تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
الحسنة و ناشده الله أن لا يفرق الجماعة و لا يسفك الدماء ، فقال : هلا أوصيت بذلك صاحبك . فقال بشير : ليس مثلك أحق بالأمر بالسابقة و القرابة . قال : فما رأيك ؟ قال : تجيبه إلى ما دعا إليه من الحق ، قال لمعاوية : و نترك دم عثمان لا و الله لا أفعله أبداً ! ثم قال شبث بن ربعي : يا معاوية إنما طلبت دم عثمان تستميل به هؤلاء السفهاء الطغام إلى طاعتك ، و لقد علمنا أنك أبطأت على عثمان بالنصر لطلب هذه المنزلة فاتق الله و دع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله . فأجابه معاوية و أبدع في سبه و قال : انصرفوا فليس بيني و بينكم إلا السيف . فقال له شبث : أقسم بالله لنجعلنها لك . و رجعوا إلى علي بالخبر .
و أقاموا يقتتلون أيام ذي الحجة كلها عسكر من هؤلاء و عسكر من هؤلاء ، و كرهوا أن يلقوا جمع أهل العراق بجمع أهل الشام حذار من الاستئصال و الهلاك . ثم جاء المحرم فذهبوا إلى الموادعة حتى ينقضي طمعاً في الصلح ، و بعث إلى معاوية عدي بن حاتم و يزيد بن قيس الأرحبي و شبث بن ربعي و زياد بن خصفة ، فتكلم عدي بعد الحمد و الثناء و دعا إلى الدخول في طاعة علي ليجمع الله به الكلمة فلم يبق غيرك و من معك و احذر يا معاوية أن يصيبك و أصحابك مثل يوم الجمل . فقال معاوية : كأنك جئت مهدداً لا مصلحاً هيهات يا عدي أنا ابن حرب و الله ما يقعقع لي بالشنان و أنك من قتله عثمان و أرجوا أن يقتلك الله به . فقال له يزيد بن قيس : إنما أتيناك رسلاً و لا ندع مع ذلك النصح و السعي في الإلفة و الجماعة و ذكر من فضل علي و استحقاقه للأمر بتقواه و زهده . فقال معاوية بعد الحمد و الثناء : أما الجماعة التي تدعون إليها فهي معنا و أما طاعة صاحبكم فلا نراها لأنه قتل خليفتنا و آوى أهل ثأرنا و نحن مع ذلك نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة إذا دفع إلينا قتلة عثمان . فقال شبث بن ربعي : أيسرك يا معاوية أن تقتل عمارا ؟ قال : نعم بمولاه . قال شبث : حتى تضيق الأرض و الفضاء عليك . فقال معاوية : لو كان ذلك لكانت عليك أضيق . و افترقوا عن معاوية ثم خلا بزياد بن خصفة و شكى إليه من علي و سأله النصر منه بعشيرته و أن يوليه أحد المصرين . فأبى و قال : إني على بينة من ربي فلن أكون ظهيرا للمجرمين . و قام عنه فقال معاوية لعمرو : كأن قلوبهم قلب رجل واحد .
ثم بعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة و شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه ، فتكلم حبيب بعد الحمد لله و الثناء فقال : إن عثمان كان خليفة مهدياً يعمل بكتاب الله و ينيب إلى أمره فاستثقلتم حياته و استبطأتم موته فقتلتموه فادفع إلينا قتلته إن كنت لم تقتله ثم اعتزل أمر الناس فيولوا من أجمعوا عليه . فقال علي : ما أنت و هذا الأمر ؟ فاسكت فلست بأهل له ، فقال و الله لتراني بحيث تكره ، فقال : و ما أنت لا أبقى الله عليك إن أبقيت اذهب فصوب و صعد ، ثم تكلم بعد الحمد لله و الثناء و هداية الناس بمحمد صلى الله عليه و سلم و خلافة الشيخين و حسن سيرتهما ، وقد وجدنا عليهما أن توليا و نحن أقرب منهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن سمحنا لهما بذلك ، و ولي عثمان فعاب الناس عليه و قتلوه ، ثم بايعوني مخافة الفرقة فأجبتهم ، و نكث علي رجلان و خالف صاحبكم الذي ليس له مثل سابقتي ، و العجب من انقيادكم له دون بيت نبيكم و لا ينبغي لكم ذلك ، و أنا أدعوكم إلى الكتاب و السنة و معالم الدين و إماتة الباطل و إحياء الحق فقالوا : نشهد أن عثمان قتل مظلوماً ، فقال : لا أقول مظلوماً و لا ظالماً . قالوا : فمن لم يقل ذلك فنحن منه برآء و انصرفوا . فقرأ علي " إنك لا تسمع الموتى " الآية ، ثم قال لأصحابه : لا يكن هؤلاء في ضلالهم أجد منكم في حقكم .
ثم تنازع عدي بن حاتم في راية طيء و عامر بن قيس الحزمري و كان رهطه أكثر من رهط عدي ، فقال عبد الله بن خليفة البولاني : ما فينا أفضل من عدي و لا من أبيه حاتم و لم يكن في الإسلام أفضل من عدي و هو الوافد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و رأس طيء في النخلة و القادسية و المدائن و جلولاء و نهاوند و تستر ، و سأل علي قومهم فوافقوه على ذلك فقضى بها لعدي . و لما انسلخ المحرم نادى علي في الناس بالقتال و عبى الكتائب و قال : لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا و لا تأخذوا مالاً و لا تهيجوا امرأة و إن شتمتكم فإنهن ضعاف الأنفس و القوى ، ثم حرضهم و دعا لهم و جعل الأشتر على خيل الكوفة و سهل بن حنيف على خيل البصرة و قيس بن سعد على رجالة البصرة و عمار بن ياسر على رجالة الكوفة و هاشم بن عتبة معه الراية و مسعر بن فدكي على القراء ، و عبى معاوية فجعل على الميمنة ذا الكلاع الحميري و على الميسرة حبيب بن مسلمة ، و على المقدمة أبا الأعور و على خيل دمشق عمرو بن العاص و على رجالتها مسلم بن عقبة المري . و على الناس كلهم الضحاك بن قيس . و تبايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم في خمسة صفوف فاقتتلوا عامة يومهم ، و في اليوم الثاني هاشم بن عتبة و أبو الأعور السلمي ، و في اليوم الثالث عمار بن ياسر و عمرو بن العاص فاقتتلوا أشد قتال و حمل عمار فأزال عمرا عن موضعه ، و في اليوم الرابع محمد بن الحنفية و عبيد الله بن عمر بن الخطاب و تداعيا إلى البراز فرد علي ابنه و ترجعوا ، و في اليوم الخامس عبد الله بن عباس و الوليد بن عقبة فاقتتلا كذلك ، ثم عاد في اليوم السادس الأشتر و حبيب فاقتتلا قتالاً شديداً و انصرفا .
و خطب علي الناس عشية يومه و أمرهم بمناهضة القوم بأجمعهم و أن يطيلوا ليلتهم القيام ، و يكثروا التلاوة و يدعو الله بالنصر و الصبر ، و يرموا غدا في لقائهم بالجد و الحزم . فبات الناس يصلحون ليلتهم سلاحهم ، و عبى علي الناس ليلته إلى الصباح ، و زحف و سأل عن القبائل من أهل الشام و عرف مواقفهم و أمر كل قبيلة أن تكفيه أختها من الشام ، و من ليس منهم أحد بالشام يصرفهم إلى من ليس منهم أحد بالعراق مثل بجيلة صرفهم إلى لخم . و خرج معاوية في أهل الشام فاقتتلوا يوم الأربعاء قتالاً شديداً عامة يومهم ثم انصرفوا ، و غلس علي يوم الخميس بالزحف و على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء و على ميسرته عبد الله بن عباس و القراء مع عمار و قيس بن سعد و عبد الله بن يزيد و الناس على راياتهم و مراكزهم ، و علي في القلب بين أهل الكوفة و البصرة و معه أهل البصرة و الكوفة و معه أهل المدينة من الأنصار و خزاعة و كنانة .
و رفع معاوية قبة عظيمة و ألقى عليها الثياب و بايعه أكثر أهل الشام على الموت ، و أحاط بقبته خيل دمشق و زحف ابن بديل في الميمنة فقاتلهم إلى الظهر و هو يحرض أصحابه . ثم كشف خيلهم و اضطرهم إلى قبة معاوية ، و جاء الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية فبعثهم إلى حبيب فحمل بهم على ميمنة أهل العراق فانجفل الناس عن ابن بديل إلا ثلثمائة أو مائتين من القراء و انتهت الهزيمة إلى علي ، و أمده علي بسهل بن حنيف في أهل المدينة فاستقبلهم جموع عظيمة لأهل الشام فمنعتهم ، ثم انكشفت مضر من الميسرة و ثبتت ربيعة و جاء علي يمشي نحوهم فاعترضه أحمر مولى أبي سفيان فحال دونه كيسان مولاه فقتله أحمر ، فتناول علي أحمر من درعه فجذبه و ضرب به الأرض و كسر منكبيه و عضديه ، ثم دنا من ربيعة فصبرهم و ثبت أقدامهم و تنادوا بينهم إن أصيب بينكم أمير المؤمنين افتضحتم في العرب ، و كان الأشتر مر به راكضا نحو الميمنة و استقبل الناس منهزمين فأبلغهم مقالة علي : أين فراركم من الموت الذي لا تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم ، ثم نادى أنا الأشتر فرجع إليه بعضهم فنادى مذحجا و حرضهم فأجابوه ، و قصد القوم و استقبله شباب من همذان ثمانمائة أو نحوها و كان قد هلك منهم في ذلك اليوم أحد عشر رئيساً و أصيب منهم ثمانون و مائة و زحف الأشتر نحو الميمنة ، و تراجع الناس و اشتد القتال حتى كشف أهل الشام و ألحقهم بمعاوية عند الاصفرار و انتهى إلى ابن بديل في مائتين أو ثلثمائة من القراء قد لصقوا بالأرض ، فانكشفوا عنهم أهل الشام و أبصروا إخوانهم و سألوا عن علي فقيل لهم هو في الميسرة يقاتل ، فقال ابن بديل استقدموا بنا و نهاه الأشتر فأبى و مضى نحو معاوية و حوله أمثال الجبال تقتل كل من دنا منه حتى وصل إلى معاوية ، فنهض إليه الناس من كل جانب و أحيط به فقتل و قتل من أصحابه ناس و رجع آخرون مجرحين و أهل الشام في اتباعهم ، فبعث الأشتر من نفس عنهم حتى وصلوا إليه و زحف الأشتر في همذان و طوائف من الناس فأزال أهل الشام عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف المعقلة بالعمائم حول معاوية ، ثم حمل أخرى فصرع منهم أربعة صفوف حتى دعا معاوية بفرسه فركبه ، و خرج عبد الله بن أبي الحصين الأزدي في القراء الذين مع عمار فقاتلوا ، و تقدم عقبة بن حديد النميري مستميتا و معه إخوته و قاتلوا حتى قتلوا ، و تقدم شمر بن ذي الجوشن مبارزا فضرب أدهم بن محرز الباهلي وجهه بالسيف و حمل هو على أدهم فقتله ، و حمل قيس بن المكشوح و معه راية بجيلة فقاتل حتى أخذها آخر كذلك .
و لما رأى علي أهل ميمنة أصحابه قد عادوا إلى مواقفهم و كشفوا العدو قبالتهم أقبل إليهم و عذلهم بعض الشيء عن مفرهم و أثنى على وجوههم ، و قاتل الناس قتالاً شديدا و تبارز الشجعان من كل جانب و أقبلت قبائل طيء و النخع و خرجت حمير من ميمنة أهل الشام ، و تقدم ذو الكلاع و معهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب فقصد ربيعة في ميسرة أهل العراق و عليهم ابن عباس و حملوا عليهم حملة شديدة فثبتت ربيعة و أهل الحفاظ منهم و انهزم الضعفاء و الفشلة ، ثم رجعوا و لحقت بهم عبد القيس و حملوا على حمير فقتل ذو الكلاع و عبيد الله و عمر و أخذ سيف ذي الكلاع و كان لعمر ، فلما ملك معاوية العراق أخذه من قاتلة . ثم خرج عمار بن ياسر و قال اللهم إني لا أعمل اليوم عملا أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين ثم نادى من سعى في رضوان ربه فلا يرجع إلى مال و لا ولد فأتاه عصابة فقال : اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطلبون بدم عثمان يخادعون بذلك عما في نفوسهم من الباطل ، ثم مضى فلا يمر بواد من صفين إلا اتبعه من هناك من الصحابة . ثم جاء هاشم بن عتبة و كان صاحب الراية فأنهضه حتى دنا من عمرو بن العاص و قال : يا عمرو بعت دينك بمصر ؟ تبا لك فقال : إنما أطلب دم عثمان ، فقال : أشهد أنك لا تطلب وجه الله في كلام كثير من أمثال ذلك و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في عمار تقتله الفئة الباغية .
و لما قتل عمار حمل علي و حمل معه ربيعة و مضر و همذان حملة منكرة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض حتى بلغوا معاوية فناداه علي : علام يقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الأمر ، فقال له عمرو : أنصفك . فقال له معاوية : لكنك ما أنصفت . و أسر يومئذ جماعة من أصحاب علي فترك سبيلهم ، و كذلك فعل علي . و مر علي بكتيبة من الشام قد ثبتوا فبعث إليهم محمد ابن الحنفية فأزالهم عن موقفهم ، و صرع عبد الله بن كعب المرادي فمر به الأسود بن قيس فأوصاه بتقوى الله و القتال مع علي ، و قال أبلغه عني السلام ، و قال له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح غدا و المعركة خلف ظهره فإنه العالي .ثم اقتتل الناس إلى الصباح و هي ليلة الجمعة و تسمى ليلة الهرير ، و علي يسير بين الصفوف و يحرض كل كتيبة على التقدم حتى أصبح و المعركة كلها خلف ظهره ، و الأشتر في الميمنة و ابن عباس في الميسرة و الناس يقتتلون من كل جانب و ذلك يوم الجمعة . ثم ركب الأشتر و دعا الناس إلى الحملة على أهل الشام فحمل حتى انتهى إلى عسكرهم و قتل صاحب رايتهم ، و أمده علي بالرجال ، فلما رآى عمرو شدة أهل العراق و خاف على أصحابه الهلاك ، قال لمعاوية : مر الناس يرفعون المصاحف على الرماح و يقولون كتاب الله بيننا و بينكم فإن قبلوا ذلك ارتفع عنا القتال و إن أبى بعضهم وجدنا في افتراقهم راحة . ففعلوا ذلك ، فقال الناس : نجيب إلى كتاب الله فقال لهم علي : ياعباد الله امضوا على حقكم و قتال عدوكم فإن معاوية و ابن أبي معيط و حبيبا و ابن أبي سرح و الضحاك ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن أن أعرف بهم صحبتهم أطفالاً و رجالاً فكانوا شر أطفال و شر رجال ، و يحكم الله ما رفعوها إلا مكيدة و خديعة . فقالوا : لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فلا نقبل ، فقال : إنما قتلناهم ليدنوا بكتاب الله فإنهم نبذوه . فقال له مسعر بن فدك التميمي و زيد بن حصين الطائي في عصابة من القراء الذين صاروا خوراج بعد ذلك : يا علي أجب إلى كتاب الله و إلا دفعنا برمتك إلى القوم . أو فعلنا بك ما فعلنا بابن عفان . فقال : إن تطيعوني فقاتلوا و إن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم ، قالوا : فابعث إلى الأشتر و كفه عن القتال ، و فبعث إليه يزيد هانئ بذلك فأبى ، و قال : قد رجوت أن يفتح الله لي فلما جاء يزيد ارتج الموقف باللغط ، و قالوا لعلي : ما نراك إلا أمرته بقتال فابعث إليه فليأتك و إلا اعتزلناك ، فقال علي : ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد رفعت ، فقال : ألرفع المصاحف ؟ فقال : نعم قال : لقد ظننت أن ذلك يوقع فرقة كيف ندع هؤلاء و ننصرف و الفتح قد رفع ، فقال يزيد : تحب أن تظفر و أمير المؤمنين يسلم إلى عدوه أو يقتل ، ثم أقبل إليهم الأشتر و أطال عتبهم ، و قال أمهلوني فواقا فقد أحسست بالفتح ، فأبوا فعذلهم و أطال في عذلهم ، فقالوا دعنا يا أشتر قاتلناهم لله ، فقال : بل خدعتم فانخدعتم . ثم كثرت الملاحاة بينهم و تشاتموا فصاح بهم علي فكفوا ، فقال له الأشعث بن قيس : إن الناس قد رضوا بما دعوا إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية و سألته ما يريد . قال : افعل . فأتاه و سأله : لأي شيء رفعتم المصاحف ؟ قال : لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به من كتابه تبعثون رجلاً ترضون ، و نحن آخر و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه . ثم نتبع ما اتفقنا عليه ، فقال الأشعث هذا الحق و رجع إلى علي و الناس و أخبرهم ، فقال الناس رضينا و قبلنا ، و رضي أهل الشام عمرا ، و قال الأشعث و أولئك القراء الذين صاروا خوارج : رضينا بأبي موسى ، فقال علي لا أرضاه فقال الأشعث و يزيد بن الحصين و مسعر بن فدك : لا نرضى إلا به . قال فإنه ليس ثقة قد فارقني و خذل الناس عني و هرب مني حتى أمنته بعد شهر ، قالوا لا نريد إلا رجلاً هو منك و من معاوية سواء ، قال فالأشتر ، قالوا : و هل سعر الأرض غير الأشتر ؟ قال : فاصنعوا ما بدا لكم . فبعثوا إلى أبي موسى وقد اعتزل القتال ، فقيل إن الناس قد اصطلحوا ، فحمد الله ، قيل وقد جعلوك حكما فاسترجع ، و جاء أبو موسى إلى العسكر و طلب الأحنف بن قيس من علي أن يجعله مع أبي موسى ، فأبى الناس من ذلك و حضر عمرو بن العاص عند علي لتكتب القضية بحضوره ، فكتبوا بعد البسملة هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين ، فقال : عمرو ليس هو بأميرنا ، فقال له الأحنف . لا تمحها فإني أتطير بمحوها فمكث ملياً ،
و أقاموا يقتتلون أيام ذي الحجة كلها عسكر من هؤلاء و عسكر من هؤلاء ، و كرهوا أن يلقوا جمع أهل العراق بجمع أهل الشام حذار من الاستئصال و الهلاك . ثم جاء المحرم فذهبوا إلى الموادعة حتى ينقضي طمعاً في الصلح ، و بعث إلى معاوية عدي بن حاتم و يزيد بن قيس الأرحبي و شبث بن ربعي و زياد بن خصفة ، فتكلم عدي بعد الحمد و الثناء و دعا إلى الدخول في طاعة علي ليجمع الله به الكلمة فلم يبق غيرك و من معك و احذر يا معاوية أن يصيبك و أصحابك مثل يوم الجمل . فقال معاوية : كأنك جئت مهدداً لا مصلحاً هيهات يا عدي أنا ابن حرب و الله ما يقعقع لي بالشنان و أنك من قتله عثمان و أرجوا أن يقتلك الله به . فقال له يزيد بن قيس : إنما أتيناك رسلاً و لا ندع مع ذلك النصح و السعي في الإلفة و الجماعة و ذكر من فضل علي و استحقاقه للأمر بتقواه و زهده . فقال معاوية بعد الحمد و الثناء : أما الجماعة التي تدعون إليها فهي معنا و أما طاعة صاحبكم فلا نراها لأنه قتل خليفتنا و آوى أهل ثأرنا و نحن مع ذلك نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة إذا دفع إلينا قتلة عثمان . فقال شبث بن ربعي : أيسرك يا معاوية أن تقتل عمارا ؟ قال : نعم بمولاه . قال شبث : حتى تضيق الأرض و الفضاء عليك . فقال معاوية : لو كان ذلك لكانت عليك أضيق . و افترقوا عن معاوية ثم خلا بزياد بن خصفة و شكى إليه من علي و سأله النصر منه بعشيرته و أن يوليه أحد المصرين . فأبى و قال : إني على بينة من ربي فلن أكون ظهيرا للمجرمين . و قام عنه فقال معاوية لعمرو : كأن قلوبهم قلب رجل واحد .
ثم بعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة و شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه ، فتكلم حبيب بعد الحمد لله و الثناء فقال : إن عثمان كان خليفة مهدياً يعمل بكتاب الله و ينيب إلى أمره فاستثقلتم حياته و استبطأتم موته فقتلتموه فادفع إلينا قتلته إن كنت لم تقتله ثم اعتزل أمر الناس فيولوا من أجمعوا عليه . فقال علي : ما أنت و هذا الأمر ؟ فاسكت فلست بأهل له ، فقال و الله لتراني بحيث تكره ، فقال : و ما أنت لا أبقى الله عليك إن أبقيت اذهب فصوب و صعد ، ثم تكلم بعد الحمد لله و الثناء و هداية الناس بمحمد صلى الله عليه و سلم و خلافة الشيخين و حسن سيرتهما ، وقد وجدنا عليهما أن توليا و نحن أقرب منهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن سمحنا لهما بذلك ، و ولي عثمان فعاب الناس عليه و قتلوه ، ثم بايعوني مخافة الفرقة فأجبتهم ، و نكث علي رجلان و خالف صاحبكم الذي ليس له مثل سابقتي ، و العجب من انقيادكم له دون بيت نبيكم و لا ينبغي لكم ذلك ، و أنا أدعوكم إلى الكتاب و السنة و معالم الدين و إماتة الباطل و إحياء الحق فقالوا : نشهد أن عثمان قتل مظلوماً ، فقال : لا أقول مظلوماً و لا ظالماً . قالوا : فمن لم يقل ذلك فنحن منه برآء و انصرفوا . فقرأ علي " إنك لا تسمع الموتى " الآية ، ثم قال لأصحابه : لا يكن هؤلاء في ضلالهم أجد منكم في حقكم .
ثم تنازع عدي بن حاتم في راية طيء و عامر بن قيس الحزمري و كان رهطه أكثر من رهط عدي ، فقال عبد الله بن خليفة البولاني : ما فينا أفضل من عدي و لا من أبيه حاتم و لم يكن في الإسلام أفضل من عدي و هو الوافد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و رأس طيء في النخلة و القادسية و المدائن و جلولاء و نهاوند و تستر ، و سأل علي قومهم فوافقوه على ذلك فقضى بها لعدي . و لما انسلخ المحرم نادى علي في الناس بالقتال و عبى الكتائب و قال : لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا و لا تأخذوا مالاً و لا تهيجوا امرأة و إن شتمتكم فإنهن ضعاف الأنفس و القوى ، ثم حرضهم و دعا لهم و جعل الأشتر على خيل الكوفة و سهل بن حنيف على خيل البصرة و قيس بن سعد على رجالة البصرة و عمار بن ياسر على رجالة الكوفة و هاشم بن عتبة معه الراية و مسعر بن فدكي على القراء ، و عبى معاوية فجعل على الميمنة ذا الكلاع الحميري و على الميسرة حبيب بن مسلمة ، و على المقدمة أبا الأعور و على خيل دمشق عمرو بن العاص و على رجالتها مسلم بن عقبة المري . و على الناس كلهم الضحاك بن قيس . و تبايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم في خمسة صفوف فاقتتلوا عامة يومهم ، و في اليوم الثاني هاشم بن عتبة و أبو الأعور السلمي ، و في اليوم الثالث عمار بن ياسر و عمرو بن العاص فاقتتلوا أشد قتال و حمل عمار فأزال عمرا عن موضعه ، و في اليوم الرابع محمد بن الحنفية و عبيد الله بن عمر بن الخطاب و تداعيا إلى البراز فرد علي ابنه و ترجعوا ، و في اليوم الخامس عبد الله بن عباس و الوليد بن عقبة فاقتتلا كذلك ، ثم عاد في اليوم السادس الأشتر و حبيب فاقتتلا قتالاً شديداً و انصرفا .
و خطب علي الناس عشية يومه و أمرهم بمناهضة القوم بأجمعهم و أن يطيلوا ليلتهم القيام ، و يكثروا التلاوة و يدعو الله بالنصر و الصبر ، و يرموا غدا في لقائهم بالجد و الحزم . فبات الناس يصلحون ليلتهم سلاحهم ، و عبى علي الناس ليلته إلى الصباح ، و زحف و سأل عن القبائل من أهل الشام و عرف مواقفهم و أمر كل قبيلة أن تكفيه أختها من الشام ، و من ليس منهم أحد بالشام يصرفهم إلى من ليس منهم أحد بالعراق مثل بجيلة صرفهم إلى لخم . و خرج معاوية في أهل الشام فاقتتلوا يوم الأربعاء قتالاً شديداً عامة يومهم ثم انصرفوا ، و غلس علي يوم الخميس بالزحف و على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء و على ميسرته عبد الله بن عباس و القراء مع عمار و قيس بن سعد و عبد الله بن يزيد و الناس على راياتهم و مراكزهم ، و علي في القلب بين أهل الكوفة و البصرة و معه أهل البصرة و الكوفة و معه أهل المدينة من الأنصار و خزاعة و كنانة .
و رفع معاوية قبة عظيمة و ألقى عليها الثياب و بايعه أكثر أهل الشام على الموت ، و أحاط بقبته خيل دمشق و زحف ابن بديل في الميمنة فقاتلهم إلى الظهر و هو يحرض أصحابه . ثم كشف خيلهم و اضطرهم إلى قبة معاوية ، و جاء الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية فبعثهم إلى حبيب فحمل بهم على ميمنة أهل العراق فانجفل الناس عن ابن بديل إلا ثلثمائة أو مائتين من القراء و انتهت الهزيمة إلى علي ، و أمده علي بسهل بن حنيف في أهل المدينة فاستقبلهم جموع عظيمة لأهل الشام فمنعتهم ، ثم انكشفت مضر من الميسرة و ثبتت ربيعة و جاء علي يمشي نحوهم فاعترضه أحمر مولى أبي سفيان فحال دونه كيسان مولاه فقتله أحمر ، فتناول علي أحمر من درعه فجذبه و ضرب به الأرض و كسر منكبيه و عضديه ، ثم دنا من ربيعة فصبرهم و ثبت أقدامهم و تنادوا بينهم إن أصيب بينكم أمير المؤمنين افتضحتم في العرب ، و كان الأشتر مر به راكضا نحو الميمنة و استقبل الناس منهزمين فأبلغهم مقالة علي : أين فراركم من الموت الذي لا تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم ، ثم نادى أنا الأشتر فرجع إليه بعضهم فنادى مذحجا و حرضهم فأجابوه ، و قصد القوم و استقبله شباب من همذان ثمانمائة أو نحوها و كان قد هلك منهم في ذلك اليوم أحد عشر رئيساً و أصيب منهم ثمانون و مائة و زحف الأشتر نحو الميمنة ، و تراجع الناس و اشتد القتال حتى كشف أهل الشام و ألحقهم بمعاوية عند الاصفرار و انتهى إلى ابن بديل في مائتين أو ثلثمائة من القراء قد لصقوا بالأرض ، فانكشفوا عنهم أهل الشام و أبصروا إخوانهم و سألوا عن علي فقيل لهم هو في الميسرة يقاتل ، فقال ابن بديل استقدموا بنا و نهاه الأشتر فأبى و مضى نحو معاوية و حوله أمثال الجبال تقتل كل من دنا منه حتى وصل إلى معاوية ، فنهض إليه الناس من كل جانب و أحيط به فقتل و قتل من أصحابه ناس و رجع آخرون مجرحين و أهل الشام في اتباعهم ، فبعث الأشتر من نفس عنهم حتى وصلوا إليه و زحف الأشتر في همذان و طوائف من الناس فأزال أهل الشام عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف المعقلة بالعمائم حول معاوية ، ثم حمل أخرى فصرع منهم أربعة صفوف حتى دعا معاوية بفرسه فركبه ، و خرج عبد الله بن أبي الحصين الأزدي في القراء الذين مع عمار فقاتلوا ، و تقدم عقبة بن حديد النميري مستميتا و معه إخوته و قاتلوا حتى قتلوا ، و تقدم شمر بن ذي الجوشن مبارزا فضرب أدهم بن محرز الباهلي وجهه بالسيف و حمل هو على أدهم فقتله ، و حمل قيس بن المكشوح و معه راية بجيلة فقاتل حتى أخذها آخر كذلك .
و لما رأى علي أهل ميمنة أصحابه قد عادوا إلى مواقفهم و كشفوا العدو قبالتهم أقبل إليهم و عذلهم بعض الشيء عن مفرهم و أثنى على وجوههم ، و قاتل الناس قتالاً شديدا و تبارز الشجعان من كل جانب و أقبلت قبائل طيء و النخع و خرجت حمير من ميمنة أهل الشام ، و تقدم ذو الكلاع و معهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب فقصد ربيعة في ميسرة أهل العراق و عليهم ابن عباس و حملوا عليهم حملة شديدة فثبتت ربيعة و أهل الحفاظ منهم و انهزم الضعفاء و الفشلة ، ثم رجعوا و لحقت بهم عبد القيس و حملوا على حمير فقتل ذو الكلاع و عبيد الله و عمر و أخذ سيف ذي الكلاع و كان لعمر ، فلما ملك معاوية العراق أخذه من قاتلة . ثم خرج عمار بن ياسر و قال اللهم إني لا أعمل اليوم عملا أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين ثم نادى من سعى في رضوان ربه فلا يرجع إلى مال و لا ولد فأتاه عصابة فقال : اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطلبون بدم عثمان يخادعون بذلك عما في نفوسهم من الباطل ، ثم مضى فلا يمر بواد من صفين إلا اتبعه من هناك من الصحابة . ثم جاء هاشم بن عتبة و كان صاحب الراية فأنهضه حتى دنا من عمرو بن العاص و قال : يا عمرو بعت دينك بمصر ؟ تبا لك فقال : إنما أطلب دم عثمان ، فقال : أشهد أنك لا تطلب وجه الله في كلام كثير من أمثال ذلك و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في عمار تقتله الفئة الباغية .
و لما قتل عمار حمل علي و حمل معه ربيعة و مضر و همذان حملة منكرة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض حتى بلغوا معاوية فناداه علي : علام يقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقام له الأمر ، فقال له عمرو : أنصفك . فقال له معاوية : لكنك ما أنصفت . و أسر يومئذ جماعة من أصحاب علي فترك سبيلهم ، و كذلك فعل علي . و مر علي بكتيبة من الشام قد ثبتوا فبعث إليهم محمد ابن الحنفية فأزالهم عن موقفهم ، و صرع عبد الله بن كعب المرادي فمر به الأسود بن قيس فأوصاه بتقوى الله و القتال مع علي ، و قال أبلغه عني السلام ، و قال له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح غدا و المعركة خلف ظهره فإنه العالي .ثم اقتتل الناس إلى الصباح و هي ليلة الجمعة و تسمى ليلة الهرير ، و علي يسير بين الصفوف و يحرض كل كتيبة على التقدم حتى أصبح و المعركة كلها خلف ظهره ، و الأشتر في الميمنة و ابن عباس في الميسرة و الناس يقتتلون من كل جانب و ذلك يوم الجمعة . ثم ركب الأشتر و دعا الناس إلى الحملة على أهل الشام فحمل حتى انتهى إلى عسكرهم و قتل صاحب رايتهم ، و أمده علي بالرجال ، فلما رآى عمرو شدة أهل العراق و خاف على أصحابه الهلاك ، قال لمعاوية : مر الناس يرفعون المصاحف على الرماح و يقولون كتاب الله بيننا و بينكم فإن قبلوا ذلك ارتفع عنا القتال و إن أبى بعضهم وجدنا في افتراقهم راحة . ففعلوا ذلك ، فقال الناس : نجيب إلى كتاب الله فقال لهم علي : ياعباد الله امضوا على حقكم و قتال عدوكم فإن معاوية و ابن أبي معيط و حبيبا و ابن أبي سرح و الضحاك ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن أن أعرف بهم صحبتهم أطفالاً و رجالاً فكانوا شر أطفال و شر رجال ، و يحكم الله ما رفعوها إلا مكيدة و خديعة . فقالوا : لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فلا نقبل ، فقال : إنما قتلناهم ليدنوا بكتاب الله فإنهم نبذوه . فقال له مسعر بن فدك التميمي و زيد بن حصين الطائي في عصابة من القراء الذين صاروا خوراج بعد ذلك : يا علي أجب إلى كتاب الله و إلا دفعنا برمتك إلى القوم . أو فعلنا بك ما فعلنا بابن عفان . فقال : إن تطيعوني فقاتلوا و إن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم ، قالوا : فابعث إلى الأشتر و كفه عن القتال ، و فبعث إليه يزيد هانئ بذلك فأبى ، و قال : قد رجوت أن يفتح الله لي فلما جاء يزيد ارتج الموقف باللغط ، و قالوا لعلي : ما نراك إلا أمرته بقتال فابعث إليه فليأتك و إلا اعتزلناك ، فقال علي : ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد رفعت ، فقال : ألرفع المصاحف ؟ فقال : نعم قال : لقد ظننت أن ذلك يوقع فرقة كيف ندع هؤلاء و ننصرف و الفتح قد رفع ، فقال يزيد : تحب أن تظفر و أمير المؤمنين يسلم إلى عدوه أو يقتل ، ثم أقبل إليهم الأشتر و أطال عتبهم ، و قال أمهلوني فواقا فقد أحسست بالفتح ، فأبوا فعذلهم و أطال في عذلهم ، فقالوا دعنا يا أشتر قاتلناهم لله ، فقال : بل خدعتم فانخدعتم . ثم كثرت الملاحاة بينهم و تشاتموا فصاح بهم علي فكفوا ، فقال له الأشعث بن قيس : إن الناس قد رضوا بما دعوا إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية و سألته ما يريد . قال : افعل . فأتاه و سأله : لأي شيء رفعتم المصاحف ؟ قال : لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به من كتابه تبعثون رجلاً ترضون ، و نحن آخر و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه . ثم نتبع ما اتفقنا عليه ، فقال الأشعث هذا الحق و رجع إلى علي و الناس و أخبرهم ، فقال الناس رضينا و قبلنا ، و رضي أهل الشام عمرا ، و قال الأشعث و أولئك القراء الذين صاروا خوارج : رضينا بأبي موسى ، فقال علي لا أرضاه فقال الأشعث و يزيد بن الحصين و مسعر بن فدك : لا نرضى إلا به . قال فإنه ليس ثقة قد فارقني و خذل الناس عني و هرب مني حتى أمنته بعد شهر ، قالوا لا نريد إلا رجلاً هو منك و من معاوية سواء ، قال فالأشتر ، قالوا : و هل سعر الأرض غير الأشتر ؟ قال : فاصنعوا ما بدا لكم . فبعثوا إلى أبي موسى وقد اعتزل القتال ، فقيل إن الناس قد اصطلحوا ، فحمد الله ، قيل وقد جعلوك حكما فاسترجع ، و جاء أبو موسى إلى العسكر و طلب الأحنف بن قيس من علي أن يجعله مع أبي موسى ، فأبى الناس من ذلك و حضر عمرو بن العاص عند علي لتكتب القضية بحضوره ، فكتبوا بعد البسملة هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين ، فقال : عمرو ليس هو بأميرنا ، فقال له الأحنف . لا تمحها فإني أتطير بمحوها فمكث ملياً ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45425
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
ثم قال الأشعث : امحها . فقال علي : الله أكبر و ذكر قصة الحديبية و فيها أنك ستدعى إلى مثلها فتجيبها ، فقال عمرو : و سبحان الله نشبه بالكفار و نحن مؤمنون . فقال علي : يا ابن النابغة و متى لم تكن للفاسقين ولياً و للمؤمنين عدواً ، فقال عمرو : و الله لا يجمع بيني و بينك مجلس بعد اليوم ، فقال علي : أرجو أن يظهر الله مجلسي منك و من أشباهك . و كتب الكتاب . و هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان قاضى علي على أهل الكوفة و من معهم و معاوية على أهل الشام و من معهم أنا ننزل عند حكم الله و كتابه و أن لا يجمع بيننا غيره و أن كتاب الله بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا و نميت ما أمات مما وجد الحكمان في كتاب الله . و هما أبو موسى عبد الله ابن قيس و عمرو بن العاص و ما لم يجدا في كتب الله فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة و أخذ الحكمان من علي و معاوية و من الجندين العهود و المواثيق و أنهما آمنان على أنفسهما و أهليهما و الأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه ، و على عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص عهد الله و ميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة و لا يورداها في حرب و لا فرقة حتى يقضيا ، و أجلا القضاء إلى رمضان و إن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه و أن مكان قضيتهما مكان عدل بين أهل الكوفة و أهل الشام . و شهد رجال من أهل العراق و رجال من أهل الشام و ضعوا خطوطهم في الصحيفة ، و أبى الأشتر أن يكتب اسمه فيها و حاوره الأشعث في ذلك فأساء الرد عليه و تهدده . و كتب الكتاب لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع و ثلاثين . و اتفقوا على أن يوافي علي موضع الحكمين بدومة الجندل و بأذرح في شهر رمضان ، ثم جاء بعض الناس إلى علي يحضه على قتال القوم فقال : لا يصلح الرجوع بعد الرضى و لا التبديل بعد الإقرار .
ثم رجع الناس عن صفين و رجع علي ، و خالفت الحرورية و أنكروا تحكيم الرجال ثم رجعوا على غير الطريق الذي فيه جاؤا فيه حتى جازوا النخلية و رأوا بيوت الكوفة ، و مر علي بقبر خباب بن الأرت توفي بعد خروجه فوقف و استرحم له ، ثم دخل الكوفة فسمع رجة البكاء في الدور فقال يبكين على القتلى فترحم لهم ، و لم يزل يذكر الله حتى دخل القصر فلم تدخل الخوارج معه و أتوا حرورا فنزلوا بها في اثني عشر ألفاً ، و قدموا شبث بن عمر التميمي أمير القتال و عبيد الله بن الكوا اليشكري أمير الصلاة ، قالوا البيعة لله عز وجل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الأمر شورى بعد الفتح . فقالوا للناس بايعتم علياً إنكم أولياء من والى و أعداء من عادى ، و بايع أهل الشام معاوية على ما أحب و كرهوا فلستم جميعاً من الحق في شيء . فقال لهم زياد بن النضر : و الله ما بايعناه إلا على الكتاب و السنة لكن لما خالفتموه تعينتم للضلال و تعينا للحق . ثم بعث علي عبد الله بن عباس إليهم قوال لا تراجعهم حتى آتيك فلم يصبر عن مكالمتهم ، و قال : ما نقمتم من أمر الحكمين وقد أمر الله بهما بين الزوجين فكيف بالأمة فقالوا لا يكون هذا بالرأي و القياس فإن ذلك جعله الله حكما للعباد و هذا أمضاه كما أمضى حكم الزاني و السارق . قال ابن عباس : قال الله تعالى يحكم به ذو عدل منكم ، قالوا و الأخرى كذلك و ليس أمر الصيد و الزوجين كدماء المسلمين . ثم قالوا له : قد كنا بالأمس نقاتل عمرو بن العاص فإن كان عدلاً فعلى ما قتلناه و إن لم يكن عدلاً فكيف يسوغ تحكيمه ؟ و أنتم قد حكمتم الرجال في أمر معاوية و أصحابه و الله تعالى قد أمضى حكمه فيهم أن يقتلوا أو يرجعوا و جعلتم بينكم الموادعة في الكتب وقد قطعها الله بين المسلمين و أهل الحرب منذ نزلت براءة .
ثم جاء علي إلى فسطاط يزيد بن قيس منهم بعد أن علم أنهم يرجعون إليه في رأيهم ، فصلى عنده ركعتين و ولاه على أصبهان و الري ، ثم خرج إليهم و هم في مجلس ابن عباس فقال من زعيمكم قالوا : ابن الكوا قال : فما هذا الخروج ؟ قالوا لحكومتكم يوم صفين ، قال ، أنشدكم الله أتعلمون أنه لم يكن رأيي و إنما كان رأيكم مع أني اشترطت على الحكمين أن يحكما بحكم القرآن فإن فعلا فلا ضير وإن خالفا فلا خير و نحن برآء من حكمهم ، قالوا فتحكيم الرجال في الدماء عدل ؟ قال إنما حكمنا القرآن إلا أنه لا ينطق و إنما يتكلم به الرجال ، قالوا : فلم جعلتم الأجل بينكم ؟ قال لعل الله يأتي فيه بالهدنة بعد افتراق الأمة فرجعوا إلى رأيه ، و قال ادخلوا مصركم فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال و يسمن الكراع ثم نخرج إلى عدونا فدخلوا من عند آخرهم .
أمر الحكمين
و لما انقضى الأجل و حان وقت الحكمين بعث علي أبا موسى الأشعري في أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي و معهم عبد الله بن عباس يصلي بهم ، و أوصى شريحاً بموعظة عمر ، فلما سمعها قال متى كنت أقبل مشورة علي و أعتد برأيه ؟ قال و ما يمنعك أن تقبل من سيد المسلمين ، و أساء الرد عليه فسكت عنه . و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام و التقوا بأذرح من دومة الجندل ، فكان أصحاب عمرو أطوع من أصحاب ابن عباس لابن عباس ، حتى لم يكونوا يسألوه عن كتاب معاوية إذا جاءه ، و يسأل أهل العراق ابن عباس و يتهمونه ، و حضر مع الحكمين : عبد الله بن عمر ، و عبد الرحمن بن أبي بكر ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الرحمن ابن الحرث بن هشام ، و عبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري ، و أبو جهم بن حذيفة العدوي ، و المغيرة بن شعبة ، و سعد بن أبي وقاص على خلاف فيه ، و قيل قدم على حضور فأحرم بعمرة من بيت المقدس .
و لما اجتمع الحكمان قال عمرو لأبي موسى : أتعلم أن عثمان قتل مظلوما و أن معاوية و قومه أولياؤه قال : بلى ، قال : فما يمنعك منه و هو في قريش كم علمت و إن قصرت به السابقة قدمه حسن السياسة و أنه صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم و كاتبه و صاحبه و الطالب بدم عثمان و عرض بالولاية ، فقال أبو موسى : ياعمرو اتق الله و أعلم أن هذا الأمر ليس بالشرف و إلا لكان لآل أبرهة بن الصباح و إنما هو بالدين و الفضل مع أنه لو كان بشرف قريش لكان لعلي بن أبي طالب و ما كنت لأرى لمعاوية طلبه دم عثمان و أوليه و أدع المهاجرين الأولين . و أما تعريضك بالولاية فلو خرج لي معاوية عن سلطانه ما وليته و ما أرتشي في حكم الله ، ثم دعاه إلى توليه عبد الله بن عمر ، فقال له عمرو : فما يمنعك من ابني و هو من علمت ؟ فقال : هو رجل صدق و لكنك غمسته في الفتنة ، فقال عمرو : إن هذا الأمر لا يصلح إلا لرجل له ضرس يأكل و يطعم . و كانت في ابن عمر غفلة و كان ابن الزبير بإزائه فنبهه لما قال ، فقال ابن عمر : لا أرشو عليها أبداً . ثم قال أبو موسى : يا ابن العاص إن العرب أسندت أمرها إليك بعد المقارعة بالسيوف فلا تردنهم في فتنة ، قال له : فخبرني ما رأيك ، قال : أرى أن نخلع الرجلين و نجعل الأمر شورى يختار المسلمون لأنفسهم . فقال عمرو : و الرأي ما رأيت .
ثم أقبلوا على الناس و هم ينتظرونهم ، و كان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في الكلام لما له من الصحبة و السن ، فقال : يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اتفق ، فقال : إنا رأينا أمراً نرجو الله أن يصلح به الأمة ، فقال له ابن عباس : ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك ، فأبى و قال : أيها الناس إنا نظرنا في أمر الأمة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه و هو أن نخلع علياً و معاوية و يولي الناس أمرهم من أحبوا و أني قد خلعتهما فولوا من رأيتموه أهلاً ، فقال عمرو : إن هذا قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعه و أثبت معاوية فهو ولي ابن عفان و أحق الناس بمقامه . ثم غدا ابن عباس و سعد على أبي موسى باللائمة فقال : ما أصنع غدرني و رجع باللائمة على عمرو و قال لا وفقك الله غدرت و فجرت . و حمل شريح على عمرو فضربه بالسيف و ضربه ابن عمر كذلك ، و حجز الناس بينهم ، فلحق أبو موسى بمكة و انصرف عمرو و أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ، و رجع ابن عباس و شريح إلى علي بالخبر فكان يقنت إذا صلى الغداة و يقول اللهم إلعن معاوية و عمرا و حبيبا و عبد الرحمن بن مخلد و الضحاك بن قيس و الوليد و أبا الأعور ، و بلغ ذلك معاوية فكان إذ اقتنت يلعن علياً و ابن عباس و الحسن و الحسين و الأشتر .
أمر الخوارج و قتالهم
و لما اعتزم علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه زرعة بن البرح الطائي و حرقوص بن زهير السعدي من الخوارج و قالاً له : تب من خطيئتك و ارجع عن قضيتك و اخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم ، و قال علي : قد كتبنا بيننا و بينهم كتاباً و عاهدناهم ، فقال حرقوص : ذلك ذنب تنبغي التوبة منه ، فقال علي : ليس بذنب و لكنه عجز من الرأي ، فقال زرعة : لئن لم تدع تحكميم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله ، فقال علي : بؤسا لك كأني قتيلاً تسفى عليك الرياح ، قال : وددت لو كان ذلك . و خرجا من عنده يناديان لا حكم إلا الله ، و خطب علي يوماً فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة ، فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل ، و خطب ثانياً فقالوا كذلك ، فقال : أما آن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه و لا الفيء ما دمتم معنا و لا نقاتلكم حتى تبدؤنا و ننتظر فيكم أمر الله .
ثم اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فوعظهم و حرضهم على الخروج إلى بعض النواحي لإنكار هذه البدع ، و تبعه حرقوص بن زهير في المقالة ، فقال حمزة بن سنان الأسدي : الرأي ما رأيتم لكن لا بد لكم من أمير و رواية ، فعرضوها على زيد بن حصين الطائي ، ثم حرقوص بن زهير ، ثم حمزة بن سنان ، ثم شريح بن أوفى العنسي فأبوا كلهم . ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فأجاب فبايعوه لعشر خلون من شوال ، و كان يقال له ذو الثفنات . ثم اجتمعوا في منزل شريح و تشاوروا . و كتب ابن وهب إلى أهل البصرة منهم يستحشدهم على اللحاق بهم ، و لما اعتزموا على السير تعبدوا ليلة الجمعة و يومها ساروا ، فخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي ، و اتبعه أبوه إلى المدائن فلم يقدر عليه فرجع و لقيه عبد الله بن وهب في عشرين فارساً و أراد قتله فمنعه من كان معه من طيء .
و أرسل علي إلى عامل المدائن سعد بن مسعود بخبرهم فاستخلف ابن أخيه المختار بن عبيد و سار في طلبهم في خمسمائة فارس ، فتركوا طريقهم و ساروا على بغداد و لحقهم سعد بالكرخ مساء ، و جاءه عبد الله في ثلاثين فارساً و قاتلهم و امتنعوا ، و أشار أصحابه بتركهم إلى أن يأتي فيهم أمر علي فأبى ، و لما جن عليهم الليل عبر عبد الله إليهم دجلة و سار إلى أصحابه بالنهروان ، و اجتمعت خوارج البصرة في خمسمائة رجل عليهم مسعر بن فدكي التميمي و اتبعهم أبو الأسود الدؤلي بأمر ابن عباس و لحقهم فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ، فأدلج مسعر بأصحابه فلحق بعبد الله بن وهب بالنهروان ، و لما خرجت الخوارج بايع علي أصحابه على قتالهم ، ثم أنكر شأن الحكمين و خطب الناس و قال بعد الحمد لله و الموعظة : ألا إن هذين الحكمين نبذا حكم القرآن و اتبع كل واحد هواه و اختلفا في الحكم و كلاهما لم يرشد ، فاستعدوا للسير إلى الشام . و كتب إلى الخوارج بالنهروان بذلك و استحثهم للمسير إلى العدو و قال : نحن على الأمر الأول الذي كنا عليه . فكتبوا إليه : إنك غضبت لنفسك و لم تغضب لربك فإن شهدت على نفسك بالكفر و تبت نظرنا بيننا و بينك و إلا فقد نابذناك على السواء .
فيئس علي منهم و رأى أن يمضي إلى الشام و يدعهم ، و قام في الناس يحرضهم لذلك ، و كتب إلى ابن عباس من معسكره بالنخيلة يأمره بالشخوص بالعساكر و المقام إلى أن يأتي أمره ، فأشخص ابن عباس الأحنف بن قيس في ألف و خمسمائة ، ثم خطب ثانية و ندب الناس و قال : كيف ينفر هذا العدد القليل و أنتم ستون ألف مقاتل ! ثم تهددهم و أمرهم بالنفير مع جارية بن قدامة السعدي . فخرج معه ألف و ستمائة و وافوا علياً في ثلاثة آلاف و يزيدون . ثم خطب أهل الكوفة و لاطفهم بالقول و حرضهم و أخبرهم بما فعل أهل البصرة مع كثرتهم و قال ليكتب إلي كل رئيس منكم ما في عشيرته من المقاتلة من أبنائهم و مواليهم ، فأجابه سعيد بن قيس الهمداني و معقل بن قيس و عدي بن حاتم و زياد بن خصفة و حجر بن عدي و أشراف الناس بالسمع و الطاعة ، و أمروا ذويهم ألا يتخلف منهم أحد ، فكانوا أربعين ألف مقاتل و سبعة عشر ممن بلغ الحلم ، و انتهت عساكره إلى ثمانية و ستين ألفاً . و بلغه أن الناس يرون تقديم الخوارج فقال لهم : إن قتال أهل الشام أهم علينا لأنهم يقاتلونكم ليكونوا ملوكا جبارين و يتخذوا عباد الله خولا فرجعوا إلى رأيه و قالوا : سر بنا إلى حيث شئت . و بينما هو على اعتزام السير إلى أهل الشام بلغه أن خوارج أهل البصرة لقوا عبد الله بن خباب من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم قريباً من النهروان فعرفهم بنفسه ، فسألوه عن أبي بكر و عمر فأثنى خيرا ، ثم عن عثمان في أول خلافته و آخرها فقال : كان محقاً في الأول و الآخر ، فسألوه عن علي قبل التحكيم و بعده ، فقال : هو أعلم بالله و أشد توقياً على دينه ، فقالوا : إنك توالي الرجال على أسمائها ، ثم ذبحوه و بقروا بطن امرأته ثم قتلوا ثلاث نسوة من طيء . فآسف علياً قتلهم عبد الله بن خباب و اعتراضهم الناس ، فبعث الحرث بن مرة العبدي لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه ، فقال له أصحابه : كيف ندع هؤلاء و نأمن غائلتهم في أموالنا و عيالنا إنما نقدم أمرهم على الشام ، و قام الأشعث بن قيس بمثل ذلك فوافقهم علي و سار إليهم ، و بعث من يقول لهم ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم فنكف عنكم حتى نرجع من قتال العرب لعل الله يردكم إلى خير فقالوا : كلنا قتلهم وكلنا مستحل دماءكم و دماءهم ، ثم جاءهم قيس بن سعد و وعظهم و أبو أيوب الأنصاري كذلك . ثم جاءهم علي فتهددهم و سفه رأيهم و يريهم شأن الحكمين و أنهما لما خالفا حكم الكتاب و السنة نبذنا أمرهما و نحن على الأمر الأول فقالوا : إنا كفرنا بالتحكيم وقد تبنا فإن تبت أنت فنحن معك و إن أبيت فقد نابذناك ، فقال : كيف أحكم على نفسي بالكفر بعد إيماني و هجرتي و جهادي ثم انصرف عنهم . و قيل إن علياً خطبهم و أغلظ عليهم فيما فعلوه من الاستعراض و القتل فتنادوا لا تكلموهم و تأهبوا للقاء الله . ثم قصدوا جسر الخوارج و لحقهم علي دونه ، وقد عبى أصحابه : و على ميمنته حجر بن عدي و على ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس و على الخيل أبو أيوب و على الرجالة أبو قتادة و على أهل المدينة سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد . و عبأت نحوه الخوارج : على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي و على الميسرة شريح بن أوفى العنسي و على الخيل حمزة بن سنان الأسدي و على الرجالة حرقوص بن
ثم رجع الناس عن صفين و رجع علي ، و خالفت الحرورية و أنكروا تحكيم الرجال ثم رجعوا على غير الطريق الذي فيه جاؤا فيه حتى جازوا النخلية و رأوا بيوت الكوفة ، و مر علي بقبر خباب بن الأرت توفي بعد خروجه فوقف و استرحم له ، ثم دخل الكوفة فسمع رجة البكاء في الدور فقال يبكين على القتلى فترحم لهم ، و لم يزل يذكر الله حتى دخل القصر فلم تدخل الخوارج معه و أتوا حرورا فنزلوا بها في اثني عشر ألفاً ، و قدموا شبث بن عمر التميمي أمير القتال و عبيد الله بن الكوا اليشكري أمير الصلاة ، قالوا البيعة لله عز وجل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الأمر شورى بعد الفتح . فقالوا للناس بايعتم علياً إنكم أولياء من والى و أعداء من عادى ، و بايع أهل الشام معاوية على ما أحب و كرهوا فلستم جميعاً من الحق في شيء . فقال لهم زياد بن النضر : و الله ما بايعناه إلا على الكتاب و السنة لكن لما خالفتموه تعينتم للضلال و تعينا للحق . ثم بعث علي عبد الله بن عباس إليهم قوال لا تراجعهم حتى آتيك فلم يصبر عن مكالمتهم ، و قال : ما نقمتم من أمر الحكمين وقد أمر الله بهما بين الزوجين فكيف بالأمة فقالوا لا يكون هذا بالرأي و القياس فإن ذلك جعله الله حكما للعباد و هذا أمضاه كما أمضى حكم الزاني و السارق . قال ابن عباس : قال الله تعالى يحكم به ذو عدل منكم ، قالوا و الأخرى كذلك و ليس أمر الصيد و الزوجين كدماء المسلمين . ثم قالوا له : قد كنا بالأمس نقاتل عمرو بن العاص فإن كان عدلاً فعلى ما قتلناه و إن لم يكن عدلاً فكيف يسوغ تحكيمه ؟ و أنتم قد حكمتم الرجال في أمر معاوية و أصحابه و الله تعالى قد أمضى حكمه فيهم أن يقتلوا أو يرجعوا و جعلتم بينكم الموادعة في الكتب وقد قطعها الله بين المسلمين و أهل الحرب منذ نزلت براءة .
ثم جاء علي إلى فسطاط يزيد بن قيس منهم بعد أن علم أنهم يرجعون إليه في رأيهم ، فصلى عنده ركعتين و ولاه على أصبهان و الري ، ثم خرج إليهم و هم في مجلس ابن عباس فقال من زعيمكم قالوا : ابن الكوا قال : فما هذا الخروج ؟ قالوا لحكومتكم يوم صفين ، قال ، أنشدكم الله أتعلمون أنه لم يكن رأيي و إنما كان رأيكم مع أني اشترطت على الحكمين أن يحكما بحكم القرآن فإن فعلا فلا ضير وإن خالفا فلا خير و نحن برآء من حكمهم ، قالوا فتحكيم الرجال في الدماء عدل ؟ قال إنما حكمنا القرآن إلا أنه لا ينطق و إنما يتكلم به الرجال ، قالوا : فلم جعلتم الأجل بينكم ؟ قال لعل الله يأتي فيه بالهدنة بعد افتراق الأمة فرجعوا إلى رأيه ، و قال ادخلوا مصركم فلنمكث ستة أشهر حتى يجبى المال و يسمن الكراع ثم نخرج إلى عدونا فدخلوا من عند آخرهم .
أمر الحكمين
و لما انقضى الأجل و حان وقت الحكمين بعث علي أبا موسى الأشعري في أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي و معهم عبد الله بن عباس يصلي بهم ، و أوصى شريحاً بموعظة عمر ، فلما سمعها قال متى كنت أقبل مشورة علي و أعتد برأيه ؟ قال و ما يمنعك أن تقبل من سيد المسلمين ، و أساء الرد عليه فسكت عنه . و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام و التقوا بأذرح من دومة الجندل ، فكان أصحاب عمرو أطوع من أصحاب ابن عباس لابن عباس ، حتى لم يكونوا يسألوه عن كتاب معاوية إذا جاءه ، و يسأل أهل العراق ابن عباس و يتهمونه ، و حضر مع الحكمين : عبد الله بن عمر ، و عبد الرحمن بن أبي بكر ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الرحمن ابن الحرث بن هشام ، و عبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري ، و أبو جهم بن حذيفة العدوي ، و المغيرة بن شعبة ، و سعد بن أبي وقاص على خلاف فيه ، و قيل قدم على حضور فأحرم بعمرة من بيت المقدس .
و لما اجتمع الحكمان قال عمرو لأبي موسى : أتعلم أن عثمان قتل مظلوما و أن معاوية و قومه أولياؤه قال : بلى ، قال : فما يمنعك منه و هو في قريش كم علمت و إن قصرت به السابقة قدمه حسن السياسة و أنه صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم و كاتبه و صاحبه و الطالب بدم عثمان و عرض بالولاية ، فقال أبو موسى : ياعمرو اتق الله و أعلم أن هذا الأمر ليس بالشرف و إلا لكان لآل أبرهة بن الصباح و إنما هو بالدين و الفضل مع أنه لو كان بشرف قريش لكان لعلي بن أبي طالب و ما كنت لأرى لمعاوية طلبه دم عثمان و أوليه و أدع المهاجرين الأولين . و أما تعريضك بالولاية فلو خرج لي معاوية عن سلطانه ما وليته و ما أرتشي في حكم الله ، ثم دعاه إلى توليه عبد الله بن عمر ، فقال له عمرو : فما يمنعك من ابني و هو من علمت ؟ فقال : هو رجل صدق و لكنك غمسته في الفتنة ، فقال عمرو : إن هذا الأمر لا يصلح إلا لرجل له ضرس يأكل و يطعم . و كانت في ابن عمر غفلة و كان ابن الزبير بإزائه فنبهه لما قال ، فقال ابن عمر : لا أرشو عليها أبداً . ثم قال أبو موسى : يا ابن العاص إن العرب أسندت أمرها إليك بعد المقارعة بالسيوف فلا تردنهم في فتنة ، قال له : فخبرني ما رأيك ، قال : أرى أن نخلع الرجلين و نجعل الأمر شورى يختار المسلمون لأنفسهم . فقال عمرو : و الرأي ما رأيت .
ثم أقبلوا على الناس و هم ينتظرونهم ، و كان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في الكلام لما له من الصحبة و السن ، فقال : يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اتفق ، فقال : إنا رأينا أمراً نرجو الله أن يصلح به الأمة ، فقال له ابن عباس : ويحك أظنه خدعك فاجعل له الكلام قبلك ، فأبى و قال : أيها الناس إنا نظرنا في أمر الأمة فلم نر أصلح لهم مما اتفقنا عليه و هو أن نخلع علياً و معاوية و يولي الناس أمرهم من أحبوا و أني قد خلعتهما فولوا من رأيتموه أهلاً ، فقال عمرو : إن هذا قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعه و أثبت معاوية فهو ولي ابن عفان و أحق الناس بمقامه . ثم غدا ابن عباس و سعد على أبي موسى باللائمة فقال : ما أصنع غدرني و رجع باللائمة على عمرو و قال لا وفقك الله غدرت و فجرت . و حمل شريح على عمرو فضربه بالسيف و ضربه ابن عمر كذلك ، و حجز الناس بينهم ، فلحق أبو موسى بمكة و انصرف عمرو و أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ، و رجع ابن عباس و شريح إلى علي بالخبر فكان يقنت إذا صلى الغداة و يقول اللهم إلعن معاوية و عمرا و حبيبا و عبد الرحمن بن مخلد و الضحاك بن قيس و الوليد و أبا الأعور ، و بلغ ذلك معاوية فكان إذ اقتنت يلعن علياً و ابن عباس و الحسن و الحسين و الأشتر .
أمر الخوارج و قتالهم
و لما اعتزم علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه زرعة بن البرح الطائي و حرقوص بن زهير السعدي من الخوارج و قالاً له : تب من خطيئتك و ارجع عن قضيتك و اخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم ، و قال علي : قد كتبنا بيننا و بينهم كتاباً و عاهدناهم ، فقال حرقوص : ذلك ذنب تنبغي التوبة منه ، فقال علي : ليس بذنب و لكنه عجز من الرأي ، فقال زرعة : لئن لم تدع تحكميم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله ، فقال علي : بؤسا لك كأني قتيلاً تسفى عليك الرياح ، قال : وددت لو كان ذلك . و خرجا من عنده يناديان لا حكم إلا الله ، و خطب علي يوماً فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة ، فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل ، و خطب ثانياً فقالوا كذلك ، فقال : أما آن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه و لا الفيء ما دمتم معنا و لا نقاتلكم حتى تبدؤنا و ننتظر فيكم أمر الله .
ثم اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فوعظهم و حرضهم على الخروج إلى بعض النواحي لإنكار هذه البدع ، و تبعه حرقوص بن زهير في المقالة ، فقال حمزة بن سنان الأسدي : الرأي ما رأيتم لكن لا بد لكم من أمير و رواية ، فعرضوها على زيد بن حصين الطائي ، ثم حرقوص بن زهير ، ثم حمزة بن سنان ، ثم شريح بن أوفى العنسي فأبوا كلهم . ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فأجاب فبايعوه لعشر خلون من شوال ، و كان يقال له ذو الثفنات . ثم اجتمعوا في منزل شريح و تشاوروا . و كتب ابن وهب إلى أهل البصرة منهم يستحشدهم على اللحاق بهم ، و لما اعتزموا على السير تعبدوا ليلة الجمعة و يومها ساروا ، فخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي ، و اتبعه أبوه إلى المدائن فلم يقدر عليه فرجع و لقيه عبد الله بن وهب في عشرين فارساً و أراد قتله فمنعه من كان معه من طيء .
و أرسل علي إلى عامل المدائن سعد بن مسعود بخبرهم فاستخلف ابن أخيه المختار بن عبيد و سار في طلبهم في خمسمائة فارس ، فتركوا طريقهم و ساروا على بغداد و لحقهم سعد بالكرخ مساء ، و جاءه عبد الله في ثلاثين فارساً و قاتلهم و امتنعوا ، و أشار أصحابه بتركهم إلى أن يأتي فيهم أمر علي فأبى ، و لما جن عليهم الليل عبر عبد الله إليهم دجلة و سار إلى أصحابه بالنهروان ، و اجتمعت خوارج البصرة في خمسمائة رجل عليهم مسعر بن فدكي التميمي و اتبعهم أبو الأسود الدؤلي بأمر ابن عباس و لحقهم فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ، فأدلج مسعر بأصحابه فلحق بعبد الله بن وهب بالنهروان ، و لما خرجت الخوارج بايع علي أصحابه على قتالهم ، ثم أنكر شأن الحكمين و خطب الناس و قال بعد الحمد لله و الموعظة : ألا إن هذين الحكمين نبذا حكم القرآن و اتبع كل واحد هواه و اختلفا في الحكم و كلاهما لم يرشد ، فاستعدوا للسير إلى الشام . و كتب إلى الخوارج بالنهروان بذلك و استحثهم للمسير إلى العدو و قال : نحن على الأمر الأول الذي كنا عليه . فكتبوا إليه : إنك غضبت لنفسك و لم تغضب لربك فإن شهدت على نفسك بالكفر و تبت نظرنا بيننا و بينك و إلا فقد نابذناك على السواء .
فيئس علي منهم و رأى أن يمضي إلى الشام و يدعهم ، و قام في الناس يحرضهم لذلك ، و كتب إلى ابن عباس من معسكره بالنخيلة يأمره بالشخوص بالعساكر و المقام إلى أن يأتي أمره ، فأشخص ابن عباس الأحنف بن قيس في ألف و خمسمائة ، ثم خطب ثانية و ندب الناس و قال : كيف ينفر هذا العدد القليل و أنتم ستون ألف مقاتل ! ثم تهددهم و أمرهم بالنفير مع جارية بن قدامة السعدي . فخرج معه ألف و ستمائة و وافوا علياً في ثلاثة آلاف و يزيدون . ثم خطب أهل الكوفة و لاطفهم بالقول و حرضهم و أخبرهم بما فعل أهل البصرة مع كثرتهم و قال ليكتب إلي كل رئيس منكم ما في عشيرته من المقاتلة من أبنائهم و مواليهم ، فأجابه سعيد بن قيس الهمداني و معقل بن قيس و عدي بن حاتم و زياد بن خصفة و حجر بن عدي و أشراف الناس بالسمع و الطاعة ، و أمروا ذويهم ألا يتخلف منهم أحد ، فكانوا أربعين ألف مقاتل و سبعة عشر ممن بلغ الحلم ، و انتهت عساكره إلى ثمانية و ستين ألفاً . و بلغه أن الناس يرون تقديم الخوارج فقال لهم : إن قتال أهل الشام أهم علينا لأنهم يقاتلونكم ليكونوا ملوكا جبارين و يتخذوا عباد الله خولا فرجعوا إلى رأيه و قالوا : سر بنا إلى حيث شئت . و بينما هو على اعتزام السير إلى أهل الشام بلغه أن خوارج أهل البصرة لقوا عبد الله بن خباب من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم قريباً من النهروان فعرفهم بنفسه ، فسألوه عن أبي بكر و عمر فأثنى خيرا ، ثم عن عثمان في أول خلافته و آخرها فقال : كان محقاً في الأول و الآخر ، فسألوه عن علي قبل التحكيم و بعده ، فقال : هو أعلم بالله و أشد توقياً على دينه ، فقالوا : إنك توالي الرجال على أسمائها ، ثم ذبحوه و بقروا بطن امرأته ثم قتلوا ثلاث نسوة من طيء . فآسف علياً قتلهم عبد الله بن خباب و اعتراضهم الناس ، فبعث الحرث بن مرة العبدي لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه ، فقال له أصحابه : كيف ندع هؤلاء و نأمن غائلتهم في أموالنا و عيالنا إنما نقدم أمرهم على الشام ، و قام الأشعث بن قيس بمثل ذلك فوافقهم علي و سار إليهم ، و بعث من يقول لهم ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم فنكف عنكم حتى نرجع من قتال العرب لعل الله يردكم إلى خير فقالوا : كلنا قتلهم وكلنا مستحل دماءكم و دماءهم ، ثم جاءهم قيس بن سعد و وعظهم و أبو أيوب الأنصاري كذلك . ثم جاءهم علي فتهددهم و سفه رأيهم و يريهم شأن الحكمين و أنهما لما خالفا حكم الكتاب و السنة نبذنا أمرهما و نحن على الأمر الأول فقالوا : إنا كفرنا بالتحكيم وقد تبنا فإن تبت أنت فنحن معك و إن أبيت فقد نابذناك ، فقال : كيف أحكم على نفسي بالكفر بعد إيماني و هجرتي و جهادي ثم انصرف عنهم . و قيل إن علياً خطبهم و أغلظ عليهم فيما فعلوه من الاستعراض و القتل فتنادوا لا تكلموهم و تأهبوا للقاء الله . ثم قصدوا جسر الخوارج و لحقهم علي دونه ، وقد عبى أصحابه : و على ميمنته حجر بن عدي و على ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس و على الخيل أبو أيوب و على الرجالة أبو قتادة و على أهل المدينة سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد . و عبأت نحوه الخوارج : على ميمنتهم زيد بن حصن الطائي و على الميسرة شريح بن أوفى العنسي و على الخيل حمزة بن سنان الأسدي و على الرجالة حرقوص بن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45425
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
زهير . و دفع علي إلى أبي أيوب راية أماناً لهم لمن جاءها ممن لم يقتل و لم يستعرض فناداهم إليها و قال : من انصرف إلى الكوفة و المدائن فهو آمن . فاعتزل عنهم فروة بن نوفل الأشجعي في خمسمائة و قال أعتزل حتى يتضح لي أمر في قتال علي فنزل الدسكرة ، و خرج آخرون إلى الكوفة ، و رجع آخرون إلى علي و كانوا أربعة آلاف ، و بقي منهم ألف و ثمانمائة فحمل عليهم علي و الناس حتى فرقهم على الميمنة و الميسرة . ثم استقبلتهم الرماة و عطفت عليهم الخيل من المجنبتين و نهض إليهم الرجال بالسلاح فهلكوا كلهم في ساعة واحدة كأنما قيل لهم موتوا ، و قتل عبد الله بن وهب و زيد بن حصن و حرقوص بن زهير و عبد الله بن شجرة و شريح بن أوفى . و أمر علي أن يلتمس المخدج في قتلاهم و هو الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه و سلم في علاماتهم فوجد في القتلى فاعتبر علي و كبر و استنصر الناس ، و أخذ ما في عسكرهم من السلاح و الدواب فقسمه بين المسلمين و رد عليهم المتاع و الإماء و العبيد . و دفن عدي بن حاتم ابنه طرفة و رجالاً من المسلمين فنهى علي عن ذلك ، و ارتحل و لم يفقد من أصحابه إلا سبعة أو نحوهم .
و شكا إليه الناس الكلال و نفود السهام و الرماح و طلبوا الرجوع إلى الكوفة ليستعدوا فإنه أقوى على القتال ، و كان الذي تولي كلامه الأشعث بن قيس فلم يجبه ، و أقبل فنزل و منعهم من دخول منازلهم حتى يسيروا إلى عدوهم ، فتسللوا أيام المقامة إلى البيوت و تركوا المعسكر خالياً فلما رأى علي ذلك دخل ثم ندبهم ثانياً فلم ينفروا ، فأقام أياماً ثم كلم رؤساءهم على رأيهم و الذي يبطئ بهم فلم ينشط من ذلك إلا القليل ، فخطبهم و أغلظ في عتابهم و أعلمهم بما له عليهم من الطاعة في الحق و النصح فتثاقلوا و سكتوا .
ولاية عمرو بن العاص مصر
قد تقدم لنا ما كان من اجتماع العثمانية بنواحي مصر مع معاوية بن خديج السكوني ، و إن محمد بن أبي بكر بعث إليهم العساكر من الفسطاط مع ابن مضاهم فهزموه و قتلوه ، و اضطربت الفتنة بمصر على محمد بن أبي بكر ، و بلغ ذلك علياً فبعث إلى الأشتر من مكان عمله بالجزيرة و هو نصبين فبعثه على مصر و قال : ليس لها غيرك . و بلغ الخبر إلى معاوية و كان قد طمع في مصر فعلم أنها ستتمنع بالأشتر ، و جاء الأشتر فنزل على صاحب الخراج بالقلزم فمات هنالك ، و قيل إن معاوية بعث إلى صاحب القلزم فسمه على أن يسقط عنه الخراج و هذا بعيد . و بلغ خبر موته علياً فاسترجع و استرحم و كان محمد بن أبي بكر لما بلغته ولاية الأشتر شق عليه فكتب علي يعتذر إليه و أنه لم يوله لسوء رأي في محمد و إنما هو لما كان يظن فيه من الشدة وقد صار إلى الله و نحن عنه راضون فرضي الله عنه و ضاعف له الثواب ، فاصبر لعدوك و شمر للحرب و ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و أكثر من ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه يكفيك ما أهمك و يعينك على ما ولاك . فأجابه محمد بالرضى برأيه و الطاعة لأمره ، و أنه مزمع على حرابة من خالفه .
ثم لما كان من أمر الحكمين ما كان و اختلف أهل العراق على علي ، و بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ، فأراد معاوية صرف عمله إلى مصر لما كان يرجو من الإستعانة على حروبه بخراجها ، و دعا بطانته أبا الأعور السلمي و حبيب بن مسلمة و بسر بن أطأة و الضحاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و شرحبيل بن السمط و شاورهم في شأنها ، فأشار عليه عمرو بافتتاحها و أشار ببعث الجيش مع حازم صارم يوثق و يجتمع إليه من كان على رأيه من العثمانية ، و قال معاوية : بل الرأي أن نكاتب العثمانية بالوعد و نكاتب العدو بالصلح و التخويف و نأتي الحرب من بعد ذلك ، ثم قال معاوية : إنك يا ابن العاص بورك لك في العجلة و أنا في التؤدة ، فقال : أفعل ما تراه و أظن الأمر لا يصير إلا للحرب . فكتب معاوية إلى معاوية بن حديج و مسلمة بن مخلد يشكرهما على الخلاف ، و بحثهما على الحرب و القيام في دم عثمان ، و فرحا بجوابهما فطلب المدد فجمع أصحابه و أشاروا بذلك ، فأمر عمرو بن العاص أن يتجهز إلى مصر في ستة آلاف رجل و وصاه بالتؤدة و ترك العجلة ، فنزل أدنى أرض مصر و اجتمعت إليه العثمانية ، و بعث كتابه و كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر بالتهديد و أن الناس اجتمعوا عليك و هم مسلموك فاخرج ، فبعث بالكتابين إلى علي فوعده بإنفاذ الجيوش و أمره بقتال العدو و الصبر .
فقدم محمد بن أبي بكر كنانة بن بشر في ألفين ، فبعث معاوية عمرو بن حديج و سرحه في أهل الشام فأحاطوا بكنانة ، فترجل عن فرسه و قاتل حتى استشهد . و جاء الخبر إلى محمد بن أبي بكر فافترق عنه أصحابه و فروا ، و آوى في مفره إلى خربة و استتر في تلك الخربة ، فقبض عليه فأخذه ابن حديج و جاء به الفسطاط ، و طلب أخوه عبد الرحمن من عمرو أن يبعث إلى ابن حديج في البقاء عليه فأبى ، و طلب محمد الماء فمنعه ابن حديج جزاء بما فعل بعثمان ، ثم أحرقه في جوف حمار بعد أن لعنه و دعا عليه معاوية و عمرو . و كانت عائشة تقنت في الصلاة بالدعاء على قتلته . و يقال إنه لما انهزم اختفى عند جبلة بن مسروق حتى أحاط به معاوية بن حديج و أصحابه ، فخرج إليهم فقاتل حتى قتل .
و لما بلغ الخبر علياً خطب الناس و ندبهم إلى أعدائهم و قال : اخرجوا بنا إلى الجزعة بين الحيرة و الكوفة . و خرج من الغد إلى منتصف النهار يمشي إليها حتى نزلها فلم يلحق به أحد ، فرجع من العشي و جمع أشراف الناس و وبخهم فأجاب مالك بن كعب الأرحبي في ألفين ، فقال سر و ما أراك تدركهم فسار خمسا ، لقي حجاج بن عرفة الأنصاري قادماً من مصر فأخبره بقتل محمد ، و جاء إلى علي عبد الرحمن بن شبث الفزاري و كان عيناً له بالشام ، فأخبره بقتل محمد و استيلاء عمرو على مصر ، فحزن لذلك ، و بعث إلى مالك بن كعب أن يرجع بالجيش و خطب الناس فأخبرهم بالخبر و عذلهم على ما كان منهم من التثاقل حتى فات هذا الأمر و وبخهم طويلاً ثم نزل .
دعاء ابن الحضرمي بالبصرة لمعاوية و مقتله
و لما فتح معاوية مصر بعث عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة داعياً لهم وقد آنس منهم الطاعة بما كان من قتل علي أباهم يوم الجمل و أنهم على رأيه في دم عثمان ، و أوصاه بالنزول في مصر يتودد إلى الأزد و حذره من ربيعة و قال إنهم ترائبه يعني شيعة لعلي . فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة . و كان ابن عباس قد خرج إلى علي و استخلف عليها زياداً ، و نزل في بني تميم و اجتمع إليه العثمانية فحضهم على الطلب بدم عثمان من علي ، فقال الضحاك بن قيس الهلالي : قبح الله ما جئت به و ما تدعو إليه تحملنا على الفرقة بعد الاجتماع و على الموت ليكون معاوية أميراً ؟ فقال له عبد الله بن حازم السلمي : أسكت فلست لها بأهل . ثم قال لابن الحضرمي : نحن أنصارك و يدك و القول قولك ، فقرأ كتاب معاوية يدعوهم إلى رأيه من الطلب بدم عثمان على أن يعمل فيهم بالسنة و يضاعف لهم الأعطية . فلما فرغ من قراءته قام الأحنف بن قيس معتزلا و حض عمر بن مرحوم على لزوم البيعة و الجماعة ، و قام العباس بن حجر في مناصرة ابن الحضرمي ، فقال له المثنى بن مخرمة لا يغرنك ابن صحار وارجع من حيث جئت ، فقال ابن الحضرمي لصبرة بن شيمان الأزدي ألا تنصرني ؟ قال : لو نزلت عندي فعلت . و دعا زياد أمير البصرة حصين بن المنذور و مالك بن مسمع و رؤوس بكر بن وائل إلى المنعة من ابن الحضرمي إلى أن يأتي أمر علي ، فأجاب حصين و تثاقل مالك و كان هواه في بني أمية ، فأرسل زياد إلى صبرة بن شيمان يدعوه إلى الجوار بما معه من بيت المال فقال : إن حملته إلى داري أجرتك فتحول إليه ببيت المال و المنبر ، و كان يصلي الجمعة في مسجد قومه ، و أراد زياد اختبارهم فبعث إليهم من ينذرهم بمسيره بهم إليهم ، و أخذ زياد جنداً منهم بعد صبره لذلك و قال : إن جاؤا جئناهم ، و كتب زياد إلى علي بالخبر فأرسل أعين بن ضبيعة ليفرق تميما عن ابن الحضرمي و يقاتل من عصاه بمن أطاعه ، فجاء لذلك و قاتلهم يوماً أو بعض يوم ، ثم اغتاله قوم قتلوه يقال من الخوارج .
ولاية زياد على فارس
و لما قتل ابن الحضرمي بالبصرة و الناس مختلفون على علي طمع أهل النواحي من بلاد العجم في كسر الخراج ، و أخرج أهل فارس عاملهم سهل بن حنيف ، فاستشار علي الناس فأشار عليه جارية بن قدامة بزياد فأمر ابن عباس أن يوليه عليها ، فبعثه إليها في جيش كثيف فطوى بهم أهل فارس و ضرب ببعضهم بعضاً و هرب قوم و أقام آخرون ، وصفت له فارس بغير حرب . ثم تقدم إلى كرمان فدوخها مثل ذلك فاستقامت وسكن الناس ونزل اصطخر وسكن قلعة بها تسمى قلعة زياد .
فراق ابن عباس لعلي رضي الله عنهم
و في سنة أربعين فارق عبد الله بن عباس علياً و لحق بمكة ، و ذلك أنه مر يوماً بأبي الأسود و وبخه على أمر ، فكتب أبو الأسود إلى علي بأن ابن عباس استتر بأموال الله فأجابه علي يشكره على ذلك و كتب لابن عباس و لم يخبره بالكاتب ، فكتب إليه بكذب ما بلغه من ذلك و أنه ضابط للمال حافظ له ، فكتب إليه علي أعلمني ما أخذت و من أين أخذت و فيما صنعت ؟ فكتب إليه ابن عباس فهمت استعظامك لما رفع إليك أني رزأته من هذا المال فابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه و استدعى أخواله من بني هلال ، فجاءته قيس كلها و لم يبعث الأموال و قال : هذه أرزاقنا ، و أتبعه أهل البصرة و وقفت دونه قيس . فرجع صبرة بن شيمان الهمداني بالأزد و قال قيس : إخواننا و هم خير من المال فأطيعوني ، و انصرف معهم بكر و عبد القيس ثم انصرف الأحنف بقومه من بني تميم و حجز بقية تميم عنه ، و لحق ابن عباس بمكة .
مقتل علي
قتل علي رضي الله عنه سنة أربعين عشرة من رمضان و قيل لإحدى عشرة و قيل في ربيع الآخر و الأول أصح ، و كان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي و البرك بن عبد الله التميمي الصريمي و اسمه الحجاج و عمرو بن بكر التميمي السعدي ، ثلاثتهم من الخوارج لحقوا من فلهم بالحجاز ، و اجتمعوا فتذكروا ما فيه الناس و عابوا الولاة و ترحموا على قتلى النهروان ، و قالوا : ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا و قتلنا أئمة الضلال و أرحنا منهم الناس ، فقال ابن ملجم و كان من مصر : أنا أكفيكم علياً ، و قال البرك : أنا أكفيكم معاوية ، و قال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص . و تعاهدوا أن لا نرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت . و اتعدوا لسبع عشرة من رمضان و انطلقوا . و لقي ابن ملجم أصحابه بالكوفة فطوى خبره عنهم ، ثم جاء إلى شبيب بن شجرة من أشجع و دعاه إلى الموافقة في شأنه ، فقال شبيب ثكلتك أمك فكيف تقدر على قتله . قال : أكمن له في المسجد في صلاة الغداة فإن قتلناه و إلا فهي الشهادة قال : ويحك لا أجدني أنشرح لقتله مع سابقته و فضله ، قال : ألم يقتل العباد الصالحين أهل النهروان ؟ قال : بلى . قال : فنقتله بمن قتله منهم ، فأجابه : ثم لقي أمرأة من تيم الرباب فائقة الجمال قتل أبوها و أخوها يوم النهروان ، فأخذت قلبه فخطبها فشرطت عليه عبداً و قينة و قتل علي ، فقال كيف يمكن ما أنت تريدين ؟ قال التمس غرته فإن قتلته شفيت النفوس و إلا فهي الشهادة . قال : و الله ما جئت إلا لذلك و لك ما سألت ، قالت : سأبعث معك من يشد ظهرك و يساعدك ، و بعثت معه رجلاً من قومها اسمه وردان .
فلما كانت الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي و كانت ليلة الجمعة جاء إلى المسجد و معه شبيب ووردان و جلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة ، فلما خرج و نادى للصلاة علاه شبيب بالسيف فوقع بعضادة الباب ، و ضربه ابن ملجم على مقدم رأسه ، و قال : الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك . و هرب وردان إلى منزله و أخبر بعض أصحابه بالأمر فقتله . هرب شبيب مغلساً . و صاح الناس به فلحقه رجل من حضرموت فأخذه و جلس عليه و السيف في يد شبيب و الناس قد أقبلوا في طلبه ، و خشي الحضرمي على نفسه لاختلاط الغلس فتركه و ذهب في غمار الناس ، و شد الناس على ابن ملجم و استخلف علي على الصلاة جعدة بن هبيرة و هو ابن أخته أم هانيء فصلى الغداة بالناس ، و ادخل ابن ملجم مكتوفاً على علي فقال : أي عدو الله ما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحاً و سألت الله أن يقتل به شر خلقه ، فقال : أراك مقتولاً به . ثم قال إن هلكت فاقتلوه كما قتلني و إن بقيت رأيت فيه رأيي ، يابني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين و تقولوا قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي ، يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه بسيفه و لا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " إياكم و المثلة " . و قالت أم كلثوم لابن ملجم و هو مكتوف و هي تبكي : أي عدو الله إنه لا بأس على أبي و الله مخزيك قال : فعلام تبكين ؟ و الله لقد شريته بألف و صقلته أربعين و لو كانت هذه الضربة بأهل بلد ما بقي منهم أحد . و قال جندب بن عبد الله لعلي أنبايع الحسن إن فقدناك ؟ قال : ما آمركم به و لا أنهاكم أنتم أبصر ، ثم دعا الحسن و الحسين و وصاهما قال : أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و أن بغتكما و لا نأسفا على شيء زوى منهما عنكما و قولا الحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصراً و عملاً بما في كتاب الله و لا تأخذكما في الله لومة لائم . ثم قال لمحمد بن الحنفية : إني أوصيك بمثل ذلك و بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك و لا تقطع أمراً دونهما ، ثم وصاهما بابن الحنفية ، ثم أعاد على الحسن وصيته . و لما حضرته الوفاة كتب وصيته العامة و لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض . فأحضر الحسن ابن ملجم فقال له : هل لك في البقاء علي و أني قد عاهدت الله أن أقتل علياً و معاوية ، و أني عاهدت الله على الوفاء بالعهد فخل بيني و بين ذلك فإن قتلته و بقيت فلك عهد الله أن آتيك ، فقال : لا و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله . و أما البرك فإنه قعد لمعاوية
و شكا إليه الناس الكلال و نفود السهام و الرماح و طلبوا الرجوع إلى الكوفة ليستعدوا فإنه أقوى على القتال ، و كان الذي تولي كلامه الأشعث بن قيس فلم يجبه ، و أقبل فنزل و منعهم من دخول منازلهم حتى يسيروا إلى عدوهم ، فتسللوا أيام المقامة إلى البيوت و تركوا المعسكر خالياً فلما رأى علي ذلك دخل ثم ندبهم ثانياً فلم ينفروا ، فأقام أياماً ثم كلم رؤساءهم على رأيهم و الذي يبطئ بهم فلم ينشط من ذلك إلا القليل ، فخطبهم و أغلظ في عتابهم و أعلمهم بما له عليهم من الطاعة في الحق و النصح فتثاقلوا و سكتوا .
ولاية عمرو بن العاص مصر
قد تقدم لنا ما كان من اجتماع العثمانية بنواحي مصر مع معاوية بن خديج السكوني ، و إن محمد بن أبي بكر بعث إليهم العساكر من الفسطاط مع ابن مضاهم فهزموه و قتلوه ، و اضطربت الفتنة بمصر على محمد بن أبي بكر ، و بلغ ذلك علياً فبعث إلى الأشتر من مكان عمله بالجزيرة و هو نصبين فبعثه على مصر و قال : ليس لها غيرك . و بلغ الخبر إلى معاوية و كان قد طمع في مصر فعلم أنها ستتمنع بالأشتر ، و جاء الأشتر فنزل على صاحب الخراج بالقلزم فمات هنالك ، و قيل إن معاوية بعث إلى صاحب القلزم فسمه على أن يسقط عنه الخراج و هذا بعيد . و بلغ خبر موته علياً فاسترجع و استرحم و كان محمد بن أبي بكر لما بلغته ولاية الأشتر شق عليه فكتب علي يعتذر إليه و أنه لم يوله لسوء رأي في محمد و إنما هو لما كان يظن فيه من الشدة وقد صار إلى الله و نحن عنه راضون فرضي الله عنه و ضاعف له الثواب ، فاصبر لعدوك و شمر للحرب و ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و أكثر من ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه يكفيك ما أهمك و يعينك على ما ولاك . فأجابه محمد بالرضى برأيه و الطاعة لأمره ، و أنه مزمع على حرابة من خالفه .
ثم لما كان من أمر الحكمين ما كان و اختلف أهل العراق على علي ، و بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ، فأراد معاوية صرف عمله إلى مصر لما كان يرجو من الإستعانة على حروبه بخراجها ، و دعا بطانته أبا الأعور السلمي و حبيب بن مسلمة و بسر بن أطأة و الضحاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و شرحبيل بن السمط و شاورهم في شأنها ، فأشار عليه عمرو بافتتاحها و أشار ببعث الجيش مع حازم صارم يوثق و يجتمع إليه من كان على رأيه من العثمانية ، و قال معاوية : بل الرأي أن نكاتب العثمانية بالوعد و نكاتب العدو بالصلح و التخويف و نأتي الحرب من بعد ذلك ، ثم قال معاوية : إنك يا ابن العاص بورك لك في العجلة و أنا في التؤدة ، فقال : أفعل ما تراه و أظن الأمر لا يصير إلا للحرب . فكتب معاوية إلى معاوية بن حديج و مسلمة بن مخلد يشكرهما على الخلاف ، و بحثهما على الحرب و القيام في دم عثمان ، و فرحا بجوابهما فطلب المدد فجمع أصحابه و أشاروا بذلك ، فأمر عمرو بن العاص أن يتجهز إلى مصر في ستة آلاف رجل و وصاه بالتؤدة و ترك العجلة ، فنزل أدنى أرض مصر و اجتمعت إليه العثمانية ، و بعث كتابه و كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر بالتهديد و أن الناس اجتمعوا عليك و هم مسلموك فاخرج ، فبعث بالكتابين إلى علي فوعده بإنفاذ الجيوش و أمره بقتال العدو و الصبر .
فقدم محمد بن أبي بكر كنانة بن بشر في ألفين ، فبعث معاوية عمرو بن حديج و سرحه في أهل الشام فأحاطوا بكنانة ، فترجل عن فرسه و قاتل حتى استشهد . و جاء الخبر إلى محمد بن أبي بكر فافترق عنه أصحابه و فروا ، و آوى في مفره إلى خربة و استتر في تلك الخربة ، فقبض عليه فأخذه ابن حديج و جاء به الفسطاط ، و طلب أخوه عبد الرحمن من عمرو أن يبعث إلى ابن حديج في البقاء عليه فأبى ، و طلب محمد الماء فمنعه ابن حديج جزاء بما فعل بعثمان ، ثم أحرقه في جوف حمار بعد أن لعنه و دعا عليه معاوية و عمرو . و كانت عائشة تقنت في الصلاة بالدعاء على قتلته . و يقال إنه لما انهزم اختفى عند جبلة بن مسروق حتى أحاط به معاوية بن حديج و أصحابه ، فخرج إليهم فقاتل حتى قتل .
و لما بلغ الخبر علياً خطب الناس و ندبهم إلى أعدائهم و قال : اخرجوا بنا إلى الجزعة بين الحيرة و الكوفة . و خرج من الغد إلى منتصف النهار يمشي إليها حتى نزلها فلم يلحق به أحد ، فرجع من العشي و جمع أشراف الناس و وبخهم فأجاب مالك بن كعب الأرحبي في ألفين ، فقال سر و ما أراك تدركهم فسار خمسا ، لقي حجاج بن عرفة الأنصاري قادماً من مصر فأخبره بقتل محمد ، و جاء إلى علي عبد الرحمن بن شبث الفزاري و كان عيناً له بالشام ، فأخبره بقتل محمد و استيلاء عمرو على مصر ، فحزن لذلك ، و بعث إلى مالك بن كعب أن يرجع بالجيش و خطب الناس فأخبرهم بالخبر و عذلهم على ما كان منهم من التثاقل حتى فات هذا الأمر و وبخهم طويلاً ثم نزل .
دعاء ابن الحضرمي بالبصرة لمعاوية و مقتله
و لما فتح معاوية مصر بعث عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة داعياً لهم وقد آنس منهم الطاعة بما كان من قتل علي أباهم يوم الجمل و أنهم على رأيه في دم عثمان ، و أوصاه بالنزول في مصر يتودد إلى الأزد و حذره من ربيعة و قال إنهم ترائبه يعني شيعة لعلي . فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة . و كان ابن عباس قد خرج إلى علي و استخلف عليها زياداً ، و نزل في بني تميم و اجتمع إليه العثمانية فحضهم على الطلب بدم عثمان من علي ، فقال الضحاك بن قيس الهلالي : قبح الله ما جئت به و ما تدعو إليه تحملنا على الفرقة بعد الاجتماع و على الموت ليكون معاوية أميراً ؟ فقال له عبد الله بن حازم السلمي : أسكت فلست لها بأهل . ثم قال لابن الحضرمي : نحن أنصارك و يدك و القول قولك ، فقرأ كتاب معاوية يدعوهم إلى رأيه من الطلب بدم عثمان على أن يعمل فيهم بالسنة و يضاعف لهم الأعطية . فلما فرغ من قراءته قام الأحنف بن قيس معتزلا و حض عمر بن مرحوم على لزوم البيعة و الجماعة ، و قام العباس بن حجر في مناصرة ابن الحضرمي ، فقال له المثنى بن مخرمة لا يغرنك ابن صحار وارجع من حيث جئت ، فقال ابن الحضرمي لصبرة بن شيمان الأزدي ألا تنصرني ؟ قال : لو نزلت عندي فعلت . و دعا زياد أمير البصرة حصين بن المنذور و مالك بن مسمع و رؤوس بكر بن وائل إلى المنعة من ابن الحضرمي إلى أن يأتي أمر علي ، فأجاب حصين و تثاقل مالك و كان هواه في بني أمية ، فأرسل زياد إلى صبرة بن شيمان يدعوه إلى الجوار بما معه من بيت المال فقال : إن حملته إلى داري أجرتك فتحول إليه ببيت المال و المنبر ، و كان يصلي الجمعة في مسجد قومه ، و أراد زياد اختبارهم فبعث إليهم من ينذرهم بمسيره بهم إليهم ، و أخذ زياد جنداً منهم بعد صبره لذلك و قال : إن جاؤا جئناهم ، و كتب زياد إلى علي بالخبر فأرسل أعين بن ضبيعة ليفرق تميما عن ابن الحضرمي و يقاتل من عصاه بمن أطاعه ، فجاء لذلك و قاتلهم يوماً أو بعض يوم ، ثم اغتاله قوم قتلوه يقال من الخوارج .
ولاية زياد على فارس
و لما قتل ابن الحضرمي بالبصرة و الناس مختلفون على علي طمع أهل النواحي من بلاد العجم في كسر الخراج ، و أخرج أهل فارس عاملهم سهل بن حنيف ، فاستشار علي الناس فأشار عليه جارية بن قدامة بزياد فأمر ابن عباس أن يوليه عليها ، فبعثه إليها في جيش كثيف فطوى بهم أهل فارس و ضرب ببعضهم بعضاً و هرب قوم و أقام آخرون ، وصفت له فارس بغير حرب . ثم تقدم إلى كرمان فدوخها مثل ذلك فاستقامت وسكن الناس ونزل اصطخر وسكن قلعة بها تسمى قلعة زياد .
فراق ابن عباس لعلي رضي الله عنهم
و في سنة أربعين فارق عبد الله بن عباس علياً و لحق بمكة ، و ذلك أنه مر يوماً بأبي الأسود و وبخه على أمر ، فكتب أبو الأسود إلى علي بأن ابن عباس استتر بأموال الله فأجابه علي يشكره على ذلك و كتب لابن عباس و لم يخبره بالكاتب ، فكتب إليه بكذب ما بلغه من ذلك و أنه ضابط للمال حافظ له ، فكتب إليه علي أعلمني ما أخذت و من أين أخذت و فيما صنعت ؟ فكتب إليه ابن عباس فهمت استعظامك لما رفع إليك أني رزأته من هذا المال فابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه و استدعى أخواله من بني هلال ، فجاءته قيس كلها و لم يبعث الأموال و قال : هذه أرزاقنا ، و أتبعه أهل البصرة و وقفت دونه قيس . فرجع صبرة بن شيمان الهمداني بالأزد و قال قيس : إخواننا و هم خير من المال فأطيعوني ، و انصرف معهم بكر و عبد القيس ثم انصرف الأحنف بقومه من بني تميم و حجز بقية تميم عنه ، و لحق ابن عباس بمكة .
مقتل علي
قتل علي رضي الله عنه سنة أربعين عشرة من رمضان و قيل لإحدى عشرة و قيل في ربيع الآخر و الأول أصح ، و كان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي و البرك بن عبد الله التميمي الصريمي و اسمه الحجاج و عمرو بن بكر التميمي السعدي ، ثلاثتهم من الخوارج لحقوا من فلهم بالحجاز ، و اجتمعوا فتذكروا ما فيه الناس و عابوا الولاة و ترحموا على قتلى النهروان ، و قالوا : ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا و قتلنا أئمة الضلال و أرحنا منهم الناس ، فقال ابن ملجم و كان من مصر : أنا أكفيكم علياً ، و قال البرك : أنا أكفيكم معاوية ، و قال عمرو بن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن العاص . و تعاهدوا أن لا نرجع أحد عن صاحبه حتى يقتله أو يموت . و اتعدوا لسبع عشرة من رمضان و انطلقوا . و لقي ابن ملجم أصحابه بالكوفة فطوى خبره عنهم ، ثم جاء إلى شبيب بن شجرة من أشجع و دعاه إلى الموافقة في شأنه ، فقال شبيب ثكلتك أمك فكيف تقدر على قتله . قال : أكمن له في المسجد في صلاة الغداة فإن قتلناه و إلا فهي الشهادة قال : ويحك لا أجدني أنشرح لقتله مع سابقته و فضله ، قال : ألم يقتل العباد الصالحين أهل النهروان ؟ قال : بلى . قال : فنقتله بمن قتله منهم ، فأجابه : ثم لقي أمرأة من تيم الرباب فائقة الجمال قتل أبوها و أخوها يوم النهروان ، فأخذت قلبه فخطبها فشرطت عليه عبداً و قينة و قتل علي ، فقال كيف يمكن ما أنت تريدين ؟ قال التمس غرته فإن قتلته شفيت النفوس و إلا فهي الشهادة . قال : و الله ما جئت إلا لذلك و لك ما سألت ، قالت : سأبعث معك من يشد ظهرك و يساعدك ، و بعثت معه رجلاً من قومها اسمه وردان .
فلما كانت الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي و كانت ليلة الجمعة جاء إلى المسجد و معه شبيب ووردان و جلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة ، فلما خرج و نادى للصلاة علاه شبيب بالسيف فوقع بعضادة الباب ، و ضربه ابن ملجم على مقدم رأسه ، و قال : الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك . و هرب وردان إلى منزله و أخبر بعض أصحابه بالأمر فقتله . هرب شبيب مغلساً . و صاح الناس به فلحقه رجل من حضرموت فأخذه و جلس عليه و السيف في يد شبيب و الناس قد أقبلوا في طلبه ، و خشي الحضرمي على نفسه لاختلاط الغلس فتركه و ذهب في غمار الناس ، و شد الناس على ابن ملجم و استخلف علي على الصلاة جعدة بن هبيرة و هو ابن أخته أم هانيء فصلى الغداة بالناس ، و ادخل ابن ملجم مكتوفاً على علي فقال : أي عدو الله ما حملك على هذا ؟ قال : شحذته أربعين صباحاً و سألت الله أن يقتل به شر خلقه ، فقال : أراك مقتولاً به . ثم قال إن هلكت فاقتلوه كما قتلني و إن بقيت رأيت فيه رأيي ، يابني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين و تقولوا قتل أمير المؤمنين لا تقتلوا إلا قاتلي ، يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه بسيفه و لا تمثلن بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " إياكم و المثلة " . و قالت أم كلثوم لابن ملجم و هو مكتوف و هي تبكي : أي عدو الله إنه لا بأس على أبي و الله مخزيك قال : فعلام تبكين ؟ و الله لقد شريته بألف و صقلته أربعين و لو كانت هذه الضربة بأهل بلد ما بقي منهم أحد . و قال جندب بن عبد الله لعلي أنبايع الحسن إن فقدناك ؟ قال : ما آمركم به و لا أنهاكم أنتم أبصر ، ثم دعا الحسن و الحسين و وصاهما قال : أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و أن بغتكما و لا نأسفا على شيء زوى منهما عنكما و قولا الحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصراً و عملاً بما في كتاب الله و لا تأخذكما في الله لومة لائم . ثم قال لمحمد بن الحنفية : إني أوصيك بمثل ذلك و بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك و لا تقطع أمراً دونهما ، ثم وصاهما بابن الحنفية ، ثم أعاد على الحسن وصيته . و لما حضرته الوفاة كتب وصيته العامة و لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض . فأحضر الحسن ابن ملجم فقال له : هل لك في البقاء علي و أني قد عاهدت الله أن أقتل علياً و معاوية ، و أني عاهدت الله على الوفاء بالعهد فخل بيني و بين ذلك فإن قتلته و بقيت فلك عهد الله أن آتيك ، فقال : لا و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله . و أما البرك فإنه قعد لمعاوية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45425
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
تلك الليلة فلما خرج للصلاة ضربه بالسيف في إليته و أخذ فقال : عندي بشرى أتنفعني إن أخبرتك بها قال : نعم . قال : إن أخا لي قتل علياً هذه الليلة ، قال : فلعله لم يقدر عليه ، قال : بلى إن علياً ليس معه حرس ، فأمر به معاوية فقتل ، و أحضر الطبيب فقال : ليس إلا الكي أو شربة تقطع منك الولد . فقال : في يزيد و عبد الله ما تقر به عيني و النار لا صبر لي عليها ، و قد قيل إنه أمر بقطع البرك فقطع و أقام إلى أيام زياد فقتله بالبصرة ، و عند ذلك اتخذ معاوية المقصورة و حرس الليل و قيام الشرط على رأسه إذا سجد . و يقال إن أول من اتخذ المقصورة مروان بن الحكم سنة أربع و أربعين حين طعنه اليماني .
و أما عمرو بن بكر فإنه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج و كان اشتكى فأمر صاحب شرطته خارجة بن أبي حبيبة بن عامر بن لؤي يصلي بالناس فشد عليه فضربه فقتله و هو يرى أنه عمرو بن العاص ، فلما أخذوه و أدخلوه على عمرو قال فمن قتلت إذاً ؟ قالوا خارجة فقال : لعمرو بن العاص و الله ما ظننته غيرك ! فقال عمرو : و أردت عمرا و أراد الله خارجة . و أمر بقتله .
وتوفي علي رضي الله عنه و على البصرة عبد الله بن عباس و على قضائها أبو الأسود الدؤلي و على فارس زياد بن سمية و على اليمن عبيد الله بن العباس حتى وقع أمر بسر بن أبي أرطأة ، و على مكة و الطائف قثم بن عباس و على المدينة أبو أيوب الأنصاري و قيل سهل بن حنيف .
بيعة الحسن و تسليمه الأمر لمعاوية
و لما قتل علي رضي الله عنه اجتمع أصحابه فبايعوا ابنه الحسن ، و أول من بايعه قيس ابن سعد و قال : ابسط يدك على كتاب الله و سنة رسوله و قتال الملحدين . فقال الحسن على كتاب الله و سنة رسوله . و يأتيان على كل شرط . ثم بايعه الناس فكان يشترط عليهم أنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت و تحاربون من حاربت ، فارتابوا وقالوا : ما هذا لكم بصاحب و ما يريد القتال .
و بلغ الخبر بمقتل علي إلى معاوية فبويع بالخلافة و دعي بأمير المؤمنين ، وقد كان بويع بها بعد اجتماع الحكمين . و لأربعين ليلة بعد مقتل علي مات الأشعث بن قيس الكندي من أصحابه ، ثم مات من أصحابه معاوية شرحبيل بن السمط الكندي . و كان علي قبل قتله قد تجهز بالمسلمين إلى الشام ، و بايعه أربعون ألفاً من عسكره على الموت ، فلما بويع الحسن زحف معاوية في أهل الشام إلى الكوفة فسار الحسن في ذلك الجيش للقائه و على مقدمته قيس بن سعد في اثني عشر ألفا ، و قيل بل كان عبد الله بن عباس على المقدمة و قيس في طلائعه . فلما نزل الحسن في المدائن شاع في العسكر أن قيس بن سعد قتل ، و اهتاج الناس و ماج بعضهم في بعض و جاؤا إلى سرادق الحسن و نهبوا ما حوله حتى نزعوه بساطه الذي كان عليه و استلبوه رداءه و طعنه بعضهم في فخذه . و قامت ربيعة و همدان دونه و احتملوه على سرير إلى المدائن و دخل إلى القصر و كاد أمره أن ينحل ، فكتب إلى معاوية يذكر له النزول عن الأمر على أن يعطيه ما في بيت المال بالكوفة و مبلغه خمسة آلاف ألف ، و يعطيه خراج دار ابجرد من فارس و ألا يشتم علياً و هو يسمع ، و أخبر بذلك أخوه الحسين و عبد الله بن جعفر و عذلاه فلم يرجع إليهما . و بلغت صحيفته إلى معاوية فأمسكها و كان قد بعث عبد الله بن عامر و عبد الله بن سمرة إلى الحسن و معهما صحيفة بيضاء ختم في أسفلها و كتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهو لك فاشترط فيها أضعاف ما كان في الصحيفة ، فلما سلم له و طالبه في الشروط أعطاه ما في الصحيفة الأولى و قال هو الذي طلبت . ثم نزعه أهل البصرة خراج دار ابجرد و قالوا : هو فيئنا لا نعطيه . و خطب الحسن أهل العراق و قال : سخى نفسي عنكم ثلاث : قتل أبي وطعني و انتهاب بيتي ، ثم قال ألا وقد أصبحتم بين قبيلين قبيل بصفين يبكون له و قبيل بالنهروان يطلبون بثأره و أما الباقي فخاذل ، و أما الباكي فثائر و أن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز و لا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه و حاكمناه إلى الله بظبا السيوف ، و إن أردتم الحياة قبلنا و أخذنا لكم الرضى . فناداه الناس من كل جانب البقية البقية فأمضى الصلح . ثم بايع لمعاوية لستة أشهر من بيعته .
و دخل معاوية الكوفة و بايعه الناس ، و كتب الحسن إلى قيس بن سعد يأمره بطاعة معاوية فقام قيس في أصحابه فقال نحن بين القتال مع غير إمام أو طاعة إمام ضلالة ، فقال له الناس : طاعة الإمام أولى ، و انصرفوا إلى معاوية فبايعوه و امتنع قيس و انصرف . فلما دخل معاوية الكوفة أشار عليه عمرو بن العاص أن يقيم الحسن للناس خطيباً ليبدو للناس عيه ، فلما قدم حمد الله و قال : أيها الناس إن الله هداكم بأولنا و حقن دماءكم بآخرنا و إن لهذا الأمر مدة و الدنيا دول الله عز وجل يقول لنبيه : و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين ، فقال له معاوية إجلس و عرف أنه خدع في رأيه . ثم ارتحل الحسن في أهل بيته و حشمهم إلى المدينة و خرج أهل الكوفة لوداعه باكين ، فلم يزل مقيما بالمدينة إلى أن هلك سنة تسع و أربعين . و قال أبو الفرج الأصبهاني سنة إحدى و خمسين و على فراشه بالمدينة ، و ما ينقل من أن معاوية دس إليهم السم مع زوجه جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة و حاشا لمعاوية من ذلك .
و أقام قيس بن سعد على امتناعه من البيعة و كان معاوية قد بعث عبد الله بن عامر في جيش إلى عبيد الله بن عباس لما كتب إليه في الأمان بنفسه ، فلقيه ليلاً و أمنه و سار معه إلى معاوية ، فقام بأمر العسكر بعده قيس بن سعد و تعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي على دمائهم و أموالهم و ما كانوا أصابوا في الفتنة ، و بلغ الخبر إلى معاوية و أشار عليه عمرو في قتاله ، و قال معاوية : يقتل في ذلك أمثالهم من أهل الشام و لا خير فيه . ثم بعث إليه بصحيفة ختم في أسفلها و قال : اكتب في هذا ما شئت فهو لك ، فكتب قيس له و لشيعته الأمان على ما أصابوا من الدماء و الأموال ، و لم يسأل مالا فأعطاه معاوية ذلك و بايعه قيس و الشيعة الذين معه ، ثم جاء سعد بن أبي وقاص فبايعه . و استقر الأمر لمعاوية و اتفق الجماعة على بيعته و ذلك في منتصف سنة إحدى و أربعين و سمي ذلك العام عام الجماعة من أجل ذلك . ثم خرج عليه الخوارج من كل جهة من بقية أهل النهروان و غيرهم فقاتلهم و استلحمهم كما يأتي في أخبارهم على ما اشترطناه في تأليفنا من إفراد الأخبار عن الدول و أهل النحل دولة دولة و طائفة طائفة .
و هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية و ما كان فيها من الردة و الفتوحات و الحروب ثم الإتفاق و الجماعة أوردتها ملخصة عيونها و مجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري و هو تاريخه الكبير فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك ، و أبعد من المطاعن عن الشبه في كبار الأمة من خيارهم و عدولهم عن الصحابة رضي الله عنهم و التابعين ، فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن و شبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء فلا ينبغي أن تسود بها الصحف ، و اتبعتها بمفردات من غير كتاب الطبري بعد أن تخيرت الصحيح جهد الطاقة و إذا ذكرت شيئاً في الأغلب نسبته إلى قائله ، وقد كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية و أخباره بدول الخلفاء و أخبارهم فهو تاليهم في الفضل و العدالة و الصحبة ، و لا ينظر في ذلك إلى حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة فإنه لم يصح ، و الحق أن معاوية في عداد الخلفاء و إنما أخره المؤرخون في التأليف عنهم لأمرين : الأول أن الخلافة لعهده كانت مغالبة لأجل ما قدمناه من العصبية التي حدثت لعصره ، و أما قبل ذلك كانت اختيار و اجتماعا فميزوا بين الحالتين ، فكان معاوية أول خلفاء المغالبة و العصبية الذين يعبر عنهم أهل الأهواء بالملوك ، و يشبهون بعضهم ببعض و حاشى الله أن يشبه معاوية بأحد ممن بعده ، فهو من الخلفاء الراشدين و من كان تلوه في الدين و الفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك و كذلك من بعدهم من خلفاء بني العباس ، و لا يقال إن الملك أدون رتبة من الخلافة فكيف يكون خليفة ملكاً .
و أعلم أن الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هو الجبروتية المعبر عنها بالكسروية التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها ، و أما الملك الذي هو الغلبة و القهر بالعصبية و الشوكة فلا ينافي الخلافة و لا النبوة فقد كان سليمان بن داود و أبوه صلوات الله عليهما نبيين و ملكين و كانا على غاية الإستقامة في دنياهما و على طاعة ربهما عز و جل . و معاوية لم بطلب الملك و لا أبهته للإستكثار من الدنيا ، و إنما ساقه أمر العصبية بطبعها لما استولى المسلمون على الدول كلها و كان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستفحل العصبية و تدعو لطبيعة الملك . و كذلك شأن الخلفاء أهل الدين من بعده إذا دعتهم ضرورة الملك إلى إستفحال أحكامه ودواعيه ، و القانون في ذلك عرض أفعالهم على الصحيح من الأخبار لا بالواهي ، فمن جرت أفعاله عليها فهو خليفة النبي صلى الله عليه و سلم في المسلمين ، و من خرجت أفعاله عن ذلك فهو من ملوك الدنيا و إنما سمي خليفة بالمجاز .
الأمر الثاني في ذكر معاوية مع خلفاء بني أمية دون الخلفاء الأربعة أنهم كانوا أهل نسب واحد و عظيمهم معاوية ، فجعل مع أخل نسبه ، و الخلفاء الأولون مختلفو الأنساب فجعلوا في نمط واحد و ألحق بهم عثمان و إن كان من أهل هذا النسب للحوقه بهم قريباً في الفضل و الله يحشرنا في زمرتهم و يرحمنا بالاقتداء بهم .
تمت تكملة الجزء الثاني و يليه الجزء الثالث و أوله .
الخبر عن الدول الإسلامية و نبدأ منها بدولة بني أمية معقبة لخلفاء صدر الإسلام و ذكر أوليتهم و أخبار دولهم واحدة واحدة إلى انقضائها
فهرس المحتويات الكتاب الثاني و يشتمل : أخبار العرب و أجيالهم و دولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد المقدمة الأولى في أمم العالم و اختلاف أجيالهم و الكلام على الجملة في أنسابهم المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول و غيرهم القول في أجيال العرب و أوليتها و اختلاف طبقاتها و تعاقبها و أنساب كل طبقة منها برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها و الدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها الطبقة الأولى من العرب و هم العرب العاربة و ذكر نسبهم و الإلمام بملكهم و دولهم على الجملة الخبر عن ابراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام و نسبه إلى فالغ بن عابر و ذكر أولاده صلوات الله عليهم و أحوالهم الطبقة الثانية من العرب و هم العرب المستعربة و ذكر أنسابهم و أيامهم و ملوكهم و الإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم الخبر عن ملوك التبابعة من حمير و أوليتهم باليمن و مصاير أمورهم ملك الحبشة اليمن غزو الحبشة الكعبة قصة سيف بن ذي يزن و ملك الفرس على اليمن الخبر عن ملوك بابل من النبط و السريانيين و ملوك الموصل و نينوى من الجرامقة الخبر عن القبط و أولية ملكهم و دولهم و تصاريف أحوالهم و الإلمام بنسبهم الخبر عن بني إسرائيل و ما كان لهم من النبوة و الملك و تغلبهم على الأرض المقدسة بالشام و كيف تجددت دولتهم بعد الانقراض و ما اكتنف ذلك من الأحوال الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع إلى أن صار أمرهم إلى الملك و ملك عليهم طالوت الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افترق أمرهم و الخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا و بنيامين بالقدس إلى انقراضها الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا و بنيامين إلى انقراضه الخبر عن دولة الأسباط العشرة و ملوكهم إلى حين انقراض أمرهم الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأول و ما كان لبني اسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي و بني هيردوس إلى حين الخراب الثاني و الجلوة الكبرى ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس انقراض ملك بني حشمناي و ابتداء ملك هيردوس و بنيه الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته و بعثته و رفعه من الأرض و الإلمام بشأن الحواريين بعده و كتبهم الأناجيل الأربعة و ديانة النصارى بملته و اجتماع الأقسة على تدوين شريعته الخبر عن الفرس و ذكر أيامهم و دولهم و تسمية ملوكهم و كيف كان مصير أمرهم إلى تمامه و انقراضه الطبقة الأولى من الفرس و ذكر ملوكهم و ما صار إليه في الخليفة أحوالهم الطبقة الثانية من الفرس و هم الكينية و ذكر ملوكهم و أيامهم إلى حين انقراضهم الطبقة الثالثة من الفرس و هم الأشكانية ملوك الطوائف و ذكر دولهم و مصاير أمورهم إلى نهايتها القسم الأول من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي القسم الثاني من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي الخبر عن دولة يونان و الروم و أنسابهم و مصايرهم الخبر عن دولة يونان و الإسكندر منهم و ما كان لهم من الملك و السلطان إلى انقراض أمرهم الخبر عن اللطينيين و هم الكتيم المعرفون بالروم من أمم يونان و أشياعهم و شعوبهم و ما كان لهم من الملك و الغلب و ذكر الدولة التي فيهم للقياصرة و أولية ذلك و مصايره الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية و تخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم و هم اللطينيون الخبر عن ملوك القياصرة من الكتيم و هم اللطينيون و مبدأ أمورهم و مصاير أحوالهم الخبر عن القياصرة المنتصرة من اللطينيين و هم الكيتم و استفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل و الدولة الإسلامية إلى حين انقراض أمرهم و تلاشي أحوالهم الخبر عن القوط و ما كان لهم من الملك بالأندلس إلى حين الفتح الإسلامي و أولية ذلك و مصايره الطبقة الثالثة من العرب و هم العرب التابعة للعرب و ذكر أفاريقهم و أنسابهم و ممالكهم و ما كان لهم من الدول على اختلافها و البادية و الرحالة منهم و ملكها الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة و ذكر مواطنهم و من كان له الملك منهم الخبر عم حمير من القحطانية و بطونها و تفرع شعوبها الخبر عن قضاعة و بطونها و الإلمام ببعض الملك الذي كان فيها الخبر عن بطون كهلان من القحطانية و شعوبهم و اتصال بعضها مع بعض و انقضائها الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم و كيف صار إلى طيء من بعدهم ملوك كندة ـ الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة و مبدأ أمرهم و تصاريف أحوالهم الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة و أوليتهم و دولهم و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم الخبر عن الأوس و الخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة ذكر أوليتهم و الإلمام بشأن نصرتهم و كيف انقراض أمرهم القسم الأول من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره القسم الثاني من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره القسم الثالث من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره الخبر عن قريش من هذه الطبقة و ملكهم بمكة و أولية أمرهم و كيف صار الملك إليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة أمر النبوة و الهجرة في هذه الطبقة الثالثة و ما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية و الحرب المولد الكريم و بدء الوحي بدء الوحي هجرة الحبشة العقبة الثانية الهجرة الغزوات غزوة أحد غزوة الخندق عمرة الحديبية إرسال الرسل إلى الملوك غزوة خيبر فتح فدك و وادي القرى عمرة القضاء غزوة جيش الأمراء فتح مكة غزوة حنين حصار الطائف و غزوة
و أما عمرو بن بكر فإنه جلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج و كان اشتكى فأمر صاحب شرطته خارجة بن أبي حبيبة بن عامر بن لؤي يصلي بالناس فشد عليه فضربه فقتله و هو يرى أنه عمرو بن العاص ، فلما أخذوه و أدخلوه على عمرو قال فمن قتلت إذاً ؟ قالوا خارجة فقال : لعمرو بن العاص و الله ما ظننته غيرك ! فقال عمرو : و أردت عمرا و أراد الله خارجة . و أمر بقتله .
وتوفي علي رضي الله عنه و على البصرة عبد الله بن عباس و على قضائها أبو الأسود الدؤلي و على فارس زياد بن سمية و على اليمن عبيد الله بن العباس حتى وقع أمر بسر بن أبي أرطأة ، و على مكة و الطائف قثم بن عباس و على المدينة أبو أيوب الأنصاري و قيل سهل بن حنيف .
بيعة الحسن و تسليمه الأمر لمعاوية
و لما قتل علي رضي الله عنه اجتمع أصحابه فبايعوا ابنه الحسن ، و أول من بايعه قيس ابن سعد و قال : ابسط يدك على كتاب الله و سنة رسوله و قتال الملحدين . فقال الحسن على كتاب الله و سنة رسوله . و يأتيان على كل شرط . ثم بايعه الناس فكان يشترط عليهم أنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت و تحاربون من حاربت ، فارتابوا وقالوا : ما هذا لكم بصاحب و ما يريد القتال .
و بلغ الخبر بمقتل علي إلى معاوية فبويع بالخلافة و دعي بأمير المؤمنين ، وقد كان بويع بها بعد اجتماع الحكمين . و لأربعين ليلة بعد مقتل علي مات الأشعث بن قيس الكندي من أصحابه ، ثم مات من أصحابه معاوية شرحبيل بن السمط الكندي . و كان علي قبل قتله قد تجهز بالمسلمين إلى الشام ، و بايعه أربعون ألفاً من عسكره على الموت ، فلما بويع الحسن زحف معاوية في أهل الشام إلى الكوفة فسار الحسن في ذلك الجيش للقائه و على مقدمته قيس بن سعد في اثني عشر ألفا ، و قيل بل كان عبد الله بن عباس على المقدمة و قيس في طلائعه . فلما نزل الحسن في المدائن شاع في العسكر أن قيس بن سعد قتل ، و اهتاج الناس و ماج بعضهم في بعض و جاؤا إلى سرادق الحسن و نهبوا ما حوله حتى نزعوه بساطه الذي كان عليه و استلبوه رداءه و طعنه بعضهم في فخذه . و قامت ربيعة و همدان دونه و احتملوه على سرير إلى المدائن و دخل إلى القصر و كاد أمره أن ينحل ، فكتب إلى معاوية يذكر له النزول عن الأمر على أن يعطيه ما في بيت المال بالكوفة و مبلغه خمسة آلاف ألف ، و يعطيه خراج دار ابجرد من فارس و ألا يشتم علياً و هو يسمع ، و أخبر بذلك أخوه الحسين و عبد الله بن جعفر و عذلاه فلم يرجع إليهما . و بلغت صحيفته إلى معاوية فأمسكها و كان قد بعث عبد الله بن عامر و عبد الله بن سمرة إلى الحسن و معهما صحيفة بيضاء ختم في أسفلها و كتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهو لك فاشترط فيها أضعاف ما كان في الصحيفة ، فلما سلم له و طالبه في الشروط أعطاه ما في الصحيفة الأولى و قال هو الذي طلبت . ثم نزعه أهل البصرة خراج دار ابجرد و قالوا : هو فيئنا لا نعطيه . و خطب الحسن أهل العراق و قال : سخى نفسي عنكم ثلاث : قتل أبي وطعني و انتهاب بيتي ، ثم قال ألا وقد أصبحتم بين قبيلين قبيل بصفين يبكون له و قبيل بالنهروان يطلبون بثأره و أما الباقي فخاذل ، و أما الباكي فثائر و أن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز و لا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه و حاكمناه إلى الله بظبا السيوف ، و إن أردتم الحياة قبلنا و أخذنا لكم الرضى . فناداه الناس من كل جانب البقية البقية فأمضى الصلح . ثم بايع لمعاوية لستة أشهر من بيعته .
و دخل معاوية الكوفة و بايعه الناس ، و كتب الحسن إلى قيس بن سعد يأمره بطاعة معاوية فقام قيس في أصحابه فقال نحن بين القتال مع غير إمام أو طاعة إمام ضلالة ، فقال له الناس : طاعة الإمام أولى ، و انصرفوا إلى معاوية فبايعوه و امتنع قيس و انصرف . فلما دخل معاوية الكوفة أشار عليه عمرو بن العاص أن يقيم الحسن للناس خطيباً ليبدو للناس عيه ، فلما قدم حمد الله و قال : أيها الناس إن الله هداكم بأولنا و حقن دماءكم بآخرنا و إن لهذا الأمر مدة و الدنيا دول الله عز وجل يقول لنبيه : و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين ، فقال له معاوية إجلس و عرف أنه خدع في رأيه . ثم ارتحل الحسن في أهل بيته و حشمهم إلى المدينة و خرج أهل الكوفة لوداعه باكين ، فلم يزل مقيما بالمدينة إلى أن هلك سنة تسع و أربعين . و قال أبو الفرج الأصبهاني سنة إحدى و خمسين و على فراشه بالمدينة ، و ما ينقل من أن معاوية دس إليهم السم مع زوجه جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة و حاشا لمعاوية من ذلك .
و أقام قيس بن سعد على امتناعه من البيعة و كان معاوية قد بعث عبد الله بن عامر في جيش إلى عبيد الله بن عباس لما كتب إليه في الأمان بنفسه ، فلقيه ليلاً و أمنه و سار معه إلى معاوية ، فقام بأمر العسكر بعده قيس بن سعد و تعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي على دمائهم و أموالهم و ما كانوا أصابوا في الفتنة ، و بلغ الخبر إلى معاوية و أشار عليه عمرو في قتاله ، و قال معاوية : يقتل في ذلك أمثالهم من أهل الشام و لا خير فيه . ثم بعث إليه بصحيفة ختم في أسفلها و قال : اكتب في هذا ما شئت فهو لك ، فكتب قيس له و لشيعته الأمان على ما أصابوا من الدماء و الأموال ، و لم يسأل مالا فأعطاه معاوية ذلك و بايعه قيس و الشيعة الذين معه ، ثم جاء سعد بن أبي وقاص فبايعه . و استقر الأمر لمعاوية و اتفق الجماعة على بيعته و ذلك في منتصف سنة إحدى و أربعين و سمي ذلك العام عام الجماعة من أجل ذلك . ثم خرج عليه الخوارج من كل جهة من بقية أهل النهروان و غيرهم فقاتلهم و استلحمهم كما يأتي في أخبارهم على ما اشترطناه في تأليفنا من إفراد الأخبار عن الدول و أهل النحل دولة دولة و طائفة طائفة .
و هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية و ما كان فيها من الردة و الفتوحات و الحروب ثم الإتفاق و الجماعة أوردتها ملخصة عيونها و مجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري و هو تاريخه الكبير فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك ، و أبعد من المطاعن عن الشبه في كبار الأمة من خيارهم و عدولهم عن الصحابة رضي الله عنهم و التابعين ، فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين أخبار فيها مطاعن و شبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء فلا ينبغي أن تسود بها الصحف ، و اتبعتها بمفردات من غير كتاب الطبري بعد أن تخيرت الصحيح جهد الطاقة و إذا ذكرت شيئاً في الأغلب نسبته إلى قائله ، وقد كان ينبغي أن تلحق دولة معاوية و أخباره بدول الخلفاء و أخبارهم فهو تاليهم في الفضل و العدالة و الصحبة ، و لا ينظر في ذلك إلى حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة فإنه لم يصح ، و الحق أن معاوية في عداد الخلفاء و إنما أخره المؤرخون في التأليف عنهم لأمرين : الأول أن الخلافة لعهده كانت مغالبة لأجل ما قدمناه من العصبية التي حدثت لعصره ، و أما قبل ذلك كانت اختيار و اجتماعا فميزوا بين الحالتين ، فكان معاوية أول خلفاء المغالبة و العصبية الذين يعبر عنهم أهل الأهواء بالملوك ، و يشبهون بعضهم ببعض و حاشى الله أن يشبه معاوية بأحد ممن بعده ، فهو من الخلفاء الراشدين و من كان تلوه في الدين و الفضل من الخلفاء المروانية ممن تلاه في المرتبة كذلك و كذلك من بعدهم من خلفاء بني العباس ، و لا يقال إن الملك أدون رتبة من الخلافة فكيف يكون خليفة ملكاً .
و أعلم أن الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هو الجبروتية المعبر عنها بالكسروية التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها ، و أما الملك الذي هو الغلبة و القهر بالعصبية و الشوكة فلا ينافي الخلافة و لا النبوة فقد كان سليمان بن داود و أبوه صلوات الله عليهما نبيين و ملكين و كانا على غاية الإستقامة في دنياهما و على طاعة ربهما عز و جل . و معاوية لم بطلب الملك و لا أبهته للإستكثار من الدنيا ، و إنما ساقه أمر العصبية بطبعها لما استولى المسلمون على الدول كلها و كان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستفحل العصبية و تدعو لطبيعة الملك . و كذلك شأن الخلفاء أهل الدين من بعده إذا دعتهم ضرورة الملك إلى إستفحال أحكامه ودواعيه ، و القانون في ذلك عرض أفعالهم على الصحيح من الأخبار لا بالواهي ، فمن جرت أفعاله عليها فهو خليفة النبي صلى الله عليه و سلم في المسلمين ، و من خرجت أفعاله عن ذلك فهو من ملوك الدنيا و إنما سمي خليفة بالمجاز .
الأمر الثاني في ذكر معاوية مع خلفاء بني أمية دون الخلفاء الأربعة أنهم كانوا أهل نسب واحد و عظيمهم معاوية ، فجعل مع أخل نسبه ، و الخلفاء الأولون مختلفو الأنساب فجعلوا في نمط واحد و ألحق بهم عثمان و إن كان من أهل هذا النسب للحوقه بهم قريباً في الفضل و الله يحشرنا في زمرتهم و يرحمنا بالاقتداء بهم .
تمت تكملة الجزء الثاني و يليه الجزء الثالث و أوله .
الخبر عن الدول الإسلامية و نبدأ منها بدولة بني أمية معقبة لخلفاء صدر الإسلام و ذكر أوليتهم و أخبار دولهم واحدة واحدة إلى انقضائها
فهرس المحتويات الكتاب الثاني و يشتمل : أخبار العرب و أجيالهم و دولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد المقدمة الأولى في أمم العالم و اختلاف أجيالهم و الكلام على الجملة في أنسابهم المقدمة الثانية في كيفية وضع الأنساب في كتابنا لأهل الدول و غيرهم القول في أجيال العرب و أوليتها و اختلاف طبقاتها و تعاقبها و أنساب كل طبقة منها برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها و الدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها الطبقة الأولى من العرب و هم العرب العاربة و ذكر نسبهم و الإلمام بملكهم و دولهم على الجملة الخبر عن ابراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام و نسبه إلى فالغ بن عابر و ذكر أولاده صلوات الله عليهم و أحوالهم الطبقة الثانية من العرب و هم العرب المستعربة و ذكر أنسابهم و أيامهم و ملوكهم و الإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم الخبر عن ملوك التبابعة من حمير و أوليتهم باليمن و مصاير أمورهم ملك الحبشة اليمن غزو الحبشة الكعبة قصة سيف بن ذي يزن و ملك الفرس على اليمن الخبر عن ملوك بابل من النبط و السريانيين و ملوك الموصل و نينوى من الجرامقة الخبر عن القبط و أولية ملكهم و دولهم و تصاريف أحوالهم و الإلمام بنسبهم الخبر عن بني إسرائيل و ما كان لهم من النبوة و الملك و تغلبهم على الأرض المقدسة بالشام و كيف تجددت دولتهم بعد الانقراض و ما اكتنف ذلك من الأحوال الخبر عن حكام بني إسرائيل بعد يوشع إلى أن صار أمرهم إلى الملك و ملك عليهم طالوت الخبر عن ملوك بني إسرائيل بعد الحكام ثم افترق أمرهم و الخبر عن دولة بني سليمان بن داود على السبطين يهوذا و بنيامين بالقدس إلى انقراضها الخبر عن افتراق بني إسرائيل منهم ببيت المقدس على سبط يهوذا و بنيامين إلى انقراضه الخبر عن دولة الأسباط العشرة و ملوكهم إلى حين انقراض أمرهم الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأول و ما كان لبني اسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي و بني هيردوس إلى حين الخراب الثاني و الجلوة الكبرى ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس انقراض ملك بني حشمناي و ابتداء ملك هيردوس و بنيه الخبر عن شأن عيسى بن مريم صلوات الله عليه في ولادته و بعثته و رفعه من الأرض و الإلمام بشأن الحواريين بعده و كتبهم الأناجيل الأربعة و ديانة النصارى بملته و اجتماع الأقسة على تدوين شريعته الخبر عن الفرس و ذكر أيامهم و دولهم و تسمية ملوكهم و كيف كان مصير أمرهم إلى تمامه و انقراضه الطبقة الأولى من الفرس و ذكر ملوكهم و ما صار إليه في الخليفة أحوالهم الطبقة الثانية من الفرس و هم الكينية و ذكر ملوكهم و أيامهم إلى حين انقراضهم الطبقة الثالثة من الفرس و هم الأشكانية ملوك الطوائف و ذكر دولهم و مصاير أمورهم إلى نهايتها القسم الأول من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي القسم الثاني من الطبقة الرابعة من الفرس و هم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي الخبر عن دولة يونان و الروم و أنسابهم و مصايرهم الخبر عن دولة يونان و الإسكندر منهم و ما كان لهم من الملك و السلطان إلى انقراض أمرهم الخبر عن اللطينيين و هم الكتيم المعرفون بالروم من أمم يونان و أشياعهم و شعوبهم و ما كان لهم من الملك و الغلب و ذكر الدولة التي فيهم للقياصرة و أولية ذلك و مصايره الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية و تخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم و هم اللطينيون الخبر عن ملوك القياصرة من الكتيم و هم اللطينيون و مبدأ أمورهم و مصاير أحوالهم الخبر عن القياصرة المنتصرة من اللطينيين و هم الكيتم و استفعال ملكهم بقسطنطينية ثم بالشام بعدها إلى حين الفتح الإسلامي ثم بعد إلى انقراض أمرهم الخبر عن ملوك القياصرة من لدن هرقل و الدولة الإسلامية إلى حين انقراض أمرهم و تلاشي أحوالهم الخبر عن القوط و ما كان لهم من الملك بالأندلس إلى حين الفتح الإسلامي و أولية ذلك و مصايره الطبقة الثالثة من العرب و هم العرب التابعة للعرب و ذكر أفاريقهم و أنسابهم و ممالكهم و ما كان لهم من الدول على اختلافها و البادية و الرحالة منهم و ملكها الخبر عن أنساب العرب من هذه الطبقة الثالثة واحدة واحدة و ذكر مواطنهم و من كان له الملك منهم الخبر عم حمير من القحطانية و بطونها و تفرع شعوبها الخبر عن قضاعة و بطونها و الإلمام ببعض الملك الذي كان فيها الخبر عن بطون كهلان من القحطانية و شعوبهم و اتصال بعضها مع بعض و انقضائها الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم و كيف صار إلى طيء من بعدهم ملوك كندة ـ الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة و مبدأ أمرهم و تصاريف أحوالهم الخبر عن أبناء جفنة ملوك غسان بالشام من هذه الطبقة و أوليتهم و دولهم و كيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم الخبر عن الأوس و الخزرج أبناء قيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة ذكر أوليتهم و الإلمام بشأن نصرتهم و كيف انقراض أمرهم القسم الأول من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره القسم الثاني من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره القسم الثالث من الخبر عن بني عدنان و أنسابهم و شعوبهم و ما كان لهم من الدول و الملك في الإسلام و أولية ذلك و مصايره الخبر عن قريش من هذه الطبقة و ملكهم بمكة و أولية أمرهم و كيف صار الملك إليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة أمر النبوة و الهجرة في هذه الطبقة الثالثة و ما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية و الحرب المولد الكريم و بدء الوحي بدء الوحي هجرة الحبشة العقبة الثانية الهجرة الغزوات غزوة أحد غزوة الخندق عمرة الحديبية إرسال الرسل إلى الملوك غزوة خيبر فتح فدك و وادي القرى عمرة القضاء غزوة جيش الأمراء فتح مكة غزوة حنين حصار الطائف و غزوة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45425
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى- - - 3
تبوك إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف و هدم اللات الوفود حجة الوداع العمال على النواحي خبر العنسي خبر السقيفة الخلافة الإسلامية بعث الجيوش للمرتدين خبر طليحة خبر هوازن و سليم و بني عامر خبر بني تميم و سجاح البطاح و مالك بن نويرة خبر مسيلمة و اليمامة ردة الحطم و أهل البحرين ردة أهل عمان و مهرة و اليمن بعوث العراق و صلح الحيرة فتح الحيرة فتح ما وراء الحيرة فتح الأنبار و عين التمر و تسمى هذه الغزوة ذات العيون الوقائع بالعراق بعوث الشام بعوث الشام خلافة عمر رضي الله عنه فتح دمشق خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد إلى الشام ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق و مقتله أخبار القادسية فتح المدائن و جلولاء بعدها ولاية عتبة بن غزوان على البصرة وقعة مرج الروم و فتوح مدائن الشام بعدها وقعة أجنادين و فتح بيسان و الأردن و بيت المقدس مسير هرقل إلى حمص و فتح الجزيرة و أرمينية غزو فارس من البحرين و عزل العلاء عن البصرة ثم المغيرة و ولاية أبي موسى بناء البصرة و الكوفة فتح الأهواز و السوس بعدها مسير المسلمين إلى الجهات للفتح مجاعة عام الرمادة و طاعون عمواس فتح مصر وقعة نهاوند و ما كان بعدها من الفتوحات فتح همذان فتح الري فتح أذربيجان فتح الباب فتح موقان و جبال أرمينية غزو الترك فتح خراسان فتوح فارس خبر الأكراد مقتل عمر و أمر الشورى و بيعة عثمان رضي الله عنه نقض أهل الإسكندرية و فتحها ولاية الوليد بن عقبة الكوفة و صلح أرمينية و أذربيجان ولاية عبد الله بن أبي سرح على مصر و فتح افريقية فتح قبرص ولاية ابن عامر على البصرة و فتوح فارس و خراسان ولاية سعيد بن العاص الكوفة غزو طبرستان غزو حذيفة الباب و أمر المصاحف مقتل يزدجرد ظهور الترك بالثغور بدء الانتقاض على عثمان رضي الله عنه حصار عثمان و مقتله رضي الله عنه و أتابه و رفع درجته بيعة علي رضي الله عنه القسم الأول من أمر الجمل القسم الثاني من أمر الجمل انتقاض محمد بن أبي حذيفة بمصر و مقتله ولاية قيس بن سعد علي مصر مبايعة عمرو بن العاص لمعاوية أمر صفين أمر الحكمين أمر الخوارج و قتالهم ولاية عمرو بن العاص مصر دعاء ابن الحضرمي بالبصرة لمعاوية و مقتله ولاية زياد على فارس فراق ابن عباس لعلي رضي الله عنهم مقتل علي بيعة الحسن و تسليمه الأمر لمعاوية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45425
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى