تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
3 مشترك
صفحة 2 من اصل 3
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بقية أخبار أفتكين
و لما توفي المعز و ولي العزيز ، قام أفتكين و قصد البلاد التي لهم بساحل الشام فبدأ بصيدا فحاصرها ، و بها ابن الشيخ في رؤوس المغاربة و ظالم بن موهوب العقيلي فبرزوا إليه و قاتلوه فاستنجد لهم ، ثم كر عليهم و أوقع بهم و قتل منهم أربعة آلاف ، و سار إلى عكة فحاصرها و قصد طبرية و فعل فيها مثل صيدا . و رجع و استشار العزيز و زيره يعقوب بن كلس فأشار بإرسال جوهر الكاتب إليه ، فجهزه العزيز و بعثه ، و أقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهم و يذكرهم بذلك ليختبرهم فتطارحوا إليه ، و استماتوا و استحلفهم على ذلك . و وصل جوهر في ذي القعدة سنة خمس و ستين فحاصر دمشق شهرين ، و ضيق حصارها و كتب أفتكين إلى الأعصم ملك القرامطة يستنجده ، فسار إليه من الأحساء و اجتمع إليهم من رجال الشام و العرب نحو من خمسين ألفا ، و أدركوا جوهرا بالرملة و قطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد ، و أرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة و الوعد . والقرمطي يمنعه ، ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين ، و لم يزل جوهر يعتل له في الدروة و الغارب ، و أفتكين يعتذر بالقرمطي و يقول أنت حملتني على مداراته . فلما أيس منه كشف لهم عماهم فيه من الضيق ، و سأله الصنيعة و أنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك ، و عزله القرمطي . و أراه جوهر أن يحمل العزيز على المسر بنفسه فصم من عزله و أبى إلا الوفاء ، و انطلق جوهر إلى مصر و أغرى العزيز بالمسير إليهم ، فتجهز في العسا كر ، و سار و جوهر في مقدمته ، و رجع أفتكين و القرمطي إلى الرملة ، و احتشدوا و وصل العزيز فاصطفوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع و ستين . و بعث العزيز إلى أفتكين يدعوه إلى الطاعة و يرغبه و يعده بالتقدم في دولته و يدعوه إلى الحضور عنده ، فتقدم بين ا لصفين و ترجل و قبل الأرض و قال : قل لأمير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت ، و أما الآن فلا يمكنني . وحمل على الميسرة فهزمهم و قتل الكثير منهم ، فامتعض العزيز و حمل هو و الميمنة جميعا فهزمهم ، و وضع المغاربة السيف فقتلوا نحوا من عشرين ألفا ، ثم نزل في خيامه و جيء بالأسرى فخلع على من جاء بهم و بذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار ، فلقيه المفرج بن دغفل الطائي ، و قد جهده العطش فاستسقاه فسقاه و تركه بعرشه مكرما . و جاء إلى العزيز فأخبره بمكانه ، وأخذ المائة ألف التي بذلها فيه ، و أمكنه من قياده . و لما حضر عند العزيز و هو لا يشك أنه مقتول أكرمه العزيز و وصله ، و نصب له الخيام و أعاد إليه ما نهب له ، و رجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه و حجابه ، و بعث إلى الأعصم القرمطي من يرده إليه ليصله ، كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية ، و امتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار و فرضها له ضريبة ، و سار القرمطي إلى الأحساء ، و عاد العزيز إلى مصر و رقى رتبة أفتكين و خص به الوزير يعقوب بن كلس فسمه ، و سمع العزيز بأنه سمه فحبسه أربعين يوما و صادره على خمسمائة ألف دينار ، ثم خلع عليه و أعاده إلى وزارته . و توفي جوهر الكاتب في ذي القعدة من سنة إحدى و ثمانين ، وقام ابنه الحسن مقامه ، و لقب قائد القواد . و كان أفتكين قد استخلص أيام وزارته بدمشق رجلا اسمه قسام ، فعلا صيته و كثر تابعه ، و استولى على البلد . و لما انهزم أفتكين و القرامطة ، بعث العزيز القائد أبا محمود بن إبراهيم واليا على دمشق كما كان لأبيه المعز فوجد فيها قساما قد ضبط البلد ، و هو يدعو للعزيز فلم يتم له معه ولاية . و بقي قسام مستبدا عليه إلى أن مات أبو محمود سنة سبعين . ثم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق ، عند انهزامه أمام عضد الدولة ، فمنعه قسام من الدخول و خاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز ، و استوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا ، ثم رحل إلى طبرية ، و جاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قساما بدمشق ، و لم يظفروا به و رجعوا . ثم بعث العزيز سنة تسع و ستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها ، و لم يمكنه قسام من دخولها ، و دس إلى الناس فقاتلوه و أزعجوه عن مكانه . وكان مفرج بن الجراح أمير بني طيء و سائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموعه و قويت شوكته ، و عاث في البلاد و خربها ، فجهز العزيز العساكر لحربه مع قائدة بلتكين التركي ، فسار إلى الرملة ، واجتمع إليه العرب من قيس و غيرهم ، و لقي ابن الجراح و قد أكمن لهم بلتكين من ورائهم ، فانهزم و مضى إلى أنطاكية ، فأجاره صاحبها ، و صادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشام فخاف ابن الجراح و كاتب بكجور مولى سيف الدولة و عامله على حمص ، و لجأ إليه فأجاره . ثم زحف بلتكين إلى دمشق و أظهر لقسام أنه جاء لإصلاح البلد . و كان مع قسام جيش ابن الصمصامة ابن أخت أبي محمود قد قام بعده في ولايته ، فخرج إلى بلتكين فأمره بالنزول معه بظاهر البلد هو و أصحابه . و استوحش قسام و تجهز للحرب . ثم قاتل و انهزم أصحابه ، و دخل بلتكين أطراف البلد فنهبوا و أحرقوا . و اعتزم أهل البلد على الإستئمان إلى بلتكين ، و شافهوه بذلك فأذن لهم ، و سمع قسام فاضطرب و ألقى ما بيده و استأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم و لقسام ، فأمن الجميع و ولى على البلد أميرا اسمه خطلج ، فدخل البلد و ذلك في المحرم سنة اثنتين و سبعين ، ثم اختفى قسام بعد يومين فنهبت دوره و دور أصحابه ، و جاء ملقيا بنفسه على بلتكين فقبله و حمله إلى مصر فأمنه العزيز . و كان بكجور فى غوية من غلمان سيف الدولة و عامله على حمص . و كان يمد دمشق أيام هذه الفتنة و الغلاء ، و يحمل الأقوات من حمص إليها و يكاتب العزيز بهذه الخدم ، ثم استوحش سنة ثلاث و سبعين من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق ، و صادف ذلك أن المغاربة بمصر أجمعوا على التوثب بالوزير ابن كلس ، و دعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم ، و ولاية بكجور على دمشق ففعل . و دخلها بكجور في رجب من سنة
و لما توفي المعز و ولي العزيز ، قام أفتكين و قصد البلاد التي لهم بساحل الشام فبدأ بصيدا فحاصرها ، و بها ابن الشيخ في رؤوس المغاربة و ظالم بن موهوب العقيلي فبرزوا إليه و قاتلوه فاستنجد لهم ، ثم كر عليهم و أوقع بهم و قتل منهم أربعة آلاف ، و سار إلى عكة فحاصرها و قصد طبرية و فعل فيها مثل صيدا . و رجع و استشار العزيز و زيره يعقوب بن كلس فأشار بإرسال جوهر الكاتب إليه ، فجهزه العزيز و بعثه ، و أقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهم و يذكرهم بذلك ليختبرهم فتطارحوا إليه ، و استماتوا و استحلفهم على ذلك . و وصل جوهر في ذي القعدة سنة خمس و ستين فحاصر دمشق شهرين ، و ضيق حصارها و كتب أفتكين إلى الأعصم ملك القرامطة يستنجده ، فسار إليه من الأحساء و اجتمع إليهم من رجال الشام و العرب نحو من خمسين ألفا ، و أدركوا جوهرا بالرملة و قطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد ، و أرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة و الوعد . والقرمطي يمنعه ، ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين ، و لم يزل جوهر يعتل له في الدروة و الغارب ، و أفتكين يعتذر بالقرمطي و يقول أنت حملتني على مداراته . فلما أيس منه كشف لهم عماهم فيه من الضيق ، و سأله الصنيعة و أنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك ، و عزله القرمطي . و أراه جوهر أن يحمل العزيز على المسر بنفسه فصم من عزله و أبى إلا الوفاء ، و انطلق جوهر إلى مصر و أغرى العزيز بالمسير إليهم ، فتجهز في العسا كر ، و سار و جوهر في مقدمته ، و رجع أفتكين و القرمطي إلى الرملة ، و احتشدوا و وصل العزيز فاصطفوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع و ستين . و بعث العزيز إلى أفتكين يدعوه إلى الطاعة و يرغبه و يعده بالتقدم في دولته و يدعوه إلى الحضور عنده ، فتقدم بين ا لصفين و ترجل و قبل الأرض و قال : قل لأمير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت ، و أما الآن فلا يمكنني . وحمل على الميسرة فهزمهم و قتل الكثير منهم ، فامتعض العزيز و حمل هو و الميمنة جميعا فهزمهم ، و وضع المغاربة السيف فقتلوا نحوا من عشرين ألفا ، ثم نزل في خيامه و جيء بالأسرى فخلع على من جاء بهم و بذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار ، فلقيه المفرج بن دغفل الطائي ، و قد جهده العطش فاستسقاه فسقاه و تركه بعرشه مكرما . و جاء إلى العزيز فأخبره بمكانه ، وأخذ المائة ألف التي بذلها فيه ، و أمكنه من قياده . و لما حضر عند العزيز و هو لا يشك أنه مقتول أكرمه العزيز و وصله ، و نصب له الخيام و أعاد إليه ما نهب له ، و رجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه و حجابه ، و بعث إلى الأعصم القرمطي من يرده إليه ليصله ، كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية ، و امتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار و فرضها له ضريبة ، و سار القرمطي إلى الأحساء ، و عاد العزيز إلى مصر و رقى رتبة أفتكين و خص به الوزير يعقوب بن كلس فسمه ، و سمع العزيز بأنه سمه فحبسه أربعين يوما و صادره على خمسمائة ألف دينار ، ثم خلع عليه و أعاده إلى وزارته . و توفي جوهر الكاتب في ذي القعدة من سنة إحدى و ثمانين ، وقام ابنه الحسن مقامه ، و لقب قائد القواد . و كان أفتكين قد استخلص أيام وزارته بدمشق رجلا اسمه قسام ، فعلا صيته و كثر تابعه ، و استولى على البلد . و لما انهزم أفتكين و القرامطة ، بعث العزيز القائد أبا محمود بن إبراهيم واليا على دمشق كما كان لأبيه المعز فوجد فيها قساما قد ضبط البلد ، و هو يدعو للعزيز فلم يتم له معه ولاية . و بقي قسام مستبدا عليه إلى أن مات أبو محمود سنة سبعين . ثم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق ، عند انهزامه أمام عضد الدولة ، فمنعه قسام من الدخول و خاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز ، و استوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا ، ثم رحل إلى طبرية ، و جاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قساما بدمشق ، و لم يظفروا به و رجعوا . ثم بعث العزيز سنة تسع و ستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها ، و لم يمكنه قسام من دخولها ، و دس إلى الناس فقاتلوه و أزعجوه عن مكانه . وكان مفرج بن الجراح أمير بني طيء و سائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموعه و قويت شوكته ، و عاث في البلاد و خربها ، فجهز العزيز العساكر لحربه مع قائدة بلتكين التركي ، فسار إلى الرملة ، واجتمع إليه العرب من قيس و غيرهم ، و لقي ابن الجراح و قد أكمن لهم بلتكين من ورائهم ، فانهزم و مضى إلى أنطاكية ، فأجاره صاحبها ، و صادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشام فخاف ابن الجراح و كاتب بكجور مولى سيف الدولة و عامله على حمص ، و لجأ إليه فأجاره . ثم زحف بلتكين إلى دمشق و أظهر لقسام أنه جاء لإصلاح البلد . و كان مع قسام جيش ابن الصمصامة ابن أخت أبي محمود قد قام بعده في ولايته ، فخرج إلى بلتكين فأمره بالنزول معه بظاهر البلد هو و أصحابه . و استوحش قسام و تجهز للحرب . ثم قاتل و انهزم أصحابه ، و دخل بلتكين أطراف البلد فنهبوا و أحرقوا . و اعتزم أهل البلد على الإستئمان إلى بلتكين ، و شافهوه بذلك فأذن لهم ، و سمع قسام فاضطرب و ألقى ما بيده و استأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم و لقسام ، فأمن الجميع و ولى على البلد أميرا اسمه خطلج ، فدخل البلد و ذلك في المحرم سنة اثنتين و سبعين ، ثم اختفى قسام بعد يومين فنهبت دوره و دور أصحابه ، و جاء ملقيا بنفسه على بلتكين فقبله و حمله إلى مصر فأمنه العزيز . و كان بكجور فى غوية من غلمان سيف الدولة و عامله على حمص . و كان يمد دمشق أيام هذه الفتنة و الغلاء ، و يحمل الأقوات من حمص إليها و يكاتب العزيز بهذه الخدم ، ثم استوحش سنة ثلاث و سبعين من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق ، و صادف ذلك أن المغاربة بمصر أجمعوا على التوثب بالوزير ابن كلس ، و دعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم ، و ولاية بكجور على دمشق ففعل . و دخلها بكجور في رجب من سنة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
ثلاث و سبعين ، و عاث في أصحاب ابن كلس و حاشيته بدمشق لما كان يبلغه عنه من صد العزيز عن ولايته . ثم أساء السيرة في أهل دمشق فسعى ابن كلس في عزله عند العزيز ، و جهز العساكر سنة ثمان و سبعين مع منير الخادم ، و كتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته ، و جمع بكجور العرب و خرج للقائه فانهزم . ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم و توجه إلى الرقة فاستولى عليها ، و دخل منير دمشق و استقر في ولايتها ، و ارتفعت منزلته عند العز يز و جهزه لحصار سعد الدولة بحلب . و كان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقة سأل من سعد الدولة العود إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه ، و استنجد العزيز لحربه ، و بعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر ، و خرج سعد الدولة بن حلب للقائهم و قد أضمر نزال الغدر ببكجور ، و تقدم إليه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس . و جاء سعد الدولة للقائهم و قد استمد عامل أنطاكية للروم فأمده بجيش كثير و داخل العرب الذين مع بكجور في الإنهزام عنه ، و وعدوه بذلك من أنفسهم ، فلما تراءى الجمعان و شعر بكجور بخديعة العرب فاستمات و حمل على الصف بقصد سعد الدولة ، فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه إياه . ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه ، فسار إلى بعض العرب و حمل إلى سعد الدولة فقتله ، و سار إلى الرقة فملكها و قبض جميع أمواله ، و كانت شيئا لا يعبر عنه ، و كتب أولاده إلى العزيز يستشفعون به ، فشفع إلى سعد الدولة فيهم أن يبعثهم إلى مصر، و يتهدده على ذلك ، فأساء سعد الدولة الرد و جهز لحصار حلب الجيوش مع منجوتكين ، فنزل عليها و حاصرها و بها أبو الفضائل بن سعد الدولة و مولاه لؤلؤ الصغير . و أرسلا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه و هو في قتال بلغار ، فبع إن عامل أنطاكية أن يمدها ، فسار في خمسين ألفا حتى نزل حبس العاصي ، وبلغ خبره إلى منجوتكين فارتحل عن حلب ، و لقي الروم فهزمهم و أثخن فيهم قتلا و أسرا . و سار إلى أنطاكية و عاث في نواحيها ، و خرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حلب ، فنقل ما فيها من الغلال و أحرق بقيتها لتفقد عساكر منجوتكين الأقوات . فلما عاد منجوتكين إلى الحصار ، جهز عسكره و أرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي في الصلح ، فعقد له ذلك ، و رحل منجوتكين ، إلى دمشق ، و بلغ الخبر إلى العزيز فغضب ، و كتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حلب و إبعاد الوزير المغربي ، و أنفذ الأقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس . وأقام منجوتكين في حصار حلب و أعادوا مراسلة ملك الروم فاستنجدوه و أغروه ، و كان قد توسط بلاد البلغار فعاد مجدا في السير . و بعث لؤلؤ إلى منجوتكين بالخبر حذرا على المسلمين ، و جاءته جواسيسه بذلك ، قأجفل بعد أن خرب ما كان اتخذه في الحصار من الأسواق و القصور و الحمامات . و وصل ملك الروم إلى حلب و لقي أبا الفضائل و لؤلؤا ، ثم سار في الشام و افتتح حمص و شيزر و نهبها ، و حاصر طرابلس أربعين يوما فامتنعت عليه ، و عاد إلى بلاده . و بلغ الخبر إلى للعزيز فعظم عليه ، واستنفر الناس للجهاد ، وبرز من القاهرة ذلك سنة إحدى و ثمانين ، ثم انتقض منير في دمشق ، فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق .
أخبا ر الوزراء
كان وزير المعز لدين الله يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود و أسلم ، و كان يدبر الأحوال الأخشيدية بمصر، و عزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع و خمسين ، و صادره فاستتر بمصر ، ثم فر إلى المغرب و لقي المعز لدين الله ، و جاء في ركابه إلى مصر فاستوزره و عظم مقامه عنده ، و استوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين و صلى عليه العزيز و حضر دفنه ، و قضى عنه دينه ، و قسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عقار كبير كتامة ، و رد النظر في الأموال إلى عيسى بن نسطورس ، و لم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الأقلام ، و كانوا بمكان ، و كان منهم البارزي . و كان مع الوزارة قاضي القضاة و داعي الدعاة ، و سأل أن يرسم اسمه على السكة فغرب و منع ، و مات قتيلا بتنيس . و أبو سعيد النسري ، و كان يهوديا و أسلم قبل و زارته ، و الجرجاني و قطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب و حلف الحاكم بيمين لا تكفر ليقطعنه . ثم رده بعد ثلاث و خلع عليه و ابن أبي كدينة ثلاثة عشر شهرا . ثم صرف و قتل و أبو الطاهر بن ياشاد ، و كان من أهل الدين و استعفى فا عفي ، و أقام معتكفا في جامع مصر و سقط ليلة من السطح فمات . و كان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي و كان بعده بدر الجيالي أيام المستنصر وزير سيف الدولة ، و استبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم .
أخبار القضاة
كان النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون في خطة القضاء للمعز بالقيروان . و لما جاء إلى مصر أقام بها في خطة القضاء إلى أن توفي و ولي ابنه علي ، ثم توفي سنة أربع و سبعين و ثلثمائة ، فولى العزيز أخاه أبا عبد الله محمدا ، خلع عليه و قلده سيفا . و كان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنه محمد هذا بمصر ، و تم في سنة تسع و ثمانين أيام الحاكم ، و كان كبير الصيت ، كثير الإحسان شديد الاحتياط في العدالة ، فكانت أيامه شريفة . و ولي بعده ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن علي بن النعمان أيام الحاكم ، ثم عزل سنة أربع و تسعين ، و قتل و أحرق بالنار ، و ولي مكانه ملكة بن سعيد الفارقي إلى أن قتله الحاكم سنة خمس و أربعمائة بنواحي القصور ، و كان عالي المنزلة عند الحاكم و مداخلا له في أمور الدولة ، و خالصة له في خلواته . و ولى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام . و
أخبا ر الوزراء
كان وزير المعز لدين الله يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود و أسلم ، و كان يدبر الأحوال الأخشيدية بمصر، و عزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع و خمسين ، و صادره فاستتر بمصر ، ثم فر إلى المغرب و لقي المعز لدين الله ، و جاء في ركابه إلى مصر فاستوزره و عظم مقامه عنده ، و استوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين و صلى عليه العزيز و حضر دفنه ، و قضى عنه دينه ، و قسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عقار كبير كتامة ، و رد النظر في الأموال إلى عيسى بن نسطورس ، و لم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الأقلام ، و كانوا بمكان ، و كان منهم البارزي . و كان مع الوزارة قاضي القضاة و داعي الدعاة ، و سأل أن يرسم اسمه على السكة فغرب و منع ، و مات قتيلا بتنيس . و أبو سعيد النسري ، و كان يهوديا و أسلم قبل و زارته ، و الجرجاني و قطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب و حلف الحاكم بيمين لا تكفر ليقطعنه . ثم رده بعد ثلاث و خلع عليه و ابن أبي كدينة ثلاثة عشر شهرا . ثم صرف و قتل و أبو الطاهر بن ياشاد ، و كان من أهل الدين و استعفى فا عفي ، و أقام معتكفا في جامع مصر و سقط ليلة من السطح فمات . و كان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي و كان بعده بدر الجيالي أيام المستنصر وزير سيف الدولة ، و استبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم .
أخبار القضاة
كان النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون في خطة القضاء للمعز بالقيروان . و لما جاء إلى مصر أقام بها في خطة القضاء إلى أن توفي و ولي ابنه علي ، ثم توفي سنة أربع و سبعين و ثلثمائة ، فولى العزيز أخاه أبا عبد الله محمدا ، خلع عليه و قلده سيفا . و كان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنه محمد هذا بمصر ، و تم في سنة تسع و ثمانين أيام الحاكم ، و كان كبير الصيت ، كثير الإحسان شديد الاحتياط في العدالة ، فكانت أيامه شريفة . و ولي بعده ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن علي بن النعمان أيام الحاكم ، ثم عزل سنة أربع و تسعين ، و قتل و أحرق بالنار ، و ولي مكانه ملكة بن سعيد الفارقي إلى أن قتله الحاكم سنة خمس و أربعمائة بنواحي القصور ، و كان عالي المنزلة عند الحاكم و مداخلا له في أمور الدولة ، و خالصة له في خلواته . و ولى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام . و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
اتصل في آخرين إلى آخر دولتهم ، كان كثيرا ما يجمعون للقاضي المظالم و الدعوة ، فيكون داعي الدعاة ، و ربما يفردون كلا منهما . و كان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد .
وفاة المعز و ولاية ابنه الحاكم
قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى و ثمانين ، و برز في العساكر لغزو الروم ، و نزل بلبيس فاعتورته الأمراض ، و اتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست و ثمانين لإحدى عشرة سنة و نصف من خلافته ، و لقب الحاكم بأمر الله ، و استولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك ، و كان مدبر دولته ، و كان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار و يلقب بأمين الدولة ، و تغلب على ابن عمار و انبسطت أيدي كتامة في أموال الناس و حرمهم ، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمار في الدولة ، و كاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض ، و جهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان ، و انهزم منجوتكين و أصحابه ، و قتل منهم ألفين و سيق أسيرا إلى مصر ، فأبقى عليه ابن عمار و استماله للمشارقة ، و عقد على الشام لسليمان بن فلاح ، و يكنى أبا تميم ، فبعث من طبرية أخاه عليا إلى دمشق ، فامتنع أهلها ، فكاتبهم أبو تميم و تهددهم و أذعنوا ، و دخل على البلد ففتك فيهم . ثم قدم أبو تميم فأمن و أحسن و بعث أخاه عليا إلى طرابلس و عزل عنها جيش بن الصمصامة فسار إلى مصر ، و داخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار و أعيان كتامة ، و كان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ، و نكبة أخيه شرف الدولة إياه ، فخلص إلى العزيز فقربه و حظي عنده ، فكان مع برجوان و جيش بن الصمصامة . و ثارت الفتنة و اقتتل المشارقة و المغاربة فانهزمت المغاربة ، و اختفى ابن عمار و أظهر برجوان الحاكم و جدد له البيعة ، و كتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب ، ونهبت خزائنه ، و استمر القتل في كتامة و اضطربت الفتنة بدمشق ، و استولى الأحداث . ثم أذن برجوان لابن عمار في الخروج من أستاره و أجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره . و اضطرب الشام فانتقض أهل صور ، و قام بها رجل ملاح اسمه العلاقة و انتقض مفرج بن دغفل بن الجراح ، و نزل على الرملة ، و عاث في البلاد و زحف الدوقش ملك الروم إلى حصن أفامية محاصراً لها . و جهز برجوان العساكر مع جيش بن الصمصامة ، فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون ، و أسطولا في البحر ، و استنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب ، فظفر بهم أسطول المسلمين . و اضطرب أهل صور و ملكها ابن حمدان ، و أسر العلاقة ، و بعث به إلى مصر فسلخ و صلب و سار جيش بن الصمصامة إلى المفرج بن دغفل فهرب أمامه ، و وصل إلى دمشق ، و تلقاه أهلها مذعنين ، و أحسن إليهم و سكنهم و رفع أيدي العدوان عنهم . ثم سار إلى أفامية و صاف الروم عندها فانهزم أولا هو و أصحابه ، و ثبت بشارة أخشيدي بن قرارة في خمس عشرة فارسا ، و وقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده و عدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين ، فقصد كردي من مصاف الأخشيدي و بيده عصا من حديد يسمى الخشت ، و ظنه الملك مستأمنا ، فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله ، و انهزم الروم و أتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنطاكية يغنم ويسبي و يحرق . ثم عاد مظفرا إلى دمشق فنزل بظاهرها و لم يدخل . و استخلص رؤساء الأحداث و استحجبهم و أقيم له الطعام في كل يوم ، و أقام على ذلك برهة . ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم ، و يوضع السيف في سائرهم ، فقتل منهم ثلاثة آلاف ، و دخل دمشق و طاف بها و أحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم ، و بعث بهم إلى مصر و أمن الناس . ثم إنه توفي و ولى محمود بن جيش و بعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين ، و في جيشا إلى برقة و طرابلس المغرب ففتحها ، و ولى عليها يانساً الصقلي . ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع و ثمانين ، و كان خصيا أبيض ، و كان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده . ثم قتل الحسين بن عنار ، ثم الحسين بن جوهر القائد . ثم جهز العساكر مع يارخنكين إلى حلب ، و قصد حسان بن فرج الطائي ، لما بلغ من عيثه و فساده ، فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان و أبوه مفرج فانهزم و قتل ، و نهبت النواحي و كثرت جموع بني الجراح و ملكوا الرملة ، و استقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة . ثم استمالهما الحاكم و رغبهما فرداه إلى مكة و راجعا طاعة الحاكم ، و راجع هو كذلك ، و خطب له بمكة . ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح ، و قصد الرملة ، فانهزم حسان بن مفرج و قومه ، و غلبهم على تلك البلاد و استولى على أموالهم و ذخائرهم ، و أخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة ، و وصل إلى دمشق في شوال سنة تسعين ، فملكها و استولى عليها ، و أقام مفرج و ابنه حسان شريدين بالقفر نحواً من سنتين . ثم هلك مفرج و بعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه و وصله .
خروج أبي ركوة ببرقة و الظفر به
كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل ، و أنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبعهم بالقتل و هو ابن عشرين سنة ، و قصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان . ثم قصد مصر و كتب الحديث ، ثم سارإلى مكة و اليمن و الشام و
وفاة المعز و ولاية ابنه الحاكم
قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى و ثمانين ، و برز في العساكر لغزو الروم ، و نزل بلبيس فاعتورته الأمراض ، و اتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست و ثمانين لإحدى عشرة سنة و نصف من خلافته ، و لقب الحاكم بأمر الله ، و استولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك ، و كان مدبر دولته ، و كان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار و يلقب بأمين الدولة ، و تغلب على ابن عمار و انبسطت أيدي كتامة في أموال الناس و حرمهم ، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمار في الدولة ، و كاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض ، و جهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان ، و انهزم منجوتكين و أصحابه ، و قتل منهم ألفين و سيق أسيرا إلى مصر ، فأبقى عليه ابن عمار و استماله للمشارقة ، و عقد على الشام لسليمان بن فلاح ، و يكنى أبا تميم ، فبعث من طبرية أخاه عليا إلى دمشق ، فامتنع أهلها ، فكاتبهم أبو تميم و تهددهم و أذعنوا ، و دخل على البلد ففتك فيهم . ثم قدم أبو تميم فأمن و أحسن و بعث أخاه عليا إلى طرابلس و عزل عنها جيش بن الصمصامة فسار إلى مصر ، و داخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار و أعيان كتامة ، و كان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ، و نكبة أخيه شرف الدولة إياه ، فخلص إلى العزيز فقربه و حظي عنده ، فكان مع برجوان و جيش بن الصمصامة . و ثارت الفتنة و اقتتل المشارقة و المغاربة فانهزمت المغاربة ، و اختفى ابن عمار و أظهر برجوان الحاكم و جدد له البيعة ، و كتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب ، ونهبت خزائنه ، و استمر القتل في كتامة و اضطربت الفتنة بدمشق ، و استولى الأحداث . ثم أذن برجوان لابن عمار في الخروج من أستاره و أجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره . و اضطرب الشام فانتقض أهل صور ، و قام بها رجل ملاح اسمه العلاقة و انتقض مفرج بن دغفل بن الجراح ، و نزل على الرملة ، و عاث في البلاد و زحف الدوقش ملك الروم إلى حصن أفامية محاصراً لها . و جهز برجوان العساكر مع جيش بن الصمصامة ، فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون ، و أسطولا في البحر ، و استنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب ، فظفر بهم أسطول المسلمين . و اضطرب أهل صور و ملكها ابن حمدان ، و أسر العلاقة ، و بعث به إلى مصر فسلخ و صلب و سار جيش بن الصمصامة إلى المفرج بن دغفل فهرب أمامه ، و وصل إلى دمشق ، و تلقاه أهلها مذعنين ، و أحسن إليهم و سكنهم و رفع أيدي العدوان عنهم . ثم سار إلى أفامية و صاف الروم عندها فانهزم أولا هو و أصحابه ، و ثبت بشارة أخشيدي بن قرارة في خمس عشرة فارسا ، و وقف الدوقش ملك الروم على رابية في ولده و عدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين ، فقصد كردي من مصاف الأخشيدي و بيده عصا من حديد يسمى الخشت ، و ظنه الملك مستأمنا ، فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله ، و انهزم الروم و أتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنطاكية يغنم ويسبي و يحرق . ثم عاد مظفرا إلى دمشق فنزل بظاهرها و لم يدخل . و استخلص رؤساء الأحداث و استحجبهم و أقيم له الطعام في كل يوم ، و أقام على ذلك برهة . ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم ، و يوضع السيف في سائرهم ، فقتل منهم ثلاثة آلاف ، و دخل دمشق و طاف بها و أحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم ، و بعث بهم إلى مصر و أمن الناس . ثم إنه توفي و ولى محمود بن جيش و بعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين ، و في جيشا إلى برقة و طرابلس المغرب ففتحها ، و ولى عليها يانساً الصقلي . ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع و ثمانين ، و كان خصيا أبيض ، و كان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده . ثم قتل الحسين بن عنار ، ثم الحسين بن جوهر القائد . ثم جهز العساكر مع يارخنكين إلى حلب ، و قصد حسان بن فرج الطائي ، لما بلغ من عيثه و فساده ، فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان و أبوه مفرج فانهزم و قتل ، و نهبت النواحي و كثرت جموع بني الجراح و ملكوا الرملة ، و استقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة . ثم استمالهما الحاكم و رغبهما فرداه إلى مكة و راجعا طاعة الحاكم ، و راجع هو كذلك ، و خطب له بمكة . ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح ، و قصد الرملة ، فانهزم حسان بن مفرج و قومه ، و غلبهم على تلك البلاد و استولى على أموالهم و ذخائرهم ، و أخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة ، و وصل إلى دمشق في شوال سنة تسعين ، فملكها و استولى عليها ، و أقام مفرج و ابنه حسان شريدين بالقفر نحواً من سنتين . ثم هلك مفرج و بعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه و وصله .
خروج أبي ركوة ببرقة و الظفر به
كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل ، و أنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبعهم بالقتل و هو ابن عشرين سنة ، و قصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان . ثم قصد مصر و كتب الحديث ، ثم سارإلى مكة و اليمن و الشام و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
كان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام ، و اسمه الوليد و إنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفية . ثم عاد إلى نواحي مصر و نزل على بني قرة من بادية هلال بن عامر ، و أقام يعلم الصبيان و يؤمهم في صلاتهم . ثم أظهر ما في نفسه و دعا للقائم . و كان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس و طبقاتهم ، و الناس معه على خطر ، و كان قتل جماعة من بني قرة و أحرقهم بالنار لفسادهم ، فبادر بنو قرة و كانوا في أعمال برقة فأجابوه و انقادوا له و بايعوا . و كان بينهم و بين لواتة و مزاتة و زناتة جيرانهم في الأصل حروب و دماء فوضعوها . و اتفقوا على بيعته . و كتب عامل برقة أنيال الطويل بخبرهم إلى الحاكم فأمره بالكف عنهم . ثم اجتمعوا و ساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة ، و ملكوا برقة و غنموا الأموال و السلاح و قتلوه . و أظهر أبو ركوة العدل ، و بلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه ، و كف عن الأذى و القتل ، و جهز خمسة آلاف فارس مع القائد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمام ، و بينها و بين برقة مفازة صعبة معطشة ، و أمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها على قلبها . ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم ، و نال منهم و ثبت أبو ركوة و استأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم و قتله فأمنهم ، و لحقوا به ، و انهزمت عساكر الحاكم و قتل خلق كثير منهم . و رجع أبو ركوة إلى برقة ظافرا و ردد البعوث و السرايا إلى الصعيد و أرض مصر . و أهم الحاكم أمره و ندم على ما فرط . و جهز علي بن فلاح العساكر لحربهم ، و كاتب الناس أبا ركوة يستدعونه ، و ممن كتب إليه الحسن بن جوهر قائد القواد ، و بعثهم في ستة عشر ألف مقاتل سوى العرب ، و بعث أخاه في سرية فواقع بني قرة و هزمهم ، و قتل من شيوخهم عبد العزيز بن مصعب و رافع بن طراد و محمد بن أبي بكر، و استمال الفضل بني قرة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم ، و كان يطالعه بأخبارهم . و بعث علي بن فلاح عسكرا إلى الفيوم فكبسه بنو قرة و هزموه ، و نزل أبو ركوة بالهرمين ، و رجع من يومه ثم رحل الفضل إلى الفيوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة و هزمهم ، و استأمن بنو كلاب و غيرهم ، و رجع علي بن فلاح ، و تقدم الفضل لطلب أبي ركوة و خذل ماضي بن مقرب بني قرة عن أبي ركوة فقالوا له أنج بنفسك إلى بلد النوبة ، و وصل إلى تخومهم و قال : أنا رسول الحاكم فقالوا لابد من استئذان الملك ، فوكلوا به و طالعوا الملك بحقيقة الحال . و كان صغيرا قد ولي بعد سرقة أبيه ، و بعث إليه الفضل بشأنه و طلبه فكتب إلى شجرة بن منيا قائد الخيل بالثغر بأن يسلمه إلى نائب الحاكم ، فجاء به رسول الفضل و أنزله الفضل في خيمة و حمله إلى مصر فطيف به على جمل لابسا طرطورا و خلفه قرد يصفعه . ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل ، فمات قبل وصوله ، و قطع رأسه و صلب . و بالغ الحاكم في إكرام الفضل و رفع مرتبته ، ثم قتله بعد ذلك ، و كان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين .
بقية أخبار الحاكم
كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه ، و كان برجوان خادمه و كافله ، و كان بين الموالي و الكتاميين في الدولة منافسة . و كان كثيرا ما يفضى إلى القتال ، و اقتتلوا سنة سبع و ثمانين ، و أركب المغاربة ابن عمار و الموالي برجوان ، و كانت بينهم حروب شديدة . ثم تحاجزوا و اعتزل ابن عمار الأمور و تخلى بداره عن رسومه و جراياته ، و تقدم برجوان بتدبير الدولة . و كان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع و ينظر في الظلامات و يطالعه . و ولى على برقة يانس صاحب الشرطة مكان صندل . ثم قتل برجوان سنة تسع و ثمانين و رجع التدبير إلى القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر ، و بقي ابن فهر على حاله . و في سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب أفريقية ، و ولى عليها يانس العزيزي من موالي العزيز ، فوصل إليها و أمكنه عامل المنصور منها ، و هو عصولة بن بكار . و جاء إلى الحاكم بأهله و ولده و ماله و أطلق يد يانس على مخلفه بطرابلس ، يقال كان له من الولد نيف و ستون بين ذكر و أنثى ، و من السراري خمس و ثلاثون فتلقي بالمبرة و هيىء له القصور و رتب له الجراية و قلده دمشق و أعمالها ، فهلك بها لسنة من ولايته . و في سنة اثنتين و تسعن وصل الصريخ من جهة فلفول بن خزرون المغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين ، فجهزت العساكر مع يحيى بن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ، و نزع ابني أمية وراء البحر . و لم يزل هو و أخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبي عامر جعفراً منهما ، و نزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه و تصرف في خدمته و بعثه الآن الحاكم في العساكر لما قدمناه ، فاعترضه بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه ، و رجع إلى مصر و سار يانس من برقة إلى طرابلس ، فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه . و بعد وفاة عصولة ولي على دمشق مفلح الخادم ، و بعده علي بن فلاح سنة ثمان و تسعين . و بعد مسير يانس ولي على برقة صندل الأسود . و في سنة ثمان و تسعين عزل الحسين بن جوهر القائد وقام بتدبير الدولة صالح بن علي بن صالح الروباذي . ثم نكب حسين القائد بعد ذلك و قتل ، ثم قتل صالح بعد ذلك و قام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون ، و بعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ، ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان . و كثر عيث الحاكم في أهل دولته و قتله إياهم مثل الجرجراي و قطعه أيديهم ، حتى أن كثيرا منهم كانوا يهربون من سطوته ، و آخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلات . و كان حاله مضطربا في الجور و العدل و الإخافة و الأمن و النسك و البدعة . و أما ما يرمي به من الكفر و صدور السجلات بإسقاط الصلوات فغير صحيح ، و لا يقوله ذو عقل ، و لو صدر من الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته . و أما
بقية أخبار الحاكم
كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه ، و كان برجوان خادمه و كافله ، و كان بين الموالي و الكتاميين في الدولة منافسة . و كان كثيرا ما يفضى إلى القتال ، و اقتتلوا سنة سبع و ثمانين ، و أركب المغاربة ابن عمار و الموالي برجوان ، و كانت بينهم حروب شديدة . ثم تحاجزوا و اعتزل ابن عمار الأمور و تخلى بداره عن رسومه و جراياته ، و تقدم برجوان بتدبير الدولة . و كان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع و ينظر في الظلامات و يطالعه . و ولى على برقة يانس صاحب الشرطة مكان صندل . ثم قتل برجوان سنة تسع و ثمانين و رجع التدبير إلى القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر ، و بقي ابن فهر على حاله . و في سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب أفريقية ، و ولى عليها يانس العزيزي من موالي العزيز ، فوصل إليها و أمكنه عامل المنصور منها ، و هو عصولة بن بكار . و جاء إلى الحاكم بأهله و ولده و ماله و أطلق يد يانس على مخلفه بطرابلس ، يقال كان له من الولد نيف و ستون بين ذكر و أنثى ، و من السراري خمس و ثلاثون فتلقي بالمبرة و هيىء له القصور و رتب له الجراية و قلده دمشق و أعمالها ، فهلك بها لسنة من ولايته . و في سنة اثنتين و تسعن وصل الصريخ من جهة فلفول بن خزرون المغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين ، فجهزت العساكر مع يحيى بن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ، و نزع ابني أمية وراء البحر . و لم يزل هو و أخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبي عامر جعفراً منهما ، و نزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه و تصرف في خدمته و بعثه الآن الحاكم في العساكر لما قدمناه ، فاعترضه بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه ، و رجع إلى مصر و سار يانس من برقة إلى طرابلس ، فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه . و بعد وفاة عصولة ولي على دمشق مفلح الخادم ، و بعده علي بن فلاح سنة ثمان و تسعين . و بعد مسير يانس ولي على برقة صندل الأسود . و في سنة ثمان و تسعين عزل الحسين بن جوهر القائد وقام بتدبير الدولة صالح بن علي بن صالح الروباذي . ثم نكب حسين القائد بعد ذلك و قتل ، ثم قتل صالح بعد ذلك و قام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون ، و بعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ، ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان . و كثر عيث الحاكم في أهل دولته و قتله إياهم مثل الجرجراي و قطعه أيديهم ، حتى أن كثيرا منهم كانوا يهربون من سطوته ، و آخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلات . و كان حاله مضطربا في الجور و العدل و الإخافة و الأمن و النسك و البدعة . و أما ما يرمي به من الكفر و صدور السجلات بإسقاط الصلوات فغير صحيح ، و لا يقوله ذو عقل ، و لو صدر من الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته . و أما
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
مذهبه في الرافضة فمعروف . و لقد كان مضطربا فيه مع ذلك ، فكان يأذن في صلاة التراويح ثم ينهي عنها ، و كان يرى بعلم النجوم و يؤثره ، و ينقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الأسواق ، و منع من أكل الملوخيا . و رفع إليه أن جماعة من الروافض تعرضوا لأهل السنة في التراويح بالرجم ، و في الجنائز ، فكتب في ذلك سجلاً قرىء على المنبر بمصر كان فيه : أما بعد فإن أمير المؤمنين يتلوا عليكم آية من كتاب الله المبين ، " لا إكراه في الدين " الآية . مضى أمس بما فيه ، و أتى اليوم بما يقتضيه . معاشر المسلمين نحن الأئمة ، وأنتم الأمة . لا يحل قتل من شهد الشهادتين و لا يحل عروة بين اثنين تجمعها هذه الأخوة ، عصم الله بها من عصم ، و حرم لها ما حرم ، من كل محرم من دم و مال و منكح ، الصلاح والأصلح بين الناس أصلح ، و الفساد و الإفساد من العباد يستقبح . يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر ، و يعرض عما انقضى فلا يذكر . و لا يقبل على ما مر و أدبر من إجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية أيام آبائنا الأئمة المهتدين سلام الله عليهم أجمعين ، مهديهم بالله و قائمهم بأمر الله ، و منصورهم بالله و معزهم لدين الله ، و هو إذ ذاك بالمهدية و المنصورية ، و أحوال القيروان تجري فيها ظاهرة في خفية ليست بمستورة عنهم و لا مطوية . يصوم الصائمون على حسابهم و يفطرون ، و لا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون و مفطرون ، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون و صلاة الضحى و صلاة التراويح لا مانع لهم منها و لا هم عنها يدفعون . يخمس في التكبر على الجنائز المخمسون ، و لا يمنع من التكبير عليها المربعون . يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ، و لا يؤذى من بها لا يؤذنون . لا يسب أحد من السلف و لا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف ، و الخالف فيهم بما خلف . لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده و إلى الله ربه ميعاده ، عنده كتابه و عليه حسابه . ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم ، لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده ، و لا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمده من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا ، و بعده قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . كتب في رمضان سنة ثلاث و تسعين و ثلثمائة .
وفاة الحاكم و ولاية الظاهر
ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر، و كان يركب الحمار و يطوف بالليل و يخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ، و يقال لاستنزال روحانية الكواكب . فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة ركب على عادته و مشى معه راكبان فردهما واحدا بعد آخر في تصاريف أموره . ثم افتقد و لم يرجع ، و أقاموا أياما في انتظاره . ثم خرج مظفر الصقلي و القاضي و بعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين ، و اتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة و فيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله . و يقال إن أخته بلغه أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة ، و كان يخاف الحاكم فأغرته بقتله ، و هونته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة ، فقد يهلك الناس و نهلك معه . و وعدته بالمنزلة و الاقطاع ، فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته . و لما أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأحضرت علي بن دواس ، و أجلس علي بن الحاكم صبيا لم يناهز الحلم و بايع له الناس ، و لقب الظاهر لإعزاز دين الله ، و نفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له . ثم حضر ابن دواس من الغد و حضر معه القواد فأمرت ست الملك خادمها فعلاه بالسيف أمامهم حتى قتله و هو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان ، و قامت بتدبير الدولة أربع سنين ثم ماتت . و قام بتدبير الدولة الخادم معضاد و تافر بن الوزان ، و ولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي و كان متغلبا على دولته ، و انتقض الشام خلال ذلك ، و تغلب صالح بن مرداس من بني كلاب على حلب ، و عاث بنو الجراح في نواحيه ، فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر ، و أوقع بصالح بن الجراح ، و قتل صالح و ابنه و ملك دمشق . و ملك حلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح و قتله ، و كان بينه و بين بني الجراح قبل ذلك و هو بفلسطين حروب ، حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها و أخرب ابن الجراح الرملة و أحرقها . و بعث السرايا فانتهت إلى العريش و خشي أهل بلبيس و أهل القرافة على أنفسهم ، فانتقلوا إلى مصر ، و زحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق و عليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين . و بعث حسان بن الجراح إليهم بالمدد ، ثم صالحوا صالح بن مرداس و انتقل إلى حصار حلب و ملكها من يد شعبان الكتامي ، و جردت العساكر من الشام مع الوزيري و كان ما تقدم و ملك دمشق و أقام بها .
وفاة الظاهر و ولاية ابنه المستنصر
ثم توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع و عشرين لست عشرة سنة من خلافته ، فولي ابنه أبو تميم معد و لقب المستنصر بأمر الله ، و قام بأمره وزير أبيه أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي ، و كان بدمشق الوزيري و اسمه أقوش تكين و كانت البلاد صلحت على يديه لعدله و رفقه و ضبطه ، و كان الوزير الجرجراي يحسده و يبغضه ، و كتب إليه بإبعاد كاتبه أبي سعيد ، فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض ، فلم يجب الوزيري إلى ذلك و استوحش ، و جاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثب به ، و دس معهم بذلك إلى بقية
وفاة الحاكم و ولاية الظاهر
ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر، و كان يركب الحمار و يطوف بالليل و يخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ، و يقال لاستنزال روحانية الكواكب . فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة ركب على عادته و مشى معه راكبان فردهما واحدا بعد آخر في تصاريف أموره . ثم افتقد و لم يرجع ، و أقاموا أياما في انتظاره . ثم خرج مظفر الصقلي و القاضي و بعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين ، و اتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة و فيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله . و يقال إن أخته بلغه أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة ، و كان يخاف الحاكم فأغرته بقتله ، و هونته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة ، فقد يهلك الناس و نهلك معه . و وعدته بالمنزلة و الاقطاع ، فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته . و لما أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ست الملك فأحضرت علي بن دواس ، و أجلس علي بن الحاكم صبيا لم يناهز الحلم و بايع له الناس ، و لقب الظاهر لإعزاز دين الله ، و نفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له . ثم حضر ابن دواس من الغد و حضر معه القواد فأمرت ست الملك خادمها فعلاه بالسيف أمامهم حتى قتله و هو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان ، و قامت بتدبير الدولة أربع سنين ثم ماتت . و قام بتدبير الدولة الخادم معضاد و تافر بن الوزان ، و ولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي و كان متغلبا على دولته ، و انتقض الشام خلال ذلك ، و تغلب صالح بن مرداس من بني كلاب على حلب ، و عاث بنو الجراح في نواحيه ، فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر ، و أوقع بصالح بن الجراح ، و قتل صالح و ابنه و ملك دمشق . و ملك حلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح و قتله ، و كان بينه و بين بني الجراح قبل ذلك و هو بفلسطين حروب ، حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها و أخرب ابن الجراح الرملة و أحرقها . و بعث السرايا فانتهت إلى العريش و خشي أهل بلبيس و أهل القرافة على أنفسهم ، فانتقلوا إلى مصر ، و زحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق و عليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين . و بعث حسان بن الجراح إليهم بالمدد ، ثم صالحوا صالح بن مرداس و انتقل إلى حصار حلب و ملكها من يد شعبان الكتامي ، و جردت العساكر من الشام مع الوزيري و كان ما تقدم و ملك دمشق و أقام بها .
وفاة الظاهر و ولاية ابنه المستنصر
ثم توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع و عشرين لست عشرة سنة من خلافته ، فولي ابنه أبو تميم معد و لقب المستنصر بأمر الله ، و قام بأمره وزير أبيه أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي ، و كان بدمشق الوزيري و اسمه أقوش تكين و كانت البلاد صلحت على يديه لعدله و رفقه و ضبطه ، و كان الوزير الجرجراي يحسده و يبغضه ، و كتب إليه بإبعاد كاتبه أبي سعيد ، فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض ، فلم يجب الوزيري إلى ذلك و استوحش ، و جاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثب به ، و دس معهم بذلك إلى بقية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الجند بدمشق فتعللوا عليه فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث و ثلاثين فمنعه عاملها من الدخول ، فسارإلى حماة فمنع أيضا فقوتل ، و هو خلال ذلك ينهب فاستدعى بعض أوليائه من كفرطاب فوصل إليه في ألفي رجل ، و سار إلى حلب فدخلها و توفي بها في جمادى الآخرة من السنة ، و فسد بعده أمر الشام و طمع العرب في نواحيه ، و ولى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام ، و ملك حسان بن مفرج فلسطين و زحف معز الدولة بن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة ، و امتنع عليه أصحاب القلعة و بعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم ، فسلموا القلعة لمعز الدولة بن صالح فملكها .
مسير العرب إلى أفريقية
كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبييديين بأفريقية و خطب للقائم العباسي ، و قطع الخطبة للمستنصر العلوي سنة أربعين و أربعمائة ، فكتب إليه المستنصر يتهدده . ثم إنه استوزر الحسين بن علي التازوري بعد الجرجراي و لم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله ، كان يقول في كتابه إليهم عبده ، و يقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك ، و أغرى به المستنصر ، و أصلح بين رغبة و رياح من بطون هلال و بعثهم إلى أفريقية و ملكهم كل ما يفتحونه ، و بعث إلى المعز : أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولا و حملنا عليها رجالا فحولاً ليقضي الله أمرا كان مفعولا . فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأن المعز كان أباد أهلها من زنانة ، فاستوطن العرب برقة ، و احتقر المعز شأنهم و اشترى العبيد و استكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفا . و زحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست و أربعين ، و جازت رياح الأثبج و بنو عدي إلى أفريقية ، فأضرموها نارا . ثم سار أمراؤهم إلى المعز و كبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعز و أجزل لهم عطاياه فلم يغن شيئا ، و خرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد ، و نزل بأفريقية بلاء لم ينزل بها مثله ، فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة و السودان نحوا من ثلاثين ألفا ، و العرب في ثلاثة آلاف فهزموه و أثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم ، و دخل المعز القيروان مهزوما . ثم بيتهم يوم النحر و هم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى . ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة و قتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ، و نزل العرب بمصلى القيروان و والوا عليهم الهزائم ، و قتلت منهم أمم . ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقا و أدار المعز السور على القيروان سنة ست و أربعين ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست و أربعين و أمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهدية للتحصن بها ، و ولى عليها ابنه تيما سنة خمس و أربعين . ثم انتقل إليها سنة تسع و أربعين ، و انطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب و التخريب ، و على سائر الحصون و القرى كما يذكر في أخبارهم . ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم و استيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم .
مقتل ناصرالدولة بن حمدان بمصر
كانت أم المستنصر متغلبة على دولته و كانت تصطنع الوزراء و توليهم ، و كانوا يتخذون الموالي من الأتراك للتغلب على للدولة . فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله . فاستوزرت أولا أبا الفتح الفلاحي ، ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر و قتله ، و وزر بعده أبا البركات حسن بن محمد و عزله . ثم ولى الوزارة أبا محمد التازوري من قرية بالرملة تسمى تازور ، فقام بالدولة إلى أن قتل ، و وزر بعده أبو عبد الله الحسين ابن البابلي ، و كان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة بن حمدان ، و استمالوا معهم كتامة و المصامدة ، و خرج العبيد إلى الضياغ و اجتمعوا في خمسين ألف مقاتل ، و كان الأتراك ستة آلاف ، و شكوا إلى المستنصر فلم يشكهم ، فخرجوا إلى غرمائهم و التقوا بكوم الريش ، و أكمن الأتراك للعبيد و لقوهم فانهزموا ، و خرج كمينهم على العبيد و ضربوا البوقات و الكاسات فارتاب العبيد و ظنوه المستنصر فانهزموا ، و قتل منهم و غرق نحو أربعين ألفا . و فدى الأتراك و تغلبوا ، و عظم الإفتراء فيهم فخلت الخزائن ، و اضطربت الأمور و تجمع باقي العسكر من الشام و غيره إلى الصعيد ، و اجتمعوا مع العبيد و كانوا خمسة عشر ألفا و ساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك و عليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد ، و عاد ناصر الدولة و الأتراك ظافرين . و اجتمع العبيد في الصعيد و حضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا و هربوا إلى ظاهر البلد و معهم ناصرالدولة ، و قاتل أولياء المستنصر فهزمهم ، و ملك الإسكندرية و دمياط و قطع الخطبة منهما و من سائر الريف للمستنصر . و راسل الخليفة العباسي ببغداد و افترق الناس من القاهرة . ثم صالح المستنصر و دخل القاهرة و استبد عليه و صادر أمه على خمسين ألف دينار ، و افترق عنه أولاده و كثير من أهله في البلاد . و دس المستنصر لقواد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك و قصدوه في بيته ، و هو آمن منهم ، فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه و جاؤا برأسه ، و مروا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه ، و أتوا بهما جميعا إلى المستنصر و ذلك سنة خمس و ستين ، و ولى عليهم الذكر منهم و قام بأمر الدولة .
مسير العرب إلى أفريقية
كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبييديين بأفريقية و خطب للقائم العباسي ، و قطع الخطبة للمستنصر العلوي سنة أربعين و أربعمائة ، فكتب إليه المستنصر يتهدده . ثم إنه استوزر الحسين بن علي التازوري بعد الجرجراي و لم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله ، كان يقول في كتابه إليهم عبده ، و يقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك ، و أغرى به المستنصر ، و أصلح بين رغبة و رياح من بطون هلال و بعثهم إلى أفريقية و ملكهم كل ما يفتحونه ، و بعث إلى المعز : أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولا و حملنا عليها رجالا فحولاً ليقضي الله أمرا كان مفعولا . فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأن المعز كان أباد أهلها من زنانة ، فاستوطن العرب برقة ، و احتقر المعز شأنهم و اشترى العبيد و استكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفا . و زحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست و أربعين ، و جازت رياح الأثبج و بنو عدي إلى أفريقية ، فأضرموها نارا . ثم سار أمراؤهم إلى المعز و كبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعز و أجزل لهم عطاياه فلم يغن شيئا ، و خرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد ، و نزل بأفريقية بلاء لم ينزل بها مثله ، فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة و السودان نحوا من ثلاثين ألفا ، و العرب في ثلاثة آلاف فهزموه و أثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم ، و دخل المعز القيروان مهزوما . ثم بيتهم يوم النحر و هم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى . ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة و قتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ، و نزل العرب بمصلى القيروان و والوا عليهم الهزائم ، و قتلت منهم أمم . ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقا و أدار المعز السور على القيروان سنة ست و أربعين ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست و أربعين و أمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهدية للتحصن بها ، و ولى عليها ابنه تيما سنة خمس و أربعين . ثم انتقل إليها سنة تسع و أربعين ، و انطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب و التخريب ، و على سائر الحصون و القرى كما يذكر في أخبارهم . ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم و استيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم .
مقتل ناصرالدولة بن حمدان بمصر
كانت أم المستنصر متغلبة على دولته و كانت تصطنع الوزراء و توليهم ، و كانوا يتخذون الموالي من الأتراك للتغلب على للدولة . فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله . فاستوزرت أولا أبا الفتح الفلاحي ، ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر و قتله ، و وزر بعده أبا البركات حسن بن محمد و عزله . ثم ولى الوزارة أبا محمد التازوري من قرية بالرملة تسمى تازور ، فقام بالدولة إلى أن قتل ، و وزر بعده أبو عبد الله الحسين ابن البابلي ، و كان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة بن حمدان ، و استمالوا معهم كتامة و المصامدة ، و خرج العبيد إلى الضياغ و اجتمعوا في خمسين ألف مقاتل ، و كان الأتراك ستة آلاف ، و شكوا إلى المستنصر فلم يشكهم ، فخرجوا إلى غرمائهم و التقوا بكوم الريش ، و أكمن الأتراك للعبيد و لقوهم فانهزموا ، و خرج كمينهم على العبيد و ضربوا البوقات و الكاسات فارتاب العبيد و ظنوه المستنصر فانهزموا ، و قتل منهم و غرق نحو أربعين ألفا . و فدى الأتراك و تغلبوا ، و عظم الإفتراء فيهم فخلت الخزائن ، و اضطربت الأمور و تجمع باقي العسكر من الشام و غيره إلى الصعيد ، و اجتمعوا مع العبيد و كانوا خمسة عشر ألفا و ساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك و عليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد ، و عاد ناصر الدولة و الأتراك ظافرين . و اجتمع العبيد في الصعيد و حضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا و هربوا إلى ظاهر البلد و معهم ناصرالدولة ، و قاتل أولياء المستنصر فهزمهم ، و ملك الإسكندرية و دمياط و قطع الخطبة منهما و من سائر الريف للمستنصر . و راسل الخليفة العباسي ببغداد و افترق الناس من القاهرة . ثم صالح المستنصر و دخل القاهرة و استبد عليه و صادر أمه على خمسين ألف دينار ، و افترق عنه أولاده و كثير من أهله في البلاد . و دس المستنصر لقواد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك و قصدوه في بيته ، و هو آمن منهم ، فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه و جاؤا برأسه ، و مروا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه ، و أتوا بهما جميعا إلى المستنصر و ذلك سنة خمس و ستين ، و ولى عليهم الذكر منهم و قام بأمر الدولة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
استيلاء بدر الجمالي على الدولة
أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصر و مواليها ، و كان حاجبا لصاحب دمشق ، و استكفاه فيما وراء بابه . ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأمير على دمشق ، و هو ابن منير فسار هو إلى مصر و ترقى في الولايات إلى أن ولي عكا و ظهر منه كفاية و اضطلاع . و لما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه و الفساد و التضييق ، استقدم بدر الجمالي لولاية الأمور بالحضرة ، فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك ، و ركب البحر من عكا في عشرة مراكب ، و معه جند كثيف من الأرمن و غيرهم ، فوصل إلى مصر، و حضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه ، و خلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ، و لقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش ، مثل والي دمشق . و أضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين ، و داعي دعاة المؤمنين ، و رتب الوزارة و زاده سيفه و رد الأمور كلها إليه ، و منه إلى الخليفة . و عاهده الخليفة على ذلك ، و جعل إليه ولاية الدعاة و القضاء ، و كان مبالغا في مذهب الإمامية ، فقام بالأمور و استرد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل ابن عمار بطرابلس و ابن معرف بعسقلان و بني عقيل بصور . ثم استرد من القواد و الأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال و الأمتعة . و سار إلى دمياط و قد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب و غيرهم ، فأثخن في لواتة بالقتل و النهب في الرجال و النساء و سبى نساءهم و غنم خيولهم . ثم سار إلى جهينة و قد ثاروا و معهم قوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع و ستين فهزمهم و أثخن فيهم و غنم أموالهم . ثم سار إلى أسوان و قد تغلب عليها كنز الدولة محمد فقتله و ملكها ، و أحسن إلى الرعايا و نظم حالهم و أسقط عنهم الخراج ثلاث سنين ، و عادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه .
وصول الغز إلى الشام و استيلاؤهم عليه و حصارهم مصر
كان السلجوقية و عساكرهم من الغز قد استولوا في هذا العصر على خراسان و العراقين و بغداد ، و ملكهم طغرلبك ، و انتشرت عساكرهم في سائر الأقطار ، وزحف اتسز بن افق من أمراء السلطان ملك شاه و سموه الشاميون أفسفس و الصحيح هذا ، و هواسم تركي هكذا قال ابن الأثير ، فزحف سنة ثلاث و ثلاثين بل و ستين ففتح الرملة ، ثم بيت المقدس و حصر دمشق و عاث في نواحيها و بها المعلى بن حيدرة ، و لم يزل يوالي عليها البعوث إلى سنة ثمان و ستين ، و كثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به ، و هرب إلى بلسيس ، ثم لحق بمصر فحبس إلى أن مات . و لما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة و ولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم و لقبوه وزير الدولة ، ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء ، و جاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه . و أنزل وزير الدولة بقلعة بانياس و دخل دمشق في ذي القعدة ، و خطب فيها للمقتدي العباسي . ثم سار إلى مصر سنة تسع و ستين فحاصرها ، و جمع بدر الجمالي العساكر من العرب و غيرهم ، و قاتله فهزمه و قتل أكثر أصحابه ، و رجع أتسز منهزما إلى الشام فأتى دمشق ، و قد صانوا مخلفه فشكرهم و رفع عنهم خراج سنة تسع و ستين ، و جاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفه و حصروا أهله و أصحابه في مسجد داود عليه السلام ، فحاصرهم و دخل البلد عنوة ، و قتل أكثر أهله حتى قتل كثيرا في المسجد الأقصى . ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة ، فحاصر دمشق و ضيق عليها ، و كان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطع أخاه تتش سنة سبعين و أربعمائة بلاد الشام ، و ما يفتحه منها فزحف إلى حلب و حاصرها و ضيق عليها ، و معه جموع كثيرة من التركمان فبعث إليه أتسز من دمشق يستصرخه ، فسار إليه ، و أجفلت عساكر مصر عن دمشق ، و خرج أتسز من دمشق للقائه فقتله و ملك البلد ، و ذلك سنة إحدى و سبعين . و ملك ملك شاه بعد ذلك حلب و استولى السلجوقية على الشام أجمع ، و زحف أمير الجيوش بدر الجمالي من مصر في العساكر ، إلى دمشق و بها تاج الدولة تتش فحاصره و ضيق عليه ، و امتنع عليه و رجع ، و زحفت عساكر مصر سنة اثنتين و ثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضي عين الدولة بن أبي عقيل ، كان أبوهم قد انتزى عليها ، ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جميل و ضبط أمير الجيوش البلاد و ولى عليها العمال . و في سنة أربع و ثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية ، و كان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشي من طائفته ، فانتقض سنة ست و ثمانين ، و بعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة ، و اقتحمت عليهم العساكر و بعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم . ثم توفي أمير الجيوش بدر الجمالي سنة سبع و ثمانين في ربيع الأول لثمانين سنة من عمره . و كان له موليان أمين الدولة لاويز و نصر الدولة أفتكين فحذرهم بأنه يروم الاستبداد و رغبه في ولد مولاه بدر ، فما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين و ركب في الجند و شغبوا على المستنصر ، و اقتحموا القصر و أسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر ، و قدم للوزارة ابنه محمد الملك أبا القاسم شاه ، و لقبه بالأفضل مثل لقب أبيه . و كان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك ، فولى بعد موته الوزارة المقري و كانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ . و قام الأفضل أبو القاسم بالدولة و جرى على سنن أبيه في الاستبداد ، و كانت وفاة المستنصر قريبا من ولايته .
أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصر و مواليها ، و كان حاجبا لصاحب دمشق ، و استكفاه فيما وراء بابه . ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأمير على دمشق ، و هو ابن منير فسار هو إلى مصر و ترقى في الولايات إلى أن ولي عكا و ظهر منه كفاية و اضطلاع . و لما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه و الفساد و التضييق ، استقدم بدر الجمالي لولاية الأمور بالحضرة ، فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك ، و ركب البحر من عكا في عشرة مراكب ، و معه جند كثيف من الأرمن و غيرهم ، فوصل إلى مصر، و حضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه ، و خلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ، و لقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش ، مثل والي دمشق . و أضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين ، و داعي دعاة المؤمنين ، و رتب الوزارة و زاده سيفه و رد الأمور كلها إليه ، و منه إلى الخليفة . و عاهده الخليفة على ذلك ، و جعل إليه ولاية الدعاة و القضاء ، و كان مبالغا في مذهب الإمامية ، فقام بالأمور و استرد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل ابن عمار بطرابلس و ابن معرف بعسقلان و بني عقيل بصور . ثم استرد من القواد و الأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال و الأمتعة . و سار إلى دمياط و قد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب و غيرهم ، فأثخن في لواتة بالقتل و النهب في الرجال و النساء و سبى نساءهم و غنم خيولهم . ثم سار إلى جهينة و قد ثاروا و معهم قوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع و ستين فهزمهم و أثخن فيهم و غنم أموالهم . ثم سار إلى أسوان و قد تغلب عليها كنز الدولة محمد فقتله و ملكها ، و أحسن إلى الرعايا و نظم حالهم و أسقط عنهم الخراج ثلاث سنين ، و عادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه .
وصول الغز إلى الشام و استيلاؤهم عليه و حصارهم مصر
كان السلجوقية و عساكرهم من الغز قد استولوا في هذا العصر على خراسان و العراقين و بغداد ، و ملكهم طغرلبك ، و انتشرت عساكرهم في سائر الأقطار ، وزحف اتسز بن افق من أمراء السلطان ملك شاه و سموه الشاميون أفسفس و الصحيح هذا ، و هواسم تركي هكذا قال ابن الأثير ، فزحف سنة ثلاث و ثلاثين بل و ستين ففتح الرملة ، ثم بيت المقدس و حصر دمشق و عاث في نواحيها و بها المعلى بن حيدرة ، و لم يزل يوالي عليها البعوث إلى سنة ثمان و ستين ، و كثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به ، و هرب إلى بلسيس ، ثم لحق بمصر فحبس إلى أن مات . و لما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة و ولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم و لقبوه وزير الدولة ، ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء ، و جاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه . و أنزل وزير الدولة بقلعة بانياس و دخل دمشق في ذي القعدة ، و خطب فيها للمقتدي العباسي . ثم سار إلى مصر سنة تسع و ستين فحاصرها ، و جمع بدر الجمالي العساكر من العرب و غيرهم ، و قاتله فهزمه و قتل أكثر أصحابه ، و رجع أتسز منهزما إلى الشام فأتى دمشق ، و قد صانوا مخلفه فشكرهم و رفع عنهم خراج سنة تسع و ستين ، و جاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفه و حصروا أهله و أصحابه في مسجد داود عليه السلام ، فحاصرهم و دخل البلد عنوة ، و قتل أكثر أهله حتى قتل كثيرا في المسجد الأقصى . ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة ، فحاصر دمشق و ضيق عليها ، و كان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطع أخاه تتش سنة سبعين و أربعمائة بلاد الشام ، و ما يفتحه منها فزحف إلى حلب و حاصرها و ضيق عليها ، و معه جموع كثيرة من التركمان فبعث إليه أتسز من دمشق يستصرخه ، فسار إليه ، و أجفلت عساكر مصر عن دمشق ، و خرج أتسز من دمشق للقائه فقتله و ملك البلد ، و ذلك سنة إحدى و سبعين . و ملك ملك شاه بعد ذلك حلب و استولى السلجوقية على الشام أجمع ، و زحف أمير الجيوش بدر الجمالي من مصر في العساكر ، إلى دمشق و بها تاج الدولة تتش فحاصره و ضيق عليه ، و امتنع عليه و رجع ، و زحفت عساكر مصر سنة اثنتين و ثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضي عين الدولة بن أبي عقيل ، كان أبوهم قد انتزى عليها ، ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جميل و ضبط أمير الجيوش البلاد و ولى عليها العمال . و في سنة أربع و ثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية ، و كان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشي من طائفته ، فانتقض سنة ست و ثمانين ، و بعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة ، و اقتحمت عليهم العساكر و بعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم . ثم توفي أمير الجيوش بدر الجمالي سنة سبع و ثمانين في ربيع الأول لثمانين سنة من عمره . و كان له موليان أمين الدولة لاويز و نصر الدولة أفتكين فحذرهم بأنه يروم الاستبداد و رغبه في ولد مولاه بدر ، فما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين و ركب في الجند و شغبوا على المستنصر ، و اقتحموا القصر و أسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر ، و قدم للوزارة ابنه محمد الملك أبا القاسم شاه ، و لقبه بالأفضل مثل لقب أبيه . و كان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك ، فولى بعد موته الوزارة المقري و كانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ . و قام الأفضل أبو القاسم بالدولة و جرى على سنن أبيه في الاستبداد ، و كانت وفاة المستنصر قريبا من ولايته .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
وفاة المستنصر و ولاية ابنه المستعلي
ثم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع و ثمانين لستين سنة من خلافته و يقال لخمس و ستين بعد أن لقي أهوالاً و شدائد ، وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله و ذخائره حتى لم يكن له إلا بساطه الذي يجلس عليه ، و صار إلى حد العزل والخلع ، حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالي من عكا فتقوم أمره ، و مكنه في خلافته . و لما مات خلف من الولد أحمد و نزار و أبا القاسم ، و كان المستنصر فيما يقال قد عهد لنزار ، و كانت بينه و بين أبي القاسم الأفضل عداوة ، فخشي بادرته و داخل عمته في ولاية أبي القاسم ، على أن تكون لها كفالة الدولة ، فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي و الداعي فبويع ابن ست ، و لقب المستعلي بالله ، و أكره أخوه الأكبر على بيعته ، ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث ، و بها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل ، قانتقض و بايع لنزار بعهده و لقب المصطفى لدين الله . و سار الأفضل بالعساكر و حاصرهم بالإسكندرية و استنزلهم على الأمان ، و أعطاهم اليمن على ذلك ، و أركب نزارا السفن إلى القاهرة و قتل بالقصر . و جاء الأفضل و معه أفتكين أسيرا فأحضره يوما و وبخه ، فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصي ، و قال : لا يتناول اليمن هذه للقتلة ، و يقال إن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زي تاجر ، و سأله إقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له في ذلك ، و قال له الحسين من إمامي بعدك ؟ فقال : ابني نزار فسار ابن الصباح و دعا الناس ببلاد العجم إليه سرا . ثم أظهر أمره و ملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت و غيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية ، و هم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار . و لما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته و ولى عليه واليه كشيلة و بعث المستعلي العساكر فحاصره ، ثم اقتحموا عليه و حملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى و تسعين و أربعمائة . و كان تتش صاحب الشام قد مات و اختلف بعده ابناه رضوان و دقاق ، و كان دقاق بدمشق و رضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أياما قلائل ثم عاود الخطبة للعباسيين .
استيلاء الفرنج على بيت المقدس
كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن أرتق التركماني ، و قارن ذلك استفحال الفرنج و استطالتهم على الشام ، و خروجهم سنة تسعين و أربعمائة ، و مروا بالقسطنطينية و عبروا خليجها ، و خلى صاحب القسطنطينية سبيلهم ليحولوا بينه و بين صاحب الشام من السلجوقية و الغز فنازلوا أولا أنطاكية فأخذوها من يد باغيسيان ، من قواد السلجوقية ، و خرج منها هاربا فقتله بعض الأرمن في طريقه ، و جاء برأسه إلى الفرنج بأنطاكية . و عظم الخطب على عساكر الشام و سار كربوقا صاحب الموصل فنزل مرج دابق و اجتمع إليه دقاق بن تتش ، و سليمان بن أرتق ، و طفتكين أتابك صاحب حمص و صاحب سنجار ، و جمعوا من كان هنالك من الترك و العرب ، و بادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوما من حلول الفرنج بها . و قد اجتمع ملوك الفرنج و مقدمهم بنميد ، و خرج الفرنج و تصادموا مع المسلمين فانهزم المسلمون ، و قتل الفرنج مهنم ألوفا ، و استولوا على معسكرهم ، و ساروا إلى معرة النعمان و حاصروها أياما ، و هربت حاميتها ، و قتلوا منها نحوا من مائة ألف ، و صالحهم ابن منقذ على بلده شيزر، و حاصروا حمص فصالحهم عليها جناح الدولة ، ثم حاصروا عكة فامتنعت عليهم ، و أدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر فيهم ، و سار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها ، و بها سقمان و أبو الغازي ابنا أرتق و ابن أخيهما ياقوتي و ابن عمهما سوتج ، و نصبوا عليها نيفا و أربعين منجنيقا ، و أقاموا عليها نيفا و أربعين يوما ، ثم ملكوها بالأمان في سنة تسعين . و أحسن الأفضل إلى سقمان و أبي الغازي و من معهما ، و خلى سبيلهم ، فسار سقمان إلى بلد الرها و أبو الغازي إلى بلد العراق ، و ولى الأفضل على بيت المقدس و رجع إلى مصر . ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس و حاصروه نيفا و أربعين يوما ، و نصبوا عليه برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان ، و استباحوها أسبوعا ، و لجأ المسلمون إلى محراب داود عليه السلام و اعتصموا به إلى أن استنزلهم الفرنج بالأمان ، و خرجوا إلى عسقلان و قتل بالمسجد عند الشجرة سبعون ألفا ، و أخذوا من المسجد نيفا و أربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف و ستمائة ، و تنورا من الفضة يزن أربعين رطلا بالشامي ، و مائة و خمسين قنديلا من الصفر و غير ذلك مما لا يحصى . و أجفل أهل بيت المقدس و غيرهم من أهل الشام إلى بغداد باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل و السبي و النهب . و بعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان بركيارق و أخوته محمد و سنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك ، للخلاف الذي كان بينهم . و رجع الوفد مؤيسين من نصرهم . و جمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر و سار إلى الفرنج ، فساروا إليهم و كبسوهم على غير أهبة فهزموهم ، و افترق عسكر مصر و قد لاذوا بخم الشعراء هناك فاضرموها عليهم نارا فاحترقوا و قتل من ظهر ، و رجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا .
وفاة المستعلي و ولاية ابنه الآمر
ثم توفي المستعلي أبو القاسم أحمد بن المستنصر منتصف صفر سنة خمس و تسعين لسبع سنين من خلافته ، فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين و لقب الآمر بأحكام الله ، و لم يل الخلافة فيهم أصغر منه و من المستنصر ، فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده .
ثم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع و ثمانين لستين سنة من خلافته و يقال لخمس و ستين بعد أن لقي أهوالاً و شدائد ، وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله و ذخائره حتى لم يكن له إلا بساطه الذي يجلس عليه ، و صار إلى حد العزل والخلع ، حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالي من عكا فتقوم أمره ، و مكنه في خلافته . و لما مات خلف من الولد أحمد و نزار و أبا القاسم ، و كان المستنصر فيما يقال قد عهد لنزار ، و كانت بينه و بين أبي القاسم الأفضل عداوة ، فخشي بادرته و داخل عمته في ولاية أبي القاسم ، على أن تكون لها كفالة الدولة ، فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي و الداعي فبويع ابن ست ، و لقب المستعلي بالله ، و أكره أخوه الأكبر على بيعته ، ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث ، و بها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل ، قانتقض و بايع لنزار بعهده و لقب المصطفى لدين الله . و سار الأفضل بالعساكر و حاصرهم بالإسكندرية و استنزلهم على الأمان ، و أعطاهم اليمن على ذلك ، و أركب نزارا السفن إلى القاهرة و قتل بالقصر . و جاء الأفضل و معه أفتكين أسيرا فأحضره يوما و وبخه ، فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصي ، و قال : لا يتناول اليمن هذه للقتلة ، و يقال إن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زي تاجر ، و سأله إقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له في ذلك ، و قال له الحسين من إمامي بعدك ؟ فقال : ابني نزار فسار ابن الصباح و دعا الناس ببلاد العجم إليه سرا . ثم أظهر أمره و ملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت و غيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية ، و هم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار . و لما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته و ولى عليه واليه كشيلة و بعث المستعلي العساكر فحاصره ، ثم اقتحموا عليه و حملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى و تسعين و أربعمائة . و كان تتش صاحب الشام قد مات و اختلف بعده ابناه رضوان و دقاق ، و كان دقاق بدمشق و رضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أياما قلائل ثم عاود الخطبة للعباسيين .
استيلاء الفرنج على بيت المقدس
كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن أرتق التركماني ، و قارن ذلك استفحال الفرنج و استطالتهم على الشام ، و خروجهم سنة تسعين و أربعمائة ، و مروا بالقسطنطينية و عبروا خليجها ، و خلى صاحب القسطنطينية سبيلهم ليحولوا بينه و بين صاحب الشام من السلجوقية و الغز فنازلوا أولا أنطاكية فأخذوها من يد باغيسيان ، من قواد السلجوقية ، و خرج منها هاربا فقتله بعض الأرمن في طريقه ، و جاء برأسه إلى الفرنج بأنطاكية . و عظم الخطب على عساكر الشام و سار كربوقا صاحب الموصل فنزل مرج دابق و اجتمع إليه دقاق بن تتش ، و سليمان بن أرتق ، و طفتكين أتابك صاحب حمص و صاحب سنجار ، و جمعوا من كان هنالك من الترك و العرب ، و بادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوما من حلول الفرنج بها . و قد اجتمع ملوك الفرنج و مقدمهم بنميد ، و خرج الفرنج و تصادموا مع المسلمين فانهزم المسلمون ، و قتل الفرنج مهنم ألوفا ، و استولوا على معسكرهم ، و ساروا إلى معرة النعمان و حاصروها أياما ، و هربت حاميتها ، و قتلوا منها نحوا من مائة ألف ، و صالحهم ابن منقذ على بلده شيزر، و حاصروا حمص فصالحهم عليها جناح الدولة ، ثم حاصروا عكة فامتنعت عليهم ، و أدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر فيهم ، و سار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها ، و بها سقمان و أبو الغازي ابنا أرتق و ابن أخيهما ياقوتي و ابن عمهما سوتج ، و نصبوا عليها نيفا و أربعين منجنيقا ، و أقاموا عليها نيفا و أربعين يوما ، ثم ملكوها بالأمان في سنة تسعين . و أحسن الأفضل إلى سقمان و أبي الغازي و من معهما ، و خلى سبيلهم ، فسار سقمان إلى بلد الرها و أبو الغازي إلى بلد العراق ، و ولى الأفضل على بيت المقدس و رجع إلى مصر . ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس و حاصروه نيفا و أربعين يوما ، و نصبوا عليه برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان ، و استباحوها أسبوعا ، و لجأ المسلمون إلى محراب داود عليه السلام و اعتصموا به إلى أن استنزلهم الفرنج بالأمان ، و خرجوا إلى عسقلان و قتل بالمسجد عند الشجرة سبعون ألفا ، و أخذوا من المسجد نيفا و أربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف و ستمائة ، و تنورا من الفضة يزن أربعين رطلا بالشامي ، و مائة و خمسين قنديلا من الصفر و غير ذلك مما لا يحصى . و أجفل أهل بيت المقدس و غيرهم من أهل الشام إلى بغداد باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل و السبي و النهب . و بعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان بركيارق و أخوته محمد و سنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك ، للخلاف الذي كان بينهم . و رجع الوفد مؤيسين من نصرهم . و جمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر و سار إلى الفرنج ، فساروا إليهم و كبسوهم على غير أهبة فهزموهم ، و افترق عسكر مصر و قد لاذوا بخم الشعراء هناك فاضرموها عليهم نارا فاحترقوا و قتل من ظهر ، و رجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا .
وفاة المستعلي و ولاية ابنه الآمر
ثم توفي المستعلي أبو القاسم أحمد بن المستنصر منتصف صفر سنة خمس و تسعين لسبع سنين من خلافته ، فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين و لقب الآمر بأحكام الله ، و لم يل الخلافة فيهم أصغر منه و من المستنصر ، فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
هزيمة الفرنج لعساكر مصر
ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميرا مملوك أبيه ، فلقي الفرنج بين الرملة و يافا و مقدمهم بغدوين فقاتلهم ، و انهزم و قتل و استولى الفرنج على معسكره فبعث الأفضل ابنه شرف المعالي في العساكر فبارزوهم قرب الرملة و هزمهم ، و اختفى بغدوين في الشجر و نجا إلى الرملة مع جماعة من زعماء الفرنج ، فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشر يوما حتى أخذهم فقتل منهم أربعمائة صبرا ، و بعث ثلثمائة إلى مصر و نجى بغدوين إلى يافا و وصل في البحر جموع من الفرنج للزيارة فندبهم بغدوين للغزو ، و سار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالى و عاد إلى أبيه . و ملك الفرنج عسقلان و بعث العساكر في البرمع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان ، و بعث الأسطول في البحر إلى يافا مع القاضي ابن قادوس فبلغ إلى يافا و استدعى تاج العجم و حبسه . و بعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية . ثم بعث الأفضل سنة ثمان و تسعين ابنه سنا الملك حسين و أمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج ، فساروا في خمسة آلاف و استمدوا طفتكين أتابك دمشق ، فأمدهم بألف و ثلثمائة ، و لقوا الفرنج بين عسقلان و يافا فتفانوا بالقتل و تحاجزوا ، و افترق المسلمون إلى عسقلان و دمشق ، و كان مع الفرنج بكتاش بن تتش عدل عنه طفتكين بالملك إلى ابن أخيه دقاق بن تتش ، فلحق بالإفرنج مغاضبا .
استيلاء الفرنج على طرابلس و بيروت
كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر و كان يحاصرها من الفرنج ابن المرداني صاحب صيحيل ، و المدد يأتيهم من مصر . فلما كانت سنة ثلاث و خمسين وصل أسطول من الفرنج مع ويمتدين إلى صيحيل من قمامصتهم فنزل على طرابلس ، و تشاجر مع المرداني فبادر بغدوين صاحب القدس و أصلح بينهم ، و نزلوا جميعا على طرابلس و ألصقوا أبراجهم بسورها ، و تأخرت الميرة عنهم من مصر في البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثاني الأضحى من سنة ثلاث و خمسين ، و قتلوا و نهبوا و أسروا و غنموا . و كان واليها قد استأمن قبل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق ، و وصل الأسطول بالمدد و كفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور و صيدا و بيروت ، و استولى الفرنج على معظم سواحل الشام . و إنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لأنها كانت من أعمالهم . و سنذكر البقية في أخبار الفرنج إن شاء الله تعالى .
استرجاع أهل مصر بعسقلان
كان الآمر قد استولى على عسقلان من قواد شمس الخلافة ، فداخل بغدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج و هاداه ليمتنع به على أهل مصر، و جهز أمير الجيوش عسكرا من مصر للقبض عليه إذا حضر و شعر بذلك ، و انتقض و أخرج من عنده من أهل مصر ، و خاف الأفضل أن يسلم عسقلان إلى الفرنج فأقره على عمله ، و ارتاب شمس الخلافة بأهل عسقلان و اتخذ بطانة من الأرمن فاستوحش أهل البلد فثاروا به و قتلوه ، و بعثوا إلى الآمر و الأفضل بذلك ، فأرسل إليهم الوالى من مصر و أحسن إليهم و استقامت أحوالهم . و حاصر بغدوين بعد ذلك مدينة صور و فيها عساكر الأرمن و اشتد في حصارها بكل نوع ، و كان بها عز الملك الأعز من أولياء الأمر فاستمد طفتكين أتابك دمشق فأمده بنفسه و طال الحصار ، و حضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسد طفتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا و كفى الله شرهم . ثم زحف بغدوين ملك الفرنج من القدس إلى مصر و بلغ سنتين و سبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به ، و عاد إلى القدس و مات ، و عهد بملك القدس للقمص صاحب الرها ، و لو لا ما نزل بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام ، و لكن الله خبأ ذلك لصلاح الدين بن أيوب حتى فاز بذكره .
مقتل الأفضل
قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيرا ابن خمس ، فلما استجمع و اشتد تنكر للأفضل و ثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر و بنى بها دارا و نزلها ، و خطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه و شاور الآمر أصحابه في قتله ، فقال له ابن عمه عبد المجيد و كان ولي عهده : لا تفعل و حذره سوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه و نصح أبيه و حسن ولايتهما للدولة ، و لابد من إقامة غيره و الاعتماد عليه فيتعرض للحذر من مثلها إلى الإمتناع منه . ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبي عبد الله ابن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره و يضع عليه من يغتاله ، و يقتل به فيسلم عرضك . و كان ابن البطائحي فراشا بالقصر ، و استخلصه الأفضل و رقاه و استحجبه ، فاستدعاه الآمر و داخله في ذلك ، و وعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر و هو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة و خمسمائة ، كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد و ثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان و طعناه فسقط ، و قتلا ، و حمل إلى داره و به رمق فجاءه الآمر متوجعا و سأله عن ماله فقال أما الظاهر فأبو الحسن بن أبي أسامة يعرفه ، و كان أبوه قاضيا بالقاهرة و أصله من حلب . و أما الباطن فإن البطائحي يعرفه . ثم قضى الأفضل نحبه لثمان و عشرين سنة من وزارته ، و احتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين ، و خمسين أردبا من الورق ، و من الديباج الملون
ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميرا مملوك أبيه ، فلقي الفرنج بين الرملة و يافا و مقدمهم بغدوين فقاتلهم ، و انهزم و قتل و استولى الفرنج على معسكره فبعث الأفضل ابنه شرف المعالي في العساكر فبارزوهم قرب الرملة و هزمهم ، و اختفى بغدوين في الشجر و نجا إلى الرملة مع جماعة من زعماء الفرنج ، فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشر يوما حتى أخذهم فقتل منهم أربعمائة صبرا ، و بعث ثلثمائة إلى مصر و نجى بغدوين إلى يافا و وصل في البحر جموع من الفرنج للزيارة فندبهم بغدوين للغزو ، و سار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالى و عاد إلى أبيه . و ملك الفرنج عسقلان و بعث العساكر في البرمع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان ، و بعث الأسطول في البحر إلى يافا مع القاضي ابن قادوس فبلغ إلى يافا و استدعى تاج العجم و حبسه . و بعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية . ثم بعث الأفضل سنة ثمان و تسعين ابنه سنا الملك حسين و أمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج ، فساروا في خمسة آلاف و استمدوا طفتكين أتابك دمشق ، فأمدهم بألف و ثلثمائة ، و لقوا الفرنج بين عسقلان و يافا فتفانوا بالقتل و تحاجزوا ، و افترق المسلمون إلى عسقلان و دمشق ، و كان مع الفرنج بكتاش بن تتش عدل عنه طفتكين بالملك إلى ابن أخيه دقاق بن تتش ، فلحق بالإفرنج مغاضبا .
استيلاء الفرنج على طرابلس و بيروت
كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر و كان يحاصرها من الفرنج ابن المرداني صاحب صيحيل ، و المدد يأتيهم من مصر . فلما كانت سنة ثلاث و خمسين وصل أسطول من الفرنج مع ويمتدين إلى صيحيل من قمامصتهم فنزل على طرابلس ، و تشاجر مع المرداني فبادر بغدوين صاحب القدس و أصلح بينهم ، و نزلوا جميعا على طرابلس و ألصقوا أبراجهم بسورها ، و تأخرت الميرة عنهم من مصر في البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثاني الأضحى من سنة ثلاث و خمسين ، و قتلوا و نهبوا و أسروا و غنموا . و كان واليها قد استأمن قبل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق ، و وصل الأسطول بالمدد و كفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور و صيدا و بيروت ، و استولى الفرنج على معظم سواحل الشام . و إنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لأنها كانت من أعمالهم . و سنذكر البقية في أخبار الفرنج إن شاء الله تعالى .
استرجاع أهل مصر بعسقلان
كان الآمر قد استولى على عسقلان من قواد شمس الخلافة ، فداخل بغدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج و هاداه ليمتنع به على أهل مصر، و جهز أمير الجيوش عسكرا من مصر للقبض عليه إذا حضر و شعر بذلك ، و انتقض و أخرج من عنده من أهل مصر ، و خاف الأفضل أن يسلم عسقلان إلى الفرنج فأقره على عمله ، و ارتاب شمس الخلافة بأهل عسقلان و اتخذ بطانة من الأرمن فاستوحش أهل البلد فثاروا به و قتلوه ، و بعثوا إلى الآمر و الأفضل بذلك ، فأرسل إليهم الوالى من مصر و أحسن إليهم و استقامت أحوالهم . و حاصر بغدوين بعد ذلك مدينة صور و فيها عساكر الأرمن و اشتد في حصارها بكل نوع ، و كان بها عز الملك الأعز من أولياء الأمر فاستمد طفتكين أتابك دمشق فأمده بنفسه و طال الحصار ، و حضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسد طفتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا و كفى الله شرهم . ثم زحف بغدوين ملك الفرنج من القدس إلى مصر و بلغ سنتين و سبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به ، و عاد إلى القدس و مات ، و عهد بملك القدس للقمص صاحب الرها ، و لو لا ما نزل بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام ، و لكن الله خبأ ذلك لصلاح الدين بن أيوب حتى فاز بذكره .
مقتل الأفضل
قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيرا ابن خمس ، فلما استجمع و اشتد تنكر للأفضل و ثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر و بنى بها دارا و نزلها ، و خطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه و شاور الآمر أصحابه في قتله ، فقال له ابن عمه عبد المجيد و كان ولي عهده : لا تفعل و حذره سوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه و نصح أبيه و حسن ولايتهما للدولة ، و لابد من إقامة غيره و الاعتماد عليه فيتعرض للحذر من مثلها إلى الإمتناع منه . ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبي عبد الله ابن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره و يضع عليه من يغتاله ، و يقتل به فيسلم عرضك . و كان ابن البطائحي فراشا بالقصر ، و استخلصه الأفضل و رقاه و استحجبه ، فاستدعاه الآمر و داخله في ذلك ، و وعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر و هو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة و خمسمائة ، كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد و ثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان و طعناه فسقط ، و قتلا ، و حمل إلى داره و به رمق فجاءه الآمر متوجعا و سأله عن ماله فقال أما الظاهر فأبو الحسن بن أبي أسامة يعرفه ، و كان أبوه قاضيا بالقاهرة و أصله من حلب . و أما الباطن فإن البطائحي يعرفه . ثم قضى الأفضل نحبه لثمان و عشرين سنة من وزارته ، و احتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين ، و خمسين أردبا من الورق ، و من الديباج الملون
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
و المتاع البغدادي و الإسكندري و ظرف الهند وأنواع الطيوب و العنبر و المسك ما لا يحصى . حتى لقد كان من ذخائره دكة عاج و أبنوس محلاة بالفضة عليها عرم مثمن من العنبر زنته ألف رطل ، و على العرم مثل طائر من الذهب برجلين مرجانا و منقار زمرذا و عينان ياقوتتان كان ينصبها في بيته و يضوع عرفها فيعم القصر و صارت إلى صلاح الدين .
ولاية ابن البطائحي
قال ابن الأثير كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق ، و مات لم يخلف شيئا . ثم ماتت أمه و تركته معلقا ، فتعلم البناء أولا ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ، و يدخل بها على الأفضل فخف عليه و استخدمه مع الفراشين ، و تقدم عنده و استحجبه ، و لما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه و كان يعرف بابن فاتت و ابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام ، ثم خالع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة و لقبه المأمون ، فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد و نكر ذلك الآمر و تنكر له ، و استوحش المأمون و كان له أخ يلقب المؤتمن فاستأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءا هنالك فأذن له ، و سار معه القواد و فيهم علي بن السلار و تاج الملوك قائمين ، و سنا الملك الجمل و دري الحروب و أمثالهم ، و أقام المأمون على استيحاش من الآمر و كثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به ، و أنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن يدعو له ، فبعث الآمر إلى اليمن في استكشاف ذلك .
مقتل البطائحي
و لما كثرت السعاية فيه عند الآمر و توغر صدره عليه ، كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الإسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك علي بن سلار فحضروا ، و استأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له . و حضر رمضان من سنة تسع عشرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة ، و دخل المأمون و المؤتمن فقبض عليهما و حبسهما داخل القصر ، و جلس الآمر من الغد في إيوانه و قرأ عليه و على الناس كتابا بتعديد ذنوبهم ، و ترك الآمر رتبة الوزارة خلوا ، و أقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الأموال من الخراج و الزكاة و المكس ، ثم عزلهما لظلمهما . ثم حضر الرسول الذي بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون ، و حضر ابن نجيب و داعيته فقتل و قتل المأمون و أخوه المؤتمن .
مقتل الآمر و خلافة الحافظ
كان الآمر مؤثراً للذاته طموحا إلى المعالي و قاعدا عنها ، و كان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل وقت ، ثم يقصر عنه و كان يقرض الشعر قليلا و من قوله :
أصبحت لا أرجو و لا ألقى إلا إلهي و له الفضل
جدي نبي و إمامي أبي و مذهبي التوحيد و العدل
و كانت الفداوية تحاول قتله فيتحرز منهم ، و اتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت ، و ركب بعض الأيام إلى الروضة ، و مر على الجسر بين الجزيرة و مصر فسبقوه فوقفوا في طريقه ، فلما توسط الجسر انفرد عن الموكب لضيقه ، فوثبوا عليه و طعنوه و قتلوا لحينهم ، و مات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع و عشرين و خمسمائة ، لتسع و عشرين سنة و نصف من خلافته . و كان قد استخلص مملوكين و هما برغش العادل و برعوارد هزير الملوك ، و كان يؤثر العادل منهما ، فلما مات الآمر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالأمر و كان أقرب القرابة سنا و أبوه أبو القاسم بن المستضيء معه ، و قالوا إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكرا فهو الخليفة بعدي ، و كفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا و لقبوه الحافظ لدين الله ، و ذكروا من الوصية أن يكون هزير الملوك وزيرا و السعيد باس من موالي الأفضل صاحب الباب ، و قرأوا السجل بذلك في دار الخلافة .
ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة و مقتله
و لما تقرر الأمر على وزارة هزير الملوك ، و خلع عليه أنكر ذلك الجند و تولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم . و كان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسدا لصاحبه ، و أوجد له السبيل إلى ذلك فخرج ، و تعلق به الجند و قالوا : هذا الوزير ابن الوزير ، و تنصل فلم يقبلوا ، و ضربوا له خيمة بين القصرين و أحدقوا به ، و أغلقت أبواب القصر فتسوروه و ولجوا من طيقانه . و اضطر الحافظ إلى عزل هزير الملوك ، ثم قتله و ولى أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة ، و جلس بدست أبيه و رد الناس أموال الوزارة المقضية . و استبد على الحافظ و منعه من التصرف ، و نقل الأموال من الذخائر و القصر إلى داره ، و كان إماميا متشددا فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر . و ضرب الدراهم باسمه دون الدنانير و نقش عليها : الله الصمد الإمام محمد ، و هو الإمام المنتظر . و أسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر ، و ذكر الحافظ و أسقط من الأذان حي على خير العمل . و نعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر . و أراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته . فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل و قتلهم ، فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه و اعتقله . و ركب بنفسه في المواسم و خطب للقائم مموها فتنكر له أولياء الشيعة و مماليك الخلفاء . و داخل يانس الجند من كتامة و غيرهم في شأنه ،
ولاية ابن البطائحي
قال ابن الأثير كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق ، و مات لم يخلف شيئا . ثم ماتت أمه و تركته معلقا ، فتعلم البناء أولا ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ، و يدخل بها على الأفضل فخف عليه و استخدمه مع الفراشين ، و تقدم عنده و استحجبه ، و لما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه و كان يعرف بابن فاتت و ابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام ، ثم خالع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة و لقبه المأمون ، فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد و نكر ذلك الآمر و تنكر له ، و استوحش المأمون و كان له أخ يلقب المؤتمن فاستأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءا هنالك فأذن له ، و سار معه القواد و فيهم علي بن السلار و تاج الملوك قائمين ، و سنا الملك الجمل و دري الحروب و أمثالهم ، و أقام المأمون على استيحاش من الآمر و كثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به ، و أنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن يدعو له ، فبعث الآمر إلى اليمن في استكشاف ذلك .
مقتل البطائحي
و لما كثرت السعاية فيه عند الآمر و توغر صدره عليه ، كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الإسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك علي بن سلار فحضروا ، و استأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له . و حضر رمضان من سنة تسع عشرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة ، و دخل المأمون و المؤتمن فقبض عليهما و حبسهما داخل القصر ، و جلس الآمر من الغد في إيوانه و قرأ عليه و على الناس كتابا بتعديد ذنوبهم ، و ترك الآمر رتبة الوزارة خلوا ، و أقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الأموال من الخراج و الزكاة و المكس ، ثم عزلهما لظلمهما . ثم حضر الرسول الذي بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون ، و حضر ابن نجيب و داعيته فقتل و قتل المأمون و أخوه المؤتمن .
مقتل الآمر و خلافة الحافظ
كان الآمر مؤثراً للذاته طموحا إلى المعالي و قاعدا عنها ، و كان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل وقت ، ثم يقصر عنه و كان يقرض الشعر قليلا و من قوله :
أصبحت لا أرجو و لا ألقى إلا إلهي و له الفضل
جدي نبي و إمامي أبي و مذهبي التوحيد و العدل
و كانت الفداوية تحاول قتله فيتحرز منهم ، و اتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت ، و ركب بعض الأيام إلى الروضة ، و مر على الجسر بين الجزيرة و مصر فسبقوه فوقفوا في طريقه ، فلما توسط الجسر انفرد عن الموكب لضيقه ، فوثبوا عليه و طعنوه و قتلوا لحينهم ، و مات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع و عشرين و خمسمائة ، لتسع و عشرين سنة و نصف من خلافته . و كان قد استخلص مملوكين و هما برغش العادل و برعوارد هزير الملوك ، و كان يؤثر العادل منهما ، فلما مات الآمر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالأمر و كان أقرب القرابة سنا و أبوه أبو القاسم بن المستضيء معه ، و قالوا إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكرا فهو الخليفة بعدي ، و كفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا و لقبوه الحافظ لدين الله ، و ذكروا من الوصية أن يكون هزير الملوك وزيرا و السعيد باس من موالي الأفضل صاحب الباب ، و قرأوا السجل بذلك في دار الخلافة .
ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة و مقتله
و لما تقرر الأمر على وزارة هزير الملوك ، و خلع عليه أنكر ذلك الجند و تولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم . و كان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسدا لصاحبه ، و أوجد له السبيل إلى ذلك فخرج ، و تعلق به الجند و قالوا : هذا الوزير ابن الوزير ، و تنصل فلم يقبلوا ، و ضربوا له خيمة بين القصرين و أحدقوا به ، و أغلقت أبواب القصر فتسوروه و ولجوا من طيقانه . و اضطر الحافظ إلى عزل هزير الملوك ، ثم قتله و ولى أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة ، و جلس بدست أبيه و رد الناس أموال الوزارة المقضية . و استبد على الحافظ و منعه من التصرف ، و نقل الأموال من الذخائر و القصر إلى داره ، و كان إماميا متشددا فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر . و ضرب الدراهم باسمه دون الدنانير و نقش عليها : الله الصمد الإمام محمد ، و هو الإمام المنتظر . و أسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر ، و ذكر الحافظ و أسقط من الأذان حي على خير العمل . و نعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر . و أراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته . فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل و قتلهم ، فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه و اعتقله . و ركب بنفسه في المواسم و خطب للقائم مموها فتنكر له أولياء الشيعة و مماليك الخلفاء . و داخل يانس الجند من كتامة و غيرهم في شأنه ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
و اتفقوا على قتله . و ترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد ، و هو في موكبه و هم يتلاعبون على الخيل . ثم اعتمدوه فطعنوه و قتلوه ، و أخرجوا الحافظ من معتقله و جددوا له البيعة بالخلافة ، و نهب دار أبي علي . و ركب الحافظ و حمل ما بقي فيها إلى القصر و استوزر أبا الفتح يانساً الحافظي ، و لقبه أمير الجيوش ، و كان عظيم الهيبة بعيد الغور ، و استبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه . و يقال إن الحاكم وضع له سما في المستراح هلك به و ذلك آخر ذي الحجة سنة ست وعشرين .
قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة و مكره بأبيه و مهلكه
و لما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلى دست الوزارة ليستريح من التعب الذي عرض منهم للدولة ، و أجمع أن يفوض الأمور إلى ولده ، و فوض إلى ابنه سليمان . و مات لشهرين ، فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة ، و عزم على اعتقال أبيه ، و داخل الأجناد في ذلك فأطاعوه ، و أطلع أبوه على أمره ففتك بهم يقال : إنه قتل منهم في ليلة أربعين ، و بعث أبوه خادما من القصر لقتله فهزمه حسن و بقي الحافظ محجورا ، و فسد أمره و بعث حسن بهرام الأرمني لحشد الأرمن ليستظهر بهم على الجند ، و ثاروا بحسن و طلبوه من أبيه ، و وقفوا بين القصرين و جمعوا الحطب لإحراق القصر و استبشع الحافظ قتله بالحديد فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع و عشرين .
وزارة بهرام و رضوان بعده
و لما مات حسن بن الحافظ و رحل بهرام لحشد الأرمن اجتمع الجند و كان بهرام كبيرهم و راودوا الحافظ على وزارته فوافقهم و خلج عليه و فوض إليه الأمور السلطانية ، و استثنى عليه الشرعية ، و تبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة ، و استعمل الأرمن و أهانوا المسلمين . و كان رضوان بن ولحيس صاحب الباب ، و هو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة ، و كان ينكر على بهرام و يهزأ به ، فولاه بهرام الغربية ، ثم جمع رضوان و أتى إلى القاهرة ففر بهرام و قصد قوص في ألفين من الأرمن ، و وجد أخاه قتيلا فلم يعرض لأهل قوص ، و باء بحق الخلافة ، و صعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة . ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر و هو إبراهيم الأوحد فاستنزله على الأمان له و للأرمن الذين معه . و جاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه . و استقر رضوان في الوزارة و لقب بالأفضل و كان سنيا ، و كان أخوه إبراهيم إماميا ، فأراد الاستبداد و أخذ في تقديم معارفه سيفاً و قلماً . وأسقط المكوس و عاقب من تصدى لها ، فتغير له الخليفة فأراد خلعه ، و شاور في ذلك داعي الدعاة و فقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشيء . و فطن له الحافظ فدس خمسين فارسا ينادون في الطرقات بالثورة عليه ، و ينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هاربا منتصف شوال سنة ثلاث و ثلاثين ، و نهبت داره ، و ركب الحافظ و سكن الناس ، و نقل ما فيها إلى قصره . و سار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك ، و كان في جملته شاور و هو من مصطفيه ، و أرسل الحافظ الأمير بن مضيال ليرده على الأمان فرجع ، و حبس في القصر ، و قيل وصل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين ، و أقام عنده ثم رجع إلى مصر سنة أربع و ثلاثين فقاتلهم عند باب القصر و هزمهم . ثم افترق عنه أصحابه و أرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مضيال و حبسه بالقصر إلى سنة ثلاث و أربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة ، و جمع المغاربة و غيرهم و رجع إلى القاهرة فقاتلهم عند جامع ابن طيلون و هزمهم . ثم دخل القاهرة و نزل عند جامع الأقمر ، و أرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفا على عادتهم مع الوزير ، ثم استزاد عشرين و عشرين . و في خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعا كثيرا من السودان فحملوا عليه و قتلوه و جاؤا برأسه إلى الحافظ . و استمر الحافظ في دولته مباشرا لأموره و أخلى رتبة الوزارة فلم يول أحدا بعده .
وفاة الحافظ و ولاية ابنه الظافر
ثم توفي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القاسم أحمد بن المستنصر سنة أربع و أربعين لتسع عشرة سنة و نصف من خلافته ، و عن أبي العالية يقال بلغ عمره سبعا و سبعين سنة ، و لم يزل في خلافته محجور الوزارة ، و لما مات ولي بعده إبنه أبو منصور إسماعيل بعهده إليه بذلك و لقب الظافر بأمر الله .
وزارة ابن مضيال ثم ابن السلار
كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مضيال فاستوزره أربعين يوما و كان علي بن السلار واليا على الإسكندرية و معه بلارة بنت عمه القاسم و ابنه منها عباس و تزوجت بعده بابن السلار ، و شب عباس و تقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابن مضيال و اتفق مع عباس على عزله ، و بلغ الخبر إلى ابن مضيال فشكا إلى الظافر فلم يشكه فقال ذوو الحروب : ليس هنا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر و دس عليه من بني علي مصلحيه فخرج إلى الصعيد ، و قدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر ، و هو منكر له و لقبه العادل . و بعث العساكر مع العباس ربيبه في اتباغ ابن مضيال فخرج في طلبه . و كان جماعة من لواتة السودان فتحضنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم ، و قتل ابن مضيال و جاء برأسه . و قام ابن سلار بالدولة و حفظ
قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة و مكره بأبيه و مهلكه
و لما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلى دست الوزارة ليستريح من التعب الذي عرض منهم للدولة ، و أجمع أن يفوض الأمور إلى ولده ، و فوض إلى ابنه سليمان . و مات لشهرين ، فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة ، و عزم على اعتقال أبيه ، و داخل الأجناد في ذلك فأطاعوه ، و أطلع أبوه على أمره ففتك بهم يقال : إنه قتل منهم في ليلة أربعين ، و بعث أبوه خادما من القصر لقتله فهزمه حسن و بقي الحافظ محجورا ، و فسد أمره و بعث حسن بهرام الأرمني لحشد الأرمن ليستظهر بهم على الجند ، و ثاروا بحسن و طلبوه من أبيه ، و وقفوا بين القصرين و جمعوا الحطب لإحراق القصر و استبشع الحافظ قتله بالحديد فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع و عشرين .
وزارة بهرام و رضوان بعده
و لما مات حسن بن الحافظ و رحل بهرام لحشد الأرمن اجتمع الجند و كان بهرام كبيرهم و راودوا الحافظ على وزارته فوافقهم و خلج عليه و فوض إليه الأمور السلطانية ، و استثنى عليه الشرعية ، و تبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة ، و استعمل الأرمن و أهانوا المسلمين . و كان رضوان بن ولحيس صاحب الباب ، و هو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة ، و كان ينكر على بهرام و يهزأ به ، فولاه بهرام الغربية ، ثم جمع رضوان و أتى إلى القاهرة ففر بهرام و قصد قوص في ألفين من الأرمن ، و وجد أخاه قتيلا فلم يعرض لأهل قوص ، و باء بحق الخلافة ، و صعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة . ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر و هو إبراهيم الأوحد فاستنزله على الأمان له و للأرمن الذين معه . و جاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه . و استقر رضوان في الوزارة و لقب بالأفضل و كان سنيا ، و كان أخوه إبراهيم إماميا ، فأراد الاستبداد و أخذ في تقديم معارفه سيفاً و قلماً . وأسقط المكوس و عاقب من تصدى لها ، فتغير له الخليفة فأراد خلعه ، و شاور في ذلك داعي الدعاة و فقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشيء . و فطن له الحافظ فدس خمسين فارسا ينادون في الطرقات بالثورة عليه ، و ينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هاربا منتصف شوال سنة ثلاث و ثلاثين ، و نهبت داره ، و ركب الحافظ و سكن الناس ، و نقل ما فيها إلى قصره . و سار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك ، و كان في جملته شاور و هو من مصطفيه ، و أرسل الحافظ الأمير بن مضيال ليرده على الأمان فرجع ، و حبس في القصر ، و قيل وصل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين ، و أقام عنده ثم رجع إلى مصر سنة أربع و ثلاثين فقاتلهم عند باب القصر و هزمهم . ثم افترق عنه أصحابه و أرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مضيال و حبسه بالقصر إلى سنة ثلاث و أربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة ، و جمع المغاربة و غيرهم و رجع إلى القاهرة فقاتلهم عند جامع ابن طيلون و هزمهم . ثم دخل القاهرة و نزل عند جامع الأقمر ، و أرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفا على عادتهم مع الوزير ، ثم استزاد عشرين و عشرين . و في خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعا كثيرا من السودان فحملوا عليه و قتلوه و جاؤا برأسه إلى الحافظ . و استمر الحافظ في دولته مباشرا لأموره و أخلى رتبة الوزارة فلم يول أحدا بعده .
وفاة الحافظ و ولاية ابنه الظافر
ثم توفي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القاسم أحمد بن المستنصر سنة أربع و أربعين لتسع عشرة سنة و نصف من خلافته ، و عن أبي العالية يقال بلغ عمره سبعا و سبعين سنة ، و لم يزل في خلافته محجور الوزارة ، و لما مات ولي بعده إبنه أبو منصور إسماعيل بعهده إليه بذلك و لقب الظافر بأمر الله .
وزارة ابن مضيال ثم ابن السلار
كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مضيال فاستوزره أربعين يوما و كان علي بن السلار واليا على الإسكندرية و معه بلارة بنت عمه القاسم و ابنه منها عباس و تزوجت بعده بابن السلار ، و شب عباس و تقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابن مضيال و اتفق مع عباس على عزله ، و بلغ الخبر إلى ابن مضيال فشكا إلى الظافر فلم يشكه فقال ذوو الحروب : ليس هنا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر و دس عليه من بني علي مصلحيه فخرج إلى الصعيد ، و قدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر ، و هو منكر له و لقبه العادل . و بعث العساكر مع العباس ربيبه في اتباغ ابن مضيال فخرج في طلبه . و كان جماعة من لواتة السودان فتحضنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم ، و قتل ابن مضيال و جاء برأسه . و قام ابن سلار بالدولة و حفظ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
النواميس و شد من مذاهبه أهله . و كان الخليفة مستوحشاً منه منكرا له و هو مباك في النصيحة و الخدمة . و استخدم الرجالة لحراسته ، فارتاب له صبيان الخاص من حاشية الخليفة فاعتزموا على قتله ، و نمي ذلك إليه فقبض على رؤوسهم فحبسهم ، و قتل جماعة منهم و افترقوا ، و لم يقدر الظافر على إنكار ذلك . و احتفل ابن السلار بأمر عسقلان ، و منعها من الفرنج و بعث إليها بالمدد كل حين من الأقوات و الأسلحة فلم يغن ذلك عنها ، و ملكها الفرنج و كان لذلك من الوهن على الدوله ما تحذث به الناس .
و لما قتل العادل بن السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له ، و اشتد قلقه. و كان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفا له فكان يسكنه و يهديه ، و كان لعباس ولد إسمه نصير ، استخصه الظافر و استدناه ، و يقال كان يهواه ، ففاوض العادل عباسا في شأن ابنه عن مخالطة إبنه للظافر فلم ينته ابنه ، فنهى العادل جدته أن يدخل إلى بيته فشق ذلك على نصير و على أبيه ، و تنكر للعادل . و زحف الفرنج إن عسقلان فجهز العادل الجيوش و العساكر إليها مدداً مع ما كان يمدها به ، و بعثهم مع عباس بن أبي الفتوح فارتاب لذلك ، و فاوض للظافر في قتل العادل و حضر معهم مؤيدا لدولة الأمر أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر ، و كان مقربا عند الظافر و صديقاً لعباس ، فاستصوب ذلك و حث عليه ، و خرج عباس بالعساكر إلى بلبيس ، و أوصى إبنه نصير بقتله ، فجاء في جماعة إلى بيت جدته ، و العادل نائم فدخل إليه و ضربه فلم يجهز عليه ، و خرج إلى أصحابه . ثم دخلوا جميعاً فقتلوه و جاؤا برأسه إلى الظافر ، و رجع عباس من بلبيس بالعساكر فاستوزره الظافر ، و قام بالدولة و أحسن إلى الناس ، و أيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا أنفسهم و بلدهم بعد حصار طويل وكان ذلك كله سنة ثمان و أربعين .
مقتل الظافر و أخويه و ولاية ابنه الفائز
و لما وزر عباس للظافر ، و قام بالدولة ، كان ولده نصير من ندمان الظاف ، و كان يهواه كما تقدم . و كان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس و أصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه ، و أشارعليه بقتل الظافر فاستدعى ابنه نصيرا و قبح عليه في شناعة الأحدوثة فيه بين الناس ، و أغراه باغتيال الظافر ليمحو عنه ما يتحدث به الناس ، فسأل نصير من الظافر أن يأتي إلى بيته في دعوة فركب من القصر إليه فقتله نصير و من جاء معه ، و دفنهم في داره ، و ذلك في محرم سنة تسع و أربعين و باكر إلى القصر و لم ير الظافر ، و سأل خدام القصر فأحسن العذر و رجع إلى أخوي الظافر يوسف و جبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له : خبر الوزير . فلما جاء عباس من الغد أخبره بأنه ركب إلى بيت نصير إبنه و لم يعد فاستشاط غيظا عليه ، و رماه بأنه داخل أخويه في قتله . ثم استدعاهما فقتلهما و قتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ . ثم أخرج إبنه أبا القاسم عيسى ابن خمس سنين و حمله على كتفه و أجلسه على سرير الملك و بايع له بالخلافة ، و لقبه الفائز بالله و نقل عباس بسبب ذلك ما في القصر من الأموال و الذخائر ما لا حد له . و عند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب و فزع و بقي سائر أيامه يعتاده الصرع .
وزارة الصالح بن رزيك
و لما قتل الظافر و أخواه كما ذكرناه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن رزيك وكان واليا على الأشموتين و البهنسة . و جاء الخب ربأن الناس اختلفوا على عباس بسبب ذلك ، فجمع و قصد القاهرة و لبس السواد حزناً و رفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزنا . و لما عبر البحر خرج عباس و ولده و دفعوا ما قدروا عليه من مال و سلاح من حاصل الدولة ، و معهما صديقهما أسامة بن منقذ فاعترضهم الفرنج ، و قاتلوا فقتل عباس و أسر ولده و نجا أسامة إلى الشام . و دخل طلائع القاهرة في ربيع سنة تسع و خمسين ، و جاء إلى القصر راجلاً . ثم مضى إلى دار عباس و معه الخادم الذي حضر لقتله فاستخرجه من التراب و دفنه عند آبائه ، و خلع الفائز عليه الوزارة و لقبه الصالح . و كان إماميا كاتبا أديبا فقام بأمر الدولة ، و شرع في جمع الأموال و النظر في الولايات . و كان الأوحد بن تميم من قرابة عباس والياً على تنيس ، و كان لما سمع بفعلة قريبه عباس جمع و قصد القاهرة فسبقه طلائع ، فلما استقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط و تنيس . ثم بعث في فداء نصير بن عباس من الفرنج فجيء به و قتله و صلبه بباب زويلة . ثم نظر في المزاحمين من أهل الدولة ، و لم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز و ابن غالب ، فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا و نهب دورهما ، و تتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو ، و وضع الرقباء و الحجاب على القصر ، و ثقلت وطأته على الحرم ، و دبرت عمة الفائز في قتل الصالح ، و فرقت الأموال في ذلك ، و نمي الخبر إليه فجاء إلى القصر ، و أمر الاستاذين و الصقالبة بقتلها فقتلوها سرا ، و صار الفائز في كفالة عمته الصغرى ، و عظم اشتداد الفائز و استفحل أمره ، و أعطى الولايات للأمراء و اتخذ مجلسا لأهل الأدب يسامرون فيه ، و كان يقرض الشعر و لا يجيده . و ولى شاور السعدي على قرضه ، و أشار عليه حجابه بصرفه ، و استقدمه فامتنع و قال : إن عزلني دخلت بلاد النوبة . و على عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد بني طغتكين أتابك تتش سنة تسع و أربعين و خمسمائة .
و لما قتل العادل بن السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له ، و اشتد قلقه. و كان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفا له فكان يسكنه و يهديه ، و كان لعباس ولد إسمه نصير ، استخصه الظافر و استدناه ، و يقال كان يهواه ، ففاوض العادل عباسا في شأن ابنه عن مخالطة إبنه للظافر فلم ينته ابنه ، فنهى العادل جدته أن يدخل إلى بيته فشق ذلك على نصير و على أبيه ، و تنكر للعادل . و زحف الفرنج إن عسقلان فجهز العادل الجيوش و العساكر إليها مدداً مع ما كان يمدها به ، و بعثهم مع عباس بن أبي الفتوح فارتاب لذلك ، و فاوض للظافر في قتل العادل و حضر معهم مؤيدا لدولة الأمر أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر ، و كان مقربا عند الظافر و صديقاً لعباس ، فاستصوب ذلك و حث عليه ، و خرج عباس بالعساكر إلى بلبيس ، و أوصى إبنه نصير بقتله ، فجاء في جماعة إلى بيت جدته ، و العادل نائم فدخل إليه و ضربه فلم يجهز عليه ، و خرج إلى أصحابه . ثم دخلوا جميعاً فقتلوه و جاؤا برأسه إلى الظافر ، و رجع عباس من بلبيس بالعساكر فاستوزره الظافر ، و قام بالدولة و أحسن إلى الناس ، و أيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا أنفسهم و بلدهم بعد حصار طويل وكان ذلك كله سنة ثمان و أربعين .
مقتل الظافر و أخويه و ولاية ابنه الفائز
و لما وزر عباس للظافر ، و قام بالدولة ، كان ولده نصير من ندمان الظاف ، و كان يهواه كما تقدم . و كان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس و أصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه ، و أشارعليه بقتل الظافر فاستدعى ابنه نصيرا و قبح عليه في شناعة الأحدوثة فيه بين الناس ، و أغراه باغتيال الظافر ليمحو عنه ما يتحدث به الناس ، فسأل نصير من الظافر أن يأتي إلى بيته في دعوة فركب من القصر إليه فقتله نصير و من جاء معه ، و دفنهم في داره ، و ذلك في محرم سنة تسع و أربعين و باكر إلى القصر و لم ير الظافر ، و سأل خدام القصر فأحسن العذر و رجع إلى أخوي الظافر يوسف و جبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له : خبر الوزير . فلما جاء عباس من الغد أخبره بأنه ركب إلى بيت نصير إبنه و لم يعد فاستشاط غيظا عليه ، و رماه بأنه داخل أخويه في قتله . ثم استدعاهما فقتلهما و قتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ . ثم أخرج إبنه أبا القاسم عيسى ابن خمس سنين و حمله على كتفه و أجلسه على سرير الملك و بايع له بالخلافة ، و لقبه الفائز بالله و نقل عباس بسبب ذلك ما في القصر من الأموال و الذخائر ما لا حد له . و عند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب و فزع و بقي سائر أيامه يعتاده الصرع .
وزارة الصالح بن رزيك
و لما قتل الظافر و أخواه كما ذكرناه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن رزيك وكان واليا على الأشموتين و البهنسة . و جاء الخب ربأن الناس اختلفوا على عباس بسبب ذلك ، فجمع و قصد القاهرة و لبس السواد حزناً و رفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزنا . و لما عبر البحر خرج عباس و ولده و دفعوا ما قدروا عليه من مال و سلاح من حاصل الدولة ، و معهما صديقهما أسامة بن منقذ فاعترضهم الفرنج ، و قاتلوا فقتل عباس و أسر ولده و نجا أسامة إلى الشام . و دخل طلائع القاهرة في ربيع سنة تسع و خمسين ، و جاء إلى القصر راجلاً . ثم مضى إلى دار عباس و معه الخادم الذي حضر لقتله فاستخرجه من التراب و دفنه عند آبائه ، و خلع الفائز عليه الوزارة و لقبه الصالح . و كان إماميا كاتبا أديبا فقام بأمر الدولة ، و شرع في جمع الأموال و النظر في الولايات . و كان الأوحد بن تميم من قرابة عباس والياً على تنيس ، و كان لما سمع بفعلة قريبه عباس جمع و قصد القاهرة فسبقه طلائع ، فلما استقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط و تنيس . ثم بعث في فداء نصير بن عباس من الفرنج فجيء به و قتله و صلبه بباب زويلة . ثم نظر في المزاحمين من أهل الدولة ، و لم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز و ابن غالب ، فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا و نهب دورهما ، و تتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو ، و وضع الرقباء و الحجاب على القصر ، و ثقلت وطأته على الحرم ، و دبرت عمة الفائز في قتل الصالح ، و فرقت الأموال في ذلك ، و نمي الخبر إليه فجاء إلى القصر ، و أمر الاستاذين و الصقالبة بقتلها فقتلوها سرا ، و صار الفائز في كفالة عمته الصغرى ، و عظم اشتداد الفائز و استفحل أمره ، و أعطى الولايات للأمراء و اتخذ مجلسا لأهل الأدب يسامرون فيه ، و كان يقرض الشعر و لا يجيده . و ولى شاور السعدي على قرضه ، و أشار عليه حجابه بصرفه ، و استقدمه فامتنع و قال : إن عزلني دخلت بلاد النوبة . و على عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد بني طغتكين أتابك تتش سنة تسع و أربعين و خمسمائة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
وفاة الفائز و ولاية العاضد
ثم توفي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسمعيل سنة خمس و خمسين ، لست سنين من خلافته ، فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر و طلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم ، و عدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده ، فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة و هو غلام ، و لقبه العاضد لدين الله و زوجه إبنته و جهزها بما لم يسمع مثله .
مقتل الصالح بن رزيك و ولاية ابنه رزيك
و لما استفحل أمر الصالح و عظم استبداده بجباية الأموال و التصرف ، و حجر العاضد تنكر له الحرم و دس إلى الأمراء بقتله . و تولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها . و اجتمع قوم من القواد و السودان منهم الريفي الخادم وابن الداعي و الأمير بن قوام الدولة ، و كان صاحب الباب و تواطؤا على قتله ، و وقفوا في دهليز القصر ، و أخرج ابن قوام الدولة الناس أمامه و هو خارج من القصر ، واستوقفه عنبر الريفي يحادثه ، و تقدم إبنه رزيك فوثب عليه جماعة منهم و جرحوه ، و ضرب ابن الداعي الصالح فأثبته ، و حمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك . و إذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس و مات من الغد . و بعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ، و نسبه إن العمة ، و أحضر ابنه رزيك و ولاه الوزارة مكان أبيه ، و لقبه العادل فأذن له في الأخذ بثأره ، فقتل العمة و ابن قوام الدولة و الأستاذ عنبر الريفي و قام بحمل الدولة ، و أشير عليه بصرف شاور من قوص ، و قد كان أبوه أوصاه ببقائه و قال له : قد ندمت على و لايته ، و لم يمكني عزله ، فصرفه و ولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطرب شاور و خرج إن طريق الواحات و جمع و قصد القاهرة ، و جاء الخبر إلى رزيك فعجز عن لقائه ، و خرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال و الثياب و الجوهر ، و انتهى إلى طفيحة ، و اعترضه ابن النضر و قبض عليه ، و جاء به إلى شاور فاعتقله و اعتقل معه أخاه ، فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته و لتسع سنين من ولاية أبيه .
وزارة شاور ثم الضرغام من بعده
و دخل شاور القاهرة سنة ثمان و خمسين ، و نزل بدار سعيد السعداء و معه ولده طين و شجاع و الطازي ، و ولاه العاضد الوزارة و لقبه أمير الجيوش ، و أمكنه من أموال بني رزيك فاستصفى معظمها ، و زاد أهل الرواتب و الجرايات عشرة أمثالها ، و احتجب عن الناس ، و كان الصالح بن رزيك قد أنشأ في لواته أمراء يسمون البرقية ، و كان مقدمهم الضرغام ، و كان صاحب الباب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته ، و ثار عليه و أخرجه من القاهرة ، فلحق بالشام و قتل ولده عليا و كثيرا من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة و خلت من الأعيان و أدى ذلك إلى خرابها .
مسير شيركوه و عساكر نور الدين إلى مصر مع شاور
و لما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخاً ، و شرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر . و جهز نور الدين شيركوه و كان مقدما في دولته و يذكر سبب اتصاله به في موضعه ، فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع و خمسين ، و قد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته و ينتقم له ممن نازعه و سار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به ، و لما وصل أسد الدين و شاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام و فخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ، و رجع إلى القاهرة و قتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور . و دخل أسد الدين القاهرة و معه أخو الضرغام أسيرا و فر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة ، و قتل أخواه و عاد شاور إلى وزارته و تمكن منها ، ثم نكث عهده مع أسد الدين و سلطانه و صرفه إن الشام .
فتنة أسد الدين مع شاور و حصاره
و لما رجع أسد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين . ثم استأذن نور الدين العادل سنة إثنتين و ستين في العود إلى مصر فأذن له ، و جهزه في العساكر و سار إلى مصر و نازل بلاد الفرنج في طريقه . ثم وصل إلى أطفيح من ديار مصر ، و عبر النيل إلى الجانب الغربي و نزل الجيزة ، و تصرف في البلاد الغربية نيفاً و خمسين ، و استمد شاور الفرنج ، و جاء بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد ، فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم و صدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه ، فإنهم لم يبلغوا ألفي فارس . ثم سار إلى الإسكندرية و هو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها ، فاستأمن أهلها و ملكها ، و ولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ، و رجع إلى جباية الصعيد . و اجتمعت عساكر مصر و الفرنج على القاهرة و أزاحوا عليهم و ساروا إن الإسكندرية و حاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ، ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور ، و بعثوا له إثر ذلك في الصلح فصالحهم و رد إليهم الإسكندرية ، و رجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة إثنتين و ستين . و استطال الفرنج على أهل مصر و شرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة و شحنة ، و أن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين ، و قرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك .
رجوع أسد الدين إلى مصر و مقتل شاور و وزارته
ثم طمع الإفرنج في مصر ، و استطالوا على أهلها و ملكوا بلبيس ، و اعتزموا على قصد القاهرة . و أمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت و نهب أهلها ، و نزل الفرنج على القاهرة ، و أرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده ، و خشي شاور من اتفاق العاضد و نور الدين ، فداخل الفرنج في الصلح على ألفي ألف دينار مصرية معجلة و عشرة آلاف أردب من الزرع ، و حذرهم أمر القهر إلى ذلك و كان فيه السفير الجليس بن عبد القوي و كان الشيخ الموفق كاتب السر و كان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه و قال : هو رب الحرمة علينا و على آبائنا ، و أهل النصيحة لنا . فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه و يشاوره ، فقال له : قل لمولانا يعني العاضد إن تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد و اطلاعهم على الأحوال . ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مددا للعاضد ، كما سأل و بعث معه صلاح الدين ابن أخيه و جماعة الأمراء . فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا على القاهرة و رجعوا إلى بلادهم . و قال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيديين : إنه هزمهم على القاهرة و نهب معسكرهم و دخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى سنة أربع و ستين و خلع عليه العاضد و رجع إلى معسكره ، و فرضت له الجرايات . و بقي شاور على ريبة و خوف و هو يماطله فما يعين له من الأموال ، و دس العاضد إلى أسد الدين بقتل شاور و قال : هذا غلامنا ، و لا خير لك في بقائه و لا لنا ، فبعث عليه صلاح الدين ابن أخيه ، و عز الدين خرديك . وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين و خرديك فقتلاه ، و بعثا برأسه إلى العاضد ، و نهبت العامة دوره ، و اعتقل إبناه شجاع و الطازي و جماعة من أصحابه بالقصر ، و خلع عليه للوزارة ، و لقب المنصور أمير الجيوش ، و جلس في دست الوزارة و استقر في الأمر ، وغلب على الدولة ، و أقطع البلاد لعساكره . و استعد أصحابه في ولايتها و رد أهل مصر إلى بلدهم ، و أنكر ما فعلوه في تخريبها . ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى و قال له جوهر الاستاذ : يقول لك مولانا . لقد تيقنا أن الله ادخرك نصرة لنا على أعدائنا ، فحلف له أسد للدين على النصيحة فقال له : الأمل فيك أعظم ، و خلع عليه وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي ، و كان داعي الدعاة و قاضي القضاة فأبقاه على مراتبه .
ثم توفي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسمعيل سنة خمس و خمسين ، لست سنين من خلافته ، فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر و طلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم ، و عدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده ، فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة و هو غلام ، و لقبه العاضد لدين الله و زوجه إبنته و جهزها بما لم يسمع مثله .
مقتل الصالح بن رزيك و ولاية ابنه رزيك
و لما استفحل أمر الصالح و عظم استبداده بجباية الأموال و التصرف ، و حجر العاضد تنكر له الحرم و دس إلى الأمراء بقتله . و تولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها . و اجتمع قوم من القواد و السودان منهم الريفي الخادم وابن الداعي و الأمير بن قوام الدولة ، و كان صاحب الباب و تواطؤا على قتله ، و وقفوا في دهليز القصر ، و أخرج ابن قوام الدولة الناس أمامه و هو خارج من القصر ، واستوقفه عنبر الريفي يحادثه ، و تقدم إبنه رزيك فوثب عليه جماعة منهم و جرحوه ، و ضرب ابن الداعي الصالح فأثبته ، و حمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك . و إذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس و مات من الغد . و بعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ، و نسبه إن العمة ، و أحضر ابنه رزيك و ولاه الوزارة مكان أبيه ، و لقبه العادل فأذن له في الأخذ بثأره ، فقتل العمة و ابن قوام الدولة و الأستاذ عنبر الريفي و قام بحمل الدولة ، و أشير عليه بصرف شاور من قوص ، و قد كان أبوه أوصاه ببقائه و قال له : قد ندمت على و لايته ، و لم يمكني عزله ، فصرفه و ولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطرب شاور و خرج إن طريق الواحات و جمع و قصد القاهرة ، و جاء الخبر إلى رزيك فعجز عن لقائه ، و خرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال و الثياب و الجوهر ، و انتهى إلى طفيحة ، و اعترضه ابن النضر و قبض عليه ، و جاء به إلى شاور فاعتقله و اعتقل معه أخاه ، فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته و لتسع سنين من ولاية أبيه .
وزارة شاور ثم الضرغام من بعده
و دخل شاور القاهرة سنة ثمان و خمسين ، و نزل بدار سعيد السعداء و معه ولده طين و شجاع و الطازي ، و ولاه العاضد الوزارة و لقبه أمير الجيوش ، و أمكنه من أموال بني رزيك فاستصفى معظمها ، و زاد أهل الرواتب و الجرايات عشرة أمثالها ، و احتجب عن الناس ، و كان الصالح بن رزيك قد أنشأ في لواته أمراء يسمون البرقية ، و كان مقدمهم الضرغام ، و كان صاحب الباب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته ، و ثار عليه و أخرجه من القاهرة ، فلحق بالشام و قتل ولده عليا و كثيرا من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة و خلت من الأعيان و أدى ذلك إلى خرابها .
مسير شيركوه و عساكر نور الدين إلى مصر مع شاور
و لما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخاً ، و شرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر . و جهز نور الدين شيركوه و كان مقدما في دولته و يذكر سبب اتصاله به في موضعه ، فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع و خمسين ، و قد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته و ينتقم له ممن نازعه و سار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به ، و لما وصل أسد الدين و شاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام و فخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ، و رجع إلى القاهرة و قتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور . و دخل أسد الدين القاهرة و معه أخو الضرغام أسيرا و فر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة ، و قتل أخواه و عاد شاور إلى وزارته و تمكن منها ، ثم نكث عهده مع أسد الدين و سلطانه و صرفه إن الشام .
فتنة أسد الدين مع شاور و حصاره
و لما رجع أسد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين . ثم استأذن نور الدين العادل سنة إثنتين و ستين في العود إلى مصر فأذن له ، و جهزه في العساكر و سار إلى مصر و نازل بلاد الفرنج في طريقه . ثم وصل إلى أطفيح من ديار مصر ، و عبر النيل إلى الجانب الغربي و نزل الجيزة ، و تصرف في البلاد الغربية نيفاً و خمسين ، و استمد شاور الفرنج ، و جاء بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد ، فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم و صدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه ، فإنهم لم يبلغوا ألفي فارس . ثم سار إلى الإسكندرية و هو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها ، فاستأمن أهلها و ملكها ، و ولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ، و رجع إلى جباية الصعيد . و اجتمعت عساكر مصر و الفرنج على القاهرة و أزاحوا عليهم و ساروا إن الإسكندرية و حاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ، ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور ، و بعثوا له إثر ذلك في الصلح فصالحهم و رد إليهم الإسكندرية ، و رجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة إثنتين و ستين . و استطال الفرنج على أهل مصر و شرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة و شحنة ، و أن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين ، و قرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك .
رجوع أسد الدين إلى مصر و مقتل شاور و وزارته
ثم طمع الإفرنج في مصر ، و استطالوا على أهلها و ملكوا بلبيس ، و اعتزموا على قصد القاهرة . و أمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت و نهب أهلها ، و نزل الفرنج على القاهرة ، و أرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده ، و خشي شاور من اتفاق العاضد و نور الدين ، فداخل الفرنج في الصلح على ألفي ألف دينار مصرية معجلة و عشرة آلاف أردب من الزرع ، و حذرهم أمر القهر إلى ذلك و كان فيه السفير الجليس بن عبد القوي و كان الشيخ الموفق كاتب السر و كان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه و قال : هو رب الحرمة علينا و على آبائنا ، و أهل النصيحة لنا . فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه و يشاوره ، فقال له : قل لمولانا يعني العاضد إن تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد و اطلاعهم على الأحوال . ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مددا للعاضد ، كما سأل و بعث معه صلاح الدين ابن أخيه و جماعة الأمراء . فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا على القاهرة و رجعوا إلى بلادهم . و قال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيديين : إنه هزمهم على القاهرة و نهب معسكرهم و دخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى سنة أربع و ستين و خلع عليه العاضد و رجع إلى معسكره ، و فرضت له الجرايات . و بقي شاور على ريبة و خوف و هو يماطله فما يعين له من الأموال ، و دس العاضد إلى أسد الدين بقتل شاور و قال : هذا غلامنا ، و لا خير لك في بقائه و لا لنا ، فبعث عليه صلاح الدين ابن أخيه ، و عز الدين خرديك . وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين و خرديك فقتلاه ، و بعثا برأسه إلى العاضد ، و نهبت العامة دوره ، و اعتقل إبناه شجاع و الطازي و جماعة من أصحابه بالقصر ، و خلع عليه للوزارة ، و لقب المنصور أمير الجيوش ، و جلس في دست الوزارة و استقر في الأمر ، وغلب على الدولة ، و أقطع البلاد لعساكره . و استعد أصحابه في ولايتها و رد أهل مصر إلى بلدهم ، و أنكر ما فعلوه في تخريبها . ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى و قال له جوهر الاستاذ : يقول لك مولانا . لقد تيقنا أن الله ادخرك نصرة لنا على أعدائنا ، فحلف له أسد للدين على النصيحة فقال له : الأمل فيك أعظم ، و خلع عليه وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي ، و كان داعي الدعاة و قاضي القضاة فأبقاه على مراتبه .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
وفاة أسد الدين و ولاية صلاح الدين الوزارة
ثم توفي أسد الدين رحمه الله تعالى لشهرين في أيام قلائل من وزارته و قيل لأحد عشر شهراً و أوصى أصحابه أن لا يفارقوا القاهرة . و لما نوفي كان معه جماعة من الأمراء النورية ، منهم عين الدولة الفاروقي و قطب الدين يسال و عين الدين المشطوب الهكاوي ، و شهاب الدين محمود الحازمي ، فتنازعوا في طلب الرياسة و في الوزارة ، و جمع كل أصحابه للمغالبة . و مال العاضد إلى صلاح الدين لصغره و ضعفه عنهم ، ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إن دفع الغز وعساكرهم إلى الشرقية ، و يولي عليهم قراقوش . و مال آخرون إلى وزارة صلاح الدين ، و مال العاضد إلى ذلك لمكافأته عن خدمته السالفة ، فاستدعاه وولاه الوزارة ، و اضطرب أصحابه و كان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه إلا عين الدولة الفاروقي ، فإنه سار إلى الشام و قام صلاح الدين بوزارة مصر نائبا عن نور الدين يكاتبه بالأمير الأصفهان و يشركه في الكتاب مع كافة الأمراء بالديار المصرية . ثم استبد صلاح الدين بالأمور و ضعف أمر العاضد و هدم دار المعرفة بمصر ، و كانت حبساً . و بناها مدرسة للشافعية و بني دار الغزل كذلك للمالكية و عزل قضاة الشيعة و أقام قاضياً شافعياً في مصر ، و استناب في جميع البلاد .
حصار الفرنج دمياط
و لما جاء أسد الدين و أصحابه إلى مصر و ملكوها و دفعوهم عنها ، ندموا على ما فرطوا فيها ، و انقطع عنهم ماكان يصل إليهم و خشوا غائلة الغز على بيت المقدس ، و كاتبوا الفرنج بصقلية و الأندلس و استنجدوهم ، و جاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس و ستين و بها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر و الأموال مع بهاء الدين قراقوش و أمراء الغز ، و استمد نور الدين و اعتذر عن المسير إلها بشأن مصر و الشيعة فبعث نور الدين العساكر إليها شيئاً فشيئاً ، و سار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليها ، فأقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها فوجدوا بلادهم خرابا ، و أثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك . ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدبن و أصحابه إلى مصر و ركب للعاضد للقائه تكرمة له .
واقعة الخصيان و عمارة
و لما استقام الأمر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة و أولياؤهم ، و اجتمع منهم العوريش ، و قاضي القضاة ابن كامل و الأمير المعروف و الكاتب عبد الصمد ، و كان فصيحا ، و عمارة اليمني الشاعر الزبيدي ، و كان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لإخراج الغز من مصر، و جعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها ، و عمدوا إلى شيعي من خصيان القصر إسمه نجاح و لقبه مؤتمن الدولة ، و كان قد ربى العاضد و صهره فأغروه بذلك ، و رغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبساً بذلك ، و لم يكن العاضد الذي حضر و أوهموه أنه عقد معه . ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة ، و كان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين و ولاه الإسكندرية ، و استغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا أنه غضب فأطلعوه على شأنهم ، و أن يكون وزيراً و عمارة كاتب الدست و صاحب ديوان الإنشاء و المكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة داعي الدعاة ، و عبد الصمد جابي الأموال و العوريش ناظراً عليه ، فوافقهم ابن مضيال و وشى بهم إلى صلاح الدين ، فقبض عليهم و على رسول الفرنج ، و قررهم في عدة مجالس . و أحضر زمام القصر و هو مختص بالغز و نكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه و على العاضد أن هذا لم يقع ، و أخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص ، فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر ، فتحقق صلاح الدين براءته . و كان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغر به فيها بالمضي إلى اليمن ، و يحمله على الاستبداد و أنه تعرض فيها للجانب النبوي ، يوجب استباحة دمه و هو قوله :
فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلى سواك و أور النار في العلم
هذا ابن تومرت قد كانت ولايته كما يقول الورى لحما على وضم
و كان أول هذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم
فجمعهم صلاح الدين و شنقهم في يوم واحد بين القصرين ، و أخر ابن كامل عنهم عشرين يوماً ثم شنقه ، و مر عمارة بباب القاضي الفاضل ، فطلب لقاءه فمنع فقال و هو سائر إلى المشنقة :
عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب
و في كتاب ابن الأثير أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة ، عثر على حامله و قرىء الكتاب ، و جيء به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة ، و عزل جميع الخدام و استعمل على القصر بهاء الدين قراقوش ، وكان خصياً أبيض ، و غضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة و اجتمعوا في خمسين ألفاً و قاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين ، و خالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً ، و أحرق أموالهم و أولادهم فانهزموا ، و ركبهم السيف . ثم استأمنوا و نزلوا الجيزة و عبر إليهم شمس الدولة تورنشاه فاستلحمهم .
ثم توفي أسد الدين رحمه الله تعالى لشهرين في أيام قلائل من وزارته و قيل لأحد عشر شهراً و أوصى أصحابه أن لا يفارقوا القاهرة . و لما نوفي كان معه جماعة من الأمراء النورية ، منهم عين الدولة الفاروقي و قطب الدين يسال و عين الدين المشطوب الهكاوي ، و شهاب الدين محمود الحازمي ، فتنازعوا في طلب الرياسة و في الوزارة ، و جمع كل أصحابه للمغالبة . و مال العاضد إلى صلاح الدين لصغره و ضعفه عنهم ، ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إن دفع الغز وعساكرهم إلى الشرقية ، و يولي عليهم قراقوش . و مال آخرون إلى وزارة صلاح الدين ، و مال العاضد إلى ذلك لمكافأته عن خدمته السالفة ، فاستدعاه وولاه الوزارة ، و اضطرب أصحابه و كان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه إلا عين الدولة الفاروقي ، فإنه سار إلى الشام و قام صلاح الدين بوزارة مصر نائبا عن نور الدين يكاتبه بالأمير الأصفهان و يشركه في الكتاب مع كافة الأمراء بالديار المصرية . ثم استبد صلاح الدين بالأمور و ضعف أمر العاضد و هدم دار المعرفة بمصر ، و كانت حبساً . و بناها مدرسة للشافعية و بني دار الغزل كذلك للمالكية و عزل قضاة الشيعة و أقام قاضياً شافعياً في مصر ، و استناب في جميع البلاد .
حصار الفرنج دمياط
و لما جاء أسد الدين و أصحابه إلى مصر و ملكوها و دفعوهم عنها ، ندموا على ما فرطوا فيها ، و انقطع عنهم ماكان يصل إليهم و خشوا غائلة الغز على بيت المقدس ، و كاتبوا الفرنج بصقلية و الأندلس و استنجدوهم ، و جاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس و ستين و بها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر و الأموال مع بهاء الدين قراقوش و أمراء الغز ، و استمد نور الدين و اعتذر عن المسير إلها بشأن مصر و الشيعة فبعث نور الدين العساكر إليها شيئاً فشيئاً ، و سار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليها ، فأقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها فوجدوا بلادهم خرابا ، و أثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك . ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدبن و أصحابه إلى مصر و ركب للعاضد للقائه تكرمة له .
واقعة الخصيان و عمارة
و لما استقام الأمر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة و أولياؤهم ، و اجتمع منهم العوريش ، و قاضي القضاة ابن كامل و الأمير المعروف و الكاتب عبد الصمد ، و كان فصيحا ، و عمارة اليمني الشاعر الزبيدي ، و كان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لإخراج الغز من مصر، و جعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها ، و عمدوا إلى شيعي من خصيان القصر إسمه نجاح و لقبه مؤتمن الدولة ، و كان قد ربى العاضد و صهره فأغروه بذلك ، و رغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبساً بذلك ، و لم يكن العاضد الذي حضر و أوهموه أنه عقد معه . ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة ، و كان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين و ولاه الإسكندرية ، و استغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات فظنوا أنه غضب فأطلعوه على شأنهم ، و أن يكون وزيراً و عمارة كاتب الدست و صاحب ديوان الإنشاء و المكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة داعي الدعاة ، و عبد الصمد جابي الأموال و العوريش ناظراً عليه ، فوافقهم ابن مضيال و وشى بهم إلى صلاح الدين ، فقبض عليهم و على رسول الفرنج ، و قررهم في عدة مجالس . و أحضر زمام القصر و هو مختص بالغز و نكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح فحلف على نفسه و على العاضد أن هذا لم يقع ، و أخبر العاضد بطلب حضور نجاح مع مختص ، فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر ، فتحقق صلاح الدين براءته . و كان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغر به فيها بالمضي إلى اليمن ، و يحمله على الاستبداد و أنه تعرض فيها للجانب النبوي ، يوجب استباحة دمه و هو قوله :
فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلى سواك و أور النار في العلم
هذا ابن تومرت قد كانت ولايته كما يقول الورى لحما على وضم
و كان أول هذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم
فجمعهم صلاح الدين و شنقهم في يوم واحد بين القصرين ، و أخر ابن كامل عنهم عشرين يوماً ثم شنقه ، و مر عمارة بباب القاضي الفاضل ، فطلب لقاءه فمنع فقال و هو سائر إلى المشنقة :
عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب
و في كتاب ابن الأثير أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة ، عثر على حامله و قرىء الكتاب ، و جيء به إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة ، و عزل جميع الخدام و استعمل على القصر بهاء الدين قراقوش ، وكان خصياً أبيض ، و غضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة و اجتمعوا في خمسين ألفاً و قاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين ، و خالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً ، و أحرق أموالهم و أولادهم فانهزموا ، و ركبهم السيف . ثم استأمنوا و نزلوا الجيزة و عبر إليهم شمس الدولة تورنشاه فاستلحمهم .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
قطع الخطبة للعاضد و انقراض الدولة العلوية بمصر
كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر و ضعف أمر العاضد بها ، و تحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر و الخطبة بها للمستضيء العباسي ، و هو يماطل بذلك حذراً من استيلاء نور الدين عليه ، و يعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل . ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به ، و أنه لا يمكن مخالفة نور الدين . و وفد عليه من علماء العجم الفقيه الخيشاني ، و كان يدعى بالأمير العالم ، فلما رأى إحجامهم عن هذه الخطبة قال : أنا أخطبها ! فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع و ستين و خمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب و دعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه ، فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر و القاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد و يخطبوا للمستضيء ففعلوا ، و كتب بذلك إلى سائر أعمال مصر . و كان العاضد في شدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك ، و توفي في عاشوراء من السنة ، و جلس صلاح الدين للعزاء فيه و احتوى على قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه ، و كان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر و اليواقيت و الزمرد و حلي الذهب و آنية الفضة و الذهب ، و وجد ماعون القصر من الموائد و الطسوت و الأباريق و القدور والصحاف و الخوان و البواقيل و المناير و الطيافر و القباقب و الأسورة ، كل ذلك من الذهب . و وجد من أنواع الطيوب و اللباس و المذهبات و القرقبيات المعلقات و الوشي ما لا تقله الأوقار ، و من الكتب ما يناهز مائة و عشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه و قاضيه ، و من الظهر و الكراع و السلاح ، و من الخدم و الوصائف خمسين ألفاً ، و من المال ما يملأ مائة بيت . ثم حبس رجالهم و نساءهم حتى ماتوا ، وكانت بالدولة عند عهد العزيز و الحاكم قد خلا جوها من رجالات كتامة و تفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك ، و انقرضوا بانقراض أمر الشيعة و موت العاضد آخر خلفائهم ، و أكلتهم الأقطار و الوقائع شأن الدول كما ذكرناه من قبل . و لما هلك العاضد و حول صلاح الدين الدعوة إلى العباسية ، اجتمع قوم من الشيعة بمصر و بايعوا لداود بن العاضد ، و نمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم و قتلهم ، وأخرج داود من القصر و ذلك سنة تسع و ستين و خمسمائة. ثم خرج بعد حين إبنه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد و حبس إلى أن هلك . و ظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد ، و دعا هنالك و تسمى بالمهدي فقتل و صلب . و لم يبق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق و هم دعاة الفداوية . و في بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق . و قام بها ابن الصباح في قلعة الموت و غيرها كما يذكر في أخبارهم ، إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يد هولاكو من و لد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين و ستمائة ، و الأمر لله وحده . هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير و من تاريخ دولتهم لابن الطوير و قليل من ابن المسبحي جمعت ما أمكنني منها ملخصا و الله ولي العون .
الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة و الزاب بدعوة العبيديين و مآل أمرهم
كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس و هو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور و الجذامي يعرف بابن الأندلسي و اتصل بعبيد الله و أبي القاسم بالمشرق قبل شأن الدعوة ، و بعثوه من طرابلس إلى عبد الله الشيعي فأحسن اللقاء و الانصراف ، و لزمهم أيام اعتقالهم بسجماسة ، فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة و رقوه إلى الرتب . و لما رجع أبو القاسم من حركته إلى المغرب سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، و اختط مدينة المسيلة ، استعمل علي بن حمدون على بنائها و سماها المحمدية و لما تم بناؤها عقد له على الزاب و أنزله بها و شحنها بالأقوات التي كانت ميرة للعساكر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة . و لم يزل واليا على الزاب و ربى إبنيه جعفراً و يحيى بدار أبي القاسم و كان جعفر سار إلى المعز . و لما كانت فتنة أبي يزيد و أضرمت أفريقية ناراً و فتنة ، و أهاب القائم بالأولياء من كل ناحية ، كتب إلى ابن حمدون أن يجند قبائل البربر و يوافيه ، فنهض إلى المهدية في عسكر ضخم بقسنطينة و هو يحتشد كل من مر به في طريقه حتى وصل إلى شق بنارية . ثم قارب باجة و كان بها أيوب بن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية و البربر ، فزحف إليهم و تناور الفريقان ، ثم بيته أيوب فاستباح معسكره و تردى علي ابن حمدون من بعض الشواهق فهلك سنة أربع و ثلاثين و ثلثمائة . و لما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة و الزاب لجعفر بن علي بن حمدون ، و أنزله بها و أخاه يحيى ، و استجدوا بها سلطانا و دولة ، و بنوا القصور و المنتزهات ، و استفحل بها ملكهم و قصدهم بها العلماء و الشعراء ، و كان فيمن قصدهم ابن هانيء شاعر الأندلس ، و أمداحه فيهم معروفة مذكورة . و كان بين جعفر هذا و بين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة و المساماة في الدولة ، فساء أثر زيري فيه عند صدمته للمغرب و فتكه بزناتة ، و سعوا به إلى الخليفة و ألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة . و تولى محمد بن خزر أمير مغراوة . ثم إن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة إثنتين و ثلثمائة استقدم جعفرا فاستراب جعفر و مال بعسكره إلى زناتة قبل قدومه ، و انقطعت الرسائل بينه و بين صنهاجة و الخليفة المعز ، و شملت عليه زناتة قبل قدومه و اجتمعوا عليه ، و دعا إلى نقض طاعة المعز و الدعاء للحاكم المستنصر ، فوجدهم أقدم إجابة لها ، و ناهضهم زيري الحرب قبل استكمال التعبية ، فكانت عليه من أمراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح ، فقصوا رأسه و بعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر ، فكرم الحاكم وفادتهم و نصب رأس زيري
كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر و ضعف أمر العاضد بها ، و تحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر و الخطبة بها للمستضيء العباسي ، و هو يماطل بذلك حذراً من استيلاء نور الدين عليه ، و يعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل . ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به ، و أنه لا يمكن مخالفة نور الدين . و وفد عليه من علماء العجم الفقيه الخيشاني ، و كان يدعى بالأمير العالم ، فلما رأى إحجامهم عن هذه الخطبة قال : أنا أخطبها ! فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع و ستين و خمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب و دعا للمستنصر فلم ينكر أحد عليه ، فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر و القاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد و يخطبوا للمستضيء ففعلوا ، و كتب بذلك إلى سائر أعمال مصر . و كان العاضد في شدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك ، و توفي في عاشوراء من السنة ، و جلس صلاح الدين للعزاء فيه و احتوى على قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه ، و كان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله من أصناف الجواهر و اليواقيت و الزمرد و حلي الذهب و آنية الفضة و الذهب ، و وجد ماعون القصر من الموائد و الطسوت و الأباريق و القدور والصحاف و الخوان و البواقيل و المناير و الطيافر و القباقب و الأسورة ، كل ذلك من الذهب . و وجد من أنواع الطيوب و اللباس و المذهبات و القرقبيات المعلقات و الوشي ما لا تقله الأوقار ، و من الكتب ما يناهز مائة و عشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه و قاضيه ، و من الظهر و الكراع و السلاح ، و من الخدم و الوصائف خمسين ألفاً ، و من المال ما يملأ مائة بيت . ثم حبس رجالهم و نساءهم حتى ماتوا ، وكانت بالدولة عند عهد العزيز و الحاكم قد خلا جوها من رجالات كتامة و تفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك ، و انقرضوا بانقراض أمر الشيعة و موت العاضد آخر خلفائهم ، و أكلتهم الأقطار و الوقائع شأن الدول كما ذكرناه من قبل . و لما هلك العاضد و حول صلاح الدين الدعوة إلى العباسية ، اجتمع قوم من الشيعة بمصر و بايعوا لداود بن العاضد ، و نمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم و قتلهم ، وأخرج داود من القصر و ذلك سنة تسع و ستين و خمسمائة. ثم خرج بعد حين إبنه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد و حبس إلى أن هلك . و ظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد ، و دعا هنالك و تسمى بالمهدي فقتل و صلب . و لم يبق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق و هم دعاة الفداوية . و في بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق . و قام بها ابن الصباح في قلعة الموت و غيرها كما يذكر في أخبارهم ، إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يد هولاكو من و لد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين و ستمائة ، و الأمر لله وحده . هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير و من تاريخ دولتهم لابن الطوير و قليل من ابن المسبحي جمعت ما أمكنني منها ملخصا و الله ولي العون .
الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة و الزاب بدعوة العبيديين و مآل أمرهم
كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس و هو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور و الجذامي يعرف بابن الأندلسي و اتصل بعبيد الله و أبي القاسم بالمشرق قبل شأن الدعوة ، و بعثوه من طرابلس إلى عبد الله الشيعي فأحسن اللقاء و الانصراف ، و لزمهم أيام اعتقالهم بسجماسة ، فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة و رقوه إلى الرتب . و لما رجع أبو القاسم من حركته إلى المغرب سنة خمس عشرة و ثلثمائة ، و اختط مدينة المسيلة ، استعمل علي بن حمدون على بنائها و سماها المحمدية و لما تم بناؤها عقد له على الزاب و أنزله بها و شحنها بالأقوات التي كانت ميرة للعساكر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة . و لم يزل واليا على الزاب و ربى إبنيه جعفراً و يحيى بدار أبي القاسم و كان جعفر سار إلى المعز . و لما كانت فتنة أبي يزيد و أضرمت أفريقية ناراً و فتنة ، و أهاب القائم بالأولياء من كل ناحية ، كتب إلى ابن حمدون أن يجند قبائل البربر و يوافيه ، فنهض إلى المهدية في عسكر ضخم بقسنطينة و هو يحتشد كل من مر به في طريقه حتى وصل إلى شق بنارية . ثم قارب باجة و كان بها أيوب بن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية و البربر ، فزحف إليهم و تناور الفريقان ، ثم بيته أيوب فاستباح معسكره و تردى علي ابن حمدون من بعض الشواهق فهلك سنة أربع و ثلاثين و ثلثمائة . و لما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة و الزاب لجعفر بن علي بن حمدون ، و أنزله بها و أخاه يحيى ، و استجدوا بها سلطانا و دولة ، و بنوا القصور و المنتزهات ، و استفحل بها ملكهم و قصدهم بها العلماء و الشعراء ، و كان فيمن قصدهم ابن هانيء شاعر الأندلس ، و أمداحه فيهم معروفة مذكورة . و كان بين جعفر هذا و بين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة و المساماة في الدولة ، فساء أثر زيري فيه عند صدمته للمغرب و فتكه بزناتة ، و سعوا به إلى الخليفة و ألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة . و تولى محمد بن خزر أمير مغراوة . ثم إن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة إثنتين و ثلثمائة استقدم جعفرا فاستراب جعفر و مال بعسكره إلى زناتة قبل قدومه ، و انقطعت الرسائل بينه و بين صنهاجة و الخليفة المعز ، و شملت عليه زناتة قبل قدومه و اجتمعوا عليه ، و دعا إلى نقض طاعة المعز و الدعاء للحاكم المستنصر ، فوجدهم أقدم إجابة لها ، و ناهضهم زيري الحرب قبل استكمال التعبية ، فكانت عليه من أمراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح ، فقصوا رأسه و بعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر ، فكرم الحاكم وفادتهم و نصب رأس زيري
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بسوق قرطبة ، و أسنى جوائز الوفد و رفع منزلة يحيى بن علي و أذن لجعفر في اللحاق بسدته . و لما علمث زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بدم أبيه أظهروا العذر به ، و رأى أن يتجنب مجابهتهم لضيق ذات يده ، و عجز رؤساؤهم عن الذب و الدفاع عنها ، و قبض الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة و مراس العصبية ، فأوجس الخيفة في نفسه و ألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته ، و شحن السفن بما معه من المال و المتاع و الرقيق ، و الحشم و ذخيرة السلطان ، و أجاز البحر ولحق بسدة الخلافة من قرطبة و أجاز معه عظماء الزناتيين معطين الصفقة على القيام بدعوته ، و الاحتطاب في جبل طاعته فكرم مثواه و أجمل وفادتهم و أحسن منصرفهم و انقلبوا لمحبته و التشيع له ، و مناغاة الادارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى ، و بث دعوته . و تخلف عنهم أولاد علي بن حمدون بالحضرة و أقاموا بسدة الخلافة ، و نظموا في طبقات الوزارة و أجريت عليهم سنيات الأرزاق و التحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة . ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لمرتكب من نازعهم خرقوا به حدود الآداب مع الخلافة ، فاستدعوا إلى القصر و اعتقلوا ، ثم أطلقوا لأيام قلائل لما انغمس الحكم في علة الفالج ، و ركدت ريح المروانية بالمغرب ، و احتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور و دفع العدو ، و استدعي يحيى بن هاشم من العدوة ، و كان واليا على قاس و المغرب ، و أدا له الحاجب المصفحي لجعفر بن على بن حمدون ، و جمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة و الراحة مما يتوقع منه على الدولة عند من ولي الخلافة ، لما كانوا صاروا إليه من النكبة و طروق المحنة فعقدوا له و لأخيه يحيى على المغرب ، و خلعوا عليهما و أمكنوهما من مال و كساً فاخرة للخلع على ملوك العدوة ، فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس و ستين و ضبطه ، و اجتمع إليه ملوك زناتة من بني يفرن و مغراوة و سجلماسة . و لما هلك الحكم و ولي هشام ، و قام بأمره المنصور بن أبي عامر ، اقتصر لأول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان و رجال الدولة ، و قلدها أرباب السيوف و الأقلام من الأولياء و الحاشية و عدل في ضبطه على ما وراء ذلك على ملوك زناتة و نقدهم بالجوائز و الخلع و صار إلى إكرام وفودهم و إثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم ، فجدوا في ولاية الدولة و بث الدعوة ، و فسد ما بين هذين الأميرين جعفر و أخيه ، و اقتطع يحيى مدينة البصرة لنفسه و ذهب بأكثر الرجال . ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنو غواطة في غزاتة إياهم . ثم استدعاه محمد بن أبي عامر لأول أمره لما رأى من الاستكانة إليه وشد أزره به و نقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم ، ثم أصحبه و تخلى لأخيه عن عمل المغرب ، و أجاز البحر إلى ابن أبي عامر فحل منه بالمكان الأثير . و لما زحف بلكين إلى المغرب سنة تسع و ستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه ، و أجاز جعفر بن علي إلى سبتة و عقد له على حرب بلكين و أمده بمائة حمل من المال ، و انضمت إليه ملوك زناتة و رجع عنهم بلكين كما نذكره . و لما رجع إلى ابن أبي عامر فاغتاله في بعض ليالي معاقرتهم و أعد له رجالا في طريقه من سمره إلى داره فقتلوه سنة و لحق يحيى بن علي بمصر و نزل بدار العزيز و تلقاه بالمبرة و التكريم ، و طال به ثواؤه و استكفى به العظائم ، و لما استصرخ فلفول بن خزرون بالحاكم في استرجاع طرابلس من يد صنهاجة المتغلبين عليه ، دفع إليه العساكر و عقد عليها ليحيى بن علي ، و اعترضه بنو قرة من الهلاليين ببرقة ففلوه و فضوا جموعه و رجع إلى مصر و لم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك ، و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير للوارثين .
الخبر عن القرامطة و استبداد أمرهم و ما استقر لهم من الدولة بالبحرين و أخبارها إلى حين انقراضها
هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية و لا الطالبيين ، و إنما قام بها دعاة المهدي من أهل البيت على اختلاف منهم في تعيين هذا المهدي كما نذكره . و كان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني من دعاة المهدي و يسمى أيضا كرويه بن مهدويه و هو الذي انتهى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ، ثم بالعراق و الشام ، و لم يتم لهؤلاء دولة ، و الآخر يسمى أبا سعيد الحسن بن بهرام الجنابي ، كانت دعوته بالبحرين و استقرت له هنالك دولة و لبنيه . و انتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره . و دعوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد و القواعد ، منافية للشرائع و الإسلام في الكثير من مزاعمهم ، و أول من قام بها بسواد الكوفة سنة ثمان و سبعين و مائتين رجل أظهر الزهد و التقشف ، و زعم أنه يدعو إلى المهدي و أن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم ، و استجاب له جمع كثير و لقب قرمط و أصلها بالكاف . و كان يأخذ من كل من يجيب دعوته ديناراً للإمام . و جعل عليهم نقباء و سماهم الحواريين ، و شغل الناس بذلك عن شؤنهم و حبسه عامل الناحية ففر من محبسه و لم يوقف له على خبر ، فازداد أتباعه فتنة فيه ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد بن الحنفية . و أن أحمد نبي و فشا هذا المذهب في السواد و قرئ بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة ، يقول الفرج بن عثمان : الحمد لله بكلمته و تعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ، ظاهرها لتعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام ، و باطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب ، و أنا الذي لا أسأل عما أفعل ، و أنا العليم الحكيم ، و أنا الذي أبلو عبادي و أستخبر خلقي ، فمن صبر على بلائي و محنتي و اختباري ألقيته في جنتي و أخلدته في نعمتي ، و من زال عن أمري و كذب رسلي أخلدته
الخبر عن القرامطة و استبداد أمرهم و ما استقر لهم من الدولة بالبحرين و أخبارها إلى حين انقراضها
هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية و لا الطالبيين ، و إنما قام بها دعاة المهدي من أهل البيت على اختلاف منهم في تعيين هذا المهدي كما نذكره . و كان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني من دعاة المهدي و يسمى أيضا كرويه بن مهدويه و هو الذي انتهى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ، ثم بالعراق و الشام ، و لم يتم لهؤلاء دولة ، و الآخر يسمى أبا سعيد الحسن بن بهرام الجنابي ، كانت دعوته بالبحرين و استقرت له هنالك دولة و لبنيه . و انتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره . و دعوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد و القواعد ، منافية للشرائع و الإسلام في الكثير من مزاعمهم ، و أول من قام بها بسواد الكوفة سنة ثمان و سبعين و مائتين رجل أظهر الزهد و التقشف ، و زعم أنه يدعو إلى المهدي و أن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم ، و استجاب له جمع كثير و لقب قرمط و أصلها بالكاف . و كان يأخذ من كل من يجيب دعوته ديناراً للإمام . و جعل عليهم نقباء و سماهم الحواريين ، و شغل الناس بذلك عن شؤنهم و حبسه عامل الناحية ففر من محبسه و لم يوقف له على خبر ، فازداد أتباعه فتنة فيه ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد بن الحنفية . و أن أحمد نبي و فشا هذا المذهب في السواد و قرئ بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة ، يقول الفرج بن عثمان : الحمد لله بكلمته و تعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ، ظاهرها لتعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام ، و باطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب ، و أنا الذي لا أسأل عما أفعل ، و أنا العليم الحكيم ، و أنا الذي أبلو عبادي و أستخبر خلقي ، فمن صبر على بلائي و محنتي و اختباري ألقيته في جنتي و أخلدته في نعمتي ، و من زال عن أمري و كذب رسلي أخلدته
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
رحم الله علمائنا الاجلاء
وبارك الله فيك
وبارك الله فيك
فوكس- عضو ممتاز
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2792
المهارة : 21457
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 13
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بارك الله فيك يا أحمد بك
الموسيقار- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50694
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
مهانا في عذابي و أتممت أجلي و أظهرت على ألسنة رسلي ، فأنا الذي لا يتكبر علي جبار إلا وضعته ، و لا عزيز إلا ذللته ، فليس الذي أصر على أمره و دام على جهالته . و قال لن نبرح عليه عاكفين و به مؤمنين ، أولئك هم الكافرون . ثم يركع و يقول في ركوعه مرتين سبحان ربي و رب العزة تعالى عما يصف الظالمون ، و في سجوده الله أعلى مرتين الله أعظم مرة ، و الصوم مشروع يوم المهرجان و النيروز و النبيذ حرام و الخمر حلال ، و الغسل من الجنابة كالوضوء ، و لا يوكل ذو ناب و لا ذو مخلب . و من خالف و حارب وجب قتله و من لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى إلى غير ذلك من دعاوي شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضا . و شاهد عليهم بالكذب . و الذي حملهم على ذلك إنما هو ما اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي مستندين فيه إلى الأحاديث التي خرجها بعضهم و قد أريناك عللها في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به ، و بالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعينه و إن كان كاذبا في استحقاقه ، و منهم من بنى أمره على الكذب و الانتحال ، عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صففة . و قد يقال إن ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج و إنه سار على الأمان . و قال له : إن ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق و نتعاون . ثم اختلفا و انصرف قرمط عنه ، وكان يسمي نفسه القائم بالحق . و زعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج . ثم زحف إليه أحمد بن محمد الطائي صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم و فتك بهم ، و تتابعت للعساكر في السواد في طلبهم و أبادوهم ، و فر هو إلى أحياء العرب فلم يجبه أحد منهم ، فاختفى في القفر في جب بناه و اتخذه لذلك ، و جعل عليه باب حديد و اتخذ بجانبه تنورا سحرا إن أرهقه الطلب فلا يفطن له . ولما اختفى في الجب بعث أولاده في كاب بن دبرة بأنهم من و لد إسمعيل الإمام مستجيرون بهم . ثم دعوا إلى دعوتهم أثناء ذلك و كانوا ثلاثة يحيى و حسين و علي فلم يجبهم أحد إلى ذلك إلا بنو القليص بن ضمضم بن علي بن جناب ، فبايعوا ليحيى على أنه يحيى ابن عبد الله بن محمد بن إسمعيل الإمام و كنوه أبا القاسم و لقبوه الشيخ . ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله و أنه كان يكتم هنا الاسم ، و أن ناقته التي يركبها مأمورة و من تبعها منصور ، فزحف إليه سبك مولى المعتضد في العساكر فهزمها ، وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة و جيء ببعضهم أسيراً فاحتضره المعتضد و قال : هل تزعمون أن روح الله و أنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل ، وتوفقكم لصالح العمل ، فقال له : يا هذا أرأيت لو حلت روح إبليس فما ينفعك فاترك مالا يعنيك إن ما يعنيك . فقال له : قل فيما يعنيني ! فقال له : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبوكم العباس حي نم يطلب هذا الأمر و لا بايعه أحد ، ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر و هو يرى العباس و لم يعهد إليه عمر و لا جعله من أهل الشورى ، و كانوا ستة و فيهم الأقرب و الأبعد ، و هذا إجماع منهم على دفع جدك عنها ، فبماذا تستحقون أنتم الخلافة ؟ فأمر المعتضد به فعذب وخلعت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل . ثم زحف القرامطة إلى دمشق و عليها طفج مولى ابن طولون سنة تسعين ، و استصرخ بابن سيده بمصر ، فجاءت العساكر لإمداده فقاتلهم مرارا و قتل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابه ، و اجتمع فأمهم على أخيه الحسين و تسمى أحمد أبا العباس و كانت في وجهه شامة يزعم أنها مقدسة ، فلقب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين ، و أتاه ابن عمه عيسى بن مهدي و هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسمعيل الإمام و لقبه المدثر ، و عهد إليه ، وزعم أنه المذكور في القرآن و لقب غلاما من أهله المطوق . ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي و سار إلى دمشق فحاصرها حتى صالحوه على مال و دفعوه له . ثم سارا إلى حمص و حماة و المعرة و بعلبك ، فخطب له بها و استباحها جميعا . ثم إلى سلمية و بها جماعة من بني هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتب و البهائم . ثم خرج المكتفي إليه و قدم عساكره ، فكبسهم و نجا فلهم إن حلب ، و انتهى المكتفي إلى الرقة ، و قد سار بدر مولى ابن طولون في اتباع القرامطة فهزمهم و أثخن فيهم و بعث المكتفي العساكر مع يحيى بن سليمان الكاتب ، و فيهم الحسين بن حمدان من بني تغلب و معهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة إحدى و تسعين فهزموهم ، و قتل منهم خلق من أصحاب القرمطي و نجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته ، و سار هو مستخفيا إلى ناحية الكوفة و معه المدثر و المطوق و غلام له ، و انتهوا إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم ، و بعث بهم إلى المكتفي بالرقة و رجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة مائتي سوط . و أما علي بن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات ، و اجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبربة . ثم لما اتبعهم الحسين بن حمدان فر إلى اليمن ، و اجتمع إليه دعاتهم هنالك و تغلب على كثير من مدنه ، و قصد صنعاء فهرب عنها ابن يعفر فاستباحها و تجافى عن صعدة لذمة العلوية بينه و بين بني الرسى ، و نازل بني زياد بن بيد ، و مات في نواحي اليمن ، و في خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص بعد أن كانوا استكانوا و أقاموا بالسماوة ، فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيد و يسمى أبا غانم فجاءهم بكتابه سنة ثلاث و تسعين بأنه أوحى إليه بأن صاحب الشامة و أخاه الشيخ مقبلان ، و أن إمامه يظهر من بعدهما و يملأ الأرض عدلا ، و يظهر و طاب أبو غانم على إحياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم ، و قصد الشام فاستباح بصرى و أذرعات ، و نازل دمشق وعاملها يومئذ أحمد بن كيغلع و هو غائب بمصر في محاربة الجليجي الثائر من شيعة بني طولون على عساكر المكتفي ، و قابله خلفاؤه فهزمهم و قتل بعضهم و سار إلى الأردن فقتل عاملها ، و نهب طبرية و بعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة و غور مياهها ، و اتبعته العساكر إلى أن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
جهدهم العطش . ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة ، و قيل إنهم تقبضوا على أبي غانم و قتلوه ، و افترق جمعهم وذلك سنة ثلاث و تسعين .
ظهور ذكرويه و مقتله
ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه و أخرجوه من الجب الذي كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة ، و حضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد ، و عرفهم بما له عليهم من المنة ، و أن رشادهم في امتثال أمره ، و رمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها ، و سار و هو محتجب يدعونه السيد و لا يرونه ، و القاسم يباشر الأمور و يتولاها ، و بعث المكتفي عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد ، و غنموا معسكرهم ، و ساروا لاعتراض الحاج و مروا بالصوان ، و حاصروا الواقصة فامتنعت عليهم ، و طموا الآبار و المياه في تلك النواحي و بعث المكتفي محمد بن إسحق بن كنداج الصهال و رجعوا . و نهب القرامطة الحاج و قتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا ، و غنم أموالهم و أموال التجار و أموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلى مكة . ثم من مكة إلى بغداد عندما أجمعوا النقل إليها . ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص ، قيل فامتنعوا ، و جهز المكتفي العساكر مع و صيف بن صوارتكين و جماعة من القواد ، فساروا على طر يق خفان ، و أدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ، ثم هزموهم و ضرب ذكرويه على رأسه فانهشم و جيء به أسيرا و بخليفة القاسم و ابنه و كاتبه و زوجته ، و مات لخمس ليال فسيق شلوه إلى بغداد ، و صلب وبعث برأسه إلى خراسان من أجل الحاج الذين نهبهم من أهلها . و نجا الفل من أصحابه إلى الشام ، فأوقع بهم الحسين بن حمدان و استلحمهم ، و تتبعوا بالقتل في نواحي الشام و العراق ، و ذلك سنة أربعين و تسعين و ثلثمائة .
خبر قرامطة البحرين و دولة بني الجنابي منها
و في سنة إحدى و ثمانين و مائتين جاء إلى القطيعي من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي و زعم أنه رسول من المهدي ، و أنه قد قرب خروجه و قصد من أهل القطيف علي بن المعلى بن أحمد الدبادي ، و كان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي ، و شنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم ، و فيهم أبو سعيد الجنابي و إسمه الحسن بن بهرام و كان من عظمائهم . ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة و رجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم و يأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير و ثلاثين عن كل رجل تدفعوها . ثم غاب و جاء بكتاب آخر يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا ، و قام يتردد في قبائل قيس . ثم أظهر أبو سعيد الجنابي للدعوة بالبحرين سنة ثلاث و ثمانين ، و اجتمع إليه القرامطة و الأعراب ، وسار إلى القطيف طالبا البصرة و كان عليها أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة ، و بعث المعتمد علي بن عمر الغنوي ، و كان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين ، و ضم إليه ألفين من المقاتلة و سيره إلى البصرة فاحتشد و خرج للقاء الجنابي و من معه ، و رجع عنه عند اللقاء بنوضبة فانهزم و أسره الجنابي و احتوى على معسكره و حرق الأسرى بالنار. ثم من عليه و أطلقه فسار إلى الأبلة و منها إلى بغداد ، وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها و أمنها ، و اضطربت البصرة للهزيمة و هم أهلها بالارتحال ، فمنعهم الواثقي . و من كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال : كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان و ثلثمائة فنقل الكلام و كان أبو سعيد يمهد لابنه الأكبر سعيد فلم به و ثار به أخوه الأصغر الظاهر سليمان فقتله ، و قام بأمرهم و بايعه العقدانية و جاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية . و في سنة ست و ثمانين و صل أبو القاسم القائم إلى مصر ، و استدعى أبا طاهر القرمطي و انتظره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره و سار من قبل المقتدر فهزمه و رجع إلى المهدية . ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها و رجع واضطربت بغداد ، و أمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها . ثم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها و خرب الجامع و تركها خربة . ثم خرج سنة إثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم و هزم قواد السلطان الذين كانوا معهم ، و أسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون و استصفى النساء و الصبيان و ترك الباقي بالبرية فهلكوا . ثم خرج سنة أرج عشرة إلى العراق فعاث في السواد ، و دخل الكوفة و فعل فيها أشد من البصرة . و في سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية و أهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر و بني مدينة الأحساء و سماها المؤمنية فلم تعرف إلا به ، و بنى قصره و أصحابه حوله . و في سنة خمس عشرة استولى على عمان و هرب واليها في البحر إلى فارس . وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات ، و عاث في بلاده . و بعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه و اسط ، و بعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة و هزمه أبو طاهر و أسره . و أرجف أهل بغداد ، وسار أبو طاهر إلى الأنبار و خرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر و هرون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه ، و توافقوا ثم تحاجزوا ، و عاد مؤنس إلى بغداد و سار هو إلى الرحبة و استباحها و دوخ بلاد الجزيرة بسراياه . وسار إلى هشت و الكوفة ، و قاتل الرقة فامتنعت عليه ، وفرض الأتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر ، و دخل في دعوته جماعة من بنى سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة . و خرج إليه هرون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية و ظفر هرون بفريق منهم فقتلهم و عاد إلى بغداد . و في سنة سبع عشرة هجم على مكة و قتل كثيرا من الحاج و من أهلها و نهب أموالهم جميعا و قلع باب البيت و الميزاب ، و قسم كسوة البيت في أصحابه ، و اقتلع
ظهور ذكرويه و مقتله
ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه و أخرجوه من الجب الذي كان مختفيا فيه منذ عشرين سنة ، و حضر عنده دعاتهم فاستخلف عليهم أحمد بن القاسم بن أحمد ، و عرفهم بما له عليهم من المنة ، و أن رشادهم في امتثال أمره ، و رمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها ، و سار و هو محتجب يدعونه السيد و لا يرونه ، و القاسم يباشر الأمور و يتولاها ، و بعث المكتفي عساكره فهزمهم القرامطة بالسواد ، و غنموا معسكرهم ، و ساروا لاعتراض الحاج و مروا بالصوان ، و حاصروا الواقصة فامتنعت عليهم ، و طموا الآبار و المياه في تلك النواحي و بعث المكتفي محمد بن إسحق بن كنداج الصهال و رجعوا . و نهب القرامطة الحاج و قتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثا على غير ماء فاستسلموا ، و غنم أموالهم و أموال التجار و أموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلى مكة . ثم من مكة إلى بغداد عندما أجمعوا النقل إليها . ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص ، قيل فامتنعوا ، و جهز المكتفي العساكر مع و صيف بن صوارتكين و جماعة من القواد ، فساروا على طر يق خفان ، و أدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ، ثم هزموهم و ضرب ذكرويه على رأسه فانهشم و جيء به أسيرا و بخليفة القاسم و ابنه و كاتبه و زوجته ، و مات لخمس ليال فسيق شلوه إلى بغداد ، و صلب وبعث برأسه إلى خراسان من أجل الحاج الذين نهبهم من أهلها . و نجا الفل من أصحابه إلى الشام ، فأوقع بهم الحسين بن حمدان و استلحمهم ، و تتبعوا بالقتل في نواحي الشام و العراق ، و ذلك سنة أربعين و تسعين و ثلثمائة .
خبر قرامطة البحرين و دولة بني الجنابي منها
و في سنة إحدى و ثمانين و مائتين جاء إلى القطيعي من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي و زعم أنه رسول من المهدي ، و أنه قد قرب خروجه و قصد من أهل القطيف علي بن المعلى بن أحمد الدبادي ، و كان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي ، و شنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم ، و فيهم أبو سعيد الجنابي و إسمه الحسن بن بهرام و كان من عظمائهم . ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة و رجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم و يأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير و ثلاثين عن كل رجل تدفعوها . ثم غاب و جاء بكتاب آخر يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا ، و قام يتردد في قبائل قيس . ثم أظهر أبو سعيد الجنابي للدعوة بالبحرين سنة ثلاث و ثمانين ، و اجتمع إليه القرامطة و الأعراب ، وسار إلى القطيف طالبا البصرة و كان عليها أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة ، و بعث المعتمد علي بن عمر الغنوي ، و كان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين ، و ضم إليه ألفين من المقاتلة و سيره إلى البصرة فاحتشد و خرج للقاء الجنابي و من معه ، و رجع عنه عند اللقاء بنوضبة فانهزم و أسره الجنابي و احتوى على معسكره و حرق الأسرى بالنار. ثم من عليه و أطلقه فسار إلى الأبلة و منها إلى بغداد ، وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها و أمنها ، و اضطربت البصرة للهزيمة و هم أهلها بالارتحال ، فمنعهم الواثقي . و من كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال : كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان و ثلثمائة فنقل الكلام و كان أبو سعيد يمهد لابنه الأكبر سعيد فلم به و ثار به أخوه الأصغر الظاهر سليمان فقتله ، و قام بأمرهم و بايعه العقدانية و جاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية . و في سنة ست و ثمانين و صل أبو القاسم القائم إلى مصر ، و استدعى أبا طاهر القرمطي و انتظره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره و سار من قبل المقتدر فهزمه و رجع إلى المهدية . ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها و رجع واضطربت بغداد ، و أمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها . ثم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها و خرب الجامع و تركها خربة . ثم خرج سنة إثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم و هزم قواد السلطان الذين كانوا معهم ، و أسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون و استصفى النساء و الصبيان و ترك الباقي بالبرية فهلكوا . ثم خرج سنة أرج عشرة إلى العراق فعاث في السواد ، و دخل الكوفة و فعل فيها أشد من البصرة . و في سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية و أهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر و بني مدينة الأحساء و سماها المؤمنية فلم تعرف إلا به ، و بنى قصره و أصحابه حوله . و في سنة خمس عشرة استولى على عمان و هرب واليها في البحر إلى فارس . وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات ، و عاث في بلاده . و بعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه و اسط ، و بعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة و هزمه أبو طاهر و أسره . و أرجف أهل بغداد ، وسار أبو طاهر إلى الأنبار و خرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر و هرون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه ، و توافقوا ثم تحاجزوا ، و عاد مؤنس إلى بغداد و سار هو إلى الرحبة و استباحها و دوخ بلاد الجزيرة بسراياه . وسار إلى هشت و الكوفة ، و قاتل الرقة فامتنعت عليه ، وفرض الأتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر ، و دخل في دعوته جماعة من بنى سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة . و خرج إليه هرون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية و ظفر هرون بفريق منهم فقتلهم و عاد إلى بغداد . و في سنة سبع عشرة هجم على مكة و قتل كثيرا من الحاج و من أهلها و نهب أموالهم جميعا و قلع باب البيت و الميزاب ، و قسم كسوة البيت في أصحابه ، و اقتلع
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الحجر الأسود و انصرف به و أراد أن يجعل الحج عنده ، وكتب إليه عبيد الله المهدي من القروان يوبخه على ذلك ، ويتهدده ، فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس ووعد برد الحجر ، فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسمعيل من القيروان في رده فردوه ، و قد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفا من الذهب على أن يردوه فأبوا ، و زعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله ، و إنما يردونه بأمره و أمر خليفته . و أقام أبو طاهر بالبحرين و هو يتعاهد العراق و الشام بالغزو حتى ضربت له الأتاوة ببغداد و بدمشق على بني طفج . ثم هلك أبو طاهر سنة إثنتين و ثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه ، و مات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور ، و ولى أخوه الأكبر أحمد بن الحسن ، و اختلف بعض العقدانية عليه و مالوا إلى ولاية سابور بن أبي طاهر ، و كاتبو القائم في ذلك فجاء جوابه بولاية الأخ أحمد ، و أن يكون الولد سابور ولي عهده ، فاستقر أحمد في الولاية عليهم كنوه أبا منصور ، و هو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه . ثم قبض سابور على عمه أبي منصور فاعتقله بموافقة إخوته له على ذلك و ذلك سنة ثمان و خمسين . ثم ثار بهم أخوه فأخرجه من الاعتقال و قتل سابور و نفى إخوته و أشياعهم إلى جزيرة أوال . ثم هلك أبو منصور سنة تسع و خمسين يقال مسموما على يد شيعة سابور ، و ولي إبنه أبو علي الحسن بن أحمد و يلقب الأعصم ، و قيل الأغنم فطالت مدته و عظمت و قائعه و نفى جمعا كثيرا من و لد أبي طاهر ، يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلثمائة ، و حج هذا الأعصم بنفسه و لم يتعرض للحاج و لا أنكر الخطبة للمطيع .
فتنة القرامطة مع المعز العلوي
ولما استولى جوهر قائد المعز لدين الله على مصر و جعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه و نابذوه ، وكتب له المعز وأغلظ عليه و دس لشيعة أبي طاهر و بنيه أن الأمر لولده ، و أطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة إثنتين و ثلاثماية و خطب للمطيع العباسي في منابره و لبس السواد . ثم زحف إلى دمشق و خرج جعفر بن فلاح لحربه ، فهزمه الأعصم و قتله ، و ملك دمشق و سار إلى مصر فحاصر جوهرا بها و ضيق عليه . ثم غدر به العرب و اجفلوا فأجفل معهم و عاد إلى الشام و نزل الرملة ، وكتب إليه المعز سنة إحدى و ستين بالنفي والتوبيخ ، و عزله عن القرامطة و ولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال و نهبوا الأحساء في غيبته ، وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة ، و أن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال و بعث من أحكم بينهم الصلح . ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه و راء الخنادق ، و بذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه ، وانهزم و نهب معسكره . و جاء المعز من أفريقية و دخل القاهرة سنة ثلاث و ستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه ، فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم ، و أثخن فيهم ، و انتزع ما ملكوه من الشام ، سار إلى مصر و بعث المعز لدين الله إبنه عبد الله فلقيهم على بلبيس و انهزم الأعصم و فشا القتل و الأسر في أصحابه فكانوا نحوا من ثلاثة آلاف ، و رجع الأعصم إلى الأحساء و استخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيء حتى استرجع بهم ما غلب عليه القرامطة من الشام بعد حروب و حصار. ثم مات المعز سنة خمس و ستين ، و طمع الأعصم في بلاد الشام ، و كان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد ، سار أفتكين منهزما إلى دمشق ، و كانوا مضطرين فخرجوا إليه و ولوه عليهم ، و صالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز و بعث إليه جوهر في العساكر فحاصره ، فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست و ستين . و خرج معه أفتكين ، و نازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر ، و زحف إليهم العزيز و هزمهم ، و تقبض على أفتكين ، و لحق الأعصم بطبرية منهزما . ثم ارتحل منها إلى الأحساء و أنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس ، و اتفقوا على إخراج الأمر عن و لد أبي سعيد الجنابي ، و قدموا رجلين منهم و هما جعفر و إسحق و سار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال . و كان بنو أبي طاهر قبلهم فقتلوا كل من دخل إليهم من و لد أحمد بن أبي سعيد و أشياعه . ثم قام بأمر القرامطة جعفر و إسحق هذان و رجعوا إلى دعوة العلوية و محاربة بني بويه ، ورجعوا سنة أربع و ستين إلى الكوفة فملكوها . و بعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات و قتل منهم خلق و اتبعوهم إلى القادسية . ثم اختلف جعفر و إسحق و طمع كل منهما في الرياسة على صاحبه ، و افترق أمرهم و تلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان و تسعين عليهم ، و ملك الأحساء من أيديهم و أذهب دولتهم و خطب للطائع و استقرت الدولة له و لبنيه .
ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة
كان بأعمال البحرين خلق من العرب ، و كان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم ، و ربما يحاربونهم و يقاطعونهم في بعض الأوقات ، و كان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب و بنو عقيل و بنو سليم ، و أظهرهم في الكثرة و العزة بنو ثعلب . و لما فشلت دولة القرامطة بالبحرين و استحكمت العداوة بينهم و بين بني بوبه بعد انقراض ملك بني الجنابي ، و عظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية و كان خالصة للقرامطة و دعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه ، و داخل بني مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك فأجابوه ، و استولى الأصغر على البحرين و أورثها بنيه ، و استولى بنو مكرم على عمان ثم غص بنو ثعلب
فتنة القرامطة مع المعز العلوي
ولما استولى جوهر قائد المعز لدين الله على مصر و جعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه و نابذوه ، وكتب له المعز وأغلظ عليه و دس لشيعة أبي طاهر و بنيه أن الأمر لولده ، و أطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة إثنتين و ثلاثماية و خطب للمطيع العباسي في منابره و لبس السواد . ثم زحف إلى دمشق و خرج جعفر بن فلاح لحربه ، فهزمه الأعصم و قتله ، و ملك دمشق و سار إلى مصر فحاصر جوهرا بها و ضيق عليه . ثم غدر به العرب و اجفلوا فأجفل معهم و عاد إلى الشام و نزل الرملة ، وكتب إليه المعز سنة إحدى و ستين بالنفي والتوبيخ ، و عزله عن القرامطة و ولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال و نهبوا الأحساء في غيبته ، وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة ، و أن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال و بعث من أحكم بينهم الصلح . ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه و راء الخنادق ، و بذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه ، وانهزم و نهب معسكره . و جاء المعز من أفريقية و دخل القاهرة سنة ثلاث و ستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه ، فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم ، و أثخن فيهم ، و انتزع ما ملكوه من الشام ، سار إلى مصر و بعث المعز لدين الله إبنه عبد الله فلقيهم على بلبيس و انهزم الأعصم و فشا القتل و الأسر في أصحابه فكانوا نحوا من ثلاثة آلاف ، و رجع الأعصم إلى الأحساء و استخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيء حتى استرجع بهم ما غلب عليه القرامطة من الشام بعد حروب و حصار. ثم مات المعز سنة خمس و ستين ، و طمع الأعصم في بلاد الشام ، و كان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد ، سار أفتكين منهزما إلى دمشق ، و كانوا مضطرين فخرجوا إليه و ولوه عليهم ، و صالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز و بعث إليه جوهر في العساكر فحاصره ، فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست و ستين . و خرج معه أفتكين ، و نازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر ، و زحف إليهم العزيز و هزمهم ، و تقبض على أفتكين ، و لحق الأعصم بطبرية منهزما . ثم ارتحل منها إلى الأحساء و أنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس ، و اتفقوا على إخراج الأمر عن و لد أبي سعيد الجنابي ، و قدموا رجلين منهم و هما جعفر و إسحق و سار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال . و كان بنو أبي طاهر قبلهم فقتلوا كل من دخل إليهم من و لد أحمد بن أبي سعيد و أشياعه . ثم قام بأمر القرامطة جعفر و إسحق هذان و رجعوا إلى دعوة العلوية و محاربة بني بويه ، ورجعوا سنة أربع و ستين إلى الكوفة فملكوها . و بعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات و قتل منهم خلق و اتبعوهم إلى القادسية . ثم اختلف جعفر و إسحق و طمع كل منهما في الرياسة على صاحبه ، و افترق أمرهم و تلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان و تسعين عليهم ، و ملك الأحساء من أيديهم و أذهب دولتهم و خطب للطائع و استقرت الدولة له و لبنيه .
ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة
كان بأعمال البحرين خلق من العرب ، و كان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم ، و ربما يحاربونهم و يقاطعونهم في بعض الأوقات ، و كان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب و بنو عقيل و بنو سليم ، و أظهرهم في الكثرة و العزة بنو ثعلب . و لما فشلت دولة القرامطة بالبحرين و استحكمت العداوة بينهم و بين بني بوبه بعد انقراض ملك بني الجنابي ، و عظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية و كان خالصة للقرامطة و دعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه ، و داخل بني مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك فأجابوه ، و استولى الأصغر على البحرين و أورثها بنيه ، و استولى بنو مكرم على عمان ثم غص بنو ثعلب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
بسليم و استعانوا عليهم ببني عقيل و طردوهم من البحرين ، فساروا إلى مصر و منها كان دخولهم إلى أفريقية كما يأتي . ثم اختلف بنو ثعلب و بنو عقيل بعد مدة و طردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة و البلاد العراقية ، و امتد ملك الأصغر و طالت أيامه ، و تغلب على الجزيرة و الموصل و حارب بني عقيل سنة ثمان و ثلاثين و أربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة ، وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين و ديار بكر فقام له ، و جمع له الملوك من كل ناحية فهزمه و اعتقله ، ثم أطلقه و مات و بقي الملك متوارثا في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا و تلاشوا ، و انقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة ، و غلبهم عليها و على تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية ، فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى ، و وجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم ، فغلبوا عليهم . قال ابن سعيد : سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى و خمسين و ستمائة عن البحرين ، فقالوا : الملك فيها لبني عامر بن عوف بن عامر بن عقيل و بنو ثعلب من جملة رعاياهم و بنو عصفور منهم أصحاب الأحساء . و ( لنذكر ) هنا نبذة في التعريف بكاتب القرامطة و أمصار البحرين و عمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم .
(الكاتب ) : كان كاتبهم أبو الفتح الحسين بن محمود و يعرف بكشاجم ، كان من أعلام الشعراء ، و ذكره الثعالبي في اليتيمة و الحصري في زهر الآداب ، و هو بغدادي المولد و أشهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي و كتب لهم بعده إبنه أبو الفتح نصر ، و لقبه كشاجم مثل أبيه وكان كاتبا للأعصم .
(البحرين ) : إقليم يسمى بإسم مدينته ، و يقال هجر باسم مدينة أخرى منه كان حضرية ، فخربها القرامطة و بنو الأحساء و صارت حاضرة ، و هذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة و عمان ، شرقيها في فارس ، و غربيها متصل باليمامة ، و شمالها البصرة و جنوبها بعمان ، كثيرة المياه ببطونها على القامة و القامتين ، كثيرة البقل و الفواكه ، مفرطة الحر منهالة الكثبان ، يغلب الرمل عليهم في منازلهم و هي من الإقليم الثاني ، و بعضها في الثالث ، كانت في الجاهلية لعبد القيس و بكر بن وائل من ربيعة ، و ملكها للفرس ، و عاملها من قبلهم المنذر بن ساوي التميمي . ثم صارت رياستها صدر الإسلام لبني الجارودي و لم يكن ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين ، و استباحها قتلاً و إحراقاً و تخريباً . ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء ، و توالت دولة القرامطة و غلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب ، و بعدهم بنو عامر بن عقيل . قال ابن سعيد و الملك الآن فيهم في بني عصفور .
(الأحساء) بناها أبو طاهر القرمطي في المائة الثالثة ، و سميت بذلك لما فيها من أحساء المياه في الرمال ، و مراعي الإبل ، و كانت للقرامطة بها دولة ، و جالوا فى أقطار الشام و العراق و مصر و الحجاز و ملكوا الشام و عمان .
(دارين ) هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين و الرماح الخطية .
(عمان ) و هي من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن و الحجاز و الشحر و حضرموت و عمان و هي خامسها ، إقليم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر ، شرقيها بحر فارس و جنوبيها بحر الهند ، و غربيها بلاد حضرموت ، و شماليها البحرين ، كثيرة النخل و الفواكه و بها مغاص اللؤلؤ ، سميت بعمان بن قحطان ، أول من نزلها بولاية أخيه يعرب ، و صارت بعد سيل العرم للأزد . و جاء الإسلام و ملوكها بنو الجلندي ، و الخوارج بها كثيرة . و كانت لهم حروب مع عمال بني بويه و قاعدتهم تروى ، و ملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة ، و هي في الإقليم الثاني ، و بها مياه و بساتين و أسواق ، و شجرها النخل . و كانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب . و كثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب ، أولهم بها محمد بن القاسم الشامي ، بعثه المعتضد أعانه ففتحها و طرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال ، و أقام الخطبة لبني العباس و توارث ذلك بنوه ، و أظهروا شعار السنة . ثم اختلفوا سنة خمس و ثلثمائة و تحاربوا ، و لحق بعضهم بالقرامطة ، و أقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر و خطب بها لعبيد الله المهدي و ترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس و سبعين . فترهب واليها منهم ، و زهد و ملكها أهل تروى الخوارج و قتلوا من كان بها من القرامطة و الروافض ، و بقيت في أيديهم و رياستها للأزد منهم . ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد ، و استخدموا لبني بويه و أعانوهم بالمراكب من فارس ، فملكوا مدينة عمان و طردوا الخوارج إلى جبالهم ، و خطبوا لبني العباس . ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان و توارثوا ملكها ، و كان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم ، و كان ملكا جوادا ممدوحا . قاله البيهقي و مدحه مهيار الديلمي و غيره ، و مات سنة ثمان و عشرين و أربعمائة بعد مدة طويلة في الملك . و في سنة إثنتين و أربعين ضعف ملك بني مكرم و تغلب عليهم النساء و العبيد ، فزحف إليها الخوارج و ملكوها ، و قتلوا بقيتهم و انقطع منها رسم الملك ، و صار في حجار من مدر هذا الإقليم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني و مما يلى الشحر و حجار في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل ، و هي في جبال منيعة ، فلم تحتج إلى سور ، و كان ملكها سنة ثمان و أربعين زكريا بن عبد الملك
(الكاتب ) : كان كاتبهم أبو الفتح الحسين بن محمود و يعرف بكشاجم ، كان من أعلام الشعراء ، و ذكره الثعالبي في اليتيمة و الحصري في زهر الآداب ، و هو بغدادي المولد و أشهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي و كتب لهم بعده إبنه أبو الفتح نصر ، و لقبه كشاجم مثل أبيه وكان كاتبا للأعصم .
(البحرين ) : إقليم يسمى بإسم مدينته ، و يقال هجر باسم مدينة أخرى منه كان حضرية ، فخربها القرامطة و بنو الأحساء و صارت حاضرة ، و هذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة و عمان ، شرقيها في فارس ، و غربيها متصل باليمامة ، و شمالها البصرة و جنوبها بعمان ، كثيرة المياه ببطونها على القامة و القامتين ، كثيرة البقل و الفواكه ، مفرطة الحر منهالة الكثبان ، يغلب الرمل عليهم في منازلهم و هي من الإقليم الثاني ، و بعضها في الثالث ، كانت في الجاهلية لعبد القيس و بكر بن وائل من ربيعة ، و ملكها للفرس ، و عاملها من قبلهم المنذر بن ساوي التميمي . ثم صارت رياستها صدر الإسلام لبني الجارودي و لم يكن ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين ، و استباحها قتلاً و إحراقاً و تخريباً . ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء ، و توالت دولة القرامطة و غلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب ، و بعدهم بنو عامر بن عقيل . قال ابن سعيد و الملك الآن فيهم في بني عصفور .
(الأحساء) بناها أبو طاهر القرمطي في المائة الثالثة ، و سميت بذلك لما فيها من أحساء المياه في الرمال ، و مراعي الإبل ، و كانت للقرامطة بها دولة ، و جالوا فى أقطار الشام و العراق و مصر و الحجاز و ملكوا الشام و عمان .
(دارين ) هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين و الرماح الخطية .
(عمان ) و هي من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن و الحجاز و الشحر و حضرموت و عمان و هي خامسها ، إقليم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر ، شرقيها بحر فارس و جنوبيها بحر الهند ، و غربيها بلاد حضرموت ، و شماليها البحرين ، كثيرة النخل و الفواكه و بها مغاص اللؤلؤ ، سميت بعمان بن قحطان ، أول من نزلها بولاية أخيه يعرب ، و صارت بعد سيل العرم للأزد . و جاء الإسلام و ملوكها بنو الجلندي ، و الخوارج بها كثيرة . و كانت لهم حروب مع عمال بني بويه و قاعدتهم تروى ، و ملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة ، و هي في الإقليم الثاني ، و بها مياه و بساتين و أسواق ، و شجرها النخل . و كانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب . و كثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب ، أولهم بها محمد بن القاسم الشامي ، بعثه المعتضد أعانه ففتحها و طرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال ، و أقام الخطبة لبني العباس و توارث ذلك بنوه ، و أظهروا شعار السنة . ثم اختلفوا سنة خمس و ثلثمائة و تحاربوا ، و لحق بعضهم بالقرامطة ، و أقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر و خطب بها لعبيد الله المهدي و ترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس و سبعين . فترهب واليها منهم ، و زهد و ملكها أهل تروى الخوارج و قتلوا من كان بها من القرامطة و الروافض ، و بقيت في أيديهم و رياستها للأزد منهم . ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد ، و استخدموا لبني بويه و أعانوهم بالمراكب من فارس ، فملكوا مدينة عمان و طردوا الخوارج إلى جبالهم ، و خطبوا لبني العباس . ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان و توارثوا ملكها ، و كان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم ، و كان ملكا جوادا ممدوحا . قاله البيهقي و مدحه مهيار الديلمي و غيره ، و مات سنة ثمان و عشرين و أربعمائة بعد مدة طويلة في الملك . و في سنة إثنتين و أربعين ضعف ملك بني مكرم و تغلب عليهم النساء و العبيد ، فزحف إليها الخوارج و ملكوها ، و قتلوا بقيتهم و انقطع منها رسم الملك ، و صار في حجار من مدر هذا الإقليم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني و مما يلى الشحر و حجار في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل ، و هي في جبال منيعة ، فلم تحتج إلى سور ، و كان ملكها سنة ثمان و أربعين زكريا بن عبد الملك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
الأزدي من ذرية رياسة . و كان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم ، و يرون أنهم من ولد الجلندي .
الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق و فارس و الشام و سائر أمورهم و مصايرها
هذا المذهب هو مذهب القرامطة و هم غلاة الرافضة ، و هو على ما رأيته من الاضطراب و الاختلاف . و لم يزل متناقلا في أهله بأنحاء العراق و خراسان و فارس و الشام . و اختلف بعضهم باختلاف الأعصار و الأمصار ، و كانوا يدعون أولا قرامطة . ثم قيل لهم بالعراق باطنية ، ثم الإسماعيلية ، ثم النزارية لما حدث من عهد المستضيء العلوي لإبنه نزار ، و قتله شيعتهم بمصر ، و لم يبايعوا له ، و كان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ، و نفى الإمامة بعده عن أئمتهم بمصر فسموا أصحابه لذلك نزارية . و كان هذا المذهب بعد موت ذكرويه و انحلال عقدتهم ، بقي منبثا في الأقطار و يتناوله أهله ، و يدعون إليه و يكتمونه ، و لذلك سمو الباطنية ، و فشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونه من استباحة الدماء ، فكانوا يقاتلون الناس و يجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت و يتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك . ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم و السلجوقية و عقل الخلفاء و عجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم ، و كف الغوائل عنها ، فانتشروا في هذه العصور و ربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان ، فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنة ، ثم أطلقهم . ثم استولوا بعد ذلك على الحصون و القلاع فأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس كان صاحبها على مذهبهم ، فأووا إليه و اجتمعوا عنده ، و صاروا يخطفون الناس من السابلة و عظم ضررهم بتلك النواحي . ثم استولوا على قلعة أصفهان و إسمها شاه در ، كان السلطان شاه بناها و أنزل بها عامله ، فاتصل به أحمد بن غطاش ، كان أبوه من مقدمي الباطنية و عنه أخذ ابن الصباح و غيره منهم ، و كان أحمد هذا عظيما فيهم لمكان أبيه و رسوخه في العلم بينهم ، فعظموه لذلك و توجوه و جمعوا له مالا و قدموه عليهم ، و اتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه و قلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در ، و أطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية . ثم استولوا على قلعة الموت من نواحي قزوين و هي من بنيان الديلم ، و معنى هذا الإسم عندهم تميل العقاب ، و يقال لتلك الناحية طالقان ، و كانت في ضمان الجعفري ، فاستناب بها علويا و كان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك ، و اتصل به الحسن بن الصباح ، و كان بينهم عالما بالتعاليم و النجوم و السحر ، و كان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ، ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه و جال في البلاد و انتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر و أمره بدعاء الناس إلى إمامته ، و قال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى إبنه نزار ، و عاد من مصر إلى الشام و الجزيرة و ديار بكر و بلاد للروم ، و رجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي ، فأكرمه و اعتقد البركة فيه ، و أقام بها و هو يحاول إحكام أمره في تملكها ، فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي منها و ملكها . و اتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار ، و بعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ، و رجعت العساكر و استولوا أيضاً على قلعة طبس و ما جاورها من قلاع قوهستان و هي زرون و قائد . و كان رئيس قوهستان المنور من أعقاب بني سيجور أمراء خراسان للسامانية ، فطلبه عامل قوهستان و أراد اغتصاب أخته ، فاستدعى الإسماعيلية و ملكهم هذه القلاع ، و استولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك ، و انتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز ، و ولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنية و خدمه ، و أهدى له حتى صارت مفاتيح القلعة في يده ، فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجاء في جمع من أصحابه ليلا ، و هرب التركي فملكها و قتل من كان بها و قوي بها على أهل أصفهان ، و فرض عليهم القطائع . و من قلاعهم أسويا و ندبين الرمل و آمد ، ملكوها بعد ملك شاه غدرا ، و منها أزدهر ملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن بن الصباح . و منها كردكوه و منها قلعة الناظر بخوزستان و قلعة الطنبور قرب أرجان ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل ارجان ، و قد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهم و رجع داعية لهم . و منها قلعة ملاوخان بين فارس و خوزستان امتنع بها المفسدون نحواً من مائتي سنة لقطع الطريق ، حتى فتحها عضد الدولة بن بويه ، و قتل من بها . فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز ، فولى عليها من قبله و داخله الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى ، فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا ، و بعثوا إليهم رجالا منهم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح القلعة ، و قبضوا على صاحبها و قويت شوكتهم . و امتدت أيدي الناس إلى قتلهم و اعتقدوا جهادهم و ثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم و قتلتهم العامة بأصفهان ، و كانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان و بها أخوه محمد و أمه خاتون الجلالية ، و فشت فيها دعوتهم و كثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم ، و قتلوهم و حفروا الأخاديد و أوقدوها بالنيران ، و جعلوا يأتون بالباطنية فيلقونهم فيها ، و تجرد جاولي سقاور ، و كان واليا بفارس للجهاد فيهم ، و تحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا الهروب إليهم فأوثقوا بهم و سار هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم . ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدرا فكان يقصد أحدهم أميراً من هؤلاء و قد استبطن خنجرا و استمات . حملهم على ذلك السلطان بركيارق ، و استعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ، و يهلك غالبا و يقتل الباطني لوقته ، فقتلوا منهم كذلك جماعة ، و لما
الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق و فارس و الشام و سائر أمورهم و مصايرها
هذا المذهب هو مذهب القرامطة و هم غلاة الرافضة ، و هو على ما رأيته من الاضطراب و الاختلاف . و لم يزل متناقلا في أهله بأنحاء العراق و خراسان و فارس و الشام . و اختلف بعضهم باختلاف الأعصار و الأمصار ، و كانوا يدعون أولا قرامطة . ثم قيل لهم بالعراق باطنية ، ثم الإسماعيلية ، ثم النزارية لما حدث من عهد المستضيء العلوي لإبنه نزار ، و قتله شيعتهم بمصر ، و لم يبايعوا له ، و كان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ، و نفى الإمامة بعده عن أئمتهم بمصر فسموا أصحابه لذلك نزارية . و كان هذا المذهب بعد موت ذكرويه و انحلال عقدتهم ، بقي منبثا في الأقطار و يتناوله أهله ، و يدعون إليه و يكتمونه ، و لذلك سمو الباطنية ، و فشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونه من استباحة الدماء ، فكانوا يقاتلون الناس و يجتمع لذلك جموع منهم يكمنون في البيوت و يتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك . ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم و السلجوقية و عقل الخلفاء و عجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم ، و كف الغوائل عنها ، فانتشروا في هذه العصور و ربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان ، فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنة ، ثم أطلقهم . ثم استولوا بعد ذلك على الحصون و القلاع فأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس كان صاحبها على مذهبهم ، فأووا إليه و اجتمعوا عنده ، و صاروا يخطفون الناس من السابلة و عظم ضررهم بتلك النواحي . ثم استولوا على قلعة أصفهان و إسمها شاه در ، كان السلطان شاه بناها و أنزل بها عامله ، فاتصل به أحمد بن غطاش ، كان أبوه من مقدمي الباطنية و عنه أخذ ابن الصباح و غيره منهم ، و كان أحمد هذا عظيما فيهم لمكان أبيه و رسوخه في العلم بينهم ، فعظموه لذلك و توجوه و جمعوا له مالا و قدموه عليهم ، و اتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه و قلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در ، و أطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية . ثم استولوا على قلعة الموت من نواحي قزوين و هي من بنيان الديلم ، و معنى هذا الإسم عندهم تميل العقاب ، و يقال لتلك الناحية طالقان ، و كانت في ضمان الجعفري ، فاستناب بها علويا و كان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك ، و اتصل به الحسن بن الصباح ، و كان بينهم عالما بالتعاليم و النجوم و السحر ، و كان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ، ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه و جال في البلاد و انتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر و أمره بدعاء الناس إلى إمامته ، و قال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى إبنه نزار ، و عاد من مصر إلى الشام و الجزيرة و ديار بكر و بلاد للروم ، و رجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي ، فأكرمه و اعتقد البركة فيه ، و أقام بها و هو يحاول إحكام أمره في تملكها ، فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي منها و ملكها . و اتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار ، و بعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ، و رجعت العساكر و استولوا أيضاً على قلعة طبس و ما جاورها من قلاع قوهستان و هي زرون و قائد . و كان رئيس قوهستان المنور من أعقاب بني سيجور أمراء خراسان للسامانية ، فطلبه عامل قوهستان و أراد اغتصاب أخته ، فاستدعى الإسماعيلية و ملكهم هذه القلاع ، و استولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك ، و انتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز ، و ولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنية و خدمه ، و أهدى له حتى صارت مفاتيح القلعة في يده ، فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجاء في جمع من أصحابه ليلا ، و هرب التركي فملكها و قتل من كان بها و قوي بها على أهل أصفهان ، و فرض عليهم القطائع . و من قلاعهم أسويا و ندبين الرمل و آمد ، ملكوها بعد ملك شاه غدرا ، و منها أزدهر ملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن بن الصباح . و منها كردكوه و منها قلعة الناظر بخوزستان و قلعة الطنبور قرب أرجان ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل ارجان ، و قد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهم و رجع داعية لهم . و منها قلعة ملاوخان بين فارس و خوزستان امتنع بها المفسدون نحواً من مائتي سنة لقطع الطريق ، حتى فتحها عضد الدولة بن بويه ، و قتل من بها . فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز ، فولى عليها من قبله و داخله الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى ، فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا ، و بعثوا إليهم رجالا منهم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح القلعة ، و قبضوا على صاحبها و قويت شوكتهم . و امتدت أيدي الناس إلى قتلهم و اعتقدوا جهادهم و ثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم و قتلتهم العامة بأصفهان ، و كانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان و بها أخوه محمد و أمه خاتون الجلالية ، و فشت فيها دعوتهم و كثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم ، و قتلوهم و حفروا الأخاديد و أوقدوها بالنيران ، و جعلوا يأتون بالباطنية فيلقونهم فيها ، و تجرد جاولي سقاور ، و كان واليا بفارس للجهاد فيهم ، و تحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا الهروب إليهم فأوثقوا بهم و سار هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم . ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدرا فكان يقصد أحدهم أميراً من هؤلاء و قد استبطن خنجرا و استمات . حملهم على ذلك السلطان بركيارق ، و استعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ، و يهلك غالبا و يقتل الباطني لوقته ، فقتلوا منهم كذلك جماعة ، و لما
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشروا في عسكره و استعانوا بطائفة منهم ، و تهددوا بالقتل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم ، و خافوا عاديتهم و لازموا حمل السلاح ، و شكوا إلى بركيارق بذلك و بما يلقونه منهم و من عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم ، و ركب و العسكر معه فتتبعوهم بالقتل ، حتى أن الأمير محمداً من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه ، و كان صاحب مدينة يزد أتهم برأيهم فهرب و قتل . و كتب إلى بغداد في أبي إبراهيم الاستراباذي و كان بركيارق بعثه رسولا فأخذ هنالك و قتل ، و استلحموا في كل جهة و استلحم المتهمون و انطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية و ذلك سنة ست و ثمانين . و لما استفحل أمر السلطان محمد بعد أخيه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التي بها أحمد بن غطاش لقربها من أصفهان سرير ملكه ، فجمع العساكر و الأمم و خرج في رجب من أول المائة السادسة ، و أحاط بجبل القلعة و دوره أربعة فراسخ ، و رتب الأمراء لقتالها نوبا . و لما اشتد الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم و كتبوا ما نصه : ما يقول السادة الفقهاء أئمة للدين في قوم يؤمنون بالله و اليوم الاخر و كتبه و رسله ، و أن ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم حق و صدق ، و إنما يخالفون في الإمام هل يجوز للسلطان مساعدتهم و مراعاتهم و أن يقبل طاعتهم و يحرسهم من كل أذى أم لا ؟ فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك ، و توقف بعضهم و جمعوا للمناظرة ، فقال السمنجاني من كبار الشافعية : يجب قتالهم و لا يجوز إقرارهم بمكانهم و لا ينفعهم التلفظ بالشهادتين ، فإنهم لا يرون مخالفة إمامهم إذا خالف أحكام الشرع ، و بذلك تباح دماؤهم إجماعا ، و طالت المناظرة في ذلك . ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم و عينوا أعيانا من أصفهان ، و قصدوا بذلك المطاولة و التعلل ، فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء ، فاشتد السلطان إليهم في حصارهم و استأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان ، و أن يؤجلوا في الرحيل شهرا فأجابهم ، و أقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة و وثبوا على بعض الأمراء و سلم منهم فجدد السلطان حصارهم و طلبوا أن ينتقلوا إلى قلعة الناظر و طبس ، و يبعث السلطان معهم من يوصلهم و يقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الأولون ، ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك ، و خرج الأولون إلى الناظر و طبس ، و خرب السلطان القلعة ، و تمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه ، و عزم على الاعتصام به ، و زحف إليه الناس عامة و هرب بعضهم إلى السلطان ، فدله على عورة المكان ، فصعدوا إليه و قتلوا من وجدوا فيه ، و كانوا ثمانين ، و أخذا ابن غطاش أسيرا فسلخ و حشي جلده تبنا ، و قتل ابنه و بعث برأسهما إلى بغداد ، و ألقت زوجه نفسها من الشاهق فهلكت .
خبر الاسماعيلية بالشام
لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام و أقام هنالك داعية متخفيا ، و استجاب له من الشام خلق . و كان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غدرا . و كان أبو الغازي بن أرتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه ، و أشار أبو الغازي على ابن طغتكين الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ، و نقل إليه فأظهر حينئذ شخصه ، و أعلن بدعوته و أعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني ، لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره ، و كثر تابعوه ، و خاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين و وزيره أبي علي حصنا يأوي إليه ، فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين و خمسمائة ، و ترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبة فكثروا و انتشروا ، و ملك هو عدة حصون في الجبال منها القدموس وغيره . و كان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس و النصرانية و الدرزية و أميرهم يسمى الضحاك ، فسار بهرام لقتالهم سنة سنة إثنتين و عشرين ، و استحلف على بانياس إسمعيل من أصحابه ، و لقيهم الضحاك في ألف رجل و كبس عسكره فهزمهم و قتله و عاد فلهم إلى بانياس ، فأقام بأمرهم إسمعيل و جمع شملهم و بث دعاته في البلاد ، و عاضده المزدغاني وزير دمشق و انتصر لهذه الطائفة ، و أقام بدمشق خليفة لبهرام إسمه أبو الوفاء فقوي أمره ، و كثر أتباعه . و استبد على صاحبها تاج الملوك بن طغتكين . ثم أن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور ، و تواعدوا ليوم عينوه ، و دس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبة ، و نمي الخبر إلى إسمعيل فخاف أن يثور به الناس فأعطى بانياس للفرنج ، و انتقل إليهم و مات سنة أربع و عشرين ، و كان للإسماعيلية قلاع في تلك الجهات تتصل بعضها ببعض أعظمها قلعة مصيات فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة إثنتين و سبعين إليها و حاصر مصيات و ضيق حصارها ، و بعث سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين بحماة ، و هو شهاب الدين الحمادي أن يسأل صلاح الدين في الصلح معهم و يتهددونه على ذلك سراً ، فسار إلى صلاح الدين و أصلح أمرهم عنده و رحل عنهم .
بقية الخبر عن قلاع الاسماعيلية بالعراق
و لم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشا لهذه الغواية ، و سفطا لهؤلاء الخباث ، منذ ثار بها أحمد بن غطاش و الحسن بن الصباح ، و كان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة غريقة في الغلو داخلة من باب الكفر و تسميها الرافضة المقالات الجديدة ، و لا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم . و قد ذكرها الشهرستاني في كتاب الملل و النحل فعليك به إن أردت معرفتها. و بقي الملوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال . و
خبر الاسماعيلية بالشام
لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام و أقام هنالك داعية متخفيا ، و استجاب له من الشام خلق . و كان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غدرا . و كان أبو الغازي بن أرتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه ، و أشار أبو الغازي على ابن طغتكين الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ، و نقل إليه فأظهر حينئذ شخصه ، و أعلن بدعوته و أعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني ، لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره ، و كثر تابعوه ، و خاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين و وزيره أبي علي حصنا يأوي إليه ، فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين و خمسمائة ، و ترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبة فكثروا و انتشروا ، و ملك هو عدة حصون في الجبال منها القدموس وغيره . و كان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس و النصرانية و الدرزية و أميرهم يسمى الضحاك ، فسار بهرام لقتالهم سنة سنة إثنتين و عشرين ، و استحلف على بانياس إسمعيل من أصحابه ، و لقيهم الضحاك في ألف رجل و كبس عسكره فهزمهم و قتله و عاد فلهم إلى بانياس ، فأقام بأمرهم إسمعيل و جمع شملهم و بث دعاته في البلاد ، و عاضده المزدغاني وزير دمشق و انتصر لهذه الطائفة ، و أقام بدمشق خليفة لبهرام إسمه أبو الوفاء فقوي أمره ، و كثر أتباعه . و استبد على صاحبها تاج الملوك بن طغتكين . ثم أن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور ، و تواعدوا ليوم عينوه ، و دس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبة ، و نمي الخبر إلى إسمعيل فخاف أن يثور به الناس فأعطى بانياس للفرنج ، و انتقل إليهم و مات سنة أربع و عشرين ، و كان للإسماعيلية قلاع في تلك الجهات تتصل بعضها ببعض أعظمها قلعة مصيات فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة إثنتين و سبعين إليها و حاصر مصيات و ضيق حصارها ، و بعث سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين بحماة ، و هو شهاب الدين الحمادي أن يسأل صلاح الدين في الصلح معهم و يتهددونه على ذلك سراً ، فسار إلى صلاح الدين و أصلح أمرهم عنده و رحل عنهم .
بقية الخبر عن قلاع الاسماعيلية بالعراق
و لم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشا لهذه الغواية ، و سفطا لهؤلاء الخباث ، منذ ثار بها أحمد بن غطاش و الحسن بن الصباح ، و كان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة غريقة في الغلو داخلة من باب الكفر و تسميها الرافضة المقالات الجديدة ، و لا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم . و قد ذكرها الشهرستاني في كتاب الملل و النحل فعليك به إن أردت معرفتها. و بقي الملوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال . و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تاريخ ابن خلدون – الجزء الرابع
لما افترق أمر السلجوقية و استبد ايتغمس بالري و همذان ، سار إليهم سنة ثلاث و ستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها ، و فتح منها خمس قلاع ، و اعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ، ثم زحف إليهم جلال الدين منكبرتي بن علاء الدين خوارزم شاه عندما رجع من الهند ، و ملك بلاد أذربيجان و أرمينية ، فقتلوا بعض أمرائه بمثل قتلهم فسار إلى بلادهم و دوخ نواحي الموت و قد مر ذكره . و قلاعهم التي بخراسان خربها و استباحها قتلا و نهبا و كانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا على الجهات فأوقع بهم جلال الدين هذه الواقعة سنة أربع و عشرين و ستمائة ، و كفحهم عما سموا إليه من ذلك . و لما استفحل أمر التتر سار هولاكو أعوام الخمسين و الستمائة من بغداد و خرب قلاعهم ، و زحف الظاهر بعد ذلك إلى قلاعهم التي بالشام فخرب كثيرا منها و طوع ما بقي منها ، و صارت مصيات و غيرها في طاعته و انقرض أمرهم إلا مغتالين يستعملهم الملوك في قتل أعدائهم على البعد غدرا ، و يسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الإستماتة في مقاصد من يستعملهم . و الله وارث الأرض و من عليها .
الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن
كان موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد و إبراهيم ، طالبه أبو جعفر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك . ثم اختفى و عثر عليه المنصور فضربه ألف سوط ، فلما قتل أخوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك . و كان من عقبه إسماعيل و أخوه محمد الأخيضر إبنا يوسف بن إبراهيم بن موسى ، فخرج إسمعيل في أعراب الحجاز و تسمى السفاك سنة إحدى و خمسين و مائتين . ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات ، و انتهب منزله و منازل أصحاب السلطان ، و قتل جماعة من الجند و أهل مكة و أخذ ما كان حمل للإصلاح من المال ، و ما في الكعبة و خزائنها من الذهب و الفضة ، و أخذ كسوة الكعبة و أخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار . ثم نهبها و أخرق بعضها بعضا ، و أقام في ذلك خمسين يوماً . ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها و حاصرها حتى مات أهلها جوعا ، و لم يصل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و وصل عساكر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها و رجع إلى مكة و حاصرها حتى جهدها الحصار ، و رحل بعد مقامة شهرين إلى جدة فاخذ أموال التجار و نهب ما في مراكبهم و رجع إلى مكة ، و قد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور و عيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة ، و اقتتلوا و قتل من الحاج نحو ألف ، و سلبوا الناس و هربوا إلى مكة ، و بطل الموقف إلا إسماعيل و أصحابه و خطب لنفسه . ثم رجع إلى جدة و استباحوها ثانية . ثم هلك لسنة من خروجه بالجدري آخر سنة اثنتين و خمسين أيام حرب المستعين و المعتز . و كان يتردد بالحجاز مند اثنتي و عشرين سنة ، و مات و لم يعقب ، و ولي مكانه أخوه محمد الأخيضر و كان أسن منه بعشرين سنة ، و نهض إلى اليمامة فملكها ، و اتخذ قلعة الحصرمية ، و كان له من الولد محمد و إبراهيم و عبد الله و يوسف . و هلك فولي بعده ابنه يوسف ، و أشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته . ثم هلك و انفرد إسمعيل بملك اليمامة و كان له من الأخوة الحسن و صالح و محمد بنو يوسف . فلما هلك إسماعيل ولي من بعده أخوه الحسن ، و بعده ابنه أحمد بن الحسن . و لم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة ، و انقرض أمرهم و البقاء لله . و كان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب مما يلي البحر المحيط ملك بني صالح ، ذكرهم صاحب كتاب زجار في الجغرافيا . و لم نقف على نسب صالح هذا من خبر يعول عليه . و قال بعض المؤرخين أنه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام بن موسى الجون ، و أنه خرج أيام المأمون بخراسان ، و حمل إليه و حبسه و ابنه محمد من بعده ، و لحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة . و لم يذكر ابن حزم في أعقاب موسى الجون صالحاً هذا بهذا النسب ، و لعله صالح الذي ذكرناه آنفا في ولد يوسف بن محمد الأخيضر و الله أعلم .
الخبرعن دولة السيمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن و مبادي أمورهم و تصاريف أحوالهم
مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها ، إلا أنه لما انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى ، فأقفرت من قريش و لم يبق بها إلا أتباع بني حسن أخلاط من الناس ، و معظمهم موال سود من الحبشة و الديلم . و لم يزل العمال عليها من قبل بني العباس و شيعتهم و الخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين و المعتز و ما بعدهما ، فحدثت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط . و كان كبيرهم أخر المائة الثانية محمد بن سليمان و ليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون ، و بين العصرين نحو من مائة سنة ، سنة إحدى و ثلثمائة أيام المقتدر ، و خلع طاعة العباسية ، و خطب في الموسم فقال : الحمد لله الذي أعاد الحق إلى نظامه ، و أبرز زهر الإيمان من أكمامه ، و كمل دعوة خير الرسل بأسباطه لا بني أعمامه صلى الله عليه و على آله الطاهرين ، و كف عنا ببركته أسباب المعتدين ، و جعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين ، ثم أنشد :
لأطلبن بسيفي * ما كان للحق دينا * و أسطون بقوم * بغوا و جاروا علينا يعدون كل بلاد * من العراق علينا
الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن
كان موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد و إبراهيم ، طالبه أبو جعفر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك . ثم اختفى و عثر عليه المنصور فضربه ألف سوط ، فلما قتل أخوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك . و كان من عقبه إسماعيل و أخوه محمد الأخيضر إبنا يوسف بن إبراهيم بن موسى ، فخرج إسمعيل في أعراب الحجاز و تسمى السفاك سنة إحدى و خمسين و مائتين . ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات ، و انتهب منزله و منازل أصحاب السلطان ، و قتل جماعة من الجند و أهل مكة و أخذ ما كان حمل للإصلاح من المال ، و ما في الكعبة و خزائنها من الذهب و الفضة ، و أخذ كسوة الكعبة و أخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار . ثم نهبها و أخرق بعضها بعضا ، و أقام في ذلك خمسين يوماً . ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها و حاصرها حتى مات أهلها جوعا ، و لم يصل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و وصل عساكر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها و رجع إلى مكة و حاصرها حتى جهدها الحصار ، و رحل بعد مقامة شهرين إلى جدة فاخذ أموال التجار و نهب ما في مراكبهم و رجع إلى مكة ، و قد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور و عيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة ، و اقتتلوا و قتل من الحاج نحو ألف ، و سلبوا الناس و هربوا إلى مكة ، و بطل الموقف إلا إسماعيل و أصحابه و خطب لنفسه . ثم رجع إلى جدة و استباحوها ثانية . ثم هلك لسنة من خروجه بالجدري آخر سنة اثنتين و خمسين أيام حرب المستعين و المعتز . و كان يتردد بالحجاز مند اثنتي و عشرين سنة ، و مات و لم يعقب ، و ولي مكانه أخوه محمد الأخيضر و كان أسن منه بعشرين سنة ، و نهض إلى اليمامة فملكها ، و اتخذ قلعة الحصرمية ، و كان له من الولد محمد و إبراهيم و عبد الله و يوسف . و هلك فولي بعده ابنه يوسف ، و أشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته . ثم هلك و انفرد إسمعيل بملك اليمامة و كان له من الأخوة الحسن و صالح و محمد بنو يوسف . فلما هلك إسماعيل ولي من بعده أخوه الحسن ، و بعده ابنه أحمد بن الحسن . و لم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة ، و انقرض أمرهم و البقاء لله . و كان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب مما يلي البحر المحيط ملك بني صالح ، ذكرهم صاحب كتاب زجار في الجغرافيا . و لم نقف على نسب صالح هذا من خبر يعول عليه . و قال بعض المؤرخين أنه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام بن موسى الجون ، و أنه خرج أيام المأمون بخراسان ، و حمل إليه و حبسه و ابنه محمد من بعده ، و لحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة . و لم يذكر ابن حزم في أعقاب موسى الجون صالحاً هذا بهذا النسب ، و لعله صالح الذي ذكرناه آنفا في ولد يوسف بن محمد الأخيضر و الله أعلم .
الخبرعن دولة السيمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن و مبادي أمورهم و تصاريف أحوالهم
مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها ، إلا أنه لما انقرض سكانها من قريش بعد المائة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى ، فأقفرت من قريش و لم يبق بها إلا أتباع بني حسن أخلاط من الناس ، و معظمهم موال سود من الحبشة و الديلم . و لم يزل العمال عليها من قبل بني العباس و شيعتهم و الخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين و المعتز و ما بعدهما ، فحدثت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط . و كان كبيرهم أخر المائة الثانية محمد بن سليمان و ليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون ، و بين العصرين نحو من مائة سنة ، سنة إحدى و ثلثمائة أيام المقتدر ، و خلع طاعة العباسية ، و خطب في الموسم فقال : الحمد لله الذي أعاد الحق إلى نظامه ، و أبرز زهر الإيمان من أكمامه ، و كمل دعوة خير الرسل بأسباطه لا بني أعمامه صلى الله عليه و على آله الطاهرين ، و كف عنا ببركته أسباب المعتدين ، و جعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين ، ثم أنشد :
لأطلبن بسيفي * ما كان للحق دينا * و أسطون بقوم * بغوا و جاروا علينا يعدون كل بلاد * من العراق علينا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 2 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» تاريخ دمشق الجزء الرابع والله المستعان
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثاني
» تاريخ بن خلدون الجزء الأول
» تاريخ ابن خلدون – الجزء الثالث
» تاريخ بن خلدون نهاية الجزء الأول
صفحة 2 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى