها
عنك و يأبى الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها
و بايعه ثم بايع الناس بعده و قيل إن الوليد صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله و قد كان من قضاء الله و سابق علمه ، و ما كتب على أنبيائه و حملة على أنبيائه و حملة عرشه الموت و قد صار إلى منازل الأبرار و ولي هذه الأمة بالذي يحق لله عليه في الشدة على المذنب و اللين لأهل الحق و الفضل ، و إقامة ما أقام الله من منازل الإسلام و إعلائه من حج البيت و غزو الثغور و شن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزاً و لا مفرطاً . أيها الناس عليكم بالطاعة و لزوم الجماعة فإن الشيطان مع المنفرد . أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فهي عيناه ، و من سكت مات بدائه ثم نزل .
ولاية قتيبة بن مسلم خراسان و أخباره
قدم قتيبة خراسان أميراً عن الحجاج سنة ستة و ثمانين فعرض الجند و حث على الجهاد و سار غازياً وجعل على الحرب بمرو أياس بن عبد الله بن عمرو ، و على الخراج عثمان بن السعدي و تلقاه دهاقين البلخ و الطالقان و ساروا معه . و لما عبر النهر تلقاه ملك الصغانيان بهداياه . و كان ملك أخرون و شومان يسيء جواره فدعا إلى بلاده و سلمها إليه . و سار قتيبة إلى أخرون و شومان و هو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه . و قبضها ثم انصرف إلى مرو و استخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ، ففتح بعد رجوع قتيبة كاشان و أورشت من فرغانة ، ثم أخسيكت مدينة فرغانة القديمة ، و كان معه ابن يسار و أبلى في هذه الغزاة . و قيل إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس و ثمانين و كان من ذلك السبي امرأة برمك . و كان برمك على النوبهار ، فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة فوقع عليها و علقت منه بخالد ، ثم صالح أهل بلخ و أمر قتيبة برد السبي ، فألحق عبد الله به حملها . ثم ردت إلى برمك . و ذكر أن ولد عبد الله بن مسلم إدعوه و رفعوا أمرهم إلى المهدي و هو بالري ، فقال بعض قرابتهم إنكم إن استلحقتموه لا بد لكم أن تزوجوه ، فتركوه و لما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين هددهم فبعث بهم إليهم . ثم كتب إليه يستقدمه على الأمان فخشي و تثاقل ، ثم قدم و صالح لأهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع و ثمانين . فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد و بمن حولهم من الترك . و ساروا إليه في جموع عظيمة ، و أخذوا عليه الطرق . فانقطعت الأخبار و الرسل ما بينه و بين المسلمين شهرين ، ثم هزمهم بعض الأيام و اثخن فيهم بالقتل و الأسر وجاء إلى السور ليهدمه ، فسألوا الصلح فصالحهم و استعمل عليهم و سار عنهم غير بعيد . فقتلوا العامل و من معه فرجع إليهم و هدم سورهم و قتل المقاتلة و سبى الذرية و غنم من السلاح و آنية الذهب و الفضة ما لم يصيبوا مثله . ثم غزا سنة ثمان و ثمانين بلد نومكثت فصالحوه و سار إلى رامسة فصالحوه أيضاً ، فانصرف و زحف أيضاً إليه الترك و الصغد و أهل فرغانة في مائتي ألف و ملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين ، و اعترضوا مقدمته و عليها أخوه عبد الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة و كان ينزل معه ، فأبلى مع المسلمين ثم انهزم الترك و جموعهم ، و رجع قتيبة إلى مرو . ثم أمره الحجاج سنة تسع و ثمانين و بخارى ، و ملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم و لقيه الصغد و أهل كش و نسف بالمفازة و قاتلوه فهزمهم و مضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان و لم يظفر منه بشيء و رجع إلى مرو .
عمارة المسجد
كان الوليد عزل هشام بن إسماعيل المخزومي عن المدينة سنة سبع و ثمانين لأربع سنين من ولايته ، و ولى عليها عمربن عبد العزيز فقدمها و نزل دار مروان و دعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون ، فجعلهم أهل مشورته لايقطع أمراً دونهم و أمرهم أن يبلغوه الحاجات و الظلامات فشكروه و جزوه خيراً . و دعا له الناس ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد و يشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها ، و قدم القبلة و من أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل و ادفع إليه الثمن و اهدم عليه الملك ، و لك في عمر و عثمان أسوة . فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها و بعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب و مائة من الفعلة و أربعين حملاً من الفسيفساء و بعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز و استكثر معهم من فعله الشام و شرع عمر في عمارته و ولى الوليد في سنة تسع و ثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسري .
فتح السند
كان الحجاج قد ولى علىثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل ، و جهز معه ستة آلاف مقاتل و نزل مكران ، فأقام بها أياماً ثم أتى فيريوز ففتحها ثم أرمايل ثم سار إلى الدبيل و كان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم و عليه راية فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة و البد صنم مركوز في بناء و الدقل منارة عليه و كل ما يعبد فهو عندهم بد . فحاصر الدبيل و رماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الأسوار ففتحت عنوة و أنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين و بني جامعها و سار عنها إلى النيروز . و قد كانوا بعثوا إلى الحجاج و صالحوه فلقوا محمداً بالميرة و أدخلوه مدينتهم و سار عنها و جعل لا يمر بمدينة من مدائن السند إلا فتحها حتى بلغ نهر مهران ، و استعد ملك السند لمحاربته و إسمه داهر بن صصة ثم عقد الجسر على النهر و عبر فقاتله داهر و هو على الفيل و حوله الفيلة . ثم اشتد القتال و ترجل داهر فقاتل حتى قتل و انهزم الكفار و استلحمهم المسلمون و لحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها و خافته ، فأحرقت نفسها و جواريها . و ملك المدينة و لحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة و هي يومئذ غيضة ، ففتحها عنوة و استلحم من وجد بها و خربها . ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة و قطع نهر ساسل إلى الملقاد فحاصرها و قطع الماء فنزلوا على حكمه ، فقتل المقاتلة و سبى الذرية ، و قتل سدنة البلد و هو ستة آلاف و أصابوا في البلد ذهباً كثيراً في بيت طوله عشرة أذرع و عرضه ثمانية كانت الأموال تهدى إليه من البلدان و يحجون إليه و يحلقون شعرهم عنده و يزعمون أنه هو أيوب فاستكمل فتح السند و بعث من الخمس بمائة و عشرين ألف ألف و كانت النفقة نصفها .
فتح الطالقان و سمرقند و غزوكش و نسف و الشاش و فرغانة و صلح خوارزمقد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع و ثمانين ، و انصرف عنها و لم يظفر . و بعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها و يأمره بالعود فسار إليها و معه نيزك طرخان صاحب باذغيس ، و حاصرها و استجاش ملكها وردان أخذاه بمن حوله من الصغد و الترك . فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين و كانت الأزد في المقدمة فانهزموا حتى جاوزوا عسكر المسلمين ثم رجعوا و زحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم . ثم زحف بنو تميم و قاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم و أزالوهم عنها و كان بين المسلمين و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
بينهم نهر لم يتجاسر أحد على عبوره إلا بنو تميم ، فلما زالوا عن مواقفهم عبر الناس و اتبعوهم و أثخنوا فيهم بالقتل ، و خرج خاقان و ابنه و فتح الله على المسلمين و كتب بذلك إلى الحجاج و لما استوت الهزيمة جاء طرخون ملك الصغد و معه فارسان و دنا من عسكر قتيبة يطلب الصلح على فدية يؤديها فأجابها قتيبة و عقد له و رجع قتيبة و معه نيزك و قد خافه لما رأى من الفتوح ، فاستأذنه في الرجوع و هو بآمد ، فرجع يريد طخارستان و أسرع السير وبعث قتيبة إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسه و تبعه المغيرة فلم يدركه و أظهر نيزك الخلع و دعا لذلك الأصبهند ملك بلخ . و باذان ملك مرو الروذ و ملك الطالقان وملك القاربات و ملك الجوزجان فأجابوه ، و تواعدوا لغزو قتيبة . و كتب إلى كاتب شاه يستظهر به وبعث إليه بأثقاله و أمواله و استأذنه في الاتيان إن اضطر إلى ذلك . و كان جيفونة ملك طخارستان نيزك ينزل عنده ، فاستضعفه و قبض عليه و قيده خشية من خلافه و أخرج عامل قتيبة من بلده . و بلغ قتيبة و خبرهم قبل الشتاء و قد تفرق الجند فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في إثني عشر ألف إلى البروقان ، و قال : أقم بها و لا تحدث شيئاً ، فإذا انقضى الشتاء تقدم إلى طخارستان و أنا قريب منك . و لما انصرم الشتاء استقدم قتيبة الجنود من نيسابور و غيرها فقدموا ، فسار نحو الطالقان و كان ملكها قد دخل معهم في الخلع ففتحها و قتل من أهلها مقتلة عظيمة و صلب منهم سماطين أربعة فراسخ في مثلها ، و استخلف عليها أخاه محمد بن مسلم ، و سار إلى القاربات فخرج إليه ملكها مطيعاً و استعمل عليها و سار إلى الجوزجان فلقيه أهلها بالطاعة ، و هرب ملكها إلى الجبال و استعمل عليها عامر بن ملك الحماس . ثم أتى بلخ و تلقاه أهلها بالطاعة و سار يتبع أخاه عبد الرحمن إلى شعب حمله ، و مضى نيزك إلى بغلان و خلف المقاتلة على فم الشعب و لا يهتدي إلى مدخل ، و مضايقوه يمنعونه . و وضع أثقاله في قلعة من وراء الشعب ، و أقام قتيبة أياماً يقاتلهم على فم الشعب و لا يهتدى إلى مدخل ، حتى دله عليه بعض العجم هنالك على طريق سرب منه الرجال إلى القلعة فقتلوهم ، و هرب من بقي منهم و مضى إلى سمنجان ثم إلى نيزك ، و قدم أخاه عبد الرحمن و ارتحل نيزك إلى وادي فرغانة ، و بعث أثقاله و أمواله إلى كابل شاه ، ، مضى إلى السكون فتحصن به و لم يكن له إلا مسلك واحد صعب على الدواب فحاصره قتيبة شهرين حتى جهدوا و أصابهم جهد الجدري و قرب فصل الشتاء فدعا قتيبة بعض خواصه ممن كان يصادق نيزك فقال : إنطلق إليه و أثن عليه بغير أمان و إن أعياك فأمنه و إن جئت دونه صلبتك . فمضى الرجل و أشار عليه بلقائه و أنه عازم على أن يشق هنالك ، فقال : أخشاه فقال له : لا يخلصك إلا إتيانك ، تنصح له بذلك و بأنه يخشى عليه من غدر أصحابه الذين معه . و لم يزل يفتل له في الذروة و الغارب ، و هو يمتنع حتى قال له : إنه قد أمنك . فأشار عيه أصحابه بالقبول لعلمهم بصدقه و خرج معه نيزك و معهم جيفونة ملك طخارستان الذي كان قيده حتىانتهوا إلى الشعب و هناك خيل أكمنه الرجل ما كان فيه و كتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك فوافاه كتابه لأربعين يوماً بقتله فقتله و قتل معه صول طرخان خليفة جيفونة و ابن أخي نيزك و من أصحابه سبعمائة و صلبهم و بعث برأسه إلى الحجاج و أطلق جيفونة و بعث به إلى الوليد ثم رجع إلى مرو . و أرسل إليه ملك الجوزجان يستأمنه فأمنه على أن يأتيه فطلب الرهن فأعطاه . و قدم ثم رجع فمات بالطالقان و ذلك سنة إحدى و تسعين . ثم سار إلى شومان فحاصرها ، و قد كان ملكها طرد عامل قتيبة من عنده ، فبعث إليه بعد مرجعه من هذه الغزاة أن يؤدي ما كان صالح عليه ، فقتل الرسول ، فسار إليه قتيبة و بعث له صالح أخو قتيبة و كان صديقه ينصحه في مراجعة الطاعة فأبى ، فحاصره قتيبة و نصب عليه المجانيق فهدم الحصن و جمع الملك ما في الحصن من مال و جوهر و رمى به في بئر لا يدرك قعره ، ثم استمات و خرج فقاتل حتى قتل و أخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل المقاتلة و سبى الذرية ثم بعث أخاه عبد الرحمن إلى الصغد و ملكهم طرخون فأعطى ما كان صالح عليه قتيبة . و سار قتيبة إلى كش و نسف فصالحوه . و رجع و لقي أخاه ببخارى و ساروا إلى مرو . و لما رجع عن الصغد ، حبس الصغد ملكهم طرخون لإعطائه الجزية و ولوا عليهم غورك فقتل طرخون نفسه ثم غزا في سنة إثنتين وتسعين إلى سجستان يريد رتبيل فصالحه و انصرف . و كان ملك خوارزم قد غلبه أخوه خرزاد على أمره و كان أصغر منه و عاث في الرعية و أخذ أموالهم و أهليهم فكتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه على أن يمكنه من أخيه و من عصاه من دونهم ، فأجابه قتيبة و لم يطلع الملك أحداً من مرازبته على ذلك و تجهز قتيبة سنة ثلاث و تسعين و أظهر غزو الصغد ، فأقبل أهل خوارزم على شأنهم و لم يحتفلوا بغزوه ، و إذا به قد نزل هزراسب قريباً منهم ، و جاء أصحاب خوارزم شاه إليه فدعوه للقتال فقال : ليس لنا به طاقة و لكن نصالحه على شيء نعطيه كما فعل غيرنا ، فوافقوه . و سار إلى مدينة الفيد من واء النهر ، و هذا حصن بلاده و صالحه بعشرة آلاف رأس و عين و متاع و أن يعينه على خادم جرد و قيل على مائة ألف فارس . و بعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد و هو عدو لخوارزم شاه فقاتله و قتله عبد الرحمن و غلب على أرضه ، و أسر منهم أربعة آلاف فقتلهم و سلم قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه و من كان يخالفه من أمرائه فقتلهم ، و دفع أموالهم إلى قتيبة . و لما قبض قتيبة أموالهم أشار عليه المحشر بن مخازم السلمي بغزو الصغد و هم آمنون على مسافة عشرة أيام . فقال أكتم ذلك فقدم أخاه في الفرسان و الرماة ، و بعثوا بالأثقال إلى مرو ، و خطب قتيبة الناس و حثهم على الصغد و ذكرهم الضغائن فيهم . ثم سار فأتى الصغد بعد ثلاث من وصول أخيه ، فحاصرهم بسمرقند شهراً و استجاشوا ملك الشاش و أخشاد خاقان و فرغانة فانتخبوا أهل النجدة من أبناء الملوك و المرازبة و الأساورة و ولوا عليهم ابن خاقان و جاؤوا إلى المسلمين ، فانتخب قتيبة من عسكره ستمائة فارس ، و بعث بهم أخاه صالحاً لإعتراضهم . في طريقهم ، فلقوهم بالليل و قاتلوهم أشد قتال ، فهزموهم و قتلوهم و قتلوا ابن خاقان و لم يفلت منهم إلا القليل و غنموا ما معهم ، و نصب قتيبة المجانيق فرماهم بها و ثلم السور و اشتد في قتالهم ، و حمل الناس عليهم إلى أن بلغوا الثلمة . ثم صالحوه على ألفي ألف و مائتي ألف مثقال ، في كل عام ، و أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس ، و أن يمكنوه من بناء مسجد بالمدينة و يخلوها حتى يدخل فيصلي فيه . فلما فعل ذلك و دخل المدينة أكرههم على إقامة جند فيها و قيل إنه شرط عليهم الأصنام و ما في بيوت النار فأعطوه فأخذ الحلية و أحرق الأصنام و جمع من بقايا مساميرها و كانت ذهباً خمسين ألف مثقال . و بعث بجارية من سبيها من ولد يزدجرد إلى الحجاج ، فأرسلها الحجاج إلى الوليد و ولدت له يزيد . ثم قال فورك لقتيبة إنتقل عناً فانتقل و بعث إلى الحجاج بالفتح . ثم رجع إلى مرو و استعمل على سمرقند إياس بن عبد الله على حربها ، و عبيد الله بن أبي الله مولى مسلم على خراجها ، فاستضعف أهل خوارزم إياساً و جمعوا له فبعث قتيبة عبد الله عاملاً على سمرقند و أمره أن يضرب إياساً و حبايا السطي مائة مائة و يخلعهما . فلما قرب عبد الله من خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغهم ذلك و خشي ملكهم من أبناء الذين كان قتلهم ففر إلى بلاد الترك . و جاء المغيرة فقتل و سبى و صالحه الباقون على الجزية ، و رجع إلى قتيبة فولاه على نيسابور ثم غزا قتيبة سنة أربع و تسعين إلى ما وراء النهر و فرض البعث على أهل بخارى و كش ونسف و خوارزم ، فسار منهم عشرون ألف مقاتل فبعثهم إلى الشاش و سار هو إلى خجندة فجمعوا له و اقتتلوا مراراً كان الظفر فيها للمسلمين . و فتح الجند الذين ساروا إلى الشاش مدينة الشاش و أحرقوها و رجعوا إلى قتيبة و هو على كشان مدينة فرغانة و انصرف إلى مرو ثم بعث الحجاج إليه جيشاً من العراق و أمره بغزو الشاش فسار لذلك و بلغه موت الحجاج فرجعوا إلى مرو .
خبر يزيد بن المهلب و إخوتهكان الحجاج قد حبس يزيد و إخوته سنة ست و ثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين . و بلغه أن الأكراد غلبوا على فارس فعسكر قريباً من البصرة للبعث و أخرج معه بني المهلب و جعلهم في فسطاط قريباً منه و رتب عليهم الحرس من أهل الشام . ثم طلب منهم ستة آلاف ألف ، و أمر بعذابهم و بكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها . ثم كف عنهم و جعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان و كان على البصرة أن يعد لهم خيلاً و كان حبيب منهم يعذب بالبصرة فصنع يزيد للحرس طعاماً كثيراً و أمر لهم بشراب فأقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد و المفضل و عبد الملك و خرجوا و لم
خبر يزيد بن المهلب و إخوتهكان الحجاج قد حبس يزيد و إخوته سنة ست و ثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين . و بلغه أن الأكراد غلبوا على فارس فعسكر قريباً من البصرة للبعث و أخرج معه بني المهلب و جعلهم في فسطاط قريباً منه و رتب عليهم الحرس من أهل الشام . ثم طلب منهم ستة آلاف ألف ، و أمر بعذابهم و بكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها . ثم كف عنهم و جعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان و كان على البصرة أن يعد لهم خيلاً و كان حبيب منهم يعذب بالبصرة فصنع يزيد للحرس طعاماً كثيراً و أمر لهم بشراب فأقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد و المفضل و عبد الملك و خرجوا و لم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
يفطنوا لهم . و رفع الحرس خبرهم إلى الحجاج فخشيهم على خراسان و بعث البريد إلى قتيبة يخبرهم ليحذرهم ، و كان يزيد قد ركب السفن إلى البطائح و استقبلته الخيل المعدة له هناك ، و ساروا إلى الشام على السماوة ومعهم دليل من كلب و نمى خبرهم إلى الحجاج فبعث إلى الوليد بذلك . و قدموا إلى فلسطين فنزلوا على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي و كان كريماً على سليمان فأخبره بحالهم و أنهم استجاروا به من الحجاج ، فقال : إئتني بهم فقد أجرتهم . وكتب الحجاج إلى الوليد أن بني المهلب خانوا مال الله و هربوا مني فلحقوا بسليمان . فسكن مابه لأنه كان خشيهم على خراسان كما خشيهم الحجاج و كان غضباً للمال الذي ذهبوا به فكتب سليمان إلى الوليد أن يزيد عندي و قد أمنته ، و كان الحجاج أغرمه ستة آلاف ألف فأد نصفها و أنا أؤدي النصف . فكتب الوليد لا أؤمنه حتى تبعث به ، فكتب سليمان لأجيئن معه ، فكتب الوليد إذن لا أؤمنه . فقال يزيد لسليمان : لا يتشاءم الناس بي لكما فاكتب معي و تلطف ما أطقت ، فأرسله و أرسل معه إبنه أيوب و كان الوليد أمر أن يبعث مقيداً . فقال سليمان لابنه : أدخل على عمك أنت و يزيد في سلسلة . فقال : الوليد لما رأى ذلك لقد بلغنا من سليمان . ثم دفع أيوب كتاب أبيع بالشفاعة و ضمان المال عن يزيد فقرأه الوليد واستعطفه أيوب في ذمة أبيه و جواره ، و تكلم يزيد و اعتذر فأمنه الوليد و رجع إلى سليمان و كتب الوليد إلى الحجاج بالكف عنهم فكف عن حبيب و أبي عبسة و كانا عنده و أقام يزيد عند سليمان يهدي إليه الهدايا و يصنع له الأطعمة .
ولاية خالد القسري على مكة و إخراج سعيد بن جبير عنها و مقتله
و لما كان في سنة ثلاث و تسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق و ما هم فيه من ظلمه و عدوانه ، فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد : إن كثيراً من المراق و أهل الشقاق قد انجلوا عن العراق و لحقوا بالمدينة و مكة و منعهم عمر و أصابه من ذلك وهن . فولى الوليد على مكة خالد الله عبد الله القسري و عثمان بن حيان بإشارة الحجاج ، و عزل عمر عن الحجاز و ذلك في شعبان من السنة . و لما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرها و تهدد من أنزل عراقياً أو أجره داراً و كانوا أيام عمر الله عبد العزيز يلجأ إلى مكة و المدينة كل من خلف الحجاج فيأمن . و كان منهم سعيد بن جبير هارباً من الحجاج . كان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الأشعث إلى قتال رتبيل فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم و سار إلى بلاد رتبيل . فلحق سعيد بأصبهان ، و كتب الحجاج فيه إلى عاملها فتحرج من ذلك و دس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان . ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم . فلما قدم خالد بن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير و مجاهداً و طلق بن حبيب ، و بعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق و جيء بلآخرين إلى الكوفة و أدخلا على الحجاج . فلما رأى سعيداً شتم خالداً القسري على إرساله و قال : لقد كنت أعرف أنه بمكة و أعرف البيت الذي كان فيه ، ثم أقبل على سعيد و قال : لقد ألم أشركك في أمانتي ؟ ألم أستعملك ؟ ثم تفعل بعدد أياديه عنده . فقال : بلى ! قال : فما أخرجك على قتالي ؟ أنا امرؤ من المسلمين أخطئ مرة و أصيب أخرى . ثم استمر في محاوراه فقال : إنما كانت البيعة في عنقي فغضب الحجاج و قال : ألم آخذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل ابن الزبير ؟ ثم جددت له البيعة بالكوفة فأخذت بيعتك ثانياً ؟ قال : بلى ! قال : فنكثت بيعتين لأمير المؤمنين ، و توفي بواحدة للفاعل بن الفاعل ، و الله لأقتلنك . فقال : إني لسعيد كما سمتني أمي فضربت عنقه فهلل رأسه ثلاثاً أفصح منها بمرة . و يقال : إن عقل الحجاج التبس يومئذ و جعل يقول : قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه و قطعوا عليها ساقيه ، و كان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخذاً بمجامع ثوبه يقول : يا عدو الله فيم قتلتني ؟ فينتبه مرعوباً يقول : ما لي و لـ سعيد بن جبير .
وفاة الحجاج
و توفي الحجاج في شوال خمس و تسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ، و لما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله و على حرب الكوفة و البصرة يزيد بن أبي كبشة و على خراجهما يزيد بن أبي مسلم ، فأقرهم الوليد بعد وفاته . و كتب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان قد عرف أمير المؤمنين بلاءك و جهدك و جهادك أعداء المسلمين و أمير المؤمنين رافعك و صانع بك الذي تحب ، فأتمم مغازيك و انتظر ثواب ربك و لا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك و الثغر الذي أنت فيه و لم يغير الوليد أحداً من عمال الحجاج .
أخبار محمد بن القاسم بالسند
كان محمد بن القاسم بالملتان و أتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور و الثغور و كان قد فتحها . ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة و سالمه أهل شرست و هي مغزى أهل البصرة و أهلها يقطعون في البحر . ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دزهر فقاتله محمد و هزمه و قتله . و نزل أهل المدينة على حكمه فقتل و سبا و لم يزل عاملاً على السند إلى أن ولي سليمان بن عبد الملك فعزله و ولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي على السند مكانه فقيده يزيد و بعث به إلى العراق فحبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط و عذبه في رجال من قرابة الحجاج على قتلهم ، و كان الحجاج قتل أخاه آدم على رأي الخوارج و مات يزيد بن أبي كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه . فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها و قد رجع ملوك السند إلى ممالكهم و رجع حبشة بن داهر إلى برهما باذ فنزل حبيب على شاطئ مهران و أعطاه أهل الروم الطاعة ، و حارب فظفر ، ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الإسلام على أن يملكهم و هم أسوة المسلمين فيما لهم و عليهم ، فأسلم حبشة و الملوك و تسموا بأسماء العرب و كان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند و ظفر . ثم ولى الجنيد بن عبد الرحمن على السند أيام هشام بن عبد الملك ، فأتى شط مهران ، و منعه حبشة بن داهر العبور و قال : إني قد أعلمت وولاني الرجل الصالح و لست آمنك فأعطاه الرهن ثم ردها حبشة و كفر و حارب فحاربه الجنيد في السفن و أسره ثم قتله . و هرب صصه بن داهر إلى العراق شاكياً لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله . ثم غزا الجنيد الكيرج من آخر الهند وكانوا نقضوا فاتخذ كباشا زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمها و دخل فقتل و سبى و غنم ، و بعث العمال إلى المرمد و المعدل و دهنج و بعث جيشاً إلى أرين فأغاروا عليها و أحرقوا ربضها و حصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف و حمل مثلها . و ولى تميم بن زيد الضبي فضعف و وهن و مات قريباً من الديبل . و في أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند و تركوا مراكزهم . ثم ولي الحكم بن سوام الكلبي و قد كفر أهل الهند إلا أهل قصة ، فبنى مدينة سماها المحفوظة و جعلها مأوى المسلمين ، و كان معه عمر بن محمد بن القاسم و كان يفوض إليه عظائم الأمور و أغزاه عن المحفوظة . فلما قدم و قد ظهر أمره فبنى مدينة و سماها المنصورة و هي التي كانت أمراء السند ينزلونها و استخلص ما كان غلب عليه من العدو ، و رضي الناس بولايته . ثم قتل الحكم و ضعفت الدولة الأموية عن الهند و تأتي أخبار السند في دولة المأمون .
فتح مدينة كاشغرأجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست و تسعين و هي أدنى مدائن الصين فسار لذلك و حمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند و عبر النهر ، و جعل على المجاز مسلحة يمنعون الراجع من العسكر إلا بإذنه ! و بعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا و سبوا و ختم أعناق السبي . و أوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعي من أشراف العرب من يخبره عنهم و عن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابي . و أمر لهم بعدة حسنة و متاع من الخز و الوشي و خيول أربعة و قال لهم : أعلموه أني حالف أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم و أختم ملوكهم و أجبي خراجهم . و لما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأول فدخلوا و عليهم الغلائل و الأردية ، و قد تطيبوا و لبسوا النعال . فلم
ولاية خالد القسري على مكة و إخراج سعيد بن جبير عنها و مقتله
و لما كان في سنة ثلاث و تسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق و ما هم فيه من ظلمه و عدوانه ، فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد : إن كثيراً من المراق و أهل الشقاق قد انجلوا عن العراق و لحقوا بالمدينة و مكة و منعهم عمر و أصابه من ذلك وهن . فولى الوليد على مكة خالد الله عبد الله القسري و عثمان بن حيان بإشارة الحجاج ، و عزل عمر عن الحجاز و ذلك في شعبان من السنة . و لما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرها و تهدد من أنزل عراقياً أو أجره داراً و كانوا أيام عمر الله عبد العزيز يلجأ إلى مكة و المدينة كل من خلف الحجاج فيأمن . و كان منهم سعيد بن جبير هارباً من الحجاج . كان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الأشعث إلى قتال رتبيل فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم و سار إلى بلاد رتبيل . فلحق سعيد بأصبهان ، و كتب الحجاج فيه إلى عاملها فتحرج من ذلك و دس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان . ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم . فلما قدم خالد بن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير و مجاهداً و طلق بن حبيب ، و بعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق و جيء بلآخرين إلى الكوفة و أدخلا على الحجاج . فلما رأى سعيداً شتم خالداً القسري على إرساله و قال : لقد كنت أعرف أنه بمكة و أعرف البيت الذي كان فيه ، ثم أقبل على سعيد و قال : لقد ألم أشركك في أمانتي ؟ ألم أستعملك ؟ ثم تفعل بعدد أياديه عنده . فقال : بلى ! قال : فما أخرجك على قتالي ؟ أنا امرؤ من المسلمين أخطئ مرة و أصيب أخرى . ثم استمر في محاوراه فقال : إنما كانت البيعة في عنقي فغضب الحجاج و قال : ألم آخذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل ابن الزبير ؟ ثم جددت له البيعة بالكوفة فأخذت بيعتك ثانياً ؟ قال : بلى ! قال : فنكثت بيعتين لأمير المؤمنين ، و توفي بواحدة للفاعل بن الفاعل ، و الله لأقتلنك . فقال : إني لسعيد كما سمتني أمي فضربت عنقه فهلل رأسه ثلاثاً أفصح منها بمرة . و يقال : إن عقل الحجاج التبس يومئذ و جعل يقول : قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه و قطعوا عليها ساقيه ، و كان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخذاً بمجامع ثوبه يقول : يا عدو الله فيم قتلتني ؟ فينتبه مرعوباً يقول : ما لي و لـ سعيد بن جبير .
وفاة الحجاج
و توفي الحجاج في شوال خمس و تسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ، و لما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله و على حرب الكوفة و البصرة يزيد بن أبي كبشة و على خراجهما يزيد بن أبي مسلم ، فأقرهم الوليد بعد وفاته . و كتب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان قد عرف أمير المؤمنين بلاءك و جهدك و جهادك أعداء المسلمين و أمير المؤمنين رافعك و صانع بك الذي تحب ، فأتمم مغازيك و انتظر ثواب ربك و لا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك و الثغر الذي أنت فيه و لم يغير الوليد أحداً من عمال الحجاج .
أخبار محمد بن القاسم بالسند
كان محمد بن القاسم بالملتان و أتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور و الثغور و كان قد فتحها . ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة و سالمه أهل شرست و هي مغزى أهل البصرة و أهلها يقطعون في البحر . ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دزهر فقاتله محمد و هزمه و قتله . و نزل أهل المدينة على حكمه فقتل و سبا و لم يزل عاملاً على السند إلى أن ولي سليمان بن عبد الملك فعزله و ولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي على السند مكانه فقيده يزيد و بعث به إلى العراق فحبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط و عذبه في رجال من قرابة الحجاج على قتلهم ، و كان الحجاج قتل أخاه آدم على رأي الخوارج و مات يزيد بن أبي كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه . فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها و قد رجع ملوك السند إلى ممالكهم و رجع حبشة بن داهر إلى برهما باذ فنزل حبيب على شاطئ مهران و أعطاه أهل الروم الطاعة ، و حارب فظفر ، ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الإسلام على أن يملكهم و هم أسوة المسلمين فيما لهم و عليهم ، فأسلم حبشة و الملوك و تسموا بأسماء العرب و كان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند و ظفر . ثم ولى الجنيد بن عبد الرحمن على السند أيام هشام بن عبد الملك ، فأتى شط مهران ، و منعه حبشة بن داهر العبور و قال : إني قد أعلمت وولاني الرجل الصالح و لست آمنك فأعطاه الرهن ثم ردها حبشة و كفر و حارب فحاربه الجنيد في السفن و أسره ثم قتله . و هرب صصه بن داهر إلى العراق شاكياً لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله . ثم غزا الجنيد الكيرج من آخر الهند وكانوا نقضوا فاتخذ كباشا زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمها و دخل فقتل و سبى و غنم ، و بعث العمال إلى المرمد و المعدل و دهنج و بعث جيشاً إلى أرين فأغاروا عليها و أحرقوا ربضها و حصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف و حمل مثلها . و ولى تميم بن زيد الضبي فضعف و وهن و مات قريباً من الديبل . و في أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند و تركوا مراكزهم . ثم ولي الحكم بن سوام الكلبي و قد كفر أهل الهند إلا أهل قصة ، فبنى مدينة سماها المحفوظة و جعلها مأوى المسلمين ، و كان معه عمر بن محمد بن القاسم و كان يفوض إليه عظائم الأمور و أغزاه عن المحفوظة . فلما قدم و قد ظهر أمره فبنى مدينة و سماها المنصورة و هي التي كانت أمراء السند ينزلونها و استخلص ما كان غلب عليه من العدو ، و رضي الناس بولايته . ثم قتل الحكم و ضعفت الدولة الأموية عن الهند و تأتي أخبار السند في دولة المأمون .
فتح مدينة كاشغرأجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست و تسعين و هي أدنى مدائن الصين فسار لذلك و حمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند و عبر النهر ، و جعل على المجاز مسلحة يمنعون الراجع من العسكر إلا بإذنه ! و بعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا و سبوا و ختم أعناق السبي . و أوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعي من أشراف العرب من يخبره عنهم و عن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابي . و أمر لهم بعدة حسنة و متاع من الخز و الوشي و خيول أربعة و قال لهم : أعلموه أني حالف أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم و أختم ملوكهم و أجبي خراجهم . و لما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأول فدخلوا و عليهم الغلائل و الأردية ، و قد تطيبوا و لبسوا النعال . فلم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
يكلمهم الملك و لا أحد ممن حضره ، و قالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان . فلبسوا الوشي و المطارف و عمائم الخز و غدوا عليه فلم يكلموهم و قالوا هذه أقرب إلى هيئة الرجال ثم دعاهم الثالثة فلبسوا سلاحهم و على رؤسهم البيضات و المغافر و توشحوا السيوف و اعتقلوا الرماح و نكبوا القسي فهالهم منظرهم ثم انصرفوا و ركبوا فتطاردوا فعجب القوم منهم . ثم دعا زعيمهم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيهم فقال : أما الأول فإنا نساء في أهلنا و أما الثاني فزينا عند أمرائنا ، و أما الثالث فزينا لعدونا . فاستحسن ذلك . ثم قال له : قد رأيتم عظم ملكي و أنه ليس أحد يمنعكم مني ، و قد عرفت قلتكم فقولوا لصاحبكم ينصرف و إلا بعثت من يهلككم . فقال هبيرة كيف نكون في قلة و أول خيلنا في بلادك و آخرها في منابت الزيتون . و أما القتل فلسنا نكرهه و لا نخافه ، و لنا آجال إذا حضرت فلن نتعداها و قد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم و يختم ملوككم و يأخذ جزيتكم قال الملك : فإنا نخرجه من يمينه ، نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه ، و يقبض أبناءنا فيختمهم و بهدية ترضيه ، ثم أجازهم فأحسن . و قدموا على قتيبة فقبل الجزية و وطئ التراب و ختم الغلمان و ردهم ثم انصرف من غداته . و أوفد هبيرة إلى الوليد ، و بلغه و هو في الفرات موت الوليد .
وفاة الوليد و بيعة سليمان
ثم في منتصف جمادى الأخيرة من سنة ست و تسعين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز و كان من أفضل خلفاء بني أمية و بنى المساجد الثلاثة : مسجد المدينة ، و مسجد القدس و مسجد دمشق . و لما أراد أبناء مسجد دمشق كانت في موضعه كنيسة فهدمها و بناها مسجداً و شكوا ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال : نرد عليكم كنيستكم و نهدم كنيسة توما فإنها خارج المدينة مما فتح عنوة و نبنيها مسجداً فتركوا ذلك . و فتح في ولايته الأندلس و كاشغر و الهند ، و كان يتخذ الضياع و كان متواضعاً يمر بالبقال فيسأل بكم حزمة البقل ؟ و يسعر عليه و كان يختم القرآن في ثلاث و في رمضان في يومين و كان أراد أن يخلع أخاه سليمان و يبايع لولده عبد العزيز ، فأبى سليمان فكتب إلى عماله و دعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج و قتيبة و بعض خواصه . و استقدم سليمان ثم استبطأه فأجع السير إليه ليخلعه فمات دون ذلك . و لما مات بويع سليمان من يومه و هو بالرملة فعزل عثمان بن حيان من المدينة آخر رمضان ، و ولى عليها أبا بكر ابن محمد بن عمر بن حزم ، و عزل ولاة الحجاج عن العراق فولى يزيد بن المهلب على المصرين و عزل عنهما يزيد بن أبي مسلم . فبعث يزيد أخاه زياداً على عمان و أمر سليمان يزيد بن المهلب بنكبة آل أبي العقيل قوم الحجاج و بني أبيه و بسط أصناف العذاب عليهم ، فولى على ذلك عبد الملك بن المهلب .
مقتل قتيبة بن مسلمو لما ولى سليمان قتيبة لما قدمناه من موافقته الوليد على خلعه فخشي أن يولى يزيد ابن المهلب خراسان فأجمع خلعه و كتب إليه لئن لم تقرني على ما كنت عليه و تؤمني لأخلعنك و لأملأنها عليك خيلاً و رجلاً فأمنه و كتب له العهد على خراسان و بعث إليه رسول بذلك ، فبعث الرسول و هو بحلوا أنه قد خلع و كان هو بعد بعثة الكتاب إلى سليمان قد اشتد وجله و أشار عليه أخوه عبد الله بالمعاجلة ، فدعا الناس إلى الخلع و ذكرهم بوائقه و سوء ولاية من تقدمه فلم يجبه أحد ، فغضب و شتمهم و عدد و قالبهم قبيلة قبيلة و أثنى على نفسه بالأب و البلد و المعشر . فغضب الناس و كرهوا خلع سليمان و أجمعوا على خلع قتيبة و خلافه و عذل قتيبة و عذل قتيبة أصحابه فيما كان منه فقال : لما لم تجيبوني غضبت فلم أدر ما قلت . و جاء الأزد إلى حضين بن المنذر ( بالضاد المعجمة ) فقالوا : كيف ترى هذا يدعو إلى فساد الدين و يشتمنا فعرف مغزاهم فقال : إن مضر بخراسان كثير و تميم أكثرهم و هم شوكتها و لا يرضون فيصيبوا قتيبة و لا أرى لها إلا وكيعاً . و كان وكيع موثقاً من قتيبة بعزله و ولاية ضرار بن حصين الضبي مكانه . و قال حيان النبطي مولى بن شيبان ليس لها غير وكيع و مشى الناس بعضهم إلى بعض سراً و تولى كبر ذلك حيان و نمي خبره إلى قتيبة فأمر بقتله إذا دخل عليه ، و تنصح بعض خدم قتيبة بذلك إلى حيان فلما دعاه تمارض ، و اجتمع الناس إلى وكيع و بايعوه . فمن أهل البصرة و العالية من المقاتلة تسعة آلاف ، و من بكر سبعة آلاف رئيسهم حضين بن المنذر ، ومن تميم عشرة آلاف عليهم ابن زخر و من الموالي سبعة آلاف عليهم حيان النبطي و قيل من الديلم ، و سمي نبطياً للكنته . و شرط على وكيع أن يحول له الجانب الشرقي من نهر بلخ فقبل ، و فشا الخبر و بلغ قتيبة فدس ضرار بن سيان الضبي إلى وكيع فبايعه ، و جاء إلى قتيبة بالخبر فأرسل قتيبة إلى وكيع فاعتذر بالمرض . فقال لصاحب شرطته : إئتني به أبى إتني برأسه فلما جاء إلى وكيع ركب و نادى في الناس فأتوه أرسالاً . و اجتمع إلى قتيبة أهل بيته و خواصه و ثقاته و بنو عمه ، و أمر فنودي في الناس قبيلة ، و أجابوه بالجفوة . يقول : أين بنو فلان ؟ فيقول : حيث وضعتهم فنادى بأذكركم الله و الرحم ، فقالوا : أنت قطعتها ! فنادى لكم العتبى ، فقالوا : إنا لنا الله إذا فدعا ببرذون ليركبه فمنعه و رمحه فعاد إلى سريره و جاء حيان النبطي في العجم ، فأمره عبد الله أخو قتيبة أن يحمل على القوم ، فاعتذر و قال لإبنه : إذا لقيتني حولت قلنسوتي فمل بالأعاجم إلى وكيع ، ثم حولها و سار بهم و رمى صالح أخو قتيبة بسهم فحمل إلى أخيه . ثم تهايج الناس و جاء إلى عبد الرحمن أخي قتيبة الغوغاء و نحوهم فأحرقوا آريا فيه إبل قتيبة و دوابه . ثم زحفوا به حتى بلغوا فسطاطه فقطعوا أطنابه و جرح جراحات كثيرة ثم قطعوا
وفاة الوليد و بيعة سليمان
ثم في منتصف جمادى الأخيرة من سنة ست و تسعين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز و كان من أفضل خلفاء بني أمية و بنى المساجد الثلاثة : مسجد المدينة ، و مسجد القدس و مسجد دمشق . و لما أراد أبناء مسجد دمشق كانت في موضعه كنيسة فهدمها و بناها مسجداً و شكوا ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال : نرد عليكم كنيستكم و نهدم كنيسة توما فإنها خارج المدينة مما فتح عنوة و نبنيها مسجداً فتركوا ذلك . و فتح في ولايته الأندلس و كاشغر و الهند ، و كان يتخذ الضياع و كان متواضعاً يمر بالبقال فيسأل بكم حزمة البقل ؟ و يسعر عليه و كان يختم القرآن في ثلاث و في رمضان في يومين و كان أراد أن يخلع أخاه سليمان و يبايع لولده عبد العزيز ، فأبى سليمان فكتب إلى عماله و دعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج و قتيبة و بعض خواصه . و استقدم سليمان ثم استبطأه فأجع السير إليه ليخلعه فمات دون ذلك . و لما مات بويع سليمان من يومه و هو بالرملة فعزل عثمان بن حيان من المدينة آخر رمضان ، و ولى عليها أبا بكر ابن محمد بن عمر بن حزم ، و عزل ولاة الحجاج عن العراق فولى يزيد بن المهلب على المصرين و عزل عنهما يزيد بن أبي مسلم . فبعث يزيد أخاه زياداً على عمان و أمر سليمان يزيد بن المهلب بنكبة آل أبي العقيل قوم الحجاج و بني أبيه و بسط أصناف العذاب عليهم ، فولى على ذلك عبد الملك بن المهلب .
مقتل قتيبة بن مسلمو لما ولى سليمان قتيبة لما قدمناه من موافقته الوليد على خلعه فخشي أن يولى يزيد ابن المهلب خراسان فأجمع خلعه و كتب إليه لئن لم تقرني على ما كنت عليه و تؤمني لأخلعنك و لأملأنها عليك خيلاً و رجلاً فأمنه و كتب له العهد على خراسان و بعث إليه رسول بذلك ، فبعث الرسول و هو بحلوا أنه قد خلع و كان هو بعد بعثة الكتاب إلى سليمان قد اشتد وجله و أشار عليه أخوه عبد الله بالمعاجلة ، فدعا الناس إلى الخلع و ذكرهم بوائقه و سوء ولاية من تقدمه فلم يجبه أحد ، فغضب و شتمهم و عدد و قالبهم قبيلة قبيلة و أثنى على نفسه بالأب و البلد و المعشر . فغضب الناس و كرهوا خلع سليمان و أجمعوا على خلع قتيبة و خلافه و عذل قتيبة و عذل قتيبة أصحابه فيما كان منه فقال : لما لم تجيبوني غضبت فلم أدر ما قلت . و جاء الأزد إلى حضين بن المنذر ( بالضاد المعجمة ) فقالوا : كيف ترى هذا يدعو إلى فساد الدين و يشتمنا فعرف مغزاهم فقال : إن مضر بخراسان كثير و تميم أكثرهم و هم شوكتها و لا يرضون فيصيبوا قتيبة و لا أرى لها إلا وكيعاً . و كان وكيع موثقاً من قتيبة بعزله و ولاية ضرار بن حصين الضبي مكانه . و قال حيان النبطي مولى بن شيبان ليس لها غير وكيع و مشى الناس بعضهم إلى بعض سراً و تولى كبر ذلك حيان و نمي خبره إلى قتيبة فأمر بقتله إذا دخل عليه ، و تنصح بعض خدم قتيبة بذلك إلى حيان فلما دعاه تمارض ، و اجتمع الناس إلى وكيع و بايعوه . فمن أهل البصرة و العالية من المقاتلة تسعة آلاف ، و من بكر سبعة آلاف رئيسهم حضين بن المنذر ، ومن تميم عشرة آلاف عليهم ابن زخر و من الموالي سبعة آلاف عليهم حيان النبطي و قيل من الديلم ، و سمي نبطياً للكنته . و شرط على وكيع أن يحول له الجانب الشرقي من نهر بلخ فقبل ، و فشا الخبر و بلغ قتيبة فدس ضرار بن سيان الضبي إلى وكيع فبايعه ، و جاء إلى قتيبة بالخبر فأرسل قتيبة إلى وكيع فاعتذر بالمرض . فقال لصاحب شرطته : إئتني به أبى إتني برأسه فلما جاء إلى وكيع ركب و نادى في الناس فأتوه أرسالاً . و اجتمع إلى قتيبة أهل بيته و خواصه و ثقاته و بنو عمه ، و أمر فنودي في الناس قبيلة ، و أجابوه بالجفوة . يقول : أين بنو فلان ؟ فيقول : حيث وضعتهم فنادى بأذكركم الله و الرحم ، فقالوا : أنت قطعتها ! فنادى لكم العتبى ، فقالوا : إنا لنا الله إذا فدعا ببرذون ليركبه فمنعه و رمحه فعاد إلى سريره و جاء حيان النبطي في العجم ، فأمره عبد الله أخو قتيبة أن يحمل على القوم ، فاعتذر و قال لإبنه : إذا لقيتني حولت قلنسوتي فمل بالأعاجم إلى وكيع ، ثم حولها و سار بهم و رمى صالح أخو قتيبة بسهم فحمل إلى أخيه . ثم تهايج الناس و جاء إلى عبد الرحمن أخي قتيبة الغوغاء و نحوهم فأحرقوا آريا فيه إبل قتيبة و دوابه . ثم زحفوا به حتى بلغوا فسطاطه فقطعوا أطنابه و جرح جراحات كثيرة ثم قطعوا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
رأسه و قتل معه إخوته عبد الرحمن و عبد الله و صالح و حصين و عبد الكريم و مسلم و ابنه كثير ، و قيل قتل عبد الكريم بقزوين ، فكان عدة من قتل من أهله أحد عشر رجلاً ، و نجا أخوه عمر مع أخواله من تميم . ثم صعد وكيع المنبر و أنشد الشعر في الثناء على نفسه و فعله و الذم من قتيبة و وعد بحسن السيرة و طلب رأس قتيبة من الأزد و هددهم عليه فجاؤا به فبعثه إلى سليمان . و وفى وكيع لحيان النبطي بما ضمن له .
ولاية يزيد بن المهلب خراسان
كان يزيد بن المهلب لما ولاه سليمان العراق على الحرب و الصلاة و الخراج استكره أن يحيف على الناس في الخراج فتلحقه المذمة كما لحقت الحجاج و يخرب العراق ، و إن قصر عن ذلك لم يقبل منه فرغب من سليمان أن يعفيه من الخراج و أشار عليه بصالح ابن عبد الرحمن مولى تميم فولاه سليمان الخراج و بعثه قبل يزيد فلما جاء صالح إلى يزيد ضيق عليه صالح ، و كان يزيد يطعم على ألف خوان فاستكثرها صالح فقال : اكتب ثكمنها علي و غير ذلك و ضجر يزيد و جاء خبر خراسان و مقتل قتيبة فطمع يزيد في ولايتها و دس عبد الله بن الأهتم على سليمان أن يوليه خراسان و لا يشعر بطلبته بذلك . و سيره على البريد فقال له سليمان : إن يزيد إلي بذكر عملك بالعراق ! فقال : نعم بها ولدت و بها نشأت . ثم استشار فيمن يوليه خراسان و لم يزل سليمان بذكر الناس و هو يردهم ، ثم حذره من وكيع و غدره قال : فسم أنت ! قال شريطة الكمال الإجازة ممن أشير به ، و إذا علم يكره ذلك . ثم قال : هو يزيد بن المهلب فقال سليمان : العراق أحب إليه ، فقال ابن الأهتم : قد عملت و لكن نكرهه فيستخلف على العراق و يسير إلى خراسان ، فكتب عهد يزيد على خراسان و بعثه مع ابن الأهتم فلما جاءه بعث ابنه على خراسان ثم سار بعده و استخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمي و على البصرة ابن عبد الله بن هلال الكلابي ، و على الكوفة حرمحلة بن عيد اللمغمي . ثم عزله لأشهر بشير بن حيان النهدي ، فكانت قيس تطلب بثأر قتيبة و تزعم أنه لم يخلع . فأوصى سليمان يزيد إن أقامت قيس بينه أنه لم يخلع أن يقيد به من وكيع .
أخبار الصوائف و حصار قسطنطينيةكانت الصوائف من الشام منذ وفاة معاوية و حدوث الفتن و اشتدت الفتن أيام عبد الملك اجتمعت الروم و استجاشوا على أهل الشام فصالح عبد الملك صاحب قسطنطينية على أن يؤدي إليه كل يوم جمعة ألف دينار خشية منه على المسلمين و نظراً لهم ، و ذلك سنة سبعين لعشر سنين من وفاة معاوية . ثم لما قتل مصعب و سكنت الفتنة بعث الجيوش سنة إحدى و سبعين في الصائفة . فدخل فافتتح قيسارية ، ثم ولى على الجزيرة و أرمينية أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث و سبعين فدخل في الصائفة إلى بلاد الروم فهزمهم ، و دخل عثمان بن الوليد من ناحية أرمينية في أربعة آلاف و لقيه الروم في ستين ألفاً فهزمهم و أثخن فيهم بالقتل و الأسر . ثم غزا محمد بن مروان سنة أربع و سبعين فبلغ أنبولية و غزا في السنة بعدها في الصائفة من طريق مرعش ، فدوخ بلادهم و خرج الروم في السنة بعدها إلى العتيق فغزاهم من ناحية مرعش ثانية ، ثم غزاهم سنة ست و سبعين من ناحية ملطية و دخل في الصائف سنة سبع و سبعين الوليد ابن عبد الملك فأثخن فيهم و رجع و جاء الروم سنة تسع و سبعين فأصابوا من أهل أنطاكية و ظفروا بهم فبعث عبد الملك سنة إحدى و ثمانين ابنه عبيد الله بالعسكر ففتح قاليقلا . ثم غزا محمد بن مروان سنة اثنتين و ثمانين أرمينية و هزمهم ، فسألوه الصلح فصالحهم و ولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروه و قتلوه فغزاهم سنة خمسين و ثمانين و صاف فيها و شتى ثم غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم و دوخها ، و رجع و عاد إليها سنة سبع و ثمانين فيهم بناحية المصيصة و فتح حصوناً كثيرة . منها حصن بولق و الحأزم و بولس و قمقيم . و قتل من المستقربة ألف مقاتل و سبى أهاليهم . ثم غزا بلاد الروم سنة تسع و ثمانين مسلمة بن عبد الملك و العباس بن الوليد ، فافتتح مسلمة حصن سورية و افتتح العباس أردولية ، و لقي جمعاً من الروم فهزمهم . و قيل إن مسلمة قصد عمورية فلقي بها جمعاً من الروم فهزمهم . و افتتح هرقلة و قمولية و غزا العباس الصائفة من ناحية البلدبدون . و غزا مسلمة بن عبد الملك الترك سنة تسع و ثمانين من ناحية أذربيجان ففتح حصوناً و مدائن هناك . ثم غزا سنة تسعين ففتح الحصون الخمس التي بسورية . و غزا العباس حتى بلغ أردن و سورية . و في سنة إحدى و تسعين غزا عبد العزيز بن الوليد في الصائفة مع مسلمة بن عبد الملك و كان الوليد قد ولى مسلمة على الجزيرة و أرمينية و عزل عمه محمد بن مروان عنها ، فغزا الترك من ناحية أذربجيان حتى الباب و فتح مدائن و حصوناً ، ثم غزا سنة إثنتين و تسعين بعدها ففتح ثلاثة حصون و جلا أهل سرسنة إلى بلاد الروم ثم غزا العباس بن الوليد سنة ثلاث بعدها بلاد الروم ففتح سبيطلة ، و غزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة . و غزا مسلمة ففتح ماشية و حصن الحديد و غزالة من ناحية ملطية . و غزا العباس بن الوليد سنة أربع و تسعين ففتح إنطاكية . و غزا عبد العزيز بن الوليد ففتح غزالة و بلغ الوليد بن هشام المعيطي مروج الحمام ، و يزيد بن أبي كبشة أرض سورية . و في سنة خمس و تسعين غزا العباس الروم ففتح هرقلة . و في سنة سبع و تسعين غزا مسلمة أرض الرضاخية و فتح الحصن الذي فتحه الرصاع ، و غزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر فشتى بها ، و بعث سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية و بعث إبنه داود على الصائفة ففتح حصن المراة ، و في سنة ثمان و تسعين مات ملك الروم ، فجاء القون إلى
ولاية يزيد بن المهلب خراسان
كان يزيد بن المهلب لما ولاه سليمان العراق على الحرب و الصلاة و الخراج استكره أن يحيف على الناس في الخراج فتلحقه المذمة كما لحقت الحجاج و يخرب العراق ، و إن قصر عن ذلك لم يقبل منه فرغب من سليمان أن يعفيه من الخراج و أشار عليه بصالح ابن عبد الرحمن مولى تميم فولاه سليمان الخراج و بعثه قبل يزيد فلما جاء صالح إلى يزيد ضيق عليه صالح ، و كان يزيد يطعم على ألف خوان فاستكثرها صالح فقال : اكتب ثكمنها علي و غير ذلك و ضجر يزيد و جاء خبر خراسان و مقتل قتيبة فطمع يزيد في ولايتها و دس عبد الله بن الأهتم على سليمان أن يوليه خراسان و لا يشعر بطلبته بذلك . و سيره على البريد فقال له سليمان : إن يزيد إلي بذكر عملك بالعراق ! فقال : نعم بها ولدت و بها نشأت . ثم استشار فيمن يوليه خراسان و لم يزل سليمان بذكر الناس و هو يردهم ، ثم حذره من وكيع و غدره قال : فسم أنت ! قال شريطة الكمال الإجازة ممن أشير به ، و إذا علم يكره ذلك . ثم قال : هو يزيد بن المهلب فقال سليمان : العراق أحب إليه ، فقال ابن الأهتم : قد عملت و لكن نكرهه فيستخلف على العراق و يسير إلى خراسان ، فكتب عهد يزيد على خراسان و بعثه مع ابن الأهتم فلما جاءه بعث ابنه على خراسان ثم سار بعده و استخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمي و على البصرة ابن عبد الله بن هلال الكلابي ، و على الكوفة حرمحلة بن عيد اللمغمي . ثم عزله لأشهر بشير بن حيان النهدي ، فكانت قيس تطلب بثأر قتيبة و تزعم أنه لم يخلع . فأوصى سليمان يزيد إن أقامت قيس بينه أنه لم يخلع أن يقيد به من وكيع .
أخبار الصوائف و حصار قسطنطينيةكانت الصوائف من الشام منذ وفاة معاوية و حدوث الفتن و اشتدت الفتن أيام عبد الملك اجتمعت الروم و استجاشوا على أهل الشام فصالح عبد الملك صاحب قسطنطينية على أن يؤدي إليه كل يوم جمعة ألف دينار خشية منه على المسلمين و نظراً لهم ، و ذلك سنة سبعين لعشر سنين من وفاة معاوية . ثم لما قتل مصعب و سكنت الفتنة بعث الجيوش سنة إحدى و سبعين في الصائفة . فدخل فافتتح قيسارية ، ثم ولى على الجزيرة و أرمينية أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث و سبعين فدخل في الصائفة إلى بلاد الروم فهزمهم ، و دخل عثمان بن الوليد من ناحية أرمينية في أربعة آلاف و لقيه الروم في ستين ألفاً فهزمهم و أثخن فيهم بالقتل و الأسر . ثم غزا محمد بن مروان سنة أربع و سبعين فبلغ أنبولية و غزا في السنة بعدها في الصائفة من طريق مرعش ، فدوخ بلادهم و خرج الروم في السنة بعدها إلى العتيق فغزاهم من ناحية مرعش ثانية ، ثم غزاهم سنة ست و سبعين من ناحية ملطية و دخل في الصائف سنة سبع و سبعين الوليد ابن عبد الملك فأثخن فيهم و رجع و جاء الروم سنة تسع و سبعين فأصابوا من أهل أنطاكية و ظفروا بهم فبعث عبد الملك سنة إحدى و ثمانين ابنه عبيد الله بالعسكر ففتح قاليقلا . ثم غزا محمد بن مروان سنة اثنتين و ثمانين أرمينية و هزمهم ، فسألوه الصلح فصالحهم و ولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروه و قتلوه فغزاهم سنة خمسين و ثمانين و صاف فيها و شتى ثم غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم و دوخها ، و رجع و عاد إليها سنة سبع و ثمانين فيهم بناحية المصيصة و فتح حصوناً كثيرة . منها حصن بولق و الحأزم و بولس و قمقيم . و قتل من المستقربة ألف مقاتل و سبى أهاليهم . ثم غزا بلاد الروم سنة تسع و ثمانين مسلمة بن عبد الملك و العباس بن الوليد ، فافتتح مسلمة حصن سورية و افتتح العباس أردولية ، و لقي جمعاً من الروم فهزمهم . و قيل إن مسلمة قصد عمورية فلقي بها جمعاً من الروم فهزمهم . و افتتح هرقلة و قمولية و غزا العباس الصائفة من ناحية البلدبدون . و غزا مسلمة بن عبد الملك الترك سنة تسع و ثمانين من ناحية أذربيجان ففتح حصوناً و مدائن هناك . ثم غزا سنة تسعين ففتح الحصون الخمس التي بسورية . و غزا العباس حتى بلغ أردن و سورية . و في سنة إحدى و تسعين غزا عبد العزيز بن الوليد في الصائفة مع مسلمة بن عبد الملك و كان الوليد قد ولى مسلمة على الجزيرة و أرمينية و عزل عمه محمد بن مروان عنها ، فغزا الترك من ناحية أذربجيان حتى الباب و فتح مدائن و حصوناً ، ثم غزا سنة إثنتين و تسعين بعدها ففتح ثلاثة حصون و جلا أهل سرسنة إلى بلاد الروم ثم غزا العباس بن الوليد سنة ثلاث بعدها بلاد الروم ففتح سبيطلة ، و غزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة . و غزا مسلمة ففتح ماشية و حصن الحديد و غزالة من ناحية ملطية . و غزا العباس بن الوليد سنة أربع و تسعين ففتح إنطاكية . و غزا عبد العزيز بن الوليد ففتح غزالة و بلغ الوليد بن هشام المعيطي مروج الحمام ، و يزيد بن أبي كبشة أرض سورية . و في سنة خمس و تسعين غزا العباس الروم ففتح هرقلة . و في سنة سبع و تسعين غزا مسلمة أرض الرضاخية و فتح الحصن الذي فتحه الرصاع ، و غزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر فشتى بها ، و بعث سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية و بعث إبنه داود على الصائفة ففتح حصن المراة ، و في سنة ثمان و تسعين مات ملك الروم ، فجاء القون إلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
سليمان فأخبره و ضمن له فتح الروم ، و سار سليمان إلى وابق و بعث الجيوش مع أخيه مسلمة ، و لما دنا من القسطنطينية أمر أهل المعسكر أن يحمل كل واحد مدين من الطعام و يلقوه في معسكرهم فصار أمثال الجبال و اتخذ البيوت من الخشب و أمر الناس بالزراعة و صاف و شتى و هم يأكلون من زراعتهم و طعامهم الذي استاقوه مدخراً . ثم جهد أهل القسطنطينية الحصار ، و سألوا الصلح على الجزية ديناراً على الرأس ، فلم يقبل مسلمة و بعث الروم إلى ألقون إن صرفت عنا المسلمين ملكناك فقال لمسلمة : لو أحرقت هذا الزرع علم الروم أنك قصدتهم بالقتال فنأخذهم باليد وهم الآن يظنون مع بقاء الزرع أنك تطاولهم ، فأحرق الزرع فقوي الروم و غدر ألقون و أصبح محارباً ، و أصاب الناس الجوع فأكلوا الدواب و الجلود و أصول الشجر و الورق و سليمان مقيم بوابق و حال الشتاء بينهم و بينه فلم يقدر أن يمدهم حتى مات و أغارت برجان على مسلمة و هو في قلة فهزمهم و فتح مدينتهم . و غزا في هذه السنة الوليد بن هشام فأثخن في بلاد الروم . و غزا داود بن سليمان سنة ثمان و تسعين ففتح حصن المراة مما يلي ملطية . و في سنة تسع و تسعين بعث عمر بن عبد العزيز مسلمة و هو بأرض الروم و أمده بالنفول بالمسلمين و بعث إليه بالخيل و الدواب ، و حث الناس على معونتهم ثم أمر عمر بن عبد العزيز أهل طريدة بالجلاء عنها إلى ملطية و خربها . و كان عبد الله بن عبد الملك قد أسكنها المسلمين و فرض على أهل الجزيرة مسلحة تكون عندهم إلى فصل الشتاء ، و كانت متوغلة في أرض الروم فخربها عمر ، و ولى على ملطية جعونة بن الحرث من بني عامر بن صعصعة . و أغزى عمر سنة مائة من الهجرة بالصائفة الوليد بن هشام المعطي و عمر ابن قيس الكندي .
فتح جرجان و طبرستان
كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنمهما كانتا للكفار ، و توسطتا بين فارس و خراسان و لم يصبهما الفتح . و كان يقول في جوار سليمان بالشام إذا قصت عليه أخبار قتيبة و ما يفعله بخراسان و ما وراء النهر ، ما فعلت جرجان التي قطعت الطريق و أفسدت يوسس و نيسابور و ليست هذه الفتوح بشيء و الشأن في جرجان . فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق و الشام سوى الموالي و المتطوعة ، و لم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال و مخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه فابتدأ بقهستان فحاصرها و بها طائفة من الترك فكانوا يخرجون قيقاتلون و ينهزمون في كل يوم و يدخلون حصنهم و لم يزل على ذلك حتى بعث إليه دهقان يتستأذن يسأل في الصلح و يسلم المدينة و ما فيها فصالحه و أخذ ما فيها من الأموال و الكنوز و السبي ما لا يحصى ، و قتل أربعة عشر ألفاً من الترك ، و كتب إلى سليمان بذلك . ثم سار إلى جرجان و كان سعيد بن العاصي قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحياناً يجبون مائة و أحياناً مائتين و أحياناً ثلثمائة ، و ربما أعطوا ذلك و ربما منعوا ، ثم كفروا و لم يعطوا خراجاً ، و لم يأت جرجان بعد سعيد أحد ، و منعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكون على فارس و سلماس . ثم فتح قتيبة طريق قومس و بقي أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه . و لما فتح يزيد قهستان و جرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكري على ساسان و قهستان ، و خلف معه أربع آلاف فارس ، و سار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان و نزل بآمد . و نسا راشد بن عمر في أربعة آلاف . و دخل بلاد طبرستان فسأل صاحبها الأصبهبذ في الصلح ، و أن يخرج من طبرستان فأبى يزيد و رجا أن يفتحها ، و وجه أخاه عيينة من وجه و ابنه خالد بن يزيد من وجه ، و إذا اجتمعا فعيينة على الناس و استجاش الأصنبهبذ أهل جيلان و الديلم و التقوا فانهزم المشركون ، و اتبعهم المسلمون إلى الشعب و صعد المشركون في الجبل فامتنعوا على المسلمين و صعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا و كاتب الأصبهبذ أهل جرجان و مقدمهم المرزبان أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد و الطريق بينه و بين جرجان و وعدهم بالمكافأة على ذلك فساروا بالمسلمين و هم غارون ، و قتل عبد الله بن معمر و جميع من معه و لم ينج أحد و كتبوا إلى الأصبهبذ بأخذ المضايق و الطرق ، و بلغ ذلك و أصحابه فعظم عليهم و هالهم ، و فزع يزيد إلى حيان النبطي و كان قد غرمه مائتي ألف درهم بسبب أنه كتب إلى ابنه مخلد كتاباً فبدأ بنفسه . فقال له : لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين ، و قد علمت ما جاءنا من جرجان فاعمل في الصلح . فأبى حيان الأصبهبذ و مت إليه بنسب العجم و تنصل له و فتل له في الذروة و الغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم و أربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين ، و أربعمائة رجل على يد كل رجل منهم ترس و طيلسان و جام من فضة و خرقة حرير و كسوة ، فأرسل يزيد لقبض ذلك و رجع . و قيل في سبب مسير يزيد إلى جرجان أن صولاً التركي كان على قهستان و البحيرة ، جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان ، و هما من جرجان مما يلي خوارزم و كان يغير على فيروز بن فولفون مرزبان جرجان و أشار فيروز بنصيب من بلاده ، فسار فيروز إلى يزيد هارباً منه و أخذ صول جرجان و أشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الأصبهبذ و يرغبه في العطاء إن هو حبس صولاً بجرجان حتى يحاصر بها ، ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته و خروجه عن جرجان فيتمكن يزيد منه فكتب إلى الأصبهبذ و بعث بالكتاب إلى صول فخرج من حينه إلى البحيرة و بلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان و معه فيروز و استخلف على خراسان إبنه مخلداً . و على سمرقند و كش و نسف و بخارى إبنه معاوية و على طخارستان ابن قبيصة بن المهلب ، و أتى جرجان فلم يمنعه دونها أحد و دخلها ثم سار منها إلى البحير و حصر صولا بها شهراً حتى سأل الصلح على نفسه و ماله و ثلثمائة و يسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد و خرج صول عن البحيرة و قتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفاً و أمر إدريس بن حنظلة العمى أن يحصي ما في البحيرة ليعطى الجند فلم يقدر . و كان فيها من الحنطة و الشعير و الأرز و السمسم و العسل شيء كثير و من الذهب و الفضة كذلك و لما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجان و عاهد الله إن ظفر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم و يأكل منه فحاصرهم سبعة أشهر و هم يخرجون إليه فيقاتلونه و يرجعون و كانوا متمنعين في الجبل و الأوعار و قصد رجل من عجم خراسان فأتبع بخلا في الجبل و انتهى إلى معسكرهم و عرف الطريق إليه و دل الأدلة على معالمة ، و أتى يزيد فأخبره فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد و ضم إليه جهم بن ذخر و بعثه و ذلك الرجل يدل به ، و واعده أن يناهضهم العصر من الغداة و لما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب عنده حتى اضطرمت النيران و نظر العدو إلى النار فهالهم و حاموا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر و إذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم و أتبعهم المسلمون فأعطوا ما بأيديهم و نزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة و سبى الذرية و قاد منهم اثتي عشر ألفاً إلى وادي جرجان ، و مكن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم و جرى الماء على الدم و عليه الأرحاء فطحن و خبز و أكل و قتل منهم أربعين ألفاً و بنى مدينة جرجان و لم تكن بنيت قبل و رجع إلى خراسان و ولى على جرجان جهم بن ذخر الجعفي و لما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق و يساره .
وفاة سليمان و بيعة عمر بن عبد العزيزثم توفي سليمان بدايق من أرض قنسرين من سنة تسعة و تسعين في صفر منها و قد كان في مرضه أراد أن يعهد إلى ولده داود ثم استصغره و قال له كاتبه رجاء بن حيوة ابنك غائب عنك بقسطنطينية و لا يعرف حياته من مو ته فعدل إلى عمر بن عبد العزيز و قال له : إني و الله لأعلم أنها تكون فتنة و لا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده ، و كان عبد الملك قد جعل ذلك له و كتب بعد البسملة هذا كتاب من عبد الله بن سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز : إني قد وليتك الخلافة من بعدي و من بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له و أطيعوا و اتقوا الله ، و لا تختلفوا فيطمع فيكم ختم الكتاب ثم أمر كعب بن جابر العبسي صاحب الشرطة أن يجمع أهل بيته ، و أمر رجاء بن حيوة أن يدفع لهم كتابه و قال : أخبرهم أنه كتابي فليبايعوا من وليت فيه فبايعوه رجلاً و تفرقوا و أتى عمر إلى رجاء يستعمله و يناشده الله و المودة يستعفي من ذلك فأبى و جاءه هشام أيضاً يستعمله ليطلب حقه في الأمر فأبى ، فانصرف أسفاً أن يخرج من بني عبد الملك ثم مات سليمان و جمع رجاء
فتح جرجان و طبرستان
كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنمهما كانتا للكفار ، و توسطتا بين فارس و خراسان و لم يصبهما الفتح . و كان يقول في جوار سليمان بالشام إذا قصت عليه أخبار قتيبة و ما يفعله بخراسان و ما وراء النهر ، ما فعلت جرجان التي قطعت الطريق و أفسدت يوسس و نيسابور و ليست هذه الفتوح بشيء و الشأن في جرجان . فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق و الشام سوى الموالي و المتطوعة ، و لم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال و مخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه فابتدأ بقهستان فحاصرها و بها طائفة من الترك فكانوا يخرجون قيقاتلون و ينهزمون في كل يوم و يدخلون حصنهم و لم يزل على ذلك حتى بعث إليه دهقان يتستأذن يسأل في الصلح و يسلم المدينة و ما فيها فصالحه و أخذ ما فيها من الأموال و الكنوز و السبي ما لا يحصى ، و قتل أربعة عشر ألفاً من الترك ، و كتب إلى سليمان بذلك . ثم سار إلى جرجان و كان سعيد بن العاصي قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحياناً يجبون مائة و أحياناً مائتين و أحياناً ثلثمائة ، و ربما أعطوا ذلك و ربما منعوا ، ثم كفروا و لم يعطوا خراجاً ، و لم يأت جرجان بعد سعيد أحد ، و منعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكون على فارس و سلماس . ثم فتح قتيبة طريق قومس و بقي أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه . و لما فتح يزيد قهستان و جرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكري على ساسان و قهستان ، و خلف معه أربع آلاف فارس ، و سار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان و نزل بآمد . و نسا راشد بن عمر في أربعة آلاف . و دخل بلاد طبرستان فسأل صاحبها الأصبهبذ في الصلح ، و أن يخرج من طبرستان فأبى يزيد و رجا أن يفتحها ، و وجه أخاه عيينة من وجه و ابنه خالد بن يزيد من وجه ، و إذا اجتمعا فعيينة على الناس و استجاش الأصنبهبذ أهل جيلان و الديلم و التقوا فانهزم المشركون ، و اتبعهم المسلمون إلى الشعب و صعد المشركون في الجبل فامتنعوا على المسلمين و صعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا و كاتب الأصبهبذ أهل جرجان و مقدمهم المرزبان أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد و الطريق بينه و بين جرجان و وعدهم بالمكافأة على ذلك فساروا بالمسلمين و هم غارون ، و قتل عبد الله بن معمر و جميع من معه و لم ينج أحد و كتبوا إلى الأصبهبذ بأخذ المضايق و الطرق ، و بلغ ذلك و أصحابه فعظم عليهم و هالهم ، و فزع يزيد إلى حيان النبطي و كان قد غرمه مائتي ألف درهم بسبب أنه كتب إلى ابنه مخلد كتاباً فبدأ بنفسه . فقال له : لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين ، و قد علمت ما جاءنا من جرجان فاعمل في الصلح . فأبى حيان الأصبهبذ و مت إليه بنسب العجم و تنصل له و فتل له في الذروة و الغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم و أربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين ، و أربعمائة رجل على يد كل رجل منهم ترس و طيلسان و جام من فضة و خرقة حرير و كسوة ، فأرسل يزيد لقبض ذلك و رجع . و قيل في سبب مسير يزيد إلى جرجان أن صولاً التركي كان على قهستان و البحيرة ، جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان ، و هما من جرجان مما يلي خوارزم و كان يغير على فيروز بن فولفون مرزبان جرجان و أشار فيروز بنصيب من بلاده ، فسار فيروز إلى يزيد هارباً منه و أخذ صول جرجان و أشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الأصبهبذ و يرغبه في العطاء إن هو حبس صولاً بجرجان حتى يحاصر بها ، ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته و خروجه عن جرجان فيتمكن يزيد منه فكتب إلى الأصبهبذ و بعث بالكتاب إلى صول فخرج من حينه إلى البحيرة و بلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان و معه فيروز و استخلف على خراسان إبنه مخلداً . و على سمرقند و كش و نسف و بخارى إبنه معاوية و على طخارستان ابن قبيصة بن المهلب ، و أتى جرجان فلم يمنعه دونها أحد و دخلها ثم سار منها إلى البحير و حصر صولا بها شهراً حتى سأل الصلح على نفسه و ماله و ثلثمائة و يسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد و خرج صول عن البحيرة و قتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفاً و أمر إدريس بن حنظلة العمى أن يحصي ما في البحيرة ليعطى الجند فلم يقدر . و كان فيها من الحنطة و الشعير و الأرز و السمسم و العسل شيء كثير و من الذهب و الفضة كذلك و لما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجان و عاهد الله إن ظفر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم و يأكل منه فحاصرهم سبعة أشهر و هم يخرجون إليه فيقاتلونه و يرجعون و كانوا متمنعين في الجبل و الأوعار و قصد رجل من عجم خراسان فأتبع بخلا في الجبل و انتهى إلى معسكرهم و عرف الطريق إليه و دل الأدلة على معالمة ، و أتى يزيد فأخبره فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد و ضم إليه جهم بن ذخر و بعثه و ذلك الرجل يدل به ، و واعده أن يناهضهم العصر من الغداة و لما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب عنده حتى اضطرمت النيران و نظر العدو إلى النار فهالهم و حاموا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر و إذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم و أتبعهم المسلمون فأعطوا ما بأيديهم و نزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة و سبى الذرية و قاد منهم اثتي عشر ألفاً إلى وادي جرجان ، و مكن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم و جرى الماء على الدم و عليه الأرحاء فطحن و خبز و أكل و قتل منهم أربعين ألفاً و بنى مدينة جرجان و لم تكن بنيت قبل و رجع إلى خراسان و ولى على جرجان جهم بن ذخر الجعفي و لما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق و يساره .
وفاة سليمان و بيعة عمر بن عبد العزيزثم توفي سليمان بدايق من أرض قنسرين من سنة تسعة و تسعين في صفر منها و قد كان في مرضه أراد أن يعهد إلى ولده داود ثم استصغره و قال له كاتبه رجاء بن حيوة ابنك غائب عنك بقسطنطينية و لا يعرف حياته من مو ته فعدل إلى عمر بن عبد العزيز و قال له : إني و الله لأعلم أنها تكون فتنة و لا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده ، و كان عبد الملك قد جعل ذلك له و كتب بعد البسملة هذا كتاب من عبد الله بن سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز : إني قد وليتك الخلافة من بعدي و من بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له و أطيعوا و اتقوا الله ، و لا تختلفوا فيطمع فيكم ختم الكتاب ثم أمر كعب بن جابر العبسي صاحب الشرطة أن يجمع أهل بيته ، و أمر رجاء بن حيوة أن يدفع لهم كتابه و قال : أخبرهم أنه كتابي فليبايعوا من وليت فيه فبايعوه رجلاً و تفرقوا و أتى عمر إلى رجاء يستعمله و يناشده الله و المودة يستعفي من ذلك فأبى و جاءه هشام أيضاً يستعمله ليطلب حقه في الأمر فأبى ، فانصرف أسفاً أن يخرج من بني عبد الملك ثم مات سليمان و جمع رجاء
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تاريخ دمشق الجزء الثالث
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تاريخ دمشق الجزء الثالث
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
صفحة 1 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى