تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
صفحة 1 من اصل 1
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
لطلب محل راسيس منه ، قدم ابنها أنظفتر و جعله ولي عهده ، و أخذ في السعاية على إخوته خشية منهما بأنهما يرومان قتل أبيهما فانحرف عنهما . و اتفق أن سار إلى أوغسطس قيصر و معه ابنه إسكندر ، فشكاه عنده و تبرأ الإسكندر و حلف على براءته ، فأصلح بينهما قيصر و رجع إلى القدس . و قسم القدس بين ولده الثلاثة ، و وصاهم و وصى الناس بهم ، و عهد أن لا يخالطوهم خشية مما يحدث عن ذلك ، و أنظفتر مع ذلك متماد على سعايته بهما و قد داخل في ذلك عمه قدودا و عمته سلومنت ، فأغروا أباه بأخويه المذكورين حتى اعتقلهما . وبلغ الخبر أرسلاوش ملك كفتور ، و كانت بنته تحت الاسكندر ، منهما فجاء إلى هيردوس مظهرا السخط على الإسكندر و الانحراف عنه و تحيل في إظهار جراءتهما ، و أطلعه على جلية الحال و سعاية أخيه و أخته ، فانكشف له الأمر و صدقه و غضب على أخيه قدودا ، فجاء إلى أرسلاوش و أحضره عند هيردوس حتى أخبره بمصدوقية الحال ، ثم شفعه فيه و أطلق ولديه و رضي عنهما ، و شكر لأرسلاوش من تلطفه في تلاقي هذا الأمر و انصرف إلى بلده .
و لم ينف ذلك أنظفتر عن تدبيره عليهما ، و ما زال يغري أباه و يدس له من يغريه حتى أسخطه عليهما ثانية و اعتقلهما ، و أمضى بهما في بعض أسفاره مقيدين ، و نكر ذلك بعض أهل الدولة فدس أنظفتر إلى أبيه المنكر علي من المدبرين عليك ، و قد ضمن لحجامك الإسكندر مالا على قتلك . فأنزل هيردوس بهما العقاب ليكتشف الخبر ، و نمي بأن ذلك الرجل معه و لذعه العقاب و أقر على نفسه و قتل هو و أبوه و الحجام ، ثم قتل هيردوس ولديه و صلبهما على مصطبة . و كان لابنه الإسكندر ولدان من بنت أرسلاوش ملك كفتور و هما كوبان و الإسكندر ، و لإبنه أرستبلوس ثلاثة من الولد : أعرباس و هيردوس و أستروبلوس . ثم ندم هيردوس على قتل ولديه ، و عطف على أولادهما فزوج كوبان بن الإسكندر بابنة أخيه قدودا و زوج ابنة ابنه أرستبلوس من ابن ابنه أنظفتر ، و أمر أخاه قدودا و ابنه أنظفتر بكفالتهما و الإحسان إليهم ، فكرها ذلك و اتفقا على فسخه و قتل هيردوس متى أمكن .
و بعث هيردوس ابنه أنظفتر إلى أوغسطس قيصر ، و نما الخبر إليه بأن أخاه قدودا يريد قتله ، فسخطه و أبعده و ألزمه بيته . ثم مرض قدودا و استبد أخاه هيردوس ليعوده فعاده ثم مات ، فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نمي إليه ، فعاقب جواريه ، فأقرت إحداهما بأن أنظفتر و قدودا كانا يجتمعان عند رسيس أم أنظفتر يدبران على قتل هيردوس على يد خازن أنظفتر ، فأقر بمثل ذلك و أنه بعث على السم من مصر و هو عند امرأة قدودا ، فأحضرت فأقرت بأن قدودا أمرها عند موته بإراقته ، و أنها أبقت منه قليلا يشهد لها إن سئلت ، فكتب هيردوس إلى ابنه أنظفتر بالقدوم ، فقدم مستريبا بعد أن أجمع على الهروب ، فمنعه خدم أبيه . و لما حضر جمع له الناس في مشهد و حضر رسول أغسطس و قدم كاتبه نيقالوس . و كان يحب أولاد هيردوس المقتولين و يميل إليهما عن أنظفتر ، فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة و أحضر بقية السم و جرب في بعض الحيوانات فصدق فعله ، فحبس هيردوس ابنه أنظفتر حتى مرض و أشرف على الموت ، و أسف على ما كان منه لأولاده فهم بقتل نفسه ، فمنعه جلساؤه و أهله ، و سمع من القصر البكاء و الصراخ لذلك ، فهم أنظفتر بالخروج من محبسه و منع ، و أخبر هيردوس بذلك و أمر بقتله في الوقت فقتل . ثم هلك بعده لخمسة أيام و لسبعين سنة من عمره و خمس و ثلاثين من ملكه .
و عهد الملك لابنه أركلاوش و خرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس و قرأ عليهم العهد و أراهم خاتم هيردوس عليه ، فبايعوا له و حمل أباه إلى قبره على سرير من الذهب مرصع بالجوهر و الياقوت و عليه ستور الديباج منسوجة بالذهب ، و أجلس مسنداً ظهره إلى الأرائك و الناس أمامه من الأشراف و الرؤساء ، و من خلفه الخدم و الغلمان ، و حواليه الجواري بأنواع الطيب إلى أن اندرج في قبره .
و قدم أركلاوش بملكه و تقرب إلى الناس بإطلاق المسجونين ، فاستقام أمره و انطلقت الألسنة بذم هيردوس و الطعن عليه . ثم انتقضوا على أركلاوش بملكه بما وقع منه من القتل فيهم ، فساروا إلى قيصر شاكين بذلك و عابوه عنده بأنه ولي من غير أمره ، و حضر أركلاوش و كاتبه نيقالوس بخصمهم و دفع دعاويهم ، و أشار عظماء الروم بإبقائه فملكه قيصر و أعاده إلى القدس . و أسار السيرة في اليهود و تزوج امرأة أخيه الإسكندر و كان له أولاد منها فماتت لوقتها . و وصلت شكاية اليهود بذلك كله إلى قيصر فبعث قائداً من الروم إلى المقدس ، فقيد أركلاوش و حمله إلى رومة لسبع سنين من دولته ، و ولى على اليهود بالقدس أخاه أنطيفس ، و كان شراً منه و اغتصب امرأة أخيه فليقوس و له منها ولدان ، و نكر ذلك عليه علماء اليهود و الكنهونية . و كان لذلك العهد يوحنا بن زكريا فقتله في جماعة منهم ، و هذا هو المعروف عند النصارى بالمعمدان الذي عمد عيسى أي طهره بماء المعمودية بزعمهم .و في دولة أنطيفس هذا مات أوغسطس قيصر ، فملك بعده طبريانوس و كان قبيح السيرة ، و بعث قائده بعيلاس بصنم من ذهب على صورته ليسجد له اليهود فامتنعوا ، فقتل منهم جماعة ، فأذنوا بحربه و قاتلوه و هزموه . و بعث طبريانوس العساكر مع قائده إلى القدس فقبض على أنطيفس و حمله مقيداً . ثم عزله طبريانوس إلى الأندلس فمات بها و ملك بعده على اليهود أغرباس ابن أخيه أرستبلوس المقتول ، و هلك في أيامه طبريانوس قيصر و ملك نيروش و كان أشر من جميع من تقدمه و أمر أن يسمى إلاهو ، و بنى المذبح للقربان و قرب و أطاعته الناس إلا اليهود ، و بعثوا إليه في ذلك أفيلو الحكيم في جماعة فشتمهم و حبسهم و سخط اليهود . ثم قبحت أحواله و ساءت أفعاله و ثارت عليه دولته فقتلوه ، و رموا شلوه في
و لم ينف ذلك أنظفتر عن تدبيره عليهما ، و ما زال يغري أباه و يدس له من يغريه حتى أسخطه عليهما ثانية و اعتقلهما ، و أمضى بهما في بعض أسفاره مقيدين ، و نكر ذلك بعض أهل الدولة فدس أنظفتر إلى أبيه المنكر علي من المدبرين عليك ، و قد ضمن لحجامك الإسكندر مالا على قتلك . فأنزل هيردوس بهما العقاب ليكتشف الخبر ، و نمي بأن ذلك الرجل معه و لذعه العقاب و أقر على نفسه و قتل هو و أبوه و الحجام ، ثم قتل هيردوس ولديه و صلبهما على مصطبة . و كان لابنه الإسكندر ولدان من بنت أرسلاوش ملك كفتور و هما كوبان و الإسكندر ، و لإبنه أرستبلوس ثلاثة من الولد : أعرباس و هيردوس و أستروبلوس . ثم ندم هيردوس على قتل ولديه ، و عطف على أولادهما فزوج كوبان بن الإسكندر بابنة أخيه قدودا و زوج ابنة ابنه أرستبلوس من ابن ابنه أنظفتر ، و أمر أخاه قدودا و ابنه أنظفتر بكفالتهما و الإحسان إليهم ، فكرها ذلك و اتفقا على فسخه و قتل هيردوس متى أمكن .
و بعث هيردوس ابنه أنظفتر إلى أوغسطس قيصر ، و نما الخبر إليه بأن أخاه قدودا يريد قتله ، فسخطه و أبعده و ألزمه بيته . ثم مرض قدودا و استبد أخاه هيردوس ليعوده فعاده ثم مات ، فحزن عليه ثم حزن باستكشاف ما نمي إليه ، فعاقب جواريه ، فأقرت إحداهما بأن أنظفتر و قدودا كانا يجتمعان عند رسيس أم أنظفتر يدبران على قتل هيردوس على يد خازن أنظفتر ، فأقر بمثل ذلك و أنه بعث على السم من مصر و هو عند امرأة قدودا ، فأحضرت فأقرت بأن قدودا أمرها عند موته بإراقته ، و أنها أبقت منه قليلا يشهد لها إن سئلت ، فكتب هيردوس إلى ابنه أنظفتر بالقدوم ، فقدم مستريبا بعد أن أجمع على الهروب ، فمنعه خدم أبيه . و لما حضر جمع له الناس في مشهد و حضر رسول أغسطس و قدم كاتبه نيقالوس . و كان يحب أولاد هيردوس المقتولين و يميل إليهما عن أنظفتر ، فدفع يخاصمه حتى قامت عليه الحجة و أحضر بقية السم و جرب في بعض الحيوانات فصدق فعله ، فحبس هيردوس ابنه أنظفتر حتى مرض و أشرف على الموت ، و أسف على ما كان منه لأولاده فهم بقتل نفسه ، فمنعه جلساؤه و أهله ، و سمع من القصر البكاء و الصراخ لذلك ، فهم أنظفتر بالخروج من محبسه و منع ، و أخبر هيردوس بذلك و أمر بقتله في الوقت فقتل . ثم هلك بعده لخمسة أيام و لسبعين سنة من عمره و خمس و ثلاثين من ملكه .
و عهد الملك لابنه أركلاوش و خرج كاتبه نيقالوس فجمع الناس و قرأ عليهم العهد و أراهم خاتم هيردوس عليه ، فبايعوا له و حمل أباه إلى قبره على سرير من الذهب مرصع بالجوهر و الياقوت و عليه ستور الديباج منسوجة بالذهب ، و أجلس مسنداً ظهره إلى الأرائك و الناس أمامه من الأشراف و الرؤساء ، و من خلفه الخدم و الغلمان ، و حواليه الجواري بأنواع الطيب إلى أن اندرج في قبره .
و قدم أركلاوش بملكه و تقرب إلى الناس بإطلاق المسجونين ، فاستقام أمره و انطلقت الألسنة بذم هيردوس و الطعن عليه . ثم انتقضوا على أركلاوش بملكه بما وقع منه من القتل فيهم ، فساروا إلى قيصر شاكين بذلك و عابوه عنده بأنه ولي من غير أمره ، و حضر أركلاوش و كاتبه نيقالوس بخصمهم و دفع دعاويهم ، و أشار عظماء الروم بإبقائه فملكه قيصر و أعاده إلى القدس . و أسار السيرة في اليهود و تزوج امرأة أخيه الإسكندر و كان له أولاد منها فماتت لوقتها . و وصلت شكاية اليهود بذلك كله إلى قيصر فبعث قائداً من الروم إلى المقدس ، فقيد أركلاوش و حمله إلى رومة لسبع سنين من دولته ، و ولى على اليهود بالقدس أخاه أنطيفس ، و كان شراً منه و اغتصب امرأة أخيه فليقوس و له منها ولدان ، و نكر ذلك عليه علماء اليهود و الكنهونية . و كان لذلك العهد يوحنا بن زكريا فقتله في جماعة منهم ، و هذا هو المعروف عند النصارى بالمعمدان الذي عمد عيسى أي طهره بماء المعمودية بزعمهم .و في دولة أنطيفس هذا مات أوغسطس قيصر ، فملك بعده طبريانوس و كان قبيح السيرة ، و بعث قائده بعيلاس بصنم من ذهب على صورته ليسجد له اليهود فامتنعوا ، فقتل منهم جماعة ، فأذنوا بحربه و قاتلوه و هزموه . و بعث طبريانوس العساكر مع قائده إلى القدس فقبض على أنطيفس و حمله مقيداً . ثم عزله طبريانوس إلى الأندلس فمات بها و ملك بعده على اليهود أغرباس ابن أخيه أرستبلوس المقتول ، و هلك في أيامه طبريانوس قيصر و ملك نيروش و كان أشر من جميع من تقدمه و أمر أن يسمى إلاهو ، و بنى المذبح للقربان و قرب و أطاعته الناس إلا اليهود ، و بعثوا إليه في ذلك أفيلو الحكيم في جماعة فشتمهم و حبسهم و سخط اليهود . ثم قبحت أحواله و ساءت أفعاله و ثارت عليه دولته فقتلوه ، و رموا شلوه في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
الطريق فأكلته الكلاب . ثم ملك بعده قلديوش قيصر و أطلق أفيلو و الذين معه إلى بيت المقدس ، و هدم المذابح التي كان نيروش بناها .
و كان أغرباس حسن السيرة معظماً عند القياصرة و هلك لثلاث و عشرين سنة من دولته . و ملك بعده ابنه أغرباس بأمر اليهود و ملك عشرين سنة ، و كثرت الحروب و الفتن في أيامه في بلاد اليهود و الأرمن ، و ظهرت الخوارج و المتغلبون ، و انقطعت السبل و كثر الهرج داخل المدينة في القدس . و كان الناس يقتل بعضهم بعضاً في الطرقات يحملون سكاكين صغار محدين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك ، و خرج كثير من الناس عن المدينة فراراً من القتل . و هلك ولد طبريانوس قيصر و نيروش من بعده ، و ملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأن هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمون على الروم ، فبعث إليهم من قتلهم و أسرهم .
و اشتد البلاء على اليهود و طالت الفتن فيهم ، و كان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عناني ، و كان له ابن اسمه العازار و كان ممن خرج من القدس و كان فاتكاً مصعلكاً ، و انضم إليه جماعة من الأشرار ، و أقاموا يغيرون على بلاد اليهود و الأرمن و ينهبون و يقتلون ، و شكتهم الأرمن إلى فيلقوس قيصر ، فبعث من قيده و حمله و أصحابه إلى رومة ، فلم يرجع إلى القدس إلا بعد حين .
و اشتد قائد الروم ببيت المقدس على اليهود و كثر ظلمه فيهم ، فأخرجوه عنهم بعد أن قتلوا جماعة من أصحابه ، و لحق بمصر فلقي هنالك أغرباس ملك اليهود راجعاً من رومية و معه قائدان من الروم ، فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود ، و مضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فيلقوس و أنهم عازمون على الخلاف ، و تلطف لهم في الإمساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر و يعتذر منه ، فامتنع العازار بن عناني و أبى إلا المخالفة ، و أخرج القربان الذي كان بعثه معه نيروش قيصر من البيت ، ثم عمد إلى الروم الذين جاءوا مع أغرباس فقتلهم حيث وجدوا ، و قتل القائدين . و نكر ذلك أشياخ اليهود و اجتمعوا لحرب العازار و بعثوا إلى أغرباس ، و كان خارج القدس ، فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل ، فكانت الحرب بينهم و بين العازار سجالا ، ثم هزمهم و أخرجهم من المدينة ، و عاث في البلد و خرب قصور الملك و نهبها و أموالها و ذخائرها ، و بقي أغرباس و الكهنونة و العلماء و الشيوخ خارج المقدس . و بلغهم أن الأرمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق و نواحيها و بقيسارية ، فساروا إلى بلادهم و قتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الأرمن . ثم سار أغرباس إلى قيرش قيصر و خبره الخبر فامتعض لذلك ، و بعث إلى كسنينا و قائده على الأرمن ، و قد كان مضى إلى حرب الفرس فدوخها و قهرهم ، و عاد إلى بلاد الأرمن فنزل دمشق فجاء عهد قيصر بالمسير مع أغرباس ملك اليهود إلى القدس ، فجمع العساكر و سار و خرب كل ما مر عليه . و لقيه العازار الثائر بالقدس فانهزم و رجع ، و نزل كسنينا و قائد الروم فأثخن فيهم ، و ارتحل كسنينا إلى قيسارية ، و خرج اليهود في أتباعهم فهزموهم ، و لحق كسنينا و أغرباس بقيصر قيرش ، فوافقوا وصول قائده الأعظم اسبنانوس عن بلاد الغرب ، و قد فتح الأندلس و دوخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود و أمره أن يستأصلهم و يهدم حصونهم . فسار و معه ابنه طيطوش و أغرباس ملك اليهود ، و انتهوا إلى أنطاكية ، و تأهب اليهود لحربهم ، و انقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحي مع كل فرقة كهنون ، فكان عناني الكهنون الأعظم في دمشق و نواحيها ، و كان ابنه العازر كهنون بلاد أروم و ما يليها إلى أيلة ، و كان يوسف بن كريون كهنون طبرية و جبل الخليل و ما يتصل به ، و جعلوا فيما بقي من البلاد من الأغوار إلى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونية . و عمر كل منهم أسوار حصونه و رتب مقاتلته .
و سار اسبنانوس بالعساكر من أنطاكية فتوسط في بلاد الأرمن و أقام ، و خرج يوسف بن كريون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الأغرباس ففتحه و استولى عليه ، و بعث أهل طبرية من ورائه إلى الروم فاستأمنوا إليهم ، فزحف يوسف مبادراً و قتل من وجد فيها من الروم ، و قبل معذرة أهل طبرية . و بلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم و فعل فيهم فعله في طبرية . فزحف إليه اسبنانوس من عكا في أربعين ألف مقاتل من الروم و معه أغرباس ملك اليهود و سارت معهم الأمم من الأرمن و غيرهم ، إلا أروم فإنهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس . و نزل أسبنانوس بعساكره على يوسف بن كريون و من معه بطبرية فدعاهم إلى الصلح ، فسألوا الإمهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس ، ثم امتنعوا و قاتلهم أسبنانوس بظاهر الحصن ، فاستلحمهم حتى قل عددهم ، و أغلقوا الحصن فقطع عنهم الماء خمسين ليلة ، ثم بيتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموهم ، و أفلت يوسف بن كريون و من معه من الفل فامتنعوا ببطن الأعراب ، و أعطاهم أسبنانوس الأمان ، فمال إليه يوسف و أبى القوم إلا أن يقتلوا أنفسهم و هموا بقتله ، فوافقهم على رأيهم إلى أن قتل بعضهم بعضاً و لم يبق من يخشاه ، فخرج إلى أسبنانوس مطارحاً عليه ، و حرضه اليهود على قتله فأبى و اعتقله و خرب أعمال طبرية و قتل أهلها و رجع إلى قيسارية .قال ابن كريون : و في خلال ذلك حدثت الفتنة في القدس بين اليهود داخل المدينة ، و ذلك أنه كان في جبل الخليل بمدينة كوشالة يهودي إسمه يوحنان ، و كان مرتكباً للعظائم و اجتمع إليه أشرار منهم فقوي بهم على قطع السابلة و النهب و القتل ، فلما استولى الروم على كوشالة لحق بالقدس و تألف عليه أشرار اليهود من فل البلاد التي أخذها الروم ، فتحكم على أهل المقدس و أخذ الأموال و زاحم عناني الكهنون الأعظم ، ثم عزله و استبدل به رجلا من غواتهم و حمل الشيوخ على طاعته ، فامتنعوا فتغلب عليهم فقتلهم . فاجتمع اليهود إلى عناني
و كان أغرباس حسن السيرة معظماً عند القياصرة و هلك لثلاث و عشرين سنة من دولته . و ملك بعده ابنه أغرباس بأمر اليهود و ملك عشرين سنة ، و كثرت الحروب و الفتن في أيامه في بلاد اليهود و الأرمن ، و ظهرت الخوارج و المتغلبون ، و انقطعت السبل و كثر الهرج داخل المدينة في القدس . و كان الناس يقتل بعضهم بعضاً في الطرقات يحملون سكاكين صغار محدين لها فإذا ازدحم مع صاحبه في الطريق طعنه فأهواه حتى صاروا يلبسون الدروع لذلك ، و خرج كثير من الناس عن المدينة فراراً من القتل . و هلك ولد طبريانوس قيصر و نيروش من بعده ، و ملك على الروم فيلقوس قيصر فسعى بعض الشرار عنده بأن هؤلاء الذين خرجوا من القدس يذمون على الروم ، فبعث إليهم من قتلهم و أسرهم .
و اشتد البلاء على اليهود و طالت الفتن فيهم ، و كان الكهنون الكبير فيهم لذلك العهد عناني ، و كان له ابن اسمه العازار و كان ممن خرج من القدس و كان فاتكاً مصعلكاً ، و انضم إليه جماعة من الأشرار ، و أقاموا يغيرون على بلاد اليهود و الأرمن و ينهبون و يقتلون ، و شكتهم الأرمن إلى فيلقوس قيصر ، فبعث من قيده و حمله و أصحابه إلى رومة ، فلم يرجع إلى القدس إلا بعد حين .
و اشتد قائد الروم ببيت المقدس على اليهود و كثر ظلمه فيهم ، فأخرجوه عنهم بعد أن قتلوا جماعة من أصحابه ، و لحق بمصر فلقي هنالك أغرباس ملك اليهود راجعاً من رومية و معه قائدان من الروم ، فشكى إليه فيلقوس بما وقع من اليهود ، و مضى إلى بيت المقدس فشكى إليه اليهود بما فعل فيلقوس و أنهم عازمون على الخلاف ، و تلطف لهم في الإمساك عن ذلك حتى تبلغ شكيتهم إلى قيصر و يعتذر منه ، فامتنع العازار بن عناني و أبى إلا المخالفة ، و أخرج القربان الذي كان بعثه معه نيروش قيصر من البيت ، ثم عمد إلى الروم الذين جاءوا مع أغرباس فقتلهم حيث وجدوا ، و قتل القائدين . و نكر ذلك أشياخ اليهود و اجتمعوا لحرب العازار و بعثوا إلى أغرباس ، و كان خارج القدس ، فبعث إليهم بثلاثة آلاف مقاتل ، فكانت الحرب بينهم و بين العازار سجالا ، ثم هزمهم و أخرجهم من المدينة ، و عاث في البلد و خرب قصور الملك و نهبها و أموالها و ذخائرها ، و بقي أغرباس و الكهنونة و العلماء و الشيوخ خارج المقدس . و بلغهم أن الأرمن قتلوا من وجدوه من اليهود بدمشق و نواحيها و بقيسارية ، فساروا إلى بلادهم و قتلوا من وجدوه بنواحي دمشق من الأرمن . ثم سار أغرباس إلى قيرش قيصر و خبره الخبر فامتعض لذلك ، و بعث إلى كسنينا و قائده على الأرمن ، و قد كان مضى إلى حرب الفرس فدوخها و قهرهم ، و عاد إلى بلاد الأرمن فنزل دمشق فجاء عهد قيصر بالمسير مع أغرباس ملك اليهود إلى القدس ، فجمع العساكر و سار و خرب كل ما مر عليه . و لقيه العازار الثائر بالقدس فانهزم و رجع ، و نزل كسنينا و قائد الروم فأثخن فيهم ، و ارتحل كسنينا إلى قيسارية ، و خرج اليهود في أتباعهم فهزموهم ، و لحق كسنينا و أغرباس بقيصر قيرش ، فوافقوا وصول قائده الأعظم اسبنانوس عن بلاد الغرب ، و قد فتح الأندلس و دوخ أقطارها فعهد إليه قيرش قيصر بالمسير إلى بلاد اليهود و أمره أن يستأصلهم و يهدم حصونهم . فسار و معه ابنه طيطوش و أغرباس ملك اليهود ، و انتهوا إلى أنطاكية ، و تأهب اليهود لحربهم ، و انقسموا ثلاث فرق في ثلاث نواحي مع كل فرقة كهنون ، فكان عناني الكهنون الأعظم في دمشق و نواحيها ، و كان ابنه العازر كهنون بلاد أروم و ما يليها إلى أيلة ، و كان يوسف بن كريون كهنون طبرية و جبل الخليل و ما يتصل به ، و جعلوا فيما بقي من البلاد من الأغوار إلى حدود مصر من يحفظها من بقية الكهنونية . و عمر كل منهم أسوار حصونه و رتب مقاتلته .
و سار اسبنانوس بالعساكر من أنطاكية فتوسط في بلاد الأرمن و أقام ، و خرج يوسف بن كريون من طبرية فحاصر بعض الحصون بناحية الأغرباس ففتحه و استولى عليه ، و بعث أهل طبرية من ورائه إلى الروم فاستأمنوا إليهم ، فزحف يوسف مبادراً و قتل من وجد فيها من الروم ، و قبل معذرة أهل طبرية . و بلغه مثل ذلك عن جبل الخليل فسار إليهم و فعل فيهم فعله في طبرية . فزحف إليه اسبنانوس من عكا في أربعين ألف مقاتل من الروم و معه أغرباس ملك اليهود و سارت معهم الأمم من الأرمن و غيرهم ، إلا أروم فإنهم كانوا حلفاء لليهود منذ أيام هرقانوس . و نزل أسبنانوس بعساكره على يوسف بن كريون و من معه بطبرية فدعاهم إلى الصلح ، فسألوا الإمهال إلى مشاورة الجماعة بالقدس ، ثم امتنعوا و قاتلهم أسبنانوس بظاهر الحصن ، فاستلحمهم حتى قل عددهم ، و أغلقوا الحصن فقطع عنهم الماء خمسين ليلة ، ثم بيتهم الروم فاقتحموا عليهم الحصن فاستلحموهم ، و أفلت يوسف بن كريون و من معه من الفل فامتنعوا ببطن الأعراب ، و أعطاهم أسبنانوس الأمان ، فمال إليه يوسف و أبى القوم إلا أن يقتلوا أنفسهم و هموا بقتله ، فوافقهم على رأيهم إلى أن قتل بعضهم بعضاً و لم يبق من يخشاه ، فخرج إلى أسبنانوس مطارحاً عليه ، و حرضه اليهود على قتله فأبى و اعتقله و خرب أعمال طبرية و قتل أهلها و رجع إلى قيسارية .قال ابن كريون : و في خلال ذلك حدثت الفتنة في القدس بين اليهود داخل المدينة ، و ذلك أنه كان في جبل الخليل بمدينة كوشالة يهودي إسمه يوحنان ، و كان مرتكباً للعظائم و اجتمع إليه أشرار منهم فقوي بهم على قطع السابلة و النهب و القتل ، فلما استولى الروم على كوشالة لحق بالقدس و تألف عليه أشرار اليهود من فل البلاد التي أخذها الروم ، فتحكم على أهل المقدس و أخذ الأموال و زاحم عناني الكهنون الأعظم ، ثم عزله و استبدل به رجلا من غواتهم و حمل الشيوخ على طاعته ، فامتنعوا فتغلب عليهم فقتلهم . فاجتمع اليهود إلى عناني
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
الكهنون و حاربهم يوحنان و تحصنوا إلى القدس ، و راسله عناني في الصلح فأبى ، و بعث إلى أروم يشتجيشهم فبعثوا إليه بعشرين ألفاً منهم ، فأغلق عناني أبواب المدينة دونهم ، و حاط بهم من الأسوار ، ثم استغفلوه و كبسوا المدينة ، و اجتمع معهم يوحنان فقتلوا من وجوه اليهود نحوا من خمسة آلاف و صادروا أهل النعم على أموالهم ، و بعثوا يوحنان إلى المدن الذين استأمنوا إلى الروم فغنم أموالهم و قتل من وجد منهم . و بعث أهل القدس في استدعاء أسبنانوس و عساكره فزحف من قيسارية حتى إذا توسط الطريق خرج يوحنان من القدس و امتنع ببعض الشعاب ، فمال إليه أسبنانوس العسكر و ظفر بالكثير منهم فقتلوهم . ثم سار إلى بلاد أروم ففتحها ، و سبسطية بلاد السامرة ففتحها أيضاً ، و عمر جميع ما فتح من البلاد ، و رجع إلى قيسارية ليزيح علله و يسير إلى القدس . و رجع يوحنان أثناء ذلك من الشعاب ، فغلب على المدينة ، و عاث فيهم بالقتل ، و تحكم في أموالهم ، و أفسد حريمهم .
قال ابن كريون : و قد كان ثار بالمدينة في مغيب يوحنان ثائراً آخر اسمه شمعون ، و اجتمع إليه اللصوص و الشرار حتى كثر جمعه و بلغوا نحوا من عشرين ألفاً ، و بعث إليه أهل أروم عسكراً فهزمهم و استولى على الضياع و نهب الغلال ، و بعث إلى امرأته من المدينة فردها يوحنان من طريقها و قطع من وجد معها ، ثم أسعفوه بامرأته و سار إلى أروم فحاربهم و هزمهم ، و عاد إلى القدس فحاصرها و عظم الضرر على أهلها شمعون خارج المدينة و يوحنان داخلها ، و لجأوا إلى الهيكل و حاربوا يوحنان فغلبهم و قتل منهم خلقاً ، فاستدعوا شمعون لينصرهم من يوحنان فدخل و نقض العهد و فعل أشر من يوحنان .
قال ابن كريون : ثم ورد الخبر إلى أسبنانوس و هو بمكانه من قيسارية بموت قيروش قيصر و أن الروم ملكوا عليهم مضعفاً اسمه نطاوس فغضب البطارقة الذين مع أسبنانوس و ملكوه ، و سار إلى رومة و خلف نصف العسكر مع ابنه طيطش ، و قدم بين يديه قائدين إلى رومة لمحاربة نطاوس الذي ملكه الروم فهزم و قتل ، و سار أسبنانوس إلى إسكندرية و ركب البحر منها ، و رجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء و يزيح العلل .
و عظمت الفتن و الحروب بين اليهود داخل القدس و كثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات ، و قتل الكهنونية على المذبح و هم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدماء ، و تعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي و مواقد النيران بالليل ، و كان يوحنان أخبث القوم و أشرهم .
و لما انسلخ الشتاء زحف طيطس في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس و ركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره و يدعوهم إلى السلم ، فصموا عنه و أكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه ، و خلص منهم بشدته ، فعبى عسكره من الغد و نزل بجبل الزيتون شرقي المدينة و رتب العساكر و الآلات للحصار . و اتفق اليهود داخل المدينة و رفعوا الحرب بينهم ، و برزوا إلى الروم فانهزموا ، ثم عاودوا فظهروا ، ثم انتفضوا بينهم و تحاربوا و دخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة و قتل جماعة أخرى خارج المسجد . و زحف طيطش و برزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره ، و بعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله ، فغضب طيطش و صنع كبشا و أبراجاً من الحديد توازي السور و شحنها بالمقاتلة ، فأحرق اليهود تلك الآلات و دفنوها و عادوا إلى الحرب بينهم .
و كان يوحنان قد ملك القدس و معه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ، و مع شمعون عشرة آلاف من اليهود و خمسة آلاف من أروم ، و بقية اليهود بالمدينة مع العازر و أعاط طيطش الزحف بالآلات و ثلم السور الأول و ملكه إلى الثاني ، فاصطلح اليهود بينهم و تذامروا و اشتد الحرب ، و باشرها طيطش بنفسه ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه ، و تذامر اليهود فمنعوهم عنه و مكثوا كذلك أربعة أيام .
و جاء المدد من الجهات إلى طيطش و لاذ اليهود بالأسوار و أغلقوا الأبواب ، و رفع طيطش الحرب و دعاهم إلى المسألة ، فامتنعوا . فجاء بنفسه في اليوم الخامس و خاطبهم و دعاهم و جاء معه يوسف بن كريون فوعظهم و رغبهم في أمنة الروم و وعدهم ، و أطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسألة ، و منعهم هؤلاء لرؤساء الخوارج ، و قتلوا من يروم الخروج إلى الروم ، و لم يبق من المدينة ما يعصمهم إلا السور الثالث .
و طال الحصار و اشتد الجوع عليهم و القتل ، و من وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم و صلبوه ، حتى رحمهم طيطش و رفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب . ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربه جهاته و نصب الآلات ، و صبر اليهود على الحرب و تذامر اليهود و صعب الحرب و بلغ الجوع في الشدة غايته ، و استأمن متاي الكوهن إلى الروم و هو الذي خرج في استدعاه شمعون ، فقتله شمعون و قتل بنيه و قتل جماعة من الكهنونية و العلماء و الأئمة ممن حذر منه أن يستأمن . و نكر ذلك العازر بن عناني و لم يقدر على أكثر من الخروج من بيت المقدس . و عظمت المجاعة فمات أكثر اليهود ، و أكلوا الجلود و الخشاش و الميتة ، ثم أكل بعضهم بعضا ، و عثر على امرأة تأكل ابنها ، فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة ، و أذنوا في الناس بالخروج ، فخرجت منهم أمم و هلك أكثرهم حين أكلوا الطعام ، و ابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به ، و شعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم و يشقون عنها بطونهم ، و شاع ذلك في توابع العسكر من العرب و الأرمن فطردهم طيطش .و طمع الروم في فتح المدينة و زحفوا إلى سورها الثالث بالآلات و لم يكن لليهود طاقة بدفعها و إحراقها فثلمو السور ، و بنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة ، و صدمها الروم
قال ابن كريون : و قد كان ثار بالمدينة في مغيب يوحنان ثائراً آخر اسمه شمعون ، و اجتمع إليه اللصوص و الشرار حتى كثر جمعه و بلغوا نحوا من عشرين ألفاً ، و بعث إليه أهل أروم عسكراً فهزمهم و استولى على الضياع و نهب الغلال ، و بعث إلى امرأته من المدينة فردها يوحنان من طريقها و قطع من وجد معها ، ثم أسعفوه بامرأته و سار إلى أروم فحاربهم و هزمهم ، و عاد إلى القدس فحاصرها و عظم الضرر على أهلها شمعون خارج المدينة و يوحنان داخلها ، و لجأوا إلى الهيكل و حاربوا يوحنان فغلبهم و قتل منهم خلقاً ، فاستدعوا شمعون لينصرهم من يوحنان فدخل و نقض العهد و فعل أشر من يوحنان .
قال ابن كريون : ثم ورد الخبر إلى أسبنانوس و هو بمكانه من قيسارية بموت قيروش قيصر و أن الروم ملكوا عليهم مضعفاً اسمه نطاوس فغضب البطارقة الذين مع أسبنانوس و ملكوه ، و سار إلى رومة و خلف نصف العسكر مع ابنه طيطش ، و قدم بين يديه قائدين إلى رومة لمحاربة نطاوس الذي ملكه الروم فهزم و قتل ، و سار أسبنانوس إلى إسكندرية و ركب البحر منها ، و رجع طيطش إلى قيسارية إلى أن ينسلخ فصل الشتاء و يزيح العلل .
و عظمت الفتن و الحروب بين اليهود داخل القدس و كثر القتل حتى سالت الدماء في الطرقات ، و قتل الكهنونية على المذبح و هم لا يقربون الصلاة في المسجد لكثرة الدماء ، و تعذر المشي في الطرقات من سقوط حجارة الرمي و مواقد النيران بالليل ، و كان يوحنان أخبث القوم و أشرهم .
و لما انسلخ الشتاء زحف طيطس في عساكر الروم إلى أن نزل على القدس و ركب إلى باب البلد يتخير المكان لمعسكره و يدعوهم إلى السلم ، فصموا عنه و أكمنوا له بعض الخوارج في الطريق فقاتلوه ، و خلص منهم بشدته ، فعبى عسكره من الغد و نزل بجبل الزيتون شرقي المدينة و رتب العساكر و الآلات للحصار . و اتفق اليهود داخل المدينة و رفعوا الحرب بينهم ، و برزوا إلى الروم فانهزموا ، ثم عاودوا فظهروا ، ثم انتفضوا بينهم و تحاربوا و دخل يوحنان إلى القدس يوم الفطر فقتل جماعة من الكهنونة و قتل جماعة أخرى خارج المسجد . و زحف طيطش و برزوا إليه فردوه إلى قرب معسكره ، و بعث إليهم قائده نيقانور في الصلح فأصابه سهم فقتله ، فغضب طيطش و صنع كبشا و أبراجاً من الحديد توازي السور و شحنها بالمقاتلة ، فأحرق اليهود تلك الآلات و دفنوها و عادوا إلى الحرب بينهم .
و كان يوحنان قد ملك القدس و معه ستة آلاف أو يزيدون من المقاتلة ، و مع شمعون عشرة آلاف من اليهود و خمسة آلاف من أروم ، و بقية اليهود بالمدينة مع العازر و أعاط طيطش الزحف بالآلات و ثلم السور الأول و ملكه إلى الثاني ، فاصطلح اليهود بينهم و تذامروا و اشتد الحرب ، و باشرها طيطش بنفسه ثم زحف بالآلات إلى السور الثاني فثلمه ، و تذامر اليهود فمنعوهم عنه و مكثوا كذلك أربعة أيام .
و جاء المدد من الجهات إلى طيطش و لاذ اليهود بالأسوار و أغلقوا الأبواب ، و رفع طيطش الحرب و دعاهم إلى المسألة ، فامتنعوا . فجاء بنفسه في اليوم الخامس و خاطبهم و دعاهم و جاء معه يوسف بن كريون فوعظهم و رغبهم في أمنة الروم و وعدهم ، و أطلق طيطش أسراهم فجنح الكثير من اليهود إلى المسألة ، و منعهم هؤلاء لرؤساء الخوارج ، و قتلوا من يروم الخروج إلى الروم ، و لم يبق من المدينة ما يعصمهم إلا السور الثالث .
و طال الحصار و اشتد الجوع عليهم و القتل ، و من وجد خارج المدينة لرعي العشب قتله الروم و صلبوه ، حتى رحمهم طيطش و رفع القتل عمن يخرج في ابتغاء العشب . ثم زحف طيطش إلى السور الثالث من أربه جهاته و نصب الآلات ، و صبر اليهود على الحرب و تذامر اليهود و صعب الحرب و بلغ الجوع في الشدة غايته ، و استأمن متاي الكوهن إلى الروم و هو الذي خرج في استدعاه شمعون ، فقتله شمعون و قتل بنيه و قتل جماعة من الكهنونية و العلماء و الأئمة ممن حذر منه أن يستأمن . و نكر ذلك العازر بن عناني و لم يقدر على أكثر من الخروج من بيت المقدس . و عظمت المجاعة فمات أكثر اليهود ، و أكلوا الجلود و الخشاش و الميتة ، ثم أكل بعضهم بعضا ، و عثر على امرأة تأكل ابنها ، فأصابت رؤساؤهم لذلك رحمة ، و أذنوا في الناس بالخروج ، فخرجت منهم أمم و هلك أكثرهم حين أكلوا الطعام ، و ابتلع بعضهم في خروجه ما كان له من ذهب أو جوهر ضنة به ، و شعر بهم الروم فكانوا يقتلونهم و يشقون عنها بطونهم ، و شاع ذلك في توابع العسكر من العرب و الأرمن فطردهم طيطش .و طمع الروم في فتح المدينة و زحفوا إلى سورها الثالث بالآلات و لم يكن لليهود طاقة بدفعها و إحراقها فثلمو السور ، و بنى اليهود خلف الثلمة فأصبحت منسدة ، و صدمها الروم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
بالكبش فسقطت من الحدة ، و استماتوا في تلك الحال إلى الليل . ثم بيت الروم المدينة و ملكوا الأسوار عليهم و قاتلهم من الغد فانهزموا إلى المسجد ، و قاتلوا في الحصن ، و هدم طيطش البناء ما بين الأسوار إلى المسجد ليتسع المجال . و وقف ابن كريون يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا ، و خرج جماعة من الكهنونية فأمنهم و منع الرؤساء بقيتهم ، ثم باكرهم طيطش بالتال من الغد فانهزموا الأقداس و ملك الروم المسجد و صحته .
و اتصلت الحرب أياما و هدمت الأسوار كلها و ثلم سور الهيكل ، و أحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم و فر كثير . ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه و نصب الأصنام في الهيكل و منع من تخريبه . و نكر رؤساء الروم ذلك و دسوا من أضرم النار في أبوابه و سقفه ، و ألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم و حزنوا ، و اختفى شمعون و يوحنان في جبل صهيون ، و بعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا و طرقوا القدس في بعض الليالي ، فقتلوا قائدا من قواد العسكر و رجعوا إلى مكان اختفائهم . ثم هرب عنهم أتباعهم و جاء يوحنان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده ، و خرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان و مائدتان ، ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل ، فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير و دراهم و طيباً فامتلأت يده منها ، و رحل عن بيت المقدس بالغنائم و الأموال و الأسرى ، و أحصى الموتى في هذه الوقعة . قال ابن كريون : فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن بأخبار مناحيم الموكل به مائة و خمسة و عشرون ألفاً و ثمانمائة . و قال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقي في الآبار ، أو طرح إلى خارج الحصن و قتل في الطرقات و لم يدفن . و قال غيره كان الذي أحصي من الموتى و القتلى ألف ألف و مائة ألف و السبي و الأسارى مائة ألف ، كان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا . و كان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة
.
و أما الفرار بن عثمان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون أمتاي الكوهن كما ذكرنا ، فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى و حصنها و اجتمع إليه فل اليهود ، و اتصل الخبر بطيطش و هو في أنطاكية ، فبعث إليه عسكرا من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياما ، ثم نهض الكهنونة و أولادهم و خرجوا إلى الروم مستميتين ، فقاتلوا إلى أن قتلوا عن آخرهم . و أما يوسف بن كريون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع و لم يقف لهم بعدها على خبر و أراده طيطش على السكنى عنده برومة ، فتضرع إليه في البقاء بأرض القدس ، فأجابه إلى ذلك و تركه . و انقرضت دولة اليهود أجمع ، و البقاء لله وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه . .
الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته و بعثته و رفعه من الأرض و الإلمام بشأن الحواريين بعده و كتبهم الأناجيل الأربعة و ديانة النصارى بملته و اجتماع الأقسة على تدوين شريعته
كان بنو ماثان من ولد داود صلوات الله عليه كهنونية بيت المقدس ، و هو ماثان بن ألعازر بن أليهود بن أخس بن رادوق بن عازور بن ألياقيم بن أيود بن زور قابل بن سالات بن يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني إسرائيل بن أمون بن عمون ابن منشا بن حزقيا بن أحاز بن يواش بن أحزيا بن يورام بن يهوشافاظ بن أسا بن رحبعم بن سليمان ابن داود صلوات الله عليهما . و يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني سليمان ولد في جلاء بابل و هذا النسب نقلته من إنجيل متى . و كانت الكهنونية العظمى من بعد بني حشمناي لهم ، و كان كبيرهم قبل عصر هيردوس عمران أبو مريم ، و نسبه ابن إسحق إلى أمون بن منشا الخامس عشر من ملوك بيت المقدس من لدن سليمان أبيهم ، و قال فيه عمران بن ياشم بن أمون . و هذا بعيد لأن الزمان بين عمون و عمران أبعد من أن يكون بينهما أب واحد ، فإن أمون كان قبيل الخراب الأول و عمران كان في دولة هيردوس قبيل الخراب الثاني ، و بينهما قريب من أربعمائة سنة . و نقل ابن عساكر ، و الظن أن ينقل عن مستند ، أنه من ولد زريافيل الذي ولي على بني إسرائيل عند رجوعهم إلى بيت المقدس ، وهو ابن يخنيا آخر ملوكهم الذي حبسه بختنصر وولى عمه صدقيا هو بعده كما مر . و قال فيه : عمران بن ماثان بن فلان بن فلان إلى زريافيل ، و عد نحواً من ثمانية آباء بأسماء عبرانية لا وثوق بضبطها ، و هو أقرب من الأول و فيه ذكر ماثان الذي هو شهرتهم ، و لم يذكره ابن اسحق .
و كان عمران أبو مريم كهنوناً في عصره ، و كانت تحته حنة بنت فاقود بن فيل و كانت من العابدات ، و كانت أختها إيشاع و يقال خالتها تحت زكريا بن يوحنا ، و نسبه ابن عساكر إلى يهوشافاظ خامس ملوك القدس من عهد سليمان أبيهم و عد ما بينه و بين يهوشافاظ اثني عشر أبا أولهم يوحنا بأسماء عبرانية ، كما فعل في نسب عمران ، ثم قال و هو أبو يحيى صلوات الله عليهما ، و يقال بالمد و القصر من غير ألف ، و كان نبياً من بني إسرائيل صلوات الله عليهم . و نقلت من كتاب يعقوب بن يوسف النجار مثان يعني ماثان من سبط داود ، و كان له ولدان يعقوب و يؤاقيم ، و مات فتزوج أمهما بعده مطنان ، و مطنان بن لاوي من سبط سليمان بن داود و سمي ماثان فولدت هالي من مطنان . ثم تزوج و مات و لم يعقب فتزوج امرأته أخوه لأمه يعقوب بن ماثان فولدت منه يوسف خطيب مريم و نسب إلى هالي ، لأن من أحكام التوراة إن مات من غير عقب فامرأته لأخيه و أول ولد منها ينسب إلى الأول ، فلهذا قيل فيه يوسف بن هالي بن مطنان ، و إنما هو يوسف بن يعقوب بن ماثان و هو ابن عم مريم لحا .
و كان ليوسف من البنين خمسة بنين و بنت و هم يعقوب و يوشا و بيلوت و شمعون و يهوذا وأختهم مريم ، كانوا يسكنون بيت لحم . فارتحل بأهله و نزل ناصرة و سكن بها و تعلم النجارة حتى صار يلقب بالنجار . و تزوج يؤاقيم حنة أخت إيشاع العاقر امرأة زكريا بن يوحنا المعمدان ، و أقامت ثلاثين سنة لا يولد لها ، فدعوا الله و ولد لها مريم فهي بنت يؤاقيم موثان و هو مثان . و ولدت إيشاع العاقر من زكريا ابنه يحيى . قلت في التنزيل مريم ابنة عمران فليعلم أن معنى عمران بالعبرانية يؤاقيم و كان له اسمان .
و عن الطبري و كانت حنة أم مريم لا تحبل ، فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها حبيساً ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في نذر مثله ، فلما حملت و وضعتها لفتها في خرقتها و جاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عباده و هي ابنة أمامهم و كهنونهم ، فتنازعوا في كفالتها ، و أراد زكريا أن يستبد بها لأن زوجه إيشاع خالتها ، و نازعوه في ذلك لمكان أبيها من إمامهم ، فاقترعوا فخرجت قرعة زكريا عليها فكفلها و وضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها و هو المحراب فيما قيل . و الظاهر أنها دفعتها إليهم بعد مدة إرضاعها .
و اتصلت الحرب أياما و هدمت الأسوار كلها و ثلم سور الهيكل ، و أحاط العساكر بالمدينة حتى مات أكثرهم و فر كثير . ثم اقتحم عليهم الحصن فملكه و نصب الأصنام في الهيكل و منع من تخريبه . و نكر رؤساء الروم ذلك و دسوا من أضرم النار في أبوابه و سقفه ، و ألقى الكهنونة أنفسهم جزعا على دينهم و حزنوا ، و اختفى شمعون و يوحنان في جبل صهيون ، و بعث إليهم طيطش بالأمان فامتنعوا و طرقوا القدس في بعض الليالي ، فقتلوا قائدا من قواد العسكر و رجعوا إلى مكان اختفائهم . ثم هرب عنهم أتباعهم و جاء يوحنان ملقيا بيده إلى طيطش فقيده ، و خرج إليه يوشع الكوهن بآلات من الذهب الخالص من آلات المسجد فيها منارتان و مائدتان ، ثم قبض على فنحاس خازن الهيكل ، فأطلعه على خزائن كثيرة مملوءة دنانير و دراهم و طيباً فامتلأت يده منها ، و رحل عن بيت المقدس بالغنائم و الأموال و الأسرى ، و أحصى الموتى في هذه الوقعة . قال ابن كريون : فكان عدد الموتى الذين خرجوا على الباب للدفن بأخبار مناحيم الموكل به مائة و خمسة و عشرون ألفاً و ثمانمائة . و قال غير مناحيم كانت عدتهم ستمائة ألف دون من ألقي في الآبار ، أو طرح إلى خارج الحصن و قتل في الطرقات و لم يدفن . و قال غيره كان الذي أحصي من الموتى و القتلى ألف ألف و مائة ألف و السبي و الأسارى مائة ألف ، كان طيطش في كل منزلة يلقي منهم إلى السباع إلى أن فرغوا . و كان فيمن هلك شمعون أحد الخوارج الثلاثة
.
و أما الفرار بن عثمان فقد كان خرج من القدس عندما قتل شمعون أمتاي الكوهن كما ذكرنا ، فلما رحل طيطش عن القدس نزل في بعض القرى و حصنها و اجتمع إليه فل اليهود ، و اتصل الخبر بطيطش و هو في أنطاكية ، فبعث إليه عسكرا من الروم مع قائده سلياس فحاصرهم أياما ، ثم نهض الكهنونة و أولادهم و خرجوا إلى الروم مستميتين ، فقاتلوا إلى أن قتلوا عن آخرهم . و أما يوسف بن كريون فافتقد أهله وولده في هذه الوقائع و لم يقف لهم بعدها على خبر و أراده طيطش على السكنى عنده برومة ، فتضرع إليه في البقاء بأرض القدس ، فأجابه إلى ذلك و تركه . و انقرضت دولة اليهود أجمع ، و البقاء لله وحده سبحانه وتعالى لا انقضاء لملكه . .
الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته و بعثته و رفعه من الأرض و الإلمام بشأن الحواريين بعده و كتبهم الأناجيل الأربعة و ديانة النصارى بملته و اجتماع الأقسة على تدوين شريعته
كان بنو ماثان من ولد داود صلوات الله عليه كهنونية بيت المقدس ، و هو ماثان بن ألعازر بن أليهود بن أخس بن رادوق بن عازور بن ألياقيم بن أيود بن زور قابل بن سالات بن يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني إسرائيل بن أمون بن عمون ابن منشا بن حزقيا بن أحاز بن يواش بن أحزيا بن يورام بن يهوشافاظ بن أسا بن رحبعم بن سليمان ابن داود صلوات الله عليهما . و يوخنانيا بن يوشيا السادس عشر من ملوك بني سليمان ولد في جلاء بابل و هذا النسب نقلته من إنجيل متى . و كانت الكهنونية العظمى من بعد بني حشمناي لهم ، و كان كبيرهم قبل عصر هيردوس عمران أبو مريم ، و نسبه ابن إسحق إلى أمون بن منشا الخامس عشر من ملوك بيت المقدس من لدن سليمان أبيهم ، و قال فيه عمران بن ياشم بن أمون . و هذا بعيد لأن الزمان بين عمون و عمران أبعد من أن يكون بينهما أب واحد ، فإن أمون كان قبيل الخراب الأول و عمران كان في دولة هيردوس قبيل الخراب الثاني ، و بينهما قريب من أربعمائة سنة . و نقل ابن عساكر ، و الظن أن ينقل عن مستند ، أنه من ولد زريافيل الذي ولي على بني إسرائيل عند رجوعهم إلى بيت المقدس ، وهو ابن يخنيا آخر ملوكهم الذي حبسه بختنصر وولى عمه صدقيا هو بعده كما مر . و قال فيه : عمران بن ماثان بن فلان بن فلان إلى زريافيل ، و عد نحواً من ثمانية آباء بأسماء عبرانية لا وثوق بضبطها ، و هو أقرب من الأول و فيه ذكر ماثان الذي هو شهرتهم ، و لم يذكره ابن اسحق .
و كان عمران أبو مريم كهنوناً في عصره ، و كانت تحته حنة بنت فاقود بن فيل و كانت من العابدات ، و كانت أختها إيشاع و يقال خالتها تحت زكريا بن يوحنا ، و نسبه ابن عساكر إلى يهوشافاظ خامس ملوك القدس من عهد سليمان أبيهم و عد ما بينه و بين يهوشافاظ اثني عشر أبا أولهم يوحنا بأسماء عبرانية ، كما فعل في نسب عمران ، ثم قال و هو أبو يحيى صلوات الله عليهما ، و يقال بالمد و القصر من غير ألف ، و كان نبياً من بني إسرائيل صلوات الله عليهم . و نقلت من كتاب يعقوب بن يوسف النجار مثان يعني ماثان من سبط داود ، و كان له ولدان يعقوب و يؤاقيم ، و مات فتزوج أمهما بعده مطنان ، و مطنان بن لاوي من سبط سليمان بن داود و سمي ماثان فولدت هالي من مطنان . ثم تزوج و مات و لم يعقب فتزوج امرأته أخوه لأمه يعقوب بن ماثان فولدت منه يوسف خطيب مريم و نسب إلى هالي ، لأن من أحكام التوراة إن مات من غير عقب فامرأته لأخيه و أول ولد منها ينسب إلى الأول ، فلهذا قيل فيه يوسف بن هالي بن مطنان ، و إنما هو يوسف بن يعقوب بن ماثان و هو ابن عم مريم لحا .
و كان ليوسف من البنين خمسة بنين و بنت و هم يعقوب و يوشا و بيلوت و شمعون و يهوذا وأختهم مريم ، كانوا يسكنون بيت لحم . فارتحل بأهله و نزل ناصرة و سكن بها و تعلم النجارة حتى صار يلقب بالنجار . و تزوج يؤاقيم حنة أخت إيشاع العاقر امرأة زكريا بن يوحنا المعمدان ، و أقامت ثلاثين سنة لا يولد لها ، فدعوا الله و ولد لها مريم فهي بنت يؤاقيم موثان و هو مثان . و ولدت إيشاع العاقر من زكريا ابنه يحيى . قلت في التنزيل مريم ابنة عمران فليعلم أن معنى عمران بالعبرانية يؤاقيم و كان له اسمان .
و عن الطبري و كانت حنة أم مريم لا تحبل ، فنذرت لله إن حملت لتجعلن ولدها حبيساً ببيت المقدس على خدمته على عاداتهم في نذر مثله ، فلما حملت و وضعتها لفتها في خرقتها و جاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عباده و هي ابنة أمامهم و كهنونهم ، فتنازعوا في كفالتها ، و أراد زكريا أن يستبد بها لأن زوجه إيشاع خالتها ، و نازعوه في ذلك لمكان أبيها من إمامهم ، فاقترعوا فخرجت قرعة زكريا عليها فكفلها و وضعها في مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها و هو المحراب فيما قيل . و الظاهر أنها دفعتها إليهم بعد مدة إرضاعها .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - والله الموفق
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - والله الموفق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى