تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
صفحة 1 من اصل 1
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
فأقامت في المسجد تعبد الله و تقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها ، و ظهرت عليها الأحوال الشريفة و الكرامات كما قصه القرآن . و كانت خالتها إيشاع زوج زكريا أيضاً عاقراً ، و طلب زكريا من الله ولداً ، فبشره بيحيى نبياً كما طلب ، لأنه قال يرثني و يرث من آل يعقوب و هم أنبياء فكان كذلك . و كان حاله في نشوه و صباه عجباً و ولد في دولة هيردوس ملك بني اسرائيل ، و كان يسكن القفار و يقتات الجراد و يلبس الصوف من وبر الإبل ، و ولاه اليهود الكهنونية ببيت المقدس ، ثم أكرمه الله بالنبوة كما قصه القرآن . و كان لعهده على اليهود بالقدس أنطفيس بن هيردوس و كان يسمى هيردوس باسم أبيه ، و كان شريراً فاسقاً و اغتصب امرأة أخيه و تزوجها و لها ولدان منه ، و لم يكن ذلك في شرعهم مباحاً ، فنكر ذلك عليه العلماء و الكهنونية و فيهم يحيى بن زكريا ، المعروف بيوحنان و يعرفه النصارى بالمعمدان ، فقتل جميع من نكر عليه ذلك و قتل فيهم يحيى صلوات الله عليه . و قد ذكر في قتله أسباب كثيرة و هذا أقربها إلى الصحة .
و قد اختلف الناس هل كان أبوه حياً عند قتله فقيل إنه لما قتل يحيى طلبه بنو إسرائيل ليقتلوه ، ففر أمامهم و دخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجاً منها ، فشقوها بالمنشار و شق زكريا فيها نصفين . و قيل بل مات زكريا قبل هذا و المشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي و قد مر ذكره . و كذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس و هو الصحيح . و قال أبو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب أن بختنصر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريا يغلي ، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن دمه . و يشكل أن يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق و أن ذلك كان بعد بختنصر بأحقاب متطاولة و في هذا ما فيه . و في الإسرائيليات من تأليف يعقوب بن يوسف النجار أن هيردوس قتل زكريا عندما جاء المجوس للبحث عن إيشوع و الإنذار به ، و أنه طلب ابنه يوحنا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم ، فهربت به أمه إلى الشقراء و اختفت . فطالب به أباه زكريا و هو كهنون في الهيكل ، فقال لا علم لي هو مع أمه فتهدده و قتله . ثم قال بعد قتل زكريا بسنة تولى الكهنونية يعقوب بن يوسف إلى أن مات هيرودوس .
و أما مريم سلام الله عليها فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى أن أكرمها الله بالولاية و بين الناس في نبوتها خلاف من أجل خطاب الملائكة لها . و عند أهل السنة أن النبوة مختصة بالرجل ، قاله أبو الحسن الأشعري و غيره و أدلة الفريقين في أماكنها . و بشرت الملائكة باصطفاء الله لها ، و أنها تلد ولداً من غير أب يكون نبياً ، فعجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة أن الله قادر على ما يشاء ، فاستكانت و عملت أنها محنة بما تلقاه من كلام الناس فاحتسبت .
و في كتاب يعقوب بن يوسف النجار أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم ، و كان من سنتهم أنها إن لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل ، فأوحى الله إليه أن يجمع أولاد هارون و يردها إليهم ، فمن ظهرت في عصاه آية تدفعها إليه تكون له شبه زوجة و لا يقربها ، و حضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء و وقفت على رأسه ، فقال له زكريا هذه عزراء الرب تكون لك شبه زوجة و لا تردها . فاحتملها متكرها بنت اثنتي عشرة سنة إلى ناصرة فأقامت معه ، إلى أن خرجت يوماً تستقي من العين فعرض لها الملك أولاً و كلمها ثم عاودها و بشرها بولادة عيسى كما نص القرآن . فحملت و ذهبت إلى زكريا ببيت المقدس فوجدته على الموت و هو يجود بنفسه ، فرجعت إلى ناصرة ، و رأى يوسف الحمل فلطم وجهه و خشي الفضيحة مع الكهنونية فيما شرطوا عليه ، فأخبرته بقول الملك ، فلم يصدق و عرض له الملك في نومه و أخبره أن الذي بها من روح القدس ، فاستيقظ و جاء إلى مريم فسجد لها و ردها إلى بيتها . و يقال إن زكريا حضر لذلك و أقام فيهما سنة اللعان الذي أوصى به موسى ، فلم يصبهما شيء و برأهما الله . و وقع في إنجيل متى أن يوسف خطب مريم ووجدها حاملاً قبل أن يجتمعا ، فعزم على فراقها خوفاً من الفضيحة ، فأمر في نومه أن يقبلها و أخره الملك بأن المولود من روح القدس ، و كان يوسف صديقاً و ولد على فراشه إيشوع انتهى .
و قال الطبري : كانت مريم و يوسف بن يعقوب ابن عمها ، و في رواية عنه أنه ابن خالها ، و كانوا سدنة في بيت المقدس لا يخرجان منه إلا لحاجة الإنسان ، و إذا نفد ماؤهما فيملآن من أقرب المياه . فمضت مريم و تخلف عنها يوسف ، و دخلت المغارة التي كانت تعهد أنها للورد ، فتمثل لها جبريل بشراً ، فذهبت لتجزع ، فقال لها " إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً " فاستسقاها . و عن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم ، فاشتملت على عيسى ، فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجار ، و كان في مسجد بجبل صهيون ، و كان لخدمته عندهم فضل ، و كانا يجمرانه و يقمانه . و كانا صالحين مجتهدين في العبادة ، و لما رأى بها من الحمل استعظمه و عجب منه لما يعلم من صلاحها و أنها لم تغب قط عنه ، ثم سألها فردت الأمر إلى قدرة الله ، فسكت و قام بما ينوبها من الخدمة . فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها إيشاع ، و كانت أيضاً حبلى بيحيى ، فقالت لها إني أرى ما في بطني يسجد لها في بطنك . ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قوهما و يقتلوا ما في بطنها ، فاحتملها يوسف إلى مصر و أخذها المخاض في طريقها ، فوضعته كما قصه القرآن ، و احتملته على الحمار ، و أقامت تكتم أمرها من الناس و تتحفظ به ، حتى بلغ اثنتي عشرة سنة و ظهرت عليه الكرامات ، و شاع خبره فأمرت أن ترجع به إلى إيلياء فرجعت . و تتابعت عنه المعجزات و انثال الناس عليه يستشفون و يسألون عن الغيوب .
قال الطبري : و في خبر السدي أنها إنما خرجت من المسجد لحيض أصابها ، فكان نفخ الملك ، و أن إيشاع خالتها التي سألتها عن الجمل و ناظرتها فيه فحجتها بالقدرة ، و أن الوضع كان في شرقي بيت لحم قريباً من بيت المقدس و هو الذي بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد .
قال ابن العميد مؤرخ النصارى : ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ، و لإحدى و ثلاثين من دولة هيردوس الأكبر ، و لاثنتين و أربعين من ملك
أوغسطس قيصر .و في الإنجيل أن يوسف تزوجها و مضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم ، فوضعته هنالك و وضعته في مذود لأنها لم يكن لها موضع نزل . و أن جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم ؟ و جاءوا إلى هيردوس يسألونه و قالوا جئنا لنسجد له ، و حدثوه بما أخبر الكهان و علماء النجوم من شأن ظهوره ، و أنه يولد ببيت لحم ابن سنتين فما دونها . و سمع أوغسطس قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله ، فكتب له بمصدوقية خبره و أنه قتل من الصبيان . و كان يوسف النجار قدر أمر أن يخرج به إلى مصر ، فأقام هنالك اثنتي عشرة سنة ، و ظهرت عليه الكرامات ، و هلك هيردوس الذي كان يطلبه و أمروا بالرجوع إلى إيليا ، فرجعوا . و ظهر صدق شعيا النبي في قوله عنه من مصر دعوتك . و في كتاب يعقوب بن يوسف النجار حذراً من أن يكتب كما أمر أوغسطس في بعض أيامه فاجأها المخاض و هي في طريقها على حمار ، فصابرته إلى قرية بيت لحم
و قد اختلف الناس هل كان أبوه حياً عند قتله فقيل إنه لما قتل يحيى طلبه بنو إسرائيل ليقتلوه ، ففر أمامهم و دخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجاً منها ، فشقوها بالمنشار و شق زكريا فيها نصفين . و قيل بل مات زكريا قبل هذا و المشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي و قد مر ذكره . و كذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس و هو الصحيح . و قال أبو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب أن بختنصر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريا يغلي ، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن دمه . و يشكل أن يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق و أن ذلك كان بعد بختنصر بأحقاب متطاولة و في هذا ما فيه . و في الإسرائيليات من تأليف يعقوب بن يوسف النجار أن هيردوس قتل زكريا عندما جاء المجوس للبحث عن إيشوع و الإنذار به ، و أنه طلب ابنه يوحنا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم ، فهربت به أمه إلى الشقراء و اختفت . فطالب به أباه زكريا و هو كهنون في الهيكل ، فقال لا علم لي هو مع أمه فتهدده و قتله . ثم قال بعد قتل زكريا بسنة تولى الكهنونية يعقوب بن يوسف إلى أن مات هيرودوس .
و أما مريم سلام الله عليها فكانت بالمسجد على حالها من العبادة إلى أن أكرمها الله بالولاية و بين الناس في نبوتها خلاف من أجل خطاب الملائكة لها . و عند أهل السنة أن النبوة مختصة بالرجل ، قاله أبو الحسن الأشعري و غيره و أدلة الفريقين في أماكنها . و بشرت الملائكة باصطفاء الله لها ، و أنها تلد ولداً من غير أب يكون نبياً ، فعجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة أن الله قادر على ما يشاء ، فاستكانت و عملت أنها محنة بما تلقاه من كلام الناس فاحتسبت .
و في كتاب يعقوب بن يوسف النجار أن أمها حنة توفيت لثمان سنين من عمر مريم ، و كان من سنتهم أنها إن لم تقبل التزويج يفرض لها من أرزاق الهيكل ، فأوحى الله إليه أن يجمع أولاد هارون و يردها إليهم ، فمن ظهرت في عصاه آية تدفعها إليه تكون له شبه زوجة و لا يقربها ، و حضر الجمع يوسف النجار فخرج من عصاه حمامة بيضاء و وقفت على رأسه ، فقال له زكريا هذه عزراء الرب تكون لك شبه زوجة و لا تردها . فاحتملها متكرها بنت اثنتي عشرة سنة إلى ناصرة فأقامت معه ، إلى أن خرجت يوماً تستقي من العين فعرض لها الملك أولاً و كلمها ثم عاودها و بشرها بولادة عيسى كما نص القرآن . فحملت و ذهبت إلى زكريا ببيت المقدس فوجدته على الموت و هو يجود بنفسه ، فرجعت إلى ناصرة ، و رأى يوسف الحمل فلطم وجهه و خشي الفضيحة مع الكهنونية فيما شرطوا عليه ، فأخبرته بقول الملك ، فلم يصدق و عرض له الملك في نومه و أخبره أن الذي بها من روح القدس ، فاستيقظ و جاء إلى مريم فسجد لها و ردها إلى بيتها . و يقال إن زكريا حضر لذلك و أقام فيهما سنة اللعان الذي أوصى به موسى ، فلم يصبهما شيء و برأهما الله . و وقع في إنجيل متى أن يوسف خطب مريم ووجدها حاملاً قبل أن يجتمعا ، فعزم على فراقها خوفاً من الفضيحة ، فأمر في نومه أن يقبلها و أخره الملك بأن المولود من روح القدس ، و كان يوسف صديقاً و ولد على فراشه إيشوع انتهى .
و قال الطبري : كانت مريم و يوسف بن يعقوب ابن عمها ، و في رواية عنه أنه ابن خالها ، و كانوا سدنة في بيت المقدس لا يخرجان منه إلا لحاجة الإنسان ، و إذا نفد ماؤهما فيملآن من أقرب المياه . فمضت مريم و تخلف عنها يوسف ، و دخلت المغارة التي كانت تعهد أنها للورد ، فتمثل لها جبريل بشراً ، فذهبت لتجزع ، فقال لها " إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً " فاستسقاها . و عن وهب بن منبه أنه نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى الرحم ، فاشتملت على عيسى ، فكان معها ذو قرابة يسمى يوسف النجار ، و كان في مسجد بجبل صهيون ، و كان لخدمته عندهم فضل ، و كانا يجمرانه و يقمانه . و كانا صالحين مجتهدين في العبادة ، و لما رأى بها من الحمل استعظمه و عجب منه لما يعلم من صلاحها و أنها لم تغب قط عنه ، ثم سألها فردت الأمر إلى قدرة الله ، فسكت و قام بما ينوبها من الخدمة . فلما بان حملها أفضت بذلك إلى خالتها إيشاع ، و كانت أيضاً حبلى بيحيى ، فقالت لها إني أرى ما في بطني يسجد لها في بطنك . ثم أمرت بالخروج من بلدها خشية أن يعيرها قوهما و يقتلوا ما في بطنها ، فاحتملها يوسف إلى مصر و أخذها المخاض في طريقها ، فوضعته كما قصه القرآن ، و احتملته على الحمار ، و أقامت تكتم أمرها من الناس و تتحفظ به ، حتى بلغ اثنتي عشرة سنة و ظهرت عليه الكرامات ، و شاع خبره فأمرت أن ترجع به إلى إيلياء فرجعت . و تتابعت عنه المعجزات و انثال الناس عليه يستشفون و يسألون عن الغيوب .
قال الطبري : و في خبر السدي أنها إنما خرجت من المسجد لحيض أصابها ، فكان نفخ الملك ، و أن إيشاع خالتها التي سألتها عن الجمل و ناظرتها فيه فحجتها بالقدرة ، و أن الوضع كان في شرقي بيت لحم قريباً من بيت المقدس و هو الذي بنى عليه بعض ملوك الروم البناء الهائل لهذا العهد .
قال ابن العميد مؤرخ النصارى : ولد لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ، و لإحدى و ثلاثين من دولة هيردوس الأكبر ، و لاثنتين و أربعين من ملك
أوغسطس قيصر .و في الإنجيل أن يوسف تزوجها و مضى بها ليكتم أمرها في بيت لحم ، فوضعته هنالك و وضعته في مذود لأنها لم يكن لها موضع نزل . و أن جماعة من المجوس بعثهم ملك الفرس يسألون أين ولد الملك العظيم ؟ و جاءوا إلى هيردوس يسألونه و قالوا جئنا لنسجد له ، و حدثوه بما أخبر الكهان و علماء النجوم من شأن ظهوره ، و أنه يولد ببيت لحم ابن سنتين فما دونها . و سمع أوغسطس قيصر بخبر المجوس فكتب إلى هيردوس يسأله ، فكتب له بمصدوقية خبره و أنه قتل من الصبيان . و كان يوسف النجار قدر أمر أن يخرج به إلى مصر ، فأقام هنالك اثنتي عشرة سنة ، و ظهرت عليه الكرامات ، و هلك هيردوس الذي كان يطلبه و أمروا بالرجوع إلى إيليا ، فرجعوا . و ظهر صدق شعيا النبي في قوله عنه من مصر دعوتك . و في كتاب يعقوب بن يوسف النجار حذراً من أن يكتب كما أمر أوغسطس في بعض أيامه فاجأها المخاض و هي في طريقها على حمار ، فصابرته إلى قرية بيت لحم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
وولدت في غار و سماه إيشوع ، و أنه لما بلغ سنتين ، و كان من أمر المجوس ما قدمناه ، حذر هيرودوس من شأنه و أمر أن يقتل الصبيان ببيت لحم ، فخرج يوسف به و بأمه إلى مصر ، أمر بذلك في نومه و أقام بمصر سنتين حتى مات هيردوس ، ثم أمر بالرجوع فرجع إلى ناصرة ، و ظهرت عليه الخوارق من إحياء الموتى و إبراء المعتوهين و خلق الطير و غير ذلك من خوارقه ، حتى إذا بلغ ثماني سنين كف عن ذلك .
ثم جاء يوحنان المعمدان من البرية ، و هو يحيى بن زكريا ، و نادى بالتوبة و الدعاء إلى الدين ، و قد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح ، و جاء المسيح من الناصرة و لقيه بالأردن فعمده يوحنان و هو ابن ثلاثين سنة ، ثم خرج إلى البرية و اجتهد في العبادة و الصلاة و الرهبانية و اختار تلامذته الاثني عشر : سمعان بطرس و أخوه أندراوس و يعقوب بن زيدي و أخوه يوحنا و فيليبس و برتولوماوس و توما و متى العشار و يعقوب بن حلفا و تداوس و سمعان القناني و يهوذا الأسخريوطي . و شرع في إظهار المعجزات . ثم قبض هيرودوس الصغير على يوحنان و هو يحيى بن زكريا لنكيره عليه في زوجة أخيه ، فقتله و دفن بنابلس .
ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة و الصوم و سائر القربات ، و حلل و حرم و أنزل عليه الإنجيل ، و ظهرت على يديه الخوارق و العجائب ، و شاع ذكره في النواحي ، و اتبعه الكثير من بني إسرائيل ، و خافه رؤساء اليهود على دينهم ، و تآمروا في قتله . و جمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم و يبالغ في خدمتهم بما استعظموه ، قال و إنما فعلته لتتأسوا به ، و قال يعظهم ليكفرن بي بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثاً و يبيعني أحدكم بثمن بخس و تأكلوا ثمني ، ثم افترقوا . و كان اليهود قد بعثوا العيون عليهم ، فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم و تركوه ، و جاء يهوذا الأسخريوطي و بايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهما ، و أراهم مكانه الذي كان يبيت فيه ، و أصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر على اليهود . و حضر جماعة الكهنونية و قالوا هذا يفسد ديننا و يحل نواميسنا و يدعي الملك فاقتله . و توقف فصاحوا به و توعدوه بإبلاغ الأمر إلى قيصر فأمر بقتله .
و كان عيسى قد أبلغ الحواريين بأنه يشبه على اليهود في شأنه فقتل ذلك الشبه و صلب ، و أقام سبعاً . و جاءت أمه تبكي عند الخشبة فجاءها عيسى و قال : مالك تبكي ؟ قالت : عليك . قال : إن الله رفعني و لم يصبني إلا خير و هذا شيء شبه لهم ، و قولي للحواريين يلقوني بمكان كذا . فانطلقوا إليه و أمرهم بتبليغ رسالته في النواحي ، كما عين لهم من قبل . و عند علماء النصارى أن الذي بعث من الحواريين إلى رومة بطرس و معه بولس من الأتباع و لم يكن حوارياً ، و إلى أرض السودان و الحبشة و يعبرون عن هذه الناحية بالأرض التي تأكل أهلها و الناس متى العشار ، و أندراوس إلى أرض بابل ، و المشرق توماس ، و إلى أرض أفريقية فيلبس ، و إلى أفسوس قرية أصحاب الكهف يوحناس ، و إلى أورشيلم و هي بيت المقدس يوحنا ، و إلى أرض العرب و الحجاز برتلوماوس ، و إلى أرض برقة و البربر شمعون القناني .
قال ابن إسحق : ثم وثب اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم و يفتنونهم ، و سمع قيصر بذلك و كتب إليه فلاطش النبطي قائده بأخباره و معجزاته و بغي اليهود عليه و على يوحنان قبله ، فأمرهم بالكف عن ذلك . و يقال قتل بعضهم . و انطلق الحواريون إلى الجهات التي بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض و كذب بعض . و دخل يعقوب أخو يوحنان إلى رومة فقتله غاليوس قيصر و حبس شمعون ، ثم خلص و سار إلى أنطاكية ثم رجع إلى رومة أيام قلوديش قيصر بعد غاليوس ، و اتبع كثير من الناس و آمن به بعض نساء القياصرة و أخبرها بخبر الصليب ، فدخلت إلى القدس و أخرجته من تحت الزبل و القمامات بمكان الصلب و غشته بالحرير و الذهب و جاءت به إلى رومة .
و أما بطرس كبير الحواريين و بولص اللذان بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة فإنهما مكثا هنالك يقيمان دين النصرانية ، ثم كتب بطرس الإنجيل بالرومية و نسبه إلى مرقص تلميذه ، و كتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس و نقله من بعد ذلك يوحنان بن زيدي إلى رومة ، و كتب لوقا إنجيله بالرومية و بعثه إلى بعض أكابر الروم ، و كتب يوحنا بن زيدي إنجيله برومة . ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة و وضعوا القوانين الشرعية لدينهم و صيروها بيد إقليمنطس تلميذ بطرس ، و كتبوا فيها عد الكتب التي يجب قبولها ، فمن القديمة : التوراة خمسة أسفار ، و كتاب يوشع بن نون ، و كتاب القضاة ، و كتاب راعوث ، و كتاب يهوذا ، و أسفار الملوك أربعة كتب ، و سفر بنيامين ، و سفر المقباسين ثلاثة كتب ، و كتاب عزرا الإمام ، و كتاب أشير ، و كتاب قصة هامان ، و كتاب أيوب الصديق ، و مزامير داود النبي ، و كتب ولده سليمان خمسة ، و نبوات الأنبياء الصغار و الكبار ستة عشر كتاباً ، و كتاب يشوع بن شارخ . و من الحديثة : كتب الإنجيل الأربعة ، و كتب القتاليقون سبع رسائل ، و كتاب بولس أربع عشرة رسالة ، و الإبركسيس و هو قصص الرسل و يسمى أفليمد ثمانية كتب تشتمل على كلام الرسل و ما أمروا به و نهوا عنه .
و كتاب النصارى الكبار إلى أساقفتهم الذين يسمون البطارقة ببلاد معينة يعلمون بها دين النصرانية فكان : برومة بطرس الرسول الذي بعثه عيسى صلوات الله عليه ، و كان ببيت المقدس يعقوب النجار ، و كان بالاسكندرية مرقص تلميذ بطرس ، و كان بيزنطية و هي قسطنطينية أندرواس الشيخ ، و كان بإنطاكية .و كان صاحب هذا الدين عندهم و المقيم لمراسمه يسمونه البطرك و هو رئيس الملة و خليفة المسيح فيهم ، و يبعث نوابه و خلفاءه إلى من بعد عنهم من أمم النصرانية و يسمونه الأسقف
ثم جاء يوحنان المعمدان من البرية ، و هو يحيى بن زكريا ، و نادى بالتوبة و الدعاء إلى الدين ، و قد كان شعيا أخبر أنه يخرج أيام المسيح ، و جاء المسيح من الناصرة و لقيه بالأردن فعمده يوحنان و هو ابن ثلاثين سنة ، ثم خرج إلى البرية و اجتهد في العبادة و الصلاة و الرهبانية و اختار تلامذته الاثني عشر : سمعان بطرس و أخوه أندراوس و يعقوب بن زيدي و أخوه يوحنا و فيليبس و برتولوماوس و توما و متى العشار و يعقوب بن حلفا و تداوس و سمعان القناني و يهوذا الأسخريوطي . و شرع في إظهار المعجزات . ثم قبض هيرودوس الصغير على يوحنان و هو يحيى بن زكريا لنكيره عليه في زوجة أخيه ، فقتله و دفن بنابلس .
ثم شرع المسيح الشرائع من الصلاة و الصوم و سائر القربات ، و حلل و حرم و أنزل عليه الإنجيل ، و ظهرت على يديه الخوارق و العجائب ، و شاع ذكره في النواحي ، و اتبعه الكثير من بني إسرائيل ، و خافه رؤساء اليهود على دينهم ، و تآمروا في قتله . و جمع عيسى الحواريين فباتوا عنده ليلتين يطعمهم و يبالغ في خدمتهم بما استعظموه ، قال و إنما فعلته لتتأسوا به ، و قال يعظهم ليكفرن بي بعضكم قبل أن يصيح الديك ثلاثاً و يبيعني أحدكم بثمن بخس و تأكلوا ثمني ، ثم افترقوا . و كان اليهود قد بعثوا العيون عليهم ، فأخذوا شمعون من الحواريين فتبرأ منهم و تركوه ، و جاء يهوذا الأسخريوطي و بايعهم على الدلالة عليه بثلاثين درهما ، و أراهم مكانه الذي كان يبيت فيه ، و أصبحوا به إلى فلاطش النبطي قائد قيصر على اليهود . و حضر جماعة الكهنونية و قالوا هذا يفسد ديننا و يحل نواميسنا و يدعي الملك فاقتله . و توقف فصاحوا به و توعدوه بإبلاغ الأمر إلى قيصر فأمر بقتله .
و كان عيسى قد أبلغ الحواريين بأنه يشبه على اليهود في شأنه فقتل ذلك الشبه و صلب ، و أقام سبعاً . و جاءت أمه تبكي عند الخشبة فجاءها عيسى و قال : مالك تبكي ؟ قالت : عليك . قال : إن الله رفعني و لم يصبني إلا خير و هذا شيء شبه لهم ، و قولي للحواريين يلقوني بمكان كذا . فانطلقوا إليه و أمرهم بتبليغ رسالته في النواحي ، كما عين لهم من قبل . و عند علماء النصارى أن الذي بعث من الحواريين إلى رومة بطرس و معه بولس من الأتباع و لم يكن حوارياً ، و إلى أرض السودان و الحبشة و يعبرون عن هذه الناحية بالأرض التي تأكل أهلها و الناس متى العشار ، و أندراوس إلى أرض بابل ، و المشرق توماس ، و إلى أرض أفريقية فيلبس ، و إلى أفسوس قرية أصحاب الكهف يوحناس ، و إلى أورشيلم و هي بيت المقدس يوحنا ، و إلى أرض العرب و الحجاز برتلوماوس ، و إلى أرض برقة و البربر شمعون القناني .
قال ابن إسحق : ثم وثب اليهود على بقية الحواريين يعذبونهم و يفتنونهم ، و سمع قيصر بذلك و كتب إليه فلاطش النبطي قائده بأخباره و معجزاته و بغي اليهود عليه و على يوحنان قبله ، فأمرهم بالكف عن ذلك . و يقال قتل بعضهم . و انطلق الحواريون إلى الجهات التي بعثهم إليها عيسى فآمن به بعض و كذب بعض . و دخل يعقوب أخو يوحنان إلى رومة فقتله غاليوس قيصر و حبس شمعون ، ثم خلص و سار إلى أنطاكية ثم رجع إلى رومة أيام قلوديش قيصر بعد غاليوس ، و اتبع كثير من الناس و آمن به بعض نساء القياصرة و أخبرها بخبر الصليب ، فدخلت إلى القدس و أخرجته من تحت الزبل و القمامات بمكان الصلب و غشته بالحرير و الذهب و جاءت به إلى رومة .
و أما بطرس كبير الحواريين و بولص اللذان بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة فإنهما مكثا هنالك يقيمان دين النصرانية ، ثم كتب بطرس الإنجيل بالرومية و نسبه إلى مرقص تلميذه ، و كتب متى إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس و نقله من بعد ذلك يوحنان بن زيدي إلى رومة ، و كتب لوقا إنجيله بالرومية و بعثه إلى بعض أكابر الروم ، و كتب يوحنا بن زيدي إنجيله برومة . ثم اجتمع الرسل الحواريون برومة و وضعوا القوانين الشرعية لدينهم و صيروها بيد إقليمنطس تلميذ بطرس ، و كتبوا فيها عد الكتب التي يجب قبولها ، فمن القديمة : التوراة خمسة أسفار ، و كتاب يوشع بن نون ، و كتاب القضاة ، و كتاب راعوث ، و كتاب يهوذا ، و أسفار الملوك أربعة كتب ، و سفر بنيامين ، و سفر المقباسين ثلاثة كتب ، و كتاب عزرا الإمام ، و كتاب أشير ، و كتاب قصة هامان ، و كتاب أيوب الصديق ، و مزامير داود النبي ، و كتب ولده سليمان خمسة ، و نبوات الأنبياء الصغار و الكبار ستة عشر كتاباً ، و كتاب يشوع بن شارخ . و من الحديثة : كتب الإنجيل الأربعة ، و كتب القتاليقون سبع رسائل ، و كتاب بولس أربع عشرة رسالة ، و الإبركسيس و هو قصص الرسل و يسمى أفليمد ثمانية كتب تشتمل على كلام الرسل و ما أمروا به و نهوا عنه .
و كتاب النصارى الكبار إلى أساقفتهم الذين يسمون البطارقة ببلاد معينة يعلمون بها دين النصرانية فكان : برومة بطرس الرسول الذي بعثه عيسى صلوات الله عليه ، و كان ببيت المقدس يعقوب النجار ، و كان بالاسكندرية مرقص تلميذ بطرس ، و كان بيزنطية و هي قسطنطينية أندرواس الشيخ ، و كان بإنطاكية .و كان صاحب هذا الدين عندهم و المقيم لمراسمه يسمونه البطرك و هو رئيس الملة و خليفة المسيح فيهم ، و يبعث نوابه و خلفاءه إلى من بعد عنهم من أمم النصرانية و يسمونه الأسقف
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
أي نائب البطرك ، و يسمون القرا بالقسيس ، و صاحب الصلاة بالجاثليق ، و قومه المسجد بالشمامسة ، و المنقطع الذي حبس نفسه في الخلوة للعبادة الراهب ، و القاضي بالمطران . و لم يكن بمصر بذلك العهد أسقف إلى أن جاء دهدس الحادي عشر من أساقفة اسكندرية و كان بطرك أساقفة بمصر . و كان الأساقفة يسمون البطرك أبا ، و القسوس يسمون الأساقفة أبا ، فوقع الاشتراك اسم الأب ، فاخترع اسم البابا لبطرك الاسكندرية ليتميز عن الأسقف في اصطلاح القسوس ، و معناه أبو الأباء فاشتهر هذا الاسم . ثم انتقل إلى بطرك رومة لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريين و رسول المسيح ، و أقام على ذلك لهذا العهد يسمى البابا .
ثم جاء بعد قلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين و بولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة ، و جعل مكان بطرس أرنوس برومة . و قتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس و كان بالاسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين و يبعثه في نواحي مصر و برقة و المغرب و قتله نيرون ، و ولى بعده حنينيا و هو أول البطاركة عليها بعد الحواريين . و ثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس و هو يعقوب النجار و هدموا البيعة و دفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد ، و جعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا .
ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الأخذ بهذا الدين و تركه كما يأتي في أخبارهم ، إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المشهورة ، و كانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية . و كانت أمه هيلانة صالحة فأخذت بدين المسيح لاثنتين و عشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها ، و جاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه و ترحمت و سألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم ، فأخبرت بما فعل اليهود فيها و أنهم دفنوها و جعلوا مكانها مطرحاً للقمامة و النجاسة و الجيف و القاذورات ، فاستعظمت ذلك و استخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم ، و قيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته ، فطهرتها و طيبتها و غشتها بالذهب و الحرير ، و رفعتها عندها للتبرك بها ، و أمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره و هي التي تسمى لهذا العهد قمامة . و خربت مسجد بني اسرائيل و أمرت بأن تلقى القاذورات و الكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي هي قبلة اليهود ، إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك .
و كان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة و ثمان و عشرون سنة ، و أقام هؤلاء النصرانية بطاركتم و أساقفتهم على إقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين و العقائد و الأحكام . ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد و سائر ما ذهبوا إليه من الإيمان بالله و صفاته ، و حاش لله و للمسيح و للحواريين أن يذهبوا إليه ، و هو معتقدهم التثليث . و إنما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لما يهتدوا إلى تأويلها ، و لا وقفوا على فهم معانيها ، مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم : أذهب إلى أبي و أبيكم . و قال : افعلوا كذا و كذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء و تكونوا تامين ، كما أن أباكم الذي في السماء تام . و قال له في الإنجيل إنك أنت الابن الوحيد . و قال له شمعون الصفا إنك ابن الله حقا . فلما أثبتوا هذه الأبوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أن عيسى ابن مريم من أب قديم ، و كان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح و تدرعت به ، فكان مجموع الكلمة و الجسد ابناً ، و هو ناسوت كلي قديم أزلي ، و ولدت مريم إلهاً أزلياً و القتل و الصلب وقع على الجسد و الكلمة ، و يعبرون عنهما بالناسوت و اللاهوت .
و أقاموا على هذه العقيدة و وقع بينهم فيها اختلاف ، و ظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية ، كان من أشدهم ابن دنصان ، و دافعهم هؤلاء الأساقفة و البطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقا ، وظهر يونس الشميصاني بطرك انطاكية بعد حين أيام افلوديس قيصر ، فقال بالواحدانية و نفى الكلمة و الروح ، و تبعه جماعة على ذلك . ثم مات فرد الأساقفة مقالته و هجروها و لم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين ، فتنصر و دخل في دينهم . و كان باسكندرية أسكندروس البطرك و كان لعهده أريوش من الأساقفة ، و كان يذهب إلى حدوث الابن و أنه إنما خلق الخلق بتفويض الأب إليه في ذلك ، فمنعه اسكندروس الدخول إلى الكنيسة و أعلم أن إيمانه فاسد ، و كتب بذلك إلى سائر الأساقفة و البطاركة في النواحي . و فعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي أريوش ، فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين و أحضرهم جميعاً لتسع عشرة من دولته ، و تناظروا . و لما قال أريوش : إن الابن حادث و ان الأب فوض إليه بالخلق . و قال الاسكندروس : بالخلق استحق الألوهية ، فاستحسن قسطنطين قوله و أذن له أن يشد بكفر أريوش .و طلب الاسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني ، فجمعهم قسطنطين و كانوا ألفين و ثلثمائة و أربعين أسقفاً و ذلك في مدينة نيقية ، فسمي المجتمع مجتمع نيقية ، و كان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية ، و أسطانس بطرك أنطاكية ، و مقاريوس أسقف بيت المقدس . و بعث سلطوس بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه ، فتفاوضوا و تناظروا و اتفقوا عنهم ، بعد الاختلاف الكثير ، على ثلثمائة و ثمانية عشر أسقفاً على رأي واحد ، فسار قسطنطين إلى قولهم ، و أعطى سيفه و خاتمه و باركوا عليه و وضعوا له قوانين الدين و الملك ، و نفى أريوش و أشيد بكفره و كتبوا العقيدة التي اتفق عليها أهل ذلك المجمع ، و نصها عندهم على ما نقله ابن العميد من مؤرخيهم و الشهرستاني في كتاب
ثم جاء بعد قلوديش قيصر نيرون قيصر فقتل بطرس كبير الحواريين و بولص اللذين بعثهما عيسى صلوات الله عليه إلى رومة ، و جعل مكان بطرس أرنوس برومة . و قتل مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس و كان بالاسكندرية يدعو إلى الدين سبع سنين و يبعثه في نواحي مصر و برقة و المغرب و قتله نيرون ، و ولى بعده حنينيا و هو أول البطاركة عليها بعد الحواريين . و ثار اليهود في دولته على أسقف بيت المقدس و هو يعقوب النجار و هدموا البيعة و دفنوا الصليب إلى أن أظهرته هيلانة أم قسطنطين كما نذكره بعد ، و جعل نيرون مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كيافا .
ثم اختلفت حال القياصرة من بعد ذلك في الأخذ بهذا الدين و تركه كما يأتي في أخبارهم ، إلى أن جاء قسطنطين بن قسطنطين باني المدينة المشهورة ، و كانت في مكانها قبله مدينة صغيرة تسمى بيزنطية . و كانت أمه هيلانة صالحة فأخذت بدين المسيح لاثنتين و عشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها ، و جاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه و ترحمت و سألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم ، فأخبرت بما فعل اليهود فيها و أنهم دفنوها و جعلوا مكانها مطرحاً للقمامة و النجاسة و الجيف و القاذورات ، فاستعظمت ذلك و استخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم ، و قيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته ، فطهرتها و طيبتها و غشتها بالذهب و الحرير ، و رفعتها عندها للتبرك بها ، و أمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم أنها قبره و هي التي تسمى لهذا العهد قمامة . و خربت مسجد بني اسرائيل و أمرت بأن تلقى القاذورات و الكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي هي قبلة اليهود ، إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عند فتح بيت المقدس كما نذكره هنالك .
و كان من ميلاد المسيح إلى وجود الصليب ثلثمائة و ثمان و عشرون سنة ، و أقام هؤلاء النصرانية بطاركتم و أساقفتهم على إقامة دين المسيح على ما وضعه الحواريون من القوانين و العقائد و الأحكام . ثم حدث بينهم اختلاف في العقائد و سائر ما ذهبوا إليه من الإيمان بالله و صفاته ، و حاش لله و للمسيح و للحواريين أن يذهبوا إليه ، و هو معتقدهم التثليث . و إنما حملهم عليه ظواهر من كلام المسيح في الإنجيل لما يهتدوا إلى تأويلها ، و لا وقفوا على فهم معانيها ، مثل قول المسيح حين صلب بزعمهم : أذهب إلى أبي و أبيكم . و قال : افعلوا كذا و كذا من البر لتكونوا أبناء أبيكم في السماء و تكونوا تامين ، كما أن أباكم الذي في السماء تام . و قال له في الإنجيل إنك أنت الابن الوحيد . و قال له شمعون الصفا إنك ابن الله حقا . فلما أثبتوا هذه الأبوة من ظاهر هذا اللفظ زعموا أن عيسى ابن مريم من أب قديم ، و كان اتصاله بمريم تجسد كلمة منه مازجت جسد المسيح و تدرعت به ، فكان مجموع الكلمة و الجسد ابناً ، و هو ناسوت كلي قديم أزلي ، و ولدت مريم إلهاً أزلياً و القتل و الصلب وقع على الجسد و الكلمة ، و يعبرون عنهما بالناسوت و اللاهوت .
و أقاموا على هذه العقيدة و وقع بينهم فيها اختلاف ، و ظهرت مبتدعة من النصرانية اختلفت أقوالهم الكفرية ، كان من أشدهم ابن دنصان ، و دافعهم هؤلاء الأساقفة و البطاركة عن معتقدهم الذين كانوا يزعمونه حقا ، وظهر يونس الشميصاني بطرك انطاكية بعد حين أيام افلوديس قيصر ، فقال بالواحدانية و نفى الكلمة و الروح ، و تبعه جماعة على ذلك . ثم مات فرد الأساقفة مقالته و هجروها و لم يزالوا على ذلك إلى أيام قسطنطين بن قسطنطين ، فتنصر و دخل في دينهم . و كان باسكندرية أسكندروس البطرك و كان لعهده أريوش من الأساقفة ، و كان يذهب إلى حدوث الابن و أنه إنما خلق الخلق بتفويض الأب إليه في ذلك ، فمنعه اسكندروس الدخول إلى الكنيسة و أعلم أن إيمانه فاسد ، و كتب بذلك إلى سائر الأساقفة و البطاركة في النواحي . و فعل ذلك بأسقفين آخرين على مثل رأي أريوش ، فدفعوا أمرهم إلى قسطنطين و أحضرهم جميعاً لتسع عشرة من دولته ، و تناظروا . و لما قال أريوش : إن الابن حادث و ان الأب فوض إليه بالخلق . و قال الاسكندروس : بالخلق استحق الألوهية ، فاستحسن قسطنطين قوله و أذن له أن يشد بكفر أريوش .و طلب الاسكندروس باجتماع النصرانية لتحرير المعتقد الإيماني ، فجمعهم قسطنطين و كانوا ألفين و ثلثمائة و أربعين أسقفاً و ذلك في مدينة نيقية ، فسمي المجتمع مجتمع نيقية ، و كان رئيسهم الإسكندروس بطرك إسكندرية ، و أسطانس بطرك أنطاكية ، و مقاريوس أسقف بيت المقدس . و بعث سلطوس بطرك رومة بقسيس حضر معهم لذلك نيابة عنه ، فتفاوضوا و تناظروا و اتفقوا عنهم ، بعد الاختلاف الكثير ، على ثلثمائة و ثمانية عشر أسقفاً على رأي واحد ، فسار قسطنطين إلى قولهم ، و أعطى سيفه و خاتمه و باركوا عليه و وضعوا له قوانين الدين و الملك ، و نفى أريوش و أشيد بكفره و كتبوا العقيدة التي اتفق عليها أهل ذلك المجمع ، و نصها عندهم على ما نقله ابن العميد من مؤرخيهم و الشهرستاني في كتاب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
الملل و النحل و هو :
نؤمن بالله الواحد الأحد الأب مالك كل شيء و صانع ما يرى و ما لا يرى و بالابن الوحيد إيشوع المسيح ابن الله ذكر الخلائق كلها و ليس بمصنوع إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم و كل شيء الذي من أجلنا و من أجل خلاصنا بعث العوالم و كل شيء الذي نزل من السماء و تجسد من روح القدس و ولد من مريم البتول و صلب أيام فيلاطوس و دفن ثم قام في اليوم الثالث و صعد إلى السماء و جلس على يمين أبيه و هو مستعد للمجيء تارة أخرى بالقضاء بين الأحياء و الأموات و تؤمن بروح الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه بمعمودية واحدة لغفران الخطايا و بجماعة قدسية مسيحية جاثليقية و بقيام أبداننا بالحياة الدائمة أبد الآبدين انتهى .
هذا هو اتفاق المجمع الأول الذي هو مجتمع نيقية و فيه إشارة إلى حشر الأبدان و لا يتفق النصارى عليه ، و إنما يتفقون على حشر الأرواح و يسمون هذه العقيدة الأمانة ، و وضعوا معها قوانين الشرائع و يسمونها الهيمايون .
و توفي الإسكندروس البطرك بعد هذا المجمع بخمسة أشهر ، و لما عمرت هلانة أم قسطنطين الكنائس و أحب الملك أن يقدسها و يجمع الأساقفة لذلك ، و بعث أوسانيوس بطرك القسطنطينية و حضر معهم أثناس بطرك الإسكندرية ، و اجتمعوا في صور و كان أوسانيوس الذي أخرجه اسكندروس مع أربوس من كنيسة إسكندرية .
و كان بسب بذلك مجمع نيقية و كتاب الأمانة . و نفي أريوس حينئذ و أوسانيوس و صاحبهما و لعنوا . جاء أوسانيوس من بعد ذلك و أظهر البراءة من أريوس و من مقالته فقبله قسطنطين و جعله بطركاً بالقسطنطينية ، فلما اجتمعوا في صور و كان فيهم أومانيوس على رأي أريوس ، فأشار أوسانيوس بطرك القسطنطينية بأن يظاهر أثناس بطرك الإسكندرية عن مقالة أريوس . فقال أومانيوس : إن أريوس لم يقل إن المسيح خلق العالم و إنما قال هو كلمة الله التي بها خلق كما وقع في الإنجيل . فقال أثناس بطرك الإسكندرية : و هذا الكلام أيضاً يقتضي أن الابن مخلوق و أنه خلق المخلوقات دون الأب لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلق شيئاً لأنه مستعين بغيره و الفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمم فهو في ذاته الخالق و الله سبحانه منزه عن ذلك و إن زعم أريوس أن الأب يريد الشيء و الابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتم لأن الأب إنما له الإرادة فقط و للابن الإختراع فهو أتم .
فلما ظهر بطلان مقالة أريوس و ثبوا على أومانيوس المناظر عن مقالة أريوس و ضربوه ضرباً وجيعاً ، و خلصه ابن أخت الملك ، ثم قدسوا الكنائس ، و انفض الجمع و بلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أوسانيوس بالقسطنطينية و غضب عليه و مات لسنتين من رياسته ، و اجتمع بعد ذلك أصحاب أريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة ، و أن جماعة نيقية ظلموا أريوس و بغوا عليه وصدوا عن الحق في قولهم إن الأب مساو للابن في الجوهرية و كاد الملك أن يقبلا منهم . فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوس فقبل و رجع . و اختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذ بالأمانة أو بمقالة أريوس ، و ظهور إحدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم . و أفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه ، فقال له بعض العلماء و الحكماء : لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضاً و إنما هو الخلق يحمدون الله و يصفونه بالصفات الكثيرة و الله يحب ذلك . فسكن بعض الشيء و كان بعضهم يعرض عن الطائفتين و يخلي كل أحد و دينه . ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين و خمسين سنة اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس و سليوس ، بأن جسد المسيح بغيرنا موت و أن اللاهوت أغناه عنها ، مستدلين بما وقع في الإنجيل أن الكلمة صار لحما و لم يقل صار إنساناً ، و جعلا من الإله عظيما و أعظم منه و الأب أفضل عظماً . و قال : إن الأب غير محدود في القوة و في الجواهر . فأبطلوا هذه المقالة و لعنوهما و أشادوا بكفرهما و زادوا في الأمانة التي قررها جماعة نيقية ما نصه : و نؤمن بروح القدس المنتقى من الأب . و لعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أو ينقص منها .
ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينة لأنه كان يقول : إن مريم لم تلد إلها و إنما ولدت إنساناً ، و إنما اتحد به في المشيئة لا في اللذات و ليس هو إلهاً حقيقية بل بالمواهبة و الكرامة . و يقول بجوهرين و أقنومين : و هذا الرأي الذي أظهره نسطوريوس كان رأي تاودوس و ديودوس الأسقفين ، و كان من مقالتهما أن المولود من مريم هو المسيح و المولود من الآب هو الابن الأزلي و الابن الأزلي حل في المسيح المحدث فسمي المسيح ابن الله بالموهبة و الكرامة ، وإنما الاتحاد بالمشيئة و الإرادة . فأثبتوا لله ولدين أحدهما بالجوهر و الثاني بالنعمة . و بلغت مقالة نسطوريوس إلى كرلس بطرك اسكندرية ، فكتب إلى بطرك رومة و هو أكليمس ، و إلى يوحنا و هو بطرك أنطاكية ، و إلى يونالوس أسقف بيت المقدس . فكتبوا إلى نسطوريوس ليدفعوه عن ذلك بالحجة فلم يرجع و لا التفت إلى قولهم . فاجتمعوا في مدينة أفسيس في مائتين أسقفاً للنظر في مقالته ، فقرروا إبطالها و لعنوه و أشاروا بكفره ، و وجد عليهم يوحنا بطرك انطاكية حيث لم ينتظروا حضوره فخالفهم و وافق نسطوريوس ، ثم أصلح بينهم باوداسوس من بعد مدة و اتفقوا على نسطوريوس . و كتب أساقفة المشارقة أمانتهم و بعثوا بها إلى كرلس فقبلها و نفى نسطوريوس إلى صعيد مصر ، فنزل أخميم و مات بها لسبع سنين من نزولها ، و ظهرت مقالته في نصارى المشرق و بفارس و العراق و الجزيرة و الموصل إلى الفرات . و كان بعد ذلك بإحدى و عشرين سنة المجمع الرابع بمدينة خلقدونية ، اجتمع فيه ستمائة و أربعة و ثلاثون أسقفاً من فتيان قيصر للنظر في مقالة ديسقورس بطرك الإسكندرية لأنه كان
نؤمن بالله الواحد الأحد الأب مالك كل شيء و صانع ما يرى و ما لا يرى و بالابن الوحيد إيشوع المسيح ابن الله ذكر الخلائق كلها و ليس بمصنوع إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم و كل شيء الذي من أجلنا و من أجل خلاصنا بعث العوالم و كل شيء الذي نزل من السماء و تجسد من روح القدس و ولد من مريم البتول و صلب أيام فيلاطوس و دفن ثم قام في اليوم الثالث و صعد إلى السماء و جلس على يمين أبيه و هو مستعد للمجيء تارة أخرى بالقضاء بين الأحياء و الأموات و تؤمن بروح الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه بمعمودية واحدة لغفران الخطايا و بجماعة قدسية مسيحية جاثليقية و بقيام أبداننا بالحياة الدائمة أبد الآبدين انتهى .
هذا هو اتفاق المجمع الأول الذي هو مجتمع نيقية و فيه إشارة إلى حشر الأبدان و لا يتفق النصارى عليه ، و إنما يتفقون على حشر الأرواح و يسمون هذه العقيدة الأمانة ، و وضعوا معها قوانين الشرائع و يسمونها الهيمايون .
و توفي الإسكندروس البطرك بعد هذا المجمع بخمسة أشهر ، و لما عمرت هلانة أم قسطنطين الكنائس و أحب الملك أن يقدسها و يجمع الأساقفة لذلك ، و بعث أوسانيوس بطرك القسطنطينية و حضر معهم أثناس بطرك الإسكندرية ، و اجتمعوا في صور و كان أوسانيوس الذي أخرجه اسكندروس مع أربوس من كنيسة إسكندرية .
و كان بسب بذلك مجمع نيقية و كتاب الأمانة . و نفي أريوس حينئذ و أوسانيوس و صاحبهما و لعنوا . جاء أوسانيوس من بعد ذلك و أظهر البراءة من أريوس و من مقالته فقبله قسطنطين و جعله بطركاً بالقسطنطينية ، فلما اجتمعوا في صور و كان فيهم أومانيوس على رأي أريوس ، فأشار أوسانيوس بطرك القسطنطينية بأن يظاهر أثناس بطرك الإسكندرية عن مقالة أريوس . فقال أومانيوس : إن أريوس لم يقل إن المسيح خلق العالم و إنما قال هو كلمة الله التي بها خلق كما وقع في الإنجيل . فقال أثناس بطرك الإسكندرية : و هذا الكلام أيضاً يقتضي أن الابن مخلوق و أنه خلق المخلوقات دون الأب لأنه إذا كان يخلق به فالأب لم يخلق شيئاً لأنه مستعين بغيره و الفاعل بغيره محتاج إلى ذلك المتمم فهو في ذاته الخالق و الله سبحانه منزه عن ذلك و إن زعم أريوس أن الأب يريد الشيء و الابن يكونه فقد جعل فعل الابن أتم لأن الأب إنما له الإرادة فقط و للابن الإختراع فهو أتم .
فلما ظهر بطلان مقالة أريوس و ثبوا على أومانيوس المناظر عن مقالة أريوس و ضربوه ضرباً وجيعاً ، و خلصه ابن أخت الملك ، ثم قدسوا الكنائس ، و انفض الجمع و بلغ الخبر إلى قسطنطين فندم على بطركية أوسانيوس بالقسطنطينية و غضب عليه و مات لسنتين من رياسته ، و اجتمع بعد ذلك أصحاب أريوس إلى قسطنطين فحسنوا له تلك المقالة ، و أن جماعة نيقية ظلموا أريوس و بغوا عليه وصدوا عن الحق في قولهم إن الأب مساو للابن في الجوهرية و كاد الملك أن يقبلا منهم . فكتب إليه كيراش أسقف بيت المقدس يحذره من مقالة أريوس فقبل و رجع . و اختلف حال ملوك القياصرة بعد قسطنطين في الأخذ بالأمانة أو بمقالة أريوس ، و ظهور إحدى الطائفتين متى كان الملك على دينهم . و أفحش بعض ملوك القياصرة في الحق على مخالفه ، فقال له بعض العلماء و الحكماء : لا تنكر المخالفة فالحنفاء يختلفون أيضاً و إنما هو الخلق يحمدون الله و يصفونه بالصفات الكثيرة و الله يحب ذلك . فسكن بعض الشيء و كان بعضهم يعرض عن الطائفتين و يخلي كل أحد و دينه . ثم كان المجمع الثاني بقسطنطينية بعد مجمع نيقية بمائتين و خمسين سنة اجتمعوا للنظر في مقالة مقدونيوس و سليوس ، بأن جسد المسيح بغيرنا موت و أن اللاهوت أغناه عنها ، مستدلين بما وقع في الإنجيل أن الكلمة صار لحما و لم يقل صار إنساناً ، و جعلا من الإله عظيما و أعظم منه و الأب أفضل عظماً . و قال : إن الأب غير محدود في القوة و في الجواهر . فأبطلوا هذه المقالة و لعنوهما و أشادوا بكفرهما و زادوا في الأمانة التي قررها جماعة نيقية ما نصه : و نؤمن بروح القدس المنتقى من الأب . و لعنوا من يزيد بعد ذلك على كلمة الأمانة أو ينقص منها .
ثم كان لهم بعد ذلك بأربعين سنة المجمع الثالث على نسطوريوس البطرك بالقسطنطينة لأنه كان يقول : إن مريم لم تلد إلها و إنما ولدت إنساناً ، و إنما اتحد به في المشيئة لا في اللذات و ليس هو إلهاً حقيقية بل بالمواهبة و الكرامة . و يقول بجوهرين و أقنومين : و هذا الرأي الذي أظهره نسطوريوس كان رأي تاودوس و ديودوس الأسقفين ، و كان من مقالتهما أن المولود من مريم هو المسيح و المولود من الآب هو الابن الأزلي و الابن الأزلي حل في المسيح المحدث فسمي المسيح ابن الله بالموهبة و الكرامة ، وإنما الاتحاد بالمشيئة و الإرادة . فأثبتوا لله ولدين أحدهما بالجوهر و الثاني بالنعمة . و بلغت مقالة نسطوريوس إلى كرلس بطرك اسكندرية ، فكتب إلى بطرك رومة و هو أكليمس ، و إلى يوحنا و هو بطرك أنطاكية ، و إلى يونالوس أسقف بيت المقدس . فكتبوا إلى نسطوريوس ليدفعوه عن ذلك بالحجة فلم يرجع و لا التفت إلى قولهم . فاجتمعوا في مدينة أفسيس في مائتين أسقفاً للنظر في مقالته ، فقرروا إبطالها و لعنوه و أشاروا بكفره ، و وجد عليهم يوحنا بطرك انطاكية حيث لم ينتظروا حضوره فخالفهم و وافق نسطوريوس ، ثم أصلح بينهم باوداسوس من بعد مدة و اتفقوا على نسطوريوس . و كتب أساقفة المشارقة أمانتهم و بعثوا بها إلى كرلس فقبلها و نفى نسطوريوس إلى صعيد مصر ، فنزل أخميم و مات بها لسبع سنين من نزولها ، و ظهرت مقالته في نصارى المشرق و بفارس و العراق و الجزيرة و الموصل إلى الفرات . و كان بعد ذلك بإحدى و عشرين سنة المجمع الرابع بمدينة خلقدونية ، اجتمع فيه ستمائة و أربعة و ثلاثون أسقفاً من فتيان قيصر للنظر في مقالة ديسقورس بطرك الإسكندرية لأنه كان
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
يقول : المسيح جوهر من جوهرين و أقنوم من أقنومين و طبيعة من طبيعتين و مشيئة من مشيئتين . و كانت الأساقفة و البطاركة لذلك العهد يقولون بجوهرين و طبيعتين و مشيئتين و أقنوم واحد ، فخالفهم ديسقورس في بعض الأساقفة و كتب خطه بذلك و لعن من يخالفه . فأراد مرقيان قيصر قتله ، فأشارت البطارقة بإحضاره و جمع الأساقفة لمناظرته ، فحضر بمجلس مرقيان قيصر و افتضح في مخاطبتهم و مناظرتهم . خاطبته زوج الملك فأساء الرد فلطمته بيدها ، و تناوله الحاضرون بالضرب ، و كتب مرقيان قيصر إلى أهل مملكته في جميع النواحي بأن مجمع خلقدونية هو الحق و من لا يقبله يقتل . و مر ديسقورس بالقدس و أرض فلسطين و هو مضروب منفي فاتبعوا رأيه ، و كذلك اتبعه أهل مصر و الإسكندرية ، و ولي و هو في النفي أساقفة كثيرة كلهم يعقوبية .
قال ابن العميد : و إنما سمي أهل مذهب ديسقورس يعقوبية لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب ، وكان يكتب إلى المؤمنين من المسكين المنفي يعقوب . و قيل بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه . و قيل بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقورس و كان له تلميذ اسمه يعقوب ، فكان شاويرش يبعث يعقوب إلى المؤمنين ليثبتوا على أمانة ديسقورس فنسبوا إليه .
قال : و من جمع خلقدونية افترقت الكنائس و الأساقفة إلى يعقوبية و ملكية و نسطورية ، فاليعقوبية أهل مذهب ديسقورس الذي قررناه آنفاً ، و الملكية أهل الأمانة التي قررها جماعة خلقدونية بعدهم و عليها جمهور النصرانية ، و النسطورية اهل المجمع الثالث و أكثرهم بالمشرق . و بقي الملكية و اليعقوبية يتعاقبون في الرياسة على الكراسبي بحسب من يريدهم من القياصرة و ما يختارونه من المذهبين .
ثم كان بعد ذلك بمائة و ثلاثين سنة أو ثلاث و ستين سنة المجمع الخامس بقسطنطينية في أيام يوسيطانوس قيصر ، للنظر في مقالة أقفسح لأنه نقل عنه أنه يقول : بالتناسخ و ينكر البعث . و نقل عن أساقفة أنقرا و المصيصة و الرها أنهم يقولون أن جسد المسيح فنطايسا . فأحضر قيصر جمعهم بالقسطنطينية ليناظرهم البطرك بها ، فقال البطرك : إن كان جسد المسيح فني فقوله و فعله كذلك . و قال الأسقف أقفسح : إنما قام المسيح من بين الأموات ليحقق البعث و القيامة ، فكيف تنكر ذلك أنت ؟ و جمع لهم مائة و عشرين أسقفا فأشادوا بكفره و أوجبوا لعنتهم و لعنة من يقول بقولهم . و استقرت فرق النصارى على هذه الثلاثة .
الخبر عن الفرس و ذكر أيامهم و دولهم و تسمية ملوكهم و كيف كان مصير أمرهم إلى تمامه و انقراضه
هذه الأمة من أقدم أمم العالم أشدهم قوة و آثاراً في الأرض ، و كانت لهم في العالم دولتان عظيمتان طويلتان : الأولى منهما الكينية ، و يظهر أن مبتدأها و مبتدأ دولة التبابعة و بني إسرائيل واحد و أن الثلاثة متعاصرة . و دولة الكينية هذه هي التي غلب عليها الإسكندر و الساسانية الكسروية ، و يظهر أنها معاصرة لدولة الروم بالشام ، و هي التي غلب عليها المسلمون . و أما ما قبل هاتين الدولتين فبعيد ، و أخباره متعارضة و نحن ذاكرون ما اشتهر من ذلك . و أما أنسابهم فلا خلاف بين المحققين أنهم من ولد سام بن نوح و أن جدهم الأعلى الذي ينتمون إليه هو فرس ، و المشهور أنهم من ولد إيران بن أشوذ بن سام بن نوح . و أرض إيران هي بلاد الفرس ، و لما عربت قيل لها إعراق ، هذا عند المحققين . و قيل إنهم منسوبون إلى إيران بن إيران بن أشوذ ، و قيل إلى غليم بن سام . و وقع في التوراة ذكر ملك الأهواز كردامر من بني غليم ، فهذا أصل هذا القول و الله أعلم ، لأن الأهواز من ممالك بلاد فارس . و قيل : إلى لاوذ بن إرم بن سام ، و قيل إلى أميم بن لاوذ ، و قيل إلى يوسف بن يعقوب بن إسحق . و يقال إن الساسانية فقط من ولد إسحق و أنه يسمى عندهم وترك ، و أن جدهم منوشهر بن منشحر بن فرهس بن وترك ، هكذا نقل المسعودي هذه الأسماء و هي كما تراه غير مضبوطة . و فيما قيل : إن الفرس كلهم من ولد إيران بن أفريدون الآتي ذكره ، و أن من قبله لا يسمون بالفرس و الله أعلم . و كان أول ما ملك إيران أرض فارس فتوارث أعقابه الملك ثم صارت لهم خراسان و مملكة النبط و الجرامقة ، ثم اتسعت مملكتهم إلى الإسكندرية غرباً و باب الأبواب شمالاً . و في الكتب أن أرض إيران هي أرض الترك ، و عند الإسرائيليين أنهم من ولد طيراس بن يافث و إخوتهم بنو مادي بن يافث و كانوا مملكة واحدة .
فأما علماء الفرس و نسابتهم فيأتون من هذا كله و ينسبون الفرس إلى كيومرث و لا يرفعون نسبه إلى ما فوقه ، و معنى هذا الاسم عندهم ابن الطين و هو عندهم أول النسب ، هذا رأيهم . و أما مواطن الفرس فكانت أول أمرهم بأرض فارس و بهم سميت ، و يجاورهم إخوانهم في نسب أشوذ بن سام و هم فيما قال البيهقي : الكرد و الديلم و الخزر و النبط و الجرامقة . ثم صارت لهم خراسان و مملكة النبط و الجرامقة و سائر هؤلاء الأمم ، ثم اتسعت ممالكهم إلى الإسكندرية .و في هذا الجيل على ما اتفق عليه المؤرخون أربع طبقات : الطبقة الأولى تسمى البيشدانية ، و الطبقة الثانية تسمى الكينية ، و الطبقة الثالثة تسمى الأشكانية و الطبقة الرابعة تسمى الساسانية ، و مدة ملكهم في العالم على مانقل ابن سعيد عن كتاب تاريخ الأمم لعلي بن حمزة الأصبهاني ، و ذلك من زمن كيومرث أبيهم إلى مهلك يزدجرد أيام عثمان أربعة آلاف سنة و مائتا سنة و نحو إحدى و ثمانين سنة . و كيومرث عندهم هو أول ملك نصب في
قال ابن العميد : و إنما سمي أهل مذهب ديسقورس يعقوبية لأن اسمه كان في الغلمانية يعقوب ، وكان يكتب إلى المؤمنين من المسكين المنفي يعقوب . و قيل بل كان له تلميذ اسمه يعقوب فنسبوا إليه . و قيل بل كان شاويرش بطرك أنطاكية على رأي ديسقورس و كان له تلميذ اسمه يعقوب ، فكان شاويرش يبعث يعقوب إلى المؤمنين ليثبتوا على أمانة ديسقورس فنسبوا إليه .
قال : و من جمع خلقدونية افترقت الكنائس و الأساقفة إلى يعقوبية و ملكية و نسطورية ، فاليعقوبية أهل مذهب ديسقورس الذي قررناه آنفاً ، و الملكية أهل الأمانة التي قررها جماعة خلقدونية بعدهم و عليها جمهور النصرانية ، و النسطورية اهل المجمع الثالث و أكثرهم بالمشرق . و بقي الملكية و اليعقوبية يتعاقبون في الرياسة على الكراسبي بحسب من يريدهم من القياصرة و ما يختارونه من المذهبين .
ثم كان بعد ذلك بمائة و ثلاثين سنة أو ثلاث و ستين سنة المجمع الخامس بقسطنطينية في أيام يوسيطانوس قيصر ، للنظر في مقالة أقفسح لأنه نقل عنه أنه يقول : بالتناسخ و ينكر البعث . و نقل عن أساقفة أنقرا و المصيصة و الرها أنهم يقولون أن جسد المسيح فنطايسا . فأحضر قيصر جمعهم بالقسطنطينية ليناظرهم البطرك بها ، فقال البطرك : إن كان جسد المسيح فني فقوله و فعله كذلك . و قال الأسقف أقفسح : إنما قام المسيح من بين الأموات ليحقق البعث و القيامة ، فكيف تنكر ذلك أنت ؟ و جمع لهم مائة و عشرين أسقفا فأشادوا بكفره و أوجبوا لعنتهم و لعنة من يقول بقولهم . و استقرت فرق النصارى على هذه الثلاثة .
الخبر عن الفرس و ذكر أيامهم و دولهم و تسمية ملوكهم و كيف كان مصير أمرهم إلى تمامه و انقراضه
هذه الأمة من أقدم أمم العالم أشدهم قوة و آثاراً في الأرض ، و كانت لهم في العالم دولتان عظيمتان طويلتان : الأولى منهما الكينية ، و يظهر أن مبتدأها و مبتدأ دولة التبابعة و بني إسرائيل واحد و أن الثلاثة متعاصرة . و دولة الكينية هذه هي التي غلب عليها الإسكندر و الساسانية الكسروية ، و يظهر أنها معاصرة لدولة الروم بالشام ، و هي التي غلب عليها المسلمون . و أما ما قبل هاتين الدولتين فبعيد ، و أخباره متعارضة و نحن ذاكرون ما اشتهر من ذلك . و أما أنسابهم فلا خلاف بين المحققين أنهم من ولد سام بن نوح و أن جدهم الأعلى الذي ينتمون إليه هو فرس ، و المشهور أنهم من ولد إيران بن أشوذ بن سام بن نوح . و أرض إيران هي بلاد الفرس ، و لما عربت قيل لها إعراق ، هذا عند المحققين . و قيل إنهم منسوبون إلى إيران بن إيران بن أشوذ ، و قيل إلى غليم بن سام . و وقع في التوراة ذكر ملك الأهواز كردامر من بني غليم ، فهذا أصل هذا القول و الله أعلم ، لأن الأهواز من ممالك بلاد فارس . و قيل : إلى لاوذ بن إرم بن سام ، و قيل إلى أميم بن لاوذ ، و قيل إلى يوسف بن يعقوب بن إسحق . و يقال إن الساسانية فقط من ولد إسحق و أنه يسمى عندهم وترك ، و أن جدهم منوشهر بن منشحر بن فرهس بن وترك ، هكذا نقل المسعودي هذه الأسماء و هي كما تراه غير مضبوطة . و فيما قيل : إن الفرس كلهم من ولد إيران بن أفريدون الآتي ذكره ، و أن من قبله لا يسمون بالفرس و الله أعلم . و كان أول ما ملك إيران أرض فارس فتوارث أعقابه الملك ثم صارت لهم خراسان و مملكة النبط و الجرامقة ، ثم اتسعت مملكتهم إلى الإسكندرية غرباً و باب الأبواب شمالاً . و في الكتب أن أرض إيران هي أرض الترك ، و عند الإسرائيليين أنهم من ولد طيراس بن يافث و إخوتهم بنو مادي بن يافث و كانوا مملكة واحدة .
فأما علماء الفرس و نسابتهم فيأتون من هذا كله و ينسبون الفرس إلى كيومرث و لا يرفعون نسبه إلى ما فوقه ، و معنى هذا الاسم عندهم ابن الطين و هو عندهم أول النسب ، هذا رأيهم . و أما مواطن الفرس فكانت أول أمرهم بأرض فارس و بهم سميت ، و يجاورهم إخوانهم في نسب أشوذ بن سام و هم فيما قال البيهقي : الكرد و الديلم و الخزر و النبط و الجرامقة . ثم صارت لهم خراسان و مملكة النبط و الجرامقة و سائر هؤلاء الأمم ، ثم اتسعت ممالكهم إلى الإسكندرية .و في هذا الجيل على ما اتفق عليه المؤرخون أربع طبقات : الطبقة الأولى تسمى البيشدانية ، و الطبقة الثانية تسمى الكينية ، و الطبقة الثالثة تسمى الأشكانية و الطبقة الرابعة تسمى الساسانية ، و مدة ملكهم في العالم على مانقل ابن سعيد عن كتاب تاريخ الأمم لعلي بن حمزة الأصبهاني ، و ذلك من زمن كيومرث أبيهم إلى مهلك يزدجرد أيام عثمان أربعة آلاف سنة و مائتا سنة و نحو إحدى و ثمانين سنة . و كيومرث عندهم هو أول ملك نصب في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان-
الأرض و يزعمون ، فيما قال المسعودي ، أنه عاش ألف سنة ، و ضبطه بكاف أول الاسم قبل الياء المثناة من أسفل ، و السهيلي ضبطه ، بجيم مكان الكاف و الظاهر أن الحرف بين الجيم و الكاف كما قدمناه .
الطبقة الأولى من الفرس و ذكر ملوكهم و ما صار إليه في الخليفة أحوالهم
الفرس كلهم متفقون على أن كيومرت هو آدم الذي هو أول الخليقة ، و كان له ابن اسمه منشا و لمنشا سيامك و لسيامك أفروال و معه أربعة بنين و أربع بنات ، و من أفروال كان نسل كيومرت ، و الباقون انقرضوا فلا يعرف لهم عقب . قالوا : و ولد لأفروال أوشهنك بيشداد ، فاللفظة الأولى حرفها الأخير بين الكاف و القاف و الجيم و اللفظة الأخرى معناها بلغتهم النور ، قاله السهيلي .
و قال الطبري : أول حاكم بالعدل ، و كان أفروال وارث ملك كيومرت و ملك الأقاليم السبعة . قال الطبري عن ابن الكلبي : إنه أوشهنك بن عابر بن شالخ قال : و الفرس تدعيه و تزعم أنه بعد آدم بمائتي سنة ، قال و إنما كان نوح بعد آدم بمائتي سنة فصيره بعد آدم . و أنكره الطبري لأن شهرة أوشهنك تمنع من مثل هذا الغلط فيه ، و يزعم بعض الفرس أن أوشهنك بيشداد هو مهلايل و أن أباه أفروال هو قينن و أن سيامك هو أنوش و أن منشا هو شيث و أن كيومرت هو آدم . قاتل و زعمت الفرس أن ملك أوشهنك كان أربعين سنة فلا يبعد أن يكون بعد آدم بمائتي سنة . و قال بعض علماء الفرس : أن كيومرت هو كومر بن يافث بن نوح ، و أنه كان معمراً و نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان و ملكها ، ثم ملك فارس و عظم أمره و أمر بنيه حتى ملكوا بابل . و أن كيومرت هو الذي بنى المدن و الحصون و اتخذ الخيل و تسمى بآدم و حمل الناس على دعائه بذلك ، و أن الفرس من عقب ولده ماداي ، و لم يزل الملك في عقبهم في الكينية و الكسروية إلى آخر أيامهم .
و تقول الفرس أن أوشهنك و هو مهلايل ملك الهند ، قالوا و ملك بعد أوشهنك طهمورث بن أنوجهان بن أنكهد بن أسكهد بن أوشهنك . و قيل مكان أسكهد فيشداد ، و كلها أسماء أعجمية لا عهدة علينا في نقلها لعجمتها و انقطاع الرواية في الأصول التي نقلت منها .
قال ابن الكلبي : إن طهمورث أول ملوك بابل و أنه ملك الأقاليم كلهم و كان محموداً في ملكه و في أول سنة من ملكه ظهر بيوراسب و دعا إلى ملة الصابئة . و قال علماء الفرس : ملك بعد طهمورث جمشيد و معناه الشجاع لجماعة و هو جم بن نوجهان أخو طهمورث ، و ملك الأرض و استقام أمره ، ثم بطر النعمة و ساءت أحواله فخرج عليه قبل موته بسنة بيوراسب و ظفر به فنشره بمنشار و أكله و شرط أمعاءه . و قيل إنه ادعى الربوبية فخرج عليه أولاً أخوه أستوير فاختفى . ثم خرج بيوراسب فانتزع الأمر من يده و ملك سبعمائة سنة . و قال ابن الكلبي مثل ذلك .
قال الطبري : بيوراسب هو الازدهاك و العرب تسميه الضحاك ، و هو بصاد بين السين و الزاي و جاء قريب من الهاء و كاف قريبة من القاف و هو الذي عني أبو نواس بقوله :
و كان منا الضحاك تعبده الـ جامل و الجن في محاربها لأن اليمن تدعيه . قال : و تقول العجم إن جمشيد زوج أخته من بعض أهل بيته و ملك على اليمن فولدت الضحاك . و تقول أهل اليمن في نسبه الضحاك بن علوان بن عبيدة بن عويج ، و أنه بعث على مصر أخاه سنان بن علوان ملكاً و هو فرعون إبراهيم ، قاله ابن الكلبي .
و أما الفرس فينسبونه هكذا : بيوارسب بن رتيكان بن ويدوشتك بن فارس بن أفروال ، و منهم من خالف في هذا . و يزعمون أنه ملك الأقاليم كلها ، و كان ساحراً كافراً و قتل أباه ، و كان أكثر إقامته ببابل .
و قال هشام : ملك الضحاك و هو نمرود الخليل بعد جمشيد و أنه التاسع منهم ، و كان مولده بدنباوند ، و أن الضحاك سار إلى الهند فخالفه أفريدون إلى بلاده فملكها ، و رجع الضحاك فظفر به أفريدون و حبسه بجبال دنباوند ، و اتخذ يوم ظفر به عيداً . و عند الفرس أن الملك إنما كان للبيت الذي وطنه أوشهنك و جمشيد و أن الضحاك هو بيوارسب خرج عليهم و بنى بابل ، و جعل النبط جنده . و غلب أهل الأرض بسحره ، و خرج عليه رجل من عامة أصبهان اسمه عالي ، و بيده عصا علق فيها جراباً و اتخذها رايةً ، و دعا الناس إلى حربه ، فأجابوا و غلبه فلم يدع الملك و أشار بتولية بني جمشيد لأنه من عقب أوشهنك ملكهم الأول ابن أفروال ، فاستخرجوا أفريدن من مكان اختفائه فملكوه و اتبع الضحاك فقتله ، و قيل أسره بدنباوند . و يقال كان على عهد نوح و إليه بعث . و لهذا يقال إن أفريدون هو نوح ، والتحقيق عند نسابة الفرس على ما نقل هشام بن الكلبي أن أفريدون من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء . و ملك مائتي سنة و رد غصوب الضحاك و مظالمه . وكان له ثلاثة بنين الأكبر سرم و الثاني طوج و الثالث إيرج ، و أنه قسم الأرض بينهم ، فكانت الروم و ناحية المغرب لسرم ، و الترك و الصين و العراق لإيرج و آثره بالتاج و السرير ، و لما مات قتله أخواه و اقتسما الأرض بينهما ثلثمائة سنة .
الطبقة الأولى من الفرس و ذكر ملوكهم و ما صار إليه في الخليفة أحوالهم
الفرس كلهم متفقون على أن كيومرت هو آدم الذي هو أول الخليقة ، و كان له ابن اسمه منشا و لمنشا سيامك و لسيامك أفروال و معه أربعة بنين و أربع بنات ، و من أفروال كان نسل كيومرت ، و الباقون انقرضوا فلا يعرف لهم عقب . قالوا : و ولد لأفروال أوشهنك بيشداد ، فاللفظة الأولى حرفها الأخير بين الكاف و القاف و الجيم و اللفظة الأخرى معناها بلغتهم النور ، قاله السهيلي .
و قال الطبري : أول حاكم بالعدل ، و كان أفروال وارث ملك كيومرت و ملك الأقاليم السبعة . قال الطبري عن ابن الكلبي : إنه أوشهنك بن عابر بن شالخ قال : و الفرس تدعيه و تزعم أنه بعد آدم بمائتي سنة ، قال و إنما كان نوح بعد آدم بمائتي سنة فصيره بعد آدم . و أنكره الطبري لأن شهرة أوشهنك تمنع من مثل هذا الغلط فيه ، و يزعم بعض الفرس أن أوشهنك بيشداد هو مهلايل و أن أباه أفروال هو قينن و أن سيامك هو أنوش و أن منشا هو شيث و أن كيومرت هو آدم . قاتل و زعمت الفرس أن ملك أوشهنك كان أربعين سنة فلا يبعد أن يكون بعد آدم بمائتي سنة . و قال بعض علماء الفرس : أن كيومرت هو كومر بن يافث بن نوح ، و أنه كان معمراً و نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان و ملكها ، ثم ملك فارس و عظم أمره و أمر بنيه حتى ملكوا بابل . و أن كيومرت هو الذي بنى المدن و الحصون و اتخذ الخيل و تسمى بآدم و حمل الناس على دعائه بذلك ، و أن الفرس من عقب ولده ماداي ، و لم يزل الملك في عقبهم في الكينية و الكسروية إلى آخر أيامهم .
و تقول الفرس أن أوشهنك و هو مهلايل ملك الهند ، قالوا و ملك بعد أوشهنك طهمورث بن أنوجهان بن أنكهد بن أسكهد بن أوشهنك . و قيل مكان أسكهد فيشداد ، و كلها أسماء أعجمية لا عهدة علينا في نقلها لعجمتها و انقطاع الرواية في الأصول التي نقلت منها .
قال ابن الكلبي : إن طهمورث أول ملوك بابل و أنه ملك الأقاليم كلهم و كان محموداً في ملكه و في أول سنة من ملكه ظهر بيوراسب و دعا إلى ملة الصابئة . و قال علماء الفرس : ملك بعد طهمورث جمشيد و معناه الشجاع لجماعة و هو جم بن نوجهان أخو طهمورث ، و ملك الأرض و استقام أمره ، ثم بطر النعمة و ساءت أحواله فخرج عليه قبل موته بسنة بيوراسب و ظفر به فنشره بمنشار و أكله و شرط أمعاءه . و قيل إنه ادعى الربوبية فخرج عليه أولاً أخوه أستوير فاختفى . ثم خرج بيوراسب فانتزع الأمر من يده و ملك سبعمائة سنة . و قال ابن الكلبي مثل ذلك .
قال الطبري : بيوراسب هو الازدهاك و العرب تسميه الضحاك ، و هو بصاد بين السين و الزاي و جاء قريب من الهاء و كاف قريبة من القاف و هو الذي عني أبو نواس بقوله :
و كان منا الضحاك تعبده الـ جامل و الجن في محاربها لأن اليمن تدعيه . قال : و تقول العجم إن جمشيد زوج أخته من بعض أهل بيته و ملك على اليمن فولدت الضحاك . و تقول أهل اليمن في نسبه الضحاك بن علوان بن عبيدة بن عويج ، و أنه بعث على مصر أخاه سنان بن علوان ملكاً و هو فرعون إبراهيم ، قاله ابن الكلبي .
و أما الفرس فينسبونه هكذا : بيوارسب بن رتيكان بن ويدوشتك بن فارس بن أفروال ، و منهم من خالف في هذا . و يزعمون أنه ملك الأقاليم كلها ، و كان ساحراً كافراً و قتل أباه ، و كان أكثر إقامته ببابل .
و قال هشام : ملك الضحاك و هو نمرود الخليل بعد جمشيد و أنه التاسع منهم ، و كان مولده بدنباوند ، و أن الضحاك سار إلى الهند فخالفه أفريدون إلى بلاده فملكها ، و رجع الضحاك فظفر به أفريدون و حبسه بجبال دنباوند ، و اتخذ يوم ظفر به عيداً . و عند الفرس أن الملك إنما كان للبيت الذي وطنه أوشهنك و جمشيد و أن الضحاك هو بيوارسب خرج عليهم و بنى بابل ، و جعل النبط جنده . و غلب أهل الأرض بسحره ، و خرج عليه رجل من عامة أصبهان اسمه عالي ، و بيده عصا علق فيها جراباً و اتخذها رايةً ، و دعا الناس إلى حربه ، فأجابوا و غلبه فلم يدع الملك و أشار بتولية بني جمشيد لأنه من عقب أوشهنك ملكهم الأول ابن أفروال ، فاستخرجوا أفريدن من مكان اختفائه فملكوه و اتبع الضحاك فقتله ، و قيل أسره بدنباوند . و يقال كان على عهد نوح و إليه بعث . و لهذا يقال إن أفريدون هو نوح ، والتحقيق عند نسابة الفرس على ما نقل هشام بن الكلبي أن أفريدون من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء . و ملك مائتي سنة و رد غصوب الضحاك و مظالمه . وكان له ثلاثة بنين الأكبر سرم و الثاني طوج و الثالث إيرج ، و أنه قسم الأرض بينهم ، فكانت الروم و ناحية المغرب لسرم ، و الترك و الصين و العراق لإيرج و آثره بالتاج و السرير ، و لما مات قتله أخواه و اقتسما الأرض بينهما ثلثمائة سنة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - والله الموفق
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- والله المستعان
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - والله الموفق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى