تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
قد تقدم لنا أن ملك الأرض من بعد نوح عليه السلام كان لكنعان بن كوش بن حام ، ثم لابنه النمروذ من بعده ، و إنه كان على بدعة الصائبة ، و أن بني سام كانوا حنفاء ينتحلون التوحيد الذي عليه الكلدانيون من قبلهم . قال ابن سعيد : و معنى الكلدانيين الموحدين . و وقع ذكر النمروذ في التوراة منسوبا إلى كوش بن حام ، و لم يقع فيها ذكر لكنعان بن كوش ، فالله أعلم بذلك . و قال ابن سعيد أيضا : و خرج عابر بن شالخ بن أرفخشذ فغلبه ، و سار من كوثا إلى أرض الجزيرة و الموصل فبنى مدينة مجدل هنالك ، و أقام بها إلى أن هلك ، و ورث أمره ابنه فالغ من بعده ، و أصاب النمروذ و قومه على عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام ما أصابهم في الصرح و كانت البلبلة و هي المشهورة . و قد وقع ذكرها في التوراة و لا أدري معناها . و القول بأن الناس أجمعين كانوا على لغة واحدة فباتوا عليها ، ثم أصبحوا و قد افترقت لغاتهم ، قول بعيد في العادة ، إلا أن يكون من خوارق الأنبياء فهو معجزة حينئذ و لم ينقلوه كذلك . و الذي يظهر أنه إشارة إلى التقدير الإلهي في خرق العادة و افتراقها و كونها من آياته كما في القرآن الكريم ، و لا يعقل في أمر البلبلة غير ذلك .
و قال ابن سعيد سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل ، فانتقض عليه و حاربه ، و لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان ، فغلبه سوريان على الجزيرة ، و ملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسل بنو جرموق بن أشوذ بن سام ، و كانت مواطنهم بالجزيرة و كانت ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق ، فولاه سوريان على الجزيرة و أخرج بني عابر منها ، و لحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك ، و يقال إن الخضر من عقبه ، و استبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل ، و امتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط . و ملك بعد الموصل ابنه راتق و كانت له حروب مع النبط ، و ملك من بعده ابنه أثور و بقي ملكها في عقبه و هو مذكور في التوراة ، و ملك بعده ابنه نينوى و بني المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه ، ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور و هو الذي بنى مدينة سنجار و غزا بني اسرائيل فصلبوه على بيت المقدس .
و قال البيهقي : إن الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون ، و هو الذي بنى مدينة الخضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الأسود في غيضاتها . و ملك من بعده ابنه زان و كان يدين بالصائبة ، و يقال إن يونس بن متى بعث إليه و يونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه ، فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم ، ثم إن بختنصر لما غلب على بابل زحف إليه و دعاه إلى دين الصائبة ، و شرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب . و لم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش الفرس مع أرتاق ، فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه ، و كتب بذلك أرتاق إلى بهمن فيضمن له ، فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتله ، فقتله أرتاق و انقرض ملكه بعد ألف و ثلثمائة سنة فيما قال البيهقي . و في أربعين ملكا منهم ، و صارت الجزيرة لملوك الفرس ، و الذي عند الإسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى و هم أولاد موصل بن أشوذ بن سام . و أنه كان قبله بالموصل ملوك منهم و هم فول و تلفات و بلناص ، و أنهم ملكوا بلد الأسباط العشرة ، و هي شمورون المعروفة بالسامرة ، و أنه غرب الأسباط الذين كانوا فيها إلى نواحي أصبهان و خراسان ، و أسكن أهل كومة و هي الكوفة في شمورون هذه ، فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية . فشكوا ذلك إلى سنجاريف و سألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كي يتوجهوا إليه ، و يستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة ، فأعرض عن ذلك و بعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية ، و أخذوا به . و هؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمرة و هي شمورون ، و ليس الشمرة عندهم من بني إسرائيل ، و لأن دينهم صحيح في اليهودية .
و زحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شمورون فحاصرها و داخله العجب بكثرة عساكره ، فقال لبني إسرائيل من الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم إلهكم ، و فزع ملاك بني اسرائيل إلى نبيهم مدليلا ، و سأله الدعاء فدعا له و أمنه من شر سنجاريف ، و نزلت بعسكره في بعض لياليهم آفة سماوية ، فأصبحوا كلهم قتلى . يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة و خمسة و ثمانين ألفا ، و رجع سنجاريف إلى نينوى ، ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب ، و ولي ابنه أيسر حدون ، ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره .و أما ملوك بابل فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام . و قال المسعودي : نبيط بن ماش بن إرم ، و كانوا موطنين بأرض بابل و ملك منهم سوريان بن نبيط ، و قال المسعودي : هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ ، فلما مات فالغ أظهر بدعة الصائبة ، و انتحلها بعده ابنه كنعان و يلقب بالنمروذ . و ملك بعده ابنه كوش و هو نمروذ إبراهيم عليه السلام عليه السلام ، و هو الذي قدم أباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الأصنام لأن أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ و كان على دين التوحيد الذي دعاه إليه أبوه عابر ، رجع حينئذ أرغو إلى كوثا ، و دخل مع النمارذة في دين الصائبة ، و توارثها بنوه إلى آزر بن ناحور ، فاصطفاه هاجر بن كوش و قدمه على بيت الأصنام ، و ولد له إبراهيم عليه السلام ، و كان من أمره ما ذكرنا فيما نصه التنزيل و نقله الثقات . ثم توالت ملوك النماردة ببابل و كان منهم بختنصر على ما ذهب إليه بعضهم ، و يقال إن الجرامقة و هم أهل نينوى غلبوا على بابل و ملكها سنجاريف منهم و استعمل فيها بختنصر من ملوكها ، ثم انتقض عليه بالجزا و الطاعة ، و غزا بني اسرائيل ببيت المقدس ، فاقتحمها عليهم بعد الحصار ، و أثخن فيهم بالقتل و الأسر ، و قتل ملكهم و خرب مسجدهم و تجاوزهم إلى مصر فملكها . و لما هلك بختنصر
و قال ابن سعيد سوريان بن نبيط ولاه فالغ على بابل ، فانتقض عليه و حاربه ، و لما هلك فالغ قام بأمره بعده ابنه ملكان ، فغلبه سوريان على الجزيرة ، و ملكها هؤلاء الجرامقة إخوانه في النسل بنو جرموق بن أشوذ بن سام ، و كانت مواطنهم بالجزيرة و كانت ابن أخت سوريان منهم الموصل بن جرموق ، فولاه سوريان على الجزيرة و أخرج بني عابر منها ، و لحق ملكان منها بالجبال فأقام هناك ، و يقال إن الخضر من عقبه ، و استبد الموصل على خاله سوريان بن نبيط ملك بابل ، و امتازت مملكة الجرامقة من مملكة النبط . و ملك بعد الموصل ابنه راتق و كانت له حروب مع النبط ، و ملك من بعده ابنه أثور و بقي ملكها في عقبه و هو مذكور في التوراة ، و ملك بعده ابنه نينوى و بني المدينة المقابلة للموصل من عدوة دجلة المعروفة باسمه ، ثم كان من عقبه سنجاريف بن أثور بن نينوى بن أثور و هو الذي بنى مدينة سنجار و غزا بني اسرائيل فصلبوه على بيت المقدس .
و قال البيهقي : إن الجزيرة ملكها بعد مقتل سنجاريف أخوه ساطرون ، و هو الذي بنى مدينة الخضر في برية سنجار على نهر الترتار لتولعه بصيد الأسود في غيضاتها . و ملك من بعده ابنه زان و كان يدين بالصائبة ، و يقال إن يونس بن متى بعث إليه و يونس من الجرامقة من سبط بنيامين بن إسرائيل من ابنه ، فآمن به زان بن ساطرون بعد الذي قصه القرآن من شأنه معهم ، ثم إن بختنصر لما غلب على بابل زحف إليه و دعاه إلى دين الصائبة ، و شرط له أن يبقيه في ملكه فأجاب . و لم يزل على الجزيرة حتى زحف إليه جيوش الفرس مع أرتاق ، فضمن القيام بالمجوسية على أن يبقوه في ملكه ، و كتب بذلك أرتاق إلى بهمن فيضمن له ، فأجابه بأن هذا رجل متلاعب بالأديان فاقتله ، فقتله أرتاق و انقرض ملكه بعد ألف و ثلثمائة سنة فيما قال البيهقي . و في أربعين ملكا منهم ، و صارت الجزيرة لملوك الفرس ، و الذي عند الإسرائيليين سنجاريف من ملوك نينوى و هم أولاد موصل بن أشوذ بن سام . و أنه كان قبله بالموصل ملوك منهم و هم فول و تلفات و بلناص ، و أنهم ملكوا بلد الأسباط العشرة ، و هي شمورون المعروفة بالسامرة ، و أنه غرب الأسباط الذين كانوا فيها إلى نواحي أصبهان و خراسان ، و أسكن أهل كومة و هي الكوفة في شمورون هذه ، فسلط الله عليهم السباع يفترسونهم في كل ناحية . فشكوا ذلك إلى سنجاريف و سألوه أن يخبرهم عن بلد شمورون في قسمة أي كوكب هي كي يتوجهوا إليه ، و يستنزلوا روحانيته على طريق الصابئة ، فأعرض عن ذلك و بعث كاهنان إليهم من اليهود فعلموهم دين اليهودية ، و أخذوا به . و هؤلاء عند اليهود هم الشمرة نسبة إلى شمرة و هي شمورون ، و ليس الشمرة عندهم من بني إسرائيل ، و لأن دينهم صحيح في اليهودية .
و زحف سنجاريف عندهم إلى بيت المقدس بعد استيلائه على شمورون فحاصرها و داخله العجب بكثرة عساكره ، فقال لبني إسرائيل من الذي خلصه إلهه من يدي حتى يخلصكم إلهكم ، و فزع ملاك بني اسرائيل إلى نبيهم مدليلا ، و سأله الدعاء فدعا له و أمنه من شر سنجاريف ، و نزلت بعسكره في بعض لياليهم آفة سماوية ، فأصبحوا كلهم قتلى . يقال أحصى قتلاهم فكانوا مائة و خمسة و ثمانين ألفا ، و رجع سنجاريف إلى نينوى ، ثم قتله أولاده في سجوده لمعبوده من الكواكب ، و ولي ابنه أيسر حدون ، ثم استولى عليهم بعد ذلك بختنصر كما سنذكره في خبره .و أما ملوك بابل فهم النبط بنو نبيط بن أشوذ بن سام . و قال المسعودي : نبيط بن ماش بن إرم ، و كانوا موطنين بأرض بابل و ملك منهم سوريان بن نبيط ، و قال المسعودي : هو أحد نبيط بن ماش ملك أرض بابل بولاية من فالغ ، فلما مات فالغ أظهر بدعة الصائبة ، و انتحلها بعده ابنه كنعان و يلقب بالنمروذ . و ملك بعده ابنه كوش و هو نمروذ إبراهيم عليه السلام عليه السلام ، و هو الذي قدم أباه آزر فاصطفاه هاجر على بيت الأصنام لأن أرعو بن فالغ لما هلك أبوه فالغ و كان على دين التوحيد الذي دعاه إليه أبوه عابر ، رجع حينئذ أرغو إلى كوثا ، و دخل مع النمارذة في دين الصائبة ، و توارثها بنوه إلى آزر بن ناحور ، فاصطفاه هاجر بن كوش و قدمه على بيت الأصنام ، و ولد له إبراهيم عليه السلام ، و كان من أمره ما ذكرنا فيما نصه التنزيل و نقله الثقات . ثم توالت ملوك النماردة ببابل و كان منهم بختنصر على ما ذهب إليه بعضهم ، و يقال إن الجرامقة و هم أهل نينوى غلبوا على بابل و ملكها سنجاريف منهم و استعمل فيها بختنصر من ملوكها ، ثم انتقض عليه بالجزا و الطاعة ، و غزا بني اسرائيل ببيت المقدس ، فاقتحمها عليهم بعد الحصار ، و أثخن فيهم بالقتل و الأسر ، و قتل ملكهم و خرب مسجدهم و تجاوزهم إلى مصر فملكها . و لما هلك بختنصر
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
ملك من بعده فيما ذكروه ابنه نشبت نصر ، ثم من بعده بنيصر و غزاه أرتاق مرزبان كسرى من ملوك الكينية فقتله و ملك بابل و أعمالها و صار النبط و الجرامقة رعية للفرس ، و انقرضت دولة النمارذة ببابل ، هكذا ذكر ابن سعيد و نقله عن داهر مؤرخ دولة الفرس ، و جعل السريانيين و النبط أمة واحدة ، و هما دولة واحدة . و أما المسعودي فجعلهما دولتين . و أما السريانيون فقال هم أول ملوك الأرض بعد الطوفان ، و سمى من ملوكهم تسعة متعاقبين في مائة سنة أو فوقها بأسماء أعجمية لا فائدة في نقلها لقلة الوثوق بالأصول التي بأيدينا من كتبه و كثرة التغيير في الأسماء الأعجمية . نعم ذكر أن شوشان بشينين معجمتين ، و أنه أول من وضع التاج على رأسه . و الرابع منهم أنه الذي كور الكور و مدن المدن و أن ملك الهند لعهده كان اسمه رتبيل و أنه على ملكه و استولى على السريانيين ، و أن بعض ملوك المغرب ظاهرهم عليه و انتزع لهم ملكهم منه ورده عليهم . و سمى الثامن منهم ماروت و أشار في آخر كلامه إلى أنهم كانوا مستولين على بابل و على الموصل ، و أن ملوك اليمن ربما غلبوهم على أمرهم بعض الأحيان . و ذكر في التاسع أنه كان غير مستقل بأمره ، و أن أخاه كان مقاسمه في سلطانه ، و أن أول من اتخذ الخمر فلان و أول من ملك فلان ، و أول من لعب بالصقور و الشطرنج فلان ، مزاعم كلها بعيدة من الصحة . إنما وجهه أن السريانيين لما كانوا أقدم في الخليفة نسب إليهم كل قديم من الأشياء ، أو طبيعي كالخط و اللغة و السحر و الله أعلم .
و أما النبط فعند المسعودي أنهم من أهل بابل لقوله في ترجمهتم ذكر ملوك بابل و النبط و غيرهم المعروفين بالكلدانيين ، و ذكر أن أولهم نمروذ الجبار و نسبه إلى ماش بن إرم بن سام ، و ذكر أنه الذي بنى الصرح ببابل ، و احتفر نهر الكوفة . و نسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدري هو أو غيره . ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا و أربعين أو نحوها في ألف و أربعمائة من السنين بأسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها . إلا أنه ذكر في الموفي منهم عدد العشرين و بعد التسعمائة من سنيهم إنه الذي غزت فارس لعهدة مدينة بابل . و ذكر في الموفى عدد ثلاثة و ثلاثين منهم عند الألف و الأربعمائة من سنيهم أنه سنجاريف الذي حارب بني إسرائيل حاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم . و أن آخر ملوكهم دارينوش ، و هو دار الذي قتله الإسكندر لما ملك بابل . هذا ما ذكره المسعودي و لم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام . و ذكر أن مدينتهم بابل و أن الذي اختطها اسمه نير و اسم إمراته شمرام ملوك السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطهما. و قال الطبري نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام صاحب إبراهيم الخليل عليه السلام . و كان يقال عاد إرم ، فلما هلكوا قيل ثمود إرم ، فلما هلكوا قيل نمروذ إرم ، فلما هلك قيل لسائر ولد إرم إرمان فهم النبط ، و كانوا على الإسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الأوثان فعندوها انتهى كلام الطبري .
و قال هروشيوش مؤرخ الروم : إنه نمروذ الجسيم ، و إن بابل كانت مربعة الشكل ، و كان سورها في دور ثمانين ميلا ، و ارتفاعه مائتا ذراع و عرضه خمسون ذراعا ، و هو كله مبني بالآجر و الرصاص ، و فيه مائة باب من النحاس ، و في أعلاه مساكن الحراس و المقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما . و حول هذا السور خندق بعيد المهوى ، أجري فيه الماء ، و أن الفرس هدموه ، و لما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش و هو كسرى الأول انتهى كلام هروشيوش .
و يظهر من كلام هؤلاء أن اسم النمروذ سمت لكل من ملك بابل لوقوعه في أهل أنساب مختلفة مرة إلى سام و مرة إلى حام . و زعم بعض المؤرخين أن نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الأكبر ، و أن بختنصر من عقبه و هو ابن برزاد بن سنجاريف بن النمرود ، و أن الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ، ثم أبقوه و استعملوه عليها ، و أن كسرى الأول من بنيى ساسان خرب مدينة بابل . و عند الإسرائيلين و ينقلونه عن كتاب دانيال و أرميا من أنبيائهم و ضبط هذا الاسم يرميا أن بختنصر من عقب كاسد بن حاور و هو أخو ابراهيم الخليل ، و بنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل و يعرفون بالكسدانيين نسبة إليه ، و إن بختنصر منهم ملك أكثر المعمور ، وغلب على بني إسرائيل ، و أزال دولتهم ، و خرب بيت المقدس ، و انتهى ملكه إلى مصر و ما وراءها ، و كان ملكه خمساً و أربعين . و ملك بعده ابنه أويل مردود ثلاثا و عشرين سنة ، و بعده ابنه بلينصر ثلاث سنين ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس و صهره كورش فحاصروه بمدينة بابل ، و قال بعض الاسرائيليين أن بختنصر و ملوك بابل من كسديم ، و كسديم من عيلام بن سام و هو أخو أشوذ ، و من أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل و ملوك بابل .و هذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم و أنسابهم ، و كان من هؤلاء و الكلدانيين دين الصائبة و هو عبادة الكواكب و استجلاب روحانيتها . و يذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بأرصاد الكواكب ، و معرفة طبائعها ، و خلاص المولدات ، و ما يشابه ذلك من علوم النجوم و الطلسمات و السحر ، و أنهم نهجوا ذلك لأهل الربع الغربي من الأرض . و قد يشهد لذلك قراءة من قرأ : و ما أنزل على الملكين بكسر اللام ، مشيراً إلى أن هاروت و ماروت من ملوك السريانيين ، و هم أول ملوك بابل ، و على القراءة المشهور و أنهما من الملائكة ، فيكون اختصاص هذه الفتنة ، و الابتلاء ببابل من بين أقطار الأرض ، دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذي وقع الابتلاء به ، و مما يشهد لانتحالهم السحر و فنونه من النجوم و غيرها ، أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم ، و كان
و أما النبط فعند المسعودي أنهم من أهل بابل لقوله في ترجمهتم ذكر ملوك بابل و النبط و غيرهم المعروفين بالكلدانيين ، و ذكر أن أولهم نمروذ الجبار و نسبه إلى ماش بن إرم بن سام ، و ذكر أنه الذي بنى الصرح ببابل ، و احتفر نهر الكوفة . و نسب النمروذ في موضع آخر إلى كوش بن حام لا أدري هو أو غيره . ثم عد ملوكهم بعد النمروذ ستا و أربعين أو نحوها في ألف و أربعمائة من السنين بأسماء أعجمية متعذر ضبطها فتركت نقلها . إلا أنه ذكر في الموفي منهم عدد العشرين و بعد التسعمائة من سنيهم إنه الذي غزت فارس لعهدة مدينة بابل . و ذكر في الموفى عدد ثلاثة و ثلاثين منهم عند الألف و الأربعمائة من سنيهم أنه سنجاريف الذي حارب بني إسرائيل حاصرهم ببيت المقدس حتى أخذ الجزية منهم . و أن آخر ملوكهم دارينوش ، و هو دار الذي قتله الإسكندر لما ملك بابل . هذا ما ذكره المسعودي و لم يذكر منهم نمروذ الخليل عليه السلام . و ذكر أن مدينتهم بابل و أن الذي اختطها اسمه نير و اسم إمراته شمرام ملوك السريانيين اسمان أعجميان لا وثوق لنا بضبطهما. و قال الطبري نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام صاحب إبراهيم الخليل عليه السلام . و كان يقال عاد إرم ، فلما هلكوا قيل ثمود إرم ، فلما هلكوا قيل نمروذ إرم ، فلما هلك قيل لسائر ولد إرم إرمان فهم النبط ، و كانوا على الإسلام ببابل حتى ملكهم نمروذ فدعاهم إلى عبادة الأوثان فعندوها انتهى كلام الطبري .
و قال هروشيوش مؤرخ الروم : إنه نمروذ الجسيم ، و إن بابل كانت مربعة الشكل ، و كان سورها في دور ثمانين ميلا ، و ارتفاعه مائتا ذراع و عرضه خمسون ذراعا ، و هو كله مبني بالآجر و الرصاص ، و فيه مائة باب من النحاس ، و في أعلاه مساكن الحراس و المقاتلة تبيت على الجانبين في سائر دورة الطريق بينهما . و حول هذا السور خندق بعيد المهوى ، أجري فيه الماء ، و أن الفرس هدموه ، و لما تغلبوا على ملك بابل تولى ذلك منهم جيرش و هو كسرى الأول انتهى كلام هروشيوش .
و يظهر من كلام هؤلاء أن اسم النمروذ سمت لكل من ملك بابل لوقوعه في أهل أنساب مختلفة مرة إلى سام و مرة إلى حام . و زعم بعض المؤرخين أن نمروذ الخليل عليه السلام هو النمروذ بن كنعان بن سنجاريف بن النمروذ الأكبر ، و أن بختنصر من عقبه و هو ابن برزاد بن سنجاريف بن النمرود ، و أن الفرس الكينية غلبوا بختنصر على بابل ، ثم أبقوه و استعملوه عليها ، و أن كسرى الأول من بنيى ساسان خرب مدينة بابل . و عند الإسرائيلين و ينقلونه عن كتاب دانيال و أرميا من أنبيائهم و ضبط هذا الاسم يرميا أن بختنصر من عقب كاسد بن حاور و هو أخو ابراهيم الخليل ، و بنو كاسد هؤلاء من ملوك بابل و يعرفون بالكسدانيين نسبة إليه ، و إن بختنصر منهم ملك أكثر المعمور ، وغلب على بني إسرائيل ، و أزال دولتهم ، و خرب بيت المقدس ، و انتهى ملكه إلى مصر و ما وراءها ، و كان ملكه خمساً و أربعين . و ملك بعده ابنه أويل مردود ثلاثا و عشرين سنة ، و بعده ابنه بلينصر ثلاث سنين ثم زحف إليه دارا من ملوك الفرس و صهره كورش فحاصروه بمدينة بابل ، و قال بعض الاسرائيليين أن بختنصر و ملوك بابل من كسديم ، و كسديم من عيلام بن سام و هو أخو أشوذ ، و من أشوذ ملوك الموصل انتهى الكلام في ملوك الموصل و ملوك بابل .و هذا غاية ما أدى إليه البحث من أخبارهم و أنسابهم ، و كان من هؤلاء و الكلدانيين دين الصائبة و هو عبادة الكواكب و استجلاب روحانيتها . و يذكر أنهم كانوا لذلك أهل عناية بأرصاد الكواكب ، و معرفة طبائعها ، و خلاص المولدات ، و ما يشابه ذلك من علوم النجوم و الطلسمات و السحر ، و أنهم نهجوا ذلك لأهل الربع الغربي من الأرض . و قد يشهد لذلك قراءة من قرأ : و ما أنزل على الملكين بكسر اللام ، مشيراً إلى أن هاروت و ماروت من ملوك السريانيين ، و هم أول ملوك بابل ، و على القراءة المشهور و أنهما من الملائكة ، فيكون اختصاص هذه الفتنة ، و الابتلاء ببابل من بين أقطار الأرض ، دليلا على وفور قسطهما من صناعة السحر الذي وقع الابتلاء به ، و مما يشهد لانتحالهم السحر و فنونه من النجوم و غيرها ، أن هذه العلوم وجدناها من منتحل أهل مصر المجاورين لهم ، و كان
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
لملوكها عناية شديدة بذلك ، حتى كان من مباهاتهم موسى بذلك و حشر السحرة له ما كان ، و بقايا الآثار السحرية في برابي أخميم من صعيد مصر ما يشهد لذلك أيضاً و الله أعلم .
الخبر عن القبط و أولية ملكهم و دولهم و تصاريف أحوالهم و الإلمام بنسبهم
هذه الأمة أقدم أمم العالم و أطولهم أمداً في الملك ، و اختصوا بملك مصر و ما إليها ، ملوكها من لدن الخليفة إلى أن صبحهم الإسلام بها ، فانتزعها المسلمون من أيديهم . و لعهدهم كان الفتح ، و ربما غلب عليهم جميع من عاصرهم من الأمم حين يستفحل أمرهم مثل العمالقة و الفرس و الروم و اليونان ، فيستولون على مصر من أيديهم ، ثم يتقلص ظلهم ، فراجع القبط ملكهم هكذا إلى أن انقرضوا في مملكة الإسلام .
و كانوا يسمون الفراعنة سمة لملوك مصر في اللغة القديمة ، ثم تغيرت اللغة و بقي هذا الاسم مجهول المعنى ، كما تغيرت الحميرية إلى المضرية ، و السريانية إلى الرومية . و نسبهم في المشهور إلى حام بن نوح ، و عند المسعودي إلى بنصر بن حام ، و ليس في التوراة ذكر لبنصر بن حام و إنما ذكر مصرايم و كوش و كنعان و قوط . و قال السهيلي إنهم من ولد كنعان بن حام لأنه لما نسب مصر ، قال فيه : مصر بن النبيط أو ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان . و قال أهروشيوش : إن القبط من ولد قبط ابن لايق بن مصر . و عند الإسرائيليين أنهم من قوط بن حام .
و عند بعضهم أنهم من كفتوريم قبطقايين و معناه القبط .
و قال المسعودي اختص بنصر بن حام أيام النمروذ ابن أخيه كنعان بولاية أرض مصر ، و استبد بها و أوصى بالملك لابنه مصر ، فاستفحل ملكه ما بين أسوان و اليمن و العريش و أيلية و فرسيسة ، فسميت كلها أرض مصر نسبة إليه ، و في قبليها النوبة و في شرقيها الشام و في بحر الزقاق و في غربها برقة و النيل من دونها . و طال عمر مصر و كبر ولده و أوصى بالملك لأكبرهم و هو قبط بن مصر أبو الأقباط ، فطال أمد ملكه و كان له بنو أربع : قبط بن مصر و أن مصر هو الذي قسم الأرض و عهد إلى أكبرهم بالملك و هو قبط ، فغلب عليهم فأضيفوا إليه لمكان الملك و السن ، و ملك بعد قبط بن مصر أشمون بن مصر ، ثم من بعده صاثم أخوهما أتريب ، ثم عد ملوكا بأسماء أعجمية بعيدة عن الضبط لعجمتها و فساد الأصول التي بين أيدينا من كتبته ، ثم لما ذكر ستة منهم بعد أتريب قال : فكثر ولد بنصر بن حام و تشاغبوا و ملك عليهم النساء ، فسار إليهم ملك الشام من العمالقة الوليد بن دومع فملكهم و انقادوا إليه .و أما ابن سعيد فيما نقل من كتب المشارقة فقال : ملك مصر ابنه قبط ، ثم من بعده أخوه أتريب . قال : و في أيام قبط زحف شداد بن مداد بن شداد بن عاد إلى مصر و غلب على أسافلها ، و مات قبط في حروبه ، ثم جمع أتريب قومه و استظهر بالبربر و السودان على العرب حتى أخرجهم إلى الشام ، و استبد أتريب بملك مصر و بنى المدينة المنسوبة إليه ، و مدينة عين شمس . و ملك بعده ابن أخيه البودشير بن قبط و هو الذي بعث هرمساً المصري إلى جبل القمر حتى ركب جرية النيل من هنالك ، و عدل البطيحة الكبرى التي تنصب إليها عيون النيل ، و عمر بلاد الواحات و حول إليها جميعا من أهل بيته . ثم ملك من بعده عديم بن البودشير ، ثم ابنه شدات بن عديم ، ثم ابنه منذ وش بن شدات وجدد مدينة عين شمس . و كان لهم في السحر آثار عجيبة . ثم ملك بعده ابنه مقلاوش بن مقناوش و عبد البقر و صورها من الذهب ، ثم هلك و خلف ابنه مرقيش فغلب عليه عمه أشمون بن قبط ، و بنى مدينة الأشمون . و ملك بعده ابنه أشاد بن أشمون ، ثم من بعده عمه صابن قبط و بنى مدينة باسمه ، و ملك بعده ابنه ندراس و كان حكيما و هو الذي بنى هيكل الزهرة الذي هدمه بختنصر . و ملك بعده ابنه ماليق بن ندراس فرفض الصائبة و دان بالتوحيد ، و دوخ بلاد البربر و الأندلس ، و حارب الإفرنج . و ملك بعده ابنه حربيا بن ماليق فرجع عن التوحيد إلى الصابئة ، و غزا بلاد الهند و السودان و الشام . و ملك بعده ابنه كلكي بن حربيا ، و هو الذي تسميه القبط حكيم الملوك ، و اتخذ هيكل زحل و عهد إلى أخيه ماليا بن حربيا ، و اشتغل باللهو فقتله ابنه خرطيش و كان سفاكاً للدماء ، و القبط تزعم أنه فرعون الخليل عليه السلام ، و أنه أول الفراعنة . و لما تعدى بالقتل إلى أقاربه سمته ابنته حوريا ، و ملكت القبط من بعده فنازعها أبراحس من ولد عمها أتريب ، وحاربته فكان لها الغلب ، و انهزم أبراحس إلى الشام ، فاستظهر بالكنعانيين و بعث ملكهم قائده جيرون فلما قرب مصر استقبلته حوريا و أطمعته في زواجها على أن يقتل أبراحس و يبني مدينة الإسكندرية ففعل ، ثم قتلته آخراً مسموما و استقام لها الأمر ، و بنت منارة الإسكندرية ، و عهدت بأمرها لدليقية ابنة عمها باقوم ، فخرج عليها أيمن من نسل أتريب طالبا بثأر قريبه إبراحس ، و لحق بملك العمالقة يومئذ و هو الوليد بن دومع الذي ذكرناه عند ذكر العمالقة فاستنصر به و جاء معه و ملك ديار مصر . و استبد بالقبط نقراوس فاشتغل باللذات ، و استكفى من بنيه أطفير و هو العزيز فكفاه ، و قام بأمره و دبر له يوسف الفيوم بالوحي و الهندسة ، و كانت أرضها مغايض للماء فأخرجه و عمر القرى مكانه على عدد أيام السنة ، فجعله على خزائنه . و ملك بعده دارم بن الريان و سمته القبط و يموص . و كان يوسف مدبر أمره بوصية أبيه ، و مات لعهده فأساء السيرة و هلك غريقاً في النيل . و ملك بعده ابنه معد انوس بن دارم فترهب و استخلف ابنه كاشم فاستعبد بني اسرائيل للقبط ، و قتله حاجبه و نصب بعده ابنه لاطش ، فاشتغل باللهو فخلعه ، و نصب آخر من نسل ندراس اسمه لهوب فتجبر ، و تذكر القبط أنه فرعون موسى عليه السلام . و أهل الأثر يقولون : إنه الوليد بن مصعب و أنه نجاراً تقلب حاله إلى عرافة
الخبر عن القبط و أولية ملكهم و دولهم و تصاريف أحوالهم و الإلمام بنسبهم
هذه الأمة أقدم أمم العالم و أطولهم أمداً في الملك ، و اختصوا بملك مصر و ما إليها ، ملوكها من لدن الخليفة إلى أن صبحهم الإسلام بها ، فانتزعها المسلمون من أيديهم . و لعهدهم كان الفتح ، و ربما غلب عليهم جميع من عاصرهم من الأمم حين يستفحل أمرهم مثل العمالقة و الفرس و الروم و اليونان ، فيستولون على مصر من أيديهم ، ثم يتقلص ظلهم ، فراجع القبط ملكهم هكذا إلى أن انقرضوا في مملكة الإسلام .
و كانوا يسمون الفراعنة سمة لملوك مصر في اللغة القديمة ، ثم تغيرت اللغة و بقي هذا الاسم مجهول المعنى ، كما تغيرت الحميرية إلى المضرية ، و السريانية إلى الرومية . و نسبهم في المشهور إلى حام بن نوح ، و عند المسعودي إلى بنصر بن حام ، و ليس في التوراة ذكر لبنصر بن حام و إنما ذكر مصرايم و كوش و كنعان و قوط . و قال السهيلي إنهم من ولد كنعان بن حام لأنه لما نسب مصر ، قال فيه : مصر بن النبيط أو ابن قبط بن النبيط من ولد كوش بن كنعان . و قال أهروشيوش : إن القبط من ولد قبط ابن لايق بن مصر . و عند الإسرائيليين أنهم من قوط بن حام .
و عند بعضهم أنهم من كفتوريم قبطقايين و معناه القبط .
و قال المسعودي اختص بنصر بن حام أيام النمروذ ابن أخيه كنعان بولاية أرض مصر ، و استبد بها و أوصى بالملك لابنه مصر ، فاستفحل ملكه ما بين أسوان و اليمن و العريش و أيلية و فرسيسة ، فسميت كلها أرض مصر نسبة إليه ، و في قبليها النوبة و في شرقيها الشام و في بحر الزقاق و في غربها برقة و النيل من دونها . و طال عمر مصر و كبر ولده و أوصى بالملك لأكبرهم و هو قبط بن مصر أبو الأقباط ، فطال أمد ملكه و كان له بنو أربع : قبط بن مصر و أن مصر هو الذي قسم الأرض و عهد إلى أكبرهم بالملك و هو قبط ، فغلب عليهم فأضيفوا إليه لمكان الملك و السن ، و ملك بعد قبط بن مصر أشمون بن مصر ، ثم من بعده صاثم أخوهما أتريب ، ثم عد ملوكا بأسماء أعجمية بعيدة عن الضبط لعجمتها و فساد الأصول التي بين أيدينا من كتبته ، ثم لما ذكر ستة منهم بعد أتريب قال : فكثر ولد بنصر بن حام و تشاغبوا و ملك عليهم النساء ، فسار إليهم ملك الشام من العمالقة الوليد بن دومع فملكهم و انقادوا إليه .و أما ابن سعيد فيما نقل من كتب المشارقة فقال : ملك مصر ابنه قبط ، ثم من بعده أخوه أتريب . قال : و في أيام قبط زحف شداد بن مداد بن شداد بن عاد إلى مصر و غلب على أسافلها ، و مات قبط في حروبه ، ثم جمع أتريب قومه و استظهر بالبربر و السودان على العرب حتى أخرجهم إلى الشام ، و استبد أتريب بملك مصر و بنى المدينة المنسوبة إليه ، و مدينة عين شمس . و ملك بعده ابن أخيه البودشير بن قبط و هو الذي بعث هرمساً المصري إلى جبل القمر حتى ركب جرية النيل من هنالك ، و عدل البطيحة الكبرى التي تنصب إليها عيون النيل ، و عمر بلاد الواحات و حول إليها جميعا من أهل بيته . ثم ملك من بعده عديم بن البودشير ، ثم ابنه شدات بن عديم ، ثم ابنه منذ وش بن شدات وجدد مدينة عين شمس . و كان لهم في السحر آثار عجيبة . ثم ملك بعده ابنه مقلاوش بن مقناوش و عبد البقر و صورها من الذهب ، ثم هلك و خلف ابنه مرقيش فغلب عليه عمه أشمون بن قبط ، و بنى مدينة الأشمون . و ملك بعده ابنه أشاد بن أشمون ، ثم من بعده عمه صابن قبط و بنى مدينة باسمه ، و ملك بعده ابنه ندراس و كان حكيما و هو الذي بنى هيكل الزهرة الذي هدمه بختنصر . و ملك بعده ابنه ماليق بن ندراس فرفض الصائبة و دان بالتوحيد ، و دوخ بلاد البربر و الأندلس ، و حارب الإفرنج . و ملك بعده ابنه حربيا بن ماليق فرجع عن التوحيد إلى الصابئة ، و غزا بلاد الهند و السودان و الشام . و ملك بعده ابنه كلكي بن حربيا ، و هو الذي تسميه القبط حكيم الملوك ، و اتخذ هيكل زحل و عهد إلى أخيه ماليا بن حربيا ، و اشتغل باللهو فقتله ابنه خرطيش و كان سفاكاً للدماء ، و القبط تزعم أنه فرعون الخليل عليه السلام ، و أنه أول الفراعنة . و لما تعدى بالقتل إلى أقاربه سمته ابنته حوريا ، و ملكت القبط من بعده فنازعها أبراحس من ولد عمها أتريب ، وحاربته فكان لها الغلب ، و انهزم أبراحس إلى الشام ، فاستظهر بالكنعانيين و بعث ملكهم قائده جيرون فلما قرب مصر استقبلته حوريا و أطمعته في زواجها على أن يقتل أبراحس و يبني مدينة الإسكندرية ففعل ، ثم قتلته آخراً مسموما و استقام لها الأمر ، و بنت منارة الإسكندرية ، و عهدت بأمرها لدليقية ابنة عمها باقوم ، فخرج عليها أيمن من نسل أتريب طالبا بثأر قريبه إبراحس ، و لحق بملك العمالقة يومئذ و هو الوليد بن دومع الذي ذكرناه عند ذكر العمالقة فاستنصر به و جاء معه و ملك ديار مصر . و استبد بالقبط نقراوس فاشتغل باللذات ، و استكفى من بنيه أطفير و هو العزيز فكفاه ، و قام بأمره و دبر له يوسف الفيوم بالوحي و الهندسة ، و كانت أرضها مغايض للماء فأخرجه و عمر القرى مكانه على عدد أيام السنة ، فجعله على خزائنه . و ملك بعده دارم بن الريان و سمته القبط و يموص . و كان يوسف مدبر أمره بوصية أبيه ، و مات لعهده فأساء السيرة و هلك غريقاً في النيل . و ملك بعده ابنه معد انوس بن دارم فترهب و استخلف ابنه كاشم فاستعبد بني اسرائيل للقبط ، و قتله حاجبه و نصب بعده ابنه لاطش ، فاشتغل باللهو فخلعه ، و نصب آخر من نسل ندراس اسمه لهوب فتجبر ، و تذكر القبط أنه فرعون موسى عليه السلام . و أهل الأثر يقولون : إنه الوليد بن مصعب و أنه نجاراً تقلب حاله إلى عرافة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
الحرس ، ثم تطور إلى الوزارة ، ثم إلى الاستبداد . و هذا بعيد لما قدمناه في الكتاب الأول . و قال المسعودي : بل كان فرعون موسى من الأقباط .
ثم هلك فرعون موسى ، و خشي القبط من ملوك الشام ، فملكوا عليهم دلوكة من بيت الملك و هي التي بنت الحائط على أرض مصر ، و يعرف بحائط العجوز لأنها طال عمرها حتى كبرت و اتخذت البرابي و مقاييس النيل . ثم سمي المسعودي من بعد دلوكة ثمانية من ملوكهم على ذلك النحو من عجمة الأسماء ، و قال في الثامن إنه فرعون الأعرج الذي اعتصم به بنو إسرائيل من بختنصر ، فدخل عليه مصر و قتله و هدم هياكل الصائبة و وضع بيوت النيران له و لولده . و ذكر في تواريخهم قال : قال ابن عبد الحكم : و هذه العجوز دلوكة هي التي جددت البرابي بمصر ، أرسلت إلى امرأة ساحرة كانت لعهدها اسمها ترورة ، و كانت السحرة تعظمها ، فعملت بربى من حجارة وسط مدينة منف ، و صورت فيها صور الحيوانات من ناطق و أعجم ، فلا يقع شي بتلك الصورة إلا وقع بمثالها في الخارج . و كان لهم بذلك امتناع ممن يقصدهم من الأمم لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر ، و أقامت عليهم عشرين سنة حتى بلغ صبي من أبنائهم اسمه دركون بطلوس فملكوه ، و أقامت معه على ذلك أربعمائة سنة ، ثم مات فولوا ابنه برديس بن دركون ، و من بعده أخاه نقاس بن نقراس ، و من بعده مرينا بن مرينوس ، ثم ابنه استمارس بن مرينا فطغى عليهم و خلعوه و قتلوه ، و ولوا عليهم من أشرافهم بلوطيس بن مناكيل أربعين سنة ، ثم استخلف مالوس بن بلوطيس و مات ، فاستخلف أخاه مناكيل بن بلوطيس ثم توفي ، فاستخلف ابنه بركة ابن مناكيل فملكهم مائة و عشرين سنة ، و هو فرعون الأعرج الذي سبى أهل بيت المقدس ، و يقال أنه خلع .
و قال ابن عبد الحكم : و ولي من بعده ابنه مرينوس بن بركة ، فاستخلف ابنه فرقون بن مرينوس فملكهم ستين سنة ثم هلك ، و استخلف أخاه نقاس بن مرينوس ، و كاتن البرابي كلها إذا فسد منها شيء لا يصلحه إلا رجل من ذرية تلك العجوز الساحرة التي وضعتها ، ثم انقطعت ذريتها ففسدت البرابي أيام نقاس هذا ، و تجاسر الناس على طلب الملك الذي في أيديهم ، و هلك نقاس ، و استخلف ابنه قومس بن نقاس ، فملكهم دهراً ثم ملك بختنصر بيت المقدس ، و استلحم بني إسرائيل و فرقهم و قتل و خرب و لحقوا بمصر ، فأجارهم قومس ملكها و بعث فيهم بختنصر فمنعهم و زحف إليه و غلب عليه و قتله و خرب مدينة منف . و بقيت مصر أربعين سنة خرابا . و سكنها أرمياء مدة ثم بعث إليه بختنصر فلحق به ثم رد أهل مصر إلى موضعهم ، و أقاموا كذلك ما شاء الله إلى أن غلب الفرس و الروم على سائر الأمم ، و قاتل الروم أهل مصر إلى أن وضعوا عليهم الجزى ، ثم تقاسمها فارس و الروم ، ثم تداولوا ملكها فتوالت عليها نواب الفرس . ثم ملكها الإسكندر اليوناني و جدد الإسكندرية ، و الآثار التي خارجها مثل عمود السواري و رواق الحكمة .
ثم غلب الروم على مصر و الشام و أبقوا القبط في ملكها و صرفوهم في الولاية بمصر إلى أن جاء الله بالإسلام ، و صاحب القبط بمصر و الإسكندرية المقوقس ، و اسمه جريج بن مينا فيما نقله السهيلي ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم حاطب بن أبي بلعتة ، و جبرا مولى أبي رهم الغفاري ، فقارب الإسلام و أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هديته المعروفة ذكرها أهل السير كان فيها البغلة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركبها و تسمى دلدل ، و الحمار الذي يسمى يعفور ، و مارية القبطية أم ولده إبراهيم و أمها و أختها سيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت ، فولدت له عبد الرحمن ، و قدح من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب فيه ، و عسل استظرفه له من بنها إحدى قرى مصر معروفة بالعسل الطيب . و يقال إن هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل إلى الإسلام فعزله عن رياسة القبط .
و خرج مسلم في صحيحه " من رواية أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة و رحماً أو صهراً . " و رواه ابن إسحق عن الزهري و قال : قلت للزهري ما الرحم التي ذكر ؟ قال : كانت هاجر أم إسمعيل منهم . و لبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أن مارية أم إبراهيم منهم ، أهداها له المقوقس ، و كانت من كورة حفن من عمل أنصناء . و قال الطبري إن عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه و سلم بهم ، فقال : هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي لأنه نسب بعيد و ذكروا له أن هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا و وقعت بيننا و بين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها فقتلوا الملك و سبوها ، و من هنالك تسيرت إلى أبيكم إبراهيم .و لما كمل فتح مصر و الإسكندرية و ارتحل الروم إلى القسطنطينية ، أقام المقوقس و القبط على الصلح الذي عقده لهم عمرو بن العاص و على الجزى ، و أبقوه على رياسة قومه ، و كانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك ، و كان ينزل الإسكندرية و في بعض الأوقات ينزل منف من أعمال مصر . و اختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامه التي كان يحاصر مصر منها ، فنزل بها المسلمون و هجروا المدينة التي كان بها المقوقس ، إلى أن خربت . و كان في خرابها و مهلك المقوقس انقراض أمرهم . و بقي أعقابهم إلى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الإسلامية في حسابات الخراج ، و جبايات الأموال لقيامهم عليها ، و غنائهم فيها ، و كفايتهم في ضبطها و تنميتها . و قد يهاجر بعضهم إلى الإسلام فترفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التي أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة ، فيقلدونهم إياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان و حظ عظيم في الدولة و بسطة يد في الجاه ، تعددت منهم في ذلك رجال ، و تعينت لهم بيوت قصر السلطان نظره على الاختيار
ثم هلك فرعون موسى ، و خشي القبط من ملوك الشام ، فملكوا عليهم دلوكة من بيت الملك و هي التي بنت الحائط على أرض مصر ، و يعرف بحائط العجوز لأنها طال عمرها حتى كبرت و اتخذت البرابي و مقاييس النيل . ثم سمي المسعودي من بعد دلوكة ثمانية من ملوكهم على ذلك النحو من عجمة الأسماء ، و قال في الثامن إنه فرعون الأعرج الذي اعتصم به بنو إسرائيل من بختنصر ، فدخل عليه مصر و قتله و هدم هياكل الصائبة و وضع بيوت النيران له و لولده . و ذكر في تواريخهم قال : قال ابن عبد الحكم : و هذه العجوز دلوكة هي التي جددت البرابي بمصر ، أرسلت إلى امرأة ساحرة كانت لعهدها اسمها ترورة ، و كانت السحرة تعظمها ، فعملت بربى من حجارة وسط مدينة منف ، و صورت فيها صور الحيوانات من ناطق و أعجم ، فلا يقع شي بتلك الصورة إلا وقع بمثالها في الخارج . و كان لهم بذلك امتناع ممن يقصدهم من الأمم لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر ، و أقامت عليهم عشرين سنة حتى بلغ صبي من أبنائهم اسمه دركون بطلوس فملكوه ، و أقامت معه على ذلك أربعمائة سنة ، ثم مات فولوا ابنه برديس بن دركون ، و من بعده أخاه نقاس بن نقراس ، و من بعده مرينا بن مرينوس ، ثم ابنه استمارس بن مرينا فطغى عليهم و خلعوه و قتلوه ، و ولوا عليهم من أشرافهم بلوطيس بن مناكيل أربعين سنة ، ثم استخلف مالوس بن بلوطيس و مات ، فاستخلف أخاه مناكيل بن بلوطيس ثم توفي ، فاستخلف ابنه بركة ابن مناكيل فملكهم مائة و عشرين سنة ، و هو فرعون الأعرج الذي سبى أهل بيت المقدس ، و يقال أنه خلع .
و قال ابن عبد الحكم : و ولي من بعده ابنه مرينوس بن بركة ، فاستخلف ابنه فرقون بن مرينوس فملكهم ستين سنة ثم هلك ، و استخلف أخاه نقاس بن مرينوس ، و كاتن البرابي كلها إذا فسد منها شيء لا يصلحه إلا رجل من ذرية تلك العجوز الساحرة التي وضعتها ، ثم انقطعت ذريتها ففسدت البرابي أيام نقاس هذا ، و تجاسر الناس على طلب الملك الذي في أيديهم ، و هلك نقاس ، و استخلف ابنه قومس بن نقاس ، فملكهم دهراً ثم ملك بختنصر بيت المقدس ، و استلحم بني إسرائيل و فرقهم و قتل و خرب و لحقوا بمصر ، فأجارهم قومس ملكها و بعث فيهم بختنصر فمنعهم و زحف إليه و غلب عليه و قتله و خرب مدينة منف . و بقيت مصر أربعين سنة خرابا . و سكنها أرمياء مدة ثم بعث إليه بختنصر فلحق به ثم رد أهل مصر إلى موضعهم ، و أقاموا كذلك ما شاء الله إلى أن غلب الفرس و الروم على سائر الأمم ، و قاتل الروم أهل مصر إلى أن وضعوا عليهم الجزى ، ثم تقاسمها فارس و الروم ، ثم تداولوا ملكها فتوالت عليها نواب الفرس . ثم ملكها الإسكندر اليوناني و جدد الإسكندرية ، و الآثار التي خارجها مثل عمود السواري و رواق الحكمة .
ثم غلب الروم على مصر و الشام و أبقوا القبط في ملكها و صرفوهم في الولاية بمصر إلى أن جاء الله بالإسلام ، و صاحب القبط بمصر و الإسكندرية المقوقس ، و اسمه جريج بن مينا فيما نقله السهيلي ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم حاطب بن أبي بلعتة ، و جبرا مولى أبي رهم الغفاري ، فقارب الإسلام و أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هديته المعروفة ذكرها أهل السير كان فيها البغلة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركبها و تسمى دلدل ، و الحمار الذي يسمى يعفور ، و مارية القبطية أم ولده إبراهيم و أمها و أختها سيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان بن ثابت ، فولدت له عبد الرحمن ، و قدح من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب فيه ، و عسل استظرفه له من بنها إحدى قرى مصر معروفة بالعسل الطيب . و يقال إن هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل إلى الإسلام فعزله عن رياسة القبط .
و خرج مسلم في صحيحه " من رواية أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة و رحماً أو صهراً . " و رواه ابن إسحق عن الزهري و قال : قلت للزهري ما الرحم التي ذكر ؟ قال : كانت هاجر أم إسمعيل منهم . و لبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أن مارية أم إبراهيم منهم ، أهداها له المقوقس ، و كانت من كورة حفن من عمل أنصناء . و قال الطبري إن عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه و سلم بهم ، فقال : هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي لأنه نسب بعيد و ذكروا له أن هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا و وقعت بيننا و بين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها فقتلوا الملك و سبوها ، و من هنالك تسيرت إلى أبيكم إبراهيم .و لما كمل فتح مصر و الإسكندرية و ارتحل الروم إلى القسطنطينية ، أقام المقوقس و القبط على الصلح الذي عقده لهم عمرو بن العاص و على الجزى ، و أبقوه على رياسة قومه ، و كانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك ، و كان ينزل الإسكندرية و في بعض الأوقات ينزل منف من أعمال مصر . و اختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامه التي كان يحاصر مصر منها ، فنزل بها المسلمون و هجروا المدينة التي كان بها المقوقس ، إلى أن خربت . و كان في خرابها و مهلك المقوقس انقراض أمرهم . و بقي أعقابهم إلى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الإسلامية في حسابات الخراج ، و جبايات الأموال لقيامهم عليها ، و غنائهم فيها ، و كفايتهم في ضبطها و تنميتها . و قد يهاجر بعضهم إلى الإسلام فترفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التي أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة ، فيقلدونهم إياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان و حظ عظيم في الدولة و بسطة يد في الجاه ، تعددت منهم في ذلك رجال ، و تعينت لهم بيوت قصر السلطان نظره على الاختيار
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
منها لهذا العهد . و عامتهم يقيم على دين النصرانية الذين كانوا عليها لهذا العهد . و أكثرهم بنواحي الصعيد و سائر الأعمال متحرفون بالفلح و الله غالب على أمره .
و أما إقليم مصر فكان في أيام القبط و الفراعنة جسوراً كله بتقدير و تدبير يحبسونه و يرسلونه كيف شاءوا ، و الجنات حفاف النيل من أعلاه إلى أسفله ما بين أسوان و رشيد ، و كانت مدينة منف و عين شمس ، يجري الماء تحت منازلها و أفنيتها بتقدير معلوم ، ذكر ذلك كله عبد الرحمن بن شماسة ، و هو من خيار التابعين ، يرويه عن أشياخ مصر قالوا : و مدينة عين شمس كانت هيكل الشمس ، و كان فيها من الأبنية و الأعمدة و الملاعب ما ليس في بلد . قلت : و في مكانها لهذا العهد ضيعة متصلة بالقاهرة يسكنها نصارى من القبط و تسمى المطرية . قالوا : و مدينة منف مدينة الملوك قبل الفراعنة و بعدهم إلى أن خربها بختنصر كما تقدم في دولة قومس بن نقاس ، و كان فرعون ينزل مدينة منف ، و كان لها سبعون بابا و بنى حيطانها بالحديد و الصفر ، و كانت أربعة أنهار تجري تحت سريره ذكره أبو القاسم بن خرداذبه في كتاب المسالك و الممالك قال : و كان طولها اثني عشر ميلاً ، و كانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني و هو ثلاثة مثاقيل . و إنما سميت مصر بمصر بن بيصر بن حام ، و يقال إنه كان مع نوح في السفينة فدعا له فأسكنه الله هذه الأرض الطيبة ، و جعل البركة في ولده . و حدها طولاً من برقة إلى أيلة ، و عرضا من أسوان إلى رشيد . و كان أهلها صائبة ، ثم حملهم الروم لما ملكوها بعد قسطنطين على النصرانية ، عندما حملوا على الأمم المجاورة لهم من الجلالقة و الصقالبة و برجان و الروس و القبط و الحبشة و النوبة ، فدانوا كلهم بذلك و رجعوا عن دين الصابئة في تعظيم الهياكل و عبادة الأوثان ، و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين .
الخبر عن بني إسرائيل و ما كان لهم من النبوة و الملك و تغلبهم على الأرض المقدسة بالشام و كيف تجددت دولتهم بعد الانقراض و ما اكتنف ذلك من الأحوال
لقد ذكرنا عند ذكر إبراهيم و بنيه صلوات الله عليه و سلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن إسحق و استقراره بمصر مع بنيه الأسباط ، و في التوراة أن الله سماه إسرائيل . و إيل عندهم كلمة مرادفة لعبد و ما قبلها من أسماء الله عز و جل و صفاته و المضاف أبداً متأخر في لسان المعجم ، فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة و هو المضاف . ثم قبض الله نبيه يعقوب بمصر لمائة و سبع و ثمانين سنة من عمره ، و أوصى أن يدفن عند أبيه ، فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك ، فأذن له . و أمر أهل دولته بالإنطلاق معه ، فانطلقوا و حملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه ، و هي التي اشتراها إبراهيم من الكنعانيين . و رجع يوسف إلى مصر و أقام بها إلى أن توفي لمائة و عشرين سنة من عمره ، و دفن بمصر و أوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد ، و هي الأرض المقدسة .
و أقام الأسباط بمصر و تناسلوا و كثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم و استعبدوهم ، و في التوراة أن ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه و لا مقامه في دولة آبائه ، فاسترق بني إسرائيل و استعبدهم . ثم تحدث الكهان من أهل دولتهم بأن نبوة تظهر في بني إسرائيل ، و أن ملكك كائن لهم مع كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك ، فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم . فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان حتى ولد موسى . و هو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب . و أمه يوحانذ بنت لاوى عمه عمران و كان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام و ولد عمران بمصر و ولد هارون لثلاث و سبعين من عمره ، و موسى ثمانين ، فجعلته أمه في تابوت و ألقته في ضحضاح أليم ، و أرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه . فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته و استخرجته من التابوت فرحمته . و قالت : هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه ، فقالت لها أخته أنا آتيكم بها . و جاءت بأمه فاسترضعها له ابنة فرعون ، إلى أن فصل . فأتت به إلى ابنة فرعون و سمته موسى و أسلمته لها . و نشأ عندها ثم شب ، و خرج يوما يمشي في الناس و له وصولة بما كان له في بيت فرعون من المربى و الرضاع فهم لذلك أخواله ، فرأى عبرانياً يضربه مصري الذي ضربه و دفنه ، و خرج يوما آخر فإذا هو برجلين من بني اسرائيل و قد سطا أحدهما على الأخر فزجره ، فقال له و من جعل لك هذا ؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالأمس . و نمي الخبر إلى فرعون فطلبه ، و هرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة أيلة .و بنو مدين أمة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام ، كانوا ساكنين هناك و كان ذلك لأربعين سنة من عمره ، فلقى عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما ، و جاءتا به إلى أبيهما فزوجه بإحداهما ، كما وقع في القرآن الكريم ، و أكثر المفسرين على أنه شعيب بن نوفل بن عيقا بن مدين و هو النبي صلى الله عليه و سلم . و قال الطبري : الذي استأجر موسى و زوجه بنته رعويل و هو بيتر حبر مدين ، أي عالمهم ، و أن رعويل هو الذي زوجه البنت و أن اسمه يبتر . و عن الحسن البصري أنه شعيب رئيس بني مدين . و قيل إنه ابن أخي شعيب . و قيل ابن عمه . فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه ، إلى أن جاءه الوحي و هو ابن ثمانين سنة ، و أوحى إلى أخيه هارون و هو ابن ثلاث و ثمانين سنة ، فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط ، و جور الفراعنة ، و يخرجون إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم و إسحاق و يعقوب . فخرجا إليه و بلغا بني إسرائيل الرسالة فآمنوا به و اتبعوه ، ثم حضرا إلى
و أما إقليم مصر فكان في أيام القبط و الفراعنة جسوراً كله بتقدير و تدبير يحبسونه و يرسلونه كيف شاءوا ، و الجنات حفاف النيل من أعلاه إلى أسفله ما بين أسوان و رشيد ، و كانت مدينة منف و عين شمس ، يجري الماء تحت منازلها و أفنيتها بتقدير معلوم ، ذكر ذلك كله عبد الرحمن بن شماسة ، و هو من خيار التابعين ، يرويه عن أشياخ مصر قالوا : و مدينة عين شمس كانت هيكل الشمس ، و كان فيها من الأبنية و الأعمدة و الملاعب ما ليس في بلد . قلت : و في مكانها لهذا العهد ضيعة متصلة بالقاهرة يسكنها نصارى من القبط و تسمى المطرية . قالوا : و مدينة منف مدينة الملوك قبل الفراعنة و بعدهم إلى أن خربها بختنصر كما تقدم في دولة قومس بن نقاس ، و كان فرعون ينزل مدينة منف ، و كان لها سبعون بابا و بنى حيطانها بالحديد و الصفر ، و كانت أربعة أنهار تجري تحت سريره ذكره أبو القاسم بن خرداذبه في كتاب المسالك و الممالك قال : و كان طولها اثني عشر ميلاً ، و كانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار مكررة مرتين بالدينار الفرعوني و هو ثلاثة مثاقيل . و إنما سميت مصر بمصر بن بيصر بن حام ، و يقال إنه كان مع نوح في السفينة فدعا له فأسكنه الله هذه الأرض الطيبة ، و جعل البركة في ولده . و حدها طولاً من برقة إلى أيلة ، و عرضا من أسوان إلى رشيد . و كان أهلها صائبة ، ثم حملهم الروم لما ملكوها بعد قسطنطين على النصرانية ، عندما حملوا على الأمم المجاورة لهم من الجلالقة و الصقالبة و برجان و الروس و القبط و الحبشة و النوبة ، فدانوا كلهم بذلك و رجعوا عن دين الصابئة في تعظيم الهياكل و عبادة الأوثان ، و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين .
الخبر عن بني إسرائيل و ما كان لهم من النبوة و الملك و تغلبهم على الأرض المقدسة بالشام و كيف تجددت دولتهم بعد الانقراض و ما اكتنف ذلك من الأحوال
لقد ذكرنا عند ذكر إبراهيم و بنيه صلوات الله عليه و سلامه عليهم ما كان من شأن يعقوب بن إسحق و استقراره بمصر مع بنيه الأسباط ، و في التوراة أن الله سماه إسرائيل . و إيل عندهم كلمة مرادفة لعبد و ما قبلها من أسماء الله عز و جل و صفاته و المضاف أبداً متأخر في لسان المعجم ، فلذلك كان إيل هو آخر الكلمة و هو المضاف . ثم قبض الله نبيه يعقوب بمصر لمائة و سبع و ثمانين سنة من عمره ، و أوصى أن يدفن عند أبيه ، فطلب يوسف من فرعون أن يطلقه لذلك ، فأذن له . و أمر أهل دولته بالإنطلاق معه ، فانطلقوا و حملوه إلى فلسطين فدفنوه بمقبرة آبائه ، و هي التي اشتراها إبراهيم من الكنعانيين . و رجع يوسف إلى مصر و أقام بها إلى أن توفي لمائة و عشرين سنة من عمره ، و دفن بمصر و أوصى أن يحملوا شلوه معهم إذا خرجوا إلى أرض الميعاد ، و هي الأرض المقدسة .
و أقام الأسباط بمصر و تناسلوا و كثروا حتى ارتاب القبط بكثرتهم و استعبدوهم ، و في التوراة أن ملكا من الفراعنة جاء بعد يوسف لم يعرف شأنه و لا مقامه في دولة آبائه ، فاسترق بني إسرائيل و استعبدهم . ثم تحدث الكهان من أهل دولتهم بأن نبوة تظهر في بني إسرائيل ، و أن ملكك كائن لهم مع كان معلوما من بشارة آبائهم لهم بالملك ، فعمد الفراعنة إلى قطع نسلهم بذبح الذكور من ذريتهم . فلم يزالوا على ذلك مدة من الزمان حتى ولد موسى . و هو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب . و أمه يوحانذ بنت لاوى عمه عمران و كان قاهث بن لاوى من القادمين إلى مصر مع يعقوب عليه السلام و ولد عمران بمصر و ولد هارون لثلاث و سبعين من عمره ، و موسى ثمانين ، فجعلته أمه في تابوت و ألقته في ضحضاح أليم ، و أرصدت أخته على بعد لتنظر من يلتقطه فتعرفه . فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته و استخرجته من التابوت فرحمته . و قالت : هذا من العبرانيين فمن لنا بظئر ترضعه ، فقالت لها أخته أنا آتيكم بها . و جاءت بأمه فاسترضعها له ابنة فرعون ، إلى أن فصل . فأتت به إلى ابنة فرعون و سمته موسى و أسلمته لها . و نشأ عندها ثم شب ، و خرج يوما يمشي في الناس و له وصولة بما كان له في بيت فرعون من المربى و الرضاع فهم لذلك أخواله ، فرأى عبرانياً يضربه مصري الذي ضربه و دفنه ، و خرج يوما آخر فإذا هو برجلين من بني اسرائيل و قد سطا أحدهما على الأخر فزجره ، فقال له و من جعل لك هذا ؟ أتريد أن تقتلني كما قتلت الآخر بالأمس . و نمي الخبر إلى فرعون فطلبه ، و هرب موسى إلى أرض مدين عند عقبة أيلة .و بنو مدين أمة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام ، كانوا ساكنين هناك و كان ذلك لأربعين سنة من عمره ، فلقى عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما ، و جاءتا به إلى أبيهما فزوجه بإحداهما ، كما وقع في القرآن الكريم ، و أكثر المفسرين على أنه شعيب بن نوفل بن عيقا بن مدين و هو النبي صلى الله عليه و سلم . و قال الطبري : الذي استأجر موسى و زوجه بنته رعويل و هو بيتر حبر مدين ، أي عالمهم ، و أن رعويل هو الذي زوجه البنت و أن اسمه يبتر . و عن الحسن البصري أنه شعيب رئيس بني مدين . و قيل إنه ابن أخي شعيب . و قيل ابن عمه . فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه ، إلى أن جاءه الوحي و هو ابن ثمانين سنة ، و أوحى إلى أخيه هارون و هو ابن ثلاث و ثمانين سنة ، فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط ، و جور الفراعنة ، و يخرجون إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم و إسحاق و يعقوب . فخرجا إليه و بلغا بني إسرائيل الرسالة فآمنوا به و اتبعوه ، ثم حضرا إلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
فرعون و بلغاه أمره الله له بأن يبعث معهما بني إسرائيل و أراه موسى عليه السلام معجزة العصا ، فكان من تكذيبه و امتناعه و إحضار السحرة لما رآى موسى في معجزته ثم إسلامهم ما نصه القرآن العظيم .
ثم تمادى فرعون في تكذيبه و مناصبته ، و اشتد جوره على بني إسرائيل و استعبادهم و اتخاذهم سخريا في مهنة الأعمال ، فأصابت و قومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم عند وقوعها ، و يتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها ، إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بني إسرائيل من مصر . ففي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم ، أو يشتركون مع جيرانهم إن كان أكثر ، و أن ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة ، و أن يأكلوه سواء برأسه و أطرافه ، و معناه لا يكسرون منه عظما و لا يدعون شيئا خارج البيوت ، و ليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم و سبعة أيام بعده ، و ذلك في اليوم الرابع عشر من فضل الربيع ، و ليأكلوا بسرعة و أوساطهم مشدودة ، و خفافهم في أرجلهم ، و عصيهم في أيدهم ، و يخرجوا ليلا و ما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار ، و شرع هذا عيداً لهم و لا عقابهم و يسمى عيد الفصح .
و في التوراة أيضاً إنه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط و دوابهم و مواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بني إسرائيل . و أنهم أمروا أن يستعيروا منهم حلياً كثيراً يخرجون به ، فاستعاروه و خرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب و الأنعام ، و كانوا ستمائة ألف أو يزيدون . و شغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم ، و أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام ، استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذي كان به إلهام من الله تعالى ، و ساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور . و أدركهم فرعون و جنوده ، و أمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه و يقتحمه ، فضربه فانفلق طرقا . و سار فيها بنو إسرائيل و فرعون و جنوده في اتباعه ، فهلكوا ، و نزل بنو إسرائيل بجانب الطور ، و سبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم و هم : نسبح الرب البهي ، الذي قهر الجنود ، و نبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره . قالوا : و كانت مريم أخت موسى و هارون صلوات الله عليهما تأخذ الدف بيدها ، و نساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف و الطبول ، و هي ترتل لهن التسبيح سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول و ركبانها ألقاها في البحر و هو معنى الأول . ثم كانت المناجاة على جبل الطور و كلام الله لموسى و المعجزات المتتابعة ، و نزول الألواح ، و يزعم بنو إسرائيل أنها كانت لوحين فيها الكلمات العشرة و هي : كلمة التوحيد ، و المحافظة على السبت بترك الأعمال فيه ، و بر الوالدين ليطول العمر ، و النهي عن القتل ، و الزنا ، و السرقة ، و شهادة الزور ، و لا تمتد عين إلى بيت صاحبه ، أو امرأته ، أو لشيء من متاعه . هذه الكلمات العشرة التي تضمنتها الألواح .
و كان سبب نزول الألواح أن بني إسرائيل لما نجوا و نزلوا حول طور سينا صعد موسى إلى الجبل ، فكلمه ربه و أمره أن يذكر بني إسرائيل بالنعمة عليهم في نجاتهم من فرعون و أن يتطهروا و يغسلوا ثيابهم ثلاثة أيام ، و يجتمعوا في اليوم الثالث حول الجبل من بعد ، ففعلوا و ظلت الجبل غمامة عظيمة ذات بروق و رعود ففزعوا ، و قاموا في سفح الجبل دهشين ، ثم غشى الجبل دخان في وسطه عمود نور و تزلزل له الجبل زلزلة عظيمة شديدة ، و اشتد صوت الرعد الذي كانوا يسمعونه ، و أمر موسى صلوات الله عليه بأن يقرب بني إسرائيل لسماع الوصايا و التكاليف ، قال فلم يطيقوا فأمر بحضور هارون و تكون العلماء غير بعيد ففعل ، و جاءهم بالألواح .
ثم سار بعد ذلك إلى ميعاد الله بعد أربعين ليلة ، فكلمه ربه و سأله الرؤية ، فمنعها فكان الصعق و ساخ الجبل ، و تلقى كثيرا من أحكام التوراة في المواعظ و التحليل و التحريم . و كان حين سار إلى الميعاد استخلف أخاه هارون على بني اسرائيل ، و استبطؤا موسى ، و كان هارون قد أخبرهم بأن الحلى الذي أخذوه للقبط محرم عليهم ، فأرادوا حرقه و أوقدوا عليه النار . و جاء السامري في شيعة له من بني إسرائيل ، و ألقى عليه شيئا كان عنده من أثر الرسول ، فصار عجلا و قيل عجلا حيوانا ، و عبده بنو إسرائيل ، و سكت عنهم هارون خوفا من افتراقهم . و جاء موسى صلوات الله عليه من المناجاة و قد أخبر بذلك في مناجاته ، فلما رآهم على ذلك ألقى الألواح ، و يقال كسرها ، و أبدل غيرها من الحجارة ، و عند بني إسرائيل أنهما اثنان ، و ظاهر القرآن أنها أكثر مع أنه لا يبعد استعمال الجمع في الاثنين ، ثم أخذ برأس أخيه و وبخه و اعتذر له بما اعتذر ثم حرق العجل ، و قيل برده بالمبرد و ألقاه في البحر .
و كان موسى صلوات الله عليه لما نجا ببني إسرائيل إلى الطور بلغ خبره إلى بيثر صهره من بني مدين ، فجاء و معه بنته صفورا زوجة موسى عليه السلام التي زوجها به أبوها رعويل كما تقدم ، و معها ابناها من موسى و هما جرشون و عازر ، فتلقاها موسى صلوات الله عليه بالبر و الكرامة و عظمه بنو إسرائيل ، و رأى كثرة الخصومات على موسى ، فأشار عليه بأن يتخذ النقباء على كل مائة أو خمسين أو عشرة فيفصلوا بين الناس ، و تفصل أنت فيما أهم و أشكل ، ففعل ذلك .ثم أمر الله موسى ببناء قبة للعبادة و الوحي من خشب الشمشاد ، و يقال هو السنط و جلود الأنعام و شعر الأغنام ، و أمر بتزيينها بالحرير و المصبغ و الذهب و الفضة على أركانها صور منها صور الملائكة الكروبيين على كيفيات مفصلة في التوراة في ذلك كله ، و لها عشر سرادقات مقدرة الطول و العرض ، و أربعة أبواب و أطناب من حرير منقوش مصبغ ، و فيها دفوف و صفائح من ذهب و فضة ، و في كل زاوية بابان و أبواب و ستور من
ثم تمادى فرعون في تكذيبه و مناصبته ، و اشتد جوره على بني إسرائيل و استعبادهم و اتخاذهم سخريا في مهنة الأعمال ، فأصابت و قومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم عند وقوعها ، و يتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها ، إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بني إسرائيل من مصر . ففي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم ، أو يشتركون مع جيرانهم إن كان أكثر ، و أن ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة ، و أن يأكلوه سواء برأسه و أطرافه ، و معناه لا يكسرون منه عظما و لا يدعون شيئا خارج البيوت ، و ليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم و سبعة أيام بعده ، و ذلك في اليوم الرابع عشر من فضل الربيع ، و ليأكلوا بسرعة و أوساطهم مشدودة ، و خفافهم في أرجلهم ، و عصيهم في أيدهم ، و يخرجوا ليلا و ما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار ، و شرع هذا عيداً لهم و لا عقابهم و يسمى عيد الفصح .
و في التوراة أيضاً إنه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط و دوابهم و مواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بني إسرائيل . و أنهم أمروا أن يستعيروا منهم حلياً كثيراً يخرجون به ، فاستعاروه و خرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب و الأنعام ، و كانوا ستمائة ألف أو يزيدون . و شغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم ، و أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام ، استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذي كان به إلهام من الله تعالى ، و ساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور . و أدركهم فرعون و جنوده ، و أمر موسى بأن يضرب البحر بعصاه و يقتحمه ، فضربه فانفلق طرقا . و سار فيها بنو إسرائيل و فرعون و جنوده في اتباعه ، فهلكوا ، و نزل بنو إسرائيل بجانب الطور ، و سبحوا مع موسى بالتسبيح المنقول عندهم و هم : نسبح الرب البهي ، الذي قهر الجنود ، و نبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود إلى آخره . قالوا : و كانت مريم أخت موسى و هارون صلوات الله عليهما تأخذ الدف بيدها ، و نساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف و الطبول ، و هي ترتل لهن التسبيح سبحان الرب القهار الذي قهر الخيول و ركبانها ألقاها في البحر و هو معنى الأول . ثم كانت المناجاة على جبل الطور و كلام الله لموسى و المعجزات المتتابعة ، و نزول الألواح ، و يزعم بنو إسرائيل أنها كانت لوحين فيها الكلمات العشرة و هي : كلمة التوحيد ، و المحافظة على السبت بترك الأعمال فيه ، و بر الوالدين ليطول العمر ، و النهي عن القتل ، و الزنا ، و السرقة ، و شهادة الزور ، و لا تمتد عين إلى بيت صاحبه ، أو امرأته ، أو لشيء من متاعه . هذه الكلمات العشرة التي تضمنتها الألواح .
و كان سبب نزول الألواح أن بني إسرائيل لما نجوا و نزلوا حول طور سينا صعد موسى إلى الجبل ، فكلمه ربه و أمره أن يذكر بني إسرائيل بالنعمة عليهم في نجاتهم من فرعون و أن يتطهروا و يغسلوا ثيابهم ثلاثة أيام ، و يجتمعوا في اليوم الثالث حول الجبل من بعد ، ففعلوا و ظلت الجبل غمامة عظيمة ذات بروق و رعود ففزعوا ، و قاموا في سفح الجبل دهشين ، ثم غشى الجبل دخان في وسطه عمود نور و تزلزل له الجبل زلزلة عظيمة شديدة ، و اشتد صوت الرعد الذي كانوا يسمعونه ، و أمر موسى صلوات الله عليه بأن يقرب بني إسرائيل لسماع الوصايا و التكاليف ، قال فلم يطيقوا فأمر بحضور هارون و تكون العلماء غير بعيد ففعل ، و جاءهم بالألواح .
ثم سار بعد ذلك إلى ميعاد الله بعد أربعين ليلة ، فكلمه ربه و سأله الرؤية ، فمنعها فكان الصعق و ساخ الجبل ، و تلقى كثيرا من أحكام التوراة في المواعظ و التحليل و التحريم . و كان حين سار إلى الميعاد استخلف أخاه هارون على بني اسرائيل ، و استبطؤا موسى ، و كان هارون قد أخبرهم بأن الحلى الذي أخذوه للقبط محرم عليهم ، فأرادوا حرقه و أوقدوا عليه النار . و جاء السامري في شيعة له من بني إسرائيل ، و ألقى عليه شيئا كان عنده من أثر الرسول ، فصار عجلا و قيل عجلا حيوانا ، و عبده بنو إسرائيل ، و سكت عنهم هارون خوفا من افتراقهم . و جاء موسى صلوات الله عليه من المناجاة و قد أخبر بذلك في مناجاته ، فلما رآهم على ذلك ألقى الألواح ، و يقال كسرها ، و أبدل غيرها من الحجارة ، و عند بني إسرائيل أنهما اثنان ، و ظاهر القرآن أنها أكثر مع أنه لا يبعد استعمال الجمع في الاثنين ، ثم أخذ برأس أخيه و وبخه و اعتذر له بما اعتذر ثم حرق العجل ، و قيل برده بالمبرد و ألقاه في البحر .
و كان موسى صلوات الله عليه لما نجا ببني إسرائيل إلى الطور بلغ خبره إلى بيثر صهره من بني مدين ، فجاء و معه بنته صفورا زوجة موسى عليه السلام التي زوجها به أبوها رعويل كما تقدم ، و معها ابناها من موسى و هما جرشون و عازر ، فتلقاها موسى صلوات الله عليه بالبر و الكرامة و عظمه بنو إسرائيل ، و رأى كثرة الخصومات على موسى ، فأشار عليه بأن يتخذ النقباء على كل مائة أو خمسين أو عشرة فيفصلوا بين الناس ، و تفصل أنت فيما أهم و أشكل ، ففعل ذلك .ثم أمر الله موسى ببناء قبة للعبادة و الوحي من خشب الشمشاد ، و يقال هو السنط و جلود الأنعام و شعر الأغنام ، و أمر بتزيينها بالحرير و المصبغ و الذهب و الفضة على أركانها صور منها صور الملائكة الكروبيين على كيفيات مفصلة في التوراة في ذلك كله ، و لها عشر سرادقات مقدرة الطول و العرض ، و أربعة أبواب و أطناب من حرير منقوش مصبغ ، و فيها دفوف و صفائح من ذهب و فضة ، و في كل زاوية بابان و أبواب و ستور من
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45401
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى