تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
و نكر اليهود ذلك من فعل هيردوس و تظلموا منه عند هرقانوس و طلبوه في القصاص منه ، فأحضره في مجلس الأحكام و أحضر السبعين شيخاً من اليهود ، و جاء هيردوس متسلحاً و دافع عن نفسه ، و علم هرقانوس بغرض الأشياخ ، ففصلوا المجلس فنكروا ذلك على هرقانوس ، و لحق هيردوس ببلاد الأرمن فقدمه سفيوس على عمله .
ثم أرسل هرقاوس إلى قيصر يسأل عن تجديد عهود الروم لهم ، فكتب له بذلك ، و أمر بأن يحمل أهل الساحل خراجهم إلى بيت المقدس ما بين صيدا و غزة ، و يحمل أهل صيدا إليها في كل سنة عشرين ألفاً وسق من القمح ، و أن يرد على اليهود سائر ما كان بأيديهم إلى الفرات و اللاذقية و أعمالها و ما كان بنو حشمناي فتحوه عنوة من عدوات الفرات ، لأن فمقيوس كان يتعدى عليهم في ذلك ، و كتب العهد بذلك في ألواح من نحاس بلسان الروم و يونان ، و علقت في أسوار صور و صيدا و استقام أمر هرقانوس .
قال ابن كريون : ثم قتل قيصر ملك الروم . و أنظفتر وزير هرقانوس المستبد عليه . أما قيصر فوثب عليه كيساوس من قواد فمقيوس فقتله ، و ملك و جمع العساكر و عبر البحر إلى بلاد أشيت ففتحها ، ثم سار إلى القدس و طالبهم بسعبين بدرة من الذهب ، فجمع له أنظفتر و بنوه من اليهود ، ثم رجع كيساوس إلى مقدونية فأقام بها . و أما أنظفتر فإن اليهود دخلوا القائد ملكيا الذي كان بين أظهرهم من قبل كيساوس في قتل أنظفتر وزير هرقانوس ، فأجابهم إلى ذلك ، فدسوا إلى ساقيه سما فقتله ، و جاء ابنه هيردوس إلى القدس مجمعا قتل هرقانوس ، فكفه فسيلو عن ذلك ، و جاء كيساوس من مقدونية إلى صور ، و لقي هرقانوس و هيردوس و شكوا إليه ما فعله قائده ملكياً من مداخلة اليهود في قتل أنظفتر ، فأذن لهم في قتله فقتلوه . ثم زحف كينانوس بن أخي قيصر و قائده أنطيوس في العساكر لحرب كيساوس المتوثب على عمه قيصر ، فلقيهم قريبا من مقدونية فظفرا به و قتلاه ، و ملك كينانوس مكان عمه و سمى أوغسطس قيصر باسم عمه . فأرسل إليه هرقانوس ملك اليهود بهدية و فيها تاج من الذهب مرصع بالجواهر و سأل تجديد العهد لهم ، و أن يطلق السبي الذي سبي منهم أيام كيساوس ، و أن يرد اليهود إلى بلاد يونان و أثنية ، و أن يجري لهم ما كان رسم به عمه قيصر ، فأجابه إلى ذلك كله .
و سار أنطيانوس و أوغسطس قيصر إلى بلاد الأرمن بدمشق و حمص ، فلقته هنالك كلبطرة ملكة مصر و كانت ساحرة ، فاستأمنته و تزوجها و حضر عنده هرقانوس ملك اليهود . و جاء جماعة من اليهود فشكوا من هيردوس و أخيه فسيلو و تظلموا منهما ، و أكذبهم ملكهم هرقانوس و أبى عليها ، و أمر انطيانوس بالقبض على أولئك الشاكين و قتل منهم ، و رجع هيردوس و أخوه فسارا إلى مكانهما و مكان أبيهما من تدبير مملكة هرقانوس ، و سار أنطيانوس إلى بلاد الفرس فدوخها و عاث في نواحيها و قهر ملوكهم و قفل إلى رومة .
قال ابن كريون : و في خلال ذلك لحق أنطقنوس و جماعة من اليهود بالفرس ، و ضمنوا لملكهم أن يحملوا إليه بدرة من الذهب و ثمانمائة جارية من بنات اليهود و رؤسائهم يسبيهن له ، على أن يملكه مكان عمه هرقانوس و يسلمه إليه ، و يقتل هيردوس و أخاه فسيلو ، فأجابهم ملك في الفرس إلى ذلك ، و سار في العساكر و فتح بلاد الأرمن و قتل من وجد بها من قواد الروم و مقاتلتهم ، و بعث قائده بعسكر من القدس مع أنطقنوس مورياً بالصلاة في بيت المقدس و التبرك بالهيكل ، حتى إذا توسط المدينة ثار بها و أفحش في القتل ، و بادر هيردوس إلى قصر هرقانوس ليحفظه ، و مضى فسيلو إلى الحصن يضبطه . و تورط من كان بالمدينة من الفرس قتلهم اليهود عن آخرهم ، و امتنعوا على القائد ، و فسد ما كان دبره في أمرر أنطقنوس فرجع إلى استمالة هرقانوس و هيردوس ، و طلب الطاعة منهم للفرس و أنه يتطلف لهم عند الملك في إصلاح حالهم ، فصغي هرقانوس و فسيلو إلى قوله و خرجوا إليه . و ارتاب هيردوس و امتنع فارتحل بهما قائد الفرس حتى إذا بلغ الملك ببلاد الأرمن تقبض عليهما فمات فسيلو من ليلته ، و قيد هرقانوس و احتمله إلى بلاده ، و أشار أنطقنوس بقطع أذنه ليمنعه من الكهنونة .
و لما وصل ملك الفرس إلى بلاده أطلق هرقانوس من الاعتقال ، و أحسن إليه إلى أن استدعاه هيردوس ، كما يأتي بعد ، و بعث ملك الفرس قائده إلى اليهود مع أنطقنوس ليملك ، فخرج هيردوس عن القدس إلى جبل الشراة فترك عياله بالحصن عند أخيه يوسف ، و سار إلى مصر يريد قيصر . فأكرمته كلبطرة ملكة مصر ، و أركبته السفن إلى رومية ، فدخل بها انطيانوس إلى أوغسطس قيصر ، و خبره قيصر ، و خبره الخبر عن الفرس و القدس ، فملكه أوغسطس و ألبسه التاج و أركبه في رومية في زي الملك ، و الهاتف بين يديه بأن أوغسطس ملكه . و احتفل انطيانوس في صنيع له حضره الملك أوغسطس قيصر و شيوخ رومية ، و كتبوا له العهد في ألواح من نحاس ، و وضعوا ذلك اليوم التاريخ ، و هو أول ملك هيردوس .و سار أنطيانوس بالعسكر إلى الفرس و معه هيردوس ، و فارقه من أنطاكية و ركب البحر إلى القدس لحرب أنطقنوس ، فخرج أنطقنوس إلى جبال الشراة للإستيلاء على عيال هيردوس ، و أقام على حصار الحصن ، و جاء هيردوس فحاربه و خرج يوسف من الحصن من ورائه ، فانهزم أنطقنوس إلى القدس ، و هلك أكثر عساكره ، و حاصره هيردوس و بعث انطقنوس بالأموال إلى قواد العسكر من الروم فلم يجيبوه ، و أقام هيردوس على حصاره حتى جاءه الخبر عن أنطيانوس قائد قيصر أنه ظفر بملك الفرس و قتله و دوخ بلادهم ، و أنه عاد و نزل الفرات . فترك هيردوس أخاه يوسف على حصار القدس مع قائد الروم سيساو ، و من تبعهم من الأرمن ، و سار للقاء أنطيانوس ، و بلغه و هو بدمشق أن أخاه يوسف قتل في
ثم أرسل هرقاوس إلى قيصر يسأل عن تجديد عهود الروم لهم ، فكتب له بذلك ، و أمر بأن يحمل أهل الساحل خراجهم إلى بيت المقدس ما بين صيدا و غزة ، و يحمل أهل صيدا إليها في كل سنة عشرين ألفاً وسق من القمح ، و أن يرد على اليهود سائر ما كان بأيديهم إلى الفرات و اللاذقية و أعمالها و ما كان بنو حشمناي فتحوه عنوة من عدوات الفرات ، لأن فمقيوس كان يتعدى عليهم في ذلك ، و كتب العهد بذلك في ألواح من نحاس بلسان الروم و يونان ، و علقت في أسوار صور و صيدا و استقام أمر هرقانوس .
قال ابن كريون : ثم قتل قيصر ملك الروم . و أنظفتر وزير هرقانوس المستبد عليه . أما قيصر فوثب عليه كيساوس من قواد فمقيوس فقتله ، و ملك و جمع العساكر و عبر البحر إلى بلاد أشيت ففتحها ، ثم سار إلى القدس و طالبهم بسعبين بدرة من الذهب ، فجمع له أنظفتر و بنوه من اليهود ، ثم رجع كيساوس إلى مقدونية فأقام بها . و أما أنظفتر فإن اليهود دخلوا القائد ملكيا الذي كان بين أظهرهم من قبل كيساوس في قتل أنظفتر وزير هرقانوس ، فأجابهم إلى ذلك ، فدسوا إلى ساقيه سما فقتله ، و جاء ابنه هيردوس إلى القدس مجمعا قتل هرقانوس ، فكفه فسيلو عن ذلك ، و جاء كيساوس من مقدونية إلى صور ، و لقي هرقانوس و هيردوس و شكوا إليه ما فعله قائده ملكياً من مداخلة اليهود في قتل أنظفتر ، فأذن لهم في قتله فقتلوه . ثم زحف كينانوس بن أخي قيصر و قائده أنطيوس في العساكر لحرب كيساوس المتوثب على عمه قيصر ، فلقيهم قريبا من مقدونية فظفرا به و قتلاه ، و ملك كينانوس مكان عمه و سمى أوغسطس قيصر باسم عمه . فأرسل إليه هرقانوس ملك اليهود بهدية و فيها تاج من الذهب مرصع بالجواهر و سأل تجديد العهد لهم ، و أن يطلق السبي الذي سبي منهم أيام كيساوس ، و أن يرد اليهود إلى بلاد يونان و أثنية ، و أن يجري لهم ما كان رسم به عمه قيصر ، فأجابه إلى ذلك كله .
و سار أنطيانوس و أوغسطس قيصر إلى بلاد الأرمن بدمشق و حمص ، فلقته هنالك كلبطرة ملكة مصر و كانت ساحرة ، فاستأمنته و تزوجها و حضر عنده هرقانوس ملك اليهود . و جاء جماعة من اليهود فشكوا من هيردوس و أخيه فسيلو و تظلموا منهما ، و أكذبهم ملكهم هرقانوس و أبى عليها ، و أمر انطيانوس بالقبض على أولئك الشاكين و قتل منهم ، و رجع هيردوس و أخوه فسارا إلى مكانهما و مكان أبيهما من تدبير مملكة هرقانوس ، و سار أنطيانوس إلى بلاد الفرس فدوخها و عاث في نواحيها و قهر ملوكهم و قفل إلى رومة .
قال ابن كريون : و في خلال ذلك لحق أنطقنوس و جماعة من اليهود بالفرس ، و ضمنوا لملكهم أن يحملوا إليه بدرة من الذهب و ثمانمائة جارية من بنات اليهود و رؤسائهم يسبيهن له ، على أن يملكه مكان عمه هرقانوس و يسلمه إليه ، و يقتل هيردوس و أخاه فسيلو ، فأجابهم ملك في الفرس إلى ذلك ، و سار في العساكر و فتح بلاد الأرمن و قتل من وجد بها من قواد الروم و مقاتلتهم ، و بعث قائده بعسكر من القدس مع أنطقنوس مورياً بالصلاة في بيت المقدس و التبرك بالهيكل ، حتى إذا توسط المدينة ثار بها و أفحش في القتل ، و بادر هيردوس إلى قصر هرقانوس ليحفظه ، و مضى فسيلو إلى الحصن يضبطه . و تورط من كان بالمدينة من الفرس قتلهم اليهود عن آخرهم ، و امتنعوا على القائد ، و فسد ما كان دبره في أمرر أنطقنوس فرجع إلى استمالة هرقانوس و هيردوس ، و طلب الطاعة منهم للفرس و أنه يتطلف لهم عند الملك في إصلاح حالهم ، فصغي هرقانوس و فسيلو إلى قوله و خرجوا إليه . و ارتاب هيردوس و امتنع فارتحل بهما قائد الفرس حتى إذا بلغ الملك ببلاد الأرمن تقبض عليهما فمات فسيلو من ليلته ، و قيد هرقانوس و احتمله إلى بلاده ، و أشار أنطقنوس بقطع أذنه ليمنعه من الكهنونة .
و لما وصل ملك الفرس إلى بلاده أطلق هرقانوس من الاعتقال ، و أحسن إليه إلى أن استدعاه هيردوس ، كما يأتي بعد ، و بعث ملك الفرس قائده إلى اليهود مع أنطقنوس ليملك ، فخرج هيردوس عن القدس إلى جبل الشراة فترك عياله بالحصن عند أخيه يوسف ، و سار إلى مصر يريد قيصر . فأكرمته كلبطرة ملكة مصر ، و أركبته السفن إلى رومية ، فدخل بها انطيانوس إلى أوغسطس قيصر ، و خبره قيصر ، و خبره الخبر عن الفرس و القدس ، فملكه أوغسطس و ألبسه التاج و أركبه في رومية في زي الملك ، و الهاتف بين يديه بأن أوغسطس ملكه . و احتفل انطيانوس في صنيع له حضره الملك أوغسطس قيصر و شيوخ رومية ، و كتبوا له العهد في ألواح من نحاس ، و وضعوا ذلك اليوم التاريخ ، و هو أول ملك هيردوس .و سار أنطيانوس بالعسكر إلى الفرس و معه هيردوس ، و فارقه من أنطاكية و ركب البحر إلى القدس لحرب أنطقنوس ، فخرج أنطقنوس إلى جبال الشراة للإستيلاء على عيال هيردوس ، و أقام على حصار الحصن ، و جاء هيردوس فحاربه و خرج يوسف من الحصن من ورائه ، فانهزم أنطقنوس إلى القدس ، و هلك أكثر عساكره ، و حاصره هيردوس و بعث انطقنوس بالأموال إلى قواد العسكر من الروم فلم يجيبوه ، و أقام هيردوس على حصاره حتى جاءه الخبر عن أنطيانوس قائد قيصر أنه ظفر بملك الفرس و قتله و دوخ بلادهم ، و أنه عاد و نزل الفرات . فترك هيردوس أخاه يوسف على حصار القدس مع قائد الروم سيساو ، و من تبعهم من الأرمن ، و سار للقاء أنطيانوس ، و بلغه و هو بدمشق أن أخاه يوسف قتل في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45424
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
حصار القدس على يد قائده أنطقنوس ، و أن العساكر انفضت و رجعوا إلى دمشق ، و جاء سيساو منهزما قائد أنطيانوس بالعساكر . و تقدم هيردوس و قد خرج أنطقنوس للقائه فهزمه ، و قتل عامة عسكره و اتبعه إلى القدس . و وافاه سيساو قائد الروم فحاصروا القدس أياماً ، ثم اقتحموا البلد و تسللوا صاعدين إلى السور ، و قتلوا الحرس و ملكوا المدينة ، و أفحش سيساو في قتل اليهود ، فرغب إليه هيردوس في الإبقاء . و قال له : إذا قتلت قومي فعلى من تملكني ؟ فرفع القتل عنهم ورد ما نهب و قرب إلى البيت تاجاً من الذهب وضعت فيه ، و حمل إليه هيردوس أموالاً . ثم عثروا على أنطقنوس مختفياً بالمدينة ، فقيده سيساو القائد ، و سار به إلى أنطيانوس ، و قد كان سار من الشام إلى مصر ، فجاءه بأنطقنوس هنالك ، و لحق بهم هيردوس و سأل من أنطيانوس قتل أنطقنوس فقتله . و استبد هيردوس بملك و انقرض ملك بني حشمناي و البقاء لله وحده .
انقراض ملك بني حشمناي و ابتداء ملك هيردوس و بنيه
و كان أول ما افتتح به ملكه أن بعث إلى هرقانوس الذي احتمله الفرس و قطعوا أذنه يستقدمه ليأمن على ملكه من ناحيته ، و رغبه في الكهنونية التي كان عليها ، فرغب و حذره ملك الفرس من هيردوس ، و عزله اليهود الذين معه ، و أراه أنها خديعة و أنه العيب الذي به يمنع الكنهونية ، فلم يقبل شيئاً من ذلك . و صغى إلى هيردوس و حسن ظنه به و سار إليه و تلقاه بالكرامة و الإعطاء و كان يخاطبه بأبي في الجمع و الخلوة .
و كانت الإسكندرة بنت هرقانوس تحت الاسكندر و ابن أخيه أرستبلوس ، و كانت بنتها منه مريم تحت هيردوس ، فاطلعتا على ضمير هيردوس من محاولة قتله ، فخبرتاه بذلك و أشارتا عليه باللحاق يملك الرعب ليكون في جواره ، فخاطبه هرقانوس في ذلك و أن يبعث إليه من رجالاتهم من يخرج به إلى أحيائهم ، و كان حامل الكتاب من اليهود مضطغنا على هرقانوس لأنه قتل أخاه و سلب ماله ، فوضع الكتاب في يد هيردوس ، فلما قرأه رده إليه و قال : أبلغه إلى ملك العرب و أرجع الجواب إلي فجاءه بالجواب من ملك العرب إلى هرقانوس ، و أنه أسعف و بعث الرجال فالقهم بوصولك إلي . فبعث هيردوس من يقبض على الرجال بالمكان الذي عينه ، و أحضرهم و أحضر حكام البلاد اليهود و السبعين شيخاً . و أحضر هرقانوس و قرأ عليه الكتاب بخطه ، فلم يحر جوابا و قامت عليه الحجة ، و قتله هيردوس لوقته لثمانين سنة من عمره و أربعين من ملكه ، و هو أخر ملوك بني حشمناي .
و كان للإسنكدر الله أرستبلوس ، و كان من أجمل الناس صورة ، و كان في كفالة أمه الإسنكدر ، و أخته يومئذ تحت هيردوس كما قلناه . و كان هيردوس يغص به و كانت أخته و أمهما يؤملان أن يكون كوهنا بالبيت مكان جده هرقانوس ، و هيردوس يريد نقل الكنهونة عن بني حشمناي ، و قدم لها رجلا من عوام الكهنونية ، و جعله كبير الكهنونية ، فشق ذلك على الاسكندرة بنت هرقانوس و بنتها مريم زوج هيردوس . و كان بين الإسكندرة و كلوبطره ملكة مصر مواصلة و مهاداة ، و طلبت منها أن تشفع زوجها انطيانوس في ذلك إلى هيردوس ، فاعتذر له هيردوس بأن الكواهن لا تعزل ، و لو أردنا ذلك فلا يمكننا أهل الدين من عزله ، فبعث بذلك إلى الاسكندرة . و دست الاسكندرة إلى الرسول الذي جاء من عند أنطيانوس ، و أتحفته بمال فضمن لهم أن انطيانوس يعزم على هيردوس في بعث أرستبلوس إليه ، و رجع إلى أنطيانوس فرغبه في ذلك و وصف له من جماله و أغراه باستقدامه ، فبعث فيه أنطيانوس إلى هيردوس و هدده بالوحشة إن منعه ، فعلم أنه يريد منه القبيح ، فقدمه كهنونا و عزل الأول ، و اعتذر لانطيانوس بأن الكوهن لا يمكن سفره ، و اليهود تنكر ذلك . فأغفل أنطيانوس الأمر و لم يعاود فيه .
و وكل هيردوس بالاسكندرة بنت هرقانوس عهدته من يراعى أفعالها ، فاطلع على كتبها إلى كلوبطرة أن تبعث إليها السفن و الرجال يوصلنها إليها ، و أن السفن وصلت إلى ساحل يافا ، و أن الإسكندرة صنعت تابوتين لتخرج فيهما في و ابنتها على هيئة الموتى . فأرصد هيردوس من جاء بهما من المقابر في تابوتيهما فوبخهما ثم عفا عنهما . ثم بلغه أن أرستبلوس حضر في عيد المظال ، فصعد على المذبح و قد لبس ثياب القدس و ازدحم الناس عليه و ظهر من ميلهم إليه و محبتهم ما لا يعبر عنه ، فغص بذلك و اعمل التدبير في قتله . فخرج في منتزه له بأريحاء في نيسان ، و استدعى أصحابه و أحضر أرستبلوس ، فطعموا و لعبوا و انغمسوا في البرك يسبحون و عمد غلمان هيردوس إلى أرستبلوس فغمسوه في الماء حتى شرق و فاض ، فاغتم الناس لموته و بكى عليه هيردوس و دفنه ، و كان موته لسبع عشرة سنة من عمره . و تأكدت البغضاء بين الإسكندرة و ابنتها مريم زوج هيردوس أخت هذا الغريق ، و بين أم هيردوس و أخته ، و كثرت شكواهما إليه فلم يشكهما لمكان زوجته مريم و أمها منه .
قال ابن كريون : ثم انتقض أنطيانوس على أوغسطس قيصر و ذلك أنه تزوج كلوبطره و ملك مصر ، و كانت ساحرة فسحرته و استمالته ، و حملته على قتل ملوك كانوا طاعة الروم ، و أخذ بلادهم و أموالهم ، و سبي نسائهم و أموالهم ، و كان من جملته هيردوس و توقف فيه خشية من أوغسطس قيصر ، لأنه كان يكرمه بسبب ما صنع في الآخرين ، فحمله على الانتقاض في العصيان ، ففعل و جمع العسكر و استدعى هيردوس فجاءه و بعثه إلى قتال العرب ، و كانوا خالفوا عليه ، فمضى هيردوس لذلك و معه أنيثاون قائد كلوبطرة ، و قد دست له أن يجر الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل . و ثبت هيردوس من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير .
انقراض ملك بني حشمناي و ابتداء ملك هيردوس و بنيه
و كان أول ما افتتح به ملكه أن بعث إلى هرقانوس الذي احتمله الفرس و قطعوا أذنه يستقدمه ليأمن على ملكه من ناحيته ، و رغبه في الكهنونية التي كان عليها ، فرغب و حذره ملك الفرس من هيردوس ، و عزله اليهود الذين معه ، و أراه أنها خديعة و أنه العيب الذي به يمنع الكنهونية ، فلم يقبل شيئاً من ذلك . و صغى إلى هيردوس و حسن ظنه به و سار إليه و تلقاه بالكرامة و الإعطاء و كان يخاطبه بأبي في الجمع و الخلوة .
و كانت الإسكندرة بنت هرقانوس تحت الاسكندر و ابن أخيه أرستبلوس ، و كانت بنتها منه مريم تحت هيردوس ، فاطلعتا على ضمير هيردوس من محاولة قتله ، فخبرتاه بذلك و أشارتا عليه باللحاق يملك الرعب ليكون في جواره ، فخاطبه هرقانوس في ذلك و أن يبعث إليه من رجالاتهم من يخرج به إلى أحيائهم ، و كان حامل الكتاب من اليهود مضطغنا على هرقانوس لأنه قتل أخاه و سلب ماله ، فوضع الكتاب في يد هيردوس ، فلما قرأه رده إليه و قال : أبلغه إلى ملك العرب و أرجع الجواب إلي فجاءه بالجواب من ملك العرب إلى هرقانوس ، و أنه أسعف و بعث الرجال فالقهم بوصولك إلي . فبعث هيردوس من يقبض على الرجال بالمكان الذي عينه ، و أحضرهم و أحضر حكام البلاد اليهود و السبعين شيخاً . و أحضر هرقانوس و قرأ عليه الكتاب بخطه ، فلم يحر جوابا و قامت عليه الحجة ، و قتله هيردوس لوقته لثمانين سنة من عمره و أربعين من ملكه ، و هو أخر ملوك بني حشمناي .
و كان للإسنكدر الله أرستبلوس ، و كان من أجمل الناس صورة ، و كان في كفالة أمه الإسنكدر ، و أخته يومئذ تحت هيردوس كما قلناه . و كان هيردوس يغص به و كانت أخته و أمهما يؤملان أن يكون كوهنا بالبيت مكان جده هرقانوس ، و هيردوس يريد نقل الكنهونة عن بني حشمناي ، و قدم لها رجلا من عوام الكهنونية ، و جعله كبير الكهنونية ، فشق ذلك على الاسكندرة بنت هرقانوس و بنتها مريم زوج هيردوس . و كان بين الإسكندرة و كلوبطره ملكة مصر مواصلة و مهاداة ، و طلبت منها أن تشفع زوجها انطيانوس في ذلك إلى هيردوس ، فاعتذر له هيردوس بأن الكواهن لا تعزل ، و لو أردنا ذلك فلا يمكننا أهل الدين من عزله ، فبعث بذلك إلى الاسكندرة . و دست الاسكندرة إلى الرسول الذي جاء من عند أنطيانوس ، و أتحفته بمال فضمن لهم أن انطيانوس يعزم على هيردوس في بعث أرستبلوس إليه ، و رجع إلى أنطيانوس فرغبه في ذلك و وصف له من جماله و أغراه باستقدامه ، فبعث فيه أنطيانوس إلى هيردوس و هدده بالوحشة إن منعه ، فعلم أنه يريد منه القبيح ، فقدمه كهنونا و عزل الأول ، و اعتذر لانطيانوس بأن الكوهن لا يمكن سفره ، و اليهود تنكر ذلك . فأغفل أنطيانوس الأمر و لم يعاود فيه .
و وكل هيردوس بالاسكندرة بنت هرقانوس عهدته من يراعى أفعالها ، فاطلع على كتبها إلى كلوبطرة أن تبعث إليها السفن و الرجال يوصلنها إليها ، و أن السفن وصلت إلى ساحل يافا ، و أن الإسكندرة صنعت تابوتين لتخرج فيهما في و ابنتها على هيئة الموتى . فأرصد هيردوس من جاء بهما من المقابر في تابوتيهما فوبخهما ثم عفا عنهما . ثم بلغه أن أرستبلوس حضر في عيد المظال ، فصعد على المذبح و قد لبس ثياب القدس و ازدحم الناس عليه و ظهر من ميلهم إليه و محبتهم ما لا يعبر عنه ، فغص بذلك و اعمل التدبير في قتله . فخرج في منتزه له بأريحاء في نيسان ، و استدعى أصحابه و أحضر أرستبلوس ، فطعموا و لعبوا و انغمسوا في البرك يسبحون و عمد غلمان هيردوس إلى أرستبلوس فغمسوه في الماء حتى شرق و فاض ، فاغتم الناس لموته و بكى عليه هيردوس و دفنه ، و كان موته لسبع عشرة سنة من عمره . و تأكدت البغضاء بين الإسكندرة و ابنتها مريم زوج هيردوس أخت هذا الغريق ، و بين أم هيردوس و أخته ، و كثرت شكواهما إليه فلم يشكهما لمكان زوجته مريم و أمها منه .
قال ابن كريون : ثم انتقض أنطيانوس على أوغسطس قيصر و ذلك أنه تزوج كلوبطره و ملك مصر ، و كانت ساحرة فسحرته و استمالته ، و حملته على قتل ملوك كانوا طاعة الروم ، و أخذ بلادهم و أموالهم ، و سبي نسائهم و أموالهم ، و كان من جملته هيردوس و توقف فيه خشية من أوغسطس قيصر ، لأنه كان يكرمه بسبب ما صنع في الآخرين ، فحمله على الانتقاض في العصيان ، ففعل و جمع العسكر و استدعى هيردوس فجاءه و بعثه إلى قتال العرب ، و كانوا خالفوا عليه ، فمضى هيردوس لذلك و معه أنيثاون قائد كلوبطرة ، و قد دست له أن يجر الهزيمة على هيردوس ليقتل ففعل . و ثبت هيردوس من المعترك بعد حروب صعبة هلك فيها بين الفريقين خلق كثير .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45424
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
و رجع هيردوس إلى بيت المقدس فصالح جميع الملوك و الأمم المجاورين له ، و امتنع العرب من ذلك فسار إليهم و حاربهم ، ثم استباحهم بعد أيام و مواقف بذلوا و جمعوا له الأموال و فرض عليهم الخراج في كل سنة و رجع . و كان أنطيانوس لما بعثه إلى العرب سار هو إلى رومة و كانت بينه و بين أغسطس قيصر حروب هزمه قيصر في آخرها و قتله ، و سار إلى مصر فخافه هيردوس على نفسه لما كان منه في طاعة أنطيانوس و موالاته ، و لم يمكنه التخلف عن لقائه . فأخرج خدمه من القدس فبعث بأمه و أخته إلى قلعة الشراة لنظر أخيه فردوا ، و بعث بزوجه مريم و أمها الإسكندرة إلى حصن الإسكندرونة لنظر زوج أخته يوسف و رجل آخر من خالصته من أهل صور اسمه سوما و عهد إليهما بقتل زوجته و أمها إن قتله قيصر .
ثم حمل معه الهدايا و سار إلى أوغسطس قيصر و كان تحقد له صحبة أنطيانوس ، فلما حضر بين يديه عنفه و أزاح التاج عن رأسه و هم بعقابه ، فتلطف هيردوس في الاعتذار ، و أن موالاته لأنطيانوس إنما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك و هي أعظم أياديه عندي ، و لم تكن موالاتي له في عداوتك و لا في حربك و لو كان ذلك و أهلكت نفسي دونه كنت غير ملوم ، فإن الوفاء شأن الكرام . فإن أزلت عني التاج فما أزلت عقلي و لا نظري ، و إن أبقيتني فأنا محل الصنيعة و الشكر . فانبسط أوغسطس لكلامه و توجه كما كان ، و بعثه على مقدمته إلى مصر ، فلما ملك مصر و قتل كلوبطره وهب لهيردوس جميع ما كان أنطيانوس أعطاها إياه و نفل . فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس و سار إلى رومية .
قال ابن كريون : و لما عاد هيردوس إلى بيت المقدس أعاد حرمه من أماكنهن ، فعادت زوجته مريم و أمها من حصن الاسكندرونة و في خدمتها يوسف زوج أخته و سوما الصوري و قد كانا حدثا المرأة و أمها بما أسر إليهما هيردوس ، و قد كان سلف منه قتل هرقانوس و أرستبلوس فشكرتا له . و بينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما في ملاحاة جرت بينهما ، و لم يصدق ذلك هيردوس للعداوة و الثقة بعفة الزوجة . ثم جرى منها في بعض الأيام و هو في سبيل استمالتها عتاب فيما أسر إلى سوما و زوج أخته ، فقويت عنده الظنة بهم جميعاً و أن مثل هذا السر لم يكن إلا لأمر مريب ، و أخذ في إخفائها و إقصائها و دست عليه أخته بعض النساء تحدثه بأن زوجته داخلته في أن تستحضر السم و أحضره فجرب و صح و قتل للحين صهره يوسف و صاحبه سوما ، و ولى على أروم مكان صهره رجلا منهم اسمه كرسوس و زوجه أخته ، فسار إلى عمله و انحرف عن دين التوراة و الإحسان الذي حملهم عليه هرقانوس ، و أباح لهم عبادة صنمهم و أجمع الخلاف ، و طلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها و خبرته بأحواله و أنه آوى جماعة من بني حشمناي المرشحين للملك منذ اثني عشر سنة . فقام هيردوس في ركائبه ، و بحث عنه فحضر و طالبه ببني حشمناي الذي عنده ، فأحضرهم فقتله و قتلهم ، و أرهف حده و قتل جماعة من كبار اليهود و مقدميهم ، و اتهمهم بالإنكار عليه عليه . فأذعن له الناس و استفحل ملكه و أهمل المراعاة لوصايا التوراة و عمل في بيت المقدس سوراً و اتخذ منتزه لعب ، و أطلق فيه السباع و يحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفرسهم ، فنكر الناس ذلك و أعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم ، و كان يمشي متنكراً للتجسن على أحوال الناس ، فعظمت هيبته في النفوس .
و كان أعظم طوائف اليهود عنده الربانيون بما تقدم لهم في ولايته ، و كان لطائفة العباد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضاً ، كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثاً و كان حدثه و هو غلام بمصير الملك له ، و أخبره و هو ملك بطول مدته في الملك فدعا له و لقومه . و كان كلفاً ببناء المدن و الحصون ، و مدينة قيسارية من بنائه . و لما حدثت في أيامه المجاعة شمر لها و أخرج الزرع للناس و بثه فيهم بيعاً و هبة و صدقة ، و أرسل في الميرة من سائر النواحي ، و أمر قيصر في سائر تخومه و في مصر و رومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس ، فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة . و أجرى على الشيوخ و الأيتام و الأرامل و المنقطعين كفايتهم من الخبز ، و على الفقراء و المساكين كفايتهم من الحنطة ، و فرق على خمسين ألفا قصدوه من غير ملته ، فرفعت المجاعة و ارتفع له الذكر و الثناء الجميل .
قال ابن كريون : و لما استفحل ملكه و عظم سلطانه أراد بناء البيت ما بناه سليمان بن داود ، لأنهم لما رجعوا إلى القدس بإذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه ، فلم يتم على حدود سليمان ، و لما اعتزم على ذلك ابتدأ أولاً بإحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم و تطول المدة و تعرض القواطع و الموانع . فأعد الآلات و أكمل جمعها في ست سنين ، ثم جمع الصناع للبناء و ما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف ، و عين ألفاً من الكهنة يتولون القدس الأقدس الذي لا يدخله غيرهم .
و لما تم له ذلك شرع في الهدم فحصل لأقرب وقت ، ثم بنى البيت على حدوده و هيئته أيام سليمان و زاد في بعض المواضع على ما اختاره و وقف عليه نظره ، فكمل في ثمان سنين . ثم شرع في الشكر لله تعالى على ما هيأ له من ذلك فقرب القربان و احتفل في الولائم و إطعام الطعام ، و تبعه الناس في ذلك أياما فكانت من محاسن دولته . قال ابن كريون : ثم ابتلاه الله بقتل أولاده و كان ولدان من مريم بنت الإسكندرة قتيلة السم ، أحدهما الإسكندر و الآخر ارستبلوس ، و كانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم ، فلما وصلا و قد قتل أمهما حصلت بينه و بينهما الوحشة ، و كان له ولد آخر اسمه انظفتر على اسم جده ، و كان قد أبعد أمه راسيس لمكان الروم ، فلما هلكت و استوحش من ولدها
ثم حمل معه الهدايا و سار إلى أوغسطس قيصر و كان تحقد له صحبة أنطيانوس ، فلما حضر بين يديه عنفه و أزاح التاج عن رأسه و هم بعقابه ، فتلطف هيردوس في الاعتذار ، و أن موالاته لأنطيانوس إنما كان لما أولى من الجميل في السعاية عند الملك و هي أعظم أياديه عندي ، و لم تكن موالاتي له في عداوتك و لا في حربك و لو كان ذلك و أهلكت نفسي دونه كنت غير ملوم ، فإن الوفاء شأن الكرام . فإن أزلت عني التاج فما أزلت عقلي و لا نظري ، و إن أبقيتني فأنا محل الصنيعة و الشكر . فانبسط أوغسطس لكلامه و توجه كما كان ، و بعثه على مقدمته إلى مصر ، فلما ملك مصر و قتل كلوبطره وهب لهيردوس جميع ما كان أنطيانوس أعطاها إياه و نفل . فأعاد هيردوس إلى ملكه ببيت المقدس و سار إلى رومية .
قال ابن كريون : و لما عاد هيردوس إلى بيت المقدس أعاد حرمه من أماكنهن ، فعادت زوجته مريم و أمها من حصن الاسكندرونة و في خدمتها يوسف زوج أخته و سوما الصوري و قد كانا حدثا المرأة و أمها بما أسر إليهما هيردوس ، و قد كان سلف منه قتل هرقانوس و أرستبلوس فشكرتا له . و بينما هو آخذ في استمالة زوجته إذ رمتها أخته بالفاحشة مع سوما في ملاحاة جرت بينهما ، و لم يصدق ذلك هيردوس للعداوة و الثقة بعفة الزوجة . ثم جرى منها في بعض الأيام و هو في سبيل استمالتها عتاب فيما أسر إلى سوما و زوج أخته ، فقويت عنده الظنة بهم جميعاً و أن مثل هذا السر لم يكن إلا لأمر مريب ، و أخذ في إخفائها و إقصائها و دست عليه أخته بعض النساء تحدثه بأن زوجته داخلته في أن تستحضر السم و أحضره فجرب و صح و قتل للحين صهره يوسف و صاحبه سوما ، و ولى على أروم مكان صهره رجلا منهم اسمه كرسوس و زوجه أخته ، فسار إلى عمله و انحرف عن دين التوراة و الإحسان الذي حملهم عليه هرقانوس ، و أباح لهم عبادة صنمهم و أجمع الخلاف ، و طلق أخت هيردوس فسعت به إلى أخيها و خبرته بأحواله و أنه آوى جماعة من بني حشمناي المرشحين للملك منذ اثني عشر سنة . فقام هيردوس في ركائبه ، و بحث عنه فحضر و طالبه ببني حشمناي الذي عنده ، فأحضرهم فقتله و قتلهم ، و أرهف حده و قتل جماعة من كبار اليهود و مقدميهم ، و اتهمهم بالإنكار عليه عليه . فأذعن له الناس و استفحل ملكه و أهمل المراعاة لوصايا التوراة و عمل في بيت المقدس سوراً و اتخذ منتزه لعب ، و أطلق فيه السباع و يحمل بعض الجهلة على مقابلتها فتفرسهم ، فنكر الناس ذلك و أعمل أهل الدولة الحيلة في قتله فلم تتم لهم ، و كان يمشي متنكراً للتجسن على أحوال الناس ، فعظمت هيبته في النفوس .
و كان أعظم طوائف اليهود عنده الربانيون بما تقدم لهم في ولايته ، و كان لطائفة العباد من اليهود المسمى بالحيسيد مكانة عنده أيضاً ، كان شيخهم مناحيم لذلك العهد محدثاً و كان حدثه و هو غلام بمصير الملك له ، و أخبره و هو ملك بطول مدته في الملك فدعا له و لقومه . و كان كلفاً ببناء المدن و الحصون ، و مدينة قيسارية من بنائه . و لما حدثت في أيامه المجاعة شمر لها و أخرج الزرع للناس و بثه فيهم بيعاً و هبة و صدقة ، و أرسل في الميرة من سائر النواحي ، و أمر قيصر في سائر تخومه و في مصر و رومة أن يحملوا الميرة إلى بيت المقدس ، فوصلت السفن بالزرع إلى ساحلها من كل جهة . و أجرى على الشيوخ و الأيتام و الأرامل و المنقطعين كفايتهم من الخبز ، و على الفقراء و المساكين كفايتهم من الحنطة ، و فرق على خمسين ألفا قصدوه من غير ملته ، فرفعت المجاعة و ارتفع له الذكر و الثناء الجميل .
قال ابن كريون : و لما استفحل ملكه و عظم سلطانه أراد بناء البيت ما بناه سليمان بن داود ، لأنهم لما رجعوا إلى القدس بإذن كورش عين لهم مقدار البيت لا يتجاوزونه ، فلم يتم على حدود سليمان ، و لما اعتزم على ذلك ابتدأ أولاً بإحضار الآلات مستوفيات خشية أن يحصل الهدم و تطول المدة و تعرض القواطع و الموانع . فأعد الآلات و أكمل جمعها في ست سنين ، ثم جمع الصناع للبناء و ما يتعلق به فكانوا عشرة آلاف ، و عين ألفاً من الكهنة يتولون القدس الأقدس الذي لا يدخله غيرهم .
و لما تم له ذلك شرع في الهدم فحصل لأقرب وقت ، ثم بنى البيت على حدوده و هيئته أيام سليمان و زاد في بعض المواضع على ما اختاره و وقف عليه نظره ، فكمل في ثمان سنين . ثم شرع في الشكر لله تعالى على ما هيأ له من ذلك فقرب القربان و احتفل في الولائم و إطعام الطعام ، و تبعه الناس في ذلك أياما فكانت من محاسن دولته . قال ابن كريون : ثم ابتلاه الله بقتل أولاده و كان ولدان من مريم بنت الإسكندرة قتيلة السم ، أحدهما الإسكندر و الآخر ارستبلوس ، و كانا عند قتل أمهما غائبين برومة يتعلمان خط الروم ، فلما وصلا و قد قتل أمهما حصلت بينه و بينهما الوحشة ، و كان له ولد آخر اسمه انظفتر على اسم جده ، و كان قد أبعد أمه راسيس لمكان الروم ، فلما هلكت و استوحش من ولدها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45424
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى