الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
4 مشترك
صفحة 16 من اصل 19
صفحة 16 من اصل 19 • 1 ... 9 ... 15, 16, 17, 18, 19
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1431
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
الفصل الخامس
"وجه القردة" العظيم
ظهور هيديوشي - الهجوم على كوريا - الاشتباك مع المسيحية
كانت الملكة اليصابات و "أكبر" (في الهند) معاصرين لـ "هيديوشي" العظيم- هكذا قد يحلو لليابانيين أن يذكروا هذه الحقيقة على سبيل التنويه بفضل عظيمهم- كان "هيديوشي" ابن فلاح، يعرفه أصدقاؤه، وتعرفه رعيته حين أصبح فيما بعد حاكماً، باسم "سارو من كانجا"- ومعناها "وجه القردة" لأنه لم يكن ينافسه في دمامة الوجه أحد حتى ولا كونفوشيوس؛ وكان والداه قد عجزا عن إخضاعه للنظام فبعثا به إلى مدرسة في دير؛ لكن "هيديوشي" سخر من كهنة البوذية سخرية شديدة، وأثار في الدير ضجة وثورة، بحيث انتهى أمره إلى الطرد من مدرسته، فألحق صبياً في كثير من الحرف، وطرد من عمله سبعاً وثلاثين مرة(43)؛ وجعل من نفسه قاطعاً للطريق، لكنه عاد فرأى أنه يستطيع أن يسلب وهو مع القانون أكثر مما يسلبه وهو خارج على القانون؛ ثم التحق بخدمة "الساموراي" (أي حملة السيف) وأنقذ حياة مولاه، وسمح له بعدئذ أن يحمل سيفاً؛ وانضم إلى أتباع "نوبوناجا" وعاونه بتفكيره وببسالته، حتى إذا ما مات "نوبوناجا" تولى هو قيادة الثائرين الخوارج على القانون، الذين شنوا حملتهم ليغزوا أرض وطنهم؛ فما انقضت ثلاثة أعوام حتى كان "هيديوشي" قد أصبح حاكماً على نصف الإمبراطورية وظفر بإعجاب الإمبراطور العاجز، وأحس في نفسه من القوة ما يتيح له أن يهضم في جوفه كوريا والصين؛ وفي ذلك قال متواضعاً يخاطب
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
الفصل الخامس
"وجه القردة" العظيم
ظهور هيديوشي - الهجوم على كوريا - الاشتباك مع المسيحية
كانت الملكة اليصابات و "أكبر" (في الهند) معاصرين لـ "هيديوشي" العظيم- هكذا قد يحلو لليابانيين أن يذكروا هذه الحقيقة على سبيل التنويه بفضل عظيمهم- كان "هيديوشي" ابن فلاح، يعرفه أصدقاؤه، وتعرفه رعيته حين أصبح فيما بعد حاكماً، باسم "سارو من كانجا"- ومعناها "وجه القردة" لأنه لم يكن ينافسه في دمامة الوجه أحد حتى ولا كونفوشيوس؛ وكان والداه قد عجزا عن إخضاعه للنظام فبعثا به إلى مدرسة في دير؛ لكن "هيديوشي" سخر من كهنة البوذية سخرية شديدة، وأثار في الدير ضجة وثورة، بحيث انتهى أمره إلى الطرد من مدرسته، فألحق صبياً في كثير من الحرف، وطرد من عمله سبعاً وثلاثين مرة(43)؛ وجعل من نفسه قاطعاً للطريق، لكنه عاد فرأى أنه يستطيع أن يسلب وهو مع القانون أكثر مما يسلبه وهو خارج على القانون؛ ثم التحق بخدمة "الساموراي" (أي حملة السيف) وأنقذ حياة مولاه، وسمح له بعدئذ أن يحمل سيفاً؛ وانضم إلى أتباع "نوبوناجا" وعاونه بتفكيره وببسالته، حتى إذا ما مات "نوبوناجا" تولى هو قيادة الثائرين الخوارج على القانون، الذين شنوا حملتهم ليغزوا أرض وطنهم؛ فما انقضت ثلاثة أعوام حتى كان "هيديوشي" قد أصبح حاكماً على نصف الإمبراطورية وظفر بإعجاب الإمبراطور العاجز، وأحس في نفسه من القوة ما يتيح له أن يهضم في جوفه كوريا والصين؛ وفي ذلك قال متواضعاً يخاطب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1432
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
"ابن السماء": "لقد اعتزمت أن أطوي الصين كلها تحت سلطاني، بمعونة الجنود الكوريين وبتأييد من نفوذك الساطع؛ فإذا ما تم لي ذلك، ستصبح الأقطار الثلاثة (الصين وكوريا واليابان) قطراً واحداً؛ وسيتم لي ذلك في يسر كأنما أطوي حصيرة لأحملها تحت ذراعي"(44). لكنه حاول جهده بغير جدوى، لأن رجلاً شيطانياً من الكوريين اخترع قارباً حربياً من المعدن- ولولا سبقه في الزمن لقلنا إنه سرق منا الـ "مونتِور" والـ "مِرِماك"- وبهذا القارب راح يحطم سفن "هيديوشي" المثقلة بجنوده؛ سفينة بعد سفينة، وكان "هيديوشي" قد أنفذها بجنده إلى كوريا (1592)، لقد أغرقت في يوم واحد اثنان وسبعون مركباً، وانقلب البحر بحراً من دماء، ورست أربع وثمانون سفينة أخرى على الشاطئ حيث فر منها اليابانيون وخلفوها وراءهم، فأحرقها الظافرون حتى لم يذروا منها شيئاً؛ وبعد أن تبادل الفريقان نصراً وهزيمة دون أن يكون فيها ما يفصل بالنصر، أرجأ الفاتحون فتح كوريا والصين حتى القرن العشرين؛ وقال ملك كوريا عن "هيديوشي" إنه حاول "أن يعبر المحيط في صَدفَة من أصداف المحار"(45).
وإلى أن يحين ذلك الحين، استقر "هيديوشي" ليستمتع بهذه "الوصاية" التي أسسها لنفسه، وليدير فيها عجلة الحكم، وجمع لمتعته ثلاثمائة غانية، لكنه وهب مبلغاً كبيراً من المال لزوجته الريفية التي كان قد طلَّقها منذ زمن طويل وبحث عن أحد سادته القدماء؛ وأعاد له المال الذي كان قد سرقه منه أيام أن كان يعمل معه صبياً، وأضاف إلى المال قيمة الربح طوال هذه المدة؛ ولم يجرؤ أن يطلب من الإمبراطور أن يوافق له على تلقيب نفسه بلقب "شوجن" (أي حاكم عسكري) لكن معاصريه عوضوه عن ذلك بلقب آخر أطلقوه عليه، وهو "تايكو" أي "الحاكم العظيم"، وهي كلمة غامرت في رحلة من تلك الرحلات "الأوذيسِّيَّة" التي تتعقب آثارها في علم اللغات، حتى
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
"ابن السماء": "لقد اعتزمت أن أطوي الصين كلها تحت سلطاني، بمعونة الجنود الكوريين وبتأييد من نفوذك الساطع؛ فإذا ما تم لي ذلك، ستصبح الأقطار الثلاثة (الصين وكوريا واليابان) قطراً واحداً؛ وسيتم لي ذلك في يسر كأنما أطوي حصيرة لأحملها تحت ذراعي"(44). لكنه حاول جهده بغير جدوى، لأن رجلاً شيطانياً من الكوريين اخترع قارباً حربياً من المعدن- ولولا سبقه في الزمن لقلنا إنه سرق منا الـ "مونتِور" والـ "مِرِماك"- وبهذا القارب راح يحطم سفن "هيديوشي" المثقلة بجنوده؛ سفينة بعد سفينة، وكان "هيديوشي" قد أنفذها بجنده إلى كوريا (1592)، لقد أغرقت في يوم واحد اثنان وسبعون مركباً، وانقلب البحر بحراً من دماء، ورست أربع وثمانون سفينة أخرى على الشاطئ حيث فر منها اليابانيون وخلفوها وراءهم، فأحرقها الظافرون حتى لم يذروا منها شيئاً؛ وبعد أن تبادل الفريقان نصراً وهزيمة دون أن يكون فيها ما يفصل بالنصر، أرجأ الفاتحون فتح كوريا والصين حتى القرن العشرين؛ وقال ملك كوريا عن "هيديوشي" إنه حاول "أن يعبر المحيط في صَدفَة من أصداف المحار"(45).
وإلى أن يحين ذلك الحين، استقر "هيديوشي" ليستمتع بهذه "الوصاية" التي أسسها لنفسه، وليدير فيها عجلة الحكم، وجمع لمتعته ثلاثمائة غانية، لكنه وهب مبلغاً كبيراً من المال لزوجته الريفية التي كان قد طلَّقها منذ زمن طويل وبحث عن أحد سادته القدماء؛ وأعاد له المال الذي كان قد سرقه منه أيام أن كان يعمل معه صبياً، وأضاف إلى المال قيمة الربح طوال هذه المدة؛ ولم يجرؤ أن يطلب من الإمبراطور أن يوافق له على تلقيب نفسه بلقب "شوجن" (أي حاكم عسكري) لكن معاصريه عوضوه عن ذلك بلقب آخر أطلقوه عليه، وهو "تايكو" أي "الحاكم العظيم"، وهي كلمة غامرت في رحلة من تلك الرحلات "الأوذيسِّيَّة" التي تتعقب آثارها في علم اللغات، حتى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1433
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
دخلت في ختام رحلتها إلى لغتنا نحن وأصبحت كلمة من كلماتنا، وهي كلمة Tycoon: ووصف مبشر ديني "هيديوشي"، فقال: "إنه ماكر ماهر إلى درجة تجاوز كل معقول، فقد نزع عن الشعب سلاحه بحيلة لطيفة، وهي أنه أمر الناس أن يجمعوا كل ما عندهم من أسلحة معدنية ليصنع من مادتها تمثالاً ضخماً- وهو تمثال "دايبوتسو" أي "بوذا العظيم" الذي يقوم في كيوتو- والظاهر أنه لم يكن يعتنق عقيدة دينية، لكنه لم يكن أسمى من أن يستغل الدين من أجل غاياته في طموحه أو سياسته".
ودخلت المسيحية اليابان سنة 1549 متمثلة في شخص رجل هو في طليعة طائفة الجزويت ومن خيرتهم، وأعنى به "القديس فرانسس اكسافير" ولم يكد يكون جمعية صغيرة حتى أخذت تزداد ازدياداً سريعاً، بحيث لم يمض جيل واحد بعد قدومه إلا وقد بلغ عدد أعضاء الجزويت سبعين، وعدد من تحولوا إلى المسيحية في الإمبراطورية اليابانية مائة وخمسين ألفاً(47)؛ وكانوا من الكثرة في ناجازاكي بحيث جعلوا ذلك الميناء التجاري مدينة مسيحية، وحملوا حاكمها المحلي "أومورا" على اتخاذ التدابير المباشرة في نشر العقيدة الجديدة(48)؛ يقول "لافكاديوهيرن": "إن البوذية في إقليم ناجازاكي قد طمست طمساً تاماً فكهنتها أصابهم الاضطهاد والتشريد"؛ ففزع "هيديوشي" لهذا الفتح الروحاني للبلاد، وارتاب في أن تكون وراءه أهداف سياسية، فأرسل رسولاً إلى نائب الجزويت في اليابان، مزوداً بخمسة أسئلة عاجلة:
1- لماذا وبأي حق أرغم هو (نائب رئيس الجزويت) وأعضاء طائفته الدينية رعية "هيديوشي" على اعتناق المسيحية ؟
2- لماذا حرضوا أتباعهم وأشياعهم على هدم المعابد ؟
3- لماذا اضطهدوا كهنة البوذية ؟
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
دخلت في ختام رحلتها إلى لغتنا نحن وأصبحت كلمة من كلماتنا، وهي كلمة Tycoon: ووصف مبشر ديني "هيديوشي"، فقال: "إنه ماكر ماهر إلى درجة تجاوز كل معقول، فقد نزع عن الشعب سلاحه بحيلة لطيفة، وهي أنه أمر الناس أن يجمعوا كل ما عندهم من أسلحة معدنية ليصنع من مادتها تمثالاً ضخماً- وهو تمثال "دايبوتسو" أي "بوذا العظيم" الذي يقوم في كيوتو- والظاهر أنه لم يكن يعتنق عقيدة دينية، لكنه لم يكن أسمى من أن يستغل الدين من أجل غاياته في طموحه أو سياسته".
ودخلت المسيحية اليابان سنة 1549 متمثلة في شخص رجل هو في طليعة طائفة الجزويت ومن خيرتهم، وأعنى به "القديس فرانسس اكسافير" ولم يكد يكون جمعية صغيرة حتى أخذت تزداد ازدياداً سريعاً، بحيث لم يمض جيل واحد بعد قدومه إلا وقد بلغ عدد أعضاء الجزويت سبعين، وعدد من تحولوا إلى المسيحية في الإمبراطورية اليابانية مائة وخمسين ألفاً(47)؛ وكانوا من الكثرة في ناجازاكي بحيث جعلوا ذلك الميناء التجاري مدينة مسيحية، وحملوا حاكمها المحلي "أومورا" على اتخاذ التدابير المباشرة في نشر العقيدة الجديدة(48)؛ يقول "لافكاديوهيرن": "إن البوذية في إقليم ناجازاكي قد طمست طمساً تاماً فكهنتها أصابهم الاضطهاد والتشريد"؛ ففزع "هيديوشي" لهذا الفتح الروحاني للبلاد، وارتاب في أن تكون وراءه أهداف سياسية، فأرسل رسولاً إلى نائب الجزويت في اليابان، مزوداً بخمسة أسئلة عاجلة:
1- لماذا وبأي حق أرغم هو (نائب رئيس الجزويت) وأعضاء طائفته الدينية رعية "هيديوشي" على اعتناق المسيحية ؟
2- لماذا حرضوا أتباعهم وأشياعهم على هدم المعابد ؟
3- لماذا اضطهدوا كهنة البوذية ؟
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1434
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
4- لماذا أكلوا هم وبعض البرتقاليين حيوانات نافعة للإنسان مثل العجول والأبقار؟
5- لماذا سمح لتجار من بني جلدته أن يشتروا أفراداً من اليابانيين يتخذونهم عبيداً في جزر الهند الشرقية ؟(50)
ولما لم يقنع "هيديوشي" بالإجابات، أصدر سنة 1587 الأمر الآتي:
بما أننا قد علمنا من مستشارينا الأمناء أن طائفة دينية أجنبية قد جاءت إلى مملكتنا، حيث جعلت تبشر بقانون يتنافى وقانون اليابان، بل ذهبت بها الجرأة إلى تحطيم المعابد التي شيدت باسم (آلهتنا القومية) "كامى" و "هوتوكي" وعلى الرغم من أن هذه الفتنه تستحق أقسى ألوان العقاب، فإننا مع ذلك راغبون في مقابلة أعضائها بالرحمة، لذلك نأمرهم بمغادرة اليابان خلال عشرين يوماً، وعلى من يعصى تقع عقوبة الموت؛ ولن يصيب أحداً منهم أثناء هذه المهلة ضرر أو أذى، أما إذا بلغ ذلك الأمر ختامه فإننا نأمر بأن يقبض على من يوجد منهم في بلادنا وأن يعاقب على أنه من أخطر المجرمين(51).
وفي وسط هذه المفازع كلها وجد القرصان الأكبر من وقته فراغاً ينفقه في تشجيع رجال الفن، وأن يُسْهم في مسرحيات "لا"؛ وفي تأييد "ركْيو" في جعل الاحتفال بالشاي حافزاً على تشجيع صناعة الخزف الياباني، وحلِيْة هامة تزدان بها الحياة في اليابان؛ ومات سنة 1598 بعد أن استوعد "أيِياسو" وعداً ببناء عاصمة جديدة في "ييدو"، (وهي الآن طوكيو)، وفي الاعتراف بابن هيديوشي- وهو هيديوري- وارثاً له على وصاية العرش في اليابان.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> وجه القردة العظيم
4- لماذا أكلوا هم وبعض البرتقاليين حيوانات نافعة للإنسان مثل العجول والأبقار؟
5- لماذا سمح لتجار من بني جلدته أن يشتروا أفراداً من اليابانيين يتخذونهم عبيداً في جزر الهند الشرقية ؟(50)
ولما لم يقنع "هيديوشي" بالإجابات، أصدر سنة 1587 الأمر الآتي:
بما أننا قد علمنا من مستشارينا الأمناء أن طائفة دينية أجنبية قد جاءت إلى مملكتنا، حيث جعلت تبشر بقانون يتنافى وقانون اليابان، بل ذهبت بها الجرأة إلى تحطيم المعابد التي شيدت باسم (آلهتنا القومية) "كامى" و "هوتوكي" وعلى الرغم من أن هذه الفتنه تستحق أقسى ألوان العقاب، فإننا مع ذلك راغبون في مقابلة أعضائها بالرحمة، لذلك نأمرهم بمغادرة اليابان خلال عشرين يوماً، وعلى من يعصى تقع عقوبة الموت؛ ولن يصيب أحداً منهم أثناء هذه المهلة ضرر أو أذى، أما إذا بلغ ذلك الأمر ختامه فإننا نأمر بأن يقبض على من يوجد منهم في بلادنا وأن يعاقب على أنه من أخطر المجرمين(51).
وفي وسط هذه المفازع كلها وجد القرصان الأكبر من وقته فراغاً ينفقه في تشجيع رجال الفن، وأن يُسْهم في مسرحيات "لا"؛ وفي تأييد "ركْيو" في جعل الاحتفال بالشاي حافزاً على تشجيع صناعة الخزف الياباني، وحلِيْة هامة تزدان بها الحياة في اليابان؛ ومات سنة 1598 بعد أن استوعد "أيِياسو" وعداً ببناء عاصمة جديدة في "ييدو"، (وهي الآن طوكيو)، وفي الاعتراف بابن هيديوشي- وهو هيديوري- وارثاً له على وصاية العرش في اليابان.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1435
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
الفصل السادس
الشوجن (أي الحاكم العسكري) العظيم
أيياسو في منصب السلطان - فلسفته - أيياسو والمسيحية-
موت أيياسو - طائفة الحكام العسكريين من توكوجاوا
مات "هيديوشي" فأعلن "أيياسو" أنه حين حلف اليمين له، لم يشهد على يمينه قطرات من دمه يستقطرها من أصابعه أو من فمه، كما يقضي بذلك تشريع "ساموراي" أي حملة السيف بل استقطر دمه ساعة حلف اليمين من خدش وراء أذنه ومن ثم كان يمينه غير ملزم بالوفاء(52)، والتقى بجماعة من قادته كانوا ينافسونه السلطان، التقى بهم عند سكيجاهارا، فعصف بهم عصفاً في موقعة انتثر على أرضها أربعون ألفاً من القتلى؛ وأبقى على "هيديوري" حتى بلغ سن الرشد فأصبح بذلك خطراً عليه، وعندئذ أوحى له بالتسليم صيانة لحياته؛ ولما قَرَّعوه على موقفه ذاك، حاصر قلعة أوساكا الجبارة حيث كان هيديوري محصناً، واستولى عليها في الوقت الذي كان الفتى فيه يزهق روح نفسه، ومكّن لنفسه من السلطان كاملاً بأن قتل أبناء "هيديوري" جميعاً الشرعيين منهم وغير الشرعيين، وبعدئذ نظم "أيياسو" الأمن في مهارة وقسوة كما نظم القتال، وحكم اليابان حكماً بلغ من صلاحيته أن رضيت اليابان بأن تحكم بأبنائه وعلى مبادئه مدى ثمانية أجيال.
كان رجلاً له أفكاره الخاصة، وكان يتخذ لنفسه من قواعد الأخلاق ما تقتضيه ظروف الساعة؛ فلما جاءته سيدة من أكرم السيدات تشكو إليه أن أحد رجاله قد قتل زوجها لكي يظفر بها، أمر "أيياسو" ذلك الرجل أن يخرج أمعاء نفسه بيده، وبعدئذ اتخذ من السيدة خليلة له(53) وهو شبيه بسقراط
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
الفصل السادس
الشوجن (أي الحاكم العسكري) العظيم
أيياسو في منصب السلطان - فلسفته - أيياسو والمسيحية-
موت أيياسو - طائفة الحكام العسكريين من توكوجاوا
مات "هيديوشي" فأعلن "أيياسو" أنه حين حلف اليمين له، لم يشهد على يمينه قطرات من دمه يستقطرها من أصابعه أو من فمه، كما يقضي بذلك تشريع "ساموراي" أي حملة السيف بل استقطر دمه ساعة حلف اليمين من خدش وراء أذنه ومن ثم كان يمينه غير ملزم بالوفاء(52)، والتقى بجماعة من قادته كانوا ينافسونه السلطان، التقى بهم عند سكيجاهارا، فعصف بهم عصفاً في موقعة انتثر على أرضها أربعون ألفاً من القتلى؛ وأبقى على "هيديوري" حتى بلغ سن الرشد فأصبح بذلك خطراً عليه، وعندئذ أوحى له بالتسليم صيانة لحياته؛ ولما قَرَّعوه على موقفه ذاك، حاصر قلعة أوساكا الجبارة حيث كان هيديوري محصناً، واستولى عليها في الوقت الذي كان الفتى فيه يزهق روح نفسه، ومكّن لنفسه من السلطان كاملاً بأن قتل أبناء "هيديوري" جميعاً الشرعيين منهم وغير الشرعيين، وبعدئذ نظم "أيياسو" الأمن في مهارة وقسوة كما نظم القتال، وحكم اليابان حكماً بلغ من صلاحيته أن رضيت اليابان بأن تحكم بأبنائه وعلى مبادئه مدى ثمانية أجيال.
كان رجلاً له أفكاره الخاصة، وكان يتخذ لنفسه من قواعد الأخلاق ما تقتضيه ظروف الساعة؛ فلما جاءته سيدة من أكرم السيدات تشكو إليه أن أحد رجاله قد قتل زوجها لكي يظفر بها، أمر "أيياسو" ذلك الرجل أن يخرج أمعاء نفسه بيده، وبعدئذ اتخذ من السيدة خليلة له(53) وهو شبيه بسقراط
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1436
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
في جعل الحكمة الفضيلة التي لا فضيلة سواها، ورسم الطرق المؤدية إليها في ذلك الكتاب العجيب الذي أسماه "التراث" أو العهد العقلي الذي خلَّفه لأسرته عند موته:
"الحياة شبيهة برحلة طويلة يحمل فيها الراحل حملاً ثقيلاً، فاجعل خطاك وئيدة ثابتة، حتى لا تتعثر، واقنع نفسك بأن النقص والتعب هما نسيج الحياة الطبيعي عند من تفنى حياته، ولن يكون في حياتك ما يمد لك في سبيل السخط أو اليأس فإذا ما نَزَتْ في قلبك نزوات الطموح، فتذكر أيام الشقاء البالغ حده الأقصى، التي اجتزتها في ماضي حياتك؛ فالصبر هو أس السكينة والطمأنينة إلى الأبد؛ انظر إلى السخط نظرتك إلى عدوك؛ فإذا اقتصر علمك على كيف تَهزِم، ولم تعلم كيف تنهزم، فالويل لك، ويا سوء سبيلك في الحياة الدنيا؛ فاكشف عن الخطأ في نفسك قبل أن تكشف عنه في سواك"(54).
أما وقد ظفر لنفسه بالسلطان بقوة السلاح، فقد قرر أن اليابان لم تعد بها حاجة إلى مواصلة الحروب، وكَرَّسَ نفسه للنهوض بما يقيم السلام من وسائل وفضائل، ولكي يباعد بين "الساموراي" (أي حملة السيف) وبين عاداتهم العسكرية، شجعهم على دراسة الأدب والفلسفة والخلق الفني، وهكذا ازدهرت الثقافة في اليابان في ظل حكمه الذي نشره في ربوع البلاد؛ وتدهورت الروح العسكرية، وقد كتب يقول: "إن الشعب هو أساس الإمبراطورية"(55). واستثار في قلوب خلفه الرحمة والرأفة "بالأرمل والأرملة واليتيم ومن لا أنيس له" لكنه لم يتصف بالميول الديمقراطية، حتى لقد ذهب إلى أن أفدح الجرائم جميعاً هو العصيان، "فالزميل" الذي يخرج على صفوف الزملاء من طبقته، لابد من الفتك به فور ساعته، ولا مندوحة من قتل أسرة الثائر بأسرها(56)، ومن رأيه أن النظام الإقطاعي هو أفضل
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
في جعل الحكمة الفضيلة التي لا فضيلة سواها، ورسم الطرق المؤدية إليها في ذلك الكتاب العجيب الذي أسماه "التراث" أو العهد العقلي الذي خلَّفه لأسرته عند موته:
"الحياة شبيهة برحلة طويلة يحمل فيها الراحل حملاً ثقيلاً، فاجعل خطاك وئيدة ثابتة، حتى لا تتعثر، واقنع نفسك بأن النقص والتعب هما نسيج الحياة الطبيعي عند من تفنى حياته، ولن يكون في حياتك ما يمد لك في سبيل السخط أو اليأس فإذا ما نَزَتْ في قلبك نزوات الطموح، فتذكر أيام الشقاء البالغ حده الأقصى، التي اجتزتها في ماضي حياتك؛ فالصبر هو أس السكينة والطمأنينة إلى الأبد؛ انظر إلى السخط نظرتك إلى عدوك؛ فإذا اقتصر علمك على كيف تَهزِم، ولم تعلم كيف تنهزم، فالويل لك، ويا سوء سبيلك في الحياة الدنيا؛ فاكشف عن الخطأ في نفسك قبل أن تكشف عنه في سواك"(54).
أما وقد ظفر لنفسه بالسلطان بقوة السلاح، فقد قرر أن اليابان لم تعد بها حاجة إلى مواصلة الحروب، وكَرَّسَ نفسه للنهوض بما يقيم السلام من وسائل وفضائل، ولكي يباعد بين "الساموراي" (أي حملة السيف) وبين عاداتهم العسكرية، شجعهم على دراسة الأدب والفلسفة والخلق الفني، وهكذا ازدهرت الثقافة في اليابان في ظل حكمه الذي نشره في ربوع البلاد؛ وتدهورت الروح العسكرية، وقد كتب يقول: "إن الشعب هو أساس الإمبراطورية"(55). واستثار في قلوب خلفه الرحمة والرأفة "بالأرمل والأرملة واليتيم ومن لا أنيس له" لكنه لم يتصف بالميول الديمقراطية، حتى لقد ذهب إلى أن أفدح الجرائم جميعاً هو العصيان، "فالزميل" الذي يخرج على صفوف الزملاء من طبقته، لابد من الفتك به فور ساعته، ولا مندوحة من قتل أسرة الثائر بأسرها(56)، ومن رأيه أن النظام الإقطاعي هو أفضل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1437
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
نظام يمكن وضعه لبني الإنسان كما هم في حقيقة طبائعهم، لأنه يهيئ اتزاناً معقولاً بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، كما يقيم نظاماً طبيعياً وراثياً تتسق به الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وهو كذلك يضمن استمرار المجتمع دون أن يتعرض لسلطان الحاكم المستبد، ولا بد لنا من الاعتراف هنا بأن "أيياسو" قد نظم في بلاده أكمل صورة عرفها الإنسان لحكومة تقوم على نظام الإقطاع(57).
وهو- ككل سياسي آخر- قد فكر في الدين على أنه أداة للنظام الاجتماعي قبل أن يكون أي شيء آخر، وأحزنه أن يرى أن اختلاف الناس في عقائدهم الدينية قد قضى على نصف هذا الخير الاجتماعي بما أحدثته العقائد المتعادية من فوضى؛ وقد كانت العقيدة التقليدية للشعب الياباني- وهي خليط مضطرب من الشنتوية والبوذية- كانت هذه العقيدة التقليدية من وجهة نظره السياسية الخالصة، رباطاً بالغ القيمة يربط الجنس الياباني في وحدة روحية ونظام خلقي وولاء وطني، وهو على الرغم من أنه نظر إلى المسيحية بادئ ذي بدء بعين التسامح وبأفق عقلي فسيح كاللذين عرفا عن "أكبر" في (الهند) وأبى أن يفرض عليها ما كان يفرضه عليها "هيديوشي" من أوامر يعلن بها غضبه منها، إلا أنه عاد فضاق بها صدراً لتعصبها، ولاتهامها القاسي للديانة القومية بأنها وثنية، وما أحدثته بتعصبها الجامح من شحناء لم تقتصر على أن تكون بين المعتنقين المسيحية وبقية أفراد الأمة، بل امتدت فدبت بين معتنقي الديانة الجديدة أنفسهم ؛ ثم ثار في صدره السخط آخر الأمر
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1438
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
لما عرف أن المبشرين بالمسيحية كانوا أحياناً يُستخدمون طلائع للفاتحين وأنهم كانوا في أجزاء متناثرة من أرض الوطن يتآمرون على الدولة اليابانية(58)؛ فأمر سنة 1614 بتحريم العبادة المسيحية أو التبشير بتعاليمها في اليابان، وطالب المعتنقين لهذه الديانة من الأهالي إما أن يغادروا البلاد وإما أن يرتدوا عن عقيدتهم الجديدة، واستطاع قساوسة كثيرون أن ينجوا بأنفسهم من طائلة هذا القانون، وألقي القبض على طائفة منهم، ولكن لم يُعدم أحد منهم في حياة "أيياسو"، فلما قضى نحبه، صبَّ سادة الحكومة غضبهم على المسيحيين، وأعقب ذلك موجةٌ وحشية من الاضطهاد الديني، كان من أثرها أن أمحت المسيحية من بلاد اليابان محواً تاماً تقريباً، ولما كان عام 1638 تجمعت البقية الباقية من المسيحيين، وبلغ عددها سبعة وثلاثين ألفاً، في شبه جزيرة "شيمابارا" وحصنتها ووقفت وقفة أخيرة دفاعاً عن حرية العبادة؛ فأرسل لها "أبيمتسو"- حفيد أيياسو- قوة كبيرة مسلحة لإخضاعها؛ وبعد حصار دام ثلاثة أشهر سقطت الحامية في أيدي اليابانيين، وذبح المعتصمون بها ذبحاً في الشوارع، لم يبق منهم على قيد الحياة إلا مائة وخمسة أشخاص.
مات "أيياسو" في نفس العام الذي مات فيه شكسبير؛ وخلَّف هذا الحاكم العسكري القوى سلطانه إلى ابنه "هيديناميا" مصحوباً بنصح بسيط وهو: "ارْعَ أبناء الشعب، وحاول أن تكون فاضلاً، ولا تهمل أبداً في حماية البلاد"؛ وكذلك قدم النصح إلى الأشراف الذين وقفوا إلى جانب سريره ساعة احتضاره، فكان نصحاً على أحسن ما تجرى به التقاليد كما عُرفت عند "كونفوشيوس" و "منشيوس" إذا قال لهم: "لقد بلغ ابني الآن سن الرشد، ولست أشعر بأي قلق على مستقبل الدولة، ولكن إذا ما اقترف خلفي خطأ فادحاً في إدارة حكومته، فتولوا أنتم زمام الأمور بأيديكم، فليست البلاد مِلْكاً
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1439
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
لرجل واحد، لكنها وطن للأمة بأسرها، وإذا ما أضاع حفدتي سلطانهم بسبب أخطائهم، فلن آسف على ضياعه منهم"(60).
لكن حفدته ملكوا زمام أنفسهم على نحو أحسن جداً مما كان ينتظر عادة من ملوك عصرهم أن يفعلوا خلال أمد طويل من الزمن؛ أما "هيديتارا" فقد كان رجلاً متوسط القدرة لا يصدر عنه الأذى؛ ثم جاء "أييمتسو" مثلاً لصورة أقوى من صور أفراد هذه الأسرة، فاستطاع بشدته أن يحبط حركة نهضت لإعادة النفوذ الحقيقي إلى الأباطرة الذين كانوا لم يزالوا يملكون ولكنهم لم يكونوا يحكمون؛ وأغدق "تسونايوشي" إغداقاً في رعايته لرجال الأدب، ورعايته للمدرستين المتنافستين العظيمتين في عالم التصوير. وهما "كانو" و "توسا" اللتان زَيَّنتا عصر "جنروكو" (1688-1703)؛ وجاء "يوشيموني" فجندّ نفسه للغاية التي ما انفكت الإنسانية تهدف لها حيناً بعد حين، وهي محو الفقر، وكان ذلك في نفس الوقت الذي كانت ميزانية حكومته تعاني فيه عجزاً جاوز المألوف؛ فاستقرض من طبقة التجار قرضاً طائلاً، وهاجم إسراف الأغنياء، وخفض نفقات حكومته خفضاً نزع به نحو جانب الزهد الرواقي، الذي ذهب به إلى حد إخراجه سيدات القصر الخمسين اللائي كن أجمل السيدات، واكتفى في ثيابه بلبس القطن، وفي نومه بحصير مما يرقد عليه الفلاحون، وفي طعامه بأبسط ألوان الطعام؛ ووضع صندوقاً أمام قصر المحكمة العليا ليضع فيه الشاكون شكاواهم، ودعا الناس إلى نقد السياسة الحكومية أو موظفي الحكومة على أي نحو شاءوا؛ فلما قدم رجل يدعي "ياماشيتا" عريضة اتهام لاذع يهاجم بها الحكومة من أساسها، أمر "يوشيموني" بالاتهام فَقُرِأ على مسمع من الملأ، وكافأ كاتبها على صراحته بأجزل العطاء(61).
ولقد قرظ "لافكاديوهيرن" حكمه في ذلك العهد فقال: "إن عصر "توكوجاوا" كان أسعد العصور التي شهدتها الأمة في حياتها الطويلة"(62).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
لرجل واحد، لكنها وطن للأمة بأسرها، وإذا ما أضاع حفدتي سلطانهم بسبب أخطائهم، فلن آسف على ضياعه منهم"(60).
لكن حفدته ملكوا زمام أنفسهم على نحو أحسن جداً مما كان ينتظر عادة من ملوك عصرهم أن يفعلوا خلال أمد طويل من الزمن؛ أما "هيديتارا" فقد كان رجلاً متوسط القدرة لا يصدر عنه الأذى؛ ثم جاء "أييمتسو" مثلاً لصورة أقوى من صور أفراد هذه الأسرة، فاستطاع بشدته أن يحبط حركة نهضت لإعادة النفوذ الحقيقي إلى الأباطرة الذين كانوا لم يزالوا يملكون ولكنهم لم يكونوا يحكمون؛ وأغدق "تسونايوشي" إغداقاً في رعايته لرجال الأدب، ورعايته للمدرستين المتنافستين العظيمتين في عالم التصوير. وهما "كانو" و "توسا" اللتان زَيَّنتا عصر "جنروكو" (1688-1703)؛ وجاء "يوشيموني" فجندّ نفسه للغاية التي ما انفكت الإنسانية تهدف لها حيناً بعد حين، وهي محو الفقر، وكان ذلك في نفس الوقت الذي كانت ميزانية حكومته تعاني فيه عجزاً جاوز المألوف؛ فاستقرض من طبقة التجار قرضاً طائلاً، وهاجم إسراف الأغنياء، وخفض نفقات حكومته خفضاً نزع به نحو جانب الزهد الرواقي، الذي ذهب به إلى حد إخراجه سيدات القصر الخمسين اللائي كن أجمل السيدات، واكتفى في ثيابه بلبس القطن، وفي نومه بحصير مما يرقد عليه الفلاحون، وفي طعامه بأبسط ألوان الطعام؛ ووضع صندوقاً أمام قصر المحكمة العليا ليضع فيه الشاكون شكاواهم، ودعا الناس إلى نقد السياسة الحكومية أو موظفي الحكومة على أي نحو شاءوا؛ فلما قدم رجل يدعي "ياماشيتا" عريضة اتهام لاذع يهاجم بها الحكومة من أساسها، أمر "يوشيموني" بالاتهام فَقُرِأ على مسمع من الملأ، وكافأ كاتبها على صراحته بأجزل العطاء(61).
ولقد قرظ "لافكاديوهيرن" حكمه في ذلك العهد فقال: "إن عصر "توكوجاوا" كان أسعد العصور التي شهدتها الأمة في حياتها الطويلة"(62).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1440
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
ويميل التاريخ إلى الأخذ بهذا الرأي نفسه، ولو على سبيل الترجيح، لأن التاريخ لن يبلغ في علمه بالماضي مبلغ اليقين؛ فكيف يستطيع الإنسان إذا نظر إلى اليابان اليوم، أن يتصور أن هذه الجزر التي تضطرب أعصابها اليوم اضطراباً كانت منذ قرن واحد مضى، يسكنها شعب فقير لكنه قانع، ويتمتع بعصر طويل من السلام في ظل حكومة تقوم عليها طبقة عسكرية، ويتجه بمجهوده- في عزلته الهادئة- نحو أسمى غايات الأدب والفن ؟!.
صفحة رقم : 1441
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> مقدمة
الباب التاسع والعشرون
الأسس السياسية والخلقية
محاولات لدراسة الموضوع
إذا أقدمنا الآن على تصوير اليابان التي أسدل عليها الستار عام 1853، فلنذكر أنه من العسير علينا أن نفهم- كما قد يكون كذلك من العسير أن نحارب- شعباً يبعد عنا خمسة آلاف ميل، ويختلف عنا لوناً ولغة وحكومة وديانة وخلقاً وعادات وشخصية وأهدافاً وأدباً وفناً، ولقد كان "هيرن" أوثق صلة باليابان من أي كاتب غربي آخر في عصره، ومع ذلك فقد ذكر "الصعوبة الشديدة في إدراك وفهم ما يكمن تحت السطح الظاهر من الحياة اليابانية"(1)، وكتب أديب ياباني بارع مقالة يذكر فيها الغرب بأن: "ما تعلمه عنا قائم على ما جاءك من ترجمة هزيلة لأدبنا، إن لم يكن قائماً على الحكايات المشكوك في صحتها مما يرويه لك عنا الرحالة العابرون.... فما أكثر ما يروعنا نحن الآسيويين هذا النسيج العجيب الذي يمزج الحقائق بالأوهام حين تتحدثون عنا أيها الغربيون ؟ فنراكم تصوروننا كأنما نعيش في عالم كله عطر من زهرة اللوتس، أو نعيش على طعام من الفئران والصراصير"(2) فلن تجد فيما يلي- إذن- أكثر من محاولات- قائمة على معرفة مباشرة موجزة أشد إيجاز- لدراسة الحضارة اليابانية، والخلق الياباني؛ وينبغي لكل باحث أن يصحح هذه المحاولات بما يقع له من خبرة شخصية طويلة، فالدرس الأول الذي تلقيه علينا الفلسفة هو أننا قد نكون جميعاً مخطئين.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> بناة اليابان -> الشوجن العظيم
ويميل التاريخ إلى الأخذ بهذا الرأي نفسه، ولو على سبيل الترجيح، لأن التاريخ لن يبلغ في علمه بالماضي مبلغ اليقين؛ فكيف يستطيع الإنسان إذا نظر إلى اليابان اليوم، أن يتصور أن هذه الجزر التي تضطرب أعصابها اليوم اضطراباً كانت منذ قرن واحد مضى، يسكنها شعب فقير لكنه قانع، ويتمتع بعصر طويل من السلام في ظل حكومة تقوم عليها طبقة عسكرية، ويتجه بمجهوده- في عزلته الهادئة- نحو أسمى غايات الأدب والفن ؟!.
صفحة رقم : 1441
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> مقدمة
الباب التاسع والعشرون
الأسس السياسية والخلقية
محاولات لدراسة الموضوع
إذا أقدمنا الآن على تصوير اليابان التي أسدل عليها الستار عام 1853، فلنذكر أنه من العسير علينا أن نفهم- كما قد يكون كذلك من العسير أن نحارب- شعباً يبعد عنا خمسة آلاف ميل، ويختلف عنا لوناً ولغة وحكومة وديانة وخلقاً وعادات وشخصية وأهدافاً وأدباً وفناً، ولقد كان "هيرن" أوثق صلة باليابان من أي كاتب غربي آخر في عصره، ومع ذلك فقد ذكر "الصعوبة الشديدة في إدراك وفهم ما يكمن تحت السطح الظاهر من الحياة اليابانية"(1)، وكتب أديب ياباني بارع مقالة يذكر فيها الغرب بأن: "ما تعلمه عنا قائم على ما جاءك من ترجمة هزيلة لأدبنا، إن لم يكن قائماً على الحكايات المشكوك في صحتها مما يرويه لك عنا الرحالة العابرون.... فما أكثر ما يروعنا نحن الآسيويين هذا النسيج العجيب الذي يمزج الحقائق بالأوهام حين تتحدثون عنا أيها الغربيون ؟ فنراكم تصوروننا كأنما نعيش في عالم كله عطر من زهرة اللوتس، أو نعيش على طعام من الفئران والصراصير"(2) فلن تجد فيما يلي- إذن- أكثر من محاولات- قائمة على معرفة مباشرة موجزة أشد إيجاز- لدراسة الحضارة اليابانية، والخلق الياباني؛ وينبغي لكل باحث أن يصحح هذه المحاولات بما يقع له من خبرة شخصية طويلة، فالدرس الأول الذي تلقيه علينا الفلسفة هو أننا قد نكون جميعاً مخطئين.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1442
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
الفصل الأول
طبقة الساموراي (أي حَمَلة السيف)
الإمبراطور الذي لا حول له - سلطة "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) - سيف "الساموراي"-
قانون "الساموراي" "هاراكيري" - الرونانات" السبعة والأربعون - حكم قضى بتخفيفه
يقوم على رأس الأمة- من الوجهة النظرية- الإمبراطور المقدس، وكان البيت الحاكم حقيقة- وأعني به الحكم العسكري الوراثي- يسمح للإمبراطور وحاشيته بمبلغ يعادل خمسة وعشرين ألف ريال كل عام، مقابل الاحتفاظ بالأسطورة النافعة التي تؤثر في النفوس أثراً عميقاً، أسطورة اطراد الحكم في بيت واحد ؛ وكان كثيرون من رجال الحاشية يزاولون حرفاً يدوية منزلية ليكسبوا نفقات عيشهم: فبعضهم يصنع المظلات، وبعضهم يصنع الملاعق الخشبية أو لاقطات الفضلات من بين الأسنان أو ورق اللعب؛ وجعل الحكام العسكريون من أسرة "توجوواكا" من مبادئهم ألا يتركوا للإمبراطور ذرة من السلطان، وأن يعزلوه عن الشعب، وأن يحيطوه بالنساء ويفتُّوا من عضده بالتخنث والتعطل، ونزلت الأسرة الإمبراطورية عن سلطانها في كفاح، وقنعت بأن ترسم للعلية ألوان البدع في الثياب(3).
أما "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) فقد كان حينئذ ينعم بثروة اليابان التي أخذت تتزايد، واصطنع لنفسه امتيازات هي عادة من حق الإمبراطور فإذا سار في الطريق محمولاً في عربته التي يجرها ثور، ومحمولاً في محفته، أمرت الشرطة كل المنازل على طول الطريق أن تقفل أبوابها والمصاريع الخشبية في نوافذها العليا، وأن تطفأ كل النيران وأن تحبس الكلاب
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
الفصل الأول
طبقة الساموراي (أي حَمَلة السيف)
الإمبراطور الذي لا حول له - سلطة "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) - سيف "الساموراي"-
قانون "الساموراي" "هاراكيري" - الرونانات" السبعة والأربعون - حكم قضى بتخفيفه
يقوم على رأس الأمة- من الوجهة النظرية- الإمبراطور المقدس، وكان البيت الحاكم حقيقة- وأعني به الحكم العسكري الوراثي- يسمح للإمبراطور وحاشيته بمبلغ يعادل خمسة وعشرين ألف ريال كل عام، مقابل الاحتفاظ بالأسطورة النافعة التي تؤثر في النفوس أثراً عميقاً، أسطورة اطراد الحكم في بيت واحد ؛ وكان كثيرون من رجال الحاشية يزاولون حرفاً يدوية منزلية ليكسبوا نفقات عيشهم: فبعضهم يصنع المظلات، وبعضهم يصنع الملاعق الخشبية أو لاقطات الفضلات من بين الأسنان أو ورق اللعب؛ وجعل الحكام العسكريون من أسرة "توجوواكا" من مبادئهم ألا يتركوا للإمبراطور ذرة من السلطان، وأن يعزلوه عن الشعب، وأن يحيطوه بالنساء ويفتُّوا من عضده بالتخنث والتعطل، ونزلت الأسرة الإمبراطورية عن سلطانها في كفاح، وقنعت بأن ترسم للعلية ألوان البدع في الثياب(3).
أما "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) فقد كان حينئذ ينعم بثروة اليابان التي أخذت تتزايد، واصطنع لنفسه امتيازات هي عادة من حق الإمبراطور فإذا سار في الطريق محمولاً في عربته التي يجرها ثور، ومحمولاً في محفته، أمرت الشرطة كل المنازل على طول الطريق أن تقفل أبوابها والمصاريع الخشبية في نوافذها العليا، وأن تطفأ كل النيران وأن تحبس الكلاب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1443
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
والقطط كلها داخل الدور، وأن يسجد الناس على جانبي الطريق، رؤوسهم على أيديهم وأيديهم على الأرض(4)؛ وكان "للشوجن" حاشية كبيرة، منها أربعة مضحكين وثماني سيدات مثقفات واجبهن أن يسلينه في غير التزام لقواعد الاحتشام(5)، وكان إلى جانبه مجلس وزراء استشاري قوامه اثنا عشر عضواً: كبير الوزراء، وخمسة وزراء، ثم ستة من الشيوخ يكونون مجلساً أصغر؛ وكان هناك- كما كان في الصين- مجلس للرقابة مهمته أن يشرف على المناصب الإدارية كلها، وأن يراقب أمراء الإقطاع؛ مع أن هؤلاء الأمراء- (أو "الدايميو" كما يسمونهم ومعناها "أصحاب الأسماء العظمى") لم يكونوا يعترفون من الوجهة الصورية إلا بالإمبراطور، هو الذي يولونه ولاءهم، بل استطاع بعضهم- مثل أسرة شيمادزو التي كانت تحكم إقليم ساتسوما- أن ينجحوا في الحد من سلطة الشوجن، حتى انتهى بهم الأمر إلى طرده من الحكم.
وكان يتلو أمراء الإقطاع طبقة السادة (بارونات) ثم يتلو هؤلاء طبقة المشرفين على الأراضي: وكذلك كان يحيط بالأمراء ألوف من فئة "الساموراي"- والساموراي هم حراس يحملون السيف؛ فالقاعدة الرئيسية في المجتمع الإقطاعي الياباني هي أن كل رجل من السادة هو جندي، والعكس صحيح، أي أن كل جندي هو كذلك من السادة(6) فهاهنا يقع أكبر اختلاف بين اليابان وبين الصين المسالمة التي ظنت أن شرط الرجل من السادة هو أن يكون عالماً لا أن يكون محارباً؛ وعلى الرغم من أن حملة السيف هؤلاء كانوا يحبون قراءة القصص التي تغذي فيهم انتفاخ الأوداج، مثل القصة الصينية التي عنوانها "قصة المماليك الثلاثة"، بل كانوا إلى حد ما يصوغون حياتهم على نموذج تلك القصص، إلا أنهم كانوا يزدرون العلم للعلم، وكانوا يسمون، العالم الأديب بالسكران الذي يفوح برائحة الكتب(7)؛ وكان لهم امتيازات كثيرة، فهم معفَون من الضرائب، ولهم الحق في مقدار من الأرز يعطيهم
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
والقطط كلها داخل الدور، وأن يسجد الناس على جانبي الطريق، رؤوسهم على أيديهم وأيديهم على الأرض(4)؛ وكان "للشوجن" حاشية كبيرة، منها أربعة مضحكين وثماني سيدات مثقفات واجبهن أن يسلينه في غير التزام لقواعد الاحتشام(5)، وكان إلى جانبه مجلس وزراء استشاري قوامه اثنا عشر عضواً: كبير الوزراء، وخمسة وزراء، ثم ستة من الشيوخ يكونون مجلساً أصغر؛ وكان هناك- كما كان في الصين- مجلس للرقابة مهمته أن يشرف على المناصب الإدارية كلها، وأن يراقب أمراء الإقطاع؛ مع أن هؤلاء الأمراء- (أو "الدايميو" كما يسمونهم ومعناها "أصحاب الأسماء العظمى") لم يكونوا يعترفون من الوجهة الصورية إلا بالإمبراطور، هو الذي يولونه ولاءهم، بل استطاع بعضهم- مثل أسرة شيمادزو التي كانت تحكم إقليم ساتسوما- أن ينجحوا في الحد من سلطة الشوجن، حتى انتهى بهم الأمر إلى طرده من الحكم.
وكان يتلو أمراء الإقطاع طبقة السادة (بارونات) ثم يتلو هؤلاء طبقة المشرفين على الأراضي: وكذلك كان يحيط بالأمراء ألوف من فئة "الساموراي"- والساموراي هم حراس يحملون السيف؛ فالقاعدة الرئيسية في المجتمع الإقطاعي الياباني هي أن كل رجل من السادة هو جندي، والعكس صحيح، أي أن كل جندي هو كذلك من السادة(6) فهاهنا يقع أكبر اختلاف بين اليابان وبين الصين المسالمة التي ظنت أن شرط الرجل من السادة هو أن يكون عالماً لا أن يكون محارباً؛ وعلى الرغم من أن حملة السيف هؤلاء كانوا يحبون قراءة القصص التي تغذي فيهم انتفاخ الأوداج، مثل القصة الصينية التي عنوانها "قصة المماليك الثلاثة"، بل كانوا إلى حد ما يصوغون حياتهم على نموذج تلك القصص، إلا أنهم كانوا يزدرون العلم للعلم، وكانوا يسمون، العالم الأديب بالسكران الذي يفوح برائحة الكتب(7)؛ وكان لهم امتيازات كثيرة، فهم معفَون من الضرائب، ولهم الحق في مقدار من الأرز يعطيهم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1444
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
إياه السيد الذي يخدمونه، ولم يكن يطلب إليهم أن يعملوا شيئاً إلا أن يموتوا في سبيل وطنهم إذا ما دعت إلى ذلك الظروف؛ وكانوا يحتقرون الحب ويعدونه لعبة رشيقة، ويؤثرون علاقة الصداقة على نمط إغريقي: والميسر والعربدة كانا جزءاً متمماً لعيشهم ولكي يحافظوا على مران سيوفهم، كانوا يدفعون المال للجلاد في مقابل أن يسمح لهم بجز رقاب المحكوم عليهم بالإعدام(، فسيف رجل من فئة "الساموراي" هو بمثابة روحه- على حد تعبير "أيياسو" وكثيراً جداً ما كان يجد الفرصة التي تدعوه إلى استعمال سيفه، على الرغم من المدة الطويلة التي نعمت فيها اليابان بالسلام؛ فله الحق- إذا أخذنا بما يقوله "أيياسو"(9)- أن يقضي فوراً على أي إنسان من الطبقات الدنيا إذا ما أساء إليه؛ وإذا كان سيفه جديداً وأراد أن يجربه، فيجوز أن يجربه في سائل كما يجوز أن يجربه في كلب(10). وفي ذلك يقول "لُنجفورد": "إن سيافاً مشهوراً قد اقتنى سيفاً جديداً، فوقف إلى جانب "ينهون باشي" (وهذا اسم جسر في وسط مدينة ييدو) ينتظر فرصة لاختبار مضاء سيفه، فجاء فلاح بدين ساعياً في الطريق، مرحاً بفعل الخمر، فقابله السياف بضربة يسمونها "ناشي واري" (ومعناها شق الكمثرى) وأصابت الضربة مرادها إذ شقت الرجل نصفين، من قمة رأسه إلى مفرق فخذيه، فمضى الفلاح في طريقه غير عالم بما نزل به، حتى اصطدم بحمال فسقط نصفين مشطورين على أدق صورة"(11) فما أتفه الفرق بين "الواحد" و "الكثير" هذا الموضوع الذي دوخ الفلاسفة في فهمه.
لكن هؤلاء السيافين كانت لهم لطائف أخرى غير هذه المهمة المرحة التي كانوا يحولون بها الفناء إلى خلود؛ فقد التزموا أوضاعاً صارمة اشترطوها للرجل الشريف- ويطلق على مجموعة هذه الأوضاع اسم "بوشيدو" -
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
إياه السيد الذي يخدمونه، ولم يكن يطلب إليهم أن يعملوا شيئاً إلا أن يموتوا في سبيل وطنهم إذا ما دعت إلى ذلك الظروف؛ وكانوا يحتقرون الحب ويعدونه لعبة رشيقة، ويؤثرون علاقة الصداقة على نمط إغريقي: والميسر والعربدة كانا جزءاً متمماً لعيشهم ولكي يحافظوا على مران سيوفهم، كانوا يدفعون المال للجلاد في مقابل أن يسمح لهم بجز رقاب المحكوم عليهم بالإعدام(، فسيف رجل من فئة "الساموراي" هو بمثابة روحه- على حد تعبير "أيياسو" وكثيراً جداً ما كان يجد الفرصة التي تدعوه إلى استعمال سيفه، على الرغم من المدة الطويلة التي نعمت فيها اليابان بالسلام؛ فله الحق- إذا أخذنا بما يقوله "أيياسو"(9)- أن يقضي فوراً على أي إنسان من الطبقات الدنيا إذا ما أساء إليه؛ وإذا كان سيفه جديداً وأراد أن يجربه، فيجوز أن يجربه في سائل كما يجوز أن يجربه في كلب(10). وفي ذلك يقول "لُنجفورد": "إن سيافاً مشهوراً قد اقتنى سيفاً جديداً، فوقف إلى جانب "ينهون باشي" (وهذا اسم جسر في وسط مدينة ييدو) ينتظر فرصة لاختبار مضاء سيفه، فجاء فلاح بدين ساعياً في الطريق، مرحاً بفعل الخمر، فقابله السياف بضربة يسمونها "ناشي واري" (ومعناها شق الكمثرى) وأصابت الضربة مرادها إذ شقت الرجل نصفين، من قمة رأسه إلى مفرق فخذيه، فمضى الفلاح في طريقه غير عالم بما نزل به، حتى اصطدم بحمال فسقط نصفين مشطورين على أدق صورة"(11) فما أتفه الفرق بين "الواحد" و "الكثير" هذا الموضوع الذي دوخ الفلاسفة في فهمه.
لكن هؤلاء السيافين كانت لهم لطائف أخرى غير هذه المهمة المرحة التي كانوا يحولون بها الفناء إلى خلود؛ فقد التزموا أوضاعاً صارمة اشترطوها للرجل الشريف- ويطلق على مجموعة هذه الأوضاع اسم "بوشيدو" -
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1445
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
ومعناها "طرائق الفروسية" وجوهر فكرتها فيه تعريف لما ترمي إليه من فضيلة: "هي القدرة على اختبار سلوكك في الحياة وفق ما يمليه العقل دون تردد، وأن تموت حين يجب عليك أن تموت، وأن تضرب حيث ينبغي لك أن تضرب"(12) وكانوا يحاكمون بمقتضى تشريعهم هذا، وهو أقسى من القانون السائد بين عامة الناس(13) وكانوا يزدرون كل الأعمال والمكاسب المادية، ويأبون أن يقرضوا المال أو يقترضوه أو يحسبوه، وقلما أخلفوا وعودهم، وكانوا لا يترددون في المخاطرة بحياتهم عوناً لكل من استنجدهم المعونة؛ وأخذوا على أنفسهم أن يحيوا حياة خشنة مقترة فلا يأكلون في اليوم إلا وجبة واحدة، وكانوا يروضون أنفسهم على أكل ما صادفهم من طعام كائناً ما كان؛ وكانوا يحتملون الآلام على اختلافها صامتين، ويكبحون في أنفسهم كل ما قد يدل على انفعالاتهم الداخلية، وعلموا نساءهم كيف يتهللن بشراً إذا ما نمى إليهن أن أزواجهن قد قضوا نحبهم في ساحات القتال(14). ولم يكونوا يلتزمون طاعة إلا طاعة الولاء لرؤسائهم، فطاعة الرؤساء جزء من تشريعهم الذي وضع تلك الطاعة فوق حب الآباء لأبنائهم أو الأبناء لآبائهم، ومن مألوف الأمور عند "الساموراي" (أي هؤلاء السيافين) أن يخرج الرجل منهم أمعاء نفسه إذا ما مات سيده لكي يخدمه ويحميه في الحياة الآخرة؛ فلما كان "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) الذي يدعى "أيمتسو" يحتضر سنة 1651، ذكر كبير وزرائه "هتو" بواجبه في أداء الـ "جَنْشي" (أي اللحاق بسيده بعد موته, فقتل "هتو" نفسه دون أن ينبس ببنت شفة، ونسج على منواله كثير من الأتباع(15). ولما صعد "الإمبراطور ميسو هيتو" إلى أسلافه سنة 1912 انتحر الجنرال "نوجي" وزوجته ولاء منهما للإمبراطور(16). فلست ترى من التقاليد عند سائر الشعوب بما في ذلك تقاليد روما التي كانت تخرج جنوداً من الطراز الأول، ما بث شجاعة أبسل، أو زهداً أصرم،
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
ومعناها "طرائق الفروسية" وجوهر فكرتها فيه تعريف لما ترمي إليه من فضيلة: "هي القدرة على اختبار سلوكك في الحياة وفق ما يمليه العقل دون تردد، وأن تموت حين يجب عليك أن تموت، وأن تضرب حيث ينبغي لك أن تضرب"(12) وكانوا يحاكمون بمقتضى تشريعهم هذا، وهو أقسى من القانون السائد بين عامة الناس(13) وكانوا يزدرون كل الأعمال والمكاسب المادية، ويأبون أن يقرضوا المال أو يقترضوه أو يحسبوه، وقلما أخلفوا وعودهم، وكانوا لا يترددون في المخاطرة بحياتهم عوناً لكل من استنجدهم المعونة؛ وأخذوا على أنفسهم أن يحيوا حياة خشنة مقترة فلا يأكلون في اليوم إلا وجبة واحدة، وكانوا يروضون أنفسهم على أكل ما صادفهم من طعام كائناً ما كان؛ وكانوا يحتملون الآلام على اختلافها صامتين، ويكبحون في أنفسهم كل ما قد يدل على انفعالاتهم الداخلية، وعلموا نساءهم كيف يتهللن بشراً إذا ما نمى إليهن أن أزواجهن قد قضوا نحبهم في ساحات القتال(14). ولم يكونوا يلتزمون طاعة إلا طاعة الولاء لرؤسائهم، فطاعة الرؤساء جزء من تشريعهم الذي وضع تلك الطاعة فوق حب الآباء لأبنائهم أو الأبناء لآبائهم، ومن مألوف الأمور عند "الساموراي" (أي هؤلاء السيافين) أن يخرج الرجل منهم أمعاء نفسه إذا ما مات سيده لكي يخدمه ويحميه في الحياة الآخرة؛ فلما كان "الشوجن" (أي الحاكم العسكري) الذي يدعى "أيمتسو" يحتضر سنة 1651، ذكر كبير وزرائه "هتو" بواجبه في أداء الـ "جَنْشي" (أي اللحاق بسيده بعد موته, فقتل "هتو" نفسه دون أن ينبس ببنت شفة، ونسج على منواله كثير من الأتباع(15). ولما صعد "الإمبراطور ميسو هيتو" إلى أسلافه سنة 1912 انتحر الجنرال "نوجي" وزوجته ولاء منهما للإمبراطور(16). فلست ترى من التقاليد عند سائر الشعوب بما في ذلك تقاليد روما التي كانت تخرج جنوداً من الطراز الأول، ما بث شجاعة أبسل، أو زهداً أصرم،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1446
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
أو ضبطاً للنفس أقوى مما كانت تقتضيه تقاليد هؤلاء "السيافين" من أعضاء تلك الفئة التي تعرف عندهم باسم "ساموراي".
وآخر القوانين في تشريع "بوشيدو" (أي تشريع طائفة السيافين) هو قانون "هاراكيري"- ومعناها الانتحار بإخراج الأمعاء؛ ولا تكاد الظروف التي تقتضي من السياف أن ينتحر على هذا الوجه تقع تحت حصر فقد كان الأمر من كثرة الوقوع بحيث لا يكاد يستوقف النظر؛ فإذا حكم بالموت على رجل من ذوي المكانة الاجتماعية، سمح له- إذا أراد الإمبراطور أن يدل على تقديره له- بأن يبقر بطنه بنفسه من اليسار إلى اليمين، ثم يشقها إلى أسفل، مستخدماً في ذلك سيفه الصغير الذي كان الواحد منهم لا ينفك مصطحباً له من أجل هذه الغاية؛ وإذا هزم أحدهم في القتال، أو اضطر إلى الاستسلام لعدوه، كان الاحتمال بأن يبقر بطنه بيده معادلاً تماماً لاحتمال أن يأبى على نفسه ذلك (فكلمة "هاراكيري" معناها شق البطن، وهي كلمة سوقية قلما ينطق بها الياباني، إذ هم يفضلون كلمة "سِبْيوكو") فقد حدث أن خضعت اليابان سنة 1895 لضغط الدول الأوربية في إخلاء "لياوتنج" فارتكب أربعون رجلاً من العسكريين "هاراكيري" احتجاجاً؛ كذلك حدث في حرب سنة 1905 أن أزهق عدد كبير من الضباط والجنود اليابانيين نفوسهم على هذا النحو، فذلك عندهم خير من الوقوع في أسر الروس، وإذا ألقى الرجل من فئة "الساموراي" (السيافين) إساءة من سيده، فإنه- إن كان سيافاً أصيلاً- يهلك حياة نفسه عند باب ذلك السيد؛ وكان فن "السبيوكو" (أي بقر البطن انتحاراً)- وهو ذو أوضاع دقيقة بمثابة الطقوس الدينية. في طليعة ما يلقن للشاب من فئة "الساموراي"، وآخر علامات المودة التي يبديها الصديق لصديقه أن يقف إلى جانبه ليجز له رأسه فيفصلها عن جسده، بعد أن يكون ذلك الصديق قد بقر بطن نفسه بيده(17)؛ من هذا التدريب وما أحاط به من
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
أو ضبطاً للنفس أقوى مما كانت تقتضيه تقاليد هؤلاء "السيافين" من أعضاء تلك الفئة التي تعرف عندهم باسم "ساموراي".
وآخر القوانين في تشريع "بوشيدو" (أي تشريع طائفة السيافين) هو قانون "هاراكيري"- ومعناها الانتحار بإخراج الأمعاء؛ ولا تكاد الظروف التي تقتضي من السياف أن ينتحر على هذا الوجه تقع تحت حصر فقد كان الأمر من كثرة الوقوع بحيث لا يكاد يستوقف النظر؛ فإذا حكم بالموت على رجل من ذوي المكانة الاجتماعية، سمح له- إذا أراد الإمبراطور أن يدل على تقديره له- بأن يبقر بطنه بنفسه من اليسار إلى اليمين، ثم يشقها إلى أسفل، مستخدماً في ذلك سيفه الصغير الذي كان الواحد منهم لا ينفك مصطحباً له من أجل هذه الغاية؛ وإذا هزم أحدهم في القتال، أو اضطر إلى الاستسلام لعدوه، كان الاحتمال بأن يبقر بطنه بيده معادلاً تماماً لاحتمال أن يأبى على نفسه ذلك (فكلمة "هاراكيري" معناها شق البطن، وهي كلمة سوقية قلما ينطق بها الياباني، إذ هم يفضلون كلمة "سِبْيوكو") فقد حدث أن خضعت اليابان سنة 1895 لضغط الدول الأوربية في إخلاء "لياوتنج" فارتكب أربعون رجلاً من العسكريين "هاراكيري" احتجاجاً؛ كذلك حدث في حرب سنة 1905 أن أزهق عدد كبير من الضباط والجنود اليابانيين نفوسهم على هذا النحو، فذلك عندهم خير من الوقوع في أسر الروس، وإذا ألقى الرجل من فئة "الساموراي" (السيافين) إساءة من سيده، فإنه- إن كان سيافاً أصيلاً- يهلك حياة نفسه عند باب ذلك السيد؛ وكان فن "السبيوكو" (أي بقر البطن انتحاراً)- وهو ذو أوضاع دقيقة بمثابة الطقوس الدينية. في طليعة ما يلقن للشاب من فئة "الساموراي"، وآخر علامات المودة التي يبديها الصديق لصديقه أن يقف إلى جانبه ليجز له رأسه فيفصلها عن جسده، بعد أن يكون ذلك الصديق قد بقر بطن نفسه بيده(17)؛ من هذا التدريب وما أحاط به من
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1447
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
تقاليد نشأ ما يتصف به الجندي الياباني من عدم الخوف من الموت .
كذلك كان يسمح بالاغتيال- كما كان يسمح بالانتحار- في ظروف معينة أن يحل محل القانون، فاليابان في نظامها الإقطاعي كانت تقتر في الإنفاق على رجال الشرطة، بوسائل كثيرة منها أن تجيز لابن القتيل أو أخيه أن يثأر لنفسه بدل الالتجاء إلى القانون؛ ولقد أدى هذا الاعتراف بحق الثأر- إلى جانب إيحائه بنصف القصص والمسرحيات في الأدب الياباني- إلى الحيلولة دون كثير من الجرائم؛ ومع ذلك فالرجل من فئة "الساموراي" (أي السيافين) كان يحس عادة أن واجبه يقتضيه ارتكاب (الهاراكيري) بعد استخدامه لحقه في الثأر بنفسه من عدوه؛ مثال ذلك ما فعله "الرونانات" الأربعون المشهورون وهم فئة من السيافين لم يكونوا أعضاء رسميين في تلك الطائفة (حين تأثروا من "كوتسوكي" لما ارتكبه من قتل اغتيالي، فعلوا ذلك وهم يصطنعون له غاية الرقة ويقدمون له المعاذير، ثم انسحبوا في وقار إلى ضيعات عينها لهم "الحاكم العسكري" وقتلوا أنفسهم قتلاً التزموا فيه غاية الثبات (كان ذلك سنة 1703)، وأعاد الكهنة رأس "كوتسوكي" إلى رئيس حاشيته، فأخذ منهم الرأس وأعطاهم هذا الإيصال البسيط:
مذكرة:
1. رأس واحد.
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
تقاليد نشأ ما يتصف به الجندي الياباني من عدم الخوف من الموت .
كذلك كان يسمح بالاغتيال- كما كان يسمح بالانتحار- في ظروف معينة أن يحل محل القانون، فاليابان في نظامها الإقطاعي كانت تقتر في الإنفاق على رجال الشرطة، بوسائل كثيرة منها أن تجيز لابن القتيل أو أخيه أن يثأر لنفسه بدل الالتجاء إلى القانون؛ ولقد أدى هذا الاعتراف بحق الثأر- إلى جانب إيحائه بنصف القصص والمسرحيات في الأدب الياباني- إلى الحيلولة دون كثير من الجرائم؛ ومع ذلك فالرجل من فئة "الساموراي" (أي السيافين) كان يحس عادة أن واجبه يقتضيه ارتكاب (الهاراكيري) بعد استخدامه لحقه في الثأر بنفسه من عدوه؛ مثال ذلك ما فعله "الرونانات" الأربعون المشهورون وهم فئة من السيافين لم يكونوا أعضاء رسميين في تلك الطائفة (حين تأثروا من "كوتسوكي" لما ارتكبه من قتل اغتيالي، فعلوا ذلك وهم يصطنعون له غاية الرقة ويقدمون له المعاذير، ثم انسحبوا في وقار إلى ضيعات عينها لهم "الحاكم العسكري" وقتلوا أنفسهم قتلاً التزموا فيه غاية الثبات (كان ذلك سنة 1703)، وأعاد الكهنة رأس "كوتسوكي" إلى رئيس حاشيته، فأخذ منهم الرأس وأعطاهم هذا الإيصال البسيط:
مذكرة:
1. رأس واحد.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1448
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
2. حزمة ورقية واحدة.
تسلمت الشيئين المذكورين أعلاه.
(توقيع) سايارا موجوباي
سايتو كوناي
ولعل هذه الحادثة أن تكون أشهر حادثة في تاريخ اليابان كله وأصدقها تمثيلاً لليابانيين، وهي من أدل الحادثات تصويراً للخلق الياباني إذا أردت أن تفهمه؛ والذين اقترفوا ذلك الفعل، ما يزالون- في أعين الشعب- أبطالاً وقديسين؛ وإلى يومنا هذا ما يزال الأتقياء يزخرفون قبور أولئك النفر، ولا ينقطع البخور عن مثواهم(19).
ولما دنا عهد وصاية "أيياسو" على العرش من ختامه، نهض شقيقان، هما "ساكون" و "نايكي"، وعمر الأول منهما إذ ذاك أربعة وعشرون، وعمر الثاني سبعة عشر، وحاولا أن يقتلاه لما أنزله بأبيهما من مظالم- في رأيهما- فوقعا في قبضة الحراس ساعة دخولهما في المعسكر، وحكم عليهما بالموت؛ لكن "أيياسو" تأثر بما أبدياه من شجاعة، وخفف عنهما حكم الإعدام بحيث أصبح أن يتركا ليقتلا نفسيهما على الطريقة المألوفة في إخراج المرء لأمعاء نفسه؛ ثم قضي كذلك- مراعاة لعادات عصره- أن يشمل هذا القرار الرحيم أخاهما الأصغر "هاشيمارو" وقد كان في الثامنة من عمره؛ وقد خلف الطبيب الذي كلف بملاحظة هؤلاء الصبية في قتل أنفسهم، وصفاً لما رأى، فيما يلي:
لما أجلسوا جميعاً في صف ليرحلوا عن هذا العالم رحلة لا أوبة بعدها، التفت "ساكون" إلى الأخ الأصغر قائلاً: "اذهب أنت أولاً، لأني أود أن أستيقن من أنك تؤدي الأمر على وضعه الصحيح" فلما أجاب الصغير بأنه لم يشهد قط عملية الـ "سِبُولكو" من قبل فإنه يجب أن يرى أخويه وهما يؤديانها، حتى يستطيع بعدئذ أن يحذو حذوهما، فابتسم أخواه الأكبران
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
2. حزمة ورقية واحدة.
تسلمت الشيئين المذكورين أعلاه.
(توقيع) سايارا موجوباي
سايتو كوناي
ولعل هذه الحادثة أن تكون أشهر حادثة في تاريخ اليابان كله وأصدقها تمثيلاً لليابانيين، وهي من أدل الحادثات تصويراً للخلق الياباني إذا أردت أن تفهمه؛ والذين اقترفوا ذلك الفعل، ما يزالون- في أعين الشعب- أبطالاً وقديسين؛ وإلى يومنا هذا ما يزال الأتقياء يزخرفون قبور أولئك النفر، ولا ينقطع البخور عن مثواهم(19).
ولما دنا عهد وصاية "أيياسو" على العرش من ختامه، نهض شقيقان، هما "ساكون" و "نايكي"، وعمر الأول منهما إذ ذاك أربعة وعشرون، وعمر الثاني سبعة عشر، وحاولا أن يقتلاه لما أنزله بأبيهما من مظالم- في رأيهما- فوقعا في قبضة الحراس ساعة دخولهما في المعسكر، وحكم عليهما بالموت؛ لكن "أيياسو" تأثر بما أبدياه من شجاعة، وخفف عنهما حكم الإعدام بحيث أصبح أن يتركا ليقتلا نفسيهما على الطريقة المألوفة في إخراج المرء لأمعاء نفسه؛ ثم قضي كذلك- مراعاة لعادات عصره- أن يشمل هذا القرار الرحيم أخاهما الأصغر "هاشيمارو" وقد كان في الثامنة من عمره؛ وقد خلف الطبيب الذي كلف بملاحظة هؤلاء الصبية في قتل أنفسهم، وصفاً لما رأى، فيما يلي:
لما أجلسوا جميعاً في صف ليرحلوا عن هذا العالم رحلة لا أوبة بعدها، التفت "ساكون" إلى الأخ الأصغر قائلاً: "اذهب أنت أولاً، لأني أود أن أستيقن من أنك تؤدي الأمر على وضعه الصحيح" فلما أجاب الصغير بأنه لم يشهد قط عملية الـ "سِبُولكو" من قبل فإنه يجب أن يرى أخويه وهما يؤديانها، حتى يستطيع بعدئذ أن يحذو حذوهما، فابتسم أخواه الأكبران
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1449
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
وعيناهما تدمعان، وقالا: "لقد أصبت أيها الأخ الصغير، ويحق لك الآن أن تفخر بأنك ابن أبيك"؛ ولما وضعها بينهما، طعن "ساكون" خنجره في الجانب الأيسر من بطنه وقال: "انظر، أخي، أتفهم الآن ؟ والذي ينبغي أن تراعيه هو ألا تضرب الخنجر عميقاً حتى لا يطرحك على الأرض، بل كن أميل بجسدك إلى الأمام، واجعل ركبتيك في وضع ثابت". وفعل "نايكي" ما فعله "ساكون" وقال للصبي: "افتح عينيك خشية أن تبدو كالمرأة وهي تحتضر، وإذا أحسست أن شيئاً في جوفك يعوق إخراج خنجرك، وأن قواك تخور، فاجمع شجاعتك وضاعف جهدك في شد خنجرك جانباً لتقطع به البطن قطعاً أفقياً" فنظر الصبي إلى أخيه عن يمينه وإلى أخيه عن يساره، حتى إذا ما رآهما قد أسلما الروح، خلع ثيابه هادئاً عن نصف جسده، واحتذى حذو ما يراه عن يمينه وعن يساره"(20).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> طبقة الساموراي
وعيناهما تدمعان، وقالا: "لقد أصبت أيها الأخ الصغير، ويحق لك الآن أن تفخر بأنك ابن أبيك"؛ ولما وضعها بينهما، طعن "ساكون" خنجره في الجانب الأيسر من بطنه وقال: "انظر، أخي، أتفهم الآن ؟ والذي ينبغي أن تراعيه هو ألا تضرب الخنجر عميقاً حتى لا يطرحك على الأرض، بل كن أميل بجسدك إلى الأمام، واجعل ركبتيك في وضع ثابت". وفعل "نايكي" ما فعله "ساكون" وقال للصبي: "افتح عينيك خشية أن تبدو كالمرأة وهي تحتضر، وإذا أحسست أن شيئاً في جوفك يعوق إخراج خنجرك، وأن قواك تخور، فاجمع شجاعتك وضاعف جهدك في شد خنجرك جانباً لتقطع به البطن قطعاً أفقياً" فنظر الصبي إلى أخيه عن يمينه وإلى أخيه عن يساره، حتى إذا ما رآهما قد أسلما الروح، خلع ثيابه هادئاً عن نصف جسده، واحتذى حذو ما يراه عن يمينه وعن يساره"(20).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1450
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> القانون
الفصل الثاني
القانون
التشريع الأول - المسؤولية الجمعية - العقاب
كان التشريع القانوني في اليابان مكملاً عنيفاً لما كان يتم بالاغتيال وبالثأر وقد استمد ذلك التشريع بعض أصوله من تقاليد الشعب القديمة، كما استمد بعضها الآخر من التشريعات الصينية في القرن السابع، ذلك أن القانون قد صحب الدين في هجرة الثقافة من الصين إلى اليابان(21)؛ وبدأ "تنشي تبنو" صياغة مجموعة من القوانين، كملت وأذيعت في عهد الإمبراطور اليافع "مومو" عام 702؛ لكن هذا التشريع وغيره من تشريعات العصر الإمبراطوري، أهملت في العصر الإقطاعي، إذ جعل كل حاكم إقطاعي يسن لنفسه ما شاء من تشريع مستقلاً عن سائر المقاطعات، ولم يعترف الرجل من طبقة "السيافين" بقانون إلا ما يريده وما يأمر به مولاه(22).
وكانت العادة في اليابان حتى سنة 1721 أن تكون الأسرة كلها مسئولة عن كل فرد من أفرادها، فتضمن حسن سلوكه؛ وكذلك كانت الأسرة الواحدة- في معظم الأقاليم- توضع في مجموعة من خمس أسرات، تكون كل منها مسئولة عن سائر أفراد المجموعة، فالرجل إذا حكم عليه بالصلب أو بالحرق، قضي كذلك بالموت على أبنائه الكبار، وبالنفي على أبنائه الصغار عندما يبلغون الرشد(23)، وكان نظام المحنة متبعاً في التحقيق على نحو ما كان متبعاً في العصور الوسطى، ولبث التعذيب شائعاً- في صوره الخفيفة- حتى هذا العصر الحديث واصطنع اليابانيون من وسائل التعذيب إزاء المسيحيين، ناسجين على منوال محاكم التفتيش نسجاً فيه انتقام لما أنزله المسيحيون أنفسهم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1451
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> القانون
بأنفسهم في تلك المحاكم، لكنهم كثيراً ما كانوا أدق في وسائلهم التعذيبية. فيربطون الرجل بحبال في وضع وثيق. يزيد المربوط ألماً كلما مرت به لحظات الزمن لحظة بعد لحظة(24)، وكثيراً ما كانوا يلجئون إلى الضرب بالسياط لأتفه الأخطاء، وكان الإعدام لديهم عقوبة على كثير جداً من أنواع الجرائم، وجاء الإمبراطور شومو (724- 56) فألغى عقوبة الإعدام وجعل الرحمة أساس حكمه، لكن الإجرام زادت نسبته بعد موته، حتى لم يقتصر الإمبراطور "كوشين" (770- 81) على إرجاع عقوبة الإعدام بل أضاف إلى ذلك أنه أمر بأن يضرب اللصوص بالسياط علناً حتى يلفظوا الروح(25)، وكانوا ينفذون الإعدام بالخنق وجز الرأس والصلب وقطع الجسد أربعة أرباع والحرق أو الغلي في الزيت(26)، وكان "أيياسو" قد ألغى العادة التي تقضي بأن يمزق المتهم نصفين بشده بين ثورين، كما ألغى العادة التي تقضي بأن يربط المتهم في عمود وسط الملأ، ثم يطلب من كل مار أن يأخذ نصيبه في تقطيع جسده بمنشار ينشره من كتفه فأسفل(27)، وكان من رأي "أيياسو" أن كثرة الالتجاء إلى العقوبات الصارمة لا تدل على إجرام الشعب بمقدار ما تدل على فساد الموظفين وعجزهم(28)، وكم ساء "يوشيموني" أن يجد سجون عصره بغير استعدادات صحية، وأن بين المسجونين فئة بدأت محاكماتها منذ ست عشرة سنة ولم تنته بعد، حتى لقد نسيت الاتهامات الموجهة إليهم، مات الشهود(29)، وأخذ هذا الحاكم العسكري الذي كان أكثر هذه الطائفة استنارة في إصلاح السجون، وعمل على السرعة في الإجراءات القضائية، وألغى المسئولية الأسرية، وواصل العمل المضني بغية أن يصوغ أول تشريع موحد للقانون الإقطاعي في اليابان (1729).
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> القانون
بأنفسهم في تلك المحاكم، لكنهم كثيراً ما كانوا أدق في وسائلهم التعذيبية. فيربطون الرجل بحبال في وضع وثيق. يزيد المربوط ألماً كلما مرت به لحظات الزمن لحظة بعد لحظة(24)، وكثيراً ما كانوا يلجئون إلى الضرب بالسياط لأتفه الأخطاء، وكان الإعدام لديهم عقوبة على كثير جداً من أنواع الجرائم، وجاء الإمبراطور شومو (724- 56) فألغى عقوبة الإعدام وجعل الرحمة أساس حكمه، لكن الإجرام زادت نسبته بعد موته، حتى لم يقتصر الإمبراطور "كوشين" (770- 81) على إرجاع عقوبة الإعدام بل أضاف إلى ذلك أنه أمر بأن يضرب اللصوص بالسياط علناً حتى يلفظوا الروح(25)، وكانوا ينفذون الإعدام بالخنق وجز الرأس والصلب وقطع الجسد أربعة أرباع والحرق أو الغلي في الزيت(26)، وكان "أيياسو" قد ألغى العادة التي تقضي بأن يمزق المتهم نصفين بشده بين ثورين، كما ألغى العادة التي تقضي بأن يربط المتهم في عمود وسط الملأ، ثم يطلب من كل مار أن يأخذ نصيبه في تقطيع جسده بمنشار ينشره من كتفه فأسفل(27)، وكان من رأي "أيياسو" أن كثرة الالتجاء إلى العقوبات الصارمة لا تدل على إجرام الشعب بمقدار ما تدل على فساد الموظفين وعجزهم(28)، وكم ساء "يوشيموني" أن يجد سجون عصره بغير استعدادات صحية، وأن بين المسجونين فئة بدأت محاكماتها منذ ست عشرة سنة ولم تنته بعد، حتى لقد نسيت الاتهامات الموجهة إليهم، مات الشهود(29)، وأخذ هذا الحاكم العسكري الذي كان أكثر هذه الطائفة استنارة في إصلاح السجون، وعمل على السرعة في الإجراءات القضائية، وألغى المسئولية الأسرية، وواصل العمل المضني بغية أن يصوغ أول تشريع موحد للقانون الإقطاعي في اليابان (1729).
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1452
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
الفصل الثالث
العمال
نظام الطبقات - تجربة في تأميم الأراضي - تحديد الدولة
للأجور - مجاعة - الصناعات اليدوية - الصناع والنقابات
انقسمت الجماعة في العصر الإمبراطوري ثماني طبقات، ثم زالت بعض الفوارق في العهد الإقطاعي بحيث أصبحت تلك الطبقات أربعاً: الساموراي (أي السيافون) والصناع والفلاحون والتجار- والطبقة الأخيرة هي كذلك أخيرة في الترتيب الاجتماعي، ويأتي تحت هذه الطبقات جمع غفير من العبيد فتبلغ نسبتهم ما يقرب من خمسة في كل مائة من السكان، وقوامهم المجرمون وأسرى الحرب والأطفال المخطوفون الذين باعهم خاطفوهم، وكذلك الأطفال الذين باعهم آباؤهم عبيداً في الأسواق ويأتي دون هؤلاء العبيد أنفسهم في المنزلة الاجتماعية، طبقة من المنبوذين يسمونهم "إيتا"، يعدهم بوذيو اليابان منبوذين نجسين لأنهم يشتغلون بالحرارة أو بالدباغة أو بحمل القمامة(32).
والأكثرية العظمى من السكان (الذين بلغ عددهم في أيام يوشيموني عدداً يقرب من ثلاثين مليوناً) كانت تتألف من صغار ملاك الأراضي الذين يزرعون أرضهم زراعة مركزة، وهي مساحة تبلغ ثمن التربة اليابانية الجبلية التي تسمح للمحراث أن يشق جوفها ، وحدث في عصر "نارا" أن أممت الدولة الأراضي الزراعية، وأجرتها للفلاحين مدى ست سنوات، أو مدى حياة الفلاح على أكثر تقدير؛ لكن الحكومة سرعان ما تبينت أن الناس
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
الفصل الثالث
العمال
نظام الطبقات - تجربة في تأميم الأراضي - تحديد الدولة
للأجور - مجاعة - الصناعات اليدوية - الصناع والنقابات
انقسمت الجماعة في العصر الإمبراطوري ثماني طبقات، ثم زالت بعض الفوارق في العهد الإقطاعي بحيث أصبحت تلك الطبقات أربعاً: الساموراي (أي السيافون) والصناع والفلاحون والتجار- والطبقة الأخيرة هي كذلك أخيرة في الترتيب الاجتماعي، ويأتي تحت هذه الطبقات جمع غفير من العبيد فتبلغ نسبتهم ما يقرب من خمسة في كل مائة من السكان، وقوامهم المجرمون وأسرى الحرب والأطفال المخطوفون الذين باعهم خاطفوهم، وكذلك الأطفال الذين باعهم آباؤهم عبيداً في الأسواق ويأتي دون هؤلاء العبيد أنفسهم في المنزلة الاجتماعية، طبقة من المنبوذين يسمونهم "إيتا"، يعدهم بوذيو اليابان منبوذين نجسين لأنهم يشتغلون بالحرارة أو بالدباغة أو بحمل القمامة(32).
والأكثرية العظمى من السكان (الذين بلغ عددهم في أيام يوشيموني عدداً يقرب من ثلاثين مليوناً) كانت تتألف من صغار ملاك الأراضي الذين يزرعون أرضهم زراعة مركزة، وهي مساحة تبلغ ثمن التربة اليابانية الجبلية التي تسمح للمحراث أن يشق جوفها ، وحدث في عصر "نارا" أن أممت الدولة الأراضي الزراعية، وأجرتها للفلاحين مدى ست سنوات، أو مدى حياة الفلاح على أكثر تقدير؛ لكن الحكومة سرعان ما تبينت أن الناس
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1453
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
لم يعنهم أن يصلحوا الأرض أو أن يحرصوا عليها حرصاً حقيقيـاً مادام من الجائز أن تؤول إلى سواهم بعد حين قصير، وانتهت التجربة بالعودة إلى الملكية الخاصة، مع مد الحكومة الفلاحين بالمال في فصل الربيع ليتمكن الفلاحون من سد نفقات البذر والحصاد(33)، ومع هذه المعونة المالية لم تكن حياة الفلاح على درجة من اليسر تحلل قواه، فلا تزيد مزرعته على شريحة ضئيلة من الأرض، لأن الميل المربع- حتى في ذلك العهد الإقطاعي- كان مورد رزق لألفي رجل(34) وكان على الفلاح أن يسخر في عمل للدولة مدى ثلاثين يوماً كل عام، كان من الجائز خلالها أن يلاقي حتفه بطعنة رمح عقاباً له على لحظة واحدة تراخى فيها عن العمل ، وكانت تقتضيه الحكومة ستة في المائة من محصوله ضريبة وغيرها من القروض، كان ذلك في القرن السابع، أما في القرن الثاني عشر، فكانت تقتضيه سبعة في المائة، وأربعين في المائة في القرن التاسع عشر(37)، وكانت آلاته الزراعية غاية في بساطتها، وثيابه هلاهيل خفيفة في الشتاء، وهو في العادة لا يلبس شيئاً قط في الصيف، وكل أساسه في المنزل قدر للأرز وقليل من الأقداح وبضعة ملاعق خشبية، وداره من الضآلة بحيث يكفي نصف أسبوع لبنائها(38) ذلك لأن الزلازل تحطم له كوخه حيناً بعد حين، أو تقضي عليها المجاعة، وإذا عمل أجيراً عند رجل آخر، حددت له الحكومة- في عهد توكوجاوا- ما يستحق من أجر(39)، لكن تحديد الحكومة للأجور لم يمنع هبوطها هبوطاً فظيعـاً؛ وتجـد فـي كتاب لـ "هوكوكي"- وهـو من أشهر كتب الأدب الياباني- وصفاً لطائفة من الكوارث
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
لم يعنهم أن يصلحوا الأرض أو أن يحرصوا عليها حرصاً حقيقيـاً مادام من الجائز أن تؤول إلى سواهم بعد حين قصير، وانتهت التجربة بالعودة إلى الملكية الخاصة، مع مد الحكومة الفلاحين بالمال في فصل الربيع ليتمكن الفلاحون من سد نفقات البذر والحصاد(33)، ومع هذه المعونة المالية لم تكن حياة الفلاح على درجة من اليسر تحلل قواه، فلا تزيد مزرعته على شريحة ضئيلة من الأرض، لأن الميل المربع- حتى في ذلك العهد الإقطاعي- كان مورد رزق لألفي رجل(34) وكان على الفلاح أن يسخر في عمل للدولة مدى ثلاثين يوماً كل عام، كان من الجائز خلالها أن يلاقي حتفه بطعنة رمح عقاباً له على لحظة واحدة تراخى فيها عن العمل ، وكانت تقتضيه الحكومة ستة في المائة من محصوله ضريبة وغيرها من القروض، كان ذلك في القرن السابع، أما في القرن الثاني عشر، فكانت تقتضيه سبعة في المائة، وأربعين في المائة في القرن التاسع عشر(37)، وكانت آلاته الزراعية غاية في بساطتها، وثيابه هلاهيل خفيفة في الشتاء، وهو في العادة لا يلبس شيئاً قط في الصيف، وكل أساسه في المنزل قدر للأرز وقليل من الأقداح وبضعة ملاعق خشبية، وداره من الضآلة بحيث يكفي نصف أسبوع لبنائها(38) ذلك لأن الزلازل تحطم له كوخه حيناً بعد حين، أو تقضي عليها المجاعة، وإذا عمل أجيراً عند رجل آخر، حددت له الحكومة- في عهد توكوجاوا- ما يستحق من أجر(39)، لكن تحديد الحكومة للأجور لم يمنع هبوطها هبوطاً فظيعـاً؛ وتجـد فـي كتاب لـ "هوكوكي"- وهـو من أشهر كتب الأدب الياباني- وصفاً لطائفة من الكوارث
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1454
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
اجتمعت كلها في الثمانية الأعوام- ما بين 1177 و 1185- فزلزال ومجاعة وحريق كاد يأتي على كيوتو كلها ، ووصفه لما شاهده بعينه من مجاعة سنة 1181 يعد مثلاً من أجمل ما في النثر الياباني:
"حدث في أرجاء البلاد جميعاً أن غادر الناس أراضيهم بحثاً عن سواها، أو نسوا ديارهم وذهبوا إلى التلال يتخذون في شعابها مسكناً؛ ولهجت الألسنة بكل ضروب الدعاء، وأدى الناس كل ألوان الشعائر الدينية التي لم تكن مألوفة في الأيام العادية، إذ أعادوها من جديد، كل ذلك فعلوه بغير ما جدوى... وأبدى سكان العاصمة استعدادهم لتضحية كل ما يملكون من نفائس من شتى الضروب، نفيساً في إثر نفيس (من أجل القوت) لكن لم يأبه لتلك النفائس أحد عندئذ... واحتشد السائلون الإحسان جماعات على جوانب الطريق، وامتلأت آذاننا بأصوات أنينهم الباكي... كان الناس جميعاً يموتون من جوع، وكلما تقدمت بنا الأيام، ازددنا يأساً حتى لقد أشبهنا ما تروى عنه القصة من سملك البركة؛ وانتهى الأمر حتى بأولئك الذين توحي سيماهم بالاحترام، والذين يرتدون القبعات ويغطون الأقدام، انتهى الأمر حتى بأولئك الناس إلى الإلحاف في سؤال الإحسان من باب إلى باب، وكان يحدث أحياناً أن يأخذك العجب كيف يستطيع هؤلاء الذين بلغت بهم تعاسة الحال كل هذا الحد أن يمشوا على أقدامهم، وإذا بك تراهم يسقطون أمام عينيك إعياء، فمات عدد لا يحصى من المجاعة، وكانوا يلفظون أرواحهم بجوار أسوار الحدائق أو إلى جوانب الطرقات؛ ولما كانت أجسادهم لا تجد من يزيلها من أماكنها، فقد امتلأ الهواء بالرائحة النتنة؛ حتى ما إذا أخذ التغير يطرأ
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
اجتمعت كلها في الثمانية الأعوام- ما بين 1177 و 1185- فزلزال ومجاعة وحريق كاد يأتي على كيوتو كلها ، ووصفه لما شاهده بعينه من مجاعة سنة 1181 يعد مثلاً من أجمل ما في النثر الياباني:
"حدث في أرجاء البلاد جميعاً أن غادر الناس أراضيهم بحثاً عن سواها، أو نسوا ديارهم وذهبوا إلى التلال يتخذون في شعابها مسكناً؛ ولهجت الألسنة بكل ضروب الدعاء، وأدى الناس كل ألوان الشعائر الدينية التي لم تكن مألوفة في الأيام العادية، إذ أعادوها من جديد، كل ذلك فعلوه بغير ما جدوى... وأبدى سكان العاصمة استعدادهم لتضحية كل ما يملكون من نفائس من شتى الضروب، نفيساً في إثر نفيس (من أجل القوت) لكن لم يأبه لتلك النفائس أحد عندئذ... واحتشد السائلون الإحسان جماعات على جوانب الطريق، وامتلأت آذاننا بأصوات أنينهم الباكي... كان الناس جميعاً يموتون من جوع، وكلما تقدمت بنا الأيام، ازددنا يأساً حتى لقد أشبهنا ما تروى عنه القصة من سملك البركة؛ وانتهى الأمر حتى بأولئك الذين توحي سيماهم بالاحترام، والذين يرتدون القبعات ويغطون الأقدام، انتهى الأمر حتى بأولئك الناس إلى الإلحاف في سؤال الإحسان من باب إلى باب، وكان يحدث أحياناً أن يأخذك العجب كيف يستطيع هؤلاء الذين بلغت بهم تعاسة الحال كل هذا الحد أن يمشوا على أقدامهم، وإذا بك تراهم يسقطون أمام عينيك إعياء، فمات عدد لا يحصى من المجاعة، وكانوا يلفظون أرواحهم بجوار أسوار الحدائق أو إلى جوانب الطرقات؛ ولما كانت أجسادهم لا تجد من يزيلها من أماكنها، فقد امتلأ الهواء بالرائحة النتنة؛ حتى ما إذا أخذ التغير يطرأ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1455
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
على أجسادهم، نشأت مشاهد لا تستطيع العين أن تراها.... ومن لم يكن له كسب يشتري به القوت، هدم داره ليبيع أجزاءها في السوق، وقيل إن الحمل يحمله الرجل بكل طاقته، لم يكن ثمنه ليكفي سد رمقه يوماً واحداً، والعجب أنك كنت ترى في هذا الحطام من أخشاب المنازل، الذي كانوا يبيعونه وقوداً للنار، قطعاً مزدانة في بعض أجزائها بالألوان أو بالفضة أو بطلاء الذهب... وشيء آخر يستثير في النفس أشد أحزانها، وهو أنه إذا كان ثمة رجل وامرأة يربط بينهما رباط الحب الشديد، فالذي كان منهما أقوى حباً من الآخر، وأعمق ولاء، يموت قبل زميله؛ وعلة ذلك أن الواحد منهما يؤثر غيره على نفسه، فالذي يشتد حبه يقدم لمحبوبه- رجلاً كان أو امرأة- أي شيء يطلبه منه، فكان الوالدون بطبيعة الحال يموتون قبل أبنائهم؛ كذلك كنت ترى الرضع أحياناً عالقين بأثداء أمهاتهم، لا يعرفون أن هؤلاء الأمهات قد فاضت أرواحهن... وبلغ عدد الموتى في كيوتو الوسطى خلال الشهرين الرابع والخامس وحدهما 300ر42 من الأنفس البشرية(40).
قارن هذه الفترة الفظيعة التي تخللت مجرى الزراعة، بالصورة التي يقدمها لنا "كيمفر" ساطعة عن الصناعات اليدوية في اليابان كما رآها في كيوتو سنة 1691.
"كيوتو هي المستودع العظيم الذي تخزن فيه كل المنسوجات والسلع اليابانية، وهي المركز التجاري الرئيسي في الإمبراطورية؛ فتكاد لا تجد في هذه العاصمة الكبرى منزلاً واحداً لا يصنع فيه شيء أو يباع شيء؛ فالناس هاهنا يُصفّون النحاس ويسكون النقود ويطبعون الكتب ويطرزون أفخر المنسوجات بزهور الذهب والفضة. وهاهنا كذلك تصنع أحسن صنوف الصبغة وأندرها، وأروع النقوش فناً، وكل ضروب الآلات الموسيقية والصور والخزانات اليابانية، وشتى الأشياء التي تصاغ من الذهب وغيره من المعادن، وخصوصاً
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
على أجسادهم، نشأت مشاهد لا تستطيع العين أن تراها.... ومن لم يكن له كسب يشتري به القوت، هدم داره ليبيع أجزاءها في السوق، وقيل إن الحمل يحمله الرجل بكل طاقته، لم يكن ثمنه ليكفي سد رمقه يوماً واحداً، والعجب أنك كنت ترى في هذا الحطام من أخشاب المنازل، الذي كانوا يبيعونه وقوداً للنار، قطعاً مزدانة في بعض أجزائها بالألوان أو بالفضة أو بطلاء الذهب... وشيء آخر يستثير في النفس أشد أحزانها، وهو أنه إذا كان ثمة رجل وامرأة يربط بينهما رباط الحب الشديد، فالذي كان منهما أقوى حباً من الآخر، وأعمق ولاء، يموت قبل زميله؛ وعلة ذلك أن الواحد منهما يؤثر غيره على نفسه، فالذي يشتد حبه يقدم لمحبوبه- رجلاً كان أو امرأة- أي شيء يطلبه منه، فكان الوالدون بطبيعة الحال يموتون قبل أبنائهم؛ كذلك كنت ترى الرضع أحياناً عالقين بأثداء أمهاتهم، لا يعرفون أن هؤلاء الأمهات قد فاضت أرواحهن... وبلغ عدد الموتى في كيوتو الوسطى خلال الشهرين الرابع والخامس وحدهما 300ر42 من الأنفس البشرية(40).
قارن هذه الفترة الفظيعة التي تخللت مجرى الزراعة، بالصورة التي يقدمها لنا "كيمفر" ساطعة عن الصناعات اليدوية في اليابان كما رآها في كيوتو سنة 1691.
"كيوتو هي المستودع العظيم الذي تخزن فيه كل المنسوجات والسلع اليابانية، وهي المركز التجاري الرئيسي في الإمبراطورية؛ فتكاد لا تجد في هذه العاصمة الكبرى منزلاً واحداً لا يصنع فيه شيء أو يباع شيء؛ فالناس هاهنا يُصفّون النحاس ويسكون النقود ويطبعون الكتب ويطرزون أفخر المنسوجات بزهور الذهب والفضة. وهاهنا كذلك تصنع أحسن صنوف الصبغة وأندرها، وأروع النقوش فناً، وكل ضروب الآلات الموسيقية والصور والخزانات اليابانية، وشتى الأشياء التي تصاغ من الذهب وغيره من المعادن، وخصوصاً
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: الجزء الثانى من - قصة الحضارة ول ديورانت
صفحة رقم : 1456
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
الصلب؛ مثال ذلك السيوف ذوات النصل القوي وغيرها من الأسلحة؛ كل ذلك يصنع هاهنا صناعة بلغت غاية الكمال، كما تصنع أفخر الأردية على خير طراز، وكل صنوف اللعب ونماذج الحيوان التي تحرك رؤوسها من تلقاء نفسها وأشياء أخرى أكثر عدداً من أن يحصرها العدد في هذا المكان؛ واختصاراً لست تستطيع أن تفكر في شيء مما لا تراه يصنع في كيوتو- وليس هنالك شيء مما يستورد من خارج البلاد- مهما بلغت دقة صناعته- مما لا تجد بين صناع العاصمة من يأخذ على نفسه أن يحاكيه.... إنه ليس في المنازل التي تقع في الشوارع الرئيسية إلا قلة لا تعرض شيئاً للبيع؛ ولم يسعني إلا العجب أنىَ لهؤلاء الناس الزبائن شراء هذه المقادير الهائلة من البضائع؟"(41).
لقد استوردت اليابان قبل ذلك بزمن طويل كل فنون الصين وصناعاتها؛ وكما ترى اليابان اليوم قد بدأت تفوق معلميها من أهل الغرب في الاقتصاد والمقدرة على الإنتاج الآلي(42)، فكذلك حدث في أثناء حكومة توكوجاوا العسكرية، إذ أخذ صناعها ينافسون، بل وأحياناً يفوقون زملاءهم من أهل الصين وكورية الذين علموهم الصناعة؛ وكانت معظم الصناعة تقوم بها الأسرة في الدار- كما كانت الحال في أوربا في عصرها الوسيط- وكانت الأسرة تورث صناعتها ومهارتها من الوالد إلى ولده، وكثيراً ما أطلق على الأسرة اسم الصناعة التي كانت تقوم بها؛ وكذلك- كما كانت الحالة أيضاً في أوربا في عصرها الوسيط- تألفت نقابات كبرى، لم يكن قوامها الصفوف الدنيا من الصناع بقدر ما كان قوامها السادة الذين كانوا يستغلون الصناع استغلالاً لا يعرف الرحمة، وحددوا حق الالتحاق بهذه النقابات للأعضاء الجدد بقيود أسرفوا في ضيقها(43)؛ وكانت نقابة الصيارفة من أقوى النقابات، الصيارفة الذين كانوا يقبلون الودائع والتحويلات المالية و "الكمبيالات" ويقرضون القائمين على التجارة والصناعة والحكومة؛ وما جاءت سنة 1636
قصة الحضارة -> التراث الشرقي -> الشرق الأقصى -> اليابان -> الأسس السياسية والخلقية -> العمال
الصلب؛ مثال ذلك السيوف ذوات النصل القوي وغيرها من الأسلحة؛ كل ذلك يصنع هاهنا صناعة بلغت غاية الكمال، كما تصنع أفخر الأردية على خير طراز، وكل صنوف اللعب ونماذج الحيوان التي تحرك رؤوسها من تلقاء نفسها وأشياء أخرى أكثر عدداً من أن يحصرها العدد في هذا المكان؛ واختصاراً لست تستطيع أن تفكر في شيء مما لا تراه يصنع في كيوتو- وليس هنالك شيء مما يستورد من خارج البلاد- مهما بلغت دقة صناعته- مما لا تجد بين صناع العاصمة من يأخذ على نفسه أن يحاكيه.... إنه ليس في المنازل التي تقع في الشوارع الرئيسية إلا قلة لا تعرض شيئاً للبيع؛ ولم يسعني إلا العجب أنىَ لهؤلاء الناس الزبائن شراء هذه المقادير الهائلة من البضائع؟"(41).
لقد استوردت اليابان قبل ذلك بزمن طويل كل فنون الصين وصناعاتها؛ وكما ترى اليابان اليوم قد بدأت تفوق معلميها من أهل الغرب في الاقتصاد والمقدرة على الإنتاج الآلي(42)، فكذلك حدث في أثناء حكومة توكوجاوا العسكرية، إذ أخذ صناعها ينافسون، بل وأحياناً يفوقون زملاءهم من أهل الصين وكورية الذين علموهم الصناعة؛ وكانت معظم الصناعة تقوم بها الأسرة في الدار- كما كانت الحال في أوربا في عصرها الوسيط- وكانت الأسرة تورث صناعتها ومهارتها من الوالد إلى ولده، وكثيراً ما أطلق على الأسرة اسم الصناعة التي كانت تقوم بها؛ وكذلك- كما كانت الحالة أيضاً في أوربا في عصرها الوسيط- تألفت نقابات كبرى، لم يكن قوامها الصفوف الدنيا من الصناع بقدر ما كان قوامها السادة الذين كانوا يستغلون الصناع استغلالاً لا يعرف الرحمة، وحددوا حق الالتحاق بهذه النقابات للأعضاء الجدد بقيود أسرفوا في ضيقها(43)؛ وكانت نقابة الصيارفة من أقوى النقابات، الصيارفة الذين كانوا يقبلون الودائع والتحويلات المالية و "الكمبيالات" ويقرضون القائمين على التجارة والصناعة والحكومة؛ وما جاءت سنة 1636
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 16 من اصل 19 • 1 ... 9 ... 15, 16, 17, 18, 19
مواضيع مماثلة
» قصة الحضارة - لول ديورانت
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
» قصة الحضارة - ول ديورانت
» شاهد حصريا فور عرضه مرتضى منصور فى ضيافة عمرو اديب الان فى برنامج القاهرة اليوم حصريا على منتديات الناظر
» التذلل والانكسار الى الله
» قصص الأنبياء بالصلصال - قصة سيدنا آدم عليه السلام
صفحة 16 من اصل 19
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى