الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
4 مشترك
صفحة 15 من اصل 19
صفحة 15 من اصل 19 • 1 ... 9 ... 14, 15, 16, 17, 18, 19
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1407
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
وأخذن يزاولن عادة تحديد النسل ، ولم يزد عدد السكان زيادة ملحوظة منذ قيام الثورة ولعل تيار السكان الصينيين الجارف قد أخذ الآن يتراجع(33).
ومع هذا فإن خمسين ألف صيني جديد يولدون في كل يوم(34). وسيكونون في مستقبل أيامهم جدداً من كل الوجوه، جدداً في تفصيل ملابسهم وترجيل شعرهم، جدداً في تعليمهم وعاداتهم وأخلاقهم ودينهم وفلسفتهم. لقد اختفى ذيل ملابسهم الطويل واختفى معه ما كان في الأيام الخالية من ظرف ورقة، وخشنت أحقاد الثورة روح الأهلين، وأضحى من أصعب الأمور على المتطرفين أن يجاملوا المحافظين(35). وهاهو ذا تيار الصناعة السريع يبدل ما كان يتصف به الشعب الصيني القديم من تواكل وعدم مبالاة إلى صفات أخرى أكثر دلالة على طبيعتهم. إن هذه الوجوه البليدة لتخفي تحتها نفوساً نشيطة سريعة الاهتياج، وإن النزعة السلمية التي أشربتها نفوس الصينيين بعد حروب دامت عدة قرون لآخذة في الزوال من طول تفكيرهم في هزائمهم القومية وتقطيع أوصال بلادهم؛ والمدارس تعد الآن كل طالب لأن يكون جندياً، وعاد القوم مرة أخرى يرون القائد بطلاً.
وتبدل نظام التعليم من أوله إلى آخره فألقت المدارس بكنفوشيوس من النافذة وأحلت العلوم الطبيعية والرياضية محله، وإن لم يكن من الضروري أن تتخلى عنه لتحل العلوم محله لأن تعاليم كنفوشيوس لا تتعارض مطلقاً مع روح العلم. ولكن التاريخ كله لحمته وسداه يتكون في جميع مراحله من غلبة الإحساسات النفسية على العقائد المنطقية. فدراسة الرياضيات والميكانيكا واسعة الانتشار لأنهما يعينان على صناعة الآلات، والآلات تعين على جمع الثروة وعلى صناعة المدافع، والمدافع قد تحفظ الحرية. ودراسة الطب في الصين آخذة في
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
وأخذن يزاولن عادة تحديد النسل ، ولم يزد عدد السكان زيادة ملحوظة منذ قيام الثورة ولعل تيار السكان الصينيين الجارف قد أخذ الآن يتراجع(33).
ومع هذا فإن خمسين ألف صيني جديد يولدون في كل يوم(34). وسيكونون في مستقبل أيامهم جدداً من كل الوجوه، جدداً في تفصيل ملابسهم وترجيل شعرهم، جدداً في تعليمهم وعاداتهم وأخلاقهم ودينهم وفلسفتهم. لقد اختفى ذيل ملابسهم الطويل واختفى معه ما كان في الأيام الخالية من ظرف ورقة، وخشنت أحقاد الثورة روح الأهلين، وأضحى من أصعب الأمور على المتطرفين أن يجاملوا المحافظين(35). وهاهو ذا تيار الصناعة السريع يبدل ما كان يتصف به الشعب الصيني القديم من تواكل وعدم مبالاة إلى صفات أخرى أكثر دلالة على طبيعتهم. إن هذه الوجوه البليدة لتخفي تحتها نفوساً نشيطة سريعة الاهتياج، وإن النزعة السلمية التي أشربتها نفوس الصينيين بعد حروب دامت عدة قرون لآخذة في الزوال من طول تفكيرهم في هزائمهم القومية وتقطيع أوصال بلادهم؛ والمدارس تعد الآن كل طالب لأن يكون جندياً، وعاد القوم مرة أخرى يرون القائد بطلاً.
وتبدل نظام التعليم من أوله إلى آخره فألقت المدارس بكنفوشيوس من النافذة وأحلت العلوم الطبيعية والرياضية محله، وإن لم يكن من الضروري أن تتخلى عنه لتحل العلوم محله لأن تعاليم كنفوشيوس لا تتعارض مطلقاً مع روح العلم. ولكن التاريخ كله لحمته وسداه يتكون في جميع مراحله من غلبة الإحساسات النفسية على العقائد المنطقية. فدراسة الرياضيات والميكانيكا واسعة الانتشار لأنهما يعينان على صناعة الآلات، والآلات تعين على جمع الثروة وعلى صناعة المدافع، والمدافع قد تحفظ الحرية. ودراسة الطب في الصين آخذة في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1408
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الانتشار، والفضل في انتشارها راجع معظمه إلى هبات المحسن ركفلر . وقد تضاعف عدد المدارس الجديدة والمدارس العليا والكليات بسرعة فائقة على الرغم من فقر البلاد، والصين الحديثة تأمل ألا يمضي إلا القليل من الوقت حتى يستطيع كل طفل أن يتعلم من غير آخر وأن يسودها النظام الديمقراطي بفضل انتشار التعليم.
وقد حدث في الأدب الصيني والفلسفة الصينية انقلاب شبيه بما حدث في عهد النهضة. ذلك أن دخول الكتب الغربية كان له من الأثر المنتج ما كان للمخطوطات اليونانية من أثر في عقول الإيطاليين؛ وكما أن إيطاليا في إبان نهضتها قد هجرت اللغة اللاتينية لتكتب بالإيطالية فكذلك فعلت الصين بزعامة هوشي إذ حولت اللهجة الأرستقراطية القديمة إلى لغة أدبية هي المعروفة بالباي هوا، وأقدم هوشي على عمل خطير جازف فيه بمصيره الأدبي فكتب بهذه "اللغة البسيطة" تاريخ الفلسفة الصينية في عام 1919م؛ وكانت شجاعته سبباً في فوزه العظيم، فاتخذت الكتابة الرسمية في المدارس. وقامت في الوقت نفسه "حركة الحروف الألف" لإنقاص رموز الكتابة الصينية من 000ر40 رمز وهو العدد الذي كان يستخدمه العلماء في كتاباتهم إلى 300ر1 تكفي للاستعمال العادي، وبهذه الطريقة أخذت لهجة المنذرين تذاع بسرعة في الأقاليم الصينية، وقد لا ينتهي هذا القرن حتى تكون للصين كلها لغة واحدة وحتى تقترب من الوحدة الثقافية.
والأدب الصيني أخذ في الانتشار مدفوعاً بهذه اللغة الشعبية وبحماسة الأهلين، وقد أضحت الروايات والقصائد والتمثيليات لا يقل عددها عن الصينيين أنفسهم، وانتشرت الصحف والمجلات في كل مكان، وأخذ الصينيون يترجمون آداب الغرب
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الانتشار، والفضل في انتشارها راجع معظمه إلى هبات المحسن ركفلر . وقد تضاعف عدد المدارس الجديدة والمدارس العليا والكليات بسرعة فائقة على الرغم من فقر البلاد، والصين الحديثة تأمل ألا يمضي إلا القليل من الوقت حتى يستطيع كل طفل أن يتعلم من غير آخر وأن يسودها النظام الديمقراطي بفضل انتشار التعليم.
وقد حدث في الأدب الصيني والفلسفة الصينية انقلاب شبيه بما حدث في عهد النهضة. ذلك أن دخول الكتب الغربية كان له من الأثر المنتج ما كان للمخطوطات اليونانية من أثر في عقول الإيطاليين؛ وكما أن إيطاليا في إبان نهضتها قد هجرت اللغة اللاتينية لتكتب بالإيطالية فكذلك فعلت الصين بزعامة هوشي إذ حولت اللهجة الأرستقراطية القديمة إلى لغة أدبية هي المعروفة بالباي هوا، وأقدم هوشي على عمل خطير جازف فيه بمصيره الأدبي فكتب بهذه "اللغة البسيطة" تاريخ الفلسفة الصينية في عام 1919م؛ وكانت شجاعته سبباً في فوزه العظيم، فاتخذت الكتابة الرسمية في المدارس. وقامت في الوقت نفسه "حركة الحروف الألف" لإنقاص رموز الكتابة الصينية من 000ر40 رمز وهو العدد الذي كان يستخدمه العلماء في كتاباتهم إلى 300ر1 تكفي للاستعمال العادي، وبهذه الطريقة أخذت لهجة المنذرين تذاع بسرعة في الأقاليم الصينية، وقد لا ينتهي هذا القرن حتى تكون للصين كلها لغة واحدة وحتى تقترب من الوحدة الثقافية.
والأدب الصيني أخذ في الانتشار مدفوعاً بهذه اللغة الشعبية وبحماسة الأهلين، وقد أضحت الروايات والقصائد والتمثيليات لا يقل عددها عن الصينيين أنفسهم، وانتشرت الصحف والمجلات في كل مكان، وأخذ الصينيون يترجمون آداب الغرب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1409
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
بالجملة، كما أخذت أشرطة الخيالة الأمريكية، يشرحها مترجم صيني يقف إلى جانب الشاشة البيضاء، تبعث البهجة في نفوس الصينيين العلماء منهم والسذج. وكذلك عادت الفلسفة إلى عظماء الفلاسفة الأقدمين الملحدين، وأخذت تعيد دراستهم وتفسيرهم على نمط جديد بعزيمة واندفاع لا يقلان عن عزيمة أوربا ونشاطها في القرن السادس عشر. وكما أن إيطاليا بعد أن تحررت من القيود الكنسية قد راعتها العقلية اليونانية اللاتينية وأثارت إعجابها، كذلك أخذت الصين الجديدة تستمع بشغف ليس كمثله شغف إلى أقوال مفكري الغرب أمثال جون ديوي وبرتراند رسل وأمثالهم من العلماء المستقلين في تفكيرهم استقلالاً تاماً عن جميع الأديان، والذين يعظمون التجارب ويعتقدون أنها وحدها هي المنطق الواجب الاتباع، والذي تتفق فلسفتهم لهذا السبب مع مزاج أمة تحاول أن تجمع الإصلاح الديني وإحياء العلوم والاستنارة والنهضة والثورة في جيل واحد . وإذا ما امتدح أحدنا الآن ما لآسية من "قيم روحية" سخر منه هوشي وقال إنه يجد في إصلاح نظم الصناعة والحكم إصلاحا يعين على استئصال العوز من البلاد قيما أخلاقية أعظم من كل ما في "حكمة الشرق"، وهو يلقب كنفوشيوس "بالشيخ الطاعن في السن" ويقول إن التفكير الصيني ليظهر على حقيقته إذا ما وضعت مدارس الملحدين التي كانت قائمة في القرن الخامس والرابع والثالث قبل الميلاد في مكانها الصحيح من تاريخ الصين(38).
بيد أنه وهو وسط هذا "التيار الجديد" الجارف وهذه الحركة الفكرية الجديدة التي كان من أنشط زعمائها قد أوتى من الحكمة ما جعله يدرك ما للشيوخ أنفسهم من قيمة، وقد صاغ مشكلة بلاده أكمل صياغة في الفقرة الآتية:
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
بالجملة، كما أخذت أشرطة الخيالة الأمريكية، يشرحها مترجم صيني يقف إلى جانب الشاشة البيضاء، تبعث البهجة في نفوس الصينيين العلماء منهم والسذج. وكذلك عادت الفلسفة إلى عظماء الفلاسفة الأقدمين الملحدين، وأخذت تعيد دراستهم وتفسيرهم على نمط جديد بعزيمة واندفاع لا يقلان عن عزيمة أوربا ونشاطها في القرن السادس عشر. وكما أن إيطاليا بعد أن تحررت من القيود الكنسية قد راعتها العقلية اليونانية اللاتينية وأثارت إعجابها، كذلك أخذت الصين الجديدة تستمع بشغف ليس كمثله شغف إلى أقوال مفكري الغرب أمثال جون ديوي وبرتراند رسل وأمثالهم من العلماء المستقلين في تفكيرهم استقلالاً تاماً عن جميع الأديان، والذين يعظمون التجارب ويعتقدون أنها وحدها هي المنطق الواجب الاتباع، والذي تتفق فلسفتهم لهذا السبب مع مزاج أمة تحاول أن تجمع الإصلاح الديني وإحياء العلوم والاستنارة والنهضة والثورة في جيل واحد . وإذا ما امتدح أحدنا الآن ما لآسية من "قيم روحية" سخر منه هوشي وقال إنه يجد في إصلاح نظم الصناعة والحكم إصلاحا يعين على استئصال العوز من البلاد قيما أخلاقية أعظم من كل ما في "حكمة الشرق"، وهو يلقب كنفوشيوس "بالشيخ الطاعن في السن" ويقول إن التفكير الصيني ليظهر على حقيقته إذا ما وضعت مدارس الملحدين التي كانت قائمة في القرن الخامس والرابع والثالث قبل الميلاد في مكانها الصحيح من تاريخ الصين(38).
بيد أنه وهو وسط هذا "التيار الجديد" الجارف وهذه الحركة الفكرية الجديدة التي كان من أنشط زعمائها قد أوتى من الحكمة ما جعله يدرك ما للشيوخ أنفسهم من قيمة، وقد صاغ مشكلة بلاده أكمل صياغة في الفقرة الآتية:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1410
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
"إن الجنس البشري بأجمعه لتصيبه أكبر خسارة إذا ما استبدلت الحضارة الجديدة بالحضارة القديمة استبدالاً سريعاً مفاجئاً يمحوها من الوجود بدل أن تمتصها البلاد امتصاصاً بطيئاً وتمثلها كما يمثل الغذاء الصالح. وعلى هذا فإن المشكلة التي تواجهنا يمكن أن تصاغ على النحو الآتي: كيف نستطيع أن نهضم الحضارة الجديدة ونمثلها بحيث نجعلها متجانسة مؤتلفة مع الحضارة التي أنشأناها نحن في أيامنا الخالية؟"(30).
ويخيل إلى كل من يشهد ظواهر الأمور الخارجية السائدة في الصين الآن أنها لن تستطيع حل هذه المشكلة. ذلك أن الإنسان إذا ما فكر فيما يخيم على الحقول الصينية من وحشة وما حاق بها من خراب، وما يتناوبها من جدب تارة وفيضان جارف تارة أخرى، وما أصاب أشجارها من تقطيع وتدمير، وفيما أصيب به زراعها من إنهاك وخمول، وفي الموت التي يحصد أطفالها حصداً، وفي عمالها الذين يكدحون في المصانع كالعبيد كدحاً يضعفهم ويهد قواهم، وفي مدنها القذرة التي تتفشى فيها الأمراض، وتفرض على بيوتها أفدح الضرائب، وفي الرشوة المنتشرة في تجارتها، وفي صناعاتها التي يسيطر الأجانب عليها، وفي فساد حكومتها، وضعف وسائل الدفاع عن بلادها، وفي أهلها الذي تفرقوا شيعاً وأحزاباً وامتلأت قلوبهم غلاً وحقداً، إذا ما فكر في هذا كله هاله الأمر فلا يدري هل تستطيع الصين أن تستعيد عظمتها الماضية، وهل في مقدورها أن تمتص مرة أخرى فاتحيها وتمثلهم في جسمها الضخم، وتحيى من جديد حياتها النشيطة المبدعة؟ ولكنا إذا نظرنا إليها نظرة تدقيق وإمعان رأينا من تحت هذه المظاهر السطحية عوامل النقاهة والتجديد. فأراضيها الواسعة الرقعة المختلفة الأنواع غنية بمعادنها الكفيلة بأن تجعلها بلداً صناعياً عظيماً، وقد لا يكون فيها من الثروة المعدنية ما قدره رختوفن، ولكن فيها بلا ريب أكثر مما كشفت عنه البحوث التجريبية في هذه الأيام. وإذا مات سربت الصناعة إلى داخل البلاد فستكشف عن خامات ومواد للوقود لا يتصور الناس
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
"إن الجنس البشري بأجمعه لتصيبه أكبر خسارة إذا ما استبدلت الحضارة الجديدة بالحضارة القديمة استبدالاً سريعاً مفاجئاً يمحوها من الوجود بدل أن تمتصها البلاد امتصاصاً بطيئاً وتمثلها كما يمثل الغذاء الصالح. وعلى هذا فإن المشكلة التي تواجهنا يمكن أن تصاغ على النحو الآتي: كيف نستطيع أن نهضم الحضارة الجديدة ونمثلها بحيث نجعلها متجانسة مؤتلفة مع الحضارة التي أنشأناها نحن في أيامنا الخالية؟"(30).
ويخيل إلى كل من يشهد ظواهر الأمور الخارجية السائدة في الصين الآن أنها لن تستطيع حل هذه المشكلة. ذلك أن الإنسان إذا ما فكر فيما يخيم على الحقول الصينية من وحشة وما حاق بها من خراب، وما يتناوبها من جدب تارة وفيضان جارف تارة أخرى، وما أصاب أشجارها من تقطيع وتدمير، وفيما أصيب به زراعها من إنهاك وخمول، وفي الموت التي يحصد أطفالها حصداً، وفي عمالها الذين يكدحون في المصانع كالعبيد كدحاً يضعفهم ويهد قواهم، وفي مدنها القذرة التي تتفشى فيها الأمراض، وتفرض على بيوتها أفدح الضرائب، وفي الرشوة المنتشرة في تجارتها، وفي صناعاتها التي يسيطر الأجانب عليها، وفي فساد حكومتها، وضعف وسائل الدفاع عن بلادها، وفي أهلها الذي تفرقوا شيعاً وأحزاباً وامتلأت قلوبهم غلاً وحقداً، إذا ما فكر في هذا كله هاله الأمر فلا يدري هل تستطيع الصين أن تستعيد عظمتها الماضية، وهل في مقدورها أن تمتص مرة أخرى فاتحيها وتمثلهم في جسمها الضخم، وتحيى من جديد حياتها النشيطة المبدعة؟ ولكنا إذا نظرنا إليها نظرة تدقيق وإمعان رأينا من تحت هذه المظاهر السطحية عوامل النقاهة والتجديد. فأراضيها الواسعة الرقعة المختلفة الأنواع غنية بمعادنها الكفيلة بأن تجعلها بلداً صناعياً عظيماً، وقد لا يكون فيها من الثروة المعدنية ما قدره رختوفن، ولكن فيها بلا ريب أكثر مما كشفت عنه البحوث التجريبية في هذه الأيام. وإذا مات سربت الصناعة إلى داخل البلاد فستكشف عن خامات ومواد للوقود لا يتصور الناس
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1411
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الآن أنها توجد فيها، كما لم يكن أحد يتصور منذ قرن واحد ما في أمريكا من ثروة معدنية ومن وقود. أما عن قواها المعنوية فإن هذه الأمة التي مرت عليها ثلاثة آلاف عام سمت فيها إلى المجد تارة وتردت في مهاوي الشقاء تارة أخرى، وتوالت عليها فترات موت وبعث، إن هذه الأمة لتظهر فيها اليوم كل دلائل الحيوية المادية والمعنوية التي نتبينها في أكثر عهودها إبداعاً وإنتاجاً. وليس في العالم كله شعب أكثر من هذا الشعب نشاطاً وذكاء، وليس فيه شعب يماثله في قدرته على التكيف حسب ما يواجهه من الظروف، وفي مقاومته للأمراض، وفي انتعاشه بعد الكوارث والآلام، شعب علمه تاريخه الطويل الصبر على الأرزاء والخروج منها سالماً على مر الأيام. وليس في وسع الخيال أن يتصور ما يخبئه المستقبل لحضارة تمتزج فيها الموارد المادية والطاقة البشرية والعقلية لهذا الشعب والوسائل والأدوات الفنية التي أوجدتها الصناعة الحديثة.
وأكبر الظن أن الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى أمريكا نفسها، وأن الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مراراً في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة.
ذلك أن الهزائم الحربية واستبداد الأموال الأجنبية مهما قست لا تستطيع أن تكبت إلى مدى طويل روح أمة غنية في مواردها وفي حيويتها، بل سيخسر المغير عليها ماله وينفذ صبره قبل أن تستنفذ البلاد قدرتها على التكاثر؛ ولن يمضي قرن واحد من الزمان حتى تكون الصين قد امتصت فاتحيها وهضمتهم وحضرتهم بحضارتها، وتعلمت جميع الفنون التي سيطلق عليها إلى وقت قصير اسم الصناعة الحديثة. وسوف توحد الطرق وسبل الاتصال بين أجزاءها، وتمدها أساليب الاقتصاد والادخار بحاجتها من المال، وستعيد إليها الحكومة القوية السلم والنظام. ويقيننا أن الفوضى مهما اشتدت ليست إلا أمراً عارضاً مصيره إلى الزوال، ثم يتوازن
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الآن أنها توجد فيها، كما لم يكن أحد يتصور منذ قرن واحد ما في أمريكا من ثروة معدنية ومن وقود. أما عن قواها المعنوية فإن هذه الأمة التي مرت عليها ثلاثة آلاف عام سمت فيها إلى المجد تارة وتردت في مهاوي الشقاء تارة أخرى، وتوالت عليها فترات موت وبعث، إن هذه الأمة لتظهر فيها اليوم كل دلائل الحيوية المادية والمعنوية التي نتبينها في أكثر عهودها إبداعاً وإنتاجاً. وليس في العالم كله شعب أكثر من هذا الشعب نشاطاً وذكاء، وليس فيه شعب يماثله في قدرته على التكيف حسب ما يواجهه من الظروف، وفي مقاومته للأمراض، وفي انتعاشه بعد الكوارث والآلام، شعب علمه تاريخه الطويل الصبر على الأرزاء والخروج منها سالماً على مر الأيام. وليس في وسع الخيال أن يتصور ما يخبئه المستقبل لحضارة تمتزج فيها الموارد المادية والطاقة البشرية والعقلية لهذا الشعب والوسائل والأدوات الفنية التي أوجدتها الصناعة الحديثة.
وأكبر الظن أن الصين ستنتج من الثروة ما لم تنتجه قارة من القارات حتى أمريكا نفسها، وأن الصين ستتزعم العالم في نعيم الحياة وفنها كما تزعمته مراراً في الزمن القديم في التنعم وفي فنون الحياة.
ذلك أن الهزائم الحربية واستبداد الأموال الأجنبية مهما قست لا تستطيع أن تكبت إلى مدى طويل روح أمة غنية في مواردها وفي حيويتها، بل سيخسر المغير عليها ماله وينفذ صبره قبل أن تستنفذ البلاد قدرتها على التكاثر؛ ولن يمضي قرن واحد من الزمان حتى تكون الصين قد امتصت فاتحيها وهضمتهم وحضرتهم بحضارتها، وتعلمت جميع الفنون التي سيطلق عليها إلى وقت قصير اسم الصناعة الحديثة. وسوف توحد الطرق وسبل الاتصال بين أجزاءها، وتمدها أساليب الاقتصاد والادخار بحاجتها من المال، وستعيد إليها الحكومة القوية السلم والنظام. ويقيننا أن الفوضى مهما اشتدت ليست إلا أمراً عارضاً مصيره إلى الزوال، ثم يتوازن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1412
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الاضطراب آخر الأمر مع الطغيان ويتعادلان، وحينئذ تكتسح العوائق القديمة وتنمو البلاد نماء حراً جديداً. إن الثورة كالموت هي اكتساح الأقذار، وبتر الذي لا نفع فيه؛ وهي لا تقول إلا إذا كان في البلد الذي تقوم به أشياء كثيرة في دور الاحتضار. ولقد ماتت الصين مراراً من قبل، ثم عادت وولدت من جديد.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> الصين -> الثورة والتجديد -> بداية عهد جديد
الاضطراب آخر الأمر مع الطغيان ويتعادلان، وحينئذ تكتسح العوائق القديمة وتنمو البلاد نماء حراً جديداً. إن الثورة كالموت هي اكتساح الأقذار، وبتر الذي لا نفع فيه؛ وهي لا تقول إلا إذا كان في البلد الذي تقوم به أشياء كثيرة في دور الاحتضار. ولقد ماتت الصين مراراً من قبل، ثم عادت وولدت من جديد.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1413
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> مقدمة
اليابان
الباب الثامن والعشرون
بناة اليابان
تاريخ اليابان مسرحية لم تكمل بعد، قد تم منها ثلاثة فصول : فصلها الأول- بغض النظر عن القرون البدائية الأسطورية- هو اليابان البوذية الكلاسيكية (522- 1603 ميلادية) التي دخلتها المدنية فجأة على أيدي الصين وكوريا، والتي هذبها الدين وصقلها، فخلقت آيات الأدب الياباني والفن الياباني في العصر الذي يدونه التاريخ؛ والفصل الثاني من المسرحية هو اليابان الإقطاعية الآمنة التي تنسب إلى توكوجادا شوجاتى (1603 - 1868) والتي اعتزلت العالم وحصرت نفسها في نفسها، لا تريد لنفسها شيئاً من اتساع الرقعة ولا تنشد تبادلاً تجارياً مع الخارج، قانعة بالزراعة منصرفة إلى الفن والفلسفة؛ أما الفصل الثالث فهو اليابان الحديثة، التي كشف عنها الستار أسطول أمريكي سنة 1853، والتي اضطرتها العوامل الداخلية والخارجية اضطراراً أن تضرب بسهم في التجارة والصناعة، وأن تبحث عن خامات من الخارج وأسواق في الخارج، وتقاتل قتالاً مستميتاً في سبيل التوسع، محاكية في ذلك بلاد الغرب في نزعتها الاستعمارية وطرائقها في هذا السبيل، مهددة بذلك سيادة الجنس الأبيض وسلام العالم؛ وإن سوابق التاريخ كلها لتدل على أن الفصل التالي من المسرحية سيكون قتالاً .
لقد درس اليابانيون مدنيتنا دراسة فاحصة لكي يتشربوا معاييرها ثم يفوقوها، فقد يكون من الحكمة أن تدرس مدنيتهم في صبر يشبه صبرهم في دراسة مدنيتنا، حتى إذا تأزم الأمر على نحو يضطرنا إما إلى حرب أو تفاهم معهم، كان في مقدورنا أن نصل معهم إلى تفاهم.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> مقدمة
اليابان
الباب الثامن والعشرون
بناة اليابان
تاريخ اليابان مسرحية لم تكمل بعد، قد تم منها ثلاثة فصول : فصلها الأول- بغض النظر عن القرون البدائية الأسطورية- هو اليابان البوذية الكلاسيكية (522- 1603 ميلادية) التي دخلتها المدنية فجأة على أيدي الصين وكوريا، والتي هذبها الدين وصقلها، فخلقت آيات الأدب الياباني والفن الياباني في العصر الذي يدونه التاريخ؛ والفصل الثاني من المسرحية هو اليابان الإقطاعية الآمنة التي تنسب إلى توكوجادا شوجاتى (1603 - 1868) والتي اعتزلت العالم وحصرت نفسها في نفسها، لا تريد لنفسها شيئاً من اتساع الرقعة ولا تنشد تبادلاً تجارياً مع الخارج، قانعة بالزراعة منصرفة إلى الفن والفلسفة؛ أما الفصل الثالث فهو اليابان الحديثة، التي كشف عنها الستار أسطول أمريكي سنة 1853، والتي اضطرتها العوامل الداخلية والخارجية اضطراراً أن تضرب بسهم في التجارة والصناعة، وأن تبحث عن خامات من الخارج وأسواق في الخارج، وتقاتل قتالاً مستميتاً في سبيل التوسع، محاكية في ذلك بلاد الغرب في نزعتها الاستعمارية وطرائقها في هذا السبيل، مهددة بذلك سيادة الجنس الأبيض وسلام العالم؛ وإن سوابق التاريخ كلها لتدل على أن الفصل التالي من المسرحية سيكون قتالاً .
لقد درس اليابانيون مدنيتنا دراسة فاحصة لكي يتشربوا معاييرها ثم يفوقوها، فقد يكون من الحكمة أن تدرس مدنيتهم في صبر يشبه صبرهم في دراسة مدنيتنا، حتى إذا تأزم الأمر على نحو يضطرنا إما إلى حرب أو تفاهم معهم، كان في مقدورنا أن نصل معهم إلى تفاهم.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1414
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
الفصل الأول
أبناء الآلهة
كيف خلقت اليابان - أثر الزلازل
في البداية كانت الآلهة، هكذا يقول أقدم ما دُوّن عن اليابان من تاريخ(1) وكانت الآلهة تولد ذكراً وأنثى، ثم تموت، حتى صدر الأمر في النهاية من شيوخ الآلهة إلى اثنين منها، هما "إيزاناجى" و "إيزانامى". وهما أخ وأخت من الآلهة، أن يخلقا اليابان، فوقفا على جسر السماء العائم، وقذفا في المحيط برمح مرصع بالجوهر، ثم رفعاه إلى السماء فتقطرت من الرمح قطرات أصبحت هي "الجزر المقدسة"؛ وشهدت الآلهة ما تصنعه الضفادع في الماء، فتعلمت منها سر اتصال الذكر بالأنثى، ومن ثم التقى "إيزاناجى" و "إيزانامى" التقاء الزوجين وأنسلا الجنس الياباني، وولدت "أماتيراسو"- إلهة الشمس- من عين "إيزاناجى" اليسرى، وكذلك من حفيدها "ننيجى" نشأت سلسلة متصلة مقدسة حلقاتها هم كل أباطرة "دي نيبون" (أي اليابان العظمى)، فمنذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا لم تشهد اليابان إلا هذه الأسرة الحاكمة الإمبراطورية .
كان الرمح المرصع بالجوهر قد قطر أربعة آلاف ومائتين وثلاثاً وعشرين قطرة، لأن هذا هو عدد الجزائر التي يتألف منها أرخبيل الجزر الذي هو اليابان : من هذه الجزر ستمائة مـأهولة، لكن ليس بينها إلا خمس لها حجم
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
الفصل الأول
أبناء الآلهة
كيف خلقت اليابان - أثر الزلازل
في البداية كانت الآلهة، هكذا يقول أقدم ما دُوّن عن اليابان من تاريخ(1) وكانت الآلهة تولد ذكراً وأنثى، ثم تموت، حتى صدر الأمر في النهاية من شيوخ الآلهة إلى اثنين منها، هما "إيزاناجى" و "إيزانامى". وهما أخ وأخت من الآلهة، أن يخلقا اليابان، فوقفا على جسر السماء العائم، وقذفا في المحيط برمح مرصع بالجوهر، ثم رفعاه إلى السماء فتقطرت من الرمح قطرات أصبحت هي "الجزر المقدسة"؛ وشهدت الآلهة ما تصنعه الضفادع في الماء، فتعلمت منها سر اتصال الذكر بالأنثى، ومن ثم التقى "إيزاناجى" و "إيزانامى" التقاء الزوجين وأنسلا الجنس الياباني، وولدت "أماتيراسو"- إلهة الشمس- من عين "إيزاناجى" اليسرى، وكذلك من حفيدها "ننيجى" نشأت سلسلة متصلة مقدسة حلقاتها هم كل أباطرة "دي نيبون" (أي اليابان العظمى)، فمنذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا لم تشهد اليابان إلا هذه الأسرة الحاكمة الإمبراطورية .
كان الرمح المرصع بالجوهر قد قطر أربعة آلاف ومائتين وثلاثاً وعشرين قطرة، لأن هذا هو عدد الجزائر التي يتألف منها أرخبيل الجزر الذي هو اليابان : من هذه الجزر ستمائة مـأهولة، لكن ليس بينها إلا خمس لها حجم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1415
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
جدير بالاعتبار؛ أما أكبرها فهي "هوندو" أو "هونشو" ويبلغ طولها 1130 ميلاً ومتوسط عرضها 73 ميلاً، ومساحتها واحد وثمانون ألف ميل مربع، وهي تعادل نصف مساحة الجزر كلها، ويشبه موقعها- كما يشبه تاريخها الحديث- موقع إنجلترا وتاريخها: فقد حمتها البحار المحيطة بها من الغزوات، وحملتها سواحلها الطويلة التي يبلغ مداها ثلاثة عشر ألف ميل على أن تكون أمة بحرية، فكأنما قضى عليها المؤثر الجغرافي والضرورة التجارية أن تبسط لنفسها سيادة واسعة على البحار؛ وتلتقي الرياح والتيارات البحرية الدافئة الآتية من الجنوب، بالهواء البارد الهابط من قمم الجبال، فينتج عن ذلك في اليابان مناخ إنجليزي تملؤه الأمطار، وتكثر فيها الأيام الغائمة بالسحب(4)، ومن ثم تمتلئ أنهارها القصيرة السريعة الانحدار، ويزدهر فيها النبات وتزدان المناظر، فهناك- إذا ما بعدت عن المدن والمساكن العتيقة القذرة- ترى نصف البلاد جنة عدن في ازدهارها، وليست جبالها أكداساً مركومة من الصخر والقذر، بل هي ذوات أشكال فنية، تكاد تبلغ في تخطيطها حد الكمال، كما هي الحال في فيوجى .
ولاشك أن هذه الجزر قد ولدتها الزلازل لا القطرات التي انتثرت من الرياح (6)؛ فليس على الأرض مكان- وربما جاز أن نستثني أمريكا الجنوبية- قد عانى كل ما عانته اليابان مـن اضطراب أرضها، فحـدث سنة 599 أن اهتزت
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
جدير بالاعتبار؛ أما أكبرها فهي "هوندو" أو "هونشو" ويبلغ طولها 1130 ميلاً ومتوسط عرضها 73 ميلاً، ومساحتها واحد وثمانون ألف ميل مربع، وهي تعادل نصف مساحة الجزر كلها، ويشبه موقعها- كما يشبه تاريخها الحديث- موقع إنجلترا وتاريخها: فقد حمتها البحار المحيطة بها من الغزوات، وحملتها سواحلها الطويلة التي يبلغ مداها ثلاثة عشر ألف ميل على أن تكون أمة بحرية، فكأنما قضى عليها المؤثر الجغرافي والضرورة التجارية أن تبسط لنفسها سيادة واسعة على البحار؛ وتلتقي الرياح والتيارات البحرية الدافئة الآتية من الجنوب، بالهواء البارد الهابط من قمم الجبال، فينتج عن ذلك في اليابان مناخ إنجليزي تملؤه الأمطار، وتكثر فيها الأيام الغائمة بالسحب(4)، ومن ثم تمتلئ أنهارها القصيرة السريعة الانحدار، ويزدهر فيها النبات وتزدان المناظر، فهناك- إذا ما بعدت عن المدن والمساكن العتيقة القذرة- ترى نصف البلاد جنة عدن في ازدهارها، وليست جبالها أكداساً مركومة من الصخر والقذر، بل هي ذوات أشكال فنية، تكاد تبلغ في تخطيطها حد الكمال، كما هي الحال في فيوجى .
ولاشك أن هذه الجزر قد ولدتها الزلازل لا القطرات التي انتثرت من الرياح (6)؛ فليس على الأرض مكان- وربما جاز أن نستثني أمريكا الجنوبية- قد عانى كل ما عانته اليابان مـن اضطراب أرضها، فحـدث سنة 599 أن اهتزت
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1416
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
الأرض وابتلعت قرى بأكملها في فمها الضاحك، وهوت الشهب ولمعت المذنَّبات وابيضت الشوارع بالثلج في منتصف يوليو، وأعقب ذلك قحط ومجاعة، وقضى من اليابانيين ألوف الألوف؛ وكذلك حدث سنة 1703 أن قضى زلزال على اثنين وثلاثين ألفاً في طوكيو وحدها، وعادت العاصمة سنة 1885 فتقوض بنيانها من جديد، وانفرجت الأرض عن فجوات واسعة ابتلعت في جوفها ألوفاً، وجعلوا يحملون جثث الموتى في عربات النقل ليقذفوا بها بعيداً جماعات جماعات؛ وفي زلزال 1923 أتت موجة المد وألسنة النار على مائة ألف نفس في طوكيو، وسبعة وثلاثين ألف نفس في يوكاهاما وما يجاورها، وأما كاما كورا- التي طالما أحسنت لبوذا- فكادت تندك من أساسها(7)، مع أن التمثال النحيل الذي كان قائماً هناك للقديس الهندي (يقصد بوذا) قد لبث وسط هذا الخراب الشامل قائماً كما هو، لم يصبه سوى ارتجاج، كأنما أراد بقيامه ذاك سليماً من الأذى أن يضرب مثلاً يوضح للناس أهم درس يلقيه التاريخ- وهو أن الآلهة يمكن لها أن تصمت في مختلف اللغات؛ ولبث الناس في حيرة تملكتهم حيناً، كيف ينزل هذا الخراب كله بأرض خلقتها الآلهة وتحكمها الآلهة؛ وأخيراً فسروا هذا الاضطراب بأن سمكة ضخمة تحت الأرض انزعجت في نعاسها فاهتزت( ويظهر أن لم يطرأ ببال أحد إذ ذاك أن يغادر تلك المدينة التي تعرض ساكنيها لأكبر الخطر؛ ففي اليوم التالي لاهتزاز الأرض بزلزالها العظيم الأخير، استخدم صبية المدارس قطعاً من مادة الطلاء المتناثرة أقلاماً، والأحجار الارتوازية المنثورة من بيوتهم المحطمة ألواحاً(9) واحتملت الأمة صابرة هذه الضربات من يد القدر وخرجت من هذا الدمار المتكرر نشيطة نشاطاً لا سبيل إلى الحد منه، ومقدامة على نحو ما يكون المتفائل إقداماً.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> أبناء الآلهة
الأرض وابتلعت قرى بأكملها في فمها الضاحك، وهوت الشهب ولمعت المذنَّبات وابيضت الشوارع بالثلج في منتصف يوليو، وأعقب ذلك قحط ومجاعة، وقضى من اليابانيين ألوف الألوف؛ وكذلك حدث سنة 1703 أن قضى زلزال على اثنين وثلاثين ألفاً في طوكيو وحدها، وعادت العاصمة سنة 1885 فتقوض بنيانها من جديد، وانفرجت الأرض عن فجوات واسعة ابتلعت في جوفها ألوفاً، وجعلوا يحملون جثث الموتى في عربات النقل ليقذفوا بها بعيداً جماعات جماعات؛ وفي زلزال 1923 أتت موجة المد وألسنة النار على مائة ألف نفس في طوكيو، وسبعة وثلاثين ألف نفس في يوكاهاما وما يجاورها، وأما كاما كورا- التي طالما أحسنت لبوذا- فكادت تندك من أساسها(7)، مع أن التمثال النحيل الذي كان قائماً هناك للقديس الهندي (يقصد بوذا) قد لبث وسط هذا الخراب الشامل قائماً كما هو، لم يصبه سوى ارتجاج، كأنما أراد بقيامه ذاك سليماً من الأذى أن يضرب مثلاً يوضح للناس أهم درس يلقيه التاريخ- وهو أن الآلهة يمكن لها أن تصمت في مختلف اللغات؛ ولبث الناس في حيرة تملكتهم حيناً، كيف ينزل هذا الخراب كله بأرض خلقتها الآلهة وتحكمها الآلهة؛ وأخيراً فسروا هذا الاضطراب بأن سمكة ضخمة تحت الأرض انزعجت في نعاسها فاهتزت( ويظهر أن لم يطرأ ببال أحد إذ ذاك أن يغادر تلك المدينة التي تعرض ساكنيها لأكبر الخطر؛ ففي اليوم التالي لاهتزاز الأرض بزلزالها العظيم الأخير، استخدم صبية المدارس قطعاً من مادة الطلاء المتناثرة أقلاماً، والأحجار الارتوازية المنثورة من بيوتهم المحطمة ألواحاً(9) واحتملت الأمة صابرة هذه الضربات من يد القدر وخرجت من هذا الدمار المتكرر نشيطة نشاطاً لا سبيل إلى الحد منه، ومقدامة على نحو ما يكون المتفائل إقداماً.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1417
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
الفصل الثاني
اليابان البدائية
مقوماتها الجنسية - مدنيتها الباكرة - الدين
"شنتو" - البوذية - بدايات الفن "الإصلاح العظيم"
لقد ضاعت الأصول اليابانية- كما ضاع غيرها من أصول الأمم- في خليط عام من النظريات، فيظهر أن الجنس الياباني مزيج من عناصر ثلاثة: عنصر بدائي أبيض جاء عن طريق "الأينويين" الذين وفدوا إلى اليابان من منطقة نهر أمور في العصر الحجري الأخير؛ وعنصر أصفر مغولي جاء من كوريا أو عبر خلالها في نحو القرن السابع قبل المسيح؛ وعنصر قاتم من الملايو وأندونيسيا تسرب إلى البلاد من جزر الجنوب: ففي اليابان- كما في أي بلد آخر- شهدت البلاد خليطاً من عناصر مختلفة قبل أن تشهد- بمئات السنين- قيام نمط جنسي جديد يتكلم بلغة جديدة وينشئ مدنية جديدة، وكون عملية المزج بين هذه الأجناس لم تبلغ تمامها بعد، تراه ظاهراً في الفوارق التي بين الأرستقراطي الطويل النحيل طويل الرأس، وبين الرجال من الشعب في قصره وبدانته ورأسه العريض.
وتصف الروايات التاريخية الصينية التي ترجع إلى القرن الرابع، تصف اليابانيين بأنهم "أقزام"، ثم تضيف إلى ذلك أنهم "لا يعرفون الثيرة ولا الوحوش الكاسرة؛ وهو يَشِمُون وجوههم بزخارف تختلف شكلاً باختلاف المنزلة الاجتماعية، ويلبسون رداء مصنوعاً من قطعة واحدة، ولديهم حراب وقِسِىٌّ ورماح في أطرافها حجر أو حديد، وهم لا يلبسون أحذية، ومن خصائصهم طاعة القانون وتعدد الزوجات ويدمنون الشراب وهم طوال الأعمار.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
الفصل الثاني
اليابان البدائية
مقوماتها الجنسية - مدنيتها الباكرة - الدين
"شنتو" - البوذية - بدايات الفن "الإصلاح العظيم"
لقد ضاعت الأصول اليابانية- كما ضاع غيرها من أصول الأمم- في خليط عام من النظريات، فيظهر أن الجنس الياباني مزيج من عناصر ثلاثة: عنصر بدائي أبيض جاء عن طريق "الأينويين" الذين وفدوا إلى اليابان من منطقة نهر أمور في العصر الحجري الأخير؛ وعنصر أصفر مغولي جاء من كوريا أو عبر خلالها في نحو القرن السابع قبل المسيح؛ وعنصر قاتم من الملايو وأندونيسيا تسرب إلى البلاد من جزر الجنوب: ففي اليابان- كما في أي بلد آخر- شهدت البلاد خليطاً من عناصر مختلفة قبل أن تشهد- بمئات السنين- قيام نمط جنسي جديد يتكلم بلغة جديدة وينشئ مدنية جديدة، وكون عملية المزج بين هذه الأجناس لم تبلغ تمامها بعد، تراه ظاهراً في الفوارق التي بين الأرستقراطي الطويل النحيل طويل الرأس، وبين الرجال من الشعب في قصره وبدانته ورأسه العريض.
وتصف الروايات التاريخية الصينية التي ترجع إلى القرن الرابع، تصف اليابانيين بأنهم "أقزام"، ثم تضيف إلى ذلك أنهم "لا يعرفون الثيرة ولا الوحوش الكاسرة؛ وهو يَشِمُون وجوههم بزخارف تختلف شكلاً باختلاف المنزلة الاجتماعية، ويلبسون رداء مصنوعاً من قطعة واحدة، ولديهم حراب وقِسِىٌّ ورماح في أطرافها حجر أو حديد، وهم لا يلبسون أحذية، ومن خصائصهم طاعة القانون وتعدد الزوجات ويدمنون الشراب وهم طوال الأعمار.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1418
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
ونساؤهم يطلين أجسامهن بالأحمر والقرمزي"(11). وتروى هذه المدَّونات عنهم "أن ليس يقع بينهم سرقة، وقلما يشكو أحد منهم أحداً إلى القضاء"(12)، ولم تكد المدنية تبدأ عندهم، وقد صور "لافكاديوهيرن"- مدفوعاً بصدق نظره وبحبه لذلك العصر القديم- صورها فردوساً لا يشوبها استغلال أو فقر؛ ووصف "فنلوزا" طبقة الفلاحين إذ ذاك بأنها مكونة من سادة عسكريين مستقل بعضهم عن البعض(13)؛ وجاءت الصناعات اليدوية إلى اليابان من كوريا في القرن الثالث الميلادي، وسرعان ما انتظمتها نقابات(14)، ودون هؤلاء الصناع اليدويين، كانت تقع طبقة كبيرة من العبيد، جُمع أفرادها من المسجونين وأسرى الحروب(15)، وكان النظام الاجتماعي إقطاعياً إلى حد ما وقبلياً إلى حد ما، فكان بعض الفلاحين يزرعون الأرض عبيداً للسادة أصحاب الأرض، ولكل قبيلة رئيس يكاد يكون ملكاً عليها(16)، وكانت الحكومة بدائية في تفككها وضعفها.
كانت العاطفة الدينية عند اليابانيين الأولين تجد ما يشبعها في العقيدة بأن لكل كائن روحاً، وفي الطوطمية، وفي عبادة الأسلاف وعبادة العلاقة الجنسية(17)؛ فعندهم أن الأرواح سارية في كل شيء- في كواكب السماء ونجومها، في نباتات الحقل وحشراته، والأشجار والحيوان والإنسان(18)، ويعتقدون أن عدداً لا يحصى من الآلهة يحوم فوق الدار وساكنيها ويرقص مع ضوء المصباح ووهجه إذا رقص(19)، والاتصال بالآلهة يكون عندهم بإحراق عظام غزال أو قوقعة سلحفاة، وبفحص العلامات والخطوط التي تحدثها النار، فحصاً تستمد فيه المعونة من الخبراء؛ وتذكر لنا المدونات القديمة الصينية أنه بهذه الطريقة "كان اليابانيون يستوثقون من طيب الحظوظ وخبيثها، ومن ملاءمة الظروف لقيامهم برحلات برية وبحرية أو عدم ملاءمتها"(20). كانوا يخافون الموتى ويعبدونهم، لأن غضبهم قد ينزل بالعالم شراً مستطيراً؛ فلكي يسترضوا هؤلاء الموتى، كان لزاماً عليهم أن يضعوا لهم النفائس في
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
ونساؤهم يطلين أجسامهن بالأحمر والقرمزي"(11). وتروى هذه المدَّونات عنهم "أن ليس يقع بينهم سرقة، وقلما يشكو أحد منهم أحداً إلى القضاء"(12)، ولم تكد المدنية تبدأ عندهم، وقد صور "لافكاديوهيرن"- مدفوعاً بصدق نظره وبحبه لذلك العصر القديم- صورها فردوساً لا يشوبها استغلال أو فقر؛ ووصف "فنلوزا" طبقة الفلاحين إذ ذاك بأنها مكونة من سادة عسكريين مستقل بعضهم عن البعض(13)؛ وجاءت الصناعات اليدوية إلى اليابان من كوريا في القرن الثالث الميلادي، وسرعان ما انتظمتها نقابات(14)، ودون هؤلاء الصناع اليدويين، كانت تقع طبقة كبيرة من العبيد، جُمع أفرادها من المسجونين وأسرى الحروب(15)، وكان النظام الاجتماعي إقطاعياً إلى حد ما وقبلياً إلى حد ما، فكان بعض الفلاحين يزرعون الأرض عبيداً للسادة أصحاب الأرض، ولكل قبيلة رئيس يكاد يكون ملكاً عليها(16)، وكانت الحكومة بدائية في تفككها وضعفها.
كانت العاطفة الدينية عند اليابانيين الأولين تجد ما يشبعها في العقيدة بأن لكل كائن روحاً، وفي الطوطمية، وفي عبادة الأسلاف وعبادة العلاقة الجنسية(17)؛ فعندهم أن الأرواح سارية في كل شيء- في كواكب السماء ونجومها، في نباتات الحقل وحشراته، والأشجار والحيوان والإنسان(18)، ويعتقدون أن عدداً لا يحصى من الآلهة يحوم فوق الدار وساكنيها ويرقص مع ضوء المصباح ووهجه إذا رقص(19)، والاتصال بالآلهة يكون عندهم بإحراق عظام غزال أو قوقعة سلحفاة، وبفحص العلامات والخطوط التي تحدثها النار، فحصاً تستمد فيه المعونة من الخبراء؛ وتذكر لنا المدونات القديمة الصينية أنه بهذه الطريقة "كان اليابانيون يستوثقون من طيب الحظوظ وخبيثها، ومن ملاءمة الظروف لقيامهم برحلات برية وبحرية أو عدم ملاءمتها"(20). كانوا يخافون الموتى ويعبدونهم، لأن غضبهم قد ينزل بالعالم شراً مستطيراً؛ فلكي يسترضوا هؤلاء الموتى، كان لزاماً عليهم أن يضعوا لهم النفائس في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1419
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
قبورهم- كأن يضعوا سيفاً إذا كان الميت رجلاً، ومرآة إذا كانت امرأة، وكانوا يؤدون الصلاة ويقدمون الطعام أمام صور أسلافهم في كل يوم(21) وكانوا يلجأون إلى التضحية البشرية آناً بعد آن توسلاً لإيقاف مطر غزير، أو ضماناً لثبات بناء أو جدار، وكان يحدث أحياناً أن يدفن الأتباع مع سيدهم الذي مات ليدافعوا عنه في أولى مراحل حياته الآخرة(22).
ومن عبادة الأسلاف نشأت أقدم ديانة قائمة في اليابان، وهي "شنتو" أي "طريق الآلهة" ولها صور ثلاث " : العقيدة المنزلية التي تتجه بالعبادة إلى أسلاف القبيلة، وعقيدة الدولة التي تتجه بالعبادة إلى الحاكمين الأسلاف وهم الآلهة الذين أسسوا للدولة بناءها؛ فكانوا يخاطبون السلف المقدس الأول الذي عنه جاءت سلسلة الأباطرة، ضارعين سبع مرات كل عام، فيتوجه إليه الإمبراطور نفسه بالدعاء، أو من ينوب عن الإمبراطور؛ ثم كانوا يؤدون له صلاة خاصة إذا ما همت الأمة بالاضطلاع بمشروع تراه استثنائياً في قداسته، مثل الاستيلاء على شانتونج (سنة 1914)(23)؛ ولم تكن ديانة "شنتو" بحاجة إلى تفصيل مذهبي أو طقوس معقدة أو تشريع خلقي، ولم تكن لها طبقة من الكهنة خاصة بها، كلا ولا تذهب إلى ما يبعث العزاء في نفوس الناس من خلود الروح ونعيم الفردوس؛ فكان كل ما تطالب به معتنقيها أن يحجوا آناً بعد آن لأسلافهم وأن يقدموا لهم ضراعة الخاشعين، ويفعلوا كذلك لإمبراطورهم ولماضي أمتهم؛ وقد حلت عقيدة أخرى محل هذه العقيدة حيناً، لأنها مسرفة التواضع في جزائها التي تعد به، وفي أوامرها التي تلزم بها الناس.
وفي سنة 522 جاءت البوذية- وكانت قد دخلت الصين قبل ذاك بخمسمائة عام- إلى اليابان خلال القارة الآسيوية، فأخذت تغزو أرجاءها غزواً
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
قبورهم- كأن يضعوا سيفاً إذا كان الميت رجلاً، ومرآة إذا كانت امرأة، وكانوا يؤدون الصلاة ويقدمون الطعام أمام صور أسلافهم في كل يوم(21) وكانوا يلجأون إلى التضحية البشرية آناً بعد آن توسلاً لإيقاف مطر غزير، أو ضماناً لثبات بناء أو جدار، وكان يحدث أحياناً أن يدفن الأتباع مع سيدهم الذي مات ليدافعوا عنه في أولى مراحل حياته الآخرة(22).
ومن عبادة الأسلاف نشأت أقدم ديانة قائمة في اليابان، وهي "شنتو" أي "طريق الآلهة" ولها صور ثلاث " : العقيدة المنزلية التي تتجه بالعبادة إلى أسلاف القبيلة، وعقيدة الدولة التي تتجه بالعبادة إلى الحاكمين الأسلاف وهم الآلهة الذين أسسوا للدولة بناءها؛ فكانوا يخاطبون السلف المقدس الأول الذي عنه جاءت سلسلة الأباطرة، ضارعين سبع مرات كل عام، فيتوجه إليه الإمبراطور نفسه بالدعاء، أو من ينوب عن الإمبراطور؛ ثم كانوا يؤدون له صلاة خاصة إذا ما همت الأمة بالاضطلاع بمشروع تراه استثنائياً في قداسته، مثل الاستيلاء على شانتونج (سنة 1914)(23)؛ ولم تكن ديانة "شنتو" بحاجة إلى تفصيل مذهبي أو طقوس معقدة أو تشريع خلقي، ولم تكن لها طبقة من الكهنة خاصة بها، كلا ولا تذهب إلى ما يبعث العزاء في نفوس الناس من خلود الروح ونعيم الفردوس؛ فكان كل ما تطالب به معتنقيها أن يحجوا آناً بعد آن لأسلافهم وأن يقدموا لهم ضراعة الخاشعين، ويفعلوا كذلك لإمبراطورهم ولماضي أمتهم؛ وقد حلت عقيدة أخرى محل هذه العقيدة حيناً، لأنها مسرفة التواضع في جزائها التي تعد به، وفي أوامرها التي تلزم بها الناس.
وفي سنة 522 جاءت البوذية- وكانت قد دخلت الصين قبل ذاك بخمسمائة عام- إلى اليابان خلال القارة الآسيوية، فأخذت تغزو أرجاءها غزواً
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1420
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
سريعاً؛ وقد تآمر عاملان فكتبا لها النصر، وهما: الحاجات الدينية عند الشعب، والحاجات السياسية عند الدولة، لأنه لم تكن بوذية بوذا هي التي جاءت إلى اليابان، بما عرفت به تلك البوذية من لا أدرية وتشاؤم وتزمت وشوق إلى النعيم الناشئ عن انمحاء الفرد في الكل، بل جاءتها بوذية "ماهايانا" بآلهتها الوديعة من أمثال "أميدا" "وكوانون"، وباحتفالاتها الدينية البهيجة، واعترافها ببوذيين منتظرين يخلصون البشر، وبخلود الروح الإنسانية، ثم ما هو خير من ذلك، جاءت هذه البوذية تبث في النفوس بأسلوب لا يقاوم لفرط رقته، كل فضائل الورع والسلام والطاعة التي يمكن أن تصوغ الناس صياغة تجعلهم أكثر انصياعاً للحكومة، وراحت تفسح للمظلومين من الأمل والعزاء ما يجعلهم راضين قانعين بشظف عيشهم؛ وتخفف من وطأة الحياة الكادحة وما فيها من برود يشبه برود النثر وفتور العمل المكرور المعاد، بما تبثه في تلك الحياة من شعر متمثلة في الأساطير والصلاة، ومن مسرحية تتمثل في الاحتفالات البهيجة، وهيأت للناس سبيل الوحدة في الشعور والعقيدة، وهما شيئان طالما رحب بهما الساسة، لأنهما أصل النظام الاجتماعي، ودعامة القوة القومية.
ولسنا ندرى أكانت السياسة أم الورع هو الذي كتب النصر للبوذية في اليابان، فلما مات الإمبراطور "يومى" سنة 586 ، تنازعت وراثة العرش من بعده أسرتان متنافستان، تنازعاً استخدمت فيه السلاح، واعتنقت كلتاهما العقيدة الدينية الجديدة اعتناقاً سياسياً، واستطاع الأمير "شوتوكوتايشي"- الذي يقال عنه إنه ولد وفي يده تميمة مقدسة- أن ينتهي بالحزب البوذي إلى النصر، ثم أقام على العرش "الإمبراطورة سويكو". ولبث تسعة وعشرين عاماً (592-621) يحكم الجزر المقدسة أميراً إمبراطورياً ووصياً على العرش وراح يغدق العطاء لمعابد البوذيين، ويشجع رجال الدين البوذي ويعينهم،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
سريعاً؛ وقد تآمر عاملان فكتبا لها النصر، وهما: الحاجات الدينية عند الشعب، والحاجات السياسية عند الدولة، لأنه لم تكن بوذية بوذا هي التي جاءت إلى اليابان، بما عرفت به تلك البوذية من لا أدرية وتشاؤم وتزمت وشوق إلى النعيم الناشئ عن انمحاء الفرد في الكل، بل جاءتها بوذية "ماهايانا" بآلهتها الوديعة من أمثال "أميدا" "وكوانون"، وباحتفالاتها الدينية البهيجة، واعترافها ببوذيين منتظرين يخلصون البشر، وبخلود الروح الإنسانية، ثم ما هو خير من ذلك، جاءت هذه البوذية تبث في النفوس بأسلوب لا يقاوم لفرط رقته، كل فضائل الورع والسلام والطاعة التي يمكن أن تصوغ الناس صياغة تجعلهم أكثر انصياعاً للحكومة، وراحت تفسح للمظلومين من الأمل والعزاء ما يجعلهم راضين قانعين بشظف عيشهم؛ وتخفف من وطأة الحياة الكادحة وما فيها من برود يشبه برود النثر وفتور العمل المكرور المعاد، بما تبثه في تلك الحياة من شعر متمثلة في الأساطير والصلاة، ومن مسرحية تتمثل في الاحتفالات البهيجة، وهيأت للناس سبيل الوحدة في الشعور والعقيدة، وهما شيئان طالما رحب بهما الساسة، لأنهما أصل النظام الاجتماعي، ودعامة القوة القومية.
ولسنا ندرى أكانت السياسة أم الورع هو الذي كتب النصر للبوذية في اليابان، فلما مات الإمبراطور "يومى" سنة 586 ، تنازعت وراثة العرش من بعده أسرتان متنافستان، تنازعاً استخدمت فيه السلاح، واعتنقت كلتاهما العقيدة الدينية الجديدة اعتناقاً سياسياً، واستطاع الأمير "شوتوكوتايشي"- الذي يقال عنه إنه ولد وفي يده تميمة مقدسة- أن ينتهي بالحزب البوذي إلى النصر، ثم أقام على العرش "الإمبراطورة سويكو". ولبث تسعة وعشرين عاماً (592-621) يحكم الجزر المقدسة أميراً إمبراطورياً ووصياً على العرش وراح يغدق العطاء لمعابد البوذيين، ويشجع رجال الدين البوذي ويعينهم،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1421
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
ويدخل الأخلاق البوذية في صلب القوانين القومية، حتى لقد أصبح بوجه عام للبوذية اليابانية ما كان "أشوكا" لها في الهند, وامتدت رعايته إلى الفنون والعلوم، واستقدم الفنانين ومهرة الصناع من كوريا والصين، وكتب التاريخ، ورسم التصاوير، وأشرف على بناء معبد "هوريوجي"، وهو أقدم آية بقيت لنا في تاريخ الفن الياباني.
لكن على الرغم مما تركه هذا الرجل الناشر لأسباب الحضارة من مختلف الآثار، وعلى الرغم من كافة الفضائل التي راحت البوذية تبثها في النفوس أو تبشر بها، فقد طغت على اليابان أزمة أخرى عنيفة، ولم يكن قد مضى على موت "شوتوكو" جيل واحد؛ ذلك أن أرستقراطياً طموحاً، هو "كاماتاري" قد دبر مع "الأمير تاكا" ثورة في القصر، كانت بداية واضحة لتغير مجرى التاريخ السياسي في "نيبون" (اليابان) حتى ليشير إليها المؤرخون من أبناء البلاد في حماسة وطنية فيصفونها بقولهم "الإصلاح العظيم" (سنة 645)؛ فقد قتل ولي العهد، وأجلس على العرش ملك كهل لم يكن إلا صورة، وكان الأمر في يد "كاماتاري" باعتباره رئيساً للوزراء، فطفق بمعونة "الأمير تاكا"- حين كان لم يزل ولياً للعهد، ثم حين أصبح هو "الإمبراطور تنشي"- يعيد بناء الحكومة اليابانية بحيث جعلها سلطة إمبراطورية أوتوقراطية؛ وارتفع الحاكم من مجرد كونه زعيماً لكبرى القبائل، إلى سلطة شاملة تسيطر على كل موظف في اليابان، فهو الذي يعين كل الحكام، وتدفع له الضرائب كلها مباشرة، وأعلن أن البلاد كلها ملك يمينه؛ وبهذا سارت اليابان بخطوات سريعة من ارتباط بين القبائل مخلخل العرى ورؤساء قبائل يشبهون أشراف الإقطاع، إلى دولة ملكية وثيقة العرى فيما يربط بين أجزائها.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> اليابان البدائية
ويدخل الأخلاق البوذية في صلب القوانين القومية، حتى لقد أصبح بوجه عام للبوذية اليابانية ما كان "أشوكا" لها في الهند, وامتدت رعايته إلى الفنون والعلوم، واستقدم الفنانين ومهرة الصناع من كوريا والصين، وكتب التاريخ، ورسم التصاوير، وأشرف على بناء معبد "هوريوجي"، وهو أقدم آية بقيت لنا في تاريخ الفن الياباني.
لكن على الرغم مما تركه هذا الرجل الناشر لأسباب الحضارة من مختلف الآثار، وعلى الرغم من كافة الفضائل التي راحت البوذية تبثها في النفوس أو تبشر بها، فقد طغت على اليابان أزمة أخرى عنيفة، ولم يكن قد مضى على موت "شوتوكو" جيل واحد؛ ذلك أن أرستقراطياً طموحاً، هو "كاماتاري" قد دبر مع "الأمير تاكا" ثورة في القصر، كانت بداية واضحة لتغير مجرى التاريخ السياسي في "نيبون" (اليابان) حتى ليشير إليها المؤرخون من أبناء البلاد في حماسة وطنية فيصفونها بقولهم "الإصلاح العظيم" (سنة 645)؛ فقد قتل ولي العهد، وأجلس على العرش ملك كهل لم يكن إلا صورة، وكان الأمر في يد "كاماتاري" باعتباره رئيساً للوزراء، فطفق بمعونة "الأمير تاكا"- حين كان لم يزل ولياً للعهد، ثم حين أصبح هو "الإمبراطور تنشي"- يعيد بناء الحكومة اليابانية بحيث جعلها سلطة إمبراطورية أوتوقراطية؛ وارتفع الحاكم من مجرد كونه زعيماً لكبرى القبائل، إلى سلطة شاملة تسيطر على كل موظف في اليابان، فهو الذي يعين كل الحكام، وتدفع له الضرائب كلها مباشرة، وأعلن أن البلاد كلها ملك يمينه؛ وبهذا سارت اليابان بخطوات سريعة من ارتباط بين القبائل مخلخل العرى ورؤساء قبائل يشبهون أشراف الإقطاع، إلى دولة ملكية وثيقة العرى فيما يربط بين أجزائها.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1422
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
الفصل الثالث
العصر الإمبراطوري
الأباطرة - الأرستقراطية، تأثير الصين، عصر كيوتو الذهبي - التدهور
منذ ذلك الوقت فصاعداً، جعل الإمبراطور يتمتع بألقاب ضخمة، فكان يسمى أحياناً "تنشي" أو "شمس السماء" على أن اسمه كان غالباً "تنو" أي "الملك السماوي" ونادراً ما كان يطلق عليه "ميكادو" أي "الباب المجيد"؛ وكان من امتيازه أن يطلق عليه اسم جديد بعد موته، يعرف في التاريخ باسم خاص يختلف كل الاختلاف عن الاسم الذي أطلق إبان الحياة؛ ولكي يضمن اتصال النسل الإمبراطوري، كان للإمبراطور الحق في أي عدد شاء من الزوجات أو الرفيقات؛ ولم يكن حتماً أن يهبط الملك إلى أكبر الأبناء، بل تؤول ولاية العرش من بعده إلى من كان في رأيه هو، أو في رأي أبطال العصر أقرب أبنائه إلى أن يكون أقواهم، أو أضعفهم على العرش [فيختار أقواهم إن كان الذي يختار هو الملك، ويختار أضعفهم إن كان الذي يختار هم أعلام العصر ذوو المصالح الشخصية] وكان الأباطرة في بواكير العصر الكيوتي يميلون إلى الورع، حتى لقد تنازل بعضهم عن العرش ليجعلوا من أنفسهم رهباناً بوذيين، وحرَّم أحدهم السِّماكة على أنها إساءة إلى بوذا(25)؛ لكنك تجد بينهم "يوزي" يشذ عن هذا المجرى، ويتعب الناس بنشاطه، فجاء مثلاً يوضح كيف تكون الأخطار التي يستهدف لها الملك إذا نشط؛ فكان يأمر الناس أن يصعدوا الأشجار ثم يرميهم بقوسه ونشابه، ويمسك بالعذارى في الطرقات، ويوثق قيدهن بأوتار قيثارة ويقذف بهن في البرك، وكان مما يمتع جلالته أن يركب جائساً خلال العاصمة فيلهب الناس بسوطه ليدفعهم إلى العمل، لكن رعيته خلعته عن العرش آخر الأمر بثورة أعلنت فيها
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
الفصل الثالث
العصر الإمبراطوري
الأباطرة - الأرستقراطية، تأثير الصين، عصر كيوتو الذهبي - التدهور
منذ ذلك الوقت فصاعداً، جعل الإمبراطور يتمتع بألقاب ضخمة، فكان يسمى أحياناً "تنشي" أو "شمس السماء" على أن اسمه كان غالباً "تنو" أي "الملك السماوي" ونادراً ما كان يطلق عليه "ميكادو" أي "الباب المجيد"؛ وكان من امتيازه أن يطلق عليه اسم جديد بعد موته، يعرف في التاريخ باسم خاص يختلف كل الاختلاف عن الاسم الذي أطلق إبان الحياة؛ ولكي يضمن اتصال النسل الإمبراطوري، كان للإمبراطور الحق في أي عدد شاء من الزوجات أو الرفيقات؛ ولم يكن حتماً أن يهبط الملك إلى أكبر الأبناء، بل تؤول ولاية العرش من بعده إلى من كان في رأيه هو، أو في رأي أبطال العصر أقرب أبنائه إلى أن يكون أقواهم، أو أضعفهم على العرش [فيختار أقواهم إن كان الذي يختار هو الملك، ويختار أضعفهم إن كان الذي يختار هم أعلام العصر ذوو المصالح الشخصية] وكان الأباطرة في بواكير العصر الكيوتي يميلون إلى الورع، حتى لقد تنازل بعضهم عن العرش ليجعلوا من أنفسهم رهباناً بوذيين، وحرَّم أحدهم السِّماكة على أنها إساءة إلى بوذا(25)؛ لكنك تجد بينهم "يوزي" يشذ عن هذا المجرى، ويتعب الناس بنشاطه، فجاء مثلاً يوضح كيف تكون الأخطار التي يستهدف لها الملك إذا نشط؛ فكان يأمر الناس أن يصعدوا الأشجار ثم يرميهم بقوسه ونشابه، ويمسك بالعذارى في الطرقات، ويوثق قيدهن بأوتار قيثارة ويقذف بهن في البرك، وكان مما يمتع جلالته أن يركب جائساً خلال العاصمة فيلهب الناس بسوطه ليدفعهم إلى العمل، لكن رعيته خلعته عن العرش آخر الأمر بثورة أعلنت فيها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1423
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
العصيان السياسي الذي هو بمثابة الخروج على حدود التقوى وهو شيء نادر الوقوع في تاريخ اليابان(26)؛ وحدث سنة 794 أن انتقلت مراكز الحكومة من "نارا" إلى "ناجاوكا" ثم لم تلبث بعدئذ أن انتقلت إلى كيوتو (أي عاصمة السلام) فظلت هي العاصمة خلال الأربعة قرون (794-1192) التي يجمع معظم المؤرخين على أنها كانت في اليابان عصرها الذهبي، فلما أن كانت سنة 1190 بلغ سكان كيوتو نصف المليون، وهو ما لم تبلغه أية مدينة أوروبية في ذلك العصر ما عدا القسطنطينية وقرطبة(27)، وقد خصص جزء من المدينة لأكواخ الناس وحظائر لماشيتهم، والظاهر أن قد نعم هؤلاء الناس بعيشهم رغم فقرهم المدقع؛ ثم خصص آخر- جعلوه معزولاً بما تقتضيه الحكمة لحدائق العلية والأسرة الإمبراطورية وقصورهم؛ وكان يطلق على حاشية الإمبراطور بحق "سكان ما فوق السحب"(28) لأن تقدم الحضارة وارتفاع الأساليب الفنية كان من نتائجها في اليابان- كما هي الحال في غيرها- ازدياد الفوارق الاجتماعية؛ وبهذا زالت المساواة التقريبية التي كانت تسود الناس في باكورة الأيام، وحل محلها تفاوت لا مندوحة عن وقوعه إذا ما قُسمِّت الثروة المتزايدة بين الناس على قدراتهم المختلفة وشخصياتهم وامتيازاتهم المتباينة؛ ونشأت أسرات كبيرة، مثل الـ "فويجيوارا" والـ "تايْرا" والـ "ميناموتو" والـ "سوجاوارا"، وهي أسرات كانت تقيم الأباطرة وتخلعهم، ويحارب بعضها بعضاً على النحو العنيف الذي شهدته أيام النهضة الإيطالية؛ ولقد قرَّب "سوجاوارا متشيزاني" نفسه من قلوب اليابانيين لرعايته للأدب، وهو الآن معبود لديهم بوصفه إلهاً للآداب، وتعطل المدارس تكريماً له في الخامس والعشرين من كل شهر؛ وكذلك امتاز الشاب "ميناموتو سانيتومو" بإنشائه في الصباح السابق لاغتياله هذه المقطوعة الشعرية الساذجة، التي تمثل الأسلوب الياباني في أنصع صوره:
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
العصيان السياسي الذي هو بمثابة الخروج على حدود التقوى وهو شيء نادر الوقوع في تاريخ اليابان(26)؛ وحدث سنة 794 أن انتقلت مراكز الحكومة من "نارا" إلى "ناجاوكا" ثم لم تلبث بعدئذ أن انتقلت إلى كيوتو (أي عاصمة السلام) فظلت هي العاصمة خلال الأربعة قرون (794-1192) التي يجمع معظم المؤرخين على أنها كانت في اليابان عصرها الذهبي، فلما أن كانت سنة 1190 بلغ سكان كيوتو نصف المليون، وهو ما لم تبلغه أية مدينة أوروبية في ذلك العصر ما عدا القسطنطينية وقرطبة(27)، وقد خصص جزء من المدينة لأكواخ الناس وحظائر لماشيتهم، والظاهر أن قد نعم هؤلاء الناس بعيشهم رغم فقرهم المدقع؛ ثم خصص آخر- جعلوه معزولاً بما تقتضيه الحكمة لحدائق العلية والأسرة الإمبراطورية وقصورهم؛ وكان يطلق على حاشية الإمبراطور بحق "سكان ما فوق السحب"(28) لأن تقدم الحضارة وارتفاع الأساليب الفنية كان من نتائجها في اليابان- كما هي الحال في غيرها- ازدياد الفوارق الاجتماعية؛ وبهذا زالت المساواة التقريبية التي كانت تسود الناس في باكورة الأيام، وحل محلها تفاوت لا مندوحة عن وقوعه إذا ما قُسمِّت الثروة المتزايدة بين الناس على قدراتهم المختلفة وشخصياتهم وامتيازاتهم المتباينة؛ ونشأت أسرات كبيرة، مثل الـ "فويجيوارا" والـ "تايْرا" والـ "ميناموتو" والـ "سوجاوارا"، وهي أسرات كانت تقيم الأباطرة وتخلعهم، ويحارب بعضها بعضاً على النحو العنيف الذي شهدته أيام النهضة الإيطالية؛ ولقد قرَّب "سوجاوارا متشيزاني" نفسه من قلوب اليابانيين لرعايته للأدب، وهو الآن معبود لديهم بوصفه إلهاً للآداب، وتعطل المدارس تكريماً له في الخامس والعشرين من كل شهر؛ وكذلك امتاز الشاب "ميناموتو سانيتومو" بإنشائه في الصباح السابق لاغتياله هذه المقطوعة الشعرية الساذجة، التي تمثل الأسلوب الياباني في أنصع صوره:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1424
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
إذا لم أعد إليك ثانياً
يا شجرة البرقوق التي تجاور داري
فلا تنسي أنت موعد الربيع
وازدهري ما وسعك الازدهار
ولبثت اليابان في عهد "دايجو" المتنوّر (898-930)- وهو أعظم الأباطرة الذين أقامتهم على الحكم قبيلة فوجيوارا، لبثت في عهده تتشرب- بل بدأت تنافس- ثقافة الصين وأسباب ترفها، التي كانت عندئذ في أعلى ذرى ازدهارها في عهد "تانج"؛ ولما كانت اليابان قد استمدت عقيدتها الدينية من "المملكة الوسطى" فقد طفقت تستمد من المعين نفسه لباسها وألعابها وطهيها وكتابتها وشعرها وأساليب حكومتها وموسيقاها وفنونها وبساتينها وعمارتها، بل خُطِّطت عاصمتاها الجميلتان "نارا" و "كيوتو" على غرار "شانجان"؛ فقد استوردت اليابان ثقافة الصين منذ ألف عام، كما تستورد ثقافة أوربا وأمريكا في عصرنا هذا، وهي في هذا تتعجل أولاً ثم تتمهل لتنتقي وتختار ثانياً؛ لكنها تحتفظ بروحها الخاصة وشخصيتها الخاصة غيرة عليهما، ولا تدخر في وسعها جهداً في سبيل مداومة الأساليب الجديدة إلى الأغراض القومية القديمة.
ودخلت اليابان في عهدها "الأنجي" (901-922) الذي يعتبر ذروة العصر الذهبي مدفوعة إلـى ذلك الصـعود بحافز مـن جارتها العظيمة، وبوقاية
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
إذا لم أعد إليك ثانياً
يا شجرة البرقوق التي تجاور داري
فلا تنسي أنت موعد الربيع
وازدهري ما وسعك الازدهار
ولبثت اليابان في عهد "دايجو" المتنوّر (898-930)- وهو أعظم الأباطرة الذين أقامتهم على الحكم قبيلة فوجيوارا، لبثت في عهده تتشرب- بل بدأت تنافس- ثقافة الصين وأسباب ترفها، التي كانت عندئذ في أعلى ذرى ازدهارها في عهد "تانج"؛ ولما كانت اليابان قد استمدت عقيدتها الدينية من "المملكة الوسطى" فقد طفقت تستمد من المعين نفسه لباسها وألعابها وطهيها وكتابتها وشعرها وأساليب حكومتها وموسيقاها وفنونها وبساتينها وعمارتها، بل خُطِّطت عاصمتاها الجميلتان "نارا" و "كيوتو" على غرار "شانجان"؛ فقد استوردت اليابان ثقافة الصين منذ ألف عام، كما تستورد ثقافة أوربا وأمريكا في عصرنا هذا، وهي في هذا تتعجل أولاً ثم تتمهل لتنتقي وتختار ثانياً؛ لكنها تحتفظ بروحها الخاصة وشخصيتها الخاصة غيرة عليهما، ولا تدخر في وسعها جهداً في سبيل مداومة الأساليب الجديدة إلى الأغراض القومية القديمة.
ودخلت اليابان في عهدها "الأنجي" (901-922) الذي يعتبر ذروة العصر الذهبي مدفوعة إلـى ذلك الصـعود بحافز مـن جارتها العظيمة، وبوقاية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1425
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
حكومية مستتبـة؛ فتراكـمت الثروة وأتجه إنفاقها نحو أسباب حياة مترفة رقيقة تشيع فيها الثقافة بحيث لا يكاد يضارعها في ذلك مثيل حتى جاءت عصور أسرة مديتشي و "صالونات" "التنوير الفرنسي" .
وأصبحت "كيوتو" بمثابة باريس وفرساي في فرنسا، رقيقة قي شعرها وثيابها، رشيقة في أخلاقها وفنونها، تضع للأمة كلها معايير المعرفة والذوق، وانفتحت "الشهية" عند الناس على اختلاف صورها وإلى آخر حدودها وآمادها، فابتكر الطهاة صنوفاً جديدة من شهيّ الطعام، وكدسوا الآكال تكديساً ليُشبعوا أصحاب النهم وأرباب الذوق في الطعام على حد سواء، وغُض الطرف عن جرائم الزنا على أساس أنها من أتفه خطايا الإنسان(32)، وتزمَّل كل سيد أو سيدة بالحرير ونفيس الثياب، وكنت ترى مختلف الألوان متناسقة على كل كم تلبسها ذراع، وازدانت حياة المعابد والقصور بالموسيقى والرقص كما أشاع الرقص والموسيقى روح الرشاقة في بيوت العِلْية التي كانت تحاط بروائع المناظر الطبيعية من الخارج، وتزدان صقلاً من الداخل بما فيها من آيات البرونز واللؤلؤ والعاج والذهب والخشب الذي حفر حفراً بلغ الغاية القصوى من دقة الحفر(33)؛ لقد ازدهر الأدب إذ ذاك وانحلَّت الأخلاق.
أمثال هذه العصور التي تتلألأ بجوانب الرقة، يغلب ألا تدوم طويلاً، لأنها ترتكز ارتكازاً مقلقلاً على ثروة متراكمة يمكن في أية لحظة أن تذروها عوامل تذبذب التجارة، وقلق الطبقات المستغَلَّة وتقلبات الحروب؛ وقد أدى إسراف القصر آخر الأمر إلى إفلاس الدولة وارتفعت الثقافة بحيث رجحت كفتها بالقياس إلى القدرة العلمية، فانتهى ذلك إلى ملء المناصب الإدارية بمتشاعرين عاجزين، وأخذ الفساد يتكاثر تحت أنوفهم المعطَّرة دون أن يستوقف انتباههم، ثم أصبحت المناصب آخر الأمر تباع لمن يدفع في شرائها أغلى ثمن وازدادت الجــرائم بين الفـقراء بقــدر ما ازدادت أسبـاب
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
حكومية مستتبـة؛ فتراكـمت الثروة وأتجه إنفاقها نحو أسباب حياة مترفة رقيقة تشيع فيها الثقافة بحيث لا يكاد يضارعها في ذلك مثيل حتى جاءت عصور أسرة مديتشي و "صالونات" "التنوير الفرنسي" .
وأصبحت "كيوتو" بمثابة باريس وفرساي في فرنسا، رقيقة قي شعرها وثيابها، رشيقة في أخلاقها وفنونها، تضع للأمة كلها معايير المعرفة والذوق، وانفتحت "الشهية" عند الناس على اختلاف صورها وإلى آخر حدودها وآمادها، فابتكر الطهاة صنوفاً جديدة من شهيّ الطعام، وكدسوا الآكال تكديساً ليُشبعوا أصحاب النهم وأرباب الذوق في الطعام على حد سواء، وغُض الطرف عن جرائم الزنا على أساس أنها من أتفه خطايا الإنسان(32)، وتزمَّل كل سيد أو سيدة بالحرير ونفيس الثياب، وكنت ترى مختلف الألوان متناسقة على كل كم تلبسها ذراع، وازدانت حياة المعابد والقصور بالموسيقى والرقص كما أشاع الرقص والموسيقى روح الرشاقة في بيوت العِلْية التي كانت تحاط بروائع المناظر الطبيعية من الخارج، وتزدان صقلاً من الداخل بما فيها من آيات البرونز واللؤلؤ والعاج والذهب والخشب الذي حفر حفراً بلغ الغاية القصوى من دقة الحفر(33)؛ لقد ازدهر الأدب إذ ذاك وانحلَّت الأخلاق.
أمثال هذه العصور التي تتلألأ بجوانب الرقة، يغلب ألا تدوم طويلاً، لأنها ترتكز ارتكازاً مقلقلاً على ثروة متراكمة يمكن في أية لحظة أن تذروها عوامل تذبذب التجارة، وقلق الطبقات المستغَلَّة وتقلبات الحروب؛ وقد أدى إسراف القصر آخر الأمر إلى إفلاس الدولة وارتفعت الثقافة بحيث رجحت كفتها بالقياس إلى القدرة العلمية، فانتهى ذلك إلى ملء المناصب الإدارية بمتشاعرين عاجزين، وأخذ الفساد يتكاثر تحت أنوفهم المعطَّرة دون أن يستوقف انتباههم، ثم أصبحت المناصب آخر الأمر تباع لمن يدفع في شرائها أغلى ثمن وازدادت الجــرائم بين الفـقراء بقــدر ما ازدادت أسبـاب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1426
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
التـرف بين الأغنيـاء، وانبث وبـاء اللصوص والقراصنة في الطرقات والبحار، فكانوا ينقضون على كل فريسة تقع في أيديهم، لا فرق عندهم بين الإمبراطور والشعب، ويسطون على جباة الضرائب فيسلبونهم ما كانوا يحملونه إلى القصر من أموال، ونظمت عصابات من اللصوص في الأقاليم، بل وفي العاصمة نفسها، وكان يتاح لأخطر مجرم في اليابان- كما هي الحال عندنا- أن يعيش في رفاهية علنية؛ لأنه كان من القوة بحيث يتعذر على أولى الأمر أن يقبضوا عليه أو يسيئوا إليه(35)، وأهمل الناس عاداتهم وفضائلهم الحربية، وتراخوا في نظامهم العسكري والأهبة للدفاع، بحيث باتت الحكومة مفتوحة الصدر لكل ضربة يسددها إليها من شاء من القراصنة القساة؛ وراحت الأسر الكبيرة تجيَّش لنفسها جيوشها، فبدأت بذلك عهداً من حروب أهلية، ولبثت تناضل بعضها بعضاً نضالاً تسوده الفوضى، كل منها يحاول أن يظفر لنفسه بحق تعيين الإمبراطور، وأما الإمبراطور نفسه فكان يزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، في الوقت الذي كان رؤساء القبائل فيه يوشكون أن يعودوا إلى سابق عهدهم من حيث استقلال كل منهم بسلطته؛ وهكذا أخذ التاريخ مرة أخرى يتذبذب على نحو ما كان يتذبذب قديماً، بين حكومة قوية مركزية من ناحية، ونظام إقطاعي لا مركزي من ناحية أخرى.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> العصر الإمبراطوري
التـرف بين الأغنيـاء، وانبث وبـاء اللصوص والقراصنة في الطرقات والبحار، فكانوا ينقضون على كل فريسة تقع في أيديهم، لا فرق عندهم بين الإمبراطور والشعب، ويسطون على جباة الضرائب فيسلبونهم ما كانوا يحملونه إلى القصر من أموال، ونظمت عصابات من اللصوص في الأقاليم، بل وفي العاصمة نفسها، وكان يتاح لأخطر مجرم في اليابان- كما هي الحال عندنا- أن يعيش في رفاهية علنية؛ لأنه كان من القوة بحيث يتعذر على أولى الأمر أن يقبضوا عليه أو يسيئوا إليه(35)، وأهمل الناس عاداتهم وفضائلهم الحربية، وتراخوا في نظامهم العسكري والأهبة للدفاع، بحيث باتت الحكومة مفتوحة الصدر لكل ضربة يسددها إليها من شاء من القراصنة القساة؛ وراحت الأسر الكبيرة تجيَّش لنفسها جيوشها، فبدأت بذلك عهداً من حروب أهلية، ولبثت تناضل بعضها بعضاً نضالاً تسوده الفوضى، كل منها يحاول أن يظفر لنفسه بحق تعيين الإمبراطور، وأما الإمبراطور نفسه فكان يزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، في الوقت الذي كان رؤساء القبائل فيه يوشكون أن يعودوا إلى سابق عهدهم من حيث استقلال كل منهم بسلطته؛ وهكذا أخذ التاريخ مرة أخرى يتذبذب على نحو ما كان يتذبذب قديماً، بين حكومة قوية مركزية من ناحية، ونظام إقطاعي لا مركزي من ناحية أخرى.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1427
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
الفصل الرابع
الطغاة
"الشواجنة" - سلطان عسكري في كاماكورا - وصاية هوجو على
العرش - غزوة قبلاي خان - سيادة أشيكاجا - القراصنة الثلاثة
كان من شأن هذه الظروف القائمة أن سنحت الفرصة لظهور فئة من الطغاة العسكريين الذين قبضوا بأيديهم على زمام الأمور كلها، في كثير من أجزاء الجزر اليابانية؛ ولم يعترفوا بالإمبراطور إلا على أنه ظاهرة مقدسة في اليابان يحتفظ بها بأقل ما يمكن من النفقات؛ وجعل الفلاحون الذين لم تعد تحميهم من عصابات اللصوص جيوش الإمبراطور ولا رجال شرطته، يدفعون الضرائب لهؤلاء "الشواجنة" أي القادة بدل دفعها للإمبراطور، لأن "الشواجنة" وحدهم هم الذين كانوا يستطيعون حمايتهم من اعتداء اللصوص(36). وهكذا ساد النظام الإقطاعي في اليابان لنفس الأسباب التي كان قد ساد بسببها في أوربا، وأعني أن مصادر السلطان في الإقطاعات ازدادت نفوذاً بمقدار ما فشلت الحكومة المركزية النائبة في حفظ الأمن والنظام.
وحدث في سنة 1192 أن جمع "يوريتومو"- وهو أحد رجال قبيلة ميناموتو- حوله جيشاً من الجند والعبيد، وأقام لنفسه سلطة مستقلة، اتخذت لنفسها اسماً هو اسم المكان الذي قامت فيه، وهو "باكوفوكاماكورد" وكلمة "باكوفو" معناها منصب عسكري، وإذن فهي تدل صراحة على نوع الحكومة الجديدة؛ ومات "يوريتومو" العظيم فجأة في عام 1198
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1428
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
أعقبه في الحكم أبناؤه الضعفاء، وذلك- كما يقول المثل الياباني- لأن "الرجل العظيم لا ذرية له"(38) فأقامت أسرة منافسة وصاية لنفسها على العرش عام 1199 ويسمى العهد باسم "وصاية هوجو"، ولبثت تلك الأسرة مدى مائة وأربعة وثلاثين عاماً تحكم "الشواجنة" الذين كانوا بدورهم يحكمون الأباطرة؛ فكانت هذه الحكومة الثلاثية فرصة سانحة لقبلاي خان يحاول فيها غزو اليابان؛ فقد وصفها له الكوريون الدُّهاة الذين كانوا يخشون بأسها، فقالوا إنها من الثراء بحيث تستحق المجهود؛ فأمر قبلاي بناة سفنه أن يشيدوا له أسطولاً بلغ من الضخامة حداً جعل شعراء الصين يصورون التلال باكية ترثى ما سُلِبَ من غاباتها(39)؛ ويقول اليابانيون- حين يروون حوادث الماضي رواية الفخور ببطولته- إن النفس بلغت سبعين ألفاً، لكن المؤرخين الذين لا يتأججون بمثل هذه الحاسة الوطنية يكفيهم من العدد ثلاثة آلاف وخمسمائة سفينة ومائة ألف محارب؛ وتبدّى هذا الأسطول الجبار على مبعدة من شواطئ اليابان في أواخر سنة 1291 فخرج سكان الجزر الأبطال ليلاقوه في أسطول لهم بنوه على عجل؛ وهو أسطول ضئيل بالقياس إلى الأسطول المهاجم؛ لكن حدث لهذه الأرمادا، ما حدث للأرمادا التي كانت أصغر منها، وإن تكن أشهر ، وهو أن هبت "ريح عظيمة" لا تزال مذكورة لما أسدته للناس من جميل، هبت فحطمت سفائن "الخان" الجبار، إذ رطمتها على جوانب الصخور، وأغرقت من بحارته سبعين ألفاً، وأبقت على بقيتهم ليعيشوا حياة الرقيق في بلاد اليابان.
ودارت الدوائر على أسرة "هوجو" عام 1333، إذ أصابتهم السيطرة هم أيضاً بسمومها، وانتهى الأمر إلى انتقال الحكم الوراثي من أيدي الأبالسة والعباقرة إلى أيدي الجبناء والحمقـى؛ وكان آخـر هذه السلالة رجل يدعى "تاكا
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
أعقبه في الحكم أبناؤه الضعفاء، وذلك- كما يقول المثل الياباني- لأن "الرجل العظيم لا ذرية له"(38) فأقامت أسرة منافسة وصاية لنفسها على العرش عام 1199 ويسمى العهد باسم "وصاية هوجو"، ولبثت تلك الأسرة مدى مائة وأربعة وثلاثين عاماً تحكم "الشواجنة" الذين كانوا بدورهم يحكمون الأباطرة؛ فكانت هذه الحكومة الثلاثية فرصة سانحة لقبلاي خان يحاول فيها غزو اليابان؛ فقد وصفها له الكوريون الدُّهاة الذين كانوا يخشون بأسها، فقالوا إنها من الثراء بحيث تستحق المجهود؛ فأمر قبلاي بناة سفنه أن يشيدوا له أسطولاً بلغ من الضخامة حداً جعل شعراء الصين يصورون التلال باكية ترثى ما سُلِبَ من غاباتها(39)؛ ويقول اليابانيون- حين يروون حوادث الماضي رواية الفخور ببطولته- إن النفس بلغت سبعين ألفاً، لكن المؤرخين الذين لا يتأججون بمثل هذه الحاسة الوطنية يكفيهم من العدد ثلاثة آلاف وخمسمائة سفينة ومائة ألف محارب؛ وتبدّى هذا الأسطول الجبار على مبعدة من شواطئ اليابان في أواخر سنة 1291 فخرج سكان الجزر الأبطال ليلاقوه في أسطول لهم بنوه على عجل؛ وهو أسطول ضئيل بالقياس إلى الأسطول المهاجم؛ لكن حدث لهذه الأرمادا، ما حدث للأرمادا التي كانت أصغر منها، وإن تكن أشهر ، وهو أن هبت "ريح عظيمة" لا تزال مذكورة لما أسدته للناس من جميل، هبت فحطمت سفائن "الخان" الجبار، إذ رطمتها على جوانب الصخور، وأغرقت من بحارته سبعين ألفاً، وأبقت على بقيتهم ليعيشوا حياة الرقيق في بلاد اليابان.
ودارت الدوائر على أسرة "هوجو" عام 1333، إذ أصابتهم السيطرة هم أيضاً بسمومها، وانتهى الأمر إلى انتقال الحكم الوراثي من أيدي الأبالسة والعباقرة إلى أيدي الجبناء والحمقـى؛ وكان آخـر هذه السلالة رجل يدعى "تاكا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1429
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
توكي" يحب الكلاب حباً شديداً، فيقبلها بدل الضرائب، حتى لقد جمع منها عدداً يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف، وأعد لها حظائر زينها بالذهب والفضة وأطعمها بالسمك والطيور، وهيأ لها العربات المزخرفة تحملها للتنزه؛ فوجد الإمبراطور القائم على العرش إذ ذاك، وهو "جو دايجو" أن انحلال حماته فرصة سانحة يستعيد فيها سلطانه الإمبراطوري، وأيدته قبيلتا "ميناموتو" و "أشيكاجا" وقادتا له جيوش حتى ظفرتا له بالنصر على "أسرة الوصاية" بعد سلسلة من هزائم، ومن ثم أوى "تاكا توكي" ومعه ثمانمائة وسبعون من عبيده وقادته، إلى معبد، وجرع كأساً أخيرة من "الساقي" ثم أنزل بنفسه "الهاراكيري" (أي أنه أنتحر)؛ ولقد أخرج أحد الحاضرين أمعاء المنتحر بيديه قائلاً: "إن هذه لتضفي على الخمر طعماً لذيذاً"(40).
وانقلب "أشيكاجاتا كاوجي" على الإمبراطور بعد أن كان هو الذي أعانه على استعادة سلطته؛ وقاتل الجيوش التي جاءت لإخضاعه قتالاً موفقاً من حيث خطته العسكرية ومؤامرات الخيانة؛ وأزال "جودايجو" عن العرش ليضع مكانه إمبراطوراً صورياً هو "كوجون"، وأقام في كيوتو تلك الحكومة العسكرية المعروفة باسمه "أشيكاجا" والتي ظلت تحكم اليابان مدى مائتين وخمسين عاماً سادتها الفوضى والحرب الأهلية التي لم تنقطع؛ ولا بد لنا أن نعترف هنا بأن جزءاً من تلك الفوضى كان يرجع إلى الجانب السامي من طغاة "أشيكاجا"- وهو حبهم للفن ورعايتهم له؛ فهاهو ذا "يوشيمتسو" قد مل الكفاح فأدار يديه نحو التصوير، حتى أصبح يعد من مصوري عصره الأفذاذ، وارتبط "يوشيمازا" بصلات الود مع كثير من المصورين، وأعان بالمال كثيراً من الفنون، وأصبح في عالم الفن ذواقة دقيقاً، حتى ليعد هواة الآثار الفنية اليوم القطع التي كان قد اختارها هو وأتباعه خير ما يستحق الاقتناء(41) لكن مهام الحكم الإداري قد أهملت إذ ذاك، ولم يعد حفظ
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
توكي" يحب الكلاب حباً شديداً، فيقبلها بدل الضرائب، حتى لقد جمع منها عدداً يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف، وأعد لها حظائر زينها بالذهب والفضة وأطعمها بالسمك والطيور، وهيأ لها العربات المزخرفة تحملها للتنزه؛ فوجد الإمبراطور القائم على العرش إذ ذاك، وهو "جو دايجو" أن انحلال حماته فرصة سانحة يستعيد فيها سلطانه الإمبراطوري، وأيدته قبيلتا "ميناموتو" و "أشيكاجا" وقادتا له جيوش حتى ظفرتا له بالنصر على "أسرة الوصاية" بعد سلسلة من هزائم، ومن ثم أوى "تاكا توكي" ومعه ثمانمائة وسبعون من عبيده وقادته، إلى معبد، وجرع كأساً أخيرة من "الساقي" ثم أنزل بنفسه "الهاراكيري" (أي أنه أنتحر)؛ ولقد أخرج أحد الحاضرين أمعاء المنتحر بيديه قائلاً: "إن هذه لتضفي على الخمر طعماً لذيذاً"(40).
وانقلب "أشيكاجاتا كاوجي" على الإمبراطور بعد أن كان هو الذي أعانه على استعادة سلطته؛ وقاتل الجيوش التي جاءت لإخضاعه قتالاً موفقاً من حيث خطته العسكرية ومؤامرات الخيانة؛ وأزال "جودايجو" عن العرش ليضع مكانه إمبراطوراً صورياً هو "كوجون"، وأقام في كيوتو تلك الحكومة العسكرية المعروفة باسمه "أشيكاجا" والتي ظلت تحكم اليابان مدى مائتين وخمسين عاماً سادتها الفوضى والحرب الأهلية التي لم تنقطع؛ ولا بد لنا أن نعترف هنا بأن جزءاً من تلك الفوضى كان يرجع إلى الجانب السامي من طغاة "أشيكاجا"- وهو حبهم للفن ورعايتهم له؛ فهاهو ذا "يوشيمتسو" قد مل الكفاح فأدار يديه نحو التصوير، حتى أصبح يعد من مصوري عصره الأفذاذ، وارتبط "يوشيمازا" بصلات الود مع كثير من المصورين، وأعان بالمال كثيراً من الفنون، وأصبح في عالم الفن ذواقة دقيقاً، حتى ليعد هواة الآثار الفنية اليوم القطع التي كان قد اختارها هو وأتباعه خير ما يستحق الاقتناء(41) لكن مهام الحكم الإداري قد أهملت إذ ذاك، ولم يعد حفظ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1430
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
الأمن والسلام في مقدور القادة العسكريين (أي الشواجنة) الأغنياء، ولا في مقدور الأباطرة الذين حل بهم الإفلاس.
فكان من شأن هذه الفوضى نفسها وما أصاب الحياة من انحلال، ومطالبة الأمة بقادة يهيئون لها النظام، أن ظهر القراصنة الثلاثة المعروفون في التاريخ الياباني؛ وتقول الرواية إن هؤلاء الثلاثة- وهم "نوبوناجا" و "هيديوشي" و "أيياسو"- اعتزموا أن يتعاونوا معاً في شبابهم على إعادة الوحدة لوطنهم، وحلف كل منهم يميناً على أن يطيع طاعة الأتباع مَنْ يفوز من زميليه الآخرين بموافقة الإمبراطور على توليه حكومة اليابان(42)؛ وحاول "نوبوناجا" بادئ ذي بدء، لكنه مُني بالفشل، وحاول بعده "هيديوشي" لكنه مات حين أوشك على النجاح؛ وكان "أيياسو" يرقب فرصته، فجاءته آخر الأمر وحاول بعد زميليه، وأسس الحكومة العسكرية المعروفة باسم "توكوجاوا". وبهذا افتتح عهداً من أطول عهود السلام، وعصراً هو من أخصب عصور الفن، في تاريخ الإنسانية كلها.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الطغاة
الأمن والسلام في مقدور القادة العسكريين (أي الشواجنة) الأغنياء، ولا في مقدور الأباطرة الذين حل بهم الإفلاس.
فكان من شأن هذه الفوضى نفسها وما أصاب الحياة من انحلال، ومطالبة الأمة بقادة يهيئون لها النظام، أن ظهر القراصنة الثلاثة المعروفون في التاريخ الياباني؛ وتقول الرواية إن هؤلاء الثلاثة- وهم "نوبوناجا" و "هيديوشي" و "أيياسو"- اعتزموا أن يتعاونوا معاً في شبابهم على إعادة الوحدة لوطنهم، وحلف كل منهم يميناً على أن يطيع طاعة الأتباع مَنْ يفوز من زميليه الآخرين بموافقة الإمبراطور على توليه حكومة اليابان(42)؛ وحاول "نوبوناجا" بادئ ذي بدء، لكنه مُني بالفشل، وحاول بعده "هيديوشي" لكنه مات حين أوشك على النجاح؛ وكان "أيياسو" يرقب فرصته، فجاءته آخر الأمر وحاول بعد زميليه، وأسس الحكومة العسكرية المعروفة باسم "توكوجاوا". وبهذا افتتح عهداً من أطول عهود السلام، وعصراً هو من أخصب عصور الفن، في تاريخ الإنسانية كلها.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
تعيش وتجيب يا باشا
أيه الجمال ده
أيه الجمال ده
الموسيقار- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50695
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100
صفحة 15 من اصل 19 • 1 ... 9 ... 14, 15, 16, 17, 18, 19
مواضيع مماثلة
» قصة الحضارة - لول ديورانت
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
صفحة 15 من اصل 19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى