alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:34 pm

زهرة بن كلاب ، و بنو أسد بن عبد العزى بن قصي ، و بنو عبد الدار ، و بنو عبد مناف بن قصي .

فأجمع بنو عبد مناف انتزاع ما بأيدي بني عبد الدار مما جعل لهم قصي ، و قام بأمرهم عبد شمس أسن ولده و اجتمع له من قريش : بنو أسد بن عبد العزى ، و بنو زهرة ، و بنو تيم ، و بنو الحرث . و اعتزل بنو عامر ، و بنو المحارب الفريقين . و صار الباقي من بطون قريش مع بني عبد الدار و هم : بنو سهم ، و بنو جمح ، و بنو عدي ، و بنو مخزوم . ثم عقد كل من الفريقين على أحلافه عقداً مؤكداً ، و أحضر بنو عبد مناف و حلف قومهم عند الكعبة جفنة مملؤة طيباً غمسوا فيها أيديهم تأكيداً للحلف ، فسمي حلف المطيبين . و أجمعوا للحرب و سووا بين القبائل و أن بعضها إلى بعض ، فعبت بنو عبد دار لبني الأسد ، و بنو جمح لبني زهرة ، و بنو مخزوم لبني تيم ، و بنو عدي لبني الحرث . ثم تداعوا للصلح على أن يسلموا لبني عبد مناف السقاية و الرفادة ، و يختص بنو عبد الدار بالحجابة و اللواء فرضي الفريقان و تحاجز الناس .

و قال الطبري قيل ورثها من أبيه . ثم قام بأمر بني عبد مناف هاشم ليساره و قراره بمكة ، و تقلب أخيه عبد شمس في التجارة إلى الشام ، فأحسن هاشم ما شاء في إطعام الحاج و إكرامهم وفدهم . و يقال : إنه أول من أطعم الثريد الذي كان يطعم فهو ثريد قريش الذي قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم : " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " . و الثريد لهذا العهد ثريد الخبز بعد أن يطبخ في المقلاة و التنور و ليس من طعام العرب ، إلا أن عندهم طعاماً يسمونه البازين يتناوله الثريد لغة ، و هو ثريد الخبز بعد أن يطبخ في الماء عجيناً رطباً إلى أن يتم نضجه ، ثم يدلكونه بالمغرفة حتى تتلاحم أجزاؤه و تتلازج . و ما أدري هل كان ذلك الطعام كذلك أو لا إلا أن لفظ الثريد يتناوله لغة .و يقال : إن هاشم بن عبد المطلب أول من سن الرحلتين في الشتاء و الصيف للعرب ذكره ابن إسحق ، و هو غير صحيح ، لأن الرحلتين من عوائد العرب في كل جيل لمراعي إبلهم و مصالحها لأن معاشهم فيها ، و هذا معنى العرب و حقيقتهم أنه الجيل الذي معاشهم في كسب الإبل و القيام عليها في ارتياد المرعى وانتجاع المياه و النتاج والتوليد و غير ذلك من مصالحها ، و الفرار بها من أذى البرد عند التوليد إلى القفار و دفئها ، و طلب التلول في المصيف للحبوب و برد الهواء ، و تكونت على ذلك طباعهم فلابد لهم منها ظعنوا أو أقاموا و هو معنى العروبية ، و شعارها أن هاشماً لما هلك و كان مهلكه بغزة من أرض الشام ، تخلف عبد المطلب صغيراً بيثرب فأقام بأمره من بعده بعده ابنه المطلب ، و كان ذا شرف و فضل ، و كانت قريش تسمية الفضل لسماحته ، و كان هاشم قدم يثرب فتزوج في بني عدي و كانت قبلة عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفه بن عوف بن عمرو بن عوف بن
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:36 pm

مالك سيد الأوس لعهده ، فولدت عمرو بن أحيحة و كانت لشرفها تشترط أمرها بيدها في عقد النكاح ، فولت عبد المطلب فسمته شيبة ، و تركه هاشم عندها حتى كان غلاماً . و هلك هاشم فخرج إليه أخوه المطلب فأسلمته إليه بعد تعسف و اغتباط به ، فاحتمله و دخل مكة فرفده على بعيره فقالت قريش : هذا عبد ابتاعه المطلب فسمي شيبة عبد المطلب من يومئذ .

ثم أن المطلب بردمان من اليمن ، فقام بأمر بني هاشم بعده عبد المطلب بن هاشم ، و أقام الرفادة و السقاية للحاج على أحسن ما كان قومه يقيمونه بمكة من قبله ، و كانت له وفادة على ملوك اليمن من حمير و الحبشة ، و قد قدمنا خبره مع ابن ذي يزن و مع أبرهة . و لما أراد حفر زمزم للرؤيا التي رآها ، اعترضته قريش دون ذلك ، ثم حالوا بينه و بين ما أراد منها . فنذر لئن ولد له عشرة من الوالد ثم يبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم قرباناً لله عند الكعبة ، فلما كملوا عشرة ضرب عليهم القداح عند هبل الصنم العظيم الذي كان في جوف الكعبة على البئر التي كانوا ينحرون فيها هدايا الكعبة ، فخرجت القداح على ابنه عبد الله والد النبي صلى الله عليه و سلم ، وتحير في شأنه ، ومنعه قومه من ذلك ، و أشار بعضهم و هو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بسؤال العرافة التي كانت لهم بالمدينة على ذلك ، فألفوها بخيبر و سألوها . فقالت : قربوه و عشراً من الإبل و أجيلوا القداح فإن خرجت على الإبل فذلك و إلا فزيدوا في الإبل حتى تخرج عليها القداح و انحروها حينئذ فهي الفدية عنه و قد رضي إلهكم . ففعلوا و بلغت الإبل مائة فنحرها عبد المطلب ، و كانت من كرامات الله به . و عليه قوله صلى الله عليه و سلم " أنا ابن الذبيحين " يعني عبد الله أباه و إسمعيل بن إبراهيم جده اللذين قربا للذبح ، ثم فديا بذبح الأنعام .

ثم إن عبد المطلب زوج ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فدخل بها وحملت برسول صلى الله عليه و سلم ، و بعثه عبد المطلب يمتار لهم تمراً فمات هنالك ، فلما أبطأ عليهم خبره بعث في إثره . و قال الطبري : عن الواقدي : الصحيح أنه أقبل من الشام في حي لقريش ، فنزل بالمدينة و مرض بها و مات . أقام عبد المطلب في رياسة قريش بمكة و الكون يصغي لملك العرب و العالم يتمخض بفصال النبوة ، إلى أن وضح نور الله من أفقهم ، و سرى خبر السماء إلى بيوتهم ، و اختلفت الملائكة إلى أحيائهم ، و خرجت الخلافة في أنصبائهم ، و صارت العزة لمضر و لسائر العرب بهم ، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . و عاش عبد المطلب مائة و أربعين سنة و هو الذي احتفر زمزم .

قال السهيلي : و لما حفر عبد المطلب زمزم استخرج منه تمثالي غزالين من ذهب و أسيافاً كذلك ، كان ساسان ملك الفرس أهداها إلى الكعبة ، و قيل سابور . و دفنها الحرث بن مضاض في زمزم لما خرج بجرهم من مكة ، فاستخرجها عبد المطلب ، و ضرب الغزالين حليه للكعبة فهو أول من ذهب حلية الكعبة بها ، و ضرب من تلك الأسياف باب حديد و جعله للكعبة . و يقال : إن أول من كسى الكعبة و اتخذا لها غلقاً تبع إلى أن جهله لها عبد المطلب هذا الباب . ثم اتخذا عبد المطلب حوضاً لزمزم يسقي منه ، و حسده قومه على ذلك و كانوا يخرجون بالليل ، فلما غمه ذلك رأى في النوم قائلاً يقول : قل لا أحلها لمغتسل و هي لشارب حل و بل فإذا قلتها فقد كفيتهم . فكان بعد إذا أرادها أحد بمكروه رمى بداء في جسده ، ولما علموا بذلك تناهوا عنه . و قال السهيلي : أول من كسا البيت المسوح و الخصف و الأنطاع تبع الحميري . و يروى أنه لما كساها انتقض البيت فزال ذلك عنه ، و فعل ذلك حين كساه الخصف فلما كساه الملاء و الوصائل قبلة و سكن . و ممن ذكر هذا الخبر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل . و قال ابن إسحق : أول من كسا البيت الديباج الحجاج . و قال الزبير بن بكار بل عبد الله بن الزبير أول من كساها ذلك . و ذكر جماعة منهم الدارقطني : أن نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيراً فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة ، و كانت من بيت مملكة ، فوفت بنذرها.

هذه أخبار قريش و ملكهم بمكة ، و كانت ثقيف جيرانهم بالطائف يساجلونهم في مذاهب العروبية و ينازعونهم في الشرف ، و كانوا من أوفر قبائل هوزان ، لأن ثقيفاً هو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن ، و كانت الطائف قبلهم لعدوان الذين كان فيهم حكيم العرب عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان و كثر عددهم حتى قاربوا سبعين ألفاً ، ثم بغى بعضهم على بعض فهلكوا و قل عددهم ، و كان قسي بن منبه صهراً لعامر بن الظرب ، و كان بنوه بينهم فلما قل عدد عدوان تغلب عليهم ثقيف و أخرجهم من الطائف و ملكوه إلى أن صبحهم الإسلام به . على ما نذكره و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين و البقاء لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .



أمر النبوة و الهجرة في هذه الطبقة الثالثة و ما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية و الحرب

لما استقر أمر قريش بمكة على ما استقر ، و افترقت قبائل مضر في أدنى مدن الشام و العراق و ما دونهما من الحجاز فكانوا ظعونا و أحياء ، و كان جميعهم بمسغبة و في جهد من العيش بحرب بلادهم و حرب فارس و الروم على تلول العراق و الشام ، و أربابهما ينزلون حاميتهم بثغورها ، و يجهزون كتائبهم بتخومها ، و يولون على العرب من رجالاتهم و بيوت العصائب منهم من يسومهم القهر ، و يحملهم على الإنقياد حتى يؤتوا جباية السلطان الأعظم و إتاوة ملك العرب ، و يؤدوا ما عليهم من الدعاء من الدماء و الطوائل من يسترهن أبناءهم على السلم و كف العادية ، و من انتجاع الأرباب و ميرة الأقوات ، و العساكر من وراء ذلك توقع بمن منع الخراج و تستأصل من يروم الفساد . و كان أمر مضر راجعا في ذلك إلى ملوك كندة بني حجر آكل المرار منذ ولاه عليهم تبع حسان كما ذكرناه ، و لم يكن في العرب ملك إلا في آل المنذر بالحيرة للفرس و في آل جهينة بالشام للروم و في بني حجر هؤلاء على مضر و الحجاز . و كانت قبائل مضر مع ذلك بل و سائر العرب أهل بغي و إلحاد ، و قطع للأرحام ، و تنافس في الردى ، و إعراض عن ذكر الله ، فكانت عبادتهم الأوثان و الحجارة ، و أكلهم العقارب و الخنافس و الحيات و الجعلان ، و أشرف طعامهم أوبار الإبل إذا أمروها في الحرارة في الدم ، و أعظم عزهم وفادة على آل المنذر و آل جهينة و بني جعفر و نجعة من ملوكهم ، و إنما كان تنافسهم المؤودة و السائبة و الوصيلة و الحامي .

فلما تأذن الله بظهورهم و اشرأبت إلى الشرف هوادي أيامهم و تم أمر الله في إعلاء أمرهم و هبت ريح دولتهم و ملة الله فيهم ، تبدت تباشير الصباح من أمرهم و أونس الخير و الرشد في خلالهم و أبدل الله بالطيب الخبيث من أحوالهم و شرهم ، و استبدلوا بالذل عزا و بالمآثم متاباً و بالشر خيراً ، ثم بالضلالة هدى و بالمسغبة شبغاً و رياً و إيالةً و ملكا . و إذا أراد الله أمراً يسر أسبابه فكان لهم من العز و الظهور قبل المبعث ما كان ، و أوقع بنو شيبان و سائر بكر بن وائل و عبس بن غظفان بطيء ، و هم يومئذ ولاة العرب بالحيرة و أميرها منهم قبيصة بن إياس و معه الباهوت صاحب مسلحة كسرى ، فأوقعوا بهم الوقعة المشهورة بذي قار و التحمت عساكر الفرس ، و أخبر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه بالمدينة ليومها و قال : " اليوم انتصفت العرب من العجم و بي نصروا " . و وفد حاجب بن زرارة من بني تميم على كسرى في طلب الانتجاع و المسيرة بقومه في إباب العراق ، فطلب الأساورة منه الرهن عادتهم ، فأعطاهم قوسه و استكبر على استرهان ولده ، توقعوا منه عجزا عما سواها و انتقلت خلال الخير من العجم و رجالات فارس فصارت أغلب في العرب حتى كان الواحد منهم همه بخلافه و شرفه الشر و السفسفة على أهل دول العجم . و انظر فيما كتب به عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه إلى حرب فارس : إنك تقدم على أرض المكر و الخديعة و الخيانة و الحيرة تقدم على أقوام قد جرؤا على الشر فعملوه و تناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون اهـ . و تنافست العرب في الخلال و تنازعوا في المجد و الشرف حسبما هو مذكور في أيامهم و أخبارهم . و كان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه و على ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم ، و انظر ما وقع في حلف الفصول حيث اجتمع بنو هاشم و بنو المطلب و بنو أسد بن عبد العزى و بنو زهرة و بنو تميم ، فتعاقدوا و تعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ، و غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه و كانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، و سمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول .

و في الصحيح " عن طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم و لو دعي به في الإسلام لأجبت . "

ثم ألقى الله في قلوبهم التماس الدين و إنكار ما عليه قومهم من عبادة الأوثان ، حتى لقد اجتمع منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، و عثمان بن الحويرث بن أسد ، و زيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي بن كعب عم عمر بن الخطاب ، و عبيد الله بن جحش من بني أسد بن خزيمة ، و تلاوموا في عبادة الأحجار و الأوثان و تواصلوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنيفية دين إبراهيم نبيهم . فأما ورقة فاستحكم في النصرانية و ابتغى من أهلها الكتب حتى علم من أهل الكتاب ، و أما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه حتى جاء الإسلام فأسلم و هاجر إلى الحبشة فتنصر و هلك نصرانياً و كان يمر بالمهاجرين بأرض الحبشة فيقول : فقحنا و صأصأتم أي أبصرنا و أنتم تلتمسون البصر مثل ما يقال في الجر و إذا فتح عينيه فقح و إذا أراد و لم يقدر صأصأ ، و أما عثمان بن الحويرث فقدم على ملك الروم قيصر فتنصر و حسنت منزلته عنده ، و أما زيد بن عمرو فما هم أن يدخل في دين و لا اتبع كتاباً و اعتزل الأوثان و الذبائح و الميتة و الدم و نهى عن قتل الموؤدة و قال : أعبد رب إبراهيم و صرح بعيب آلهتهم و كان يقول : اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك لعبدتك و لكن لا أعلم ثم يسجد على راحته . و قال ابنه سعيد و ابنه عمه عمر بن الخطاب : يا رسول الله استغفر الله لزيد بن عمرو قال : نعم إنه يبعث أمة واحدة .

ثم تحدث الكهان و الحزاة قبل النبوة و أنها كائنة في العرب و أن ملكهم سيظهر و تحدث أهل الكتاب من اليهود و النصارى بما في التوراة و الإنجيل من بعث محمد و أمته و ظهرت كرامة الله بقريش و مكة في أصحاب الفيل ارهاصاً بين يدي مبعثه . ثم ذهب ملك الحبشة من اليمن على يد ابن ذي يزن من بقية التبابعة ، و وفد عليه عبد المطلب يهنيه عند استرجاعه ملك قومه من أيدي الحبشة ، فبشره ابن ذي يزن بظهور نبي من العرب و أنه من ولده في قصة معروفة . و تحين الأمر لنفسه كثير من رؤساء العرب يظنه فيه ، و نفروا إلى الرهبان و الأحبار من أهل الكتاب يسألونهم ببلدتهم علم ذلك ، مثل أمية بن أبي الصلت الشقي و ما وقع له في سفره إلى الشام مع أبي سفيان بن حرب و سؤاله الرهبان و مفاوضته أبا سفيان فيما وقف عليه من ذلك ، يظن أن الأمر له أو لأشراف قريش من بني عبد مناف حتى تبين لهما خلاف ذلك في قصة معروفة ، ثم رجمت الشياطين عن استماع خبر السماء في أمره و أصغى الكون لاستماع أنبائه .



المولد الكريم و بدء الوحيثم ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، لأربعين سنة من ملك كسرى أنوشروان و قيل لثمان و أربعين ، و لثمانمائة و اثنتين و ثمانين لذي القرنين . و كان عبد الله أبوه غائباً بالشام و انصرف فهلك بالمدينة ، و ولد سيدنا رسول
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:39 pm

الله صلى الله عليه و سلم بعد مهلكه بأشهر قلائل ، و قيل غير ذلك . و كفله جده عبد المطلب بن هاشم و كفالة الله من ورائه ، و التمس له الرضعاء و استرضع في بني سعد من بني هوازن ، ثم في بني نصر بن سعد أرضعته منهم حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحرث بن شحنة بن زراح بن ناظرة بن خصفة بن قيس ، و كان ظئره منهم الحارث بن عبد العزى و قد مر ذكرهما في بني عامر بن صعصعة ، و كان أهله يتوسمون فيه علامات الخير و الكرامات من الله ، و لما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم شق الملكين و استخراج العلقة السوداء من قبله و غسلهم حشاه و قلبه بالثلج ما كان ، و ذلك لرابعة من مولده ، و هو خلف البيوت يرعى الغنم فرجع إلى البيت منتقع اللون ، و ظهرت حليمة على شأنه فخافت أن يكون أصابه شيء من اللمم فرجعته إلى أمه . واسترابت آمنة برجعها إياه بعد حرصها على كفالته فأخبرتها الخبر ، فقالت : كلا و الله لست أخشى عليه . و ذكرت من دلائل كرامة الله له و به كثيراً .

و أزارته أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أخوال جده عبد المطلب من بني عدي بن النجار بالمدينة ، و كانوا أخوالاً لها أيضاً . و هلك عبد المطلب لثمان سنين من ولادته ، و عهد به إلى إبنه أبي طالب فأحسن ولايته و كفالته ، و كان شأنه في رضاعه و شبابه و مرباه عجباً . و تولى حفظه و كلاءته من مفارقة أحوال الجاهلية ، و عصمته من التلبس بشيء منها حتى لقد ثبت أنه : مر بعرس مع شباب قريش ، فلما دخل على القوم أصابه غشي النوم ، فما أفاق حتى طلعت الشمس و افترقوا . و وقع له ذلك أكثر من مرة . و حمل الحجارة مع عمه العباس لبنيان الكعبة و هما صبيان ، فأشار عليه العباس بحملها في إزاره ، فوضعه على عاتقه و حمل الحجارة فيه و انكشف ، فلما حملها على عاتقه سقط مغشيا عليه ، ثم عاد فسقط فاشتمل إزاره و حمل الحجارة كما كان يحملها . و كانت بركاته تظهر بقومه و أهل بيته و رضعائه في شؤونهم كلهم .

و حمله عمه أبو طالب إلى الشام و هو ابن ثلاث عشرة و قيل ابن سبع عشرة ، فمروا ببحيرا الراهب عند بصرى فعاين الغمامة تظله و الشجر تسجد له ، فدعا القوم و أخبرهم بنبوته و بكثير من شأنه و بكثير من شأنه في قصة مشهورة . ثم خرج ثانية إلى الشام تاجراً بمال خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى مع غلامها ميسرة و مروا بنسطور الراهب ، فرأى ملكين يظلانه من الشمس فأخبر ميسرة بشأنه ، فأخبر بذلك خديجة فعرضت نفسها عليه ، و جاء أبو طالب فخطبها إلى أبيها فزوجه ، و حضر الملأ من قريش ، و قام أبو طالب خطيبا فقال : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع إسمعيل و ضئضي معد و عنصر مضر و جعل لنا بيتا محجوما و حرماً آمنا و جعلنا أمناء بيته و سواس حرمه و جعلنا الحكام على الناس و أن ابن أخي محمد بن عبد الله من قد علمتم قرابته و هو لا يوزن بأحد إلا رجح به فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل و قد خطب خديجة بنت خويلد و بذل لها من الصداق ما عاجله و آجله من مالي كذا و كذا ، وهو و الله بعد هذا له نبأ عظيم و خطر جليل . و رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ ابن خمس و عشرين سنة و ذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة .

و شهد بنيان الكعبة لخمس و ثلاثين من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها و بنائها ، و لما انتهوا إلى الحجر تنازعوا أيهم يضعه و تداعوا للقتال ، و تحالف بنو عبد الدار على الموت ثم احتمعوا و تشاوروا ، و قال أبو أمية حكموا أول داخل من باب المسجد فتراضوا على ذلك . و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : هذا الأمين ، و بذلك كانوا يسمونه ، فتراضوا به و حكموه . فبسط ثوباً و وضع فيه الحجر و أعطى قريشاً أطراف الثوب ، فرفعوه حتى أدنوه من مكانه ، و وضعه عليه السلام بيده . و كانوا أربعة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، و الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، و أبو حذيفة بن المغيرة بن عمر بن مخزوم ، و قيس بن عدي السهمي . ثم استمر على أكمل الزكاء و الطهارة في أخلاقه ، و كان يعرف بالأمين ، و ظهرت كرامة الله فيه و كان إذا أبعد في الخلاء لا يمر بحجر و لا شجر إلا و يسلم عليه .



بدء الوحي

ثم بدئ بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم تحدث الناس بشأن ظهوره و نبوته ، ثم حببت إليه العبادة و الخلوة بها فكان يتزود للإنفراد حتى جاء الوحي بحراء لأربعين سنة من مولده و قيل لثلاث و أربعين . و هي حالة يغيب فيها عن جلسانه و هو كائن معهم ، فأحيانا يتمثل له الملك رجلاً فيكلمه و يعي قوله و أحيانا يلقي عليه ، و يصيبه أحوال الغيبة عن الحاضرين من الغط و العرق و تصببه كما ورد في الصحيح من أخباره ، قال : و هو أشد علي فيفصم عني و قد وعيت ما قال . و أحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول . فأصابته تلك الحالة بغار حراء و ألقى عليه : " اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " و أخبر بذلك كما وقع في الصحيح . و آمنت به خديجة و صدقته و حفظت عليه الشأن . ثم خوطب بالصلاة و أراه جبريل طهرها ، ثم صلى به و أراه سائر أفعالها . ثم كان شأن الإسراء من مكة إلى بيت المقدس من الأرض إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى و أوحى إليه ما أوحى ، ثم آمن به علي بن أبي طالب و كان في كفالته من أزمة أصابت قريشاً و كفل العباس جعفراً أخاه ، فجعفر أسن عيال أبي طالب . فأدركه الإسلام و هو في كفالته فآمن و كان يصلي معه ، في الشعاب مختفياً من أبيه حتى إذا ظهر عليهما أبو طالب دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا أستطيع فراق ديني و دين آبائي ، و لكن لا ينهض إليك شيء تكره ما بقيت ، و قال لعلي : إلزمه فإنه لا يدعو إلا لخير .

فكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، ثم أبو بكر ، و علي بن أبي طالب ، كما ذكرنا ، و زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و بلال بن حمامة مولى أبي بكر ، ثم عمر بن عنبسة السلمي ، و خالد بن سعيد بن العاص بن أمية . ثم أسلم بعد ذلك قوم من قريش اختارهم الله لصحابته من سائر قومهم و شهد لكثير منهم بالجنة . و كان أبو بكر محبباً سهلاً و كانت رجالات قريش تألفه فأسلم على يديه من بني أمية عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، و من عشيرة بني عمرو بن كعب بن سعد بن تيم طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو و من بني زهرة بن قصي سعد بن أبي وقاص و اسمه مالك بن وهب بن مناف بن زهرة و عبد الرحمن بن عوف بن عوف بن الحرث بن زهرة ، و من بني أسد بن عبد العزى الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد و هو ابن صفية عمة النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم أسلم من بني الحرث بن فهر أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث ، و من بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو سلمة عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، و من بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح و أخوه قدامة ، و من بني عدي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد الله بن قرط بن رياح بن عدي و زوجته فاطمة أخت عمر بن الخطاب بن نفيل و أبوه زيد هو الذي رفض الأوثان في الجاهلية ودان بالتوحيد و أخبر صلى الله عليه و سلم أنه يبعث يوم القيامة أمة وحده . ثم أسلم عمير أخو سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة حليف بني زهرة ، كان يرعى غنم عقبة بن أبي معيط و كان سبب إسلامه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حلب من غنمه شاة حائلاً فدرت . ثم أسلم جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب و امرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن ملك بن قحافة الخثعمي ، و السائب بن عثمان بن مظعون ، و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس و اسمه مهشم ، و عامر بن فهيرة أمه مولاة أبي بكر . و أفد بن عبد الله بن عبد مناف تميمي من حلفاء بني عدي . و عمار بن ياسر عنسي بن مذحج مولى أبي مخزوم و صهيب بن سنان من بني النمر بن قاسط حليف بني جدعان . و دخل الناس في الدين أرسالا و فشا الإسلام و هم ينتحلون به و يذهبون إلى الشعاب فيصلون .ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصدع بأمره و يدعوه إلى دينه بعد ثلاث سنين من مبدأ الوحي ، فصعد على الصفا و نادى يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش ، فقال : لو أخبرتكم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:42 pm

أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . ثم نزل قوله " و أنذر عشيرتك الأقربين " . و تردد إليه الوحي بالنذارة ، فجمع بني عبد المطلب و هم يومئذ أربعون على طعام صنعه لهم علي بن أبي طالب بأمره ، و دعاهم إلى الإسلام و رغبهم و حذرهم و سمعوا كلامه و افترقوا .

ثم إن قريشاً حين صدع و سب الآلهة و عابها نكروا ذلك منه و نابذوه و أجمعوا على عداوته ، فقام أبو طالب دونه محامياً و مانعاً ، و مشت إليه رجال قريش يدعونه إلى النصفة عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس ، و أبو البختري بن هشام بن الحرث ابن أسد بن عبد العزى ، و الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ، و الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، و أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ابن أخي الوليد ، و العاصي بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم ، و نبيه بن منبه ابنا الحجاج بن علي بن حذيفة بن سعد بن سهم ، و الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة . فكلموا أبا طالب و عادوه فردهم رداً جميلاً ، ثم عادوا إليه فسألوه النصفة فدعا النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيته بمحضرهم و عرضوا عليه قولهم فتلا عليهم القرآن و أيأسهم من نفسه و قال لأبي طالب : يا عماه لا أترك هذا الأمر حتى يظهره الله و أهلك فيه . و استعبر و ظن أبا طالب بداله في أمره ، فرق له أبو طالب و قال يا ابن أخي قل ما أحببت فوالله لا أسلمك أبداً .



هجرة الحبشة

ثم افترق أمر قريش و تعاهد بنو هاشم و بنو المطلب مع أبي طالب على القيام دون النبي صلى الله عليه و سلم و وثب كل قبيلة على من أسلم منهم يعذونهم و يفتنونهم و اشتد عليهم العذاب ، فأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى أرض الحبشة فراراً بدينهم ، و كان قريش يتعاهدونها بالتجارة فيحمدونها ، فخرج عثمان بن عفان و امرأته رقية بنت النبي صلى الله عليه و سلم و أبو حذيفة بن كتبة بن ربيعة مراغماً لأبيه و امرأته سهلة بنت سهيل بن عامر بن لؤي و الزبير بن العوام و مصعب بن عمير بن عبد شمس و أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري من بني عامر بن لؤي و سهيل بن بيضاء من بني الحرث بن فهر و عبد الله بن مسعود و عامر بن ربيعة العنزي حليف بن بني عدي و هو من عنز بن وائل ليس من عنزة و امرأته ليلى بنت أبي خيثمة . فهؤلاء الأحد عشر رجلاً كانوا أول من هاجر إلى أرض الحبشة ، و تتابع المسلمون من بعد ذلك ، و لحق بهم جعفر بن أبي طالب و غيره من المسلمين . و خرجت قريش في آثار الأولين إلى البحر فلم يدركوهم ، و قدموا إلى أرض الحبشة فكانوا بها ، و تتابع المسلمون في اللحاق بهم ، يقال إن المهاجرين إلى أرض الحبشة بلغوا ثلاثة و ثمانين رجلاً . فلما رأت قريش النبي صلى الله عليه و سلم قد امتنع بعمه و عشيرته و أنهم لا يسلمونه طفقوا يرمونه عند الناس ممن يفد على مكة بالسحر و الكهانة و الجنون و الشعر يرومون بذلك صدهم عن الدخول في دينه ، ثم انتدب جماعة منهم لمجاهرته صلى الله عليه و سلم بالعداوة و الأذاية ، منهم : عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب أحد المستهزئين ، و ابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ، و عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، و عقبة بن أبي معيط أحد المستهزئين ، و أبو سفيان من المستهزئين ، و الحكم بن أبي العاص بن أمية من المستهزئين أيضاً ، و النضر بن الحرث من بني عبد الدار ، و الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من المستهزئين و ابنه زمعة ، و أبو البختري العاص بن هشام ، و الأسود بن عبد يغوث ، و أبو جهل بن هشام و أخوه العاص و عمهما الوليد و ابن عمهما قيس بن الفاكة بن المغيرة ، و زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، و العاص بن وائل السهمي و ابنا عمه نبيه و منبه ، و أمية و أبي ابنا خلف بن جمح . و أقاموا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه و سلم و يتعرضون له بالاستهزاء و الأذاية حتى لقد كان بعضهم ينال منه بيده ، و بلغ عمه حمزة يوماً أن أبا جهل بن هشام تعرض له يوماً بمثل ذلك و كان قوي الشكيمة ، فلم يلبث أن جاء إلى المسجد و أبو جهل في نادي قريش ، حتى وقف على رأسه و ضربه و شجه ، و قال له : تشتم محمداً و أنا على دينه ؟ و ثار رجال بني مخزوم إليه فصدهم أبو جهل و قال دعوه فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً . و مضى حمزة على إسلامه ، و علمت قريش أن جانب المسلمين قد اعتز بحمزة فكفوا بعض الشر بمكانه فيهم ، ثم اجتمعوا و بعثوا عمرو بن العاص و عبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي ليسلم إليهم من هاجر إلى أرضه من المسلمين فنكر النجاشي رسالتهما و ردهما مقبوحين .

ثم أسلم عمر بن الخطاب و كان سبب إسلامه أنه بلغه أن أخته فاطمة أسلمت مع زوجها سعيد ابن عمه زيد ، و أن خباب بن الأرت عندهما يعلمهما القرآن ، فجاء إليهما منكراً و ضرب أخته فشجها ، فلما رأت الدم قالت : قد أسلمنا و تابعنا محمداً فافعل ما بدا لك ‍ ، و خرج إليه خباب من بعض زوايا البيت فذكره و وعظه و حضرته الإنابة فقال له : اقرأ علي من هذا القرآن ، فقرأ من سورة طه و أدركته الخشية فقال له : كيف تصنعون إذا أردتم الإسلام ؟ فقالوا له و أروه الطهور . ثم سأل على مكان النبي صلى الله عليه و سلم فدل عليه ، فطرقهم في مكانهم ، و خرج إليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مالك يا ابن الخطاب ؟ فقال : يا رسول الله جئت مسلماً ، ثم تشهد شهادة الحق و دعاهم إلى الصلاة عند الكعبة فخرجوا و صلوا هنالك ، و اعتز المسلمون بإسلامه . و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول في دعائه :

اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين يعنيه أو أبا جهل .

و لما رأت قريش فشو الإسلام و ظهوره أهمهم ذلك ، فاجتمعوا و تعاقدوا على بني هاشم و بني المطلب ألا يناكحوهم و لا يبايعوهم و لا يكلموهم و لا يجالسوهم ، و كتبوا بذاك صحيفة و ضعوها في الكعبة ، و انحاز بنو هاشم و بنو المطلب كلهم كافرهم و مؤمنهم فصاروا في شعب أبي طالب محصورين متجنبين ، حاشا أبي لهب فإنه كان مع قريش على قومهم ، فبقوا كذلك ثلاث سنين لا يصل إليهم شيء ممن أراد صلتهم إلا سراً و رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبل على شأنه من الدعاء إلى الله و الوحي عليه متتابع . إلى أن قام في نقض الصحيفة رجال من قريش كان أحسنهم في ذلك أثراً هشام بن عمرو بن الحرث من بني حسل بن عامر بن لؤي ، لقي زهير بن أبي أمية بن المغيرة و كانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فعيره بإسلامه أخواله إلى ما هم فيه فأجاب إلى نقض الصحيفة . ثم مضى إلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف و ذكر رحم هاشم و المطلب ثم إلى أبي البختري بن هشام و زمعة بن الأسود فأجابوا كلهم ، و قاموا في نقض الصحيفة ، و قد بلغهم عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الصحيفة أكلت الأرضة كتابتها كلها حاشا أسماء الله ، فقاموا بأجمعهم فوجدوها كما قال ، فخزوا و نقض حكمها .

ثم أجمع أبو بكر الهجرة و خرج لذلك فلقيه ابن الدغنة فرده ، ثم اتصل بالمهاجرين في أرض الحبشة خبر كاذب بأن قريشاً قد أسلموا ، فرجع إلى مكة قوم منهم عثمان بن عفان و زوجته و أبو حذيفة و امرأته و عبد الله بن عتبة بن غزوان و الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف و مصعب بن عمير و أخوه و المقداد بن عمرو و عبد الله بن مسعود و أبو سلمة بن عبد الأسد و امرأته أم المؤمنين و سلمة بن هشام بن المغيرة و عمار بن ياسر و بنو مظعون عبد الله و قدامة و عثمان و ابنه السائب و خنيس بن حذافة و هشام بن العاص و عامر بن ربيعة و امرأته و عبد الله بن مخرمة من بني عامر بن لؤي و عبد الله بن سهل بن السكران بن عمرو و سعد بن خولة و أبو عبيدة بن الجراح و سهيل بن بيضاء و عمرو بن أبي سرح ، فوجدوا المسلمين بمكة على ما كانوا عليه مع قريش من الصبر على اذاهم ، و دخلوا إلى مكة بعضهم مختفياً و بعضهم بالجوار ، فأقاموا إلى أن كانت الهجرة إلى المدينة بعد أن مات بعضهم بمكة .ثم هلك أبو طالب و خديجة و ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فعظمت المصيبة ، و أقدم عليه سفهاء قريش بالأذاية و الاستهزاء و إلقاء القاذورة في مصلاه . فخرج إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام و النصرة و المعونة و جلس إلى عبد يا ليل بن عمر بن عمير و أخويه مسعود و حبيب و هم يومئذ سادات ثقيف و أشرافهم ، و كلمهم فأساءوا الرد ، و يئس منهم فأوصاهم بالكتمان فلم يقبلوا و أغروا به سفهائهم فاتبعوه حتى ألجأوه إلى حائط عتبة و شيبة ابني ربيعة ، فأوى إلى ظله حتى اطمأن ثم رفع طرفه إلى السماء يدعو : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:45 pm

و قلة حيلتي و هواني على الناس أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين أنت ربي إلى من تكلني إلى بغيض يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي و لكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه بأمر الدنيا و الآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة إلا بك " .

و لما انصرف من الطائف إلى مكة بات بنخلة ، و قام يصلي من جوف الليل ، فمر به نفر من الجن و سمعوا القرآن . ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة في جوار المطعم بن عدي بعد أن عرض ذلك على غيره من رؤساء قريش فاعتذروا بما قبله منهم . ثم قدم عليه الطفل بن عمرو الدوسي فأسلم و دعا قومه فأسلم بعضهم و دعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل الله له علامة للهداية فجعل في وجهه نوراً ثم دعا له فنقله دعا له فنقله إلى سوطه و كان يعرف بذي النور .

و قال ابن حزم : ثم كان الإسراء إلى بيت المقدس ثم إلى السموات ، و لقي من لقي من الأنبياء ، و رأى جنة المأوى و سدرة المنتهى في السماء السادسة ، و فرضت الصلاة في تلك الليلة . و عند الطبري الإسراء و فرض الصلاة كان أول الوحي .

ثم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على وفود العرب في الموسم يأتيهم في منازلهم ليعرض عليهم السلام و يدعوهم إلى نصره و يتلو عليهم القرآن ، و قريش مع ذلك يتعرضونهم بالمقابح إن قبلوا منه و أكثرهم في ذلك أبو لهب . و كان من الذين عرض عليهم في الموسم بنو عامر بن صعصعة من مضر و بنو شيبان و بنو حنيفة من ربيعة و كندة من قحطان و كلب من قضاعة و غيرهم من قبائل العرب ، فكان منهم من يحسن الاستماع و العذر ، و منهم من يعرض و يصرح بالأذاية ، و منهم من يشترط الملك الذي ليس هو من سبيله فيرد صلى الله عليه و سلم الأمر إلى الله . و لم يكن فيهم أقبح رداً من بني حنيفة . و قد ذخر الله الخير في ذلك كله للأنصار ، فقدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف بن الأوس ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فلم يبعد و لم يجب ، و انصرف إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم و ذلك قبل بعاث . ثم قدم بمكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام ، فقال إياس بن معاذ منهم و كان شاباً حدثاً : هذا و الله خير مما جئنا له ، فانتهره أبو الحيسر فسكت . ثم انصرفوا إلى بلادهم و لم يتم لهم الحلف و مات إياس فيقال : إنه مات مسلماً .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الخزرج و هم : أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعبلة بن غنم بن مالك ابن النجار ، و عوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم و هو ابن عفراء ، و رافع بن مالك بن العجلان بن عمر و ابن عامر بن زيد بن مالك بن غضبة بن جشم بن الخزرج ، و طبقة بن عامر بن حيدرة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد ابن مراد بن يزيد بن جشم ، و عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة ، و جابر بن عبد الله بن رئاب بن نعمان بن سلمة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام ، و كان من صنع الله لهم أن اليهود جيرانهم كانوا يقولون إن نبياً يبعث و قد أظل زمانه ، فقال بعضهم لبعض هذا و الله النبي الذي تحدثكم به اليهود فلا يسبقونا إليه . فآمنوا و أسلموا و قالوا إنا قد قدمنا فيهم حروباً فتنصرف و ندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فعسى الله أن يجمع كلمتهم بك فلا يكون أحد أعز منك ، فانصرفوا إلى المدينة و دعوا إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، و لم تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها ذكر النبي صلى الله عليه و سلم . حتى إذا كان العام القابل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً منهم خمسة من الستة الذي ذكرناهم ، ما عدا جابر بن عبد الله فإنه لم يحضرها ، و سبعة من غيرهم و هم : معاذ بن الحرث أخو عوف بن الحرث المذكور و قيل إنه ابن عفراء ، و ذكوان بن عبد قيس بن خالدة ، و خالد بن مخلد بن عامر بن رزيق ، و عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهد بن ثعلبة بن صرمة بن أصرم بن عمرو بن عبادة بن عصيبة من بني حبيب ، و العباس ابن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو ابن عوف هؤلاء عشرة من الخزرج . و من الأوس : أبو الهيثم مالك بن التيهان و هو من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن عمر ابن مالك بن أوس ، و عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بن حارثة . فبايع هؤلاء رسول الله صلى الله عليه و سلم عند العقبة على بيعة النساء ، و ذلك قبل أن يفرض الحرب ، على الطاعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و على أن لا يشركوا بالله شيئاً و لا يسرقوا و لا يزنوا و لا يقتلوا أولادهم و لا يفتروا الكذب . فلما حان انصرافهم بعث صلى الله عليه و سلم ابن أم مكتوم و مصعب بن عمير يدعوهم إلى الإسلام و يعلم من أسلم منهم القرآن و الشرائع ، فنزل المدينة على أسعد بن زرارة ، و كان مصعب يؤمهم و أسلم على يديه خلق كثير من الأنصار . و كان سعد بن معاذ و أسعد بن زرارة ابنا الخالة ، فجاء سعد بن معاذ و أسيد بن الحضير إلى أسعد بن زرارة و كان جاراً لبني عبد الأشهل ، فأنكروا عليه فهداهما الله إلى الإسلام ، و أسلم بإسلامهما جميع بني عبد الأشهل في يوم واحد الرجال و النساء . و لم تبق دار من دور الأنصار إلا و فيها المسلمون رجال و نساء حاشا بني أمية بن زيد و خطمة و وائل و واقف ، بطون من الأوس و كانوا في عوالي المدينة ، فأسلم منهم قوم سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلت الشاعر فوقف بهم عن الإسلام حتى كان الخندق فأسلموا كلهم .



العقبة الثانية

ثم رجع مصعب المذكور ابن عمير إلى مكة و خرج معه إلى الموسم جماعة ممن أسلم من الأنصار للقاء النبي صلى الله عليه و سلم في جماعة قوم منهم لم يسلموا بعد ، فوافوا مكة و واعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، و وافوا ليلة ميعادهم إلى العقبة متسللين عن رحالهم سراً ممن حضر من كفار قومهم ، و حضر معهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر و أسلم تلك الليلة ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم و أبناءهم و أزرهم و أن يرحل إليهم هو و أصحابه . و حضر العباس بن عبد المطلب ، و كان على دين قومه بعد ، و إنما توثق للنبي صلى الله عليه و سلم و كان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في الإخلاص و التوثق لرسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أول من بايع . و كان عدة الذين بايعوا تلك الليلة ثلاثاً و سبعين رجلاً و امرأتين ، و اختار منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم ، تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس ، و قال لهم : أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم و أنا كفيل على قومي .فمن الخزرج من أهل العقبة الأولى : أسعد بن زرارة ، و رافع بن مالك ، و عبادة بن الصامت . و من غيرهم سعد بن الربيع بن عمر بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس ، و مالك بن مالك ، و ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، و عبد الله بن رواحة بن امرئ القيس ، و البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ، و عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، و سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن لودان بن عبد ود بن يزيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة . و ثلاثة من الأوس و هم : أسيد بن حضر بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ، و سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن الأوس ، و رفاعة بن عبد المنذر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس . و قد قدم أبو الهيثم بن التيهان مكان رفاعة هذا و الله أعلم . و لما تمت هذه البيعة أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرجوع إلى رحالهم فرجعوا ، و نمي الخبر إلى قريش فغدت الجلة منهم على الأنصار في رحالهم فعاتبوهم ، فأنكروا ذلك و حلفوا لهم ، و قال لهم عبد الله بن أبي سلول ما كان قومي ليتفقوا على مثل هذا و أنا لا أعلمه ، فانصرفوا عنه و تفرق الناس من منى ، و علمت قريش صحة الخبر فخرجوا في طلبهم ، فأدركوا سعد بن عبادة فجاءوا به إلى مكة يضربونه و يجرونه بشعره
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:48 pm

حتى نادى بجبير بن مطعم و الحرث بن أمية و كان يجيرهما ببلده فخلصاه مما كان فيه . و قد كانت قريش قبل ذلك سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على جبل أبي قبيس :

فأن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف مخالف

فقال أبو سفيان السعدان سعد بكر و سعد هذيم فلما كان في الليلة القابلة سمعوه يقول :

أيا سعد : سعد الأوس كن أنت ناصراً و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا على الله في الفردوس منية عارف

فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات فارف

فقال هما و الله سعد بن عبادة و سعد بن معاذ .

و لما فشا الإسلام بالمدينة و طفق أهلها يأتون رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ، تعاقدت على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم فأصابهم من ذلك جهد شديد . ثم نزل قوله تعالى : " و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله " . فلما تمت بيعة الأنصار على ما وصفناه أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه ممن هو بمكة بالهجرة إلى المدينة ، فخرجوا أرسالاً و أول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد و نزل في قبا ، ثم هاجر عامر بن ربيعة حليف بني عدي بامرأته ليلى بنت أبي خيثمة بن غانم ، ثم هاجر جميع بني جحش من بني أسد بن خزيمة و نزلوا بقبا على عكاشة بن محصن و جماعة من بني أسد حلفاء بني أمية كانت فيهم زينب بنت جحش أم المؤمنين و أختاها حمنة و أم حبيبة ، ثم هاجر عمر بن الخطاب و عياش بن أبي ربيعة في عشرين راكباً فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد و كان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة . و جاء أبو جهل بن هشام فخادع عياش بن أبي ربيعة و رده إلى مكة فحبسوه حتى تخلص بعد حين و رجع . و هاجر مع عمر أخوه و سعيد ابن عمه زيد و صهره على ابنته حفصة أم المؤمنين خنيس بن حذافة السهمي و جماعة من حلفاء بني عدي ، نزلوا بقبا على رفاعة بن عبد المنذر من بني عوف بن عمرو .

ثم هاجر طلحة بن عبيد الله فنزل هو و صهيب بن سنان على حبيب بن أساف في بني الحرث بن الخزرج بالسلم ، و قيل بل نزل طلحة على أسعد بن زرارة . ثم هاجر حمزة بن عبد المطلب و معه زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و حليفه أبو مرثد كناز بن حصن الغنوي فنزلوا في بني عمر و بن عوف بقبا على كلثوم بن الهدم ، و نزل جماعة من بني المطلب بن عبد مناف فيهم مسطح بن أثاثة و معه خباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان في بني المسجلان بقبا ، و نزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع في بني الحرث بن الخزرج ، و نزل الزبير بن العوام و أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى على المنذر بن محمد بن عتبة بن أحيحة الجلاح في دار بني جحجبا ، و نزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ في بني عباد بن الأشهل ، و نزل أبو حذيفة بن عتبة و مولاه سالم و عتبة ابن غزواني المازني على عباد بن بشر من بني عبد الأشهل ، و لم يكن سالم عتيق أبي حذيفة و إنما أعتقته امرأة من الأوس كانت زوجاً لأبي حذيفة اسمها بثينة بنت معاذ فتبناه و نسب إليه . و نزل عثمان بن عفان في بني النجار على أوس أخي حسان بن ثابت . و لم يبق أحد من المسلمين بمكة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أبو بكر و علي بن أبي طالب فإنهما أقاما بأمره و كان صلى الله عليه و سلم ينتظر أن يؤذن له في الهجرة .



الهجرة

و لما علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صار له شيعة و أنصار من غيرهم و أنه مجمع على اللحاق بهم و أن أصحابه من المهاجرين سبقوه إليهم تشاوروا ما يصنعون في أمره ، و اجتمعت لذلك مشيختهم في دار الندوة : عتبة و شيبة و أبو سفيان من بني أمية و طعيمة بن عدي و جبير بن مطعم و الحارث بن عامر من بني نوفل و النضر بن الحارث من بني عبد الدار و أبو جهل من بني مخزوم و نبيه و منبه ابنا الحجاج من بني سهم و أمية بن خلف من بني جمح ، و معهم من لا يعد من قريش . فتشاوروا في حبسه أو إخراجه عنهم ، ثم اتفقوا على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتى شاباً جلداً فيقتلونه جميعاً فيتفرق دمه في القبائل و لا يقدر بنو عبد مناف على حرب جميعهم . و استعدوا لذلك من ليلتهم و جاء الوحي بذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما رأى أرصدهم على باب منزله أمر علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه و يتوشح ببرده ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عليهم فطمس الله تعالى على أبصارهم و وضع على رؤوسهم تراباً و أقاموا طول ليلتهم ، فلما أصبحوا خرج إليهم علي فعلموا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد نجا ، و تواعد رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر الصديق ، و استأجر عبد الله بن أريقط الدولي من بني بكر بن عبد مناف ليدل بهما إلى المدينة و ينكب عن الطريق العظمى ، و كان كافراً و حليفاً للعاص بن وائل ، لكنهما وثقاً بأمره و كان دليلا بالطرق .

و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من خوخة في ظهر دار أبي بكر ليلاً ، و أتيا الغار الذي في جبل ثور بأسفل مكة فدخلا فيه ، و كان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار ، و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و راعي غنمه يريح غنمه عليهما ليلاً ليأخذ حاجتهما من لبنها ، و أسماء بنت ‏أبي بكر تأتيهما بالطعام . و تقفى عامراً بالغنم أثر عبد الله ، و لما فقدته قريش اتبعوه و معهم القائف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار و قال هنا انقطع الأثر ! و إذا بنسج العنكبوت على فم الغار فاطمأنوا إلى ذلك و رجعوا ، و جعلوا مائة ناقة لمن ردهما عليهم .

ثم أتاهما عبد الله بن أريقط بعد ثلاث براحلتهما فركبا ، و أردف أبو بكر عامر بن فهيرة ، و أتتهما أسماء بسفرة لهما و شقت نطاقها و ربطت السفرة فسميت ذات النطاقين . و حمل أبو بكر جميع ماله نحو ستة آلاف درهم ، و مروا بسراقة بن مالك بن جعشم فاتبعهم ليردهم ، و لما رأوه دعا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فساخت قوائم فرسه في الأرض ، فنادى في الأمان و أن يقفوا له . و طلب من النبي أن يكتب له كتاباً فكتبه أبو بكر بأمره ، و سلك الدليل من أسفل مكة على الساحل أسفل من عسفان و أمج و أجاز قديداً إلى العرج ثم إلى قبا من عوالي المدينة . و وردوها قريباً من الزوال يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول ، و خرج الأنصار يتلقونه و قد كانوا ينتظرونه حتى إذا قلصت الظلال رجعوا إلى بيوتهم . فتلقوه مع ‏أبي بكر في ظل نخلة ، و نزل عليه السلام بقبا على سعد بن خيثمة ، و قيل على كلثوم بن الهدم ، و نزل أبو بكر بالسخ في بني الحرث بن خزرج على خبيب بن أسد ، و قيل على خارجة بن زيد . و لحق بهم علي رضي الله عنه من مكة بعد أن رد الودائع للناس التي كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فنزل معه بقبا .

و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم هنالك أياماً ثم نهض لما أمر الله و أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد هنالك و رغب إليه رجال بني سالم أن يقيم عندهم ، و تبادروا إلى خطام ناقته اغتناماً لبركته . فقال عليه السلام : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، ثم مشى و الأنصار حواليه إلى أن مر بدار بني بياضة ، فتبادر إليه رجالهم يبتدرون خطام الناقة ، و فقال : دعوها فإنها مأمورة . ثم مر بدار بني ساعدة فتلقاه رجال و فيهم سعد بن عبادة و المنذر بن عمر و ودعوه كذلك و قال لهم مثل ما قال للآخرين . ثم إلى دار بني حارثة بن الخزرج فتلقاه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة . ثم مر ببني عدي بن النجار أخوال عبد المطلب ففعلوا و قال لهم مثل ذلك ، إلى أن أتى دار بني مالك بن النجار فبركت ناقته على باب مسجده اليوم و هو يومئذ لغلامين منهم في حجر معاذ بن عفراء اسمهما سهل و سهيل و فيه خرب و نخل و قبور للمشركين و مربد ، ثم بركت الناقة و بقي على ظهرها و لم ينزل فقامت و مشت غير بعيد و لم يثنها ، ثم التفتت خلفها و رجعت إلى مكانها الأول فبركت و استقرت و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عنها . و حمل أبو أيوب رحله إلى داره فنزل عليه و سأل عن المربد و أراد أن يتخذه مسجداً ، فاشتراه من بني النجار بعد أن وهبوه إياه فأبى من قبوله ، ثم أمر بالقبور فنبشت و بالنخل فقطعت ، و بنى المسجد باللبن و جعل عضادتيه الحجارة و سواريه جذوع النخل و سقفه الجريد ، و عمل فيه المسلمون حسبة لله عز و جل . ثم وداع اليهود و كتب بينه و بينهم كتاب صلح و موادعة شرط فيه لهم و عليهم .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:51 pm

ثم مات أسعد بن زرارة و كان نقيباً لبني النجار فطلبوا إقامة نقيب مكانه ، فقال أنا نقيبكم ، و لم يخص بها منهم آخر دون آخر فكانت من مناقبهم . ثم لما رجع عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكانه فخرج و معه عائشة أخته و أمها أم رومان و معهم طلحة بن عبيد الله فقدموا المدينة و تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم عائشة بنت أبي بكر و بنى بها في منزل أبي بكر بالسنح . و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا رافع إلى بناته و زوجته سودة بنت زمعة فحملاهن إليه من مكة ، و بلغ الخبر بموت أبي أحيحة و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل من مشيخة قريش . ثم آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار ، فآخى بين جعفر بن أبي طالب و هو بالحبشة و معاذ بن جبل ، و بين أبي بكر الصديق و خارجة بن زيد ، و بين عمر بن الخطاب و عثمان بن مالك من بني سالم ، و بين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ ، و بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع ، و بين الزبير بن العوام و سلمة بن سلامة بن وقش ، و بين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك ، و بين عثمان بن عفان و أوس بن ثابت أخي حسان ، و بين سعيد بن زيد و أبي بن كعب ، و بين مصعب بن عمير و أبي أيوب ، و بين أبي حذيفة بن عتبة و عباد بن بشر بن وقش من بني عبد الأشهل ، و بين عمار بن ياسر و حذيفة بن اليمان العنسي حليف بني عبد الأشهل و قيل بل ثابت بن قيس بن شماس ، و بين أبي ذر الغفاري و المنذر بن عمرو من بني ساعدة ، و بين حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى ، و عويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف ، و بين سلمان الفارسي و أبي الدرداء ، و عمير بن بلتعة من بني الحرث بن الخزرج و بين بلال بن حمامة و أبي رويحة الخثعمي .

ثم فرضت الزكاة و يقال و زيد في صلاة الحاضر ركعتين فصارت أربعاً بعد أن كانت ركعتين سفراً و حضراً . ثم أسلم عبد الله بن سلام و كفر جمهور اليهود ، و ظهر قوم من الأوس و الخزرج منافقون يظهرون الإسلام مراعاة لقومهم من الأنصار و يصرون الكفر ، و كان رؤوسهم من الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول و الجد بن قيس ، و من الأوس الحرث بن سهيل بن الصامت و عباد بن حنيف و مربع بن قيظي و أخوه أوس من أهل مسجد الضرار . و كان قوم من اليهود أيضاً تعوذوا بالإسلام و هم يبطنون الكفر منهم : سعد بن حنيس و زيد بن اللصيت و رافع بن خزيمة و رفاعة بن زيد ابن التابوت و كنانة بن خبورا .



الغزوات

الأبواء : و لما كان شهر صفر بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة خرج في مائتين من أصحابه يريد قريشاً و بني ضمرة ، و استعمل على المدينة سعد بن عبادة ، فبلغ ودان و الأبواء ولم يلقهم . و اعترضه مخشى بن عمر و سيد بني ضمرة بن عبد منات بن كنانة و سأله موادعة قومه فعقد له ، و رجع إلى المدينة ولم يلق حرباً . و هي أول غزاة غزاها بنفسه ، و يسمى بالأبواء و بودان المكانان اللذان انتهى إليهما ، و هما متقاربان بنحو ستة أميال ، و كان صاحب اللواء فيها حمزة بن عبد المطلب .

بواط : ثم بلغه أن عير قريش نحو ألفين و خمسمائة فيها أمية بن خلف ، و مائة رجل من قريش ذاهبة إلى مكة ، فخرج في ربيع الآخر لاعتراضها و استعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون . و قال الطبري : سعد بن معاذ فانتهى إلى بواط و لم يلقهم و رجع إلى المدينة .

غزوة العشيرة : ثم خرج في جمادى الأولى غازياً قريشاً ، و استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد فسلك عن جانب من الطريق إلى أن لقي الطريق بصخيرات اليمام إلى العشيرة من بطن ينبع ، فأقام هنالك بقية جمادى الأولى و ليلة من جمادى الثانية و وادع بني مدلج ، ثم رجع إلى المدينة و لم يلق حرباً .

بدر الأولى و أقام بعد العشيرة نحو عشر ليال ثم أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج في طلبه حتى بلغ ناحية بدر ، و فاته كرز فرجع إلى المدينة .

البعوث : و في هذه الغزوات كلها غزا بنفسه و بعث فيما بينها بعوثاً نذكرها فمنها : بعث حمزة بعد الأبواء ، بعثه في ثلاثين راكباً من المهاجرين إلى سيف البحر فلقي أبا جهل في ثلثمائة راكب من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني و لم يكن قتال . و منها بعث عبيدة بن الحرث بن المطلب في ستين راكباً و ثمانين من المهاجرين فبلغ ثنية المرار و لقي بها جميعاً عظيماً من قريش كان عليهم عكرمة بن أبي جهل و قيل مكرز بن حفص بن الأحنف و لم يكن بينهم قتال . و كان مع الكفار يومئذ من المسلمين المقداد بن عمرو و عتبة بن غزوان ، خرجا مع الكفار ليجد السبيل إلى اللحاق بالنبي صلى الله عليه و سلم فهربا إلى المسلمين و جاءا معهم . و كان بعث حمزة و عبيدة متقاربين ، و اختلف أيهما كان قبل إلا أنهما أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و قال الطبري إن بعث حمزة كان قبل ودان في شوال لسبعة أشهر من الهجرة . و منها بعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين يطلب كرز بن جابر حين أغار على سرح المدينة فبلغ المرار و رجع .و منها بعث عبد الله بن جحش إثر مرجعه من بدر الأولى في شهر رجب بعثه بثمانية من المهاجرين و هم أبو حذيفة بن عتبة و عكاشة بن محصن بن أسد بن خزيمة و عتبة بن غزوان بن مازن بن منصور و سعد بن أبي وقاص و عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي و واقد بن عبد الله بن زيد مناة بن تميم و خالد بن البكير بن سعد بن ليث و سهيل بن بيضا بن فهر بن مالك ، و كتب له كتاباً و أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين و لا يكره أحداً من أصحابه ، فلما قرأ الكتاب بعد يومين وجد فيه أن تمضي حتى تنزل نخلة بين مكة و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:54 pm

الطائف و ترصد بها قريشاً و تعلم لنا من أخبارهم ، فأخبر أصحابه و قال : حتى تنزل النخلة بين مكة و الطائف و من أحب الشهادة فلينهض و لا أستكره أحداً . فمضوا كلهم و ضل لسعد بن أبي وقاص و عتبة بن غزوان في بعض الطريق بعير لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه و نفر الباقون إلى نخلة ، فمرت بهم عير لقريش تحمل تجارة فيها عمرو بن الحضرمي و عثمان بن عبد الله بن المغيرة و أخوه نوفل و الحكم بن كيسان مولاهم و ذلك آخر يوم من رجب ، فتشاور المسلمون و تحرج بعضهم الشهر الحرام ثم اتفقوا و اغتنموا الفرصة فيهم ، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله و أسروا عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان و أفلت نوفل ، و قدموا بالعير و الأسيرين و قد أخرجوا الخمس فعزلوه . فأنكر النبي صلى الله عليه و سلم فعلهم ذلك في الشهر الحرام ، فسقط في أيديهم ثم أنزل الله تعالى " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " الآية إلى قوله " حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " . فسرى عنهم و قبض النبي صلى الله عليه و سلم الخمس و قسم الغنيمة و قبل الفداء في الأسيرين ، و أسلم الحكم بن كيسان منهما ، و رجع سعد و عتبة سالمين إلى المدينة . و هذه أول غنيمة غنمت في الإسلام و أول غنيمة خمست في الإسلام و قتل عمرو بن الحضرمي هو الذي هيج وقعة بدر الثانية .

صرف القبلة : ثم صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة ، خطب بذلك على المنبر و سمعه بعض الأنصار فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة ، قاله ابن حزم . و قيل على رأس ثمانية عشر شهراً ، و قيل ستة عشر ، و لم يقل غير ذلك .

غزوة بدر الثانية : فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة إلى رمضان من السنة الثانية ، ثم بلغه أن عيراً لقريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلاً من قريش عميدهم أبو سفيان و معه عمرو بن العاصي و مخرمة بن نوفل ، فندب عليه السلام المسلمين إلى هذه العير و أمر من كان ظهره حاضراً بالخروج ، و لم يحتفل في الحشد لأنه لم يظن قتالاً ، و اتصل خروجه بأبي سفيان ، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري و بعثه إلى أهل مكة يستنفرهم لعيرهم فنفروا و أرعبوا إلا يسيراً منهم أبو لهب . و خرج صلى الله عليه و سلم لثمان خلون من رمضان و استخلف على الصلاة عمرو بن أم مكتوم و رد أبا لبابة من الروحاء و استعمله على المدينة ، و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، و دفع إلى علي راية ، و إلى رجل من الأنصار أخرى يقال كانتا سوداوين . و كان مع أصحابه صلى الله عليه و سلم يومئذ سبعون بعيراً يعتقبونها فقط . و جعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة من بني النجار ، و راية الأنصار يومئذ مع سعد بن معاذ فسلكوا نقب المدينة إلى ذي الحليفة ثم انتهوا إلى صخيرات يمام ثم إلى بئر الروحاء ، ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء .

و بعث عليه السلام قبلها بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة و عدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسون أخبار أبي سفيان و غيره . ثم تنكب عن الصفراء يميناً و خرج على وادي دقران ، فبلغه خروج قريش و نفيرهم ، فاستشار أصحابه ، فتكلم المهاجرون و أحسنوا ، و هو يريد ما يقوله الأنصار و فهموا ذلك . فتكلم سعد بن معاذ و كان فيما قاله : لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله فسر بذلك ، و قال : " سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين " .

ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر و بعث علياً و الزبير و سعداً في نفر يلتمسون الخبر فأصابوا غلامين لقريش ، فأتوا بهما و هو عليه السلام قائم يصلي ، و قالوا : نحن سقاة قريش فكذبوهما كراهية في الخبر و رجاء أن يكونا من العير للغنيمة و قلة المؤنة ، فجعلوا يضربونهما فيقولان نحن من العير . فسلم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنكر عليهم ، و قال للغلامين : أخبراني أين قريش . فأخبراه أنهم وراء الكثيب و أنهم ينحرون يوماً عشراً من الأبل و يوماً تسعاً . فقال عليه السلام : القوم بين التسعمائة و الألف . و قد كان بسبس و عدي الجهنيان مضيا يتجسسان و لا خبر حتى نزلا و أناخا قرب الماء و استقيا في شن لهما و مجدي بن عمرو من جهينة بقربهما ، فسمع عدي جارية من جواري الحي تقول لصاحبتهما العير تأتي غداً أو بعد غد و أعمل لهم و أقضيك الذي لك و جاءت إلى مجدي بن عمرو فصدقها ، فرجع بسبس و عدي بالخبر . و جاء أبو سفيان بعدهما يتجسس الخبر فقال لمجدي هل أحسست أحداً فقال راكبين أناخا يميلان لهذا التل فاستقيا الماء ، و نهضا فأتى أبو سفيان مناخهما وفتت من أبعار رواحلهما ، فقال هذه و الله علائف يثرب فرجع سريعاً و قد حذر و تنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا و أوصى إلى قريش بأنا قد نجونا بالعير فارجعوا . فقال أبو جهل : و الله لا نرجع حتى نرد ماء بدر و نقيم به ثلاثاً و تهابنا العرب أبداً ، و رجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة و كان حليفهم و مطاعاً فيهم ، و قال : إنما خرجتم تمنعون أموالكم و قد نجت فارجعوا . و كان بنو عدي لم ينفروا مع القوم ، فلم يشهد بدراً من قريش عدوي و لا زهري .

و سبق رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً إلى ماء بدر و ثبطهم عنه مطر نزل و بله مما يليهم و أصاب مما يلي المسلمين دهس الوادي ، و أعانهم على السير ، فنزل عليه السلام على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة ، فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح : آلله أنزلك بهذا المنزل فلا نتحول عنه أم قصدت الحرب و المكيدة ؟ فقال عليه السلام : " لا بل هو الرأي و الحرب " . فقال يا رسول الله ليس هذا بمنزل ، و إنما نأتي أدنى ماء من القوم فننزله و نبني عليه حوضاً فنملؤه و نغور القلوب كلها فنكون قد منعناهم الماء . فاستحسنه رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم بنوا له عريشاً يكون فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يأتيه من ربه النصر ، و مشى يريهم مصارع القوم واحداً واحداً ، و لما نزل قريش مما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحي يحزر له أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانوا ثلثمائة و بضعة عشر رجلاً فيهم فارسان الزبير و المقداد ، فحزرهم و انصرف و خبرهم الخبر ، و رام حكيم بن حزام و عتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش و لا يكون الحرب ، فأبى أبو جهل و ساعده المشركون ، و توافقت الفئتان .

و عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف بيده و رجع إلى العريش و معه أبو بكر وحده ، و طفق يدعو و يلح و أبو بكر يقاوله و يقول في دعائه اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني ، و سعد بن معاذ و قوم معه من الأنصار على باب العريش يحمونه و أخفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله . ثم خرج يحرض الناس ، و رمى في وجوه القوم بحفنة من حصى و هو يقول : شاهت الوجوه . ثم تزاحفوا فخرج عتبة و أخوه شيبة و ابنه الوليد يطلبون البراز فخرج إليهم عبيدة بن الحرث و حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب فقتل حمزة و علي شيبة و الوليد و ضرب عتبة عبيدة فقطع رجله فمات و جاء حمزة و علي إلى عتبة فقتلاه . و قد كان برز إليهم عوف و معوذ ابنا عفراء و عبد الله بن رواحة من الأنصار فأبوا إلا قومهم ، و جال القوم جولة فهزم المشركين و قتل منهم يومئذ سبعون رجلاً فمن مشاهيرهم : عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة و حنظلة بن أبي سفيان بن حرب و ابنا سعيد بن العاص عبيدة و العاص ، و الحرث بن عامر بن نوفل و ابن عمه طعيمة بن عدي و زمعة بن الأسود و ابنه الحرث و أخوه عقيل بن الأسود و ابن عمه أبو البختري بن هشام و نوفل بن خويلد بن أسد و أبو جهل بن هشام ، اشترك فيه معاذ و معوذ ابنا عفراء و وجده عبد الله بن مسعود و به رمق فحز رأسه ، و أخوه العاص بن هشام و ابن عمهما مسعود بن أمية و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة و ابن عمه أبو قيس بن الفاكه ، و نبيه و منبه ابنا الحجاج ، و العاصي بن منبه و أمية بن خلف و ابنه علي و عمير بن عثمان عم طلحة .و أسر العباس بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحرث بن عبد المطلب و السائب بن عبد يزيد من بني المطلب و عمرو بن أبي سفيان بن حرب و أبو العاص بن الربيع و خالد بن أسيد بن أبي العيص و عدي بن الخيار من بني نوفل و عثمان بن عبد شمس ابن عم عتبة بن غزوان و أبو عزيز أخو مصعب بن عمير و خالد بن هشام ابن المغيرة و ابن عمه رفاعة بن أبي رفاعة و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و الوليد بن الوليد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 8:56 pm

أخو خالد و عبد الله و عمرو ابنا أبي بن خلف و سهيل بن عمرو في آخرين مذكورين في كتب السير .

و استشهد من المسلمين ، من المهاجرين : عبيدة بن الحارث بن المطلب و عمير بن أبي وقاص و ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة و صفوان بن بيضاء من بني الحرث بن فهرو مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابه سهم فقتله ، و عاقل بن البكير الليثي حليف بني عدي من الأنصار . ثم من الأوس : سعد بن خيثمة و مبشر بن عبد المنذر . و من الخزرج : يزيد بن الحارث بن الخزرج و عمير بن الحمام من بني سلمة سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يحض على الجهاد و يرغب في الجنة و في يده تمرات يأكلهم فقال : بخ بخ أما بيني و بين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم رمى بهن و قاتل حتى قتل ، و رافع بن المعلى من بني حبيب بن عبد حارثة و حارثة بن سراقة من بني النجار و عوف و معوذ ابنا عفراء .

ثم انجلت الحرب و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب و طم عليهم التراب ، و جعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن مبدول بن عمر بن غنم بن مازن بن النجار ، ثم انصرف إلى المدينة فلما نزل الصفراء قسم الغنائم كما أمر الله ، و ضرب عنق النضر بن الحرث بن كلدة من بني عبد الدار ، ثم نزل عرق الظبية فضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية و كان في الأسارى و مر إلى المدينة فدخلها لثمان بقين من رمضان .

غزوة الكدر : و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد رجوعه إلى المدينة اجتماع غطفان فخرج يريد بني سليم بعد سبع ليال من منصرفه ، و استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم ، فبلغ ماء يقال له الكدر و أقام عليه ثلاثة أيام ثم انصرف و لم يلق حرباً ، و قيل إنه أصاب من نعمهم و رجع بالغنيمة ، و إنه بعث غالب بن عبد الله الليثي في سرية فنالوا منهم و انصرفوا بالغنيمة . و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ذي الحجة ، و فدى رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر أسارى بدر .

غزوة السويق : ثم إن أبا سفيان لما انصرف من بدر نذر أن يغزو المدينة فخرج في مائتي راكب حتى أتى بني النضير ليلاً ، فتوارى عنه جي بن أخطب و لقيه سلام بن مشكم و قراه و أعلمه بخبر الناس ، ثم رجع و مر بأطراف المدينة فحرق نخلا و قتل رجلين في حرث لهما ، فنفر رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون ، و استعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، و بلغ الكدر وفاته أبو سفيان و المشركون و قد طرحوا السويق من أزوادهم ليتخففوا ، فأخذها المسلمون فسميت لذلك غزوة السويق . و كانت في ذي الحجة بعد بدر بشهرين .

ذي أمر : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر المحرم غازياً غطفان و استعمل على المدينة عثمان بن عفان فأقام بنجد صفر و انصرف ولم يلق حرباً .

نجران : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر ربيع الأول يريد قريشاً و استخلف ابن أم مكتوم فبلغ نجران معدناً في الحجاز و لم يلق حرباً . و أقام هنالك إلى جمادى الثانية من السنة الثالثة و انصرف إلى المدينة .

قتل كعب بن الأشرف : و كان كعب بن الأشرف رجلاً من طيء و أمه من يهود بني النضير ، و لما أصيب أصحاب بدر ، و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة مبشرين إلى المدينة ، جعل يقول : ويلكم أحق هذا ؟ و هؤلاء أشراف العرب و ملوك الناس ، و إن كان محمد أصاب هؤلاء فبطن الأرض خير من ظهرها . ثم قدم مكة و نزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي ، و عنده عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية ، فجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينشد الأشعار و يبكي على أصحاب القليب ، ثم رجع إلى المدينة فشبب بعاتكة ثم شبب بنساء المسلمين . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و من يقتل كعب بن الأشرف ، فانتدب لذلك محمد بن مسلمة و ملكان بن سلامة بن وقش و هو أبو نائلة من بني عبد الأشهل أخو كعب من الرضاعة و عباد بن بشر بن وقش و الحرث بن بشر بن معاذ و أبو عبس بن جبر من بني حارثة ، و تقدم إليه ملكان بن سلامة و أظهر له انحرافاً عن النبي صلى الله عليه و سلم عن إذن منه ، و شكا إليه ضيق الحال و رام أن يبيعه و أصحابه طعاماً و يرهنون سلاحهم . فأجاب إلى ذلك و رجع إلى أصحابه ، فخرجوا و شيعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بقيع الغرقد في ليلة قمراء ، و أتوا كعبا فخرج إليهم من حصنه و مشوا غير بعيد ثم وضعوا عليه سيوفهم ، و وضع محمد بن مسلمة معولاً كان معه في ثنته فقتله . و صاح عدو الله صيحة شديدة انذعر لها أهل الحصون التي حواليه ، و أوقدوا النيران ، و نجا القوم و قد جرح منهم الحرث بن أوس ببعض سيوفهم فنزفه الدم و هو يصلي ، و أخبروه و تفل على جرح الحرث فبرأ . و أذن للمسلمين في قتل اليهود لما أبلغه أنهم خافوا من هذه الفعلة ، و أسلم حينئذ حويصة بن مسعود ، و قد كان أسلم قبله أخوه محيصة بسبب قتل بعضهم .

غزوة بني قينقاع : و كان بنو قينقاع لما انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر وقف بسوق بني قينقاع في بعض الأيام فوعظهم و ذكرهم ما يعرفون من أمره في كتابهم ، و حذرهم ما أصاب قريشاً من البطشة ، فأساؤا الرد و قالوا : لا يغرنك إنك لقيت قوماً لا يعرفون الحرب فأصبت منهم و الله لئن جربتنا لتعلمن أنا نحن الناس .

فأنزل الله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " . و قيل بل قتل مسلم يهودياً بسوقهم في حق ، فثاروا على المسلمين و نقضوا العهد و نزلت الآية . فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و استعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر ، و قيل أبا لبابة ، و كانوا في طرف المدينة في سبعمائة مقاتل منهم ثلثمائة دارع ، و لم يكن لهم زرع و لا نخل إنما كانوا تجار أو صاغة يعملون بأموالهم ، و هم قوم عبد الله بن سلام . فحصرهم عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يكلم أحداً منهم حتى نزلوا على حكمه فكتفهم ليقتلوا ، فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول و ألح في الرغبة حتى حقن له رسول الله صلى الله عليه و سلم دماءهم ، ثم أمر بإجلائهم و أخذ ما كان لهم من سلاح و ضياع ، و أمر عبادة بن الصامت فمضى بهم إلى ظاهر ديارهم و لحقوا بخيبر ، و أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الخمس من الغنائم و هو أول خمس أخذه ، ثم انصرف إلى المدينة و حضر الأضحى فصلى بالناس في الصحراء و ذبح بيده شاتين و يقال أنهما أول أضحيته صلى الله عليه و سلم .

سرية زيد بن حارثة إلى قردة : و كانت قريش من بعد بدر قد تخوفوا من اعتراض المسلمين عيرهم في طريق الشام و صاروا يسلكون طريق العراق ، و خرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب و صفوان بن أمية و استجاروا بفرات بن حيان من بكر بن وائل فخرج بهم في الشتاء و سلك بهم على طريق العراق ، و انتهى خبر العير إلى النبي صلى الله عليه و سلم و ما فيها من المال و آنية الفضة ، فبعث زيد بن حارثة في سرية فاعترضهم و ظفر بالعير و أتى بفرات بن حيان العجلي أسيراً فتعوذ بالإسلام و أسلم . و كان خمس هذه الغنيمة عشرين ألفاً .قتل ابن أبي الحقيق : كان سلام بن أبي الحقيق هذا من يهود خيبر و كنيته أبو رافع ، و كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و يحزب عليهم الأحزاب ، مثلاً أو قريباً من كعب بن الأشرف ، و كان الأوس و الخزرج يتصاولان تصاول الفحلين في طاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذب عنه و النيل من أعدائه ، لا يفعل أحد القبيلتين شيئاً من ذلك إلا فعل الآخرون مثله . و كان الأوس قد قتلوا كعب بن الأشرف كما ذكرناه ، فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتل ابن أبي الحقيق نظير ابن الأشرف في الكفر و العداوة ، فأذن لهم . فخرج إليهم من الخزرج ثم من بني سلمة ثمانية نفر منهم : عبد الله بن عقيل و مسعر بن سنان و أبو قتادة و الحرث بن ربعي الخزاعي من حلفائهم في آخرين ، و أمر عليهم عبد الله بن عقيل و نهاهم أن يقتلا وليداً أو امرأة ، و خرجوا في منتصف جمادى الآخرى من سنة ثلاث ، فقدموا خيبر ، و أتوا دار ابن أبي الحقيق في علية له بعد أن انصرف عنه سمره و نام ، و قد أغلقوا الأبواب من حيث أفضوا كلها عليهم ، و نادوه ليعرفوا مكانه بصوته ، ثم تعاوروه بسيوفهم حتى قتلوه ، و خرجوا من القصر و أقاموا ظاهره حتى قام الناعي على سور القصر فاستيقنوا موته ، و ذهبوا إلى رسول الله صلى الله
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:00 pm

عليه و سلم بالخبر . و كان أحدهم قد سقط من درج العلية فأصابه كسر في ساقه فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و برأ .



غزوة أحد

و كانت قريش بعد واقعة بدر قد توامروا و طلبوا من أصحاب العير أن يعينوهم بالمال ليتجهزوا به لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعانوهم ، و خرجت قريش بأحابيشها و حلفائها و ذلك في شوال من سنة ثلاث ، و احتملوا الظعن التماساً للحفيظة و أن لا يفروا ، و أقبلوا حتى نزلوا ذا الحليفة قرب أحد ببطن مقابل المدينة على شفير واد هنالك ، و ذلك في رابع شوال . و كانوا في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع و مائتا فرس و قائدهم أبو سفيان و معهم خمس عشرة امرأة بالدفوف يبكين قتلى بدر . و أشار صلى الله عليه و سلم على أصحابه بأن يتحصنوا بالمدينة و لا يخرجوا و إن جاءوا قاتلوهم على أفواه الأزقة ، و أقر ذلك على رأي عبد الله بن أبي بن سلول ، و ألح قوم من فضلاء المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة فلبس لامته و خرج ، و قدم أولئك الذين ألحو عليه و قالوا : يا رسول الله إن شئت فاقعد . فقال : ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل . و خرج في ألف من أصحابه ، و استعمل ابن أم مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين بالمدينة . فلما سار بين المدينة و أحد انخزل عنه عبد الله بن أبي في ثلث الناس مغاضباً لمخالفة رأيه في المقامة ، و سلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حرة بني حارثة و مر بين الحوائط و أبو خثيمة من بني حارثة يدل به حتى نزل الشعب من أحد مستنداً إلى الجبل ، و قد سرحت قريش الظهر و الكراع في زروع المسلمين و تهيأ للقتال في سبعمائة فيهم خمسون فارساً و خمسون رامياً ، و أمر على الرماة عبد الله بن جبير من بني عمرو بن عوف و الأوس أخو خوات ، و رتبهم خلف الجيش ينضحون بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من خلفهم ، و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير من بني عبد الدار ، و أجاز يومئذ سمرة بن جندب الفزاري و رافع بن خديج من بني حارثة في الرماة و سنهما خمسة عشر عاماً ، و رد أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر بن الخطاب و من بني ملك بن النجار زيد بن ثابت و عمرو بن حرام و من بني حارثة البراء بن عازب و أسيد بن ظهير ، و رد عرابة بن أوس و زيد بن أرقم و أبا سعيد الخدري سن جميعهم يومئذ أربعة عشر عاماً . و جعلت قريش على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، و على ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل . و أعطى عليه السلام سيفه بحقه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة من بني ساعدة و كان شجاعاً بطلاً يختال عند الحرب . و كان مع قريش ذلك اليوم والد حنظلة غسيل الملائة أبو عامر عبد عمرو بن صيفي مالك ابن النعمان في طليعة و كان في الجاهلية قد ترهب و تنسك ، فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء و فر إلى مكة في رجال من الأوس و شهد أحد مع الكفار ، و كان يعد قريش في انحراف الأوس إليه لما أنه سيدهم ، فلم يصدق ظنه ، و لما ناداهم و عرفوه ، قالوا : لا أنعم الله لك علينا يا فاسق . فقاتل المسلمين قتالاً شديداً .

و أبلى يومئذ حمزة وطلحة و شيبة و أبو دجانة و النضر بن أنس بلاء شديداً ، و أصيب جماعة من الأنصار مقبلين غير مدبرين و اشتد القتال و انهزم قريش أولاً ، فخلت الرماة عن مراكزهم ، و كر المشركون كرة و قد فقدوا متابعة الرماة فانكشف المسلمون و استشهد منهم من أكرمه الله ، و وصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و قاتل مصعب بن عمير صاحب اللواء دونه حتى قتل ، و جرح رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجهه و كسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر ، و هشمت البيضة في رأسه ، يقال إن الذي تولى ذلك عتبة بن أبي وقاص و عمرو بن قميئة الليثي . و شد حنظلة الغسيل على أبي سفيان ليقتله فاعترضه شداد بن الأسود الليثي من شعوب فقتله و كان جنباً ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الملائكة غسلته .

و أكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى سقط من بعض حفر هناك ، فأخذ علي بيده و احتضنه طلحة حتى قام ، و مص الدم من جرحه مالك بن سنان الخدري والد أبي سعيد ، و نشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه و سلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح فندرت ثنيتاه فصار اهتم . و لحق المشركون رسول الله صلى الله عليه و سلم و كر دونه نفر من المسلمين فقتلوا كلهم ، و كان آخرهم عمار بن يزيد بن السكن . ثم قاتل طلحة حتى أجهض المشركون و أبو دجانة يلي النبي صلى الله عليه و سلم بظهره و تقع فيه النبل فلا يتحرك ، و أصيبت عين قتادة ابن النعمان من بني ظفر فرجع و هي على وجنته ، فردها عليه السلام بيده فصحت و كانت أحسن عينيه .

و انتهى النضر بن أنس إلى جماعة من الصحابة و قد دهشوا و قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال فما تصنعون في الحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه . ثم استقبل الناس و قاتل حتى قتل و وجد به سبعون ضربة . و جرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها . و قتل حمزة عم النبي صلى الله عليه و سلم قتله وحشي مولى جبير بن مطعم بن عدي ، و كان قد جاعله على ذلك بعتقه فرآه يبارز سباع بن عبد العزى فرماه بحربته من حيث لا يشعر فقتله . و نادى الشيطان ألا أن محمداً قد قتل ، لأن عمرو بن قميئة كان قد قتل مصعب بن عمير يظن أنه النبي صلى الله عليه و سلم ، و ضربته أم عمارة نسيبة بنت كعب بن أبي مازن ضربات فتوفي منها بدرعيه وخشي المسلمون لما أصابه و وهنوا لصريخ الشيطان . ثم إن كعب بن مالك الشاعر من بني سلمة عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فنادى بأعلى صوته يبشر الناس و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : أنصت ، فاجتمع عليه المسلمون و نهضوا معه نحو الشعب ، فيهم أبو بكر و عمر و علي و الزبير و الحرث بن الصمة الأنصاري و غيرهم ، و أدركه أبي بن خلف في الشعب ، فتناول صلى الله عليه و سلم الحربة من الحرث بن الصمة و طعنه بها في عنقه فكر أبي منهزماً ، و قال له المشركون ما بك من بأس ، فقال : و الله لو بصق علي لقتلني و كان صلى الله عليه و سلم قد توعده بالقتل فمات عدو الله بسرف مرجعهم إلى مكة . ثم جاء علي رسول الله صلى الله عليه و سلم بالماء فغسل وجهه و نهض فاستوى على صخرة من الجبل و حانت الصلاة فصلى بهم قعوداً . و غفر الله للمنهزمين من المسلمين و نزل : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " الآية و كان منهم عثمان بن عفان و عثمان بن أبي عقبة الأنصاري .

و استشهد في ذلك اليوم حمزة كما ذكرناه و عبد الله بن جحش و مصعب بن عمير في خمسة و ستين معظمهم من الأنصار ، و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدفنوا بدمائهم و ثيابهم في مضاجعهم و لم يغسلوا و لم يصل عليهم . و قتل من المشركين اثنان و عشرون منهم الوليد بن العاص بن هشام و أبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة و أبو عزة عمرو بن عبد الله بن جمح ، و كان أسر يوم بدر فمن عليه و أطلقه بلا فداء على أن لا يعين عليه فنقض العهد و أسر يوم أحد و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بضرب عنقه صبراً ، و أبي بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده ، و صعد أبو سفيان الجبل حتى أطل على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و نادى بأعلى صوته : الحرب : سجال يوم أحد بيوم بدر ، اعل هبل .

و انصرف و هو يقول موعدكم العام القابل . فقال عليه السلام قولوا له هو بيننا و بينكم .

ثم سار المشركون إلى مكة و وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على حمزة ، و كانت هند و صواحبها قد جد عنه و بقرن عن كبده فلاكتها و لم تسغها ، و يقال إنه لما رأى ذلك في حمزة قال لئن أظفرني الله بقريش لأمثلن بثلاثين منهم . و رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه إلى المدينة . و يقال إنه قال لعلي لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا .غزوة حمراء الأسد : و لما كان يوم أحد سادس عشر شوال ، و هو صبيحة يوم أحد ، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخروج لطلب العدو و أن لا يخرج إلا من حضر معه بالأمس ، و فسح لجابر بن عبد الله ممن سواهم ، فخرج و خرجوا على ما بهم من الجهد و الجراح و صار عليه السلام متجلداً مرهباً للعدو ، و انتهى إلى حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة و أقام بها ثلاثاً ، و مر به هناك معبد بن أبي معبد الخزاعي سائراً إلى مكة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:10 pm

، و لقي أبا سفيان و كفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبهم و كانوا يرومون الرجوع إلى المدينة ففت ذلك في أعضادهم و عادوا إلى مكة .

بعث الرجيع : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر متم الثلاثة من الهجرة نفر من عضل و القارة بني الهون من خزيمة إخوة بني أسد ، فذكروا أن فيهم إسلاماً و رغبوا أن يبعث فيهم من يفقههم في الدين ، فبعث معهم ستة رجال من أصحابه : مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، و خالد بن البكير الليثي ، و عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح من بني عمرو بن عوف ، و خبيب بن عدي من بني جحجبا بن كفلة ، و زيد بن الدثنة بن بياضة بن عامر ، و عبد الله بن طارق حليف بني ظفر ، و أمر عليهم مرثداً منهم . و نهضوا مع القوم حتى إذا كانوا بالرجيع و هو ماء لهذيل قريباً من عسفان غدروا بهم ، و استصرخوا هذيلاً عليهم فغشوهم في رحالهم ففزعوا إلى القتال فأمنوهم و قالوا : إنا نريد نصيب بكم فداء من أهل مكة ، فامتنع مرثد و خالد و عاصم من أمنهم و قاتلوا حتى حتى قتلوا ، و رموا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد ابن شهيد و كانت نذرت أن تشرب فيه الخمر لما قتل ابنيها من بني عبد الدار يوم أحد ، فأرسل الله الدبر فحمت عاصماً منهم فتركوه إلى الليل فجاء السيل فاحتمله . و أما الآخرون فأسروهم و خرجوا بهم إلى مكة و لما كانوا بمر الظهر أن انتزع ابن طارق يده من القرآن و أخذ سيفه فرموه بالحجارة فمات ، و جاءوا بخبيب و زيد إلى مكة فباعوهما إلى قريش فقتلوهما صبراً .

غزوة بئر معونة : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر هذا ملاعب الأسنة أبو براء عمر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فدعاه إلى الإسلام ، فلم يسلم و لم يبعد ، و قال يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك ، فقال أني أخاف عليهم . فقال أبو براء أنا لهم جار . فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم : المنذر بن عمرو من بني ساعدة في أربعين من المسلمين ، و قيل في سبعين ، منهم الحرث بن الصمة ، و حرام بن ملحان خال أنس ، و عامر بن فهيرة ، و نافع بن بديل بن ورقاء . فنزلوا بئر معونة بين أرض بني عامر و حرة بني سليم ، و بعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى عامر بن الطفيل فقتله ، و لم ينظر في كتابه ، و استعدى عليهم بني عامر فأبوا لجوار أبي براء أياهم ، فاستعدى بني سليم فنهضت منهم عصية و رعل و ذكوان و قتلوهم عن آخرهم ، و كان سرحهم إلى جانب منهم و معهم المنذر بن أحيحة من بني الجلاح و عمرو بن أمية الضمري فنظرا إلى الطير تحوم على العسكر ، فأسرعا إلى أصحابهما فوجداهم في مضاجعهم ، فأما المنذر بن أحيحة فقاتل حتى قتل ، و أما عمرو بن أمية فجز عامر بن الطفيل ناصيته حين علم أنه من مضر لرقبة كانت عن أمه ، و ذلك لعشر بقين من صفر و كانت مع الرجيع في شهر واحد . و لما رجع عمرو بن أمية لقي في طريقه رجلين من بني كلاب أو بني سليم فنزلا معه في ظل كان فيه معهما عهد من النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلم به عمرو فانتسبا له في بني عامر أو سليم فعدا عليهما لما ناما و قتلهما ، و قدم على النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك فقال لقد قتلت قتيلين لأذينهما .

غزوة بني النضير : و نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني النضير مستعيناً بهم في دية هذين القتيلين فأجابوا ، و قعد عليه السلام مع أبي بكر و عمر و علي و نفر من أصحابه إلى جدار من جدرانهم ، و أرادوا بنو النضير رجلاً منهم على الصعود إلى ظهر البيت ليلقي على النبي صلى الله عليه و سلم صخرة ، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب منهم . و أوحى الله بذلك إلى نبيه فقام ، و لم يشعر أحداً ممن معه و استبطأوه ، و اتبعوه إلى المدينة . فأخبرهم عن وحي الله بما أراد به يهود و أمر من أصحابه بالتهيؤ لحربهم . و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، و نهض في شهر ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة ، فتحصنوا منه بالحصون فحاصرهم ست ليال و أمر بقطع النخل و إحراقها ، و دس إليهم عبد الله بن أبي و المنافقون إنا معكم قتلتم أو أخرجتم ، فغزوهم بذلك ثم خذلوهم كرهاً و أسلموهم . و سأل عبد الله من النبي صلى الله عليه و سلم أن يكف عن دمائهم و يجليهم بما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ، و احتمل إلى خبير من أكابرهم حيي بن أخطب و ابن أبي الحقيق فدانت لهم خبير ، و منهم من سار إلى الشام ، و قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم أموالهم بين المهاجرين الأولين خاصة ، و أعطى منها أبا دجانة و سهل بن حنيف كانا فقيرين . و أسلم من بني النضير يامين بن عمير بن جحاش ، و سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما بإسلامهما . و في هذه الغزاة نزلت سورة الحشر .

غزوة ذات الرقاع : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد بني النضير إلى جمادى من السنة الرابعة ، ثم غزا نجداً يريد بني محارب و بني ثعلبة من غطفان ، و استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، و قيل عثمان بن عفان ، و نهض حتى نزل نجداً فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس و لم يكن بينهم حرب ، إلا أنهم خاف بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمسلمين صلاة الخوف ، و سميت ذات الرقاع لأن أقدامهم نقبت و كانوا يلقون عليها الخرق . و قال الواقدي : لأن الجبل الذي نزلوا به كان به سواد و بياض و حمرة رقاعاً فسميت بذلك و زعم أنها كانت في المحرم .

غزوة بدر الصغرى الموعد : كان أبو سفيان نادى يوم أحد كما قدمناه بموعد بدر من قابل و أجابوه بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما كان في شعبان من هذه السنة الرابعة خرج لميعاده و استعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول ، و نزل في بدر و أقام هناك ثمان ليال و خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل الظهران أو عسفان ، ثم بدا له في الرجوع و اعتذر بأن العام عام جدب .

غزوة دومة الجندل : خرج إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ربيع الأول من السنة الخامسة و خلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري . و سببها أنه عليه السلام بلغه أن جمعاً تجمعوا بها فغزاهم ، ثم انصرفوا من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل و لم يلق حرباً . و فيها وادع رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن حصن أن يرعى بأراضي المدينة لأن بلاده كانت أجدبت ، و كانت هذه قد أخصبت بسحابة وقعت فأذن له في رعيها .





غزوة الخندقكانت في شوال من السنة الخامسة ، و الصحيح أنها في الرابعة ، و يقويه أن ابن عمر يقول ردني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة ثم أجازني يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة فليس بينهما إلا سنة واحدة و هو الصحيح ، فهي قبل دومة الجندل بلا شك . و كان سببها أن نفراً من اليهود منهم : سلام بن أبي الحقيق و كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق و سلام بن مشكم و حيي بن أخطب من بني النضير و هود ابن قيس و أبو عمارة من بني وائل ، و لما انجلى بنو النضير إلى خبير خرجوا إلى مكة يخربون الأحزاب و يحرضون على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و يرغبون من اشرأب إلى ذلك بالمال . فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ، ثم مضوا إلى غطفان و خرج بهم عيينة بن حصن على أشجع ، و خرجت قريش و قائدها أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف من أحابيشهم و من تبعهم من كنانة و غيرهم . و لما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بحفر الخندق على المدينة و عمل فيه بيده و المسلمون معه ، و يقال إن سلمان أشار به . ثم أقبلت الأحزاب حتى نزلوا بظاهر المدينة بجانب أحد ، و خرج عليه السلام في ثلاثة آلاف من المسلمين ، و قيل في تسعمائة فقط و هو راجل بلا شك . و خلف على المدينة ابن أم مكتوم فنزل بسطح سلع و الخندق بينه و بين القوم و أمر بالنساء و الذراري فجعلوا في الأطام ، و كان بنو قريظة مواد عين لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأتاهم حيي و أغراهم فنقضوا العهد و مالوا مع الأحزاب ، و بلغ أمرهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فبعث سعد بن معاذ و سعد ابن عبادة و خوات بن جبير و عبد الله بن رواحة يستخبرون الأمر ، فوجدوهم مكاشفين بالغدر و النيل من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فشاتمهم سعد بن معاذ و كانوا أحلافه و انصرفوا . و كان صلى الله عليه و سلم قد أمرهم إن وجدوا الغدر حقاً أن يخبروه تعريضاً لئلا يفتوا في أعضاد الناس ، فلما جاؤا إليه قالوا يا رسول الله عضل و القارة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:20 pm

يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع ، فعظم الأمر و أحيط بالمسلمين من كل جهة ، و هم بالفشل بنو حارثة و بنو سلمة معتذرين بأن بيوتهم عورة خارج المدينة ثم ثبتهم الله .

و دام الحصار على المسلمين قريباً من شهر و لم تكن حرب . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عيينة بن حصن و الحرث بن عوف أن يرجعا و لهما ثلثا ثمار المدينة ، و شاور في ذلك سعد بن معاذ و سعد بن عبادة فأبيا ، و قالا : يا رسول الله أشيء أمرك الله به فلا بد منه أم شيء تحبه فتصدقه فتصنعه لك أم شيء تصنعه لنا ؟ فقال : بل أصنعه لكم إني رأيت أن العرب رمتكم عن قوس واحدة ، فقال سعد بن معاذ : قد كنا معهم على الشرك و الأوثان و لا يطمعون منا بثمرة إلا شراء و بيعاً فحين أكرمنا الله بالإسلام و أعزنا بك نعطيهم أموالنا و الله لا نعطيهم إلا السيف . فصلب رسول الله صلى الله عليه و سلم . و تمارى الأمر ، و ظهر فوارس من قريش إلى الخندق و فيهم : عكرمة بن أبي جهل ، و عمرو بن عبد ود من بني عامر بن لؤي ، و ضرار بن الخطاب من بني محارب فلما رأوا الخندق قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها . ثم اقتحموا من مكان ضيق حتى جالت خيلهم بين الخندق و سلع ، و دعوا إلى البراز و قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود ، و رجعوا قومهم من حيث دخلوا .

و رمي في بعض تلك الأيام سعد بن معاذ بسهم فقطع عنه الأكحل ، يقال رماه حبان بن قيس بن العرقة و قيل أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم ، و يروى أنه لما أصيب جعل يدعو : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقي لها فلا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك و أخرجوه ، و إن كنت وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعلها لي شهادة ، و لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة .

ثم اشتد الحال و أتى نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فقال : يا رسول الله إني أسلمت و لم يعلم قومي فمرني بما تشاء ، فقال إنما أنت رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة . فخرج فأتى بني قريظة و كان صديقهم في الجاهلية ، فنقم لهم في قريش و غطفان و أنهم إن لم يكن الظفر لحقوا ببلادهم و تركوكم ، و لا تقدرون على التحول عن بلدكم و لا طاقة لكم بمحمد و أصحابه ، فاستوثقوا منهم برهن أبنائهم حتى يصابروا معكم . ثم أتى أبا سفيان و قريشاً فقال لهم : إن اليهود قد ندموا و راسلوا محمداً في المواعدة على أن يسترهنوا أبناءكم و يدفعوهم إليه . ثم أتى غطفان و قال لهم مثل ما قال لقريش . فأرسل أبو سفيان و غطفان إلى بني قريظة في ليلة سبت إنا لسنا بدار مقام فأعدوا للقتال ، فاعتذر اليهود بالسبت ، و قالوا : مع ذلك لا نقاتل حتى تعطونا أبناءكم . فصدق القوم خبر نعيم ، و ردوا إليهم بالاباية من الرهن و الحث على الخروج ، فصدق أيضاً بنو قريظة خبر نعيم و أبوا القتال . و أرسل الله على قريش و غطفان ريحاً عظيمة أكفأت قدورهم و آنيتهم و قلعت أبنيتهم و خيامهم ، و بعث عليه السلام حذيفة بن اليمان عيناً فأتاه بخبر رحيلهم و أصبح و قد ذهب الأحزاب و رجع إلى المدينة .

غزوة بني قريظة و لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أتاه جبريل بالنهوض إلى بني قريظة و ذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم ، فأمر المسلمين أن لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة ، و خرج و أعطى الراية علي بن أبي طالب ، و استخلف ابن أم مكتوم ، و حاصرهم صلى الله عليه و سلم خمساً و عشرين ليلة ، و عرض عليهم سيدهم كعب بن أسد إحدى ثلاث إما : الإسلام ، و إما تبييت النبي صلى الله عليه و سلم ليلة السبت ليكون الناس آمنين منهم ، و إما قتل الذراري و النساء ثم الاستماتة . فأبوا كل ذلك و أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن يبعث إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر بن عمرو بن عوف لأنهم كانوا حلفاء الأوس ، فأرسله و اجتمع إليه الرجال و النساء و الصبيان فقالوا : يا أبا لبابة ترى لنا أن ننزل على حكم محمد ، قال نعم ، و أشار بيده في حلقه أنه الذبح . ثم رجع فندم و علم أنه أذنب فانطلق على وجهه ، و لم يرجع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و ربط نفسه إلى عمود في المسجد ينتظر توبة الله عليه و عاهد الله أن لا يدخل أرض بني قريظة مكاناً خان فيه ربه و نبيه ، و بلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال لو أتاني لاستغفرت له فأما بعد ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه فنزلت توبته ، فتولى عليه السلام إطلاقه بيده بعد أن أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل إلا للصلاة .

ثم نزل بنو قريظة على حكم النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم بعضهم ليلة نزولهم و هم نفر أربعة من هذيل إخوة قريظة و النضير ، و فر عنهم عمرو بن سعد القرظي و لم يكن دخل معهم في نقض العهد فلم يعلم أين وقع . و لما نزل بنو قريظة على حكمه صلى الله عليه و سلم طلب الأوس أن يفعل فيهم ما فعل بالخزرج في بني النضير ، فقال لهم : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى . قال فذلك إلى سعد بن معاذ و كان جريحاً منذ يوم الخندق و قد أنزله رسول الله صلى الله عليه و سلم في خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فأتى به على حمار فلما أقبل على المجلس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم : قوموا إلى سيدكم . ثم قالوا : يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ولاك حكم مواليك ، فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله و ميثاقه ، قالوا : نعم . قال : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال و تسبى الذراري و النساء و تقسم الأموال . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة . ثم أنه أمر فأخرجوا إلى سوق المدينة و خندق لهم بها خنادق و ضربت أعناقهم فيها و هم بين الستمائة و السبعمائة رجل ، و قتلت فيهم امرأة واحدة بنانة امرأة الحكم القرظي و كانت طرحت على خلاد بن سويد بن الصامت رحى من فوق الحائط فقتلته . و أمر عليه السلام بقتل من أنبت منهم . و وهب لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن ياطا فاستحيا منهم عبد الرحمن بن الزبير كانت له صحبة ، و بعد أن كان ثابت استوهب من النبي صلى الله عليه و سلم الزبير و أهله و ماله فوهبه ذلك فمر الزبير عليه يده و أبى إلا الشد مع قومه اغتباطاً بهم قبحه الله . و وهب عليه السلام لأم المنذر بنت قيس من بني النجار رفاعة بن سموأل القريظي فأسلم رفاعة و له صحبة .

و قسم صلى الله عليه و سلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهما ، و كانت خيل المسلمين يومئذ ستة و ثلاثين فارساً ، و وقع في سهم النبي صلى الله عليه و سلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة من بني عمرو بن قريظة فلم تزل في ملكه حتى مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان فتح بني قريظة آخر ذي القعدة من السنة الرابعة . و لما تم أمرهم أجيبت دعوة سعد بن معاذ فانفجر عرقه و مات فكان ممن استشهد يوم الخندق في سبعة آخرين من الأنصار ، و أصيب من المشركين يوم الخندق أربعة من قريش فيهم : عمرو بن عبد ود و ابنه حسل و نوفل بن عبد الله بن المغيرة ، و لم تغز كفار قريش المسلمين منذ يوم الخندق . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في جمادى الأولى من السنة الخامسة لستة أشهر من فتح بني قريظة ، فقصد بني لحيان يطالب بثأر عاصم بن ثابت و خبيب بن عدي و أهل الرجيع ، و ذلك إثر رجوعه من دومة الجندل ، فسلك على طريق الشام أولا ثم أخذ ذات اليسار إلى صخيرات اليمام ، ثم رجع إلى طريق مكة و أجد السير حتى نزل منازل لبنى بين أمج و عسفان فوجدهم قد حذروا و امتنعوا بالجبال ، و فاتتهم الغرة فيهم فخرج في مائتي راكب إلى المدينة .

غزوة الغابة و ذي قرد و بعد قفوله و المسلمين إلى المدينة بليال أغار عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله من غطفان فاستلحموا القاح النبي صلى الله عليه و سلم بالغابة ، و كان فيها رجل من بني غفار و امرأته فقتلوا الرجل و حملوا المرأة ، و نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي و كان ناهضاً ، فعلاً ثنية الوادع و صاح بأعلى صوته نذيراً بهم ، ثم اتبعهم و استنقذ ما كان بأيديهم ، و لما وقعت الصيحة بالمدينة ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم في أثرهم ، و لحق به المقداد بن الأسود و عباد بن بشر و سعد بن زيد من بني عبد الأشهل . و عكاشة بن محصن و محرز بن نضلة الأسدي و أبو قتادة من بني سلمة في جماعة من المهاجرين و الأنصار ، و أمر عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد بن زيد و انطلقوا في اتباعهم حتى أدركوهم ، فكانت بينهم جولة قتل محرز بن نضلة قتله عبد الرحمن بن عيينة و كان أول من لحق بهم . ثم ولى المشركون منهزمين و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ماء يقال له ذو قرد ، فأقام عليه ليلة و يومها و نحر الناقة من لقاحه المسترجعة ثم قفل إلى المدينة .

غزاة بني المصطلق : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى شعبان من هذه السنة السادسة ، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة لما بلغه أنهم مجتمعون له و قائدهم الحرث بن أبي ضرار أبو جويرية أم المؤمنين ، فخرج إليهم و استخلف أبا ذر الغفاري ، و قيل نميلة بن عبد الله الليثي و لقيهم بالمريسيع من مياههم ما بين قديد و الساحل فتزاحفوا و هزمهم الله و قتل من قتل منهم و سبي النساء و الذرية و كانت منهم جويرية بنت الحرث سيدهم ، و وقعت في سهم ثابت بن قيس ، فكاتبها ، و أدى عليه السلام عنها و أعتقها و تزوجها . و أصيب في هذه الغزاة هشام بن صبابة الليثي من بني ليث بن بكر قتله رجل من رهط عبادة بن الصامت غلطاً يظنه من العدو ، و في مرجع النبي صلى الله عليه و سلم من هذه الغزاة ، و فيها قال عبد الله بن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل لمشاجرة وقعت بين جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب و بين سنان ابن واقد الجهني حليف بني عوف بن الخزرج ، فتثاوروا و تباهوا ، فقال ما قال ، و سمع زيد بن أرقم مقالته ، و بلغها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . و نزلت سورة المنافقين و تبرأ منه ابنه عبد الله ، و قال : يا رسول الله أنت و الله الأعز و هو الأذل و إن شئت و الله أخرجته . ثم اعترض أباه عند المدينة ، و قال : و الله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأذن له ، و حينئذ دخل ، و قال يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي و إني أخشى أن تأمر غيري فلا تدعني نفسي أن أقاتله ، و إن قتلته قتلت مؤمناً بكافر ، و لكن مرني بذلك فأنا و الله أحمل إليك رأسه . فجزاه رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا و أخبره أنه لا يصل إلى أبيه سوء .

و فيها قال أهل الإفك ما قالوا في شأن عائشة مما لا حاجة بنا إلى ذكره و هو معروف في كتب السيرة ، و قد أنزل الله القرآن الحكيم ببراءتها و تشريفها . و قد وقع في الصحيح أن مراجعته وقعت في ذلك بين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ و هو وهم ينبغي التنبيه عليه ، لأن سعد بن معاذ مات بعد فتح بني قريظة بلا شك داخل السنة الرابعة و غزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة بعد عشرين شهراً من موت سعد ، و الملاحاة بين الرجلين كانت بعد غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة . و الذي ذكر ابن إسحق عن الزهري عن عبيد الله و غيره أن المقاول لسعد بن عبادة إنما هو أسيد بن الحضير و الله أعلم .و لما علم المسلمون أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج جويرية ، أعتقوا كل ما كان في أيديهم من بني المصطلق أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأطلق بسببها مائة من أهل بيتها ، ثم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بعامين الوليد بن عقبة بن أبي معيط لقبض صدقاتهم ، فخرجوا يتلقونه ، فخافهم على نفسه و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:25 pm

رجع ، و أخبر أنهم هموا بقتله . فتشاور المسلمون في غدرهم ثم جاء وفدهم منكرين ما كان من رجوع الوليد قبل لقيهم ، و أنهم إنما خرجوا تلقية و كرامة و روده . فقتل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك منهم و نزل قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق " الآية .



عمرة الحديبية

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في السادسة و في ذي القعدة منها معتمراً بعد بني المصطلق بشهرين ، و استنفر الأعراب حوالي المدينة فأبطأ أكثرهم فخرج بمن معه من المهاجرين و الأنصار ، و اتبعه من العرب فيما بين الثلثمائة بعد الألف إلى الخمسمائة ، و ساق الهدي و أحرم من المدينة ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً . و بلغ ذلك قريشاً فأجمعوا على صده عن البيت و قتاله دونها ، و قدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم ، و ورد خبرهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم بعسفان ، فسلك على ثنية المرار حتى نزل الحديبية من أسفل مكة و جاء من ورائهم ، فكر خالد في خيله إلى مكة . فلما جاء صلى الله عليه و سلم إلى مكة بركت ناقته ، فقال الناس خلأت ، فقال : ما خلأت و ما ذاك لها بخلق و لكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : و الذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها . ثم نزل و اشتكى الناس فقد فأعطاهم سهماً من كنانته غرزوه في بعض القلب من الوادي ، فجاش الماء حتى كفى جميع الجيش ، و يقال نزل به البراء بن عازب . ثم جرت السفراء بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين كفار قريش ، و بعث عثمان بن عفان بينهما رسولا ، و شاع الخبر أن المشركين قتلوه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين و جلس تحت شجرة فبايعوه على الموت و أن لا يفروا ، و هي بيعة الراضوان ، و ضرب عليه السلام بيسراه على يمينه و قال هذه عن عثمان . ثم كان سهيل ابن عمرو آخر من جاء من قريش فقاضى رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن ينصرف عامه ذلك و يأتي من قابل معتمراً و يدخل مكة و أصحابه بلا سلاح حاشا السيوف في القرب ، فيقيم بها ثلاثاً و لا يزيد ، و على أن يتصل الصلح عشرة أعوام يتداخل فيه الناس و يأمن بعضهم بعضاً ، و على أن من هاجر من الكفار إلى المسلمين من رجل أو امرأة أن يرد إلى قومه و من ارتد من المسلمين إليهم لم يردوه .

فعظم ذلك على المسلمين حتى تكلم فيه بعضهم ، و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم علم أن هذا الصلح سبب لأمن الناس و ظهور الإسلام ، و أن الله يجعل فيه فرجاً للمسلمين و هو أعلم بما علمه ربه . و كتب الصحيفة علي ، و كتب في صدرها هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأبي سهيل عن ذلك و قال لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم علياً أن يمحوها ، فأبى و تناول هو الصحيفة بيده و كتب محمد بن عبد الله . و لا يقع في ذهنك من أمر هذه الكتابة ريب فإنها قد ثبتت في الصحيح ، و مايعترض في الوهم من أن كتابته قادحة في المعجزة فهو باطل ، لأن هذه الكتابة إذا وقعت من غير معرفة بأوضاع الحروف و لا قوانين الخط و أشكالها بقيت الأمية على ما كانت عليه ، و كانت هذه الكتابة الخاصة من إحدى المعجزات انتهى .

ثم أتى أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده و كان قد أسلم ، فقال سهيل : هذا أول ما نقاضي عليه . فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبيه و عظم ذلك على المسلمين ، و أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أبا جندل أن الله سيجعل له فرجا ، و بينما هم يكتبون الكتاب إذ جاءت سرية من جهة قريش قيل ما بين الثلاثين و الأربعين يردين الإيقاع بالمسلمين ، فأخذتهم خيول المسلمين و جاءوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقهم فإليهم ينسب العتقيون .

و لما تم الصلح و كتابه أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينحروا و يحلقوا فتوقفوا ، فغضب حتى شكى إلى زوجته أم سلمة فقالت : يا رسول الله أخرج و انحر و احلق فإنهم تابعوك فخرج و نحر و حلق رأسه حيئذ خراش بن أمية الخزاعي ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، و ما فتح من قبله فتح كان أعظم من هذا الفتح . قال الزهري : لما كان القتال حيث لا يلتقي الناس . فلما كانت الهدنة و وضعت الحرب أوزارها و أمن الناس بعضهم فالتقوا و تفاوضوا في الحديث و المنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام أحداً يفعل شيئاً إلا دخل عليه ، فلقد دخل في ذينك السنتين في الإسلام مثلما قبل ذلك أو أكثر .

و لما رجع صلى الله عليه و سلم إلى المدينة لحقه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية هارباً و كان قد أسلم و حبسه قومه بمكة و هو ثقفي من حلفاء بني زهرة ، فبعث إليه الأزهر بن عبد عوف عم عبد الرحمن بن عوف و الأخنس بن شريق سيد بني زهرة رجلاً من بني عامر بن لؤي مع مولى لهم ، فأسلمه النبي صلى الله عليه و سلم فاحتملاه . فلما نزلوا بذي الحليفة أخذ أبو بصير السيف من أحد الرجلين ، ثم ضرب به العامري فقتله و فر الآخر ، و أتى بصير إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله قد وفت ذمتك و أطلقني الله فقال عليه السلام : و يلمه مسعر حرب لو كان له رجال . ففطن أبو بصير من لحن هذا القول من لحن هذا القول أنه سيرده ، و خرج إلى سيف البحر على طريق قريش إلى الشام ، و انضاف إليه جمهور من يفر عن قريش ممن أراد الإسلام فآذوا قريشاً و قطعوا على رفاقهم و سابلتهم ، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أن يضمهم بالمدينة .

ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، و جاء فيها أخواها عمارة و الوليد ، فمنع الله من رد النساء و فسخ ذلك الشرط المكتتب ، ثم نسخت براءة ذلك كله و حرم الله حينئذ على المسلمين إمساك الكوافر في عصمتهم فانفسخ نكاحهن .



إرسال الرسل إلى الملوك

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بين الحديبية و وفاته رجالاً من أصحابه إلى ملوك العرب و العجم دعاة إلى الله عز و جل ، فبعث سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخا بني عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة ، و بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر ابن ساوى أخي بني عبد القيس صاحب البحرين ، و عمرو بن العاص إلى جيفر بن جلندي بن عامر بن جلندي صاحب عمان ، و بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية فأدى إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ابنه .

و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر و هو هرقل ملك الروم ، فوصل إلى بصرى و بعثه صاحب بصرى إلى هرقل ، و كان يرى في ملاحمهم أن ملك الختان قد ظهر ، فقرأ الكتاب و إذا فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى . أما بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فأن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين " . و في رواية " إثم الأكاريين عليك تعيا بحمله " فطلب من مملكته من قوم النبي صلى الله عليه و سلم فأحضروا له من غزة ، و كان فيهم أبو سفيان فسأله كما وقع في الصحيح ، فأجابه و سلم أحواله و تفرس صحة أمره ، و عرض على الروم أتباعه فأبوا و نفروا فلاطفهم بالقول و أقصر . و يروى عن ابن اسحق أنه عرض عليهم الجزية ، فأبوا فعرض عليهم أن يصالحوا بأرض سورية . قالوا و هي أرض فلسطين و الأردن و دمشق و حمص و ما دون الدرب و ما كان وراء الدرب فهو الشام فأبوا .

قال ابن اسحق : و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم شجاع بن وهب الأسدي أخا بني أسد بن خزيمة إلى الحرث بن شمر الغساني صاحب دمشق ، و كتب معه : " السلام على من اتبع الهدى و آمن به أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك " . فلما قرأ الكتاب قال : من ينزع ملكي أنا سائر إليه . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " باد ملكه " . قال : و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أميه الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب و أصحابه ، و كتب معه كتاباً : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة ، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن و أشهد أن عيسى بن مريم روح الله و كلمته ألقاها إلى مريم الطيبة البتول الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و نفخه و إني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له و الموالاة على طاعته تتبعني و تؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله و قد بعثت إليك ابن عمي جعفراً و معه نفر من المسلمين فإذا جاؤك قاقرهم و دع
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:26 pm

التجري و إني أدعوك و جنودك إلى الله فلقد بلغت و نصت فاقبلوا نصحي و السلام على من اتبع الهدى " . فكتب إليه النجاشي إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم ابن الحر سلام عليك يا رسول الله من الله و رحمة الله و بركاته أحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي هدانا للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء و الأرض ما نزيد بالرأي على ما ذكرت أنه كما قلت و قد عرفنا ما بعثت به إلينا ، و قد قربنا ابن عمك و أصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقاً مصدقاً فقد بايعتك و بايعت ابن عمك و أسلمت لله رب العالمين و قد بعثت إليك بابني أرخا الأصحم فإني لا أملك إلا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ، فإني أشهد أن الذي تقول حق و السلام عليك يا رسول الله . فذكر أنه بعث إبنه في ستين من الحبشة في سيفنة فغرقت بهم . و قد جاء أنه أرسل إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة ، و بعث إليها بالخطبة جاريته فأعطتها أوضاحاً و فتخا و وكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها ، و دفع النجاشي إلى خالد بن سعيد أربعمائة دينار لصداقها ، و جاءت إليها بها الجارية فأعطتها منها خمسين مثقالاً ، فردت الجارية ذلك بأمر النجاشي . و كانت الجارية صاحبة دهنه و ثيابه و بعث إليها نساء النجاشي بما عندهن من عود و عنبر و أركبها في سفينتين مع بقية المهاجرين ، فلقوا النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر ، و بلغ أبا سفيان تزويج أم حبيبة منه فقال : ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه .

و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه السنة إلى كسرى ، و بعث بالكتاب عبد الله بن حذافة السهمي و فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسله أما بعد فإني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حياً أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس " . فمزق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " مزق الله ملكه " . و في رواية ابن إسحق بعد قوله " و آمن بالله و رسله و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمداً عبده و رسوله و أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً و يحق القول على الكافرين فإن أبيت فإثم الأريسيين عليك " . قال فلما قرأه مزقه ، و قال يكتب إلي هذا و هو عبدي ! قال : ثم كتب كسرى إلى باذان و هو عامله على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فبعث باذان قهرمانه بانويه و كان حاسباً كاتباً بكتاب فارس و معه خر خسرة من الفرس ، و كتب إليه معهما أن ينصرف إلى كسرى ، و قال لقهرمانه : اختبر الرجل و عرفني بأمره . و أول ما قدما الطائف سألا عنه فقيل هو بالمدينة . و فرح من سمع بذلك من قريش و كانوا بالطائف ، و قالوا قطب له كسرى و قد كفيتموه . و قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة فلكلمه بانويه و قال : إن شاهنشاه قد كتب إلى الملك باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك و بعثني لتنطلق معي و يكتب معه فينفعك و إن أبيت فهو من علمت و يهلك قومك و يخرب بلادك . و كانا قد حلقا لحاهما و أعفيا شواربهما فنهاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك ، فقالا : أمرنا به ربنا يعنون به كسرى . فقال لهما : " لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي و قص شاربي لم أؤخرهما إلى غد " . و جاءه الوحي بأن الله سلط على كسرى إبنه شيرويه فقتله ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع ، فدعاهما و أخبرهما فقالا : هل تدري ما تقول ؟ يحزنانه عاقبة هذا القول ، فقال اذهبا و أخبراه بذلك عني و قولا له إن ديني و سلطاني يبلغ ما بلغ ملك كسرى و إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك و ملكتك على قومك من الأنباء ، و أعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب و فضة كان بعض الملوك أهداها له . فما على باذان و أخبراه فقال ما هذا كلام ملك ما أرى الرجل إلا نبياً كما يقول و نحن نتظر مقالته . فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه : أما بعد فإني قتلت كسرى و لم أقتله إلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم و تسخيرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذلي الطاعة ممن قبلك و أنظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه . فلما بلغ باذان الكتاب و أسلمت الأبناء معه من فارس ممن كان منهم باليمن ، و كانت حمير تسمى خرخسرة ذا المفخرة للمنطقة التي أعطاه إياها النبي صلى الله عليه و سلم و المنطقة بلسانهم المفخرة ، و قد كان بانويه قال لباذان ما كلمت رجلاً قط أهيب عندي منه ، فقال : هل معه شرط ؟ قال : لا قال الواقدي و كتب إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى الإسلام فلم يسلم .



غزوة خيبر

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم غازياً إلى خيبر في بقية المحرم آخر السنة السادسة و هو ألف و أربعمائة راجل و مائتي فارس ، و استخلف نميلة بن عبد الله الليثي ، و أعطى راية لعلي بن أبي طالب ، و سلك على الصهباء حتى نزل بواديها إلى الرجيع ، فحيل بينهم و بين غطفان و قد كانوا أرادوا إمداد يهود خيبر ، فلما خرجوا ذلك قذف الله في قلوبهم الرعب لحس سمعوه من روائهم فانصرفوا و أقاموا في أماكنهم . و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتح حصون خبير حصناً حصناً فافتتح أولاً منها حصن ناعم ، و ألقيت على محمود بن سلمة من أعلاه رحى فقتله . ثم افتتح القموص حصن ابن أبي الحقيق ، و أصيبت منهم سبايا كانت منهن صفية بنت حيي ابن أخطب ، و كانت عروساً عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فوهبها عليه السلام لدحية ، ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس و وضعها عند أم سلمة حتى اعتدت و أسلمت ثم أعتقها و تزوجها . ثم فتح حصن الصعاب بن معاذ ، و لم يكن بخيبر أكثر طعاماً و ودكاً منه . و آخر ما افتتح من حصونهم الوطيح و السلالم حصرهما بضع عشرة ليلة . و دفع إلى علي الراية في حصار بعض حصونهم ففتحه ، و كان أرمد فتفل في عينه صلى الله عليه و سلم فبرأ .

و كان فتح بعض خيبر عنوة و بعضها و هو الأكثر صلحاً على الجلاء ، فقسمها صلى الله عليه و سلم و أقر اليهود على أن يعملوها بأموالهم و أنفسهم و لهم النصف من كل ما تخرج من زرع أو تمر يقرهم على ذلك ما بداله ، فبقوا على ذلك إلى آخر خلافة عمر فبلغه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في مرضه الذي مات فيه : " لا يبقى دينان بأرض العرب ، فأمر بإجلائهم عن خبير و غيرها من بلاد العرب " . و أخذ المسلمون ضياعهم من مغانم خيبر فتصرفوا فيها ، و كان متولي قسمتها بين أصحابها جابر بن صخر من بني سلمة ، و زيد بن ثابت من بني النجار ، و استشهد من المسلمين جماعة تنيف على العشرين من المهاجرين و الأنصار منهم عامر بن الأكوع و غيره .

و في هذه الغزاة حرمت لحوم الحمر الأهلية فاكفئت القدور و هي بلحمها . و فيها أهدت اليهودية زينب بنت الحرث امرأة سلام بن مشكم إلى النبي صلى الله عليه و سلم شاة مصلية ، و جعلت السم في الذراع منها و كان أحب اللحم إليه ، فتناوله ولاك منه مضغة ثم لفظها ، و قال : " إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم " ، و أكل معه بشر بن البراء بن معرور و ازدرد لقمته فمات منها . ثم دعا باليهودية فاعترفت و لم يقتلها لإسلامها حينئذ على ما قيل ، و يقال إنه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها .

قدوم مهاجرة الحبشة : و كان مهاجرة الحبشة قد جاء جماعة منهم إلى مكة قبل الهجرة حين سمعوا بإسلام قريش ثم هاجروا إلى المدينة ، و جاء آخرون منهم قبل خيبر بسنتين ، ثم جاء بقيتهم إثر فتح خيبر . و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأنهم ليقدمهم عليه ، فقدم جعفر بن أبي طالب و امرأته أسماء بنت عميس و بنوهما عبد الله و محمد و عون ، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية و امرأته أمينة بنت خلف و ابناهما سعيد ، و أم خالد و عمرو بن سعيد بن العاص ، و معيف بن أبي فاطمة حليف أبي سعيد بن العاص ولي بيت المال لعمر ، و أبو موسى الأشعري حليف آل عتبة بن ربيعة و الأسود بن نوفل خويلد ابن أخي خديجة ، و جهم بن قيس بن شرحبيل بن عبد الدار و ابناه عمر و خزيمة ، و الحرث بن خالد بن صخر بن تميم ، و عثمان بن ربيعة بن أهبان من بني جمح ، و محنية بن حذاء الزبيدي حليف بني سهم ولي لرسول الله صلى الله عليه و سلم الأخماس ، و معمر بن عبد الله بن نضلة بن عدي ، و أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عامر بن لؤي ، و أبي عمرو مالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، فكان هؤلاء آخر من بقي بأرض الحبشة . و لما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح خيبر قبل ما بين عينيه و التزمه ، و قال : ما أدري بأبيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ؟ !



3------



فتح فدك و وادي القرى

و لما اتصل بأهل فدك شأن أهل خيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونه الأمان على أن يتركوا الأموال ، فأجابهم إلى ذلك فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فلم يقسمها و وضعها حيث أمره الله . ثم انصرف عن خيبر إلى وادي القرى فافتتحها عنوةً و قسمها ، و قتل بها غلامه مدغماً ، قال فيه لما شهد له الناس بالجنة : كلا إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم قبل القسم لتشتعل عليه نارا ثم رحل إلى المدينة في شهر صفر .



عمرة القضاء

و أقام صلى الله عليه و سلم بعد خيبر إلى انقضاء شوال من السنة السابعة ثم خرج في ذي القعدة لقضاء العمرة التي عاهده عليها قريش يوم الحديبية و عقد لها الصلح ، و خرج ملأ من قريش عن مكة عداوة لله و لرسوله و كرها في لقائه ، فقضى عمرته و تزوج بعد أحلاله بميمونة بنت الحرث من بني هلال بن عامر خالة ابن عباس و خالد بن الوليد ، و أراد أن يبني بها ، و قد تمت الثلاث التي عاهده قريش على المقام بها و أوصوا إليه بالخروج و أعجلوه عن ذلك ، فبنى بها بسرف .



غزوة جيش الأمراء

و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد منصرفه من عمرة القضاء إلى جمادى الأولى من السنة الثامنة ثم بعث الأمراء إلى الشام ، و قد كان أسلم قبل ذلك عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و عثمان بن أبي طلحة و هم من كبراء قريش . و قد كان عمرو بن العاص مضى عن قريش إلى النجاشي يطلبه في المهاجرين الذين عنده ، و لقي هنالك عمرو بن أمية الضمري وافد النبي صلى الله عليه و سلم ، فغضب النجاشي لما كلمه في ذلك ، فوفقه الله وريء الحق فأسلم و كتم إسلامه ، و رجع إلى قريش ولقي خالد بن الوليد و لقي خالد بن الوليد فأخبره فتفاوضا ، ثم هاجرا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأسلما .و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالداً مع بعث الشام و أمر على الجيش مولاه زيد بن حارثة و كانوا نحواً آلاف ، و قال إن أصابه قدر فالأمير جعفر بن أبي طالب ، فإن أصابه قدر فالأمير عبد الله بن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون برجل من بينهم يجعلونه
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:28 pm

أميراً عليهم . و شيعهم صلى الله عليه و سلم و ودعهم ، و نهضوا حتى انتهوا إلى معان من أرض الشام ، فأتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم قد نزل مؤاب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم و مائة ألف من نصارى العرب البادين هنالك من لخم و جذام و قبائل قضاعة من بهرا و بلي و القيس و عليهم مالك بن زاحلة من بني أراشة . فأقام المسلمون في معان ليلتين يتشاورون في الكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و انتظار أمره و مدده ، ثم قال لهم عبد الله بن رواحة أنتم إنما خرجتم تطلبون الشهادة و ما نقاتل الناس بعدد و لا قوة إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا إلى جموع هرقل عند قرية مؤتة و رتبوا الميمنة و الميسرة ، و اقتتلوا فقتل زيد بن حارثة ملاقياً بصدره الرماح و الراية في يده ، فأخذها جعفر بن أبي طالب و عقر فرسه ثم قاتل حتى قطعت يمينه فأخذها بيساره فقطعت فقتال كذلك و كان ابن ثلاث و ثلاثين سنة ، فأخذها عبد الله بن رواحة و تردد عن النزول بعض الشيء ثم صمم إلى العدو فقاتل حتى قتل .

فأخذ الراية ثابت بن أفرم من بني العجلان و ناولها لخالد بن الوليد فانحاز بالمسلمين ، و أنذر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل هؤلاء الأمراء قبل ورود الخبر و في يوم قتلهم ، و استشهد مع الأمراء جماعة من المسلمين يزيدون على العشرة أكرمهم الله بالشهادة ، و رجعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فأحزنه موت جعفر و لقيهم و خارج المدينة و حمل عبد الله بن جعفر بين على دابته صبي و بكى عليه و استغفر له و قال : أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة ، فسمي ذا الجناحين .



فتح مكة

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين عقد الصلح بينه و بين قريش في الحديبية أدخل خزاعة في عقده المؤمن منهم و الكافر ، و أدخلت قريش بني بكر بن عبد مناة ابن كنانة في عقده و كانت بينهم تراث في الجاهلية و ذحول كان فيها الأول للأسود بن رزن من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة و ثأرهم عند خزاعة لما قتلت حليفهم مالك بن عباد الحضرمي ، و كانوا قد عدوا على رجل من خزاعة فقتلوه في مالك بن عباد حليفهم ، و عدت خزاعة على سلمى وكلثوم و ذؤيب بني الأسود بن رزن فقتلوهم و هم أشراف بني كنانة ، و جاء الإسلام فاشتغل الناس به و نسوا أمر هذه الدماء ، فلما انعقد هذا الصلح من الحديبية و أمن الناس بعضهم بعضاً ، فاغتنم بنو الدئل هذه الفرصة في إدراك الثأر من خزاعة بقتلهم بني الأسود بن رزن ، و خرج نوفل بن معاوية الدولي فيمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة و ليس كلهم تابعه ، و خرج معه بعضهم و خرجوا منهم و انحجزوا في دور مكة و دخلوا دار بديل بن ورقاء الخزاعي ، و رجع بنو بكر و قد انتقض العهد فركب بديل بن ورقاء و عمرو بن سالم في وفد من قومهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مستغيثين مما أصابهم به بنو الدئل بن عبد مناة و قريش ، فأجاب صلى الله عليه و سلم صريخهم و أخبرهم : بأن أبا سفيان يأتي يشد العقد و يزيد في المدة و أنه يرجع بغير حاجة .

و كان ذلك سبباً للفتح و ندم قريش على مافعلوا ، فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليؤكد العقد و يزيد في المدة ، و لقي بديل بن ورقاء بعسفان فكتمه الخبر و ورى له عن وجهه ، و أتى أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت دونه فراش النبي صلى الله عليه و سلم و قالت لا يجلس عليه مشرك ، فقال لها قد أصابك بعدي شر يا بنية . ثم أتى المسجد و كلم النبي صلى الله عليه و سلم فلم يجبه ، فذهب إلى أبي بكر و كلمه أن يتكلم في ذلك فأبى ، فلقي عمر فقال : و الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، فدخل على علي بن أبي طالب و عنده فاطمة و ابنه الحسن صبياً فكلمه فيما أتى له فقال علي : ما نستطيع أن نكلمه في أمر عزم عليه ، فقال لفاطمة يا بنت محمد أما تأمري ابنك هذا ليجير بين الناس فقالت لا يجير أحد على رسول الله ، فقال له علي يا أبا سفيان أنت سيد بني كنانة فقم و أجر و ارجع إلى أرضك ، فقال ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ؟ قال : ما أظنه و لكن لا أجد لك سواه . فقام أبو سفيان في المسجد فنادى : ألا إني قد أجرت بين الناس ثم ذهب إلى مكة و أخبر قريشاً ، فقالوا ما جئت بشيء و ما زاد ابن أبي طالب على أن لعب بك .

ثم أعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سائر إلى مكة ، و أمر الناس بأن يتجهزوا ، و دعا الله أن يطمس الأخبار عن قريش ، و كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة بالخبر مع ظعينة قاصدة إلى مكة ، فأوحى الله إليه بذلك فبعث علياً و الزبير و المقداد إلى الظعينة فأدركوها بروضة خاخ و فتشوا رحلها فلم يجدوا شيئا ، و قالوا : رسول الله أصدق ، فقال علي : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الحوائج ، فأخرجته من بين قرون رأسها . فلما قرئ على النبي صلى الله عليه و سلم قال ما هذا يا حاطب ؟ فقال يا رسول الله و الله ما شككت في الإسلام و لكني ملصق في قريش فأردت عندهم يدا يحفظوني بها في مخلف أهلي و ولدي ، فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : و ما يدريك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم .

و خرج صلى الله عليه و سلم لعشر خلون من رمضان من السنة الثامنة في عشرة آلاف فيهم : من سليم ألف رجل و قيل سبعمائة ، و من مزينة ألف ، و من غفار أربعمائة ، و من أسلم أربعمائة ، و طوائف من قريش و أسد و تميم و غيرهم ، و من سائر القبائل جموع و كتائب الله من المهاجرين و الأنصار . و استخلف أبا رهم الغفاري على المدينة ، و لقيه العباس بذي الحليفة و قيل بالحجفة مهاجراً ، فبعث رحله إلى المدينة و انصرف معه غازياً ، و لقيه بنيق العقاب أبو سفيان بن الحرث و عبد الله بن أبي أمية مهاجرين و استأذنا فلم يؤذن لهما ، و كلمته أم سلمة فأذن لهما ، و أسلما فسار حتى نزل مر الظهران ، و قد طوى الله أخباره عن قريش إلا أنهم يتوجسون الخليفة .

و خشى العباس تلافي قريش إن فاجأهم الجيش قبل أن يستأمنوا ، فركب بغلة النبي صلى الله عليه و سلم و ذهب يتجسس ، و قد خرج أبو سفيان و بديل بن ورقاء و حكيم ابن حزام يتحسسون الخبر ، و بينما العباس قد أتى الأراك ليلقى من السابلة من ينذر أهل مكة إذ سمع صوت أبي سفيان و بديل و قد أبصرا نيران العساكر ، فيقول بديل : نيران بني خزاعة ، فيقول أبو سفيان : خزاعة أذل من أن تكون هذه نيرانها و عسكرها . فقال العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس و الله إن ظفر بك ليقتلنك واصباح قريش فارتدف خلفي . و نهض به إلى المعسكر و مر بعمر فخرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد و لا عهد ، فسبقه العباس على البغلة و دخل على أثره فقال : يا رسول الله هذا عدو الله أبو سفيان أمكن الله منه بلا عهد فدعني أضرب عنقه ، فقال العباس : قد أجرته فزأره عمر ، فقال العباس : لو كان من بني عدي ما قلت هذا و لكنه من عبد مناف ، فقال عمر : و الله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لأني أعرف أنه عند رسول الله صلى الله عليه و سلم كذلك . فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم العباس أن يحمله إلى رحله و يأتيه صباحاً ، فلما أتى به قال له صلى الله عليه و سلم : " ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله " ؟ فقال بأبي أنت و أمي ما أحلمك و أكرمك و أوصلك و الله لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى عنا ، فقال : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله " ، قال بأبي أنت و أمي ما أحلمك و أكرمك و أوصلك أما هذه في النفس منها شيء . فقال له العباس : ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فأسلم . فقال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً . قال : " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، و من أغلق عليه بابه فهو آمن ، و من دخل المسجد فهو آمن " .

ثم أمر العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جنود الله ففعل ذلك ، و مرت به القبائل قبيلة قبيلة ، إلى أن جاء مركب رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين و الأنصار ، عليهم الدروع البيض ، فقال من هؤلاء ؟ فقال العباس : هذا رسول الله في المهاجرين و الأنصار . فقال : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً : فقال : يا أبا سفيان إنها النبوة ، فقال : هي إذاً ! فقال له العباس : النجاء من قومك . فأتى مكة و أخبرهم بما أحاط بهم و بقول النبي صلى الله عليه و سلم من أتى المسجد أو دار أبي سفيان أو أغلق بابه .و رتب الجيش و أعطى سعد بن عبادة الراية فذهب يقول : اليوم يوم الملحمة . اليوم تستحل الحرمة . و بلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأمر علياً أن يأخذ الراية منه ، و يقال أمر الزبير . و كان على الميمنة خالد بن الوليد و فيها أسلم و غفار و مزينة و جهينة ، و على
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:31 pm

الميسرة الزبير ، و على المقدمة أبو عبيدة بن الجراح . و سرب رسول الله صلى الله عليه و سلم الجيوش من ذي طوى ، و أمرهم بالدخول إلى مكة : الزبير من أعلاها ، و خالد من أسفلها ، و أن يقاتلوا من تعرض لهم . و كان عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية و سهيل بن عمرو قد جمعوا للقتال ، فناوشهم أصحاب خالد القتال ، و استشهد من المسلمين كرز بن جابر من بني محارب ، و خنيس بن خالد من خزاعة ، و سلمة بن جهينة ، و انهزم المشركون و قتل منهم ثلاثة عشر و أمن النبي صلى الله عليه و سلم سائر الناس .

و كان الفتح لعشر بقين من رمضان ، و أهدر دم جماعة من المشركين سماهم يومئذ منهم : عبد العزى بن خطل من بني تميم ، و الأدرم بن غالب كان قد أسلم و بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مصدقاً و معه رجل من المشركين فقتله و ارتد و لحق بمكة و تعلق يوم الفتح بأستار الكعبة فقتله سعد بن حريث المخزومي و أبو برزة الأسلمي . و منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم ثم ارتد و لحق بمكة و نميت عنه اقوال ، فاختفى يوم الفتح و أتى به عثمان بن عفان و هو أخوه من الرضاعة فاستأمن له فسكت عليه السلام ساعة ثم أمنه ، فلما خرج قال لأصحابه هلا ضربتم عنقه ، فقال له بعض الأنصار هلا أومأت إلي ، فقال : ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين . و لم يظهر بعد إسلامه إلا خير و صلاح و استعمله عمر و عثمان . و منهم الحويرث بن نفيل من بني عبد قصي كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فقتله علي بن أبي طالب يوم الفتح . و منهم مقيس بن صبابة كان هاجر في غزوة الخندق ثم عدا على رجل من الأنصار كان قد قتل أخاه قبل ذلك غلطاً و وداه فقتله و فر إلى مكة مرتداً ، فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي و هو ابن عمه ، و منهم قينتا ابن خطل كانتا تغنيان بهجو النبي صلى الله عليه و سلم فقتلت إحداهما و استؤمن للأخرى فأمنها . و منهم مولاة لبني عبد المطلب إسمها سارة و استؤمن لها فأمنها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و استجار رجلان من بني مخزوم بأم هانئ بنت أبي طالب يقال إنهما الحرث بن هشام و زهير بن أبي أمية أخو أم سلمة فأمنتهما ، و أمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أمانها فأسلما .

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد و طاف بالكعبة و أخذ المفتاح من عثمان بن طلحة بعد أن مانعت دونه أم عثمان ثم أسلمته ، فدخل الكعبة و معه أسامة بن زيد و بلال و عثمان بن طلحة و أبقى له حجابة البيت فهي في ولد شيبة إلى اليوم . و أمر بكسر الصور داخل الكعبة و خارجها ، و بكسر الأصنام حواليها ، و مر عليها و هي مشدودة بالرصاص يشير إليها بقضيب في يده و هو يقول : " جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ، فما بقي منهم صنم إلا خر على وجهه . و أمر بلالاً فأذن على ظهر الكعبة و وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم بباب الكعبة ثاني يوم الفتح و خطب خطبته المعروفة ، و وضع مآثر الجاهلية إلا سدانة البيت و سقاية الحاج ، و أخبر أن مكة لم تحل لأحد قبله و لا بعده ، و إنما أحلت له ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها بالأمس ، ثم قال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ألا إن كل مأثورة أو دم أو مال يدعى في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة و سقاية الحاج ، ألا و إن قتل الخطأ مثل العمد بالسوط و العصا فيهما الدية مغلظة منها أربعون في بطونها أولادها ، يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تعظمها بالآباء الناس من آدم و آدم خلق من تراب . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " إلى آخر الآية . يا معشر قريش و يا أهل مكة ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، ثم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . و أعتقهم على الإسلام و جلس لهم فيما قيل على الصفا فبايعوه على السمع و الطاعة لله و لرسوله فيما استطاعوه ، و لما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء ، أمر عمر بن الخطاب أن يبايعهن و استغفر لهن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه كان لا يمس امرأةً حلالاً و لا حراماً " .

و هرب صفوان بن أمية إلى اليمن و اتبعه عمير بن وهب من قومه بأمان النبي صلى الله عليه و سلم له فرجع و أنظره أربعة أشهر ، و هرب ابن الزبير الشاعر إلى نجران و رجع فأسلم ، و هرب هبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هانيء إلى اليمن فمات هنالك كافراً . ثم بعث النبي صلى الله عليه و سلم السرايا حول مكة و لم يأمرهم بقتال ، و في جملتهم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فقتل منهم و أخذ ذلك عليه ، و بعث إليهم علياً بمال فودى لهم قتلاهم و رد عليهم ما أخذ لهم . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالداً إلى العزى بنت بنخلة كانت مضر من قريش تعظمه و كنانة و غيرهم ، و سدنته بنو شيبان من بين سليم حلفاء بني هاشم فهدمه ، ثم إن الأنصار توقفوا إلى أن يقيم صلى الله عليه و سلم داره بعد أن فتحها فأغمهم ذلك و خرجوا له ، فخطبهم صلى الله عليه و سلم و أخبرهم أن المحيا محياهم و الممات مماتهم فسكتوا لذلك و اطمأنوا .



غزوة حنين

" و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة خمس عشرة ليلة و هو يقصر الصلاة فبلغه أن هوازن و ثقيف جمعوا له و هم عامدون إلى مكة و قد نزلوا حنيناً ، و كانوا حين سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة يظنون أنه إنما يريدهم ، فاجتمعت هوازن إلى مالك بن عوف من بني النضير ، و قد أوعب معه بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن و بني جشم بن معاوية ، و بني سعد بن بكر و ناسا من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية و الأحلاف ، و بني مالك بن ثقيف بن بكر ، و لم يحضرها من هوازن كعب و لا كلاب . و في جشم دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة ابن خزاعة بن أزية بن جشم رئيسهم و سيدهم شيخ كبير ليس فيه إلا ليؤتم برأيه و معرفته . و في ثقيف سيدان ليس لهم في الأحلاف إلا قارب بن الأسود بن مسعود ابن معتب ، و في بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحرث بن مالك و أخوه أحمر . و جميع أمر الناس إلى مالك بن عوف .

فلما أتاهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فتح مكة أقبلوا عامدين إليه ، و أسار مالك مع الناس أموالهم و نساءهم و أبناءهم يرى أنه أثبت لموقفهم ، فنزلوا بأوطاس ، فقال دريد بن الصمة لمالك : ما لي أسمع رغاء البعير و نهاق الحمير و يعار الشاء و بكاء الصغير ، فقال : أموال الناس و أبناءهم سقنا معهم ليقاتلوا عنها ، فقال راعي ضأن : و الله هل يرد المنهزم شيء ؟ إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه و إن كانت عليك فضحت في أهلك و مالك . ثم سأل عن كعب و كلاب و أسف لغيابهم و أنكر على مالك رأيه ذلك ، و قال : لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً أرفعهم إلى ممتنع بلادهم ، ثم ألق الصبيان على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك و إن كانت لغيرك كنت قد أحرزت أهلك و مالك . و أبى عليه مالك و اتبعه هوازن .

ثم بعث النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يستعلم خبر القوم فجاءه و أطلعه على جلية الخبر و أنهم قاصدون إليه ، فاستعار رسول الله صلى الله عليه و سلم من صفوان بن أمية مائة درع و قيل أربعمائة و خرج على اثني عشر ألفاً من المسلمين عشر آلاف الذين صحبوه من المدينة و ألفان من مسلمة الفتح ، و استعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية و مضى لوجهه . و في جملة من اتبعه عباس بن مرداس ، و الضحاك بن سفيان الكلابي ، و جموع من عبس و ذبيان ، و مزينة و بني أسد . و مر في طريقه بشجرة سدر خضراء ، و كان لهم في الجاهلية مثلها يطوف بها الأعراب و يعظمونها و يسمونها ذات أنواط ، فقالوا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال لهم : قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، و الذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم و اجرم من ذلك .ثم نهض حتى أتى وادي حنين من أودية تهامة أول يوم من شوال من السنة الثامنة و هو وادي حزن ، فتوسطوه في غبش الصبح و قد كمنت هوازن في جانبيه فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد ، فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد ، و ناداهم صلى الله عليه و سلم فلم يرجعوا . و ثبت معه أبو بكر و عمر و علي و العباس و أبو سفيان بن الحرث و ابنه جعفر و الفضل و قثم ابنا العباس و جماعة سواهم ، و النبي صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء دلدل و العباس آخذ بشكائمها و كان جهير الصوت فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينادي بالأنصار و أصحاب الشجرة قيل و بالمهاجرين ، فلما سمعوا الصوت و ذهبوا
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:32 pm

ليرجعوا فصدهم ازدحام الناس عن أن يثنوا رواحلهم ، فاستقاموا و تناولوا سيوفهم و تراسهم و اقتحموا عن الرواحل راجعين إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد اجتمع منهم حواليه نحو المائة فاستقبلوا هوازن و الناس متلاحقون ، و اشتدت الحرب و حمي الوطيس و قذف الله في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يملكوا أنفسهم ، فولوا منهزمين و لحق آخر الناس و أسرى هوازن مغلولة بين يديه . و غنم المسلمون عيالهم و أموالهم و استحر القتل في بني مالك من ثقيف فقتل منهم يومئذ سبعون رجلاً في جملتهم : ذو الخمار و أخو عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة بن الحرث بن حبيب سيداهم ، و أما قارب بن الأسود سيد الأحلاف من ثقيف ففر بقومه منذ أول الأمر و ترك رايته فلم يقتل منهم أحد ، و لحق بعضهم بنخلة . و هرب مالك بن عوف النصري مع جماعة من قومه فدخلوا الطائف مع ثقيف ، و انحازت طوائف هوازن إلى أوطاس و اتبعتهم طائفة من خيل السلمين الذين توجهوا من نخلة فأدركوا فيهم دريد بن الصمة فقتلوه ، يقال قتله ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يربوع بن سماك بن عوف بن امرئ القيس . و بعث صلى الله عليه و سلم إلى من اجتمع بأوطاس من هوازن أبا عامر الأشعري عم أبي موسى فقاتلهم ، و قتل بسهم رماه به سلمة بن دريد بن الصمة فأخذ أبو موسى الراية و شد على قاتل عمه فقتله . و انهزم المشركون و استحر القتل في بني رباب من بني نضر بن معاوية ، و انفضت جموع أهل هوازن كلها . و استشهد من المسلمين يوم الخميس أربعة منهم أيمن بن أم أيمن أخو أسامة لأمه ، و يزيد بن زمعة بن الأسود ، و سراقة بن الحرث من بني العجلان ، و أبو عامر الأشعري ."



حصار الطائف و غزوة تبوك

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسبايا و الأموال فحبست بالجعرانة بنظر مسعود ابن عمر الغفاري ، و سار من فوره إلى الطائف فحاصر بها ثقيف خمس عشرة ليلة ، و قاتلوا من وراء الحصون ، و أسلم من كان حولهم من الناس و جاءت وفودهم إليه . و قد كان مر في طريقه بحصتن مالك بن عوف النصري فأمر بهدمه ، و نزل على أطم لبعض ثقيف فتمنع فيه صاحبه فأمر بهدمه فأخرب و تحصنت ثقيف . و قد كان عروة بن مسعود و غيلان بن سلمة من ساداتهم ذهبا إلى جرش يتعلمان صنعة المجانيق و الدبابات للحصار لما أحسوا من قصد رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم فلم يشهدا الحصار و لا حنينا قبله ، و حاصرهم المسلمون بضع عشرة أو بضعاً و عشرين ليلة و استشهد بعضهم بالنبل و رماهم صلى الله عليه و سلم بالمنجنيق ، و دخل نفر من المسلمين تحت دبابة و دنوا إلى سور الطائف فصبوا عليهم سكك الحديد المحماة و رموهم بالنبل فأصابوا منهم قوماً ، و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع أعنابهم ، و رغب إليه ابن الأسود بن مسعود في ماله و كان بعيداً من الطائف و كف عنه ، ثم دخل إلى الطائف و كف عنه ، ثم دخل إلى الطائف و تركهم و نزل أبو بكرة فأسلم .

و استشهد من المسلمين في حصاره : سعيد بن سعيد بن العاص ، و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة أخو أم سلمة ، و عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي في آخرين قريباً من اثني عشر فيهم أربعة من الأنصار .

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة و أتاه هناك وفد هوازن مسلمين راغبين ، فخيرهم بين العيال و الأبناء و الأموال فاختاروا العيال و الأبناء ، و كلموا المسلمين في ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه و سلم ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم ، و قال المهاجرون و الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم . و امتنع الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن أن يردا عليهم ما وقع لهما من الفيء و ساعدهم قومهم ، و امتنع العباس بن مرداس كذلك . و خالف بنو سليم و قالوا : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فعوض رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم تطب نفسه عن نصيبه . و رد عليهم نساءهم و أبناءهم بأجمعهم .

و كان عدد سبي هوازن ستة آلاف بين ذكر و أنثى فيهن الشيما أخت النبي صلى الله عليه و سلم من الرضاعة و هي بنت الحرث بن عبد العزى من بني سعد بن بكر من هوازن ، و أكرمها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحسن إليها و خيرها فاختارت قومها فردها إليهم . و قسم الأموال بين المسلمين ، ثم أعطى من نصيبه من خمس الخمس قوماً يستألفهم على الإسلام من قريش و غيرهم ، فمنهم من أعطاه مائة مائة ، و منهم خمسين خمسين ، و منهم ما بين ذلك ، و يسمون المؤلفة و هم مذكورون في كتب السير يقاربون الأربعين ، منهم أبو سفيان و ابنه معاوية و حكيم بن حزام و صفوان بن أمية و مالك بن عوف و غيرهم ، و منهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر و الأقرع بن حابس و هما من أصحاب المائة ، و أعطى عباس بن مرداس دونهما ، فأنشده أبياته المعروفة يتسخط فيها ، فقال إقطعوا عني لسانه فأتموا إليه المائة .

و لما أعطى المؤلفة قلوبهم وجد الأنصار في أنفسهم إذ لم يعطهم مثل ذلك و تكلم شبانهم مع ما كان يظنون أنه إذا فتح الله عليه بلده يرجع إلى قومه و يتركهم ، فجمعهم و وعظهم و ذكرهم و قال : " إنما أعطي قوماً حديثي عهد الإسلام أتألفهم عليه ، أما ترضون أن ينصرف الناس بالشاء و البعير و تنصرفوا برسول الله إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، و لو سلك الأنصار شعباً و سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار " فرضوا و افترقوا .

ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الجعرانة إلى مكة ، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة من السنة الثامنة لشهرين و نصف من خروجه ، و استعمل على مكة عتاب بن أسيد شاباً بنيف عمره على عشرين ، و كان غلبه الورع و الزهد فأقام الحج بالمسلمين في سنته و هو أول أمير أقام حج الإسلام المشركون على مشاعرهم . و خلف بمكة معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين و يعلمهم القرآن ، و بعث عمرو بن العاص إلى جيفر و عبد ابني الجلندي من الأزد بعمان مصدقاً فأطاعوا له بذلك . و استعمل صلى الله عليه و سلم مالك بن عوف على من أسلم من قومه و من سلم منهم و ماله حوالي الطائف من ثقيف ، و أمره بمغادرة الطائف من التضييق عليهم ففعل حتى جاؤا مسلمين كما يذكر بعد . و حسن إسلام المؤلفة قلوبهم ممن أسلم يوم الفتح أو بعده و إن كانوا متفاوتين في ذلك . و وفد على النبي صلى الله عليه و سلم كعب بن زهير فأهدر دمه وضاقت به الأرض ، و جاء فأسلم و أنشد النبي صلى الله عليه و سلم قصيدته المعروفة بمدحه التي أولها :

باتت سعاد فقلبي اليوم متبول الخ . و أعطاه بردة في ثواب مدحه فاشتراها معاوية من ورثته بعد موته و صار الخلفاء يتوارثونها شعاراً .

و وفد في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بنو أسد فأسلموا و كان منهم ضرار بن الأزور ، و قالوا : قدمنا يا رسول الله قبل أن يرسل إلينا فنزلت " يمنون عليك أن أسلموا " . و وفد فيها وفدتين في شهر ربيع الأول و نزلوا على رويفع بن ثابت البلوي . و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف في ذي الحجة إلى شهر رجب من السنة التاسعة .

ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم : و كان في غزواته كثيراً ما يوري بغير الجهة التي يقصدها على طريقة الحرب إلا ما كان من هذه الغزاة لعسرها بشدة الحرب ، و بعد البلاد و فصل الفواكه و قلة الظلال و كثرة العدو أمير المؤمنين الذين يصدون . و تجهز الناس على ما في أنفسهم من استثقال ذلك ، و طفق المنافقون يثبطونهم عن الغزو ، و كان نفر منهم يجتمعون في بيت بعض اليهود ، فأمر طلحة بن عبيد الله أن يخرب عليهم البيت فخربها . و استأذن ابن قيس من بني سلمة في القعود فأذن له و أعرض عنه ، و تدرب كثير من المسلمين بالإنفاق و الحملان و كان من أعظمهم في ذلك عثمان بن عفان يقال إنه أنفق فيها ألف دينار و حمل على تسعمائة بعير و مائة فرس و جهز ركابا . و جاء بعض المسلمين يستحمل رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يجد ما يحملهم عليه فنزلوا باكين لذلك ، و حمل بعضهم يامين بن عمير النضري و هما أبو ليلى بن كعب من بني مازن بن النجار و عبد الله بن المغفل المزني . و اعتذر المخلفون من الأعراب فعذرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:34 pm

ثم نهض و خلف على المدينة محمد بن مسلمة و قيل بل سباع بن عرفطة و قيل بل علي ابن أبي طالب ، و خرج معه عبد الله بن أبي بن سلول في عدد و عدة ، فلما سار صلى الله عليه و سلم تخلف هو فيمن تخلف من المنافقين . و مر صلى الله عليه و سلم على ديار ثمود فأمر أن لا يستعمل ماؤها و يعلف ما عجن منه للإبل ، و أذن لهم في بئر الناقة ، و أمر أن لا يدخلوا عليهم بيوتهم إلا باكين ، و نهى أن يخرج أحد منفرداً عن صاحبه ، فخرج رجلان من بني ساعدة خنق أحدهما فمسح عليه فشفي ، و الآخر رمته الريح في جبل طي فردوه بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم . و ضل صلى الله عليه و سلم ناقته في بعض الطريق ، فقال أحد المنافقين محمد يدعي علم خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : و الله لا أعلم إلا ما علمني الله و أن الناقة بموضع كذا . و كان قد أوحى إليها بها فوجدوها ثم ، و كان قائل هذا القول زيد بن اللصيت من بني قينقاع و قيل إنه تاب بعد ذلك . و فضح الوحي قوماً من المنافقين كانوا يخذلون الناس و يهولون عليهم أمر الروم ، فتاب منهم مخشى بن جهير و دعا أن يكفر عنه بشهادة يخفي مكانه فقتل يوم اليمامة .

و لما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك أتاه يحينة بن رؤبة صاحب أيلة و أهل جرباء و أذرح فصالحوا على الجزية و كتب لكل كتاباً . و بعث صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل من كندة كان ملكاً عليها و كان نصرانياً و أخبر أنه يجده يصيد البقر ، و اتفق أن بقر الوحش باتت تهد القصر بقرونها فنشط أكيدر لصيدها و خرج ليلاً ، فوافق وصوله خالداً ، فأخذه و بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فعفا عنه و صالحه على الجزية و رده .

و أقام بتبوك عشرين ليلة ، ثم انصرف ، و كان في طريقه ماء قليل نهى أن يسبق إليه أحد ، فسبق رجلان و استنفدا ما فيه فنكر عليهما ذلك ، ثم وضع يده تحت وشله فصب ما شاء الله أن يصب و نضح به الوشل و دعا فجاش الماء حتى كفى العسكر .

و لما قرب المدينة بساعة من نهار أنفذ مالك بن الدخشم من بني سالم و معن بن عدي من بني العجلان إلى مسجد الضرار ، فأحرقاه و هدماه ، و قد كان جماعة من المنافقين بنوه و أتوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يتجهز إلى تبوك فسألوه الصلاة فيه ، فقال : أنا على سفر و لو قدمنا أتيناكم فصلينا لكم فيه . فلما رجع أمر بهدمه .

و في هذه الغزاة تخلف كعب بن مالك من بني سلمة و مرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف و هلال بن أمية بن واقف و كانوا صالحين ، فنهى صلى الله عليه و سلم عن كلامهم خمسين يوماً ، ثم نزلت توبتهم ، و كان المتخلفون من غير عذر نيفاً و ثلاثين رجلاً . وكان وصوله صلى الله عليه و سلم من تبوك في رمضان سنة تسع ، و فيه كانت وفادة ثقيف و إسلامهم ، و نزل الكثير من سورة براءة في شأن المنافقين و ما قالوه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها صلى الله عليه و سلم .



إسلام عروة بن مسعود ثم وفد ثقيف و هدم اللات

كان صلى الله عليه و سلم لما أفرج عن الطائف و ارتحل المدينة اتبعه عروة بن مسعود سيدهم ، فأدركه في طريقه و أسلم و رجع يدعو قومه ، فرمي بسهم في سطح بيته و هو يؤذن للصلاة فمات ، و منع قومه من الطلب بدمه و قال : هي شهادة ساقها الله إلي و أوصى أن يدفن مع شهداء المسلمين . ثم قدم ابنه أبو المليح و قارب بن الأسود بن مسعود فأسلما ، و ضيق مالك بن عوف على ثقيف و استباح سرحهم و قطع سابلتهم . و بلغهم رجوع النبي صلى الله عليه و سلم من تبوك و علموا أن لا طاقة لهم بحرب العرب المسلمين ، و فزعوا إلى عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فشرط عليهم أن يبعثوا معه رجالاً منهم ليحضروا مشهده خشية على نفسه مما نزل بعروة ، فبعثوا معه رجلين من أحلاف قومه و ثلاثاً من بني مالك ، فخرج بهم عبد ياليل و قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان من السنة التاسعة يريدون البيعة و الإسلام فضرب لهم قبة في المسجد ، و كان خالد بن سعيد بن العاص يمشي في أمرهم و هو الذي كتب كتابهم بخطه ، و كانوا لا يأكلون طعاماً يأتيهم حتى يأكل منه خالد ، و سألوه أن يدع لهم اللات ثلاث سنين رغباً لنسائهم و أبنائهم حتى يأنسوا فأبى ، و سألوه أن يعفيهم من الصلاة فقال : لا خير في دين لا صلاة فيه ، فسألوه أن لا يكسروا أوثانهم فقال : أما هذه فسنكفيكهم منها . فأسلموا و كتب لهم و أمر عليهم عثمان بن أبي العاص أصغرهم سناً لأنه كان حريصاً على الفقه و تعلم القرآن . ثم رجعوا إلى بلادهم ، و خرج معه أبو سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة لهدم اللات ، و تأخر أبو سفيان حتى دخل المغيرة فتناولها بيده ليهدمها ، و قام بنو معتب دونه خشية عليه . ثم جاء أبو سفيان و جمع ما كان لها من الحلي و قضى منه دين عروة و الأسود ابني مسعود كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم و قسم الباقي .



الوفود

و لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك و أسلمت ثقيف ضربت إليه وفود العرب من كل وجه حتى لقد سميت سنة الوفود . قال ابن إسحق : و إنما كانت العرب تتربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش و أمر النبي صلى الله عليه و سلم ، و ذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس و هاديهم و أهل البيت و الحرم و صريح ولد إسمعيل و قادتهم لا ينكرون لهم ، و كانت قريش هي التي نصبت لحربه وخلافه . فلما استفتحت مكة و دانت قريش و دخلها الإسلام عرفت العرب أنهم لا طاقة لهم بحربه و عداوته ، فدخلوا في دينه أفواجاً يضربون إليه من كل وجه انتهى .

فأول من قدم إليه بعد تبوك وفد بني تميم و فيه من رؤوسهم : عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس من بني دارم بن مالك ، و الحتات بن زيد ، و الأقرع بن حابس ، و الزبرقان بن بدر من بني سعد ، و قيس بن عاصم ، و عمرو بن الأهتم و هما من بني منقر ، و نعيم بن زيد و معهم عيينة بن حصن الفزاري . و قد كان الأقرع و عيينة من بني منقر ، و نعيم بن زيد و معهم عيينة بن حصن الفزاري . و قد كان الأقرع و عيينة شهدا فتح مكة و خيبر و حصار الطائف ، ثم جاءا مع وفد بني تميم ، فلما دخلوا المسجد نادوا من وراء الحجرات فنزلت الآيات في إنكار ذلك عليهم . و لما خرج قالوا جئنا نفاخرك بخطيبنا و شاعرنا فأذن لهم ، فخطب عطارد و فاخر و يقال والأقرع بن حابس ، ثم أنشد الزبرقان بن بدر شعراً بالمفاخرة ، و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثابت بن قيس بن الشماس من بني الحرث بن الخزرج فخطب و حسان بن ثابت فأنشد مساجلين لهم ، فأذعنوا للخطبة و الشعر و السؤود و الحلم ، و قالوا : هذا الرجل هو مؤيد من الله خطيبه أخطب من خطيبنا و شاعره أشعر من شاعرنا و أصواتهم أعلى من أصواتنا ، ثم أسلموا و أحسن رسول الله صلى الله عليه و سلم جوائزهم . و هذا كان شأنه مع الوفود ينزلهم إذا قدموا و يجهزهم إذا رحلوا .

ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر رمضان مقدمه من تبوك كتاب ملوك حمير مع رسولهم و مع الحرث بن عبد كلال ، و نعيم بن عبد كلال ، و النعمان قيل ذي رعين و همدان و معافر . و بعث زرعة بن ذي يزن رسوله مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم و مفارقة الشرك ، و أهله و كتب إليهم النبي صلى الله عليه و سلم كتابه . و بعث إلى ذي يزن معاذ بن جبل مع رسوله مالك بن مرة يجمع الصدقات ، و أوصاهم برسله معاذ و أصحابه . ثم مات عبد الله بن أبي بن سلول في ذي القعدة ، و نعى رسول الله صلى الله عليه و سلم النجاشي و أنه مات في رجب قبل تبوك .

و قدم وفد بهرا في ثلاثة عشر رجلا و نزلوا على المقداد بن عمرو و جاء بهم فأسلموا و أجازهم و انصرفوا ، و قدم وفد بني البكاء ثلاثة نفر منهم . و قدم وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً فيهم خارجة بن حصن و ابن أخيه الحر بن قيس فأسلموا .و وفد عدي بن حاتم من طي فأسلم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بعث قبل تبوك إلى بلاد طي علي بن أبي طالب في سرية فأغار عليهم ، و أصيب حاتم و سبيت ابنته و غنم سيفين في بيت أصنامهم كانتا من قربان الحرث بن أبي شمر ، و كان عدي قد هرب قبل ذلك و لحق ببلاد قضاعة بالشام فرارا من جيوش المسلمين و جوارا لأهل دينه من النصارى و أقام بينهم ، و لما سيقت ابنة حاتم جعلت في الحظيرة بباب المسجد التي كانت السبايا تحبس
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:36 pm

بها ، و مر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمته أن يمن عليها ، فقال : قد فعلت و لا تعجلي حتى تجدي ذائقة من قومك يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني ، قالت : فأقمت حتى قدم ركب من بني قضاعة و أنا أريد أن آتي أخي بالشام فعرفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فكساني و حلني و زورني و خرجت معهم فقدمت الشام فلما لقيها عدي تلاوما ساعة ثم قال لها ماذا ترين في أمري مع هذا الرجل ؟ فأشارت عليه باللحاق به فوفد ، و أكرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أدخله إلى بيته و أجلسه على وسادته ، بعد أن استوقفته في طريقه امرأة فوقف لها ، فعلم عدي أنه ليس بملك و أنه نبي ، ثم أخبره عن أخذه المرباع من قومه و لا يحل له فازداد استبصاراً فيه ، ثم قال : لعله إنما يمنعك من الدخول في الدين ما ترى من حاجتهم فيوشك أن يفيض المال فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، أو لعله يمنعك ما ترى من كثرة عدوهم و قلة عددهم فوالله ليوشكن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ، أو لعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى الملك و السلطان لغيرهم فيوشك أن تسمع بالقصور البيض من بابل قد فتحت . فأسلم عدي و انصرف إلى قومه .

ثم أنزل الله على نبيه الأربعين آية من أول براءة في نبذ هذا العهد الذي بينه و بين المشركين أن لا يصدوا عن البيت ، و نهوا أن يقرب المسجد الحرام مشرك بعد ذلك ، و أن لا يطوف بالبيت عريان ، و من كان بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و السلام عهد فيتم له إلى مدته ، و أجلهم أربعة أشهر من يوم النحر . فبعث رسول الله صلى الله عليه و السلام بهذه الآيات أبا بكر و أمره على إقامة الحج بالموسم من هذه السنة ، فبلغ ذا الحليفة فاتبعه بعلي فأخذها منه ، فرجع أبو بكر مشفقا أن يكون نزل فيه قرآن ، فقال له النبي صلى الله عليه و السلام : لم ينزل شيء و لكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني . فسار أبو بكر على الحج و علي على الأذان ببراءة ، فحج أبو بكر بالناس وهم على حج الجاهلية ، و قام علي عند العقبة يوم الأضحى فأذن بالآية التي جاء بها . قال الطبري و في هذه السنة فرضت الصدقات لقوله تعالى " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها " الآية . و فيها قدم وفد ثعلبة بن سعد و وفد سعد هذيم من قضاعة . قال الطبري : و فيها بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً فاستحلف رسول الله صلى الله عليه و السلام على ما جاء به الإسلام ، و ذكر التوحيد و الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج واحدة واحدة حتى إذا فرغ تشهد و أسلم ، و قال : لأؤدي هذه الفرائض و أجتنب ما نهيت عنه ثم لا أزيد عليها و لا أنقص ، فلما انصرف قال صلى الله عليه و السلام : إن صدق دخل الجنة ، ثم قدم على قومه فأسلموا كلهم يوم قدومه . و الذي عليه الجمهور : أن قدوم ضمام و قصته كانت سنة خمس .

ثم دخلت سنة عشرة فبعث رسول الله صلى الله عليه و السلام خالد بن الوليد في ربيع أو جمادى في سرية أربعمائة إلى نجران و ما حولها يدعو بني الحرث بن كعب إلى الإسلام و يقاتلهم إن لم يفعلوا ، فأسلموا و أجابوا داعيته ، و بعث الرسل في كل وجه فأسلم الناس فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و السلام ، فكتب إليه بأن يقدم مع وفدهم ، فأقبل خالد و معه وفد بني الحرث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذو القصة و يزيد بن المحجل و عبد الله بن قراد الزيادي و شداد بن عبد الله الضبابي و عمرو بن عبد الله الضبابي ، فأكرمهم النبي صلى الله عليه و السلام و قال لهم : بم كنتم تغلبون من يقاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا : كنا نجتمع و لا نفترق و لا نبدأ أحداً بظلم . قال : صدقتم ، فأسلموا و أمر عليهم قيس بن الحصين ، و رجعوا صدر ذي القعدة من سنة عشر ، ثم أتبعهم عمرو بن حزم من بني النجار ليفقههم في الدين و يعلمهم السنة ، و كتب إليه كتاباً عهد إليه فيه عهده و أمره بأمره ، و أقام عاملا على نجران . و هذا الكتاب وقع في السير مروياً و اعتمده الفقهاء في الاستدلالات و فيه مآخذ كثيرة للأحكام الفقهية و نصه : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله و رسوله : يا أيها الذين أوفوا بالعقود ، عهداً من محمد النبي صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا و الذين و الذين هم محسنون ، و آمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله و أن يبشر الناس بالخير و يأمرهم به و يعلم الناس القرآن و يفهمهم فيه ، و أن ينهى الناس فلا يمس القرآن إنسان إلا و هو طاهر ، و أن يخبر الناس بالذي لهم و الذي عليهم ، و يلين للناس في الحق و يشتد عليهم في الظلم فإن الله حرم الظلم و نهى عنه فقال : ألا لعنة الله على الظالمين ، و أن يبشر الناس بالجنة و بعملها و ينذر الناس بالنار و عملها ، و يستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ، و يعلم الناس معالم الحج و سننه و فرائضه و ما أمر الله به الحج الأكبر و الحج الأصغر و هو العمرة ، و ينهي الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعاً يثنى طرفيه على عاتقيه ، و ينهي أن يحتبي أحد في ثوب واحد و يفضي بفرجه إلى السماء ، و ينهي أن يقص أحد شعر رأسه إذا عفا في قفاه ، و ينهي إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل و العشائر و ليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع إلى الله و دعا القبائل و العشائر فليعطفوه بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له ، و يأمر الناس بإسباغ الوضوء في وجوههم و أيديهم إلى المرافق و أرجلهم إلى الكعبين و أن يمسحوا برؤوسهم كما أمرهم الله ، و آمره بالصلاة لوقتها و إتمام الركوع و السجود و أن يغلس بالصبح و يهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس و صلاة العصر و الشمس في الأرض مدبرة و المغرب حين يقبل الليل لا يؤخر حتى تبدوا نجوم السماء و العشاء أول الليل ، و آمره بالسعي إلى الجمعة إذا نوى لها و الغسل عند الرواح إليها ، و آمره أن يأخذ من الغنائم خمس الله ، و ما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين أو سقت السماء و على ما سقى الغرب نصف العشر و في كل عشر من الإبل شاتان و في كل عشرين أربع شياة و في كل أربعين من البقر بقرة و في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة و في كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيراً فهو خير له ، و أنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل مالهم و عليه ما عليهم و من كان نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها و عليه الجزية ، على كل حالم ذكراً و أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثياباً . فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله رسوله . و من منع ذلك فإنه عدو لله و لرسوله و للمؤمنين جميعاً صلوات الله على محمد و السلام عليه و رحمته و بركاته . "

و قدم وفد غسان في رمضان من هذه السنة العاشرة في ثلاثة نفر فأسلموا و انصرفوا إلى قومهم فلم يجيبوا إلى الإسلام فكتموا أمرهم و هلك إثنان منهم و لقي الثالث أبو عبيدة عامر باليرموك فأخبره بإسلامه . و قدم عليه وفد عامر عشرة نفر فأسلموا و تعلموا شرائع الإسلام و أقرأهم أبي القرآن و انصرفوا . و قدم في شوال وفد سلامان سبعة نفر رئيسهم حبيب فأسلموا و تعلموا الفرائض و انصرفوا .

و فيما قدم وفد أزدجرش وفد فيهم صرد بن عبد الله الأزدي في عشرة من قومه ، و نزلوا على فروة بن عمرو ، و أمر النبي صلى الله عليه و السلام بعد أن أسلموا صرداً على من أسلم منهم ، و أن يجاهد المشركين حوله . فحاصر جرش و من بها خثعم و قبائل اليمن ، و كانت مدينة حصينة اجتمع إليها أهل اليمن حين سمعوا بزحف المسلمين ، فحاصرهم شهراً ، ثم قفل عنهم فظنوا أنه انهزم فاتبعوه إلى جبل شكر ، فصف و حمل عليهم و نال منهم ، و كانوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و السلام رائدين و أخبرهم ذلك اليوم بواقعة شكر و قال : إن الله لتنحر عنده الآن فرجعا إلى قومهما و أخبرهم بذلك و أسلموا و حمى حول قريتهم .و فيها كان إسلام همدان و وفادتهم على يد علي رضي الله عنه ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و السلام بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فمكث ستة أشهر لا يجيبونه ، فبعث عليه السلام علي بن أبي طالب و أمره أن يقفل خالداً ، فلما بلغ علي أوائل اليمن جمعوا له فلما لقوه صفوا فقدم علي الإنذار و قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و السلام فأسلمت همدان كلها ذلك اليوم ، و كتب بذلك إلى النبي صلى الله عليه و السلام فسجد لله شكراً ، ثم قال : السلام على همدان ثلاث مرات . ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام و قدمت وفودهم ، و كان عمرو بن معد يكرب الزبيدي قال لقيس بن مكشوح المرادي : اذهب بنا إلى هذا الرجل فلن يخفى علينا أمره فأبى قيس من ذلك ، فقدم عمرو على النبي
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:38 pm

صلى الله عليه و السلام فأسلم ، و كان فروة بن مسيك المرادي على ربيد لأنه وفد قبل عمرو مفارقاً لملوك كندة فأسلم و نزل سعد بن عبادة و تعلم القرآن و فرائض الإسلام و استعمله رسول الله صلى الله عليه و السلام على مراد و زبيد و مذحج كلها و بعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى كانت الوفاة .

و في هذه السنة قدم وفد عبد القيس يقدمهم الجارود بن عمرو و كانوا على دين النصرانية ، فأسلموا و رجعوا إلى قومهم . و لما كانت الوفاة ارتد عبد القيس و نصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر الذي يسمى الغرور ثبت الجارود على الإسلام ، و كان له المقام المحمود و هلك قبل أن يراجعوا . وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر ساوي العبدي فأسلم و حسن إسلامه ، و هلك بعد الوفاة و قبل ردة أهل البحرين و العلاء أمير عنده لرسول الله صلى الله عليه و سلم على البحرين .

و في هذه السنة قدم وفد بني حنيفة في سنة عشر فيهم : مسلمة بن حبيب الكذاب ، و رجال بن عنفوة ، و طلق بن علي بن قيس ، و عليهم سلمان بن حنظلة ، فأسلموا و أقاموا أياماً يتعلمون القرآن من أبي بن كعب ، و رجال يتعلم ، و طلق يؤذن لهم ، و مسيلمة في الرحال ، و ذكروا للنبي صلى الله عليه و سلم مكانه في رحالهم فأجازه ، و قال : ليس بشركم مكاناً لحفظه رحالكم ، فقال مسيلمة عرف أن الأمر لي من بعده . ثم ادعى مسيلمة بعد ذلك النبوة ، و شهد له طلق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشركه في الأمر فافتتن الناس به كما سنذكره .

و فيها قدم وفد كندة يقدمهم الأشعث بن قيس في بضعة عشر و قيل في ستين و قيل في ثمانين ، و عليهم الديباج و الحرير ، و أسلموا و نهاهم النبي صلى الله عليه و سلم عنه فتركوه . و قال له أشعث نحن بنو آكل المرار و أنت ابن آكل المرار فضحك و قال : ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب و ربيعة بن الحرث و كانا تاجرين فإذا ساحا في أرض العرب قال نحن بنو آكل المرار فيعتز بذلك لأن لهم عليه ولادة من الأمهات ، ثم قال لهم لا نحن بنو النضر بن كنانة فانتفوا منا و لا ننتفي من أبينا . و قدم مع وفد كنانة وفد حضرموت و هم بنو وليعة ، و ملوكهم جمد و مخوس و مشرح و أبضعة فأسلموا و دعا لمخوس بإزالة الرتة من لسانه . ( و قدم وائل بن حجر ) راغباً في الإسلام فدعا له و مسح رأسه ، و نودي الصلاة جامعة سروراً بقدومه ، و أمر معاوية أن ينزله بالحرة ، فمشى معه و كان راكباً فقال له معاوية أعطني نعلك أتوقى بها الرمضاء ، فقال ما كنت لألبسها وقد لبستها . و في رواية لا يبلغ أهل اليمن أن سوقة لبس نعل ملك فقال : أردفني قال لست من أرداف الملوك ، ثم قال : إن الرمضاء قد أحرقت قدمي قال إمش في ظل ناقتي كفاك به شرفاً . و يقال إنه وفد على معاوية في خلافته فأكرمه و كتب له رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاباً " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب محمد النبي لوائل بن حجر قيل حضرموت إنك إن أسلمت لك ما في يديك من الأرض و الحصون و يؤخذ منك من كل عشر واحدة ينظر في ذلك ذو عدل و جعلت لك ألا تظلم فيها معلم الدين . و النبي صلى الله عليه و سلم و المؤمنين أشهاد عليه " . قال عياض و فيه إلى الأقيال العباهلة و الأوراع المشابيب . و فيه في التيعة شاة لا مقورة لالياط ولا ضناك و أنطوا الثبجة و في السيوب الخمس و من زنى من بكر فاصقعوه مائة و استوفضوه عاماً ، و من زنى من ثيب فضرجوه بالاضاميم ، و لا توصيم في الدين و لا غمة في فرائض الله و كل مسكر حرام و وائل بن حجر يترفل على الأقيال .

و فيها قدم وفد محارب في عشرة نفر فأسلموا . و فيها قدم وفد الرها من مذحج في خمسة عشر نفرا و أهدوا فرساً ، فأسلموا و تعلموا القرآن و انصرفوا ، ثم قدم نفر منهم و حجوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و توفي فأوصى لهم بمائة وسق من خيبر جارية عليهم من الكتيبة و باعوها من معاوية .

و فيها قدم وفد نجران النصارى في سبعين راكباً يقدمهم أميرهم العاقب عبد المسيح من كندة ، و أسقفهم أبو حارثة من بكر بن وائل ، و السيد الأيهم و جادلوا عن دينهم ، فنزل صدر سورة آل عمران و آية المباهلة فأبوا منها و فرقوا و سألوا الصلح ، و كتب لهم به على ألف حلة في صفر و ألف في رجب و على دروع و رماح و خيل و حمل ثلاثين من كل صنف ، و طلبوا أن يبعث معهم والياً يحكم بينهم فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، ثم جاء العاقب و السيد و أسلما .

و فيها قدم وفد الصدف من حضرموت في بضعة عشر نفرا فأسلموا ، و علمهم أوقات الصلاة و ذلك في حجة الوداع . و في هذه السنة قدم وفد عبس ، قال ابن الكلبي : وفد منهم رجل واحد فأسلم و رجع و مات في طريقه . و قال الطبري : و فيها وفد عدي ابن حاتم في شعبان انتهى .

و فيها قدم وفد خولان عشرة نفر فأسلموا و هدموا صنمهم ، و كان وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الضبيبي من جذام و أهدى غلاماً فأسلم ، و كتب له رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاباً يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا ، و لم يلبث أن قفل دحية بن خليفة الكلبي منصرفاً من عند هرقل حين بعثه النبي صلى الله عليه و سلم و معه تجارة ، فأغار عليه الهنيد بن عوض و قومه بنو الضليع من بطون جذام فأصابوا كل شيء معه ، و بلغ ذلك مسلمين من بني الضبيب فاستنقذوا ما أخذه الهنيد و إبنه و ردوه على دحية ، و قدم دحية على النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر ، فبعث النبي صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في جيش من المسلمين فأغار عليهم بالقضقاض من حرة الرمل ، و قتلوا الهنيد و إبنه في جماعة و كان معهم ناس من بني الضبيب فاستباحوهم معهم و قتلوهم ، فركب رفاعة بن زيد و معه أبو زيد بن عمرو من قومه في جماعة منهم فقدموا على النبي صلى الله عليه و سلم و أخبروه الخبر ، فقال : كيف أصنع بالقتلى ؟ فقالوا : يا رسول الله أطلق لنا من كان حياً ، فبعث معهم علي بن أبي طالب و حمله على جمل و أعطاه سيفه فلحقه بفيفاء الفحلتين و أمره برد أموالهم فردها .

و في هذه السنة قدم وفد عامر بن صعصعة فيهم : عامر بن الطفيل بن مالك ، و أربد ابن ربيعة بن مالك ، فقال له عامر : يا محمد اجعل لي الأمر بعدك ، قال : ليس ذلك لك و لقومك ، قال : إجعل لي الوبر و لك المدر ، قال : لا و لكن أجعل لك أعنة الخيل فإنك امرؤ فارس ، فقال : لأملأنها عليك خيلاً و رجلا ثم ولوا . فقال : اللهم أكفنيهم اللهم أهد عامر أو أغن الإسلام عن عامر . و ذكر ابن إسحق و الطبري : أنهما أرادا الغدر برسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يقدروا عليه في قصة ذكرها أهل الصحيح ، ثم رجعوا إلى بلادهم فأخذه الطاعون في عنقه فمات في طريقه في أحياء بني سلول و أصابت أخاه أربد صاعقة بعد ذلك . ثم قدم علقمة بن علاثة بن عوف و عوف بن خالد بن ربيعة و إبنه فأسلموا .

و فيها قدم وفد طيء في خمسة عشر نفرا يقدمهم سيدهم زيد الخيل و قبيصة بن الأسود من بني نبهان فأسلموا ، و سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد الخير و أقطع له بئراً و أرضين معها و كتب له بذلك و مات في مرجعه .

و في هذه السنة ادعى مسيلمة النبوة و أنه أشرك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمر ، و كتب إليه : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك فإني قد أشركت في الأمر معك و أن لنا نصف الأرض و لقريش نصف الأرض و لكن قريش قوم لا يعدلون ، و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين . " قال الطبري : وقد قيل إن ذلك كان بعد منصرف النبي صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع كما نذكر .



حجة الوداعثم خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى حجة الوداع في خمسة ليال بقين من ذي العقدة و معه من أشراف الناس و مائة من الإبل عرياً ، و دخل مكة يوم الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، و لقيه علي بن أبي طالب بصدقات نجران فحج معه ، و علم صلى الله عليه و سلم الناس بمناسكهم و استرحمهم و خطب الناس بعرفة خطبته التي بين فيها ما بين ، حمد الله و أثنى عليه ثم قال : " أيها الناس إسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ! أيها الناس إن دماءكم و أموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:39 pm

هذا و حرمة شهركم هذا و ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم و قد بلغت فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها و إن كان رباً فهو موضوع و لكم رؤس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون قضى الله أنه لا ربا إن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله و أن كل دم في الجاهلية موضوع كله و أن أول دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و كان مسترضعاً في بني الليث ، فقتله بنو هذيل فهو أول ما أبدا من دم الجاهلية . أيها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً و لكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم . إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً و يحرمونه إلى فيحلوا ما حرم الله ألا و إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الأرض و إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب الفرد الذي بين جمادى و شعبان أما بعد أيها الناس فإن لكم على أن نسائكم حقاً و لهن عليكم حقاً لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه و عليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع و تضربوهن ضرباً غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن و كسوتهن بالمعروف . و استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً و إنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله فاعقلوا أيها الناس و اسمعوا قولي فإني قد بلغت قولي و تركت فيكم ما إن استعصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله و سنة نبيه أيها الناس اسمعوا قولي و اعلموا إن كل مسلم أخو المسلم و إن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه إياه عن طيب نفس فلا تظلموا أنفسكم ألا هل بلغت . فذكر أنهم قالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اشهد " . و كانت هذه الحجة تسمى حجة البلاغ و حجة الوداع لأنه لم يحج بعدها و كان قد حج قبل ذلك حجتين و اعتمر مع حجة الوداع عمرة فتلك ثلاث ثم انصرف إلى المدينة في بقية ذي الحجة من العاشر .



العمال على النواحي

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أسلم باذان عامل كسرى على اليمن و أسلمت اليمن أمره على جميع مخاليفها و لم يشرك معه فيها أحداً حتى مات ، و بلغه موته و هو منصرف من حجة الوداع فقسم عمله على جماعة من أصحابه ، فولى على صنعاء ابنه شهر بن باذان ، و على مأرب أبا موسى الأشعري ، و على الجند يعلي بن أمية ، و علي همدان عامر بن شهر الهمداني ، و على عك و الأشعر بين الطاهر بن أبي هالة و على ما بين نجران و زمع و زبيد خالد بن سعيد بن العاص ، و على نجران عمر و بن حزم ، و على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي ، و على السكاسك و السكون عكاشة بن ثور بن أصفر الغوثي ، و على معاوية بن كندة عبد الله المهاجر بن أبي أمية و اشتكى المهاجر فلم يذهب فكان زياد بن لبيد يقوم على عمله ، و بعث معاذ بن جبل معلماً لأهل اليمن و حضرموت ، و كان قبل ذلك قد بعث على الصدقات عدي بن حاتم على صدقة طيء و أسد ، و مالك بن نوبرة على صدقات بني حنظلة ، و قسم صدقة بني سعد بين رجلين منهم ، و بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين و بعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم و جزيتهم و يقدم عليه بها فوفاه من حجة الوداع كما مر .



خبر العنسي

كان الأسود العنسي و اسمه عبهلة بن كعب و لقبه ذو الخمار ، و كان كاهناً مشعوذاً يفعل الأعاجيب و يخلب بحلاوة منطقه ، و كانت داره كهف حنار بها ولد ، و نشأ و ادعى النبوة و كاتب مذحجاً عامة فأجابوه و وعدوه ، نجران فوثبوا بها و أخرجوا عمرو بن حزم و خالد بن سعيد بن العاص و أقاموه في عملها ، و وثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك و هو على مراد فأجلوه ، و سار الأسود في سبعمائة فارس إلى شهر بن باذان بصنعاء فلقيه شهر بن باذان فهزمه الأسود فقتله ، و غلب على ما بين صنعاء و حضرموت إلى أعمال الطائف إلى البحرين من قبل عدن ، و جعل يطير استطارة الحريق و عامله المسلمون بالتقية ، و ارتد كثير من أهل اليمن . و كان عمرو بن معدي كرب مع خالد بن سعيد العاص ، فخالفه و استجاب للأسود ، فسار إليه خالد و لقيه فاختلفا ضربتين فقطع خالد سيفه الصمصامة و أخذها ، و نزل عمرو عن فرسه و فتك في الخيل و لحق عمرو بن الأسود فولاه على مذحج و كان أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث المرادي ، و أمر الأبناء إلى فيروز و دادويه و تزوج امرأة شهر بن باذان و استفحل أمره .

و خرج معاذ بن جبل هارباً و مر بأبي موسى في مأرب فخرج معه و لحقا بحضرموت ، و نزل معاذ في السكون و أبو موسى في السكاسك ، و لحق عمرو بن حزم و خالد بن سعيد بالمدينة . و أقام الطاهر بن أبي هالة عك حيال صنعاء ، فلما ملك الأسود اليمن و استفحل استخف بقيس بن عبد يغوث و بفيروز ودادويه ، و كانت إبنة عم قيروز هي زوجة شهر بن باذان التي تزوجها الأسود بعد مقتله و اسمها أزاد . و بلغ الخبر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فكتب مع وبر بن يحنس إلى الأبناء و أبي موسى و معاذ الطاهر يأمرهم فيه أن يعملوا في أمر الأسود بالغيلة أو المصادمة و يبلغ منه من يروم عنده ديناً أو نجدة ، و أقام معاذ و الأبناء فداخلوا قيس بن عبد يغوث في أمره فأجاب ، ثم داخل فيروز بنت عمه زوجة الأسود فواعدته قتله ، و كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى عامر بن شهر الهمداني و بعث جرير بن عبد الله إلى ذي الكلاع و ذي أمران و ذي ظليم من أهل ناحيته و إلى أهل نجران من عربهم و نصاراهم و اعترضوا الأسود و مشوا و تنحوا إلى مكان واحد . و أخبر الأسود شيطانه بغدر قيس و فيروز و دادويه فعاتبهم و هم بهم ، ففروا إلى امرأته و واعدتهم أن ينقبوا البيت من ظهره و يدخلوا فيبيتوه ، ففعلوا ذلك و دخل فيروز و معه قيس فقتل عنقه ثم ذبحه ، فنادى بالأذان عند طلوع الفجر و نادى دادويه بشعار الإسلام ، و أقام وبر بن يحنس الصلاة و اهتاج الناس مسلمهم و كافرهم و ماج بعضهم في بعض و اختطف الكثير من أصحابه صبياناً من أبناء المسلمين ، و برزوا و تركوا كثيراً من أبنائهم ثم تراسلوا في رد كل ما بيده و أقاموا يترددون فيما بين صنعاء و نجران ، و خلصت صنعاء و الجنود ، و تراجع أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى أعمالهم و تنافسوا الإمارة في صنعاء ، ثم اتفقوا على معاذ فصلى بهم و كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخبر ، و كان قد أتى خبر الواقعة من السماء فقال في غداتها : قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك و هو فيروز . ثم قدمت الرسل ، و قد توفي النبي صلى الله عليه و سلم .

بعث أسامة : و لما رجع النبي صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع آخر ذي الحجة ضرب على الناس في شهر المحرم بعثاً إلى الشام و أمر عليهم مولاه أسامة بن زيد بن حارثة ، و أمره أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء و الداروم إلى الأردن من أرض فلسطين و مشارف الشام ، فتجهز الناس و أوعب معه المهاجرون الأولون . فبينا الناس على ذلك ابتدأ صلى الله عليه و سلم بشكواه التي قبضه الله فيها إلى كرامته و رحمته ، و تكلم المنافقون في شأن الكرامة ، و بلغ الخبر بارتداد الأسود و مسيلمة ، و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عاصباً رأسه من الصداع و قال : " إني رأيت البارحة في نومي أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة و صاحب اليمن و قد بلغني أن أقواماً تكلموا في إمارة أسامة إن يطعنوا في إمارته لقد طعنوا في إمارة أبيه من قبله و إن كان أبوه لحقيقاً بالأمارة و إنه لحقيق بها انفروا ". فبعث أسامة فضرب أسامة بالجرف و تهمهل ، و ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم و توفاه الله قبل توجه أسامة .أخبار الأسود و مسيلمة و طليحة : كان النبي صلى الله عليه و سلم بعدما قضى حجة الوداع تحلل به السير فاشتكى و طارت الأخبار ، و بذلك فوثب الأسود باليمن كما مر و وثب مسليمة باليمامة ، ثم وثب طليحة بن خويلد في بني أسد ، يدعي كلهم النبوة . و حاربهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرسل و الكتب إلى عماله و من ثبت على إسلامه من قومهم أن يجدوا في جهادهم ، فأصيب الأسود قبل وفاته بيوم و لم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله و الذب عن دينه ، فبعث إلى المسلمين من العرب في ناحية من نواحي
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:40 pm

هؤلاء الكذابين يأمرهم بجهادهم . و جاء كتاب مسيلمة إليه فأجابه كما مر و جاء ابن أخي طليحة يطلب الموادعة فدعا صلى الله عليه و سلم حتى كان من حكم الله فيهم بعده ما كان .

مرضه صلى الله عليه و سلم : " أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك أن الله نعى إليه نفسه " إذا جاء نصر الله و الفتح " إلى آخر السورة ، ثم بدأه الوجع لليلتين بقيتا من صفر وتمادى به وجعه و هو يدور على نسائه حتى استقر به في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له . و خرج على الناس فخطبهم و تحلل منهم و صلى على شهداء أحد و استغفر لهم ، ثم قال لهم : إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا و بين ما عنده فاختار ما عنده . و فهمها أبو بكر فبكى ، فقال : بل نفديك بأنفسنا و أبنائنا ، فقال : على رسلك يا أبو بكر ، ثم جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه فرحب بهم و عيناه تدمعان و دعا لهم كثيراً و قال : أوصيكم بتقوى الله و أوصي الله بكم و أستخلفه عليكم و أودعكم إليه إني لكم نذير و بشير ألا تعلموا على الله في بلاده و عباده فإنه قال لي و لكم : تلك الدار الآخر نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فساد و العاقبة للمتقين و قال أليس في جهنم مثوى للمتكبرين .

ثم سألوه عن مغسله ، فقال : الأدنون من أهلي ، و سألوه عن الكفن ، فقال : في ثيابي هذه ؟ أو ثياب مصر أو حلة يمانية . و سألوه عن الصلاة عليه ، فقال : ضعوني على سريري في بيتي على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة حتى تصلي علي الملائكة ثم ادخلوا فوجاً بعد فوج فصلوا و ليبدأ رجال أهلي ثم نساؤهم . و سألوه عمن يدخله القبر ، فقال : أهلي . ثم قال : ائتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده فتنازعوا و قال بعضهم أهجر ؟ يستفهم . ثم ذهبوا يعيدون عليه ، ثم قال : دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، و أوصى بثلاث : أن يخرجون المشركين من جزيرة العرب ، و أن يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم ، و سكت عن الثالثة أو نسيها الرواي . و أوصى بالأنصار فقال إنهم كرشي و عيلتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم و تجاوزوا عن مسيئهم فقد أصبحتم يا معشر المهاجرين تزيدون و الأنصار لا يزيدون ، ثم قال : سدوا هذه الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم أمر أفضل يداً عندي في الصحبة من أبي بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً و لكن صحبة إخاء و إيمان يجمعان الله عنده .

ثم ثقل به الوجع و أغمي عليه فاجتمع إليه نساؤه و بنوه و أهل بيته و العباس و علي ، ثم حضر وقت الصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقالت عائشة : إنه رجل أسيف لا يستطيع أن يقوم مقامك ، فمر عمر فامتنع عمر ، و صلى أبو بكر ، و وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم خفة فخرج فلما أحسن أبو بكر تأخر فجذبه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقامه مكانه و قرأ من حيث انتهى أبو بكر ، ثم كان أبو بكر يصلي بصلاته و الناس بصلاة أبي بكر ، قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة . و كان يدخل يده في القدم وهو في النزع فيسمه وجهه بالماء و يقول اللهم أعني على سكرات الموت ، فلما كان يوم الاثنين و هو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبح عاصباً رأسه و أبو بكر يصلي ، فنكص عن صلاته ، و رده رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده و صلى قاعداً عن يمينه ، ثم أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم و ذكرهم ، و لما فرغ من كلامه قال له أبو بكر : إني أرى أصبحت بنعمة الله و فضله كما نحب . و خرج إلى أهله في النسح .

و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيته فاضطجع في حجرة عائشة ، و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر عليه و في يده سواك أخضر ، فنظر إليه و عرفت عائشة أنه يريده قال : فمضغته حتى لان و أعطيته إياه فاستن به ثم وضعه . ثم ثقل في حجري فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص و هو يقول : الرفيق الأعلى من الجنة فعلمت انه خير فاختار . و كانت تقول : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم بين سحري و نحري . و ذلك نصف نهار يوم الإثنين لليلتين من شهر ربيع الأول و دفن من الغد نصف النهر من يوم الثلاثاء . و نادى النعي في الناس بموته و أبو بكر غائب في أهله بالنسخ ، و عمر حاضر فقام في الناس و قال : إن رجالاً من المنافقين زعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات و أنه لم يمت و إنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى و ليرجعن فيقطعن أيدي رجال و أرجلهم . و أقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فكشف عن وجهه و قبله و قال : بأبي أنت و أمي قد ذقت الموتة التي كتب الله عليك و لن يصيبك بعدها موته أبداً . و خرج إلى عمر و هو يتكلم ، فقال : أنصت . فأبى ، و أقبل على الناس يتكلم فجاؤا إليه و تركوا عمر ، فحمد الله و أثنى عليه و قال : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا : " و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية . فكأن الناس لم يعلموا ان هذه الآية في المنزل قال عمر : فما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فوقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي و عرفت أنه قد مات و قيل تلا معها : " إنك ميت و إنهم ميتون " الآية .

و بينما هم كذلك إذ جاء رجل يسعى بخبر الأنصار أنهم اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة يبايعون سعد بن عبادة يقولون منا أمير و من قريش أمير ، فانطلق أبو بكر و عمر و جماعة المهاجرين إليهم ، و أقام علي و العباس و إبناه الفضل و قثم و أسامة بن زيد يتولون تجهيز رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فغسله علي مسنده إلى ظهره و العباس و ابناه يقلبونه معه و أسامة و شقران يصبان الماء و علي يدلك من وراء القميص لا يفضي إلى بشرته بعد أن كانوا اختلفوا في تجهيزه ثم أصابتهم سنة فخفقوا و سمعوا من وراء البيت أن غسلوه و عليه ثيابه ففعلوا ، ثم كفنوه في ثوبين صحاريين و برد حبره أدرج فيهن إدراجاً ، و استدعوه حفارين أحدهما يلحد و الآخر يشق ، ثم بعث إليهما العباس رجلين و قال للهم خر لرسولك فجاء الذي يلحد و هو أبو طلحة زيد بن سهل كان يحفر لأهل المدينة فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم .

و لما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سرير بيته و اختلفوا أيدفن في مسجده أو بيته فقال أبو بكر سمعته صلى الله عليه و سلم يقول ما قبض نبي إلا يدفن حيث قبض ، فرفع فراشه الذي قبض عليه و حفر له تحته ، و دخل الناس يصلون عليه أفواجاً الرجال ثم النساء ثم الصبيان ثم العبيد لا يؤم أحدهم أحداً ، ثم دفن من وسط الليل ليلة الأربعاء و عن عائشة لإثنتي ليلة من ربيع الأول فكملت سنو الهجرة عشر سنين كوامل ، و توفي و هو ابن ثلاث و ستين و قيل خمس و ستين سنة و قيل ستين ."



خبر السقيفة

لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتاع الحاضرون لفقده حتى ظن أنه لم يمت ، و اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يبايعون سعد بن عبادة و هم يرون أن الأمر لهم بما آووا و نصروا ، و بلغ الخبر إلى أبي بكر و عمر فجاؤا إليهم و معهم أبو عبيدة و لقيهم عاصم بن عدي و عويم بن ساعدة فأرادوهم على الرجوع و خفضوا عليهم الشأن ، فأبوا إلا أن يأتوهم فأتوهم في مكانهم ذلك فأعجلوهم عن شأنهم و غلبوهم عليه جماعاً و موعظة . و قال أبو بكر : نحن أولياء النبي و عشيرته و أحق الناس بأمره و لا ننازع في ذلك ، و أنتم لكم حق السابقة و النصرة ، فنحن الأمراء و أنتم الوزراء . و قال الحباب بن المنذر بن الجموح : منا أمير و منكم أمير و إن أبوا فاجلوهم يامعشر الأنصار عن البلاد فبأسيافكم دان الناس لهذا الدين و إن شئتم أعدناها جذعة أنا جذيلهما المحكك و عذيقها المرجب . و قال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصانا بكم كما تعلمون و لو كنتم الأمراء لأوصاكم بنا ، ثم وقعت ملاحاة بين عمر و ابن المنذر ، و أبو عبيدة يحفضهما و يقول : اتقوا الله يامعشر الأنصار أنتم أول من نصر و آزر فلا تكونوا أول من بدل و غير .فقام بشير بن سعد بن النعمان بن كعب بن الخزرج فقال : ألا أن محمداً من قريش و قومه أحق و أولى ، و نحن و إن كنا أولى فضل في الجهاد و سابقة في الدين ، فما أردنا بذلك إلا رضى الله و طاعة نبيه فلا نبتغي به من الدنيا عوضاً ، و لا نستطيل به على الناس . فقال الحباب بن المنذر : نفست و الله عن ابن عمك يابشير . فقال لا و الله و لكن كرهت أن أنازع قوماً حقهم . فأشار أبو بكر إلى عمر و أبي عبيدة فامتنعا و بايعا أبا بكر و سبقهما إليه بشير بن سعد ، ثم تناجى الأوس فيما بينهم و كان فيهم أسيد بن حضير أحد النقباء و كرهوا إمارة الخزرج عليهم و ذهبوا إلى بيعة أبي بكر فبايعوه ، و أقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:42 pm

بكر و كادوا يطأون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحابه اتقوا سعداً لا تقتلوه . فقال عمر : اقتلوه قتله الله . و تماسكا فقال أبو بكر : مهلاً يا عمر الرفق هنا أبلغ . فأعرض عمر ثم طلب سعد في البيعة فأبى و أشار بشير بن سعد بتركه ، و قال : إنما هو رجل واحد ، فأقام سعد لا يجتمع معهم في الصلاة و لا يفيض معهم في الحديث حتى هلك أبو بكر . و نقل الطبري أن سعداً بايع يومئذ ، و في أخبارهم أنه لحق بالشام فلم يزل هنالك حتى مات و أن الجن قتلته و ينشدون البيتين الشهيرين و هما

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده فرميناه بسهمين فلم نخطء فؤاده



الخلافة الإسلامية

الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة و ما كان فيها من الردة و الفتوحات و ما حدث بعد ذلك من الفتن و الحروب في الإسلام ثم الإتفاق و الجماعة و لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أمر السقيفة كما قدمناه ، أجمع المهاجرون و الأنصار على بيعة أبي بكر و لم يخالف إلا سعد إن صح خلافه فلم يلتفت إليه لشذوذه . و كان من أول ما اعتمده إنفاذ بعث أسامة ، و قد ارتدت العرب إما القبيلة مستوعبة و إما بعض منها ، و نجم النفاق و المسلمون كالغنم في الليلة الممطرة لقلتهم و كثرة عدوهم و إظلام الجو بفقد نبيهم ، و وقف أسامة بالناس و رغب من عمر التخلف عن هذا البعث و المقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر ، و قالت له الأنصار فإن أبي إلا المضي فليول علينا أسن من أسامة . فأبلغ عمر ذلك أبا بكر فقام وقعد و قال : لا أترك أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أخرج و أنفذه . ثم خرج حتى أتاهم فأشخصهم و شيعهم و أذن لعمر في الشخوص ، و قال : أوصيكم بعشر فاحفظوها علي : لا تخونوا و لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا الطفل و لا الشيخ و لا المرأة و لا تغرقوا نخلاً و لا تحرقوه و لا تقطعوا شجرة و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لا بعيراً إلا للأكل ، و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له ، و إذا لقيتم أقواماً فحصوا أواسط رؤسهم و تركوا حولها فتل العصاب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه . فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله عليه و كلوا ترفعوا باسم الله يا أسامة اصنع ما أمرك به نبي الله ببلاد قضاعة ثم أتت آفل و لا تقصر في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم ودعه من الجرف ورجع .

و قدكان بعث معه من القبائل من حول المدينة الذين لهم الهجرة في ديارهم و حبس من بقي منهم فصار مسالح حول قبائلهم و مضى أسامة مغذاً و انتهى لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم الله عليه و بعث الجنود في بلاد قضاعة و أغار على أبنى فسبى و غنم و رجع لأربعين يوماً و قيل لسبعين ، و لم يحدث أبو بكر في مغيبه شيئاً ، وقد جاء الخبر بارتداد العرب عامة و خاصة إلا قريشاً و ثقيفاً ، و استغلظ أمر مسيلمة و اجتمع على طليحة عوام طيء و أسد و ارتدت غطفان و توقفت هوزان فأمسكوا الصدقة ، و ارتد خواص من بني سليم و كذا سائر الناس بكل مكان . و قدمت رسل النبي صلى الله عليه و سلم من اليمن و اليمامة و بني أسد و من الأمراء من كل مكان بانتقاض العرب عامة أو خاصة ، و حاربهم بالكتب و الرسل و انتظر بمصادمتهم قدوم أسامة ، فعاجلته عبس و ذبيان و نزلوا في الإبراق و نزل آخرون بذي القصة و معهم حبال من بني أسد و من انتسب إليهم من بني كنانة ، و بعثوا وفداً إلى أبي بكر نزلوا على وجوه من الناس يطلبون الاقتصار على الصلاة دون الزكاة ، فأبى أبو بكر من ذلك ، و جعل على أنقاب المدينة علياً و الزبير و طلحة و عبد الله بن مسعود ، و أخذ أهل المدينة بحضور المسجد . و رجع وفد المرتدين و أخبروا قومهم بقلة أهل المدينة فأغاروا على من كان بأنقاب المدينة ، فبعثوا إلى أبي بكر فخرج في أهل المسجد على النواضح ، فهربوا و المسلمون في اتباعهم إلى ذي خشب ، ثم نفروا إبل المسلمين بلعبات اتخذوها فنفرت و رجعت بهم و هم لا يملكونها إلى المدينة و لم يصبهم شيء ، و ظن القوم بالمسلمين الوهن فبعثوا إلى أهل ذي القصة يستقدمونهم .

ثم خرج أبو بكر في التعبية و على ميمنته النعمان بن مقرن و على ميسرته عبد الله بن مقرن ، و على الساقة سويد بن مقرن ، و طلع عليهم مع الفجر و اقتتلوا فما ذر قرن الشمس إلا وقد هزموهم و غنموا ما معهم من الظهر و قتل حبال ، و اتبعهم أبو بكر إلى ذي القصة فجهز بها النعمان بن مقرن في عدد و رجع إلى المدينة ، و وثب بنو ذبيان و عبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم و فعل ذلك غيرهم من المرتدين ، و حلف أبو بكر ليقتلن من المشركين مثل من قتلوه من المسلمين و زيادة . و اعتز المسلمون بوقعة أبي بكر و طرقت المدينة صدقات . و قدم أسامة فاستخلفه أبو بكر على المدينة ، و خرج في نفر إلى ذي خشب و إلى ذي القصة ثم سار حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق و بها عبس و ذبيان و بنو بكر من كنانة و ثعلبة بن سعد و من يليهم من مرة ، فاقتتلوا و انهزم القوم ، و أقام أبو بكر على الأبرق ، و حرم تلك البلاد على بني ذبيان ثم رجع إلى المدينة .

ردة اليمن : توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و على مكة و بني كنانة عتاب بن أسيد ، و على الطائف و أرضها عثمان بن أبي العاص على المدر ، و مالك بن عوف على الوبر ، و على عجز هوزان عكرمة بن أبي جهل ، و على نجران و أرضها عمرو بن حزم على الصلاة ، و أبو سفيان بن حرب على الصدقات ، و على ما بين زمع و زبيد إلى نجران خالد بن سعيد بن العاص ، و على همدان كلها عامر بن شهر الهمداني ، و على صنعاء فيروز الديلمي و مسانده دادويه و قيس بن مكشوح المرادي رجعوا إليها بعد قتل الأسود ، و على الجند يعلي بن أمية ، و على مأرب أبو موسى الأشعري ، و على الأشعريين و عك الطاهر بن أبي هالة ، و على حضرموت زياد بن لبيد البياضي و عكاشة بن ثور بن أصفر الغوثي ، و على كندة المهاجر بن أبي أمية ، و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم غضب عليه في غزوة تبوك فاسترضته له أم سلمة و ولاه على كندة ، و مرض فلم يصل إليها ، و أقام زياد بن لبيد ينوب عنه . و كان معاذ بن جبل يعلم القرآن باليمن يتنقل على هؤلاء و على هؤلاء في أعمالهم .

و ثار الأسود في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم و حاربه بالرسل و بالكتب فقتله الله و عاد الإسلام في اليمن كما كان ، فلما بلغهم الموت انتقضت اليمن و ارتد أهلها في جميع النواحي و كانت الفالة من جند العنسي بين نجران و صنعاء لا يأوون إلى أحد ، و رجع عمرو بن حزم إلى المدينة و اتبعه خالد بن سعيد ، و كان عمرو يكرب بالجبال حيال فروة بن مسيك و ابن مكشوح و تحيل و في قتل الأبناء فيروز وداديه و خشنش و الاستبداد بصنعاء ، و بعث إلى الفالة من جيش الأسود يغريهم بالأبناء و يعدهم المظاهرة عليهم فجاؤا إليه ، و خشي الأبناء غائلتهم و فزعوا إليه فأظهر لهم المناصحة ، و هيأ طعاماً فجمعهم له ليغدر بهم فظفر بهم فظفر بدادويه و هرب فيروز و خشنش و خرج قيس في أثرهما ، فامتنعا بخولان أخوال فيروز إلى أبي بكر بالخبر ، فكتب له بولاية صنعاء ، و كتب إلى الطاهر بن أبي هالة بإعانته ، و إلى عكاشة بن ثور بأن يجمع أهل تهامة و يقيم بمكانة ، و كتب إلى ذي الكلاع سميفع وذي ظليم حوشب و ذي تبان شهر بإعانة الأبناء و طاعة فيروز و أن الجند يأتيهم . و أرسل إليهم قيس بن مكشوح يغريهم بالأبناء ، فاعتزل الفريقان و اتبعت عوامهم قيس بن مكشوح في شأنه ، و عمد قيس إلى عيلات الأبناء الذين مع فيروز فغر بهم و أخرجهم من اليمن في البر و البحر و عرضهم للنهبى ، فأرسل فيروز إلى بني عقيل بن ربيعة و إلى عك يستصرخهم ، فاعترضوا عيال فيروز و الأبناء الذين معه فاستنقذوهم و قتلوا من كان معه ، و جاؤا إلى فيروز فقاتلوا معه قيس بن مكشوح دون صنعاء فهزموه ، و رجع إلى المكان الذي كان به مع فالة الأسود العنسي .

و انضاف قيس إلى عمرو بن معد يكرب و هو مرتد منذ تنبأ الأسود العنسي ، و قام حيال فروة بن مسيك ، و قد كان فروة و عمرو أسلما و كذلك قيس ، و استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم قيساً على صدقات مراد ، و كان عمرو قد فارق قومه سعد العشيرة مع بني زيد و أحلافها و انحاز إليهم فأسلم معهم و كان فيهم فلما انتقض الأسود ، و اتبعه عوام مذحج كان عمرو فيمن اتبعه ، و أقام فروة فيمن معه على الإسلام فولى الأسود عمراً و جعله بحياله . و كانت كندة قد ارتدوا و تابعوا الأسود العنسي بسبب ما وقع بينهم و بين زياد الكندي في أمر فريضة من فرائض الصدقة أطلقها بعض بني عمرو بن معاوية بعد أن وقع عليها ميسم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:43 pm

الصدقة غلطاً ، فقاتلهم زياد و هزمهم ، فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة و الردة إلا شراحيل بن السمط و ابنه ، و أشير على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك و حضرموت ، و أبضعه و جمد و مشرح و مخوس و أختهم العمرة ، و هرب الباقون و رجع زياد بالسبي و الغنائم ، و مر بالأشعب بن قيس و بني الحرث بن معاوية و استغاث نساء السبي فغار الأشعث و تنقذهم ، ثم جمع بني معاوية كلهم و من أطاعه من السكاسك و حضرموت و أقام على ردته .

و كان أبو بكر قد حارب أهل الردة أولاً بالكتب و الرسل إلى من ارتد و ابتدأ بالمهاجرين و الأنصار ، ثم استنفر كلاً على من يليه حتى فرغ من آخر أمور الناس لا يستعين بمرتد ، و كتب إلى عتاب بن أسيد بمكة و عثمان بن أبي العاص بالطائف بركوب من ارتد بمن لم يرتد وثبت على الإسلام من أهل عملهما . وقد كان اجتمع بتهامة أوشاب من مدلج و خزاعة ، فبعث عتاب إليهم ففرقهم و قتلهم . و اجتمع بشنوءة جمع من الأزد و خثعم و بجيلة فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص من فرقهم و قتلهم . و اجتمع بطريق الساحل من تهامة جموع من عك و الأشعريين فسار إليهم الطاهر بن أبي هالة و معه مسروق العكي فهزموهم و قتلوهم ، و أقام بالأجناد ينتظر أمر أبي بكر و معه مسروق العكي . و بعث أهل نجران من بني الأفعى الذين كانوا بها قبل بني الحرث و هم في أ ربعين ألف مقاتل ، و جاء وفدهم يطلبون إمضاء العهد الذي بأيديهم من النبي صلى الله عليه و سلم ، فأمضاه أبو بكر إلا ما نسخه الوحي بأن لا يترك دينان بأرض العرب .

و رجعت رسل النبي صلى الله عليه و سلم الذين بعثهم عند انتقاض الأسود العنسي و هم : جرير بن عبد الله و الأقرع و وبر بن يحنس فرد أبو بكر جريراً ، ليستنفر من ثبت على الإسلام على من ارتد و يقاتل خثعم الذين غضبوا لهدم ذي الحليفة فيقتلهم و يقيم بنجران ، فنفذ ما أمره به و لم يمر به أحد إلا رجال قليل تتبعهم بالقتل ، و سار إلى نجران و كتب أبو بكر إلى عثمان بن أبي العاص أن يضرب البعوث على مخاليف أهل الطائف ، فضرب على كل مخلاف عشرين و أمر عليهم أخاه ، كتب إلى عتاب بن أسيد أن يضرب على مكة و عملها خمسمائة بعث و أمر عليهم أخاه خالداً و أقاموا ينتظرون ، ثم أمر المهاجر بن أبي أمية بأن يسير إلى اليمن ليصلح من أمره ثم ينفد إلى عمله و أمره بقتال من بين نجران و أقصى اليمن ففعل ذلك . و مر بمكة و الطائف فسار معهم خالد بن أسيد و عبد الرحمن بن أبي العاص بمن معهما ، و مر بجرير بن عبد الله و عكاشة بن ثور فضمهما إليه ، ثم مر بنجران و انضم إليه فروة بن مسيك ، و جاءه عمرو بن معد يكرب و قيس بن مشكوح فأوثقهما و بعث بهما إلى أبي بكر ، و سار إلى لقائه فتتبعهم بالقتل و لم يؤمنهم فقتلوا بكل سبيل . و حضر قيس عند أبي بكر فحظر قتل دادويه و لم يجد أمراً جلياً في أمره ، و تاب عمرو بن معد يكرب و استقال فأقالهما و ردهما .

و سار المهاجر حتى نزل صنعاء و تتبع شذاذ القبائل فقتل من قدر عليه و قبل توبة من رجع إليه و كتب إلى أبي بكر بدخوله صنعاء ، فجاءه الجواب بأن يسير إلى كندة مع عكرمة بن أبي جهل و قد جاءه من ناحية عمان و معه خلق كثير من مهرة و الأزد و ناجية و عبد القيس و قوم من مالك بن كنانة و بني العنبر ، و قدم أبين و أقام بها لاجتماع النجع و حمير ثم سار مع المهاجر إلى كندة ، و كتب زياد إلى المهاجر يستحثه فلقيه الكتاب بالمفازة بين مأرب و حضرموت ، فاستخلف عكرمة على الناس و تعجل إلى زياد و نهدوا إلى كندة و عليهم الأشعث بن قيس فهزمهم و قتلوهم و فروا إلى النجير حصن لهم فتحصنوا فيه مع من استغووه من السكاسك و شذاذ السكون و حضرموت و سدوا عليهم الطريق إلا واحدة جاء عكرمة بعدهم فسدها و قطعوا عنهم المدد و خرجوا مستميتين في بعض الأيام فغلبوهم و أخرجوهم . و استأمن الأشعث إلى عكرمة بما كانت أسماء بنت النعمان بن الجون تحته فخرج إليه ، و جاء به إلى المهاجر و أمنه في أهله و ماله و تسعة من قومه على أن يفتح لهم الباب ، فاقتحمه المسلمون و قتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فكان في السبى ألف امرأة ، فلما فرغ من النجير دعا بكتاب الأمان من الأشعث و إذا هو قد كتب غرض نفسه في التسعة رجال من أصحابه ، فأوثقه كتافاً و بعث به إلى أبي بكر ينظر في أمره ، فقدم مع السبايا و الأسرى ، فقال له أبو بكر : أقتلك . قال إني راودت القوم على عشرة و أتيناهم بالكتاب مختومة ، فقال أبو بكر : إنما الصلح على من كان في الصحيفة و أما غير ذلك فهو مردود . فقال يا أبا بكر : احتسب في و أقلني و اقبل إسلامي و رد علي زوجتي ، و قد كان تزوج أم فروة أخت أبي بكر حين قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرها إلى أن يرجع ، فأطلقه أبو بكر و قبل إسلامه ورد عليه زوجته و قال ليبلغني عنك خيراً ، ثم خلى عن القوم فذهبوا و قسم الأنفال .



بعث الجيوش للمرتدين

لما قدم أسامة ببعث الشام على أبي بكر استخلفه على المدينة و مضى إلى الربذة فهزم بني عبس و ذبيان و كنانة بالأبرق و رجع إلى المدينة كما قدمناه ، حتى إذا استجم جند أسامة و تاب من حوالي المدينة خرج إلى ذي القصة على بريد من تلقاء نجد ، فعقد فيها أحد عشر لواء على أحد عشر جنداً لقتال أهل الردة ، و أمر كل واحد باستنفار من يليه من المسلمين من كل قبيلة ، و ترك بعضها لحماية البلاد . فعقد لخالد بن الوليد و أمره بطليحة و بعده لمالك بن نويرة بالبطاح ، و لعكرمة بن أبي جهل و أمره بمسيلمة و اليمامة ثم أردفه بشرحبيل بن حسنة و قال له : إذا فرغت من اليمامة فسر إلى قتال قضاعة ثم تمضي إلى كندة بحضرموت ، و لخالد بن سعيد بن العاص و قد كان قدم بعد الوفاة إلى المدينة من اليمن و ترك أعماله فبعثه إلى مشارف الشام ، و لعمرو بن العاص إلى قتال المرتدة من قضاعة ، و لحذيفة بن محصن و عرفجة بن هرثمة فحذيفة لأهل دبا و عرفجة لمهرة و كل واحد منهما أمير في عمله على صاحبه ، و لطريفة بن حاجز و بعثه إلى بني سليم و من معهم من هوزان ، و لسويد بن مقرن و بعثه إلى تهامة اليمن ، و للعلاء بن الحضرمي و بعثه إلى البحرين .

و كتب إلى الأمراء عهودهم بنص واحد : بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام و عهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره بالجد في أمر الله و مجاهدة من تولى عنه و رجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بدعاية الإسلام فإن أجابوه أمسك عنهم و إن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم و الذي لهم فيأخذ ما عليهم و يعطيهم الذي لهم لا ينظرهم و لا يرد المسلمين عن قتال عدوهم . فمن أجاب إلى أمر الله عز و جل و أقر له قبل ذلك منه و أعانه عليه بالمعروف . و إنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل و كان الله حسيبه بعد فيما استسر به ، و من لم يجب إلى داعية الله قتل و قوتل حيث كان و حيث بلغ مراغمة لا يقبل الله من أحد شيئاً مما أعطى إلا الإسلام فمن أجابه و أقر قبل منه و أعانه ، و من أبى قاتله فإن أظهره الله عليه عز و جل قتلهم فيه كل قتلة بالسلاح و النيران . ثم قسم ما أفاء الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه و يمنع أصحابه العجلة و الفساد و أن يدخل فيهم حشواً حتى يعرفهم و يعلم ما هم لئلا يكونوا عيوناً و لئلاً يؤتى المسلمون من قبلهم ، و أن يقتصد بالمسلمين و يرفق بهم في السير و المنزل و يتفقدهم و لا يعجل عن بعض و يستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة و لين القول انتهى .و كتب إلى كل من بعث إليه الجنود من المرتدة كتاباً واحداً في نسخ كثيرة على يد رسل تقدموا بين أيديهم نصه بعد البسملة : هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة أو خاصة أقام على الإسلام أو رجع عنه ، سلام على من اتبع الهدى و لم يرجع إلى الضلالة و الهوى ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله و أومن بما جاء به و أكفر من أبى و أجاهده أما بعد . ثم قرر أمر النبوة و وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أطنب في الموعظة ثم قال : و إني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان و أمرته ألا يقاتل أحداً و لا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له و أقر و كف و عمل صالحاً قبل منه و أعانه ، و من أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقي على
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الإثنين يوليو 19, 2010 9:45 pm

أحد منهم قدر عليه فمن اتبعه فهو خير له و من تركه فلن يعجز الله ، و قد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم و الداعية للأذان فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم و إن لم يؤذنوا فاسألوهم بما عليهم فإن أبو عاجلوهم و إن أقروا قبل منهم و حملهم على ما ينبغي لهم انتهى . فنفذت الرسل بالكتب أمام الجنود و خرجت الأمراء و معهم العهود و كان أول ما بدأ به خالد طليحة و بني أسد .



خبر طليحة

كان طليحة قد ارتد في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان كاهناً فادعى النبوة و اتبعه أفاريق من بني إسرائيل و نزل سميراء ، و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرار بن الأزور إلى قتاله مع جماعة ، فاجتمع عليهم المسلمون و هم ضرار بمناجزته ، فأتى الخبر بموت النبي صلى الله عليه و سلم فاستطار أمر طليحة و اجتمعت إليه غطفان و هوزان و طيء ، و فر ضرار و من معه من العمال إلى المدينة و قدمت وفودهم على أبي بكر في الموادعة على ترك الزكاة فأبى من ذلك ، و خرج كما قدمناه إلى غطفان و أوقع بهم بذي القصة فانضموا بعد الهزيمة إلى طليحة و بني أسد ببزاخة و كذلك فعلت طيء و أقامت بنو عامر و هوزان ينتظرون .

و جمل خالد إلى طليحة و معه عيينة بن حصن على بزاخة من مياه بني أسد و ظهر أنه يقصد خبير ثم ينزل إلى سلمى و أجأ فيبدأ بطيء . و كان عدي بن حاتم قد خرج معه في الجيش فقال له : أنا أجمع لك قبائل طيء يصحبونك إلى عدوك . و سار إليهم فجاء بهم و بعث خالد عكاشة بن محصن و ثابت بن أقرم من الأنصار طليعة و لقيهما طليحة و أخوه فقتلاهما و مر بهما المسلمون فعظم عليهم قتلهما . ثم عبى خالد كتائبه و ثابت بن قيس على الأنصار و عدي بن حاتم على طيء و لقي القوم فقاتلهم ، و عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من غطفان ، و اشتد المجال بينهم و طليحة في عباءة يتكذب لهم في انتظار الوحي ، فجاء عيينة بعدما ضجر القتال و قال : هل جاءك أحد بعد ؟ قال : لا ثم راجعه ثانية ثم ثالثة فقال : جاء . و قال إن لك رحى كرحاه ، و حديثاً لا تنساه . فقال عيينة : يا بني فزارة الرجل كذاب ، و انصرف فانهزموا و قتل من قتل و أسلم الناس طليحة فوثب على فرسه و احتقب امرأته فنجا بها إلى الشام ، و نزل في كلب من قضاعة على النقع حتى أسلمت أسد و غطفان ، فأسلم ثم خرج معتمراً أيام عمر و لقيه بالمدينة فبايعه و بعثه في عساكر الشام ، فأبلى في الفتح ، و لم يصب عيالات بني أسد في واقعة بزاخة شيء لأنهم كانوا أخرجوهم في الحصون عند واسط و أسلموا خشية على ذراريهم .



خبر هوازن و سليم و بني عامر

كان بنو عامر ينتظرون أمر طليحة و ما تصنع أسد و غطفان حتى أحيط بهم و كان قرة ابن هبيرة في كعب و علقمة بن علاثة في كلاب و كان علقمة قد ارتد بعد فتح الطائف ، و لما قبض النبي صلى الله عليه و سلم رجع إلى قومه ، و بلغ أبا بكر خبره فبعث إليه سرية مع القعقاع ابن عمر و من بني تميم فأغار عليهم ، فأفلت و جاء بأهله و ولده و قومه فأسلموا . و كان قرة بن هبيرة قد لقي عمرو بن العاص منصرفه من عمان بعد الوفاة و أضافه و قال له : اتركوا الزكاة فإن العرب لا تدين لكم بالأتاوة ، فغضب لها عمرو و أسمعه و أبلغها أبا بكر ، فلما أوقع خالد ببني أسد و غطفان و كانت هوازن و سليم و عامر ينتظرون أمرهم فجاؤا إلى خالد و أسلموا و قبل منهم الإسلام ، إلا من عدا على أحد من المسلمين أيام الردة فإنه تتبعهم فأحرق و قمط و رضخ بالحجارة و رمى من رؤوس الجبال ، و لما فرغ من أمر بني عامر أوثق عينية بن حصن و قرة بن هبيرة و بعث بهما إلى أبي بكر فتجاوز لهما و حقن دماءهما .

ثم اجتمعت قبائل غطفان إلى سلمى بنت مالك بن حذيفة من بدر بن ظفر في الحوأب فنزلوا إليها و تذامروا ، و كانت سلمى هذه قد سبيت قبل و أعتقتها عائشة و قال لها النبي صلى الله عليه و سلم يوماً و قد دخل عليها و هي في نسوة ببيت عائشة فقال : " إن احداكن تستنبح كلاب الحوأب " ، و فعلت ذلك و اجتمع إليها الفلال من غطفان ، و هوازن و سليم و طيء و أسد ، و بلغ ذلك خالداً و هو يتبع الثأر و يأخذ الصدقات ، فسار إليهم و قاتلهم و سلمى واقفة على جملها حتى عقر و قتلت و قتل حول هودجها مائة رجل ، فانهزموا و بعث خالد بالفتح على أثره بعد بعشرين ليلة .

و أما بنو سليم فكان الفجاءة بن عبد يا ليل قدم على أبي بكر يستعينه مدعياً إسلامه و يضمن له قتال أهل الردة فأعطاه و أمره ، و خرج إلى الجون و ارتد و بعث نجية بن أبي المثنى من بني الشريد ، و أمره بشن الغارة على المسلمين في سليم و هوازن . فبعث أبو بكر إلى طريفة بن حاجز قائده على جرهم و أعانه بعبد الله بن قيس الحاسبي فنهضا إليه و لقياه ، فقتل نجية و هرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره و جاء به إلى أبي بكر فأوقد له في مصلى المدينة حطباً ثم رمى به في النار مقموطاً ، و فاءت بنو سليم كلهم و فاء معهم أبو شجرة بن عبد العزى أبو الخنساء و كان فيمن ارتد .



خبر بني تميم و سجاح

قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و عماله في بني تميم الزبرقان بن بدر على الرباب و عوف و الأبناء و قيس بن عاصم على المقاعس و البطون و صفوان بن صفوان و سبرة بن عمرو على بني عمرو و وكيع بن مالك على بني مالك و مالك بني نويرة على حنظلة ، فجاء صفوان إلى أبي بكر حين بلغته الوفاة بصدقات بني عمرو ، و جاء الزربرقان بصدقات أصحابه ، و خالفه قيس بن عاصم في المقاعس و البطون لأنه كان ينتظره ، و بقي من أسلم منهم متشاغلاً بمن تربص أو ارتاب . و بينما هم على ذلك فجئتهم سجاح بنت الحارث بن سويد من بني عقفان أحد بطون تغلب و كانت تنبأت الوفاة ، و اتبعها الهذيل بن عمران في بني تغلب و عقبة بن هلال في النمر و السليل بن قيس في شيبان و زياد بن بلال و كان الهذيل نصرانياً فترك دينه إلى دينها ، و أقبلت من الجزيرة في هذه الجموع قاصدة المدينة لتغزو أبا بكر و المسلمين ، و انتهت إلى الجرف فدهم بني تميم أمر عظيم لما كانوا عليه من اختلاف الكلمة ، فوادعها مالك بن نويرة و ثناها عن الغزو و حرضها على بني تميم ففروا أمامها ، و رجع إليها وكيع بن مالك و اجتمعت الرباب و ضبة فهزموا أصحاب سجاح و فيها أسروا منهم ، ثم اصطحوا .و سارت سجاح فيمن معها تريد المدينة فبلغت النباج فاعترضهم بنو الهجيم فيمن تأشب إليهم من بني عمرو و أغاروا عليهم فأسر الهذيل وعقبة ، ثم تحاجزوا على أن تطلق أسراهم و يرجعوا و لا يجتازوا عليهم ، و رجع عن سجاح مالك بن نويرة و وكيع بن مالك إلى قومهم و يئست سجاح و أصحابها من الجواز عليهم ، و نهدت إلى بني حنيفة و سار معها من تميم الزبرقان بن بدر و عطارد بن حاجب و عمرو بن الأهتم و غيلان بن حريث و شبث بن ربعي و نظراؤهم ، و صانعها مسيلمة بما كان فيه من مزاحمة ثمامة بن أثال له في اليمامة . و زحف شرحبيل بن حسنة و المسلمون إليه فأهدى لها و استأمنها و كانت نصرانية أخذت الدين من نصارى تغلب ، فقال لها مسيلمة : نصف الأرض لنا و نصف الأرض لقريش لكنهم لم يعدلوا فقد جعلت نصفهم لك . و يقال إنها جاءت إليه و استأمنته و خرج إليها من الحصن إلى قبة ضربت لها بعد أن جمرها فدخل إليها و تحرك الحرس حوالي القبة فسجع لها و سجعت له من أسجاع الفرية ، فشهدت له بالنبوة و خطبها لنفسه فتزوجته و أقامت عنده ثلاثاً و رجعت إلى قومها ، فعذلوها في التزويج على غير صداق فرجعت إليه فقال لها : ناد في أصحابك إني وضعت عنهم صلاة الفجر و العتمة مما فرض عليهم محمد ، و صالحته على أن يحمل لها النصف من غلات اليمامة فأخذته و سألت أن يسلفها النصف للعام القابل ، و دفعت هذيل و عقبة لقضبه فهم على ذلك ، و إذا بخالد بن الوليد و عساكره قد أقبلوا فانفضت جموعهم و افترقوا ، و لحقت سجاح بالجزيرة فلم تزل في بني تغلب حتى نقل معاوية عام الجماعة بني عقفان عشيرتها إلى الكوفة ، و أسلمت حينئذ سجاح و حسن إسلامها . و لما افترق وفد الزبرقان و الأقرع على أبي بكر و قالا : إجعل لنا خراج البحرين و نحن نضمن لك أمرها ففعل و كتب لهم بذلك ، و كان طلحة بن عبيد الله يتردد بينهم في ذلك ، فجاء إلى
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى