تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
غزاهم و هم غازون ببلاد فارس فقتلهم و أبرح القتل ، و هربوا أمامه و أجاز البحر في طلبهم إلى الخط و تعدى إلى بلاد البحرين قتلا و تخريباً . ثم غزا بعدها رؤوس العرب من تميم و بكر و عبد القيس فأثخن فيهم و أباد عبد القيس و لحق فلهم بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل و أسر و خرب ثم عطف إلى بلاد بكر و تغلب ، ما بين مملكة فارس و مناظر الروم بالشام ، فقتل من وجد هنالك من العرب وطم مياههم و أسكن من رجع إليه من بني تغلب دارين من البحرين و الخطو من بني تميم هجروا من بكر بن وائل كرمان و يدعون بكر إياد و من بني حنظلة الأهواز ، و بنى مدينة الأنبار و الكرخ و السوس .
و فيما قاله غيره إن إياداً كان تشتو بالجزيرة و تصيف بالعراق و تشن الغارة . و كانت تسمى طما لانطباقها على البلاد ، و سابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غزوهم و رئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي ، و كتب إليهم بالنذر بذلك رجل من إياد كان بين ظهراني الفرس ، فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم و خرجوا إلى أرض الجزيرة و الموصل إجلاء و لم يعاودوا العراق . و لما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب و غيرهم فأنفوا و لحقوا بأرض الروم .
و قال السهيلي : عند ذكر سابور بن هرمز إنه كان يخلع أكتاف العرب و لذلك لقبه العرب ذو الأكتاف ، و أنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين و له يومئذ ثلثمائة سنة و إنه قال : إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة . فقال له عمرو بن تميم : ليس هذا من الحزم أيها الملك فإن يكن حقاً فليس قتلك إياهم بدافعة و تكون قد اتخذت يداً عندهم ينتفع بها ولدك و أعقاب قومك . فيقال إنه استبقاه و رحم كبره .
ثم غزا سابور بلاد الروم و توغل فيها و نازل حصونهم ، كان ملوك الروم على عصره قسطنطين و هو أول من تنصر من ملوكهم و هلك قسطنطين و ملك بعده إليانوس من أهل بيته و انحراف عن دين النصرانية و قتل الإساقفة و هدم البيع و جمع الروم و انحدار لقتال سابور . و اجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم و سار قائد إليانوس و اسمه يوسانوس في مائة و سبعين ألفا من المقاتلة ، حتى دخل أرض فارس ، و بلغ خبره و كثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء و أجفل و صحبه العرب ، ففضوا جموعه و هرب في فل من عسكره ، و احتوى إليانوس على خزائنه و أمواله و استولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه . ثم استنفر أهل النواحي و اجتمعت إليه فارس و ارتجع مدينة طبسون و أقاما متظاهرين ، و هلك إليانوس بسهم أصابه ، فبقي الروم فوضى و فزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه ، فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا . و بعث إليه سابور في القدوم عليه ، فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم ، و تلقاه سابور و عانقه و بالغ في إكرامه و عقد معه الصلح على أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوا من بلاده فارس و أعطوا بدلاً عن ذلك نصيبين فرضي بها أهل فارس ، و كانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور و شرد عنها أهلها خوفاً من سطوته ، فنقل إليها من أهل اصطخر و أصبهان و غيرها . و انصرف يوسانوس بالروم و هلك عن قرب و رجع سابور إلى بلاده .
و فيما نقله الإخباريين إن سابور دخل بلاد الروم متنكراً و عثر عليه فأخذ و حبس في جلد ثور و زحف ملك الروم بعساكره إلى
جنديسابور فحاصرها ، و إن سابور هرب من حبسه و دخل
جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم و أسر ملكهم قيصر ، و أخذه بعمارة ما خرب من بلاده و نقل التراب و الغروس إليها ثم قطع أنفه و بعث به على حمار إلى قومه ، و هي قصة واهية تشهد العادة بكذبها .
ثم هلك سابور لاثنتين و سبعين سنة من ملكه و هو الذي بنى مدينة نيسابور و سجستان و بنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم ، و ملك لعهده امرؤ القيس بن عدي ، و أوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز ، وفتك في أشراف فارس و عظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته . و ملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه ، و أحسن السيرة و رفق بالرعية و حمل على ذلك العمال و الوزراء و الحاشية و لم يزل عادلاً ، و خضع له عمه أردشير المخلوع ، و كانت له حروب مع إياد و في ذلك يقول شاعرهم :
على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل و النعم
و قيل إن هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف . ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته ، و ملك أخوه بهرام و يلقب
كرمان شاه و كان حسن السياسة و هلك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله . و ملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم ، و بعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه ولي ابنه و إنما هو ابن ذي الأكتاف . و قال هشام بن محمد : كان فظاً غليظاً كثير المكر و الخديعة يفرغ في ذلك عقله و قوة معرفته و كان معجباً برأيه سيء الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة و يرد الشفاعة من أهل بطانته متهما للناس قليل المكافأة . و بالجملة فهو سيء الأحوال مذمومها و استوزر ، لأول ولايته برسي الحكيم و يسمى فهر برشي و مهر مرسة ، و كان متقدماً في الحكمة و الفضائل و أمل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم ، فلم يكن ذلك و اشتد أمره على الأشراف بالإهانة و على من دونهم بالقتل . و بينما هو جالس في مجلسه يوماً إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه ، فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى و عشرين سنة من ملكه . و ملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد و يلقب ببهرام جور ، و كان نشوؤه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربي بينهم و تكلم بلغتهم و لما مات أبوه قدم أهل فارس رجلاً من
و فيما قاله غيره إن إياداً كان تشتو بالجزيرة و تصيف بالعراق و تشن الغارة . و كانت تسمى طما لانطباقها على البلاد ، و سابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غزوهم و رئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي ، و كتب إليهم بالنذر بذلك رجل من إياد كان بين ظهراني الفرس ، فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم و خرجوا إلى أرض الجزيرة و الموصل إجلاء و لم يعاودوا العراق . و لما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب و غيرهم فأنفوا و لحقوا بأرض الروم .
و قال السهيلي : عند ذكر سابور بن هرمز إنه كان يخلع أكتاف العرب و لذلك لقبه العرب ذو الأكتاف ، و أنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين و له يومئذ ثلثمائة سنة و إنه قال : إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة . فقال له عمرو بن تميم : ليس هذا من الحزم أيها الملك فإن يكن حقاً فليس قتلك إياهم بدافعة و تكون قد اتخذت يداً عندهم ينتفع بها ولدك و أعقاب قومك . فيقال إنه استبقاه و رحم كبره .
ثم غزا سابور بلاد الروم و توغل فيها و نازل حصونهم ، كان ملوك الروم على عصره قسطنطين و هو أول من تنصر من ملوكهم و هلك قسطنطين و ملك بعده إليانوس من أهل بيته و انحراف عن دين النصرانية و قتل الإساقفة و هدم البيع و جمع الروم و انحدار لقتال سابور . و اجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم و سار قائد إليانوس و اسمه يوسانوس في مائة و سبعين ألفا من المقاتلة ، حتى دخل أرض فارس ، و بلغ خبره و كثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء و أجفل و صحبه العرب ، ففضوا جموعه و هرب في فل من عسكره ، و احتوى إليانوس على خزائنه و أمواله و استولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه . ثم استنفر أهل النواحي و اجتمعت إليه فارس و ارتجع مدينة طبسون و أقاما متظاهرين ، و هلك إليانوس بسهم أصابه ، فبقي الروم فوضى و فزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه ، فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا . و بعث إليه سابور في القدوم عليه ، فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم ، و تلقاه سابور و عانقه و بالغ في إكرامه و عقد معه الصلح على أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوا من بلاده فارس و أعطوا بدلاً عن ذلك نصيبين فرضي بها أهل فارس ، و كانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور و شرد عنها أهلها خوفاً من سطوته ، فنقل إليها من أهل اصطخر و أصبهان و غيرها . و انصرف يوسانوس بالروم و هلك عن قرب و رجع سابور إلى بلاده .
و فيما نقله الإخباريين إن سابور دخل بلاد الروم متنكراً و عثر عليه فأخذ و حبس في جلد ثور و زحف ملك الروم بعساكره إلى
جنديسابور فحاصرها ، و إن سابور هرب من حبسه و دخل
جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم و أسر ملكهم قيصر ، و أخذه بعمارة ما خرب من بلاده و نقل التراب و الغروس إليها ثم قطع أنفه و بعث به على حمار إلى قومه ، و هي قصة واهية تشهد العادة بكذبها .
ثم هلك سابور لاثنتين و سبعين سنة من ملكه و هو الذي بنى مدينة نيسابور و سجستان و بنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم ، و ملك لعهده امرؤ القيس بن عدي ، و أوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز ، وفتك في أشراف فارس و عظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته . و ملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه ، و أحسن السيرة و رفق بالرعية و حمل على ذلك العمال و الوزراء و الحاشية و لم يزل عادلاً ، و خضع له عمه أردشير المخلوع ، و كانت له حروب مع إياد و في ذلك يقول شاعرهم :
على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل و النعم
و قيل إن هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف . ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته ، و ملك أخوه بهرام و يلقب
كرمان شاه و كان حسن السياسة و هلك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله . و ملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم ، و بعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه ولي ابنه و إنما هو ابن ذي الأكتاف . و قال هشام بن محمد : كان فظاً غليظاً كثير المكر و الخديعة يفرغ في ذلك عقله و قوة معرفته و كان معجباً برأيه سيء الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة و يرد الشفاعة من أهل بطانته متهما للناس قليل المكافأة . و بالجملة فهو سيء الأحوال مذمومها و استوزر ، لأول ولايته برسي الحكيم و يسمى فهر برشي و مهر مرسة ، و كان متقدماً في الحكمة و الفضائل و أمل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم ، فلم يكن ذلك و اشتد أمره على الأشراف بالإهانة و على من دونهم بالقتل . و بينما هو جالس في مجلسه يوماً إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه ، فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى و عشرين سنة من ملكه . و ملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد و يلقب ببهرام جور ، و كان نشوؤه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربي بينهم و تكلم بلغتهم و لما مات أبوه قدم أهل فارس رجلاً من
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
نسل أردشير ، ثم زحف بهرام جور بالعرب فاستولى على ملكه كما نذكر في أخبار آل المنذر . و في أيام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام و قتله ، ثم غزا الهند و تزوج ابنه ملكهم فهابته ملوك الأرض ، و حمل إليه الروم الأموال على سبيل المهادنة ، و هلك لتسع و عشرين من دولته .
و ملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور و استوزر مهر برسي الحكيم الذي كان أبوه استوزره ، و جرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل و الإحسان ، وهو الذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب و الأبواب ، و جعل جبل الفتح سدا بين بلاده و ما وراءها من أمم الأعاجم ، و هلك لعشرين سنة من دولته .
و ملك من بعده ابنه هرمز و كان ملكاً على سجستان فغلب على الدولة و لحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ . و هذه الأمم المعروفون قديماً بالهياطلة و كانوا بين خوارزم و فرغانة ، فأمر فيروز بالعساكر و قاتل أخاه هرمز فغلبه و حبسه . و كانت الروم قد امتنعت من حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهر برسي ، فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كان يحملونه و استقام أمره و أظهر العدل . و أصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها و كف عن الجباية و قسم الأموال ، و لم يهلك في تلك السنين أحد إتلافاً . و قيل أنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا و عادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه . و كان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاء بما أعانوه على أمره ، فقوي ملكهم أمره و زحفوا إلى أطراف ملكه و ملكوا طخارستان و كثيراً من بلاد خراسان و زحف هو إلى قتالهم فهزموه و قتلوه و أربعة بنين له و أربعة إخوة و استولوا على خراسان بأسرها . و سار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان و أخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى و السبي ، و كان مهالكه لسبع و عشرين من ملكه . و بنى المدن بالري و جرجان و أذربيجان .
و قال بعضهم : إن ملك الهياطلة الذي سار إلى فيروز اسمه خشتوا ، و الرجل الذي استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر ، و إن فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا و الهياطلة على مدينتي الملك و هما طبسون و نهرشير ، فكان من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم .
و ملك بعد فيروز بن يزدجرد ابنه يلاوش بن فيروز و نازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش و لحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده . و أحسن يلاوش الولاية و العدل و حمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم ، و بنى مدينة ساباط بقرب المدائن ، و هلك لأربع سنين من دولته . و ملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز و كان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان ، فبلغه الخبر بمهلك أخيه و هو بنيسابور من طريقه ، وقد لقي بها إبناً كان له هنالك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان ، فلما أحل بنيسابور و معه العساكر سأل عن المرأة ، فأحضرت و معها الخبر و جاء الخبر هنالك بمهلك أخيه يلاوش بالمولود و سار إلى سرحد الذي كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن ، و مال الناس إليه دون قباذ و استبد عليه . فلما كبر و بلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه ، فبعث إلى أصبهبذ البلاد و هو سابور مهران فقدم عليه و قبض على سرحد و حبسه ثم قتله و لعشرين من دولته حبس و خلع . ثم عاد إلى الملك و صورة الخبر عن ذلك أن مردك الزنديق كان إباحيا ، و كان يقول باستباحة أموال الناس و أنها فيء ، و أنه ليس لأحد دون أحد و هو لمن اختاره ، فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد و اجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه ، و ملكوا جاماسات أخاه .
و خرج رزمهر شاكياً داعياً لقباذ و يقرب إلى الناس بقتل المزدكية ، و أعاد قباذ إلى ملكه ، ثم سعت المزدكية عنده في رزمهر بإنكار ما أتى قبلهم فقبله ، و اتهمه الناس برأي مزدك فانتقضت الأطراف و فسد الملك و خلعوه و حبسوه و أعادوا جاماسات . و فر قباذ من محبسه و لحق قباذ بالهياطلة و هم الصغد مستجيشاً لهم ، و مر في طريقه بأبو شهر فتزوج بنت ملكها و ولدت له أنوشروان ، ثم أمده ملك الهياطلة ، فزحف إلى المدائن لست من مغيبه و غلب أخاه جاماسات و استولى على الملك . ثم غزا بلاد الروم و فتح آمد و سبى أهلها و طالت مدته و ابتنى المدن العظيمة منها مدينة أرجان بين الأهواز و فارس ، ثم هلك لثلاث و أربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى . و ملك ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد ، و كان يلي الأصبهبذ و هي الرياسة على الجنود ، و لما ملك فرق أصبهبذ البلاد على أربعة فجعل : أصبهبذ المشرق بخراسان و المغرب بأذربيجان و بلاد الخزر و استرد البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند و بست الرخج و زبلستان و طخارستان و دهستان ، و أثخن في أمة البازر و أجلى بقيتهم ، ثم أدهنوا و استعانوا بهم في حروبه . و أثخن في أمة صول و استلحمهم ، و كذلك الجرامقة و بلنجر و اللان و كانوا يجاورون أرمينية و يتملأون على غزوها فبعث إليهم العساكر و استلحموهم و أنزل بقيتهم أذربيجان . و أحكم بناء الحصون التي كان بناها قباذ و فيروز بناحية صول و اللان لتحصين البلاد ، و أكمل بناء الأبواب و السور الذي بناه جده بجبل الفتح ، بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرت بقعر البحر و شقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح و البحر ، و فتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل و بقي فيه إلى أن كمل . قال المسعودي : إنه كان باقياً لعصره . و الظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك
و ملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور و استوزر مهر برسي الحكيم الذي كان أبوه استوزره ، و جرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل و الإحسان ، وهو الذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب و الأبواب ، و جعل جبل الفتح سدا بين بلاده و ما وراءها من أمم الأعاجم ، و هلك لعشرين سنة من دولته .
و ملك من بعده ابنه هرمز و كان ملكاً على سجستان فغلب على الدولة و لحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ . و هذه الأمم المعروفون قديماً بالهياطلة و كانوا بين خوارزم و فرغانة ، فأمر فيروز بالعساكر و قاتل أخاه هرمز فغلبه و حبسه . و كانت الروم قد امتنعت من حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهر برسي ، فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كان يحملونه و استقام أمره و أظهر العدل . و أصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها و كف عن الجباية و قسم الأموال ، و لم يهلك في تلك السنين أحد إتلافاً . و قيل أنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا و عادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه . و كان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاء بما أعانوه على أمره ، فقوي ملكهم أمره و زحفوا إلى أطراف ملكه و ملكوا طخارستان و كثيراً من بلاد خراسان و زحف هو إلى قتالهم فهزموه و قتلوه و أربعة بنين له و أربعة إخوة و استولوا على خراسان بأسرها . و سار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان و أخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى و السبي ، و كان مهالكه لسبع و عشرين من ملكه . و بنى المدن بالري و جرجان و أذربيجان .
و قال بعضهم : إن ملك الهياطلة الذي سار إلى فيروز اسمه خشتوا ، و الرجل الذي استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر ، و إن فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا و الهياطلة على مدينتي الملك و هما طبسون و نهرشير ، فكان من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم .
و ملك بعد فيروز بن يزدجرد ابنه يلاوش بن فيروز و نازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش و لحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده . و أحسن يلاوش الولاية و العدل و حمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم ، و بنى مدينة ساباط بقرب المدائن ، و هلك لأربع سنين من دولته . و ملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز و كان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان ، فبلغه الخبر بمهلك أخيه و هو بنيسابور من طريقه ، وقد لقي بها إبناً كان له هنالك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان ، فلما أحل بنيسابور و معه العساكر سأل عن المرأة ، فأحضرت و معها الخبر و جاء الخبر هنالك بمهلك أخيه يلاوش بالمولود و سار إلى سرحد الذي كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن ، و مال الناس إليه دون قباذ و استبد عليه . فلما كبر و بلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه ، فبعث إلى أصبهبذ البلاد و هو سابور مهران فقدم عليه و قبض على سرحد و حبسه ثم قتله و لعشرين من دولته حبس و خلع . ثم عاد إلى الملك و صورة الخبر عن ذلك أن مردك الزنديق كان إباحيا ، و كان يقول باستباحة أموال الناس و أنها فيء ، و أنه ليس لأحد دون أحد و هو لمن اختاره ، فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد و اجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه ، و ملكوا جاماسات أخاه .
و خرج رزمهر شاكياً داعياً لقباذ و يقرب إلى الناس بقتل المزدكية ، و أعاد قباذ إلى ملكه ، ثم سعت المزدكية عنده في رزمهر بإنكار ما أتى قبلهم فقبله ، و اتهمه الناس برأي مزدك فانتقضت الأطراف و فسد الملك و خلعوه و حبسوه و أعادوا جاماسات . و فر قباذ من محبسه و لحق قباذ بالهياطلة و هم الصغد مستجيشاً لهم ، و مر في طريقه بأبو شهر فتزوج بنت ملكها و ولدت له أنوشروان ، ثم أمده ملك الهياطلة ، فزحف إلى المدائن لست من مغيبه و غلب أخاه جاماسات و استولى على الملك . ثم غزا بلاد الروم و فتح آمد و سبى أهلها و طالت مدته و ابتنى المدن العظيمة منها مدينة أرجان بين الأهواز و فارس ، ثم هلك لثلاث و أربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى . و ملك ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد ، و كان يلي الأصبهبذ و هي الرياسة على الجنود ، و لما ملك فرق أصبهبذ البلاد على أربعة فجعل : أصبهبذ المشرق بخراسان و المغرب بأذربيجان و بلاد الخزر و استرد البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند و بست الرخج و زبلستان و طخارستان و دهستان ، و أثخن في أمة البازر و أجلى بقيتهم ، ثم أدهنوا و استعانوا بهم في حروبه . و أثخن في أمة صول و استلحمهم ، و كذلك الجرامقة و بلنجر و اللان و كانوا يجاورون أرمينية و يتملأون على غزوها فبعث إليهم العساكر و استلحموهم و أنزل بقيتهم أذربيجان . و أحكم بناء الحصون التي كان بناها قباذ و فيروز بناحية صول و اللان لتحصين البلاد ، و أكمل بناء الأبواب و السور الذي بناه جده بجبل الفتح ، بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرت بقعر البحر و شقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح و البحر ، و فتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل و بقي فيه إلى أن كمل . قال المسعودي : إنه كان باقياً لعصره . و الظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
الإسلام في المائة السابعة ، و مكانه اليوم بني ذو شيخان ملوك الشمال منهم . و كان لكسرى أنوشروان في بنائه خبر ملوك الخزر .
ثم استفحل ملك الترك زحف خاقان سيحور و قتل ملك الهياطلة و استولى على بلادهم و أطاعه أهل بلنجر و زحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل ، و بعث إلى أنوشروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء ، وضبط أنوشروان أرمينية بالعساكر ، و امتنعت صول بملكها أنوشروان و الناحية الأخرى بسور الأبواب ، فرجع خاقان خائباً .
و أخذ أنوشروان في إصلاح السابلة و الأخذ بالعدل و تفقد أهل المملكة و تخير الولاة و العمال مقتدياً بسيرة أردشير بن بابك جده . ثم سار إلى بلاد الروم و افتتح حلب و قبرص و حمص و أنطاكية و مدينة هرقل ثم الإسكندرية ، و ضرب الجزية على ملوك القبط ، و حمل إليه ملك الروم الفدية ، و ملك الصين و التبت الهدايا . ثم غزا بلاد الخزر و أدرك فيهم بثأره و ما فعلوه ببلاده . ثم وفد عليه ابن ذي يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائداً من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقاً ملك الحبشة باليمن و ملكوها ، و ملك عليهم سيف بن ذي يزن . و أمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائداً من قواده فقتل ملكها و استولى عليها و حمل إلى كسرى أموالاً جمة . و ملك على العرب في مدينة الحيرة . ثم سار نحو الهياطلة مطالباً بثأر جده فيروز فقتل ملكهم و استأصل أهل بيته ، و تجاوز بلخ و ما وراءها ، و أنزل عساكره فرغانة و أثخن في بلاد الروم و ضرب عليهم الجزى . و كان مكرماً للعلماء محباً للعلم و في أيامه ترجم كتاب كليلة و ترجمه من لسان اليهود و حله بضرب الأمثال و يحتاج إلى فهم دقيق . و على عهده ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم لإثنتين و أربعين سنة من ملكه و ذلك عام الفيل . و كذلك ولد أبوه عبد الله بن عبد المطلب لأربع و عشرين من ملكه .
القسم الثاني من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي
قال الطبري : و في أيامه رأى الموبذان الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها فأفزعه ذلك ، و قص الرؤيا على من يعبرها ، فقال : حادث يكون من العرب . فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني و قص عليه الرؤيا فدله على سطيح ، و قال له : إئته أنت فسار إليه و قص عليه الرؤيا فأخبره بتأويلها و أن ملك العرب سيظهر و القصة معروفة . و كان فيما قاله سطيح إنه يملك من آل كسرى أربعة عشرة ملكا فاستطال كسرى المدة و ملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها .
و بعث عامل اليمن و هرز بهدية و أموال و طرف من اليمن إلى كسرى ، فأغار عليها بنو يربوع من تميم و أخذوها ، و جاء أصحاب العير إلى هوذة بن علي ملك اليمامة من بني حنيفة ، فسار معهم إلى كسرى فأكرمه و توجه بعقد من لؤلؤ و من ثم قيل له ذو التاج ، و كتب إلى عامله بالبحرين في شأنهم ، و كان كثيرا ما يوقع ببني تميم و يقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ، و نادى مناديه في أحيائهم : إن الأمير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة ، فتسايلوا إليه و دخلوا الحصن ، فقتل الرجال و خصى الصبيان . و جاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس و قتلوه و أخذوا الهدية ، فنشأت الفتنة بين كنانة و قيس لأجل ذلك و كانت بينهما حرب الفجار عشرين سنة و شهدها رسول الله صلى الله عليه و سلم صغيرا كان ينبل على أعمامه . ثم هلك أنوشروان لثمان و أربعين من دولته و ملك ابنه هرمز .
قال هشام : و كان عادلاً حتى لقد أنصف من نفسه خصياً كان له ، و كانت له خؤلة في الترك و كان مع ذلك يقتل الأشراف و العلماء ، و زحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل ، فسار هرمز إلى هراة و باذغيس لحربهم ، و خالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق ، و ملك الخزر إلى الباب و الأبواب ، و جموع العرب إلى شاطئ الفرات . فعاثوا في البلاد و نهبوا و اكتنفته الأعداء من كل جانب ، و بعث قائده بهرام صاحب الري إلى لقاء الترك ، و أقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة و باذغيس ، و قاتل بهرام الترك و قتل ملكهم شبابة بسهم أصابه و استباح معسكره و أقام بمكانه . فزحف إليه برمومة بن شبابة بالترك فهزمه بهرام و حاصره في بعض الحصون حتى استسلم و بعث به إلى هرمز أسيراً ، و بعث معه بالأموال و الجواهر و الآنية و السلاح و سائر الأمتعة يقال في مائتين و خمسين ألفاً من الأحمال ، فوقع ذلك من هرمز أحسن المواقع . و غص أهل الدولة ببهرام و فعله فأكثروا فيه السعاية و بلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه فداخل من كان معه من المرازبة و خلعوا هرمز ، و دعوا لابنه أبرويز و داخلهم في أهل الدولة ، فلحق أبرويز بأذريبجان خائفاً على نفسه ، و اجتمع إليه المرازبة و الأصبهبذيون فملكوه . و وثب بالمدائن الأشراف و العظماء و نفدويه و بسطام خال أبرويز فخلعوا هرمز و حبسوه تحرزا من قتله . و أقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ، ثم نظر في أمر بهرام و تحرز منه و سار إليه و توافقا بشط النهروان ، و دعاه أبرويز إلى الدخول في أمره و يشترط ما أحب ، فلم يقبل ذلك و ناجزه الحرب فهزمه . ثم عاود الحرب مراراً و أحس أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزماً ، و عرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها . و كان أبوه محبوساً بطبسون فأخبره الخبر و شاوره فأشار عليه بقصد موريق ملك الروم يستجيشه ، فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه . و في بعض من طرق
ثم استفحل ملك الترك زحف خاقان سيحور و قتل ملك الهياطلة و استولى على بلادهم و أطاعه أهل بلنجر و زحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل ، و بعث إلى أنوشروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء ، وضبط أنوشروان أرمينية بالعساكر ، و امتنعت صول بملكها أنوشروان و الناحية الأخرى بسور الأبواب ، فرجع خاقان خائباً .
و أخذ أنوشروان في إصلاح السابلة و الأخذ بالعدل و تفقد أهل المملكة و تخير الولاة و العمال مقتدياً بسيرة أردشير بن بابك جده . ثم سار إلى بلاد الروم و افتتح حلب و قبرص و حمص و أنطاكية و مدينة هرقل ثم الإسكندرية ، و ضرب الجزية على ملوك القبط ، و حمل إليه ملك الروم الفدية ، و ملك الصين و التبت الهدايا . ثم غزا بلاد الخزر و أدرك فيهم بثأره و ما فعلوه ببلاده . ثم وفد عليه ابن ذي يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائداً من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقاً ملك الحبشة باليمن و ملكوها ، و ملك عليهم سيف بن ذي يزن . و أمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائداً من قواده فقتل ملكها و استولى عليها و حمل إلى كسرى أموالاً جمة . و ملك على العرب في مدينة الحيرة . ثم سار نحو الهياطلة مطالباً بثأر جده فيروز فقتل ملكهم و استأصل أهل بيته ، و تجاوز بلخ و ما وراءها ، و أنزل عساكره فرغانة و أثخن في بلاد الروم و ضرب عليهم الجزى . و كان مكرماً للعلماء محباً للعلم و في أيامه ترجم كتاب كليلة و ترجمه من لسان اليهود و حله بضرب الأمثال و يحتاج إلى فهم دقيق . و على عهده ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم لإثنتين و أربعين سنة من ملكه و ذلك عام الفيل . و كذلك ولد أبوه عبد الله بن عبد المطلب لأربع و عشرين من ملكه .
القسم الثاني من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي
قال الطبري : و في أيامه رأى الموبذان الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها فأفزعه ذلك ، و قص الرؤيا على من يعبرها ، فقال : حادث يكون من العرب . فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني و قص عليه الرؤيا فدله على سطيح ، و قال له : إئته أنت فسار إليه و قص عليه الرؤيا فأخبره بتأويلها و أن ملك العرب سيظهر و القصة معروفة . و كان فيما قاله سطيح إنه يملك من آل كسرى أربعة عشرة ملكا فاستطال كسرى المدة و ملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها .
و بعث عامل اليمن و هرز بهدية و أموال و طرف من اليمن إلى كسرى ، فأغار عليها بنو يربوع من تميم و أخذوها ، و جاء أصحاب العير إلى هوذة بن علي ملك اليمامة من بني حنيفة ، فسار معهم إلى كسرى فأكرمه و توجه بعقد من لؤلؤ و من ثم قيل له ذو التاج ، و كتب إلى عامله بالبحرين في شأنهم ، و كان كثيرا ما يوقع ببني تميم و يقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ، و نادى مناديه في أحيائهم : إن الأمير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة ، فتسايلوا إليه و دخلوا الحصن ، فقتل الرجال و خصى الصبيان . و جاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس و قتلوه و أخذوا الهدية ، فنشأت الفتنة بين كنانة و قيس لأجل ذلك و كانت بينهما حرب الفجار عشرين سنة و شهدها رسول الله صلى الله عليه و سلم صغيرا كان ينبل على أعمامه . ثم هلك أنوشروان لثمان و أربعين من دولته و ملك ابنه هرمز .
قال هشام : و كان عادلاً حتى لقد أنصف من نفسه خصياً كان له ، و كانت له خؤلة في الترك و كان مع ذلك يقتل الأشراف و العلماء ، و زحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل ، فسار هرمز إلى هراة و باذغيس لحربهم ، و خالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق ، و ملك الخزر إلى الباب و الأبواب ، و جموع العرب إلى شاطئ الفرات . فعاثوا في البلاد و نهبوا و اكتنفته الأعداء من كل جانب ، و بعث قائده بهرام صاحب الري إلى لقاء الترك ، و أقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة و باذغيس ، و قاتل بهرام الترك و قتل ملكهم شبابة بسهم أصابه و استباح معسكره و أقام بمكانه . فزحف إليه برمومة بن شبابة بالترك فهزمه بهرام و حاصره في بعض الحصون حتى استسلم و بعث به إلى هرمز أسيراً ، و بعث معه بالأموال و الجواهر و الآنية و السلاح و سائر الأمتعة يقال في مائتين و خمسين ألفاً من الأحمال ، فوقع ذلك من هرمز أحسن المواقع . و غص أهل الدولة ببهرام و فعله فأكثروا فيه السعاية و بلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه فداخل من كان معه من المرازبة و خلعوا هرمز ، و دعوا لابنه أبرويز و داخلهم في أهل الدولة ، فلحق أبرويز بأذريبجان خائفاً على نفسه ، و اجتمع إليه المرازبة و الأصبهبذيون فملكوه . و وثب بالمدائن الأشراف و العظماء و نفدويه و بسطام خال أبرويز فخلعوا هرمز و حبسوه تحرزا من قتله . و أقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ، ثم نظر في أمر بهرام و تحرز منه و سار إليه و توافقا بشط النهروان ، و دعاه أبرويز إلى الدخول في أمره و يشترط ما أحب ، فلم يقبل ذلك و ناجزه الحرب فهزمه . ثم عاود الحرب مراراً و أحس أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزماً ، و عرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها . و كان أبوه محبوساً بطبسون فأخبره الخبر و شاوره فأشار عليه بقصد موريق ملك الروم يستجيشه ، فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه . و في بعض من طرق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
هذا الخبر أن أبروبز لما استوحش من أبيه هرمز لحق بأذربيجان واجتمع عليه من اجتمع ولم يحدث شيئاً . و بعث هرمز لمحاربة بهرام قائداً من مرازبته فانهزم و قتل و رجع فلهم إلى المدائن و بهرام في اتباعهم ، و اضطرب هرمز و كتبت إليه أخت المرزبان المهزوم من بهرام تستحثه للملك فسار إلى المدائن و ملك ، و أتاه أبوه فتواضع له أبرويز و تبرأ له من فعل الناس و أنه إنما حمله على ذلك الخوف ، و سأله أن ينتقم له ممن فعل به ذلك و أن يؤنسه بثلاثة من أهل النسب و الحكمة يحادثهم كل يوم فأجابه ، و استأذنه في قتل بهرام جوبين فأشار به . و أقبل بهرام حثيثاً و بعث خاليه نفدويه و بسطام يستدعيانه للطاعة فرد أسوأ رد و قاتل أبرويز و اشتدت الحرب بينهما ، و لما رأى أبرويز فشل أصحابه شاور أباه و لحق بملك الروم ، و قال له خالاه عند وصولهم من المدائن : نخشى أن يدخل بهرام المدائن و يملك أباك و يبعث فينا إلى ملك الروم . و انطلقوا إلى المدائن فقتلوا هرمز ثم ساروا مع أبرويز و قطعوا الفرات ، و اتبعتهم عساكر بهرام وقد وصلوا إلى تخوم الروم و قاتلوهم و أسروا نفدويه خال أبرويز و رجعوا عنهم . و لحق أبرويز و من معه بأنطاكية و بعث إلى قيصر موريق يستنجده فأجابه و أكرمه و زوجه ابنته مريم ، و بعث إليه أخاه بناطوس بستين ألف مقاتل و قائدهم ، و اشترط عليه الإتاوة التي كان الروم يحملونها ، فقبل و سار بالعساكر إلى أذربيجان و وافاه هنالك خاله نفدويه هارباً من الأسر الذي كانوا أسروه . ثم بعث العساكر من أذربيجان مع أصبهبذ الناحية ، فانهزم بهرام جوبين و لحق بالترك و سار أبرويز إلى المدائن فدخلها و فرق في الروم عشرين ألف ألف دينار و أطلقهم إلى قيصر .
و أقام بهرام عند ملك الترك و صانع أبرويز عليه ملك الترك و زوجته حتى دست عليه من قتله ، و اغتم لذلك ملك الترك و طلقها من أجله ، و بعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ، ثم أخذ أبرويز في مهاداة قيصر موريق و ألطافه ، و خلعه الروم و قتلوه و ملكوا عليهم ملكاً اسمه قوفا قيصر ، و لحق بأبرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد و سار أحدهم و دوخوا الشام إلى فلسطين ، و وصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أسقفتها و من كان بها من الأقسة و طالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن و بعثوا بها إلى كسرى ، و سار منهم قائد آخر إلى مصر و اسكندرية و بلاد النوبة فملكوا ذلك كله ، و قصد الثالث قسطنطينية و خيم على الخليج و عاث في ممالك الروم .
و لم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق و قتل الروم قوفا الذي كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره ، و ملكوا عليهم هرقل فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى و بلغ نصيبين ، فبعث كسرى قائداً من أساورته فبلغ الموصل و أقام عليها يمنع الروم المجاوزة ، و جاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس ، فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم و قتل و ظفر هرقل بحصن كسرى و بالمدائن ، و وصل هرقل قريباً منها ثم رجع . و أولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين ، و كتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان و بعثه بالعساكر ، و بعث هرقل عساكره و التقيا بأذرعات و بصرى فغلبهم عساكر فارس ، و سار سخراب في أرض الروم يخرب و يقتل و يسبي حتى بلغ القسطنطينية ، و رجع و عزله أبرويز عن خراسان و ولى أخاه .
و في مناوبة هذا الغلب بين فارس و الروم نزلت الآيات من أول سورة الروم . قال الطبري : و أدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات و بصرى التي كانت بها هذه الحروب . ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد و أخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم ، لأن قريشاً كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب ، و المسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب ، و في كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم .
و أبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب و عامله على الحيرة سخطه بسعاية عدي بن زيد العبادي وزير النعمان ، و كان قد قتل أباه و بعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجماناً للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان و حمله على أن يخطب إليه ابنته ، و بعث إليه رسوله بذلك عدي بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقالة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم ، فاستدعاه أبرويز و حبسه بساباط ، ثم أمر به فطرح للفيلة ، و ولى على العرب بعده أياس بن قبيصة الطائي جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم . ثم كان على عهده وقعة ذي قار لبكر بن وائل معهم من عبس و تميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة و من معه من طيء ، كان سببها أن النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانيء بن مسعود الشيباني و كانت شكة ألف فارس ، و طلبها كسرى منه ، فأبى إلا أن يردها إلى بيته ، فآذنه كسرى بالحرب و آذنوه بها . و بعث كسرى إلى أياس أن يزحف إليه بالمسالح التي كانت ببلاد العرب بأن يوافوا أياساً ، و اقتتلوا بذي قار و انهزمت الفرس و من معهم . و فيها قال النبي صلى الله عليه و سلم : " اليوم انتصف العرب من العجم و بي نصروا " أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه ، قيل إن ذلك كان بمكة و قيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر .
و في أيام أبرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه و قيل لاثنتين و ثلاثين حكاه الطبري ، و بعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بكتابه يدعوه إلى الإسلام ، كما تقدم في أخبار اليمن و كما يأتي في أخبار الهجرة . و لما طال ملك أبرويز بطر و أشر و خسر الناس في أموالهم و ولى عليهم الظلمة و ضيق عليهم المعاش و بغض عليهم ملكه . و قال هشام : جمع أبرويز من المال ما لم يجمعه أحد ، و بلغت عساكره القسطنطينية و أفريقية ، و كان يشتو بالمدائن و يصيف بهمدان ، و كان له اثنتا عشرة ألف امرأة ، و ألف فيل و خمسون ألف دابة . و بنى بيوت النيران و أقام فيها اثني عشر ألف هربذ و أحصى جبايته لثمان عشرة سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف
و أقام بهرام عند ملك الترك و صانع أبرويز عليه ملك الترك و زوجته حتى دست عليه من قتله ، و اغتم لذلك ملك الترك و طلقها من أجله ، و بعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ، ثم أخذ أبرويز في مهاداة قيصر موريق و ألطافه ، و خلعه الروم و قتلوه و ملكوا عليهم ملكاً اسمه قوفا قيصر ، و لحق بأبرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد و سار أحدهم و دوخوا الشام إلى فلسطين ، و وصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أسقفتها و من كان بها من الأقسة و طالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن و بعثوا بها إلى كسرى ، و سار منهم قائد آخر إلى مصر و اسكندرية و بلاد النوبة فملكوا ذلك كله ، و قصد الثالث قسطنطينية و خيم على الخليج و عاث في ممالك الروم .
و لم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق و قتل الروم قوفا الذي كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره ، و ملكوا عليهم هرقل فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى و بلغ نصيبين ، فبعث كسرى قائداً من أساورته فبلغ الموصل و أقام عليها يمنع الروم المجاوزة ، و جاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس ، فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم و قتل و ظفر هرقل بحصن كسرى و بالمدائن ، و وصل هرقل قريباً منها ثم رجع . و أولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين ، و كتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان و بعثه بالعساكر ، و بعث هرقل عساكره و التقيا بأذرعات و بصرى فغلبهم عساكر فارس ، و سار سخراب في أرض الروم يخرب و يقتل و يسبي حتى بلغ القسطنطينية ، و رجع و عزله أبرويز عن خراسان و ولى أخاه .
و في مناوبة هذا الغلب بين فارس و الروم نزلت الآيات من أول سورة الروم . قال الطبري : و أدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات و بصرى التي كانت بها هذه الحروب . ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد و أخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم ، لأن قريشاً كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب ، و المسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب ، و في كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم .
و أبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب و عامله على الحيرة سخطه بسعاية عدي بن زيد العبادي وزير النعمان ، و كان قد قتل أباه و بعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجماناً للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان و حمله على أن يخطب إليه ابنته ، و بعث إليه رسوله بذلك عدي بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقالة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم ، فاستدعاه أبرويز و حبسه بساباط ، ثم أمر به فطرح للفيلة ، و ولى على العرب بعده أياس بن قبيصة الطائي جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم . ثم كان على عهده وقعة ذي قار لبكر بن وائل معهم من عبس و تميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة و من معه من طيء ، كان سببها أن النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانيء بن مسعود الشيباني و كانت شكة ألف فارس ، و طلبها كسرى منه ، فأبى إلا أن يردها إلى بيته ، فآذنه كسرى بالحرب و آذنوه بها . و بعث كسرى إلى أياس أن يزحف إليه بالمسالح التي كانت ببلاد العرب بأن يوافوا أياساً ، و اقتتلوا بذي قار و انهزمت الفرس و من معهم . و فيها قال النبي صلى الله عليه و سلم : " اليوم انتصف العرب من العجم و بي نصروا " أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه ، قيل إن ذلك كان بمكة و قيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر .
و في أيام أبرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه و قيل لاثنتين و ثلاثين حكاه الطبري ، و بعث إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بكتابه يدعوه إلى الإسلام ، كما تقدم في أخبار اليمن و كما يأتي في أخبار الهجرة . و لما طال ملك أبرويز بطر و أشر و خسر الناس في أموالهم و ولى عليهم الظلمة و ضيق عليهم المعاش و بغض عليهم ملكه . و قال هشام : جمع أبرويز من المال ما لم يجمعه أحد ، و بلغت عساكره القسطنطينية و أفريقية ، و كان يشتو بالمدائن و يصيف بهمدان ، و كان له اثنتا عشرة ألف امرأة ، و ألف فيل و خمسون ألف دابة . و بنى بيوت النيران و أقام فيها اثني عشر ألف هربذ و أحصى جبايته لثمان عشرة سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
مكررة مرتين و عشرون ألف ألف مثلها فحمل إلى بيت المال بمدينة طبسون ، و كانت هنالك أموال أخرى من ضرب فيروز بن يزدجرد منها اثنا عشر ألف بدرة في كل بدرة من الورق مصارفة أربعة آلاف مثقال فتكون جملتها ثمانية و أربعين ألف ألف مثقال مكررة مرتين في صنوف من الجواهر و الطيوب و الأمتعة و الآنية لا يحصيها إلا الله تعالى . ثم بلغ من عتوه و استخفافه بالناس أنه أمر بقتل المقيدين في سجونه و كانوا ستة و ثلاثين ألفاً ، فنقم ذلك عليه أهل الدولة و أطلقوا ابنه شيرويه و اسمه قباذ و كان محبوساً مع أولاده كلهم لإنذار بعض المنجمين له بأن بعض ولده يغتاله فحبسهم ، و أطلق أهل الدولة شيرويه و جمعوا إليه المقيدين الذين أمر بقتلهم ، و نهض إلى قصور الملك بمدينة نهرشير فملكها و حبس أبرويز و بعث إلى ابنه شيرويه يعنفه ، فلم يرض ذلك أهل الدولة و حملوه على قتله ، و قتل لثمان و ثلاثين سنة من ملكه ، و جاءته أختاه بوران و أزرميدخت فأسمعتاه و أغلظتا له فيما فعل فبكى و رمى التاج عن رأسه ، و هلك لثمانية أشهر من مقتل أبيه في طاعون و هلك فيه نصف الناس أو ثلثهم ، و كان مهلكه لسبع من الهجرة فيما قال السهيلي .
ثم ولي ملك الفرس من بعده ابنه أردشير طفلاً ابن سبع سنين لم يجدوا من بين الملك سواه لأن أبرويز كان قتل المرشحين كلهم من بينيه و بني أبيه ، فملك عظماء فارس هذا الطفل أردشير و كفله بهادرخشنش صاحب المائدة في الدولة ، فأحسن سياسة ملكه و كان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه أبرويز و حموهم هنالك و صاحب الشورى في دولتهم ، و لما يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل ، و طمع في الشورى في دولتهم ، و لما لم يشاوروه في ذلك غضب و بسط يده في القتل ، و طمع في الملك و أطاعه من كان معه من العساكر . و أقبل إلى المدائن و تحصن بهادرخشنش بمدينة طبسون دار الملك ، و نقل إليها الأموال و الذخائر و أبناء الملوك ، و حاصرها شهريران فامتنعت ، ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها و قتل العظماء و استصفى الأموال و فضح النساء .
و بعث أردشير الطفل الملك من قتله لسنة و نصف من ملكه ، و ملك شهريران على التخت و لم يكن من بيت الملك ، و امتعض لقتل أردشير جماعة من عظماء الدولة و فيهم زادان فروخ و شهريران و وهب مؤدب الأساورة ، و أجمعوا على قتل شهريران . و داخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله ، و كانوا يعملون قدام الملك في الأيام و المشاهد سماطين ، مر بهم شهريران بعض أيام بين السماطين و هم مسلحون فلما حاذاهم طعنوه فقتلوه و قتلوا العظماء بعد قتل أردشير الطفل .
ثم ملكوا بوران بنت أبروبز و دفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك و هو فروج بن ماخدشيراز من أهل إصطخر ، و رفعت رتبته ، و أسقطت الخراج عن الناس ، و أمرت برم القناطير و الجسور و ضرب الورق ، و ردت خشبة الصليب على الجاثليق ملك الروم ، و هلكت لسنة و أربعة أشهر . و ملكوا بعدها خشنشده من عمومة أبرويز عشرين يوماً فملك أقل من شهر . ثم ملك أزرميدخت بنت أبرويز و كانت من أجل نسائهم ، و كان عظيم فارس يومئذ هرمز أصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج ، فقالت هو حرام على الملكة و دعته ليلة كذا ، فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل ، فأصبح بدار الملك قتيلاً و أخفي أثره . و كان لما سار إلى أزرميدخت استخلف على خراسان ابنه رستم ، فلما سمع بخبر أبيه أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن و ملكها ، و سمل أزرميدخت و قتلها ، و قيل سمها فماتت و ذلك لستة أشهر من ملكها ، و ملكوا بعدها رجلاً من نسل أردشير بن بابك و قتل لأيام قلائل ، و قيل بل هو من ولد أبرويز اسمه فروخ زاذ بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين ، فجاءوا به إلى المدائن و ملكوه ثم عصوا عليه فقتلوه . و قيل لما قتل كسرى بن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك و لو من قبل النساء ، فأتى برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش و يسمى أيضاً خشنشدة أمه صهاربخت بنت يرادقرار بن أنوشروان فملكوه كرهاً ، ثم قتلوه بعد أيام قلائل . ثم شخص رجل من عظماء الموالي و هو رئيس الخول إلى ناحية الغرب ، فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين إبناً لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ، ثم خلعوه و قتلوه لستة أشهر من ملكه .
و قال بعضهم : كان أهل اصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن أبرويز فلما بلغهم أن أهل المدائن عصوا على ابن خسرو
فروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذي عندهم و يدعى أردشير ، فملكوه بإصطخر و أقبلوا به إلى المدائن ، و قتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه . و استقل يزدجرد بالملك و كان أعظم و زرائه رئيس الموالي الذي جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة . و ضعفت مملكة فارس ، و تغلب الأعداء على الأطراف من كل جانب ، فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه ، و قيل بعد أربع ، فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنالك إلى أن قتل بمرو بعد نيف و عشرين سنة من ملكه . هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الأكاسرة الساسانية عند الطبري . ثم قال آخرها : فجميع سني العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة و ستمائة و اثنان و أربعون سنة ، و على ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين ، و على ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف و مائة و ثمانون سنة و مقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة ، و أما عند أهل الإسلام فبين آدم و نوح عشرة قرون و القرن مائة سنة و بين نوح و إبراهيم كذلك و بين إبراهيم و موسى كذلك و نقله الطبري عن ابن عباس و عن محمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم و
ثم ولي ملك الفرس من بعده ابنه أردشير طفلاً ابن سبع سنين لم يجدوا من بين الملك سواه لأن أبرويز كان قتل المرشحين كلهم من بينيه و بني أبيه ، فملك عظماء فارس هذا الطفل أردشير و كفله بهادرخشنش صاحب المائدة في الدولة ، فأحسن سياسة ملكه و كان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه أبرويز و حموهم هنالك و صاحب الشورى في دولتهم ، و لما يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل ، و طمع في الشورى في دولتهم ، و لما لم يشاوروه في ذلك غضب و بسط يده في القتل ، و طمع في الملك و أطاعه من كان معه من العساكر . و أقبل إلى المدائن و تحصن بهادرخشنش بمدينة طبسون دار الملك ، و نقل إليها الأموال و الذخائر و أبناء الملوك ، و حاصرها شهريران فامتنعت ، ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها و قتل العظماء و استصفى الأموال و فضح النساء .
و بعث أردشير الطفل الملك من قتله لسنة و نصف من ملكه ، و ملك شهريران على التخت و لم يكن من بيت الملك ، و امتعض لقتل أردشير جماعة من عظماء الدولة و فيهم زادان فروخ و شهريران و وهب مؤدب الأساورة ، و أجمعوا على قتل شهريران . و داخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله ، و كانوا يعملون قدام الملك في الأيام و المشاهد سماطين ، مر بهم شهريران بعض أيام بين السماطين و هم مسلحون فلما حاذاهم طعنوه فقتلوه و قتلوا العظماء بعد قتل أردشير الطفل .
ثم ملكوا بوران بنت أبروبز و دفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك و هو فروج بن ماخدشيراز من أهل إصطخر ، و رفعت رتبته ، و أسقطت الخراج عن الناس ، و أمرت برم القناطير و الجسور و ضرب الورق ، و ردت خشبة الصليب على الجاثليق ملك الروم ، و هلكت لسنة و أربعة أشهر . و ملكوا بعدها خشنشده من عمومة أبرويز عشرين يوماً فملك أقل من شهر . ثم ملك أزرميدخت بنت أبرويز و كانت من أجل نسائهم ، و كان عظيم فارس يومئذ هرمز أصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج ، فقالت هو حرام على الملكة و دعته ليلة كذا ، فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل ، فأصبح بدار الملك قتيلاً و أخفي أثره . و كان لما سار إلى أزرميدخت استخلف على خراسان ابنه رستم ، فلما سمع بخبر أبيه أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن و ملكها ، و سمل أزرميدخت و قتلها ، و قيل سمها فماتت و ذلك لستة أشهر من ملكها ، و ملكوا بعدها رجلاً من نسل أردشير بن بابك و قتل لأيام قلائل ، و قيل بل هو من ولد أبرويز اسمه فروخ زاذ بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين ، فجاءوا به إلى المدائن و ملكوه ثم عصوا عليه فقتلوه . و قيل لما قتل كسرى بن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك و لو من قبل النساء ، فأتى برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش و يسمى أيضاً خشنشدة أمه صهاربخت بنت يرادقرار بن أنوشروان فملكوه كرهاً ، ثم قتلوه بعد أيام قلائل . ثم شخص رجل من عظماء الموالي و هو رئيس الخول إلى ناحية الغرب ، فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين إبناً لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ، ثم خلعوه و قتلوه لستة أشهر من ملكه .
و قال بعضهم : كان أهل اصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن أبرويز فلما بلغهم أن أهل المدائن عصوا على ابن خسرو
فروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذي عندهم و يدعى أردشير ، فملكوه بإصطخر و أقبلوا به إلى المدائن ، و قتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه . و استقل يزدجرد بالملك و كان أعظم و زرائه رئيس الموالي الذي جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة . و ضعفت مملكة فارس ، و تغلب الأعداء على الأطراف من كل جانب ، فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه ، و قيل بعد أربع ، فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنالك إلى أن قتل بمرو بعد نيف و عشرين سنة من ملكه . هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الأكاسرة الساسانية عند الطبري . ثم قال آخرها : فجميع سني العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة و ستمائة و اثنان و أربعون سنة ، و على ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين ، و على ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف و مائة و ثمانون سنة و مقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة ، و أما عند أهل الإسلام فبين آدم و نوح عشرة قرون و القرن مائة سنة و بين نوح و إبراهيم كذلك و بين إبراهيم و موسى كذلك و نقله الطبري عن ابن عباس و عن محمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
قال : إن الفترة بين عيسى و بين محمد صلى الله عليه و سلم ستمائة سنة و رواه عن سلمان الفارسي و كعب الأحبار و الله أعلم بالحق في ذلك و البقاء لله الواحد القهار .
الخبر عن دولة يونان و الروم و أنسابهم و مصايرهم
كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم و أوسعهم ملكاً و سلطاناً ، و كانت لهم الدولتان العظيمتان للإسكندر و القياصرة من بعده الذين صبحهم الإسلام و هم ملوك بالشام ، و نسبهم جميعاً إلى يافث باتفاق من المحققين ، إلا ما ينقل عن الكندي في نسب يونان إلى عابر بن فالغ و أنه خرج من اليمن بأهله و ولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة و الروم فاختلط نسبه بهم ، وقد رد عليه أبو العباس الناشيء في ذلك بقوله :
تخلط يونان بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جداً
و لذلك يقال إن الإسكندر من تبع ، و ليس شيء من ذلك بصحيح ، و إنما الصحيح نسبهم إلى يافث ، ثم إن المحققين ينسبون الروم جيمعاً إلى يونان الأغريقيون منهم و اللطينيون . و يونان معدود في التوارة من ولد يافث لصلبه ، و اسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو ، فعربته العرب إلى يونان .
و أما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان و هم : كيتم و حجيلة و ترشوش و دودانم و إيشاي ، و جعل من شعوب إيشاي سجينية و أثناش و شمالا و طشال و لجدمون . و نسب الروم اللطينيين فيهم و لم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ، و نسب الإفرنج إلى غطر ما بن عومر بن يافث ، و قال : إن الصقالبة إخوانهم في نسبه ، و قال : إن الملك كان في هذه الطوائف لبني أشكان بن غومر و الملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان و غيرهم . و نسب القوط إلى ماداي بن يافث و جعل من إخوانهم الأرمن ، ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث و جعل اللطينينين من إخوانهم في ذلك النسب . و نسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار ، و نسب إلى طوبال بن يافث الأندلس و الإيطاليين و الأركاديين ، و نسب إلى طبراش بن يافث أجناس الترك . و اسم الغريقيين عنده يشمل أبناء يونان كلهم كما ذكره ، و ينوع الروم إلى الغريقيين و اللطينيين .
و قال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقي و غيره : إن يونان هو ابن علجان بن يافث ، قال : و لذلك يقال لهم العلوج و يشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك ، و إن الشعوب الثلاثة من ولد يونان ، فالإغريقيون من ولد أغريقش بن يونان و الروم من ولد رومي بن يونان و اللطينيون من ولد لطين بن يونان ، و إن الاسكندر من الروم منهم و الله أعلم . و نحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا و الله الموفق للصواب سبحانه و تعالى .
الخبر عن دولة يونان و الإسكندر منهم و ما كان لهم من الملك و السلطان إلى انقراض أمرهم
هؤلاء اليونانيون المتشعبون إلى الغريقيين و اللطينيين ـ كما قلناه ـ اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانههم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة و الترك و الإفرنجة من ورائهم و غيرهم من شعوب يافث ، و لهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولاً و ما بين البحر المحيط و البحر الرومي عرضاً ، فمواطن اللطينين منهم في الجانب الغربي و مواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي و البحر بينهما خليج القسطنطينية . و كان لكل واحد من شعبي الغريقيين و اللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم .
و اختص الغريقيون باسم اليونانيين ، و كان منهم الإسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم ، و كانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من خليج القسطنطينية بين بلاد الترك و دروب الشام ، ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك و العراق و الهند ، ثم جال أرمينية و ما وراءها من بلاد الشام و بلاد مقدونية و مصر و الإسكندرية ، و كان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية .
وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين بنو لجدمون و بنو أنتناش ، قال : و إليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون و هم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش ، قال : و من شعوبهم أيضا بنو طمان و لجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي ، و قال في موضع آخر : لجدمون أخو شمالا .
و كانت شعوب هذه الأمة قبل الفرس و القبط و بني إسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها ، و كان بينهم و بين إخوانهم اللطينيين فتن و حروب ، و لما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم ، فامتنعوا و غزتهم فارس ، فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم و أخذوا الجزى منهم و ولوا عليهم . و يقال : إن أفريدون ولى عليهم ابنه ، و أن جده الإسكندر لأبيه من أعقابه . و يقال : إن بختنصر لما ملك مصر و المغرب أنفوه بالطاعة و كانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عدداً من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة ، و لما فرغوا من شأن أهل فارس و أنفوا ملكهم بالجزى و الطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب اللطينيين ، ثم استفحل أمر الإيشائيين من الغريقيين و لم يكن قوامهم إلا الجرمونيون ، فغلبوهم و غلبوا بعدهم اللطينيين و الفرناسيين و الأركاديين ، و اجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين و اعتز سلطانهم و صار لهم الملك و الدولة .
الخبر عن دولة يونان و الروم و أنسابهم و مصايرهم
كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم و أوسعهم ملكاً و سلطاناً ، و كانت لهم الدولتان العظيمتان للإسكندر و القياصرة من بعده الذين صبحهم الإسلام و هم ملوك بالشام ، و نسبهم جميعاً إلى يافث باتفاق من المحققين ، إلا ما ينقل عن الكندي في نسب يونان إلى عابر بن فالغ و أنه خرج من اليمن بأهله و ولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة و الروم فاختلط نسبه بهم ، وقد رد عليه أبو العباس الناشيء في ذلك بقوله :
تخلط يونان بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جداً
و لذلك يقال إن الإسكندر من تبع ، و ليس شيء من ذلك بصحيح ، و إنما الصحيح نسبهم إلى يافث ، ثم إن المحققين ينسبون الروم جيمعاً إلى يونان الأغريقيون منهم و اللطينيون . و يونان معدود في التوارة من ولد يافث لصلبه ، و اسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو ، فعربته العرب إلى يونان .
و أما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان و هم : كيتم و حجيلة و ترشوش و دودانم و إيشاي ، و جعل من شعوب إيشاي سجينية و أثناش و شمالا و طشال و لجدمون . و نسب الروم اللطينيين فيهم و لم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ، و نسب الإفرنج إلى غطر ما بن عومر بن يافث ، و قال : إن الصقالبة إخوانهم في نسبه ، و قال : إن الملك كان في هذه الطوائف لبني أشكان بن غومر و الملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان و غيرهم . و نسب القوط إلى ماداي بن يافث و جعل من إخوانهم الأرمن ، ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث و جعل اللطينينين من إخوانهم في ذلك النسب . و نسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار ، و نسب إلى طوبال بن يافث الأندلس و الإيطاليين و الأركاديين ، و نسب إلى طبراش بن يافث أجناس الترك . و اسم الغريقيين عنده يشمل أبناء يونان كلهم كما ذكره ، و ينوع الروم إلى الغريقيين و اللطينيين .
و قال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقي و غيره : إن يونان هو ابن علجان بن يافث ، قال : و لذلك يقال لهم العلوج و يشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك ، و إن الشعوب الثلاثة من ولد يونان ، فالإغريقيون من ولد أغريقش بن يونان و الروم من ولد رومي بن يونان و اللطينيون من ولد لطين بن يونان ، و إن الاسكندر من الروم منهم و الله أعلم . و نحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا و الله الموفق للصواب سبحانه و تعالى .
الخبر عن دولة يونان و الإسكندر منهم و ما كان لهم من الملك و السلطان إلى انقراض أمرهم
هؤلاء اليونانيون المتشعبون إلى الغريقيين و اللطينيين ـ كما قلناه ـ اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانههم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة و الترك و الإفرنجة من ورائهم و غيرهم من شعوب يافث ، و لهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولاً و ما بين البحر المحيط و البحر الرومي عرضاً ، فمواطن اللطينين منهم في الجانب الغربي و مواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي و البحر بينهما خليج القسطنطينية . و كان لكل واحد من شعبي الغريقيين و اللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم .
و اختص الغريقيون باسم اليونانيين ، و كان منهم الإسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم ، و كانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من خليج القسطنطينية بين بلاد الترك و دروب الشام ، ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك و العراق و الهند ، ثم جال أرمينية و ما وراءها من بلاد الشام و بلاد مقدونية و مصر و الإسكندرية ، و كان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية .
وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين بنو لجدمون و بنو أنتناش ، قال : و إليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون و هم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش ، قال : و من شعوبهم أيضا بنو طمان و لجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي ، و قال في موضع آخر : لجدمون أخو شمالا .
و كانت شعوب هذه الأمة قبل الفرس و القبط و بني إسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها ، و كان بينهم و بين إخوانهم اللطينيين فتن و حروب ، و لما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم ، فامتنعوا و غزتهم فارس ، فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم و أخذوا الجزى منهم و ولوا عليهم . و يقال : إن أفريدون ولى عليهم ابنه ، و أن جده الإسكندر لأبيه من أعقابه . و يقال : إن بختنصر لما ملك مصر و المغرب أنفوه بالطاعة و كانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عدداً من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة ، و لما فرغوا من شأن أهل فارس و أنفوا ملكهم بالجزى و الطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب اللطينيين ، ثم استفحل أمر الإيشائيين من الغريقيين و لم يكن قوامهم إلا الجرمونيون ، فغلبوهم و غلبوا بعدهم اللطينيين و الفرناسيين و الأركاديين ، و اجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين و اعتز سلطانهم و صار لهم الملك و الدولة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
و قال ابن سعيد : إن الملك استقر بعد يونان في ابنه أغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية ، و توالى الملك في ولده و قهروا اللطينيين و الروم و دال ملكهم في أرمينية ، و كان من أعظمهم هرقل الجبار بن ملكان بن سلقوس بن أغريقش ، يقال : إنه ضرب الأتاوة على الأقاليم السبعة . و ملك بعده ابنه يلاق و إليه تنسب الأمة اليلاقية و هي الآن باقية على بحر سودان . و اتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر إخوانهم الروم و استبدوا بالملك ، و كان أولهم هردوس بن منطرون بن رومي بن يونان فملك الأمم الثلاثة و صار اسمه لقبا لكل من ملك بعده ، و سمت به يهود الشام كل من قام بأمرها منهم . ثم ملك بعده ابنه هرمس ، فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه و ضربوا عليه الأتاوة ، فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين و صاروا دولاً و ممالك . و انفرد الإغريقيون برئيس لهم ، و صنع مثل ذلك اللطينيون ، إلا أن اللقب بملك الملوك كان لملك الروم ، ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الأتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين و الإغريقيين . و ملك بعده ابنه فليفوش و كانت أمه من ولد سرم من ولد أفريدون الذي ملكه أبوه على اليونان ، فظهر و هدم مدينة أغريقية و بنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج . و كان محباً للحكمة فلذلك كثر الحكماء في دولته . ثم ملك من بعده ابنه الإسكندر و كان معلمه من الحكماء أرسطو .
و قال هروشيوش : إن أباه فيلفوش إنما ملك بعد الإسكندر بن تراوش أحد ملوكهم العظماء ، و كان فيلفوش صهراً له على أخته لينبادة بنت تراوش ، و كان له منها الإسكندر الأعظم . قال : و كان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف و ثمانمائة من عهد الخليفة و لعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة ، و هلك و هو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته . فولي أمر الغريقيين و الروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش ابن آمنتة بن هركلش ، و اختلفوا عليه فافترق أمرهم و حاربهم إلى أن انقادوا و غلبهم على سائر أوطانهم . و أراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم ، فقاتلهم حتى استلحمهم ، و اجتمع إليه سائر الروم و الغريقيين من بني يونان ، و ملك ما بين ألمانية و جبال أرمينية . و كان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام و مصر فاعتزم فيلفوش على غزو الشام ، فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين و قتله بثأر كان له عنده . و ولي من بعده ابنه الإسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشام ، و بعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذي كان لعهد أبيه فيلفوش ، فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب و أكلتها . ثم زحف إلى بلاد الشام و استولى عليها و فتح بيت المقدس و قرب فيه القربان و ذلك لعهد مائتين و خمسين من فتح بختنصر إياها ، و امتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم ، فزحف إليه دارا في ستين ألفاً من الفرس و لقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم و فتح كثيراً من مدن الشام و رجع إلى طرسوس ، فزحف إليه دارا و لقيه عليها فهزمه الإسكندر و افتتح طرسوس . و مضى و بنى الإسكندرية .
ثم تزاحف مع دارا و هزمه و قتله و تخطى إلى فارس فملك بلادها و هدم مدينة الملك بها و سبى أهلها ، و أشار عليه معلمه أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم و يخلص إليه أمرهم ، فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس و النبط و العرب و ملك على كل ناحية و توجه فصاروا طوائف في ملكهم ، و استبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه و معلمه أرسطو هذا من اليونانيين و كان مسكنه أثينا و كان كبير حكماء الخليفة غير منازع ، أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني ، كان يعلم الحكمة و هو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمى تلاميذه بالمشائين . و أخذ أفلاطون عن سقراط و يعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته ، و قتله قومه أهل يونان مسموما لما نهاهم عن عبادة الأوثان ، و كان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم ، و يقال : إن فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية ، و أخذ تاليس عن لقمان . و من حكماء اليونانيين دميقراطيس ، و أنكيثاغورس كان مع حكمته مبرزاً في علم الطب و بعث فيه بهمن ملك الفرس إلى يونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به ، و كان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام و مات بصقلية و دفن بها .
و لما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها و بنى بها مدينة سماها الإسكندرية ، ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها و حاربه فور ملك الهند فانهزم و أخذه الإسكندر أسيراً بعد حروب طويلة ، و غلب على جميع طوائف الهنود و ملك بلاد الصين و السند و ذللت إليه الملوك و حملت إليه الهدايا و الخراج من كل ناحية ، و راسله ملوك الأرض من أفريقية و المغرب و الإفرنجة و الصقالبة و السواد . ثم ملك بلاد خراسان و الترك ، و اختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي ، و استولى على الملوك يقال : على خمسة و ثلاثين ملكاً . و عاد إلى بابل فمات بها ، يقال مسموماً سمه عامله على مقدونية لأن أمه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سما و تناوله فمات لاثنتين و أربعين سنة من عمره ، بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة ، سبعاً منها قبل مقتل دارا و خمساً بعده .
قال الطبري : و لما مات عرض الملك على ابنه إسكندروس فاختار الرهبانية ، فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك و لقبه بطليموس . قال المسعودي : ثم سارت هذه التسمية لكل من يملك منهم و مدينتهم مقدونية و ينزلون الإسكندرية ، و ملك منهم أربعة عشر ملكاً في ثلثمائة سنة .
و قال هروشيوش : إن أباه فيلفوش إنما ملك بعد الإسكندر بن تراوش أحد ملوكهم العظماء ، و كان فيلفوش صهراً له على أخته لينبادة بنت تراوش ، و كان له منها الإسكندر الأعظم . قال : و كان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف و ثمانمائة من عهد الخليفة و لعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة ، و هلك و هو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته . فولي أمر الغريقيين و الروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش ابن آمنتة بن هركلش ، و اختلفوا عليه فافترق أمرهم و حاربهم إلى أن انقادوا و غلبهم على سائر أوطانهم . و أراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم ، فقاتلهم حتى استلحمهم ، و اجتمع إليه سائر الروم و الغريقيين من بني يونان ، و ملك ما بين ألمانية و جبال أرمينية . و كان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام و مصر فاعتزم فيلفوش على غزو الشام ، فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين و قتله بثأر كان له عنده . و ولي من بعده ابنه الإسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشام ، و بعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذي كان لعهد أبيه فيلفوش ، فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب و أكلتها . ثم زحف إلى بلاد الشام و استولى عليها و فتح بيت المقدس و قرب فيه القربان و ذلك لعهد مائتين و خمسين من فتح بختنصر إياها ، و امتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم ، فزحف إليه دارا في ستين ألفاً من الفرس و لقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم و فتح كثيراً من مدن الشام و رجع إلى طرسوس ، فزحف إليه دارا و لقيه عليها فهزمه الإسكندر و افتتح طرسوس . و مضى و بنى الإسكندرية .
ثم تزاحف مع دارا و هزمه و قتله و تخطى إلى فارس فملك بلادها و هدم مدينة الملك بها و سبى أهلها ، و أشار عليه معلمه أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم و يخلص إليه أمرهم ، فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس و النبط و العرب و ملك على كل ناحية و توجه فصاروا طوائف في ملكهم ، و استبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه و معلمه أرسطو هذا من اليونانيين و كان مسكنه أثينا و كان كبير حكماء الخليفة غير منازع ، أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني ، كان يعلم الحكمة و هو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمى تلاميذه بالمشائين . و أخذ أفلاطون عن سقراط و يعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته ، و قتله قومه أهل يونان مسموما لما نهاهم عن عبادة الأوثان ، و كان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم ، و يقال : إن فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية ، و أخذ تاليس عن لقمان . و من حكماء اليونانيين دميقراطيس ، و أنكيثاغورس كان مع حكمته مبرزاً في علم الطب و بعث فيه بهمن ملك الفرس إلى يونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به ، و كان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام و مات بصقلية و دفن بها .
و لما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها و بنى بها مدينة سماها الإسكندرية ، ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها و حاربه فور ملك الهند فانهزم و أخذه الإسكندر أسيراً بعد حروب طويلة ، و غلب على جميع طوائف الهنود و ملك بلاد الصين و السند و ذللت إليه الملوك و حملت إليه الهدايا و الخراج من كل ناحية ، و راسله ملوك الأرض من أفريقية و المغرب و الإفرنجة و الصقالبة و السواد . ثم ملك بلاد خراسان و الترك ، و اختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي ، و استولى على الملوك يقال : على خمسة و ثلاثين ملكاً . و عاد إلى بابل فمات بها ، يقال مسموماً سمه عامله على مقدونية لأن أمه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سما و تناوله فمات لاثنتين و أربعين سنة من عمره ، بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة ، سبعاً منها قبل مقتل دارا و خمساً بعده .
قال الطبري : و لما مات عرض الملك على ابنه إسكندروس فاختار الرهبانية ، فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك و لقبه بطليموس . قال المسعودي : ثم سارت هذه التسمية لكل من يملك منهم و مدينتهم مقدونية و ينزلون الإسكندرية ، و ملك منهم أربعة عشر ملكاً في ثلثمائة سنة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى