تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
عمر ليشهد في الكتاب فمزقه و محاه و غضب طلحة ، و قال لأبي بكر رضي الله عنه : أنت الأمير أم عمر رضي الله عنه ؟ فقال : عمر غير أن الطاعة لي . و شهد الأقرع و الزبرقان مع خالد اليمامة و المشاهد كلها . ثم مضى الأقرع مع شرحبيل إلى دومة .
البطاح و مالك بن نويرة
لما انصرفت سجاح وراجع بنو تميم الإسلام أقام مالك بن نويرة متحيراً في أمره و اجتمع إليه من تميم بنو حنظلة و اجتمعوا بالبطاح ، فسار إليهم خالد بعد أن تقاعد عنه الأنصار يسألونه انتظار أبي بكر ، فأبى إلا انتهاز الفرصة من هؤلاء ، فرجعوا إلى اتباعه و لحقوا به . و كان مالك بن نويرة لما تردد في أمره فرق بني حنظلة في أموالهم و نهاهم عن القتال و رجع إلى منزله ، و لما قدم خالد بعث السرايا يدعون إلى الإسلام و يأتون بمن لم يجب أن يقتلوه ، فجاؤا بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع و اختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة أنهم أذنوا و صلوا فحبسهم عند ضرار بن الأزور و كانتة ليلة ممطرة فنادى مناديه أن ادفئوا أسراكم و كانت في لغة كنانة كناية عن القتل فبادر ضرار بقتلهم و كان كنانياً . و سمع خالد الواعية فخرج متأسفاً و قد فرغوا منهم ، و أنكر عليه أبو قتادة فزجره خالد ، فغضب و لحق بأبي بكر و يقال : إنهم لما جاؤا بهم إلى خالد خاطبه مالك بقوله : فعل صاحبكم شأن صاحبكم فقال له خالد : أو ليس لك بصاحب ؟ ثم قتله و أصحابه كلهم ثم قدم خالد على أبي بكر و أشار عمر أن يقيد منه بمالك بن نويرة أو بعزله فأبى ، و قال : ما كنت أشيم سيفاً سله الله على الكافرين ، و ودى مالكاً و أصحابه و رد خالداً إلى عمله .
خبر مسيلمة و اليمامة
لما بعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة و أتبعه شرحبيل استعجل عكرمة فانهزم و كتب إلى أبي بكر بالخبر ، فكتب إليه لا ترجع فتوهن الناس و امض إلى حذيفة و عرفجة فقاتلوا مهرة و أهل عمان فإذا فرغتم فامض أنت و جنودك و استنفروا من مررتم عليه حتى تلقوا المهاجر بن أبي أمية باليمن و حضرموت ، و كتب إلى شرحبيل يمضي إلى خالد فإذا فرغتم فامض أنت إلى قضاعة فكن فكن مع عمرو بن العاص على من ارتد منهم . و لما فرغ خالد من البطاح و رضي الله عنه أبو بكر بعثه نحو مسيلمة و أوعب معه الناس ، و على المهاجرين أبو حذيفة و زيد و على الأنصار ثابت بن قيس و البراء بن عازب ، و تعجل خالد إلى البطاح و انتظر البعوث حتى قدمت عليه ، فنهض إلى اليمامة و بنو حنيفة يومئذ كثير يقال أربعون ألف مقاتل متفرقين في قراها و حجرها ، تعجل شرحبيل كما فعل عكرمة بقتال مسيلمة فنكب و جاء خالد فلامه على ذلك .
ثم جاء خليط من عند أبي بكر مدداً لخالد ليكون ردءاً له من خلفه ففرت جموع كانت تجمعت هنالك من فلال سجاح ، و كان مسيلمة قد جعل لها جعلاً .
و كان الرجال بن عنفوة من أشراف بني حنيفة شهد لمسيلمة بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشركه معه في الأمر لأن الرجال ، كان قد هاجر و أقام مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قرأ القرآن و تفقه في الدين فلما ارتد مسيلمة بعثه النبي صلى الله عليه و سلم معلماً لأهل اليمامة و مشغباً على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بني حنيفة منه . و اتبع مسيلمة على شأنه و شهد له و كان يؤذن لمسيلمة و يشهد له بالرسالة بعد النبي صلى الله عليه و سلم ، فعظم شأنه فيهم و كان مسيلمة ينتهي إلى أمره ، و كان مسيلمة يسجع لهم بأسجاع كثيرة يزعم أنها قرآن يأتيه ، و يأتي بمخارق يزعم أنها معجزات فيقع منها ضد المقصود .
و لما بلغ مسيلمة و بني حنيفة دنو خالد ، خرجوا و عسكروا في منتهى ريف اليمامة و استنفروا الناس فنفروا إليهم ، و أقبل خالد و لقيه شرحبيل بن حسنة فجعله على مقدمته ، حتى إذا كان على ليلة من القوم هجموا على مجاعة في سرية أربعين أو ستين راجعين من بلاد بني عامر و بني تميم يثأرون فيهم فوجدوهم دون ثنية اليمامة فقتلوهم أجمعين ، و قيل له استبق مجاعة بن مرارة إن كنت تريد اليمامة فاستبقى .
ثم سار خالد و نازل بني حنيفة و مسيلمة و اشتدت الحرب و انكشف المسلمون حتى دخل بنو حنيفة خباء خالد ، و مجاعة بها أسير مع أم متمم زوجة خالد ، فدافعهم عنها مجاعة و قال : نعمت الحرة . ثم تراجع المسلمون و كروا على بني حنيفة فقال المحكم بن الطفيل : ادخلوا الحديقة يا بني حنيفة فإني أمنع أدباركم ، فقاتل ساعة ثم قتله عبد الرحمن بن أبي بكر ، ثم تذامر المسلمون و قاتل ثابت بن قيس فقتل ثم زيد بن الخطاب ثم أبو حذيفة ثم سالم مولاه ثم البراء أخو أنس بن مالك و كان تأخذه عند الحرب رعدة حتى ينتقض و يقعد عليه الرجال حتى يبول ، ثم يثور كالأسد فقاتل و فعل الأفاعيل . ثم هزم الله العدة و ألجأهم المسلمون إلى الحديقة و فيها مسيلمة فقال البراء ألقوني عليهم من أعلى الجدار فاقتحم ، و قاتلهم على باب الحديقة و دخل المسلمون عليهم ، فقتل مسيلمة و هو مزبد متساند لا يعقل من الغيظ ، و كان زيد بن الخطاب قتل الرجال بن عنفوة . و كان خالد لما نازل بني حنيفة و مسيلمة و دارت الرحى عليه طلب البراز فقتل جماعة ، ثم دعا مسيلمة للبراز و الكلام محادثة يحاول فيه غرة و شيطانه يوسوس إليه ، ثم ركبه خالد فأرهقه و أدبروا و زالوا عن مراكزهم و ركبهم المسلمون فانهزم . و تطاير الناس عن مسيلمة بعد أن قالوا له أين ما كنت تعدنا ؟ فقال : قاتلوا على أحسابكم . و أتاه و حشي فرماه بحربته فقتل .
و اقتحم الناس عليه حديقة الموت من حيطانها و أبوابها فقتل فيها سبعة عشر ألف مقاتل من بني حنيفة ، و جاء خالد بمجاعة و وقفه على القتلى ليريه مسيلمة فمر بمحكم فقال : هوذا ؟ فقال مجاعة : هذا و الله خير منه ، ثم أراه مسيلمة رويحل دميم أخينس ، فقال خالد : هذا الذي فعل فيكم ما فعل ، فقال مجاعة : قد كان ذلك و إنه و الله ما جاءك إلا سرعان الناس و إن جماهيرهم في الحصون فهلم أصالحك على قومي . و قد كان خالد التقط من دون الحصون ما جاء من مال و نساء و صبيان و نادى بالنزول عليها فلما قال له : أصالحك على ما دون النفوس . و انطلق بشاورهم فأفرغ السلاح على النساء و وقفن بالسور ثم رجع إليه و قال : أبوا أن يجيزوا ذلك ، و نظر خالد إلى رؤس الحصون قد اسودت و المسلمون قد نهكتهم الحرب و قد قتل من الأنصار ما ينيف على الثلثمائة و ستين ، و من المهاجرين مثلها و من التابعين لهم مثلها أو يزيدون ، و قد فشت الجراحات فيمن بقي ، فجنح إلى السلم فصالحه على الصفراء و البيضاء ، و نصف السبي و الحلقة و حائط و مزرعة من كل قرية ، فأبوا فصالحهم على الربع فصالحوه . و فتحت الحصون فلم يجد فيها إلا النساء و الصبيان فقال خالد : خدعتني يا مجاعة فقال : قومي و لم أستطع إلا ما صنعت فعقد له و خيرهم ثلاثاً فقال : له سلمة بن عمير لا نقبل صلحاً و نعتصم بالحصون و نبعث إلى أهل القرى فالطعام كثير و الشتاء قد حضر ، فتشاءم مجاعة برأيه و قال لهم لولا أني خدعت القوم ما أجابوا إلى هذا ، فخرج معه سبعة من وجوه القوم و صالحوا خالداً و كتب لهم و خرجوا إلى خالد للبيعة و البراءة مما كانوا عليه . و قد أضمر سلمة بن عمير الفتك بخالد فطرده حين وقعت عينه عليه و أطلع أصحابه على غدره فأوثقوه و حبسوه ثم أفلت فاتبعوه و قتلوه . و كان أبو بكر بعث إلى خالد مع سلمة بن وقش إن أظفره الله أن يقتل من جرت عليه الموسى من بني حنيفة ، فوجده قد صالحهم فأتم عقده معهم ، و وفى لهم و بعث و فداً منهم إلى أبي بكر بإسلامهم فلقيهم و سألهم عن اسجاع مسيلمة فقصوها عليه ، فقال سبحان الله هذا الكلام ما خرج من إلا و لا بر فأين يذهب بكم عن أحلامكم و ردهم إلى قومهم .
ردة الحطم و أهل البحرين
لما فرغ خالد من اليمامة ارتحل عنها إلى واد من أوديتها و كانت عبد القيس و بكر بن وائل و غيرهم من أحياء ربيعة قد ارتدوا بعد الوفاة و كذا المنذر بن ساوى من بعدها بقليل ، فأما عبد القيس فردهم الجارود بن المعلى و كان قد وفد و أسلم و دعا قومه فأسلموا فلما بلغهم خبر الوفاة ارتدوا و قالوا لو كان نبياً ما مات فقال لهم الجارود تعلمون أن لله أنبياء من قبله و لم تروهم و تعلمون أنهم ماتوا و محمد صلى الله عليه و سلم قد مات ثم تشهد فتشهدوا معه و ثبتوا على إسلامهم ، و خلوا بين سائر ربيعة و بين المنذر بن ساوى و المسلمين .
البطاح و مالك بن نويرة
لما انصرفت سجاح وراجع بنو تميم الإسلام أقام مالك بن نويرة متحيراً في أمره و اجتمع إليه من تميم بنو حنظلة و اجتمعوا بالبطاح ، فسار إليهم خالد بعد أن تقاعد عنه الأنصار يسألونه انتظار أبي بكر ، فأبى إلا انتهاز الفرصة من هؤلاء ، فرجعوا إلى اتباعه و لحقوا به . و كان مالك بن نويرة لما تردد في أمره فرق بني حنظلة في أموالهم و نهاهم عن القتال و رجع إلى منزله ، و لما قدم خالد بعث السرايا يدعون إلى الإسلام و يأتون بمن لم يجب أن يقتلوه ، فجاؤا بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع و اختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة أنهم أذنوا و صلوا فحبسهم عند ضرار بن الأزور و كانتة ليلة ممطرة فنادى مناديه أن ادفئوا أسراكم و كانت في لغة كنانة كناية عن القتل فبادر ضرار بقتلهم و كان كنانياً . و سمع خالد الواعية فخرج متأسفاً و قد فرغوا منهم ، و أنكر عليه أبو قتادة فزجره خالد ، فغضب و لحق بأبي بكر و يقال : إنهم لما جاؤا بهم إلى خالد خاطبه مالك بقوله : فعل صاحبكم شأن صاحبكم فقال له خالد : أو ليس لك بصاحب ؟ ثم قتله و أصحابه كلهم ثم قدم خالد على أبي بكر و أشار عمر أن يقيد منه بمالك بن نويرة أو بعزله فأبى ، و قال : ما كنت أشيم سيفاً سله الله على الكافرين ، و ودى مالكاً و أصحابه و رد خالداً إلى عمله .
خبر مسيلمة و اليمامة
لما بعث أبو بكر عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة و أتبعه شرحبيل استعجل عكرمة فانهزم و كتب إلى أبي بكر بالخبر ، فكتب إليه لا ترجع فتوهن الناس و امض إلى حذيفة و عرفجة فقاتلوا مهرة و أهل عمان فإذا فرغتم فامض أنت و جنودك و استنفروا من مررتم عليه حتى تلقوا المهاجر بن أبي أمية باليمن و حضرموت ، و كتب إلى شرحبيل يمضي إلى خالد فإذا فرغتم فامض أنت إلى قضاعة فكن فكن مع عمرو بن العاص على من ارتد منهم . و لما فرغ خالد من البطاح و رضي الله عنه أبو بكر بعثه نحو مسيلمة و أوعب معه الناس ، و على المهاجرين أبو حذيفة و زيد و على الأنصار ثابت بن قيس و البراء بن عازب ، و تعجل خالد إلى البطاح و انتظر البعوث حتى قدمت عليه ، فنهض إلى اليمامة و بنو حنيفة يومئذ كثير يقال أربعون ألف مقاتل متفرقين في قراها و حجرها ، تعجل شرحبيل كما فعل عكرمة بقتال مسيلمة فنكب و جاء خالد فلامه على ذلك .
ثم جاء خليط من عند أبي بكر مدداً لخالد ليكون ردءاً له من خلفه ففرت جموع كانت تجمعت هنالك من فلال سجاح ، و كان مسيلمة قد جعل لها جعلاً .
و كان الرجال بن عنفوة من أشراف بني حنيفة شهد لمسيلمة بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشركه معه في الأمر لأن الرجال ، كان قد هاجر و أقام مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و قرأ القرآن و تفقه في الدين فلما ارتد مسيلمة بعثه النبي صلى الله عليه و سلم معلماً لأهل اليمامة و مشغباً على مسيلمة فكان أعظم فتنة على بني حنيفة منه . و اتبع مسيلمة على شأنه و شهد له و كان يؤذن لمسيلمة و يشهد له بالرسالة بعد النبي صلى الله عليه و سلم ، فعظم شأنه فيهم و كان مسيلمة ينتهي إلى أمره ، و كان مسيلمة يسجع لهم بأسجاع كثيرة يزعم أنها قرآن يأتيه ، و يأتي بمخارق يزعم أنها معجزات فيقع منها ضد المقصود .
و لما بلغ مسيلمة و بني حنيفة دنو خالد ، خرجوا و عسكروا في منتهى ريف اليمامة و استنفروا الناس فنفروا إليهم ، و أقبل خالد و لقيه شرحبيل بن حسنة فجعله على مقدمته ، حتى إذا كان على ليلة من القوم هجموا على مجاعة في سرية أربعين أو ستين راجعين من بلاد بني عامر و بني تميم يثأرون فيهم فوجدوهم دون ثنية اليمامة فقتلوهم أجمعين ، و قيل له استبق مجاعة بن مرارة إن كنت تريد اليمامة فاستبقى .
ثم سار خالد و نازل بني حنيفة و مسيلمة و اشتدت الحرب و انكشف المسلمون حتى دخل بنو حنيفة خباء خالد ، و مجاعة بها أسير مع أم متمم زوجة خالد ، فدافعهم عنها مجاعة و قال : نعمت الحرة . ثم تراجع المسلمون و كروا على بني حنيفة فقال المحكم بن الطفيل : ادخلوا الحديقة يا بني حنيفة فإني أمنع أدباركم ، فقاتل ساعة ثم قتله عبد الرحمن بن أبي بكر ، ثم تذامر المسلمون و قاتل ثابت بن قيس فقتل ثم زيد بن الخطاب ثم أبو حذيفة ثم سالم مولاه ثم البراء أخو أنس بن مالك و كان تأخذه عند الحرب رعدة حتى ينتقض و يقعد عليه الرجال حتى يبول ، ثم يثور كالأسد فقاتل و فعل الأفاعيل . ثم هزم الله العدة و ألجأهم المسلمون إلى الحديقة و فيها مسيلمة فقال البراء ألقوني عليهم من أعلى الجدار فاقتحم ، و قاتلهم على باب الحديقة و دخل المسلمون عليهم ، فقتل مسيلمة و هو مزبد متساند لا يعقل من الغيظ ، و كان زيد بن الخطاب قتل الرجال بن عنفوة . و كان خالد لما نازل بني حنيفة و مسيلمة و دارت الرحى عليه طلب البراز فقتل جماعة ، ثم دعا مسيلمة للبراز و الكلام محادثة يحاول فيه غرة و شيطانه يوسوس إليه ، ثم ركبه خالد فأرهقه و أدبروا و زالوا عن مراكزهم و ركبهم المسلمون فانهزم . و تطاير الناس عن مسيلمة بعد أن قالوا له أين ما كنت تعدنا ؟ فقال : قاتلوا على أحسابكم . و أتاه و حشي فرماه بحربته فقتل .
و اقتحم الناس عليه حديقة الموت من حيطانها و أبوابها فقتل فيها سبعة عشر ألف مقاتل من بني حنيفة ، و جاء خالد بمجاعة و وقفه على القتلى ليريه مسيلمة فمر بمحكم فقال : هوذا ؟ فقال مجاعة : هذا و الله خير منه ، ثم أراه مسيلمة رويحل دميم أخينس ، فقال خالد : هذا الذي فعل فيكم ما فعل ، فقال مجاعة : قد كان ذلك و إنه و الله ما جاءك إلا سرعان الناس و إن جماهيرهم في الحصون فهلم أصالحك على قومي . و قد كان خالد التقط من دون الحصون ما جاء من مال و نساء و صبيان و نادى بالنزول عليها فلما قال له : أصالحك على ما دون النفوس . و انطلق بشاورهم فأفرغ السلاح على النساء و وقفن بالسور ثم رجع إليه و قال : أبوا أن يجيزوا ذلك ، و نظر خالد إلى رؤس الحصون قد اسودت و المسلمون قد نهكتهم الحرب و قد قتل من الأنصار ما ينيف على الثلثمائة و ستين ، و من المهاجرين مثلها و من التابعين لهم مثلها أو يزيدون ، و قد فشت الجراحات فيمن بقي ، فجنح إلى السلم فصالحه على الصفراء و البيضاء ، و نصف السبي و الحلقة و حائط و مزرعة من كل قرية ، فأبوا فصالحهم على الربع فصالحوه . و فتحت الحصون فلم يجد فيها إلا النساء و الصبيان فقال خالد : خدعتني يا مجاعة فقال : قومي و لم أستطع إلا ما صنعت فعقد له و خيرهم ثلاثاً فقال : له سلمة بن عمير لا نقبل صلحاً و نعتصم بالحصون و نبعث إلى أهل القرى فالطعام كثير و الشتاء قد حضر ، فتشاءم مجاعة برأيه و قال لهم لولا أني خدعت القوم ما أجابوا إلى هذا ، فخرج معه سبعة من وجوه القوم و صالحوا خالداً و كتب لهم و خرجوا إلى خالد للبيعة و البراءة مما كانوا عليه . و قد أضمر سلمة بن عمير الفتك بخالد فطرده حين وقعت عينه عليه و أطلع أصحابه على غدره فأوثقوه و حبسوه ثم أفلت فاتبعوه و قتلوه . و كان أبو بكر بعث إلى خالد مع سلمة بن وقش إن أظفره الله أن يقتل من جرت عليه الموسى من بني حنيفة ، فوجده قد صالحهم فأتم عقده معهم ، و وفى لهم و بعث و فداً منهم إلى أبي بكر بإسلامهم فلقيهم و سألهم عن اسجاع مسيلمة فقصوها عليه ، فقال سبحان الله هذا الكلام ما خرج من إلا و لا بر فأين يذهب بكم عن أحلامكم و ردهم إلى قومهم .
ردة الحطم و أهل البحرين
لما فرغ خالد من اليمامة ارتحل عنها إلى واد من أوديتها و كانت عبد القيس و بكر بن وائل و غيرهم من أحياء ربيعة قد ارتدوا بعد الوفاة و كذا المنذر بن ساوى من بعدها بقليل ، فأما عبد القيس فردهم الجارود بن المعلى و كان قد وفد و أسلم و دعا قومه فأسلموا فلما بلغهم خبر الوفاة ارتدوا و قالوا لو كان نبياً ما مات فقال لهم الجارود تعلمون أن لله أنبياء من قبله و لم تروهم و تعلمون أنهم ماتوا و محمد صلى الله عليه و سلم قد مات ثم تشهد فتشهدوا معه و ثبتوا على إسلامهم ، و خلوا بين سائر ربيعة و بين المنذر بن ساوى و المسلمين .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
و قال ابن إسحق كان أبو بكر بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ولاه فلما كانت الوفاة و ارتدت ربيعة و نصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر و كان يسمى المغرور ، فأقاموه ملكاً كما كان قومه بالحيرة ، و ثبت الجارود و عبد القيس على الإسلام و استمر بكر بن واثل على الردة ، و خرج الحطم بن ربيعة أخو بني قيس بن ثعلبة حتى نزل بن القطيف و هجر ، و بعث إلى دارين فأقاموا ليجعل عبد القيس بينه و بينهم ، و أرسل إلى المغرور بن سويد أخي النعمان بن المنذر و بعثه إلى جواثي و قال اثبت فإن ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة ، فحاصره المسلمون بجواثي و جاء العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة بالبحرين و مر باليمامة فاستنقر ثمامة بن أثال في مسلمة بني حنيفة و كان متردداً ، و ألحق عكرمة بعمان و مهرة ، و أمر شرحبيل بالمقام حيث هو يغاور مع عمرو بن العاص أهل الردة من قضاعة ، عمرو يغاور سعداً و بلق و شرحبيل يغاور كلباً و لفها . ثم مر ببلاد بني تميم فاستقبله بنو الرباب و بنو عمرو و مالك بن نويرة بالبطاح يقاتلهم ووكيع بن مالك يواقف عمرو بن العاص و قيس بن عاصم من المقاعس ، و البطون يواقف الزبرقان بن بدر و الأبناء عوف و قد أطاعوه على الإسلام و حنظلة متوفقون . فلما رأى قيس بن عاصم تلقى الرباب و بني عمر و قدم و جاء بالصدقات إلى العلاء و خرج معه لقتال البحرين ، فسار مع العلاء من بني تميم مثل عسكره و نزل هجر و بعث إلى الجارود أن ينازل بعبد القيس الحطم و قومه مما يليه ، و اجتمع المشركون إلى الحطم إلا أهل دارين ، و المسلمون إلى العلاء ، و خندقوا و اقتتلوا و سمعوا في بعض الليالي ضوضأة شديدة أي جبلة و صياحاً و بعثوا من يأتيهم بخبرها فجاءهم بأن القوم سكارى ، فبيتوهم و وضعوا السيوف فيهم و اقتحموا الخندق و فر القوم هراباً فمتمرد و ناج و مقتول و مأسور .
و قتل قيس بن عاصم الحطم بن ربيعة ، و لحق جابر بن بحير و ضربه فقطع عصبه و مات ، و أسر عفيف بن المنذر و المغرور بن سويد و قال للعلاء : أجرني فقال له العلاء : أنت غررت بالناس ، فقال : لكني أبا مغرور ثم أرسل و أقام بهجر . و يقال إن المغرور اسمه هو بلقب و قتل المغرور بن سويد بن المنذر و قسم الأنفال بين الناس ، و أعطى عفيف بن المنذر و قيس بن عاصم و ثمامة بن أثال من أسلاب القوم و ثيابهم ، و قصد الفلال إلى دارين و ركبوا السفين إليها و رجع الآخرون إلى قومهم .
و كتب العلاء إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل بالقعود لأهل الردة في السبل و إلى خصفة التميمي و المثنى بن حارثة بمثل ذلك ، فرجعوا إلى دارين و جمعهم الله بها . ثم لما جاءته كتب بكر بن وائل و علم حسن إسلامهم أمر أن يؤتى من خلفه على أهل البحرين ثم لما ندب الناس و أن يستعرضوا البحر ، فارتحلوا و اقتحموا البحر على الظهر ، و كلهم يدعو : يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا . ثم أجازوا الخليج يمشون على مثل رمل مشياً فوقها ما يغمر أخفاف الإبل في مسيرة يوم و ليلة ، فلقوا العدو و اقتتلوا ، و ما تركوا بدارين مخبراً و سبوا الذراري و استاقوا الأموال ، و بلغ نفل الفارس ستة آلاف و الرجل ألفين .
و رجع العلاء إلى البحرين و ضرب الإسلام بجرانه . ثم أرجف المرجفون بأن أبا شييان و ثعلبة و الحرقد جمعهم مفروق الشيباني على الردة ، فوثق العلاء باللهازم و تقاربهم و كانوا مجمعين على نصره ، و أقبل العلاء بالناس فرجعوا إلى من أحب المقام ، وقفل ثمامة بن أثال فيهم . و مروا بقيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل فرأوا خميصة الخطم عليه فقالوا هو قتله ! فقال : لم أقتله و لكن الأمير نفلنيها فلم يقبلوا و قتلوه . و كتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق و قتل الخطم قتله زيد و سميفع فكتب إليه أبو بكر إن بلغك عن بني ثعلبة ما خاص فيه المرجفون فابعث إليهم جنداً و أوصهم و شرد بهم من خلفهم .
ردة أهل عمان و مهرة و اليمن
نبغ بعمان بعد الوفاة رجل من الأزد يقال له لقيط بن مالك الأزدي يسامى في الجاهلية الجلندي فدفع عنها الملكين اللذين كانا بها ، و هما جيفر و عبد ابنا الجلندي ، فارتد و ادعى النبوة و تغلب على عمان و دفع عنها الملكين ، و بعث جيفر إلى أبي بكر بالخبر ، فبعث أبو ربكر حذيفة بن محصن من حمير و عرفجة البارقي ، حذيفة إلى عمان و عرفجة إلى مهرة ، و إن اجتمعا فالأمير صاحب العمل ، و أمرهما أن يكاتبا جيفر أو يأخذا برأيه . و قد كان بعث عكرمة إلى اليمامة و مسيلمة و وقعت عليه النكبة كما مر ، فأمره بالمسير إلى حذيفة و عرفجة ليقاتل معهما عمان و مهرة و بتوجه إذا فرغ من ذلك إلى اليمن ، فمضى عكرمة فلحق بهما قبل أن يصلا إلى عمان ، و قد عهد إليهم أبو بكر أن ينتهوا إلى رأي عكرمة ، فراسلوا جيفراً و عبداً و بلغ لقيطاً مجيء الجيوش فعسكر بمدينة دبا و عسكر جيفر و عبد ببصحار ، و استقدموا عكرمة و حذيفة و عرفجة و كاتبوا رؤساء الدين فقدموا بجيوشهم ، ثم صمدوا إلى لقيط و أصحابه فقاتلوهم ، و قد أقام لقيط عياله وراء صفوفه ، و هم المسلمون بالهزيمة حتى جاءهم مددهم من بني ناجية و عليهم الحريث بن راشد و من عبد القيس و عليهم سنجار بن صرصار فانهزم العدو و ظفر المسلمون ، و قتلوا منهم نحواً من عشرة آلاف و سبوا الذراري و النساء و تم الفتح ، و قسموا الأنفال و بعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة و كان الخمس ثمانمائة رأس .
و أقام حذيفة بعمان و سار عكرمة إلى مهرة و قد استنفر أهل عمان و من حولها من ناحيته الأزد و عبد القيس و بني سعيد بن تميم ، فاقتحم مهرة بلادهم مهرة و هم على فرقتين يتنازعان الرياسة فأجابه أحد الفريقين ، و سار إلى الآخرين فهزمهم و قتل رئيسهم ، و أصابوا منهم ألفي نجيبة . و أفاد المسلمون قوة بغنيمتهم و أجاب أهل تلك النواحي إلى الإسلام و هم أهل نجد و الروضة و الشاطئ و الجزائر و المر و اللبان و أهل جيرة و ظهور الشحر و الفرات و ذات الخيم ، فاجتمعوا كلهم على الإسلام ، و بعث إلى أبي بكر بذلك مع البشير و سارعوا إلى اليمن للقاء المهاجر بن أبي أمية كما عهد إليه أبو بكر .
بعوث العراق و صلح الحيرة
و لما فرغ خالد من أمر اليمامة بعث إليه أبو بكر في المحرم من سنة إثنتي عشرة فأمره بالمسير إلى العراق و مرج الهند و هي الأبلة منتهى بحر فارس في جهة الشمال قرب البصرة ، فيتألف أهل فارس و من في مملكتهم من الأمم . فسار من اليمامة و قيل قدم على أبي بكر ثم سار من المدينة ، و انتهى إلى قرية بالسواد و هي بانقيا و برسوما و صاحبهما جابان ، فجاء صلوبا فصالحهم على عشرة آلاف دينار فقبضها خالد ، ثم سار إلى الحيرة و خرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائي الأمير عليها بعد النعمان بن المنذر ، فدعاهم إلى الإسلام أو الجزية أو المناجزة ، فصالحوه على تسعين ألف درهم ، و قيل إنما أمره أبو بكر أن يبدأ بالأبلة و يدخل من أسفل العراق . و كتب إلى عياض بن غنم أن يبدأ بالمضيخ و يدخل من أعلى العراق ، و أمر خالداً بالقعقاع بن عمرو التميمي و عياض بن عوف الحمي ، و قد كان المثنى بن حارثة الشيباني استأذن أبا بكر في غزو العراق فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد ، فكتب أبو بكر إليه و إلى حرملة و مدعور و سلمان أن يلحقوا بخالد بالأبلة و كانوا في ثمانية آلاف فارس ، و مع خالد عشرة آلاف ، فسار خالد في أول مقدمته المثنى و بعده عدي بن حاتم و جاء هو بعدهما على مسيرة يوم بين كل عسكر ، و واعدهما الحفير ليجتمعوا به و يصادموا عدوهم و كان صاحب ذلك الفرج من أساورة الفرس اسمه هرمز و كان يحارب العرب في البر و الهند في البحر ، فكتب إلى أردشير كسرى بالخبر و تعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه حتى نزل الحفير ، جعل على مجنبتيه قباذ و أنو شجان يناسبانه في أردشير الأكبر و اقترنوا بالسلاسل لئلا يفروا ، و أروا خالداً أنهم سبقوا إلى الحفير فمال إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها أيضاً . و كان للعرب على هزمر حنق لسوء مجاورته و قدم خالد فنزل قبالتهم على غير ماء و قال : جالدوهم على الماء فإن الله جاعله لأصبر الفريقين ، ثم أرسل الله سحابة فأغدرت من ورائهم .و لما حطوا أثقالهم قدم خالد و دعا إلى النزال فبرز إليه هرمز و ترجلا ثم اختلفا ضربتين فاحتضنه خالد و حمل أصحاب هرمز للغدر به فلم يشغله ذلك عن قتله ، و حمل القعقاع بن
و قتل قيس بن عاصم الحطم بن ربيعة ، و لحق جابر بن بحير و ضربه فقطع عصبه و مات ، و أسر عفيف بن المنذر و المغرور بن سويد و قال للعلاء : أجرني فقال له العلاء : أنت غررت بالناس ، فقال : لكني أبا مغرور ثم أرسل و أقام بهجر . و يقال إن المغرور اسمه هو بلقب و قتل المغرور بن سويد بن المنذر و قسم الأنفال بين الناس ، و أعطى عفيف بن المنذر و قيس بن عاصم و ثمامة بن أثال من أسلاب القوم و ثيابهم ، و قصد الفلال إلى دارين و ركبوا السفين إليها و رجع الآخرون إلى قومهم .
و كتب العلاء إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل بالقعود لأهل الردة في السبل و إلى خصفة التميمي و المثنى بن حارثة بمثل ذلك ، فرجعوا إلى دارين و جمعهم الله بها . ثم لما جاءته كتب بكر بن وائل و علم حسن إسلامهم أمر أن يؤتى من خلفه على أهل البحرين ثم لما ندب الناس و أن يستعرضوا البحر ، فارتحلوا و اقتحموا البحر على الظهر ، و كلهم يدعو : يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا . ثم أجازوا الخليج يمشون على مثل رمل مشياً فوقها ما يغمر أخفاف الإبل في مسيرة يوم و ليلة ، فلقوا العدو و اقتتلوا ، و ما تركوا بدارين مخبراً و سبوا الذراري و استاقوا الأموال ، و بلغ نفل الفارس ستة آلاف و الرجل ألفين .
و رجع العلاء إلى البحرين و ضرب الإسلام بجرانه . ثم أرجف المرجفون بأن أبا شييان و ثعلبة و الحرقد جمعهم مفروق الشيباني على الردة ، فوثق العلاء باللهازم و تقاربهم و كانوا مجمعين على نصره ، و أقبل العلاء بالناس فرجعوا إلى من أحب المقام ، وقفل ثمامة بن أثال فيهم . و مروا بقيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل فرأوا خميصة الخطم عليه فقالوا هو قتله ! فقال : لم أقتله و لكن الأمير نفلنيها فلم يقبلوا و قتلوه . و كتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق و قتل الخطم قتله زيد و سميفع فكتب إليه أبو بكر إن بلغك عن بني ثعلبة ما خاص فيه المرجفون فابعث إليهم جنداً و أوصهم و شرد بهم من خلفهم .
ردة أهل عمان و مهرة و اليمن
نبغ بعمان بعد الوفاة رجل من الأزد يقال له لقيط بن مالك الأزدي يسامى في الجاهلية الجلندي فدفع عنها الملكين اللذين كانا بها ، و هما جيفر و عبد ابنا الجلندي ، فارتد و ادعى النبوة و تغلب على عمان و دفع عنها الملكين ، و بعث جيفر إلى أبي بكر بالخبر ، فبعث أبو ربكر حذيفة بن محصن من حمير و عرفجة البارقي ، حذيفة إلى عمان و عرفجة إلى مهرة ، و إن اجتمعا فالأمير صاحب العمل ، و أمرهما أن يكاتبا جيفر أو يأخذا برأيه . و قد كان بعث عكرمة إلى اليمامة و مسيلمة و وقعت عليه النكبة كما مر ، فأمره بالمسير إلى حذيفة و عرفجة ليقاتل معهما عمان و مهرة و بتوجه إذا فرغ من ذلك إلى اليمن ، فمضى عكرمة فلحق بهما قبل أن يصلا إلى عمان ، و قد عهد إليهم أبو بكر أن ينتهوا إلى رأي عكرمة ، فراسلوا جيفراً و عبداً و بلغ لقيطاً مجيء الجيوش فعسكر بمدينة دبا و عسكر جيفر و عبد ببصحار ، و استقدموا عكرمة و حذيفة و عرفجة و كاتبوا رؤساء الدين فقدموا بجيوشهم ، ثم صمدوا إلى لقيط و أصحابه فقاتلوهم ، و قد أقام لقيط عياله وراء صفوفه ، و هم المسلمون بالهزيمة حتى جاءهم مددهم من بني ناجية و عليهم الحريث بن راشد و من عبد القيس و عليهم سنجار بن صرصار فانهزم العدو و ظفر المسلمون ، و قتلوا منهم نحواً من عشرة آلاف و سبوا الذراري و النساء و تم الفتح ، و قسموا الأنفال و بعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة و كان الخمس ثمانمائة رأس .
و أقام حذيفة بعمان و سار عكرمة إلى مهرة و قد استنفر أهل عمان و من حولها من ناحيته الأزد و عبد القيس و بني سعيد بن تميم ، فاقتحم مهرة بلادهم مهرة و هم على فرقتين يتنازعان الرياسة فأجابه أحد الفريقين ، و سار إلى الآخرين فهزمهم و قتل رئيسهم ، و أصابوا منهم ألفي نجيبة . و أفاد المسلمون قوة بغنيمتهم و أجاب أهل تلك النواحي إلى الإسلام و هم أهل نجد و الروضة و الشاطئ و الجزائر و المر و اللبان و أهل جيرة و ظهور الشحر و الفرات و ذات الخيم ، فاجتمعوا كلهم على الإسلام ، و بعث إلى أبي بكر بذلك مع البشير و سارعوا إلى اليمن للقاء المهاجر بن أبي أمية كما عهد إليه أبو بكر .
بعوث العراق و صلح الحيرة
و لما فرغ خالد من أمر اليمامة بعث إليه أبو بكر في المحرم من سنة إثنتي عشرة فأمره بالمسير إلى العراق و مرج الهند و هي الأبلة منتهى بحر فارس في جهة الشمال قرب البصرة ، فيتألف أهل فارس و من في مملكتهم من الأمم . فسار من اليمامة و قيل قدم على أبي بكر ثم سار من المدينة ، و انتهى إلى قرية بالسواد و هي بانقيا و برسوما و صاحبهما جابان ، فجاء صلوبا فصالحهم على عشرة آلاف دينار فقبضها خالد ، ثم سار إلى الحيرة و خرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائي الأمير عليها بعد النعمان بن المنذر ، فدعاهم إلى الإسلام أو الجزية أو المناجزة ، فصالحوه على تسعين ألف درهم ، و قيل إنما أمره أبو بكر أن يبدأ بالأبلة و يدخل من أسفل العراق . و كتب إلى عياض بن غنم أن يبدأ بالمضيخ و يدخل من أعلى العراق ، و أمر خالداً بالقعقاع بن عمرو التميمي و عياض بن عوف الحمي ، و قد كان المثنى بن حارثة الشيباني استأذن أبا بكر في غزو العراق فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد ، فكتب أبو بكر إليه و إلى حرملة و مدعور و سلمان أن يلحقوا بخالد بالأبلة و كانوا في ثمانية آلاف فارس ، و مع خالد عشرة آلاف ، فسار خالد في أول مقدمته المثنى و بعده عدي بن حاتم و جاء هو بعدهما على مسيرة يوم بين كل عسكر ، و واعدهما الحفير ليجتمعوا به و يصادموا عدوهم و كان صاحب ذلك الفرج من أساورة الفرس اسمه هرمز و كان يحارب العرب في البر و الهند في البحر ، فكتب إلى أردشير كسرى بالخبر و تعجل هو إلى الكواظم في سرعان أصحابه حتى نزل الحفير ، جعل على مجنبتيه قباذ و أنو شجان يناسبانه في أردشير الأكبر و اقترنوا بالسلاسل لئلا يفروا ، و أروا خالداً أنهم سبقوا إلى الحفير فمال إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها أيضاً . و كان للعرب على هزمر حنق لسوء مجاورته و قدم خالد فنزل قبالتهم على غير ماء و قال : جالدوهم على الماء فإن الله جاعله لأصبر الفريقين ، ثم أرسل الله سحابة فأغدرت من ورائهم .و لما حطوا أثقالهم قدم خالد و دعا إلى النزال فبرز إليه هرمز و ترجلا ثم اختلفا ضربتين فاحتضنه خالد و حمل أصحاب هرمز للغدر به فلم يشغله ذلك عن قتله ، و حمل القعقاع بن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
عمرو فقتلهم و انهزم أهل فارس و ركبهم المسلمون ، و سميت الواقعة ذات السلاسل . و أخذ خالد سلب هرمز و كانت قلنسوته بمائة ألف ، و بعث بالفتح و الأخماس إلى أبي بكر .
و سار فنزل بمكان البصرة و بعث المثنى بن حارثة في آثار العدو فحاصر حصن المرأة فتحه و أسلمت فتزوجها ، و بعث معقل بن مقرن إلى الأبلة ففتحها عتبة بن غزوان أيام عمر سنة أربع عشرة ، و لم يتعرض خالد و أصحابه إلى الفلاحين و تركهم و عمارة البلاد كما أمرهم أبو بكر . و كان كسرى أردشير لما جاءه كتاب هرمز بمسير خالد أمره بقارن بن فريانس فسار إلى المدار و لما انتهى إلى المذار لقيه المنهزمون من هرمز و معهم قباذ و أنوشجان فتذامروا و رجعوا و نزلوا النهر ، و سار إليهم خالد و اقتتلوا وبزرقان فقتله معقل بن الأعشى بن النباش و قتل عاصم أنوشجان و قتل عدي قباذ ، و انهزمت الفرس و قتل منهم نحو ثلاثين ألفاً سوى من غرق و منعت المياه المسلمين من طلبهم . و كانت الغنيمة عظيمة و أخذ الجزية من الفلاحين و صاروا في ذمة ، و لم يقاتل المسلمين من طلبهم . و كانت الغنيمة عظيمة و أخذ الجزية من الفلاحين و صاروا في ذمة ، و لم يقاتل المسلمين من الفرس بعد قارن أعظم منه ، و تسمى هذه الوقعة بالثني و هو النهر .
و لما جاء الخبر إلى أردشير بالهزيمة بعث الأندر زغر و كان فارساً من مولدي السواد فأرسل في أثره عسكراً مع بهمن حاذويه ، و حشد الأندرزغر ما بين الحيرة و كسكر من عرب الضاحية و الدهاقين و عسكروا بالولجة ، و سار إليهم خالد فقاتلهم و صبروا ، ثم جاءهم كمين من خلفهم فانهزموا و مات الأندرزغر عطشاً . و بذل خالد الأمان للفلاحين فصاروا ذمة ، و سبى ذراري المقاتلة و من أعانهم و أصاب اثنين من نصارى بني وائل أحدهما جابر بن بجير و الآخر ابن عبد الأسود من عجل فأسرهما ، و غضب بكر بن وائل لذلك فاجتمعوا على الليس و عليهم عبد الأسود العجلي ، فكتب أردشير إلى بهمن حاذويه ، و قد أقام بعد الهزيمة كتاباً يأمره بالمسير إلى نصارى العرب بالليس فيكون معهم إلى أن يقدم عليهم جابان من المرازبة ، فقدم بهمن على أردشير ليشاوره و خالفه جابان إلى نصارى العرب من عجل و تيم اللات و ضبيعة و عرب الضاحية من الحيرة و هم مجتمعون على الليس . و سار إليهم خالد حين بلغه خبرهم و لا مشعر لهم بجابان ، فلما حط الأثقال سار إليهم و طلب المبارزة ، فبرز إليه مالك بن قيس فقتله خالد ، و اشتد القتال بينهم و سائر المشركين ينتظرون قدوم بهمن ، ثم انهزموا و استأسر الكثير منهم و قتلهم خالد حتى سال النهر بالدم و سمي نهر الدم ، و وقف على طعام الأعاجم و كانوا قعوداً للأكل فنفله المسلمين ، و جعل العرب يتساءلون عن الرقاق يحسبونه رقاعاً . و بلغ عدد القتلى سبعين ألفاً . و لما فرغ من الليس سار إلى أمعيشيا فغزا أهلها و أعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها و خربها .
فتح الحيرة
ثم سافر خالد إلى الحيرة و حمل الرجال و الأثقال في السفن ، و خرج ابن زيان من الحيرة و معه الأزادية فعسكر عند الغريين و أرسل ابنه ليقاطع الماء عن السفن ، فوقفت على الأرض . و سار إليه خالد فلقيه على فرات باذقلا فقتله و جميع من معه ، و سار نحو أبيه على الحيرة فهرب بغير قتال لما كان بلغ من موت أردشير كسرى و قتل ابنه . و نزل خالد منزله بالغريين و حاصر قصور الحيرة و افتتح الديور و صاح القسيسون و الرهبان بأهل القصور فرجعوا على الاباية ، و خرج إياس بن قبيصة من القصر الأبيض ، و عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن بقيلة ، و كان معمراً و سأله خالد عن عجيبة قد رآها ، فقال : رأيت القرى ما بين دمشق و الحيرة تسافر بينهما المرأة فلا تتزود إلا رغيفاً واحداً . ثم جاءه و استقرب منه و رأى مع خادمه كيساً فيه سم فأخذه خالد و نثره في يده ، و قال ما هذا ؟ قال خشيت أن تكونوا على غير ما وجدت فيكون الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي ، فقال له خالد : لن تموت حتى تأتي على أجلها . ثم قال : باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء و ابتلع السم فوعك ساعة ثم قام كأنما نشط من عقال . فقال عبد المسيح : لتبلغن ما أردتم ما دام أحد منكم هكذا ، ثم صالحهم على مائة أو مائتين و تسعين ألفاً و على كرامة بنت عبد المسيح لشريك كان النبي صلى الله عليه و سلم عرف بها إذا فتحت الحيرة فأخذها شريك ، و افتدت منه بألف درهم و كتب لهم بالصلح و ذلك في أول سنة اثنتي عشرة .
فتح ما وراء الحيرة
كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم و استقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلي الحيرة من الفلاليح و غيرها على ألف ألف و قيل على ألفي ألف سوى جباية كسرى ، و بعث خالد ضرار بن الأزور و ضرار بن الخطاب و القعقاع بن عمرو و المثنى بن حارثة و عيينة بن الشماس فكانوا في الثغور و أمرهم بالغارة ، فمخروا السواد كله إلى شاطئ دجلة . و كتب إلى ملوك فارس : أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم و وهن كيدكم و فرق كلمتكم و لو لم نفعل ذلك كان شراً لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم و أرضكم و نجوزكم إلى غيركم و إلا كان ذلك و أنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة . و كتب إلى المرازبة : أما بعد فالحمد لله الذي فض حدتكم و فرق كلمتكم و جفل حرمكم و كسر شوكتم فأسلموا تسلموا و إلا فاعتقدوا مني الذمة و أدوا الجزية و إلا فقد جئتكم بقوة يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر انتهى .
و كان العجم مختلفين بموت أردشير و قد أزالوا بهمن حاذويه فيمن سيره في العساكر فجبى خالد خراج السواد في خمسين ليلة ، و غلب العجم عليه ، و أقام بالحييرة سنة يصعد و يصوب ، و الفرس حائرون فيمن يملكونه و لم يجدوا من يجتمعون عليه لأن سيرين كان قتل جميع من تناسب إلى بهرام جور . فلما وصل كتاب خالد تكلم نساء آل كسرى و ولوا الفرخزاد بن البندوان إلى أن يجدوا من يجتمعون عليه ، و وصل جرير ابن عبد الله البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة ، و كان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام ، ثم قدم على أبي بكر فكلمه أن يجمع له قومه كما وعده النبي صلى الله عليه و سلم و كانوا أوزاعاً متفرقين في العرب ، فسخط ذلك منه أبو بكر فقال : تكلمني بما لا يعني و أنت ترى ما نحن فيه من فارس و الروم . و أمره بالمسير إلى خالد فقدم عليه بعد فتح الحيرة .
فتح الأنبار و عين التمر و تسمى هذه الغزوة ذات العيون
ثم سار خالد على تعبيته إلى الأنبار و على مقدمته الأقرع بن حابس ، و كان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم و رشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين . ثم نحر ضعاف الإبل و ألقاها في الخندق حتى ردمه بها و جاز هو و أصحابه فوقها ، فاجتمع المسلمون و الكفار في الخندق ، و صالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه و يخلي لهم عن البلد و ما فيها ، ببهمن حاذويه . ثم استخلف خالد على الأنبار الزبرقان ابن بدر ، و سار إلى عين التمر و بها بهرام بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم ، و عقبة بن أبي عقبة في جمع عظيم من العرب ، و حولهم طوائف من النمر و تغلب و إياد و غيرهم من العرب . و قال عقبة لبهرام : دعنا و خالداً فالعرب أعرف بقتال العرب . فتركه لذلك و اتقى به و سار عقبة إلى خالد و حمل خالد عليه و هو يقيم صفوفه ، فاحتضنه و أخذه أسيراً و انهزم العسكر عن غير قتال و أسر أكثرهم . و بلغ الخبر إلى بهرام فهرب و ترك الحصن و تحصن به المنهزمون ، و استأمنوا لخالد فأبى ، فنزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين ، و عقبة معهم .
و غنم ما في الحصن و سبى عيالهم و أولادهم و أخذ من البيعة و هي الكنيسة غلماناً كانوا يتعلمون الإنجيل ففرقهم في الناس منهم : سيرين أبو محمد و نصير أبو موسى و حمران مولى عثمان ، و بعث إلى أبي بكر بالفتح و الخمس . و قتل من المسلمين عمير ابن رباب السهمي من مهاجرة الحبشة و بشير بن سعد والد النعمان .و لما فرغ خالد من عين التمر وافق وصول كتاب عياض بن غنم و هو على من بإزائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل و هم بهرام و كلب و غسان و تنوخ والضجاعم ، و كانت رياسة دومة لأكيدر بن عبد الملك و الجودي بن ربيعة يقتسمانها ، و أشار أكيدر بصلح خالد فلم يقبلوا منه فخرج عنهم ، و بلغ خالد مسيره فأرسل من اعترضه فقتله و أخذ ما معه ،
و سار فنزل بمكان البصرة و بعث المثنى بن حارثة في آثار العدو فحاصر حصن المرأة فتحه و أسلمت فتزوجها ، و بعث معقل بن مقرن إلى الأبلة ففتحها عتبة بن غزوان أيام عمر سنة أربع عشرة ، و لم يتعرض خالد و أصحابه إلى الفلاحين و تركهم و عمارة البلاد كما أمرهم أبو بكر . و كان كسرى أردشير لما جاءه كتاب هرمز بمسير خالد أمره بقارن بن فريانس فسار إلى المدار و لما انتهى إلى المذار لقيه المنهزمون من هرمز و معهم قباذ و أنوشجان فتذامروا و رجعوا و نزلوا النهر ، و سار إليهم خالد و اقتتلوا وبزرقان فقتله معقل بن الأعشى بن النباش و قتل عاصم أنوشجان و قتل عدي قباذ ، و انهزمت الفرس و قتل منهم نحو ثلاثين ألفاً سوى من غرق و منعت المياه المسلمين من طلبهم . و كانت الغنيمة عظيمة و أخذ الجزية من الفلاحين و صاروا في ذمة ، و لم يقاتل المسلمين من طلبهم . و كانت الغنيمة عظيمة و أخذ الجزية من الفلاحين و صاروا في ذمة ، و لم يقاتل المسلمين من الفرس بعد قارن أعظم منه ، و تسمى هذه الوقعة بالثني و هو النهر .
و لما جاء الخبر إلى أردشير بالهزيمة بعث الأندر زغر و كان فارساً من مولدي السواد فأرسل في أثره عسكراً مع بهمن حاذويه ، و حشد الأندرزغر ما بين الحيرة و كسكر من عرب الضاحية و الدهاقين و عسكروا بالولجة ، و سار إليهم خالد فقاتلهم و صبروا ، ثم جاءهم كمين من خلفهم فانهزموا و مات الأندرزغر عطشاً . و بذل خالد الأمان للفلاحين فصاروا ذمة ، و سبى ذراري المقاتلة و من أعانهم و أصاب اثنين من نصارى بني وائل أحدهما جابر بن بجير و الآخر ابن عبد الأسود من عجل فأسرهما ، و غضب بكر بن وائل لذلك فاجتمعوا على الليس و عليهم عبد الأسود العجلي ، فكتب أردشير إلى بهمن حاذويه ، و قد أقام بعد الهزيمة كتاباً يأمره بالمسير إلى نصارى العرب بالليس فيكون معهم إلى أن يقدم عليهم جابان من المرازبة ، فقدم بهمن على أردشير ليشاوره و خالفه جابان إلى نصارى العرب من عجل و تيم اللات و ضبيعة و عرب الضاحية من الحيرة و هم مجتمعون على الليس . و سار إليهم خالد حين بلغه خبرهم و لا مشعر لهم بجابان ، فلما حط الأثقال سار إليهم و طلب المبارزة ، فبرز إليه مالك بن قيس فقتله خالد ، و اشتد القتال بينهم و سائر المشركين ينتظرون قدوم بهمن ، ثم انهزموا و استأسر الكثير منهم و قتلهم خالد حتى سال النهر بالدم و سمي نهر الدم ، و وقف على طعام الأعاجم و كانوا قعوداً للأكل فنفله المسلمين ، و جعل العرب يتساءلون عن الرقاق يحسبونه رقاعاً . و بلغ عدد القتلى سبعين ألفاً . و لما فرغ من الليس سار إلى أمعيشيا فغزا أهلها و أعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها و خربها .
فتح الحيرة
ثم سافر خالد إلى الحيرة و حمل الرجال و الأثقال في السفن ، و خرج ابن زيان من الحيرة و معه الأزادية فعسكر عند الغريين و أرسل ابنه ليقاطع الماء عن السفن ، فوقفت على الأرض . و سار إليه خالد فلقيه على فرات باذقلا فقتله و جميع من معه ، و سار نحو أبيه على الحيرة فهرب بغير قتال لما كان بلغ من موت أردشير كسرى و قتل ابنه . و نزل خالد منزله بالغريين و حاصر قصور الحيرة و افتتح الديور و صاح القسيسون و الرهبان بأهل القصور فرجعوا على الاباية ، و خرج إياس بن قبيصة من القصر الأبيض ، و عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن بقيلة ، و كان معمراً و سأله خالد عن عجيبة قد رآها ، فقال : رأيت القرى ما بين دمشق و الحيرة تسافر بينهما المرأة فلا تتزود إلا رغيفاً واحداً . ثم جاءه و استقرب منه و رأى مع خادمه كيساً فيه سم فأخذه خالد و نثره في يده ، و قال ما هذا ؟ قال خشيت أن تكونوا على غير ما وجدت فيكون الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي ، فقال له خالد : لن تموت حتى تأتي على أجلها . ثم قال : باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء و ابتلع السم فوعك ساعة ثم قام كأنما نشط من عقال . فقال عبد المسيح : لتبلغن ما أردتم ما دام أحد منكم هكذا ، ثم صالحهم على مائة أو مائتين و تسعين ألفاً و على كرامة بنت عبد المسيح لشريك كان النبي صلى الله عليه و سلم عرف بها إذا فتحت الحيرة فأخذها شريك ، و افتدت منه بألف درهم و كتب لهم بالصلح و ذلك في أول سنة اثنتي عشرة .
فتح ما وراء الحيرة
كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم و استقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلي الحيرة من الفلاليح و غيرها على ألف ألف و قيل على ألفي ألف سوى جباية كسرى ، و بعث خالد ضرار بن الأزور و ضرار بن الخطاب و القعقاع بن عمرو و المثنى بن حارثة و عيينة بن الشماس فكانوا في الثغور و أمرهم بالغارة ، فمخروا السواد كله إلى شاطئ دجلة . و كتب إلى ملوك فارس : أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم و وهن كيدكم و فرق كلمتكم و لو لم نفعل ذلك كان شراً لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم و أرضكم و نجوزكم إلى غيركم و إلا كان ذلك و أنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة . و كتب إلى المرازبة : أما بعد فالحمد لله الذي فض حدتكم و فرق كلمتكم و جفل حرمكم و كسر شوكتم فأسلموا تسلموا و إلا فاعتقدوا مني الذمة و أدوا الجزية و إلا فقد جئتكم بقوة يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر انتهى .
و كان العجم مختلفين بموت أردشير و قد أزالوا بهمن حاذويه فيمن سيره في العساكر فجبى خالد خراج السواد في خمسين ليلة ، و غلب العجم عليه ، و أقام بالحييرة سنة يصعد و يصوب ، و الفرس حائرون فيمن يملكونه و لم يجدوا من يجتمعون عليه لأن سيرين كان قتل جميع من تناسب إلى بهرام جور . فلما وصل كتاب خالد تكلم نساء آل كسرى و ولوا الفرخزاد بن البندوان إلى أن يجدوا من يجتمعون عليه ، و وصل جرير ابن عبد الله البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة ، و كان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام ، ثم قدم على أبي بكر فكلمه أن يجمع له قومه كما وعده النبي صلى الله عليه و سلم و كانوا أوزاعاً متفرقين في العرب ، فسخط ذلك منه أبو بكر فقال : تكلمني بما لا يعني و أنت ترى ما نحن فيه من فارس و الروم . و أمره بالمسير إلى خالد فقدم عليه بعد فتح الحيرة .
فتح الأنبار و عين التمر و تسمى هذه الغزوة ذات العيون
ثم سار خالد على تعبيته إلى الأنبار و على مقدمته الأقرع بن حابس ، و كان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم و رشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين . ثم نحر ضعاف الإبل و ألقاها في الخندق حتى ردمه بها و جاز هو و أصحابه فوقها ، فاجتمع المسلمون و الكفار في الخندق ، و صالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه و يخلي لهم عن البلد و ما فيها ، ببهمن حاذويه . ثم استخلف خالد على الأنبار الزبرقان ابن بدر ، و سار إلى عين التمر و بها بهرام بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم ، و عقبة بن أبي عقبة في جمع عظيم من العرب ، و حولهم طوائف من النمر و تغلب و إياد و غيرهم من العرب . و قال عقبة لبهرام : دعنا و خالداً فالعرب أعرف بقتال العرب . فتركه لذلك و اتقى به و سار عقبة إلى خالد و حمل خالد عليه و هو يقيم صفوفه ، فاحتضنه و أخذه أسيراً و انهزم العسكر عن غير قتال و أسر أكثرهم . و بلغ الخبر إلى بهرام فهرب و ترك الحصن و تحصن به المنهزمون ، و استأمنوا لخالد فأبى ، فنزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين ، و عقبة معهم .
و غنم ما في الحصن و سبى عيالهم و أولادهم و أخذ من البيعة و هي الكنيسة غلماناً كانوا يتعلمون الإنجيل ففرقهم في الناس منهم : سيرين أبو محمد و نصير أبو موسى و حمران مولى عثمان ، و بعث إلى أبي بكر بالفتح و الخمس . و قتل من المسلمين عمير ابن رباب السهمي من مهاجرة الحبشة و بشير بن سعد والد النعمان .و لما فرغ خالد من عين التمر وافق وصول كتاب عياض بن غنم و هو على من بإزائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل و هم بهرام و كلب و غسان و تنوخ والضجاعم ، و كانت رياسة دومة لأكيدر بن عبد الملك و الجودي بن ربيعة يقتسمانها ، و أشار أكيدر بصلح خالد فلم يقبلوا منه فخرج عنهم ، و بلغ خالد مسيره فأرسل من اعترضه فقتله و أخذ ما معه ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
و سار خالد فنزل دومة و عياض عليها من الجهة الأخرى ، و خرج الجودي لقتال خالد و أخرج طائفة أخرى لقتال عياض ، فانهزموا من الجهتين فأغلق دونهم و قتل الجودي و افتتح الحصن عنوة فقتل المقاتلة و سبى الذرية .
الوقائع بالعراق
و أقام خالد بدومة الجندل فطمع الأعاجم في الحيرة و ملأهم عرب الجزيرة غضباً لعقبة ، فخرج اسوران إلى الأنبار و انتهيا إلى الحصيد و الخنافس ، فبعث القعقاع من الحيرة عسكرين حالا بينهما و بين الريف ، ثم جاء خالد إلى الحيرة فعجل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكى إلى لقائهما بالحصيد ، فقتل من العجم مقتلة عظيمة ، و قتل الأسواران ، و غنم المسلمون ما في الحصيد ، و انهزمت الأعاجم إلى الخنافس و بها البهبوذان من الأساورة . و سار أبو ليلى في اتباعهم فهزم البهبوذان إلى المضيخ و كان بها الهذيل بن عمران و ربيعة بن بجير من عرب الجزيرة غضباً لعقبة و جاءا مدداً لأهل الحصيد ، فكتب خالد إلى القعقاع و أبي ليلى و واعدهما المضيخ ، و سار إليهم فتوافقا هنالك و أغاروا على الهذيل و من معه من ثلاثة أوجه ، فأكثروا فيهم القتل ففر الهذيل في قليل ، و كان مع الهذيل عبد العزيز بن أبي رهم من أوس مناة ولبيد بن جرير و كانا أسلما و كتب لهما أبو بكر بإسلامهما فقتلا في المعركة ، فوداهما أبو بكر و أوصى بأولادهما ، و كان عمر يعتمد بقتلهما و قتل مالك بن نويرة على خالد .
و لما فرغ خالد من الهذيل بالمضيخ واعد القعقاع و أبا ليلى إلى الثني شرقي الرصافة ليغير على ربيعة بن بحير التغلبي صاحب الهذيل الذيى جاء معه لمدد الفرس و يبيتهم فلم يلق منهم أحداً ، ثم اتبع الهذيل بعد مفره من المضيخ إلى اليسير و قد لحق هنالك بعتاب بن أسيد فبيتهم خالد قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة ، و سار إلى الرصافة و بها هلال بن عقبة فتفرق عنه أصحابه و هرب فلم يلق بها خالد أحداً . ثم سار خالد إلى الرضاب و إلى الفراض و هي تخوم الشام و العراق و الجزيرة فحميت الروم و استعانوا بمن يليهم من مسالح فارس ، و اجتمعت معهم تغلب و إياد و النمر و ساروا إلى خالد و طلبوا منه العبور ، فقال : اعبروا أسفل منا فعبروا و امتاز الروم من العرب ، فانهزمت الروم ذلك اليوم و قتل منهم نحو من مائة ألف . و أقام خالد على الفراض إلى ذي القعدة ، ثم أذن للناس بالرجوع إلى الحيرة ، و جعل شجرة بن الأغر على الساقة . و خرج من الفراض حاجا مكتتماً بحجة و ذهب يتعسف في البلاد حتى أتى مكة فحج و رجع فوافى الحيرة مع جنده ، و شجرة بن الأغر معهم و لم يعلم بحجة إلا من أعلمه به ، و عتب به أبو بكر في ذلك لما سمعه و كانت عقوبته إياه أن صرفه من غزو العراق إلى الشام ، ثم شن خالد بن الوليد الغارات على نواحي السواد فأغار هو على سوق بغداد ، و على قطربل ، و عقرقوما ، و مسكن ، و بادروبا . و حج أبو بكر في هذه السنة و استخلف على المدينة عثمان بن عفان .
بعوث الشام
و كان من أول عمل أبي بكر بعدة عوده من الحج أن بعث خالد بن سعيد بن العاص في الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة ، و قيل إنما بعثه إلى الشام لما بعث خالد بن الوليد إلى العراق السنة التي قبلها ، ثم عزله قبل أن يسير لأنه كان لما قدم من اليمن عند الوفاة بخلف عن بيعة أبي بكر أياماً و غدا على علي و عثمان فعزلهما على الاستكانة لتيم و هما رؤس بني عبد مناف فنهاه علي و بلغت الشيخين ، فلما ولاه أبو بكر عقد له عمر فعزله و أمره أن يقيم بتيماء و يدعو من حوله من العرب إلى الجهاد حتى يأتيه أمره ، فاجتمعت إليه جموع كثيرة ، و بلغ الروم خبره فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهرا و سليح و كلب و غسان و لخم و جذام ، و سار إليهم خالد فغلبهم على منازلهم و افترقوا . و كتب له أبو بكر بالإقدام فسار متقدما و لقيه بالبطريق ماهان من بطارقة الروم فهزمه خالد و استلحم الكثير من جنوده ، و كتب إلى أبي بكر يستمد ، و وافق كتابه المستنفرين و فيهم ذو الكلاع و معه حمير و عكرمة بن أبي جهل و من معه من تهامة و الشحر و عمان و البحرين فبعثهم إليه . و حينئذ اهتم أبو بكر بالشام و كان عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم تسليماً إلى عمان و عده أن يعيده إلى عمله عند فراغه من أمر عمان ، فلما جاء بعد الوفاة أعاده إليها أبو بكر إنجازاً لوعده صلى الله عليه و سلم تسليماً و هي صدقات سعد هذيم و بني عذرة ، فبعث إليه الآن يأمره باللحاق بخالد بن سعيد لجهاد الروم و أن يقصد فلسطين ، و بعث أيضا إلى الوليد بن عقبة و كان على صدقات قضاعة و ولاه الأردن ، وأمر يزيد ابن أبي سفيان على جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمرو و أشباهه ، و أمر أبا عبيدة بن الجراح على جمعهم و عين له حمص ، و أوصى كل واحد منهم .
و لما وصل المدد إلى خالد بن سعيد و بلغه توجه الأمراء تعجل للقاء الروم قبلهم فاستطرد له ماهان و دخل دمشق ، و اقتحم خالد الشام و معه ذو الكلاع و عكرمة و الوليد حتى نزل مرج الصفر عند دمشق فانطوت مسالح ماهان عليه و سدوا الطريق دونه و زحف إليه ماهان ، و لقي ابنه سعيداً في طريقه فقتلوه و بلغ الخبر أباه خالدا فهرب فيمن معه و انتهى إلى ذي المروة قرب المدينة . و أقام عكرمة ردءاً من خلفهم فرد عنهم الروم فأقام قريباً من الشام .
و جاء شرحبيل بن حسنة إلى أبي بكر وافداً من العراق من عند خالد فندب معه الناس و بعثه مكان الوليد إلى أردن و مر بخالد ففصل ببعض أصحابه . ثم بعث أبو بكر معاوية و أمره باللحاق بأخيه يزيد ، و أذن لخالد بن سعيد بدخول المدينة .
و زحف الأمراء في العساكر نحو الشام ، فعبى هرقل عساكر الروم و نزل حمص بعد أن أشار على الروم بعدم قتال العرب و مصالحتهم على ما يريدون ، فأبوا و لجوا ، ثم فرقهم على أمراء المسلمين ، فبعث شقيقه تدارق في تسعين ألفاً نحو عمرو بن العاص بفلسطين ، و بعث جرجة بن توذر نحو يزيد بن أبي سفيان ، و بعث الدارقص نحو شرحبيل بن حسنة بالأردن ، و بعث القيقلان بن نسطورس في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة بالجابية . فهابهم المسلمون ثم رأوا أن الاجتماع أليق بهم و بلغ كتاب أبي بكر بذلك فاجتمعوا باليرموك إحداً و عشرين ألفاً . و أمر هرقل أيضاً باجتماع جنوده بينهم ، فأقاموا بإزائه ثلاثة أشهر ، و استمدوا أبا بكر فكتب إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة و يلحق بهم و أمره على جند الشام .
بعوث الشام
و لما استمد المسلمون أبا بكر بعث إليهم خالد بن الوليد من العراق و استحثه في السير إليهم ، فنفذ خالد لذلك و وافى المسلمين مكانهم عندما وافى ماهان و الروم أيضاً . و ولى خالد قباله و ولى الأمراء قبل الآخرين أزاءهم فهزم ماهان ، و تتابع الروم على الهزيمة و كانوا مائتين و أربعين ألفاً و تقسموا بين القتل و الغرق في الواقوصة و الهوي في الخندق ، و قتل صناديد الروم و فرسانهم ، و قتل تدارق أخو هرقل ، و انتهت الهزيمة إلى هرقل و هو دون حمص فارتحل و أخلد إلى ما وراءها لتكون بينه و بين المسلمين و أصر عليها و على دمشق . و يقال إن المسلمين كانوا يومئذ ستة و أربعين ألفاً : سبعة و عشرين منها مع الأمراء ، و ثلاثة آلاف من إمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد ، و ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد . و أن خالد بن سعيد سماهم كراديس ستة و ثلاثين كردوسا لما رأى الروم تعبوا كراديس ، و كان كل كردوس ألفاً و كان ذلك في شهر جمادى ، و أن أبا سفيان بن حرب أبلى يومئذ بلاءً حسناً بسعيه و تحريضه .
قالوا و بينما الناس في القتال قدم البريد من المدينة بموت أبي بكر و ولاية عمر ، فأسره إلى خالد و كتمه عن الناس . ثم خرج جرجه من أمراء فطلب خالداً و سأله عن أمره و أمر الإسلام ، فوعظه خالد فاستبصر و أسلم و كانت وهناً على الروم . ثم زحف خالد بجماعة من المسلمين فيهم جرجه فقتل من يومه ، و استشهد عكرمة بن أبي جهل و ابنه عمرو ، و أصيب عين أبي سفيان ، و استشهد سلمة بن هشام و عمرو و أبان ابنا سعيد و هشام بن العاص و هبار بن سفيان و الطفيل بن عمرو ، و أثبت خالد بن سعيد فلا يعلم أين مات بعد و يقال استشهد في مرج الصفر في الواقعة الأولى .
الوقائع بالعراق
و أقام خالد بدومة الجندل فطمع الأعاجم في الحيرة و ملأهم عرب الجزيرة غضباً لعقبة ، فخرج اسوران إلى الأنبار و انتهيا إلى الحصيد و الخنافس ، فبعث القعقاع من الحيرة عسكرين حالا بينهما و بين الريف ، ثم جاء خالد إلى الحيرة فعجل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكى إلى لقائهما بالحصيد ، فقتل من العجم مقتلة عظيمة ، و قتل الأسواران ، و غنم المسلمون ما في الحصيد ، و انهزمت الأعاجم إلى الخنافس و بها البهبوذان من الأساورة . و سار أبو ليلى في اتباعهم فهزم البهبوذان إلى المضيخ و كان بها الهذيل بن عمران و ربيعة بن بجير من عرب الجزيرة غضباً لعقبة و جاءا مدداً لأهل الحصيد ، فكتب خالد إلى القعقاع و أبي ليلى و واعدهما المضيخ ، و سار إليهم فتوافقا هنالك و أغاروا على الهذيل و من معه من ثلاثة أوجه ، فأكثروا فيهم القتل ففر الهذيل في قليل ، و كان مع الهذيل عبد العزيز بن أبي رهم من أوس مناة ولبيد بن جرير و كانا أسلما و كتب لهما أبو بكر بإسلامهما فقتلا في المعركة ، فوداهما أبو بكر و أوصى بأولادهما ، و كان عمر يعتمد بقتلهما و قتل مالك بن نويرة على خالد .
و لما فرغ خالد من الهذيل بالمضيخ واعد القعقاع و أبا ليلى إلى الثني شرقي الرصافة ليغير على ربيعة بن بحير التغلبي صاحب الهذيل الذيى جاء معه لمدد الفرس و يبيتهم فلم يلق منهم أحداً ، ثم اتبع الهذيل بعد مفره من المضيخ إلى اليسير و قد لحق هنالك بعتاب بن أسيد فبيتهم خالد قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة ، و سار إلى الرصافة و بها هلال بن عقبة فتفرق عنه أصحابه و هرب فلم يلق بها خالد أحداً . ثم سار خالد إلى الرضاب و إلى الفراض و هي تخوم الشام و العراق و الجزيرة فحميت الروم و استعانوا بمن يليهم من مسالح فارس ، و اجتمعت معهم تغلب و إياد و النمر و ساروا إلى خالد و طلبوا منه العبور ، فقال : اعبروا أسفل منا فعبروا و امتاز الروم من العرب ، فانهزمت الروم ذلك اليوم و قتل منهم نحو من مائة ألف . و أقام خالد على الفراض إلى ذي القعدة ، ثم أذن للناس بالرجوع إلى الحيرة ، و جعل شجرة بن الأغر على الساقة . و خرج من الفراض حاجا مكتتماً بحجة و ذهب يتعسف في البلاد حتى أتى مكة فحج و رجع فوافى الحيرة مع جنده ، و شجرة بن الأغر معهم و لم يعلم بحجة إلا من أعلمه به ، و عتب به أبو بكر في ذلك لما سمعه و كانت عقوبته إياه أن صرفه من غزو العراق إلى الشام ، ثم شن خالد بن الوليد الغارات على نواحي السواد فأغار هو على سوق بغداد ، و على قطربل ، و عقرقوما ، و مسكن ، و بادروبا . و حج أبو بكر في هذه السنة و استخلف على المدينة عثمان بن عفان .
بعوث الشام
و كان من أول عمل أبي بكر بعدة عوده من الحج أن بعث خالد بن سعيد بن العاص في الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة ، و قيل إنما بعثه إلى الشام لما بعث خالد بن الوليد إلى العراق السنة التي قبلها ، ثم عزله قبل أن يسير لأنه كان لما قدم من اليمن عند الوفاة بخلف عن بيعة أبي بكر أياماً و غدا على علي و عثمان فعزلهما على الاستكانة لتيم و هما رؤس بني عبد مناف فنهاه علي و بلغت الشيخين ، فلما ولاه أبو بكر عقد له عمر فعزله و أمره أن يقيم بتيماء و يدعو من حوله من العرب إلى الجهاد حتى يأتيه أمره ، فاجتمعت إليه جموع كثيرة ، و بلغ الروم خبره فضربوا البعث على العرب الضاحية بالشام من بهرا و سليح و كلب و غسان و لخم و جذام ، و سار إليهم خالد فغلبهم على منازلهم و افترقوا . و كتب له أبو بكر بالإقدام فسار متقدما و لقيه بالبطريق ماهان من بطارقة الروم فهزمه خالد و استلحم الكثير من جنوده ، و كتب إلى أبي بكر يستمد ، و وافق كتابه المستنفرين و فيهم ذو الكلاع و معه حمير و عكرمة بن أبي جهل و من معه من تهامة و الشحر و عمان و البحرين فبعثهم إليه . و حينئذ اهتم أبو بكر بالشام و كان عمرو بن العاص لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم تسليماً إلى عمان و عده أن يعيده إلى عمله عند فراغه من أمر عمان ، فلما جاء بعد الوفاة أعاده إليها أبو بكر إنجازاً لوعده صلى الله عليه و سلم تسليماً و هي صدقات سعد هذيم و بني عذرة ، فبعث إليه الآن يأمره باللحاق بخالد بن سعيد لجهاد الروم و أن يقصد فلسطين ، و بعث أيضا إلى الوليد بن عقبة و كان على صدقات قضاعة و ولاه الأردن ، وأمر يزيد ابن أبي سفيان على جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمرو و أشباهه ، و أمر أبا عبيدة بن الجراح على جمعهم و عين له حمص ، و أوصى كل واحد منهم .
و لما وصل المدد إلى خالد بن سعيد و بلغه توجه الأمراء تعجل للقاء الروم قبلهم فاستطرد له ماهان و دخل دمشق ، و اقتحم خالد الشام و معه ذو الكلاع و عكرمة و الوليد حتى نزل مرج الصفر عند دمشق فانطوت مسالح ماهان عليه و سدوا الطريق دونه و زحف إليه ماهان ، و لقي ابنه سعيداً في طريقه فقتلوه و بلغ الخبر أباه خالدا فهرب فيمن معه و انتهى إلى ذي المروة قرب المدينة . و أقام عكرمة ردءاً من خلفهم فرد عنهم الروم فأقام قريباً من الشام .
و جاء شرحبيل بن حسنة إلى أبي بكر وافداً من العراق من عند خالد فندب معه الناس و بعثه مكان الوليد إلى أردن و مر بخالد ففصل ببعض أصحابه . ثم بعث أبو بكر معاوية و أمره باللحاق بأخيه يزيد ، و أذن لخالد بن سعيد بدخول المدينة .
و زحف الأمراء في العساكر نحو الشام ، فعبى هرقل عساكر الروم و نزل حمص بعد أن أشار على الروم بعدم قتال العرب و مصالحتهم على ما يريدون ، فأبوا و لجوا ، ثم فرقهم على أمراء المسلمين ، فبعث شقيقه تدارق في تسعين ألفاً نحو عمرو بن العاص بفلسطين ، و بعث جرجة بن توذر نحو يزيد بن أبي سفيان ، و بعث الدارقص نحو شرحبيل بن حسنة بالأردن ، و بعث القيقلان بن نسطورس في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة بالجابية . فهابهم المسلمون ثم رأوا أن الاجتماع أليق بهم و بلغ كتاب أبي بكر بذلك فاجتمعوا باليرموك إحداً و عشرين ألفاً . و أمر هرقل أيضاً باجتماع جنوده بينهم ، فأقاموا بإزائه ثلاثة أشهر ، و استمدوا أبا بكر فكتب إلى خالد بن الوليد أن يستخلف على العراق المثنى بن حارثة و يلحق بهم و أمره على جند الشام .
بعوث الشام
و لما استمد المسلمون أبا بكر بعث إليهم خالد بن الوليد من العراق و استحثه في السير إليهم ، فنفذ خالد لذلك و وافى المسلمين مكانهم عندما وافى ماهان و الروم أيضاً . و ولى خالد قباله و ولى الأمراء قبل الآخرين أزاءهم فهزم ماهان ، و تتابع الروم على الهزيمة و كانوا مائتين و أربعين ألفاً و تقسموا بين القتل و الغرق في الواقوصة و الهوي في الخندق ، و قتل صناديد الروم و فرسانهم ، و قتل تدارق أخو هرقل ، و انتهت الهزيمة إلى هرقل و هو دون حمص فارتحل و أخلد إلى ما وراءها لتكون بينه و بين المسلمين و أصر عليها و على دمشق . و يقال إن المسلمين كانوا يومئذ ستة و أربعين ألفاً : سبعة و عشرين منها مع الأمراء ، و ثلاثة آلاف من إمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد ، و ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد . و أن خالد بن سعيد سماهم كراديس ستة و ثلاثين كردوسا لما رأى الروم تعبوا كراديس ، و كان كل كردوس ألفاً و كان ذلك في شهر جمادى ، و أن أبا سفيان بن حرب أبلى يومئذ بلاءً حسناً بسعيه و تحريضه .
قالوا و بينما الناس في القتال قدم البريد من المدينة بموت أبي بكر و ولاية عمر ، فأسره إلى خالد و كتمه عن الناس . ثم خرج جرجه من أمراء فطلب خالداً و سأله عن أمره و أمر الإسلام ، فوعظه خالد فاستبصر و أسلم و كانت وهناً على الروم . ثم زحف خالد بجماعة من المسلمين فيهم جرجه فقتل من يومه ، و استشهد عكرمة بن أبي جهل و ابنه عمرو ، و أصيب عين أبي سفيان ، و استشهد سلمة بن هشام و عمرو و أبان ابنا سعيد و هشام بن العاص و هبار بن سفيان و الطفيل بن عمرو ، و أثبت خالد بن سعيد فلا يعلم أين مات بعد و يقال استشهد في مرج الصفر في الواقعة الأولى .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
و يقال إن خالداً لما جاء من العراق مدداً للمسلمين بالشام طلب من الأدلاء أن يغوروا به حتى يخرج من وراء الروم ، فسلك به رافع بن عمرو الطائي من فزارة في بلاد كلب حتى خرج إلى الشام و نحر فيها الإبل و أغار على مضيخ فوجد به رفقه فقتلهم و أسلبهم ، و كان الحرث بن الأيهم و غسان قد اجتمعوا بمرج راهط فسلك إليهم و استباحهم ، ثم نزل بصرى ففتحها ، ثم سار منها إلى المسلمين بالواقوصة فشهد معهم اليرموك . و يقال : إن خالداً لما جاء من العراق إلى الشام لقي أمراء المسلمين ببصرى فحاصروها جميعاً حتى فتحوها على الجزية ، ثم ساروا جميعاً إلى فلسطين مدداً لعمرو بن العاص ، و عمرو بالغور و الروم بجلق مع تدارق أخي هرقل ، و كشفوا عن جلق إلى أجنادين وراء الرملة شرقاً ، ثم تزاحف الناس فاقتتلوا ، و انهزم الروم و ذلك في منتصف جمادى الأولى من السنة ، و قتل فيها تدارق ، ثم رجع هرقل و لقي المسلمين بالواقوصة عند اليرموك ، فكانت واقعة اليرموك كما قدمنا في رجب بعد أجنادين ، و بلغت المسلمين وفاة أبي بكر و أنها كانت لثمان بقين من جمادى الآخرة .
خلافة عمر رضي الله عنه
و لما احتضر أبو بكر عهد إلى عمر رضي الله عنه بالأمر من بعده ان شاور عليه طلحة و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و غيرهم و أخبرهم بما يريد فيه ، فأثنوا على رأيه ، فأشرف على الناس و قال : إني قد استخلفت عمر و لم آل لكم نصحاً فاسمعوا له و أطيعوا . و دعا عثمان فأمره فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم عند آخر عهده بالدنيا و أول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر و يوقن فيها الفاجر ، إني استعملت عليكم عمر ابن الخطاب و لم آل لكم خيراً ، فإن صبر و عدل فذلك علمي به و رأيي فيه ، و إن جار و بدل فلا علم لي بالغيب و الخير أردت و لكل امرئ ما اكتسب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
فكان أول ما أنفذه من الأمور عزل خالد عن إمارة الجيوش بالشام و توليه أبي عبيدة ، و جاء الخبر بذلك و المسلمون مواقفون عدوهم في اليرموك فكتم أبو عبيدة الأمر كله ، فلما انقضى أمر اليرموك كما مر سار المسلمون إلى فحل من أرض الأردن و بها رافضة الروم و خالد على مقدمة الناس فقاتلوا الروم .
فتح دمشق
و اقتحموها عنوة و ذلك في ذي القعدة ولحقت رافضة الروم و عليها ماهان من البطارقة فحاصرهم المسلمون حتى فتحوا دمشق ، و أظهر أبو عبيدة إمارته و عزل خالد . و قال سببه أن أبا بكر يسخط خالد بن سعيد و الوليد بن عقبة من أجل فرارهما كما مر ، فلما ولي عمر رضي الله عنه أباح لهما دخول المدينة ثم بعثهما من الناس إلى الشام ، و لما فرغ أمر اليرموك و ساروا إلى فحل و بلغ عمر خبر اليرموك فكتب فعزل خالد بن الوليد و عمرو بن العاص حتى يصير الحرب إلى فلسطين فيتولاها عمرو ، و أن خالداً قدم على عمر بعد العزل و ذلك بعد فتح دمشق و أنهم ساروا إلى فحل فاقتحوها ، ثم ساروا إلى دمشق و عليها نسطاس بن نسطورس فحاصروها سبعين ليلة و قيل ستة أشهر من نواحيها الأربع ، خالد و أبو عبيدة و يزيد و عمرو كل واحد على ناحية . و قد جعلوا بينهم و بين هرقل مدينة حمص و من دونها ذو الكلاع في جيش من المسلمين ، و بعث هرقل المدد إلى دمشق و كان فيهم ذو الكلاع فسقط في أيديهم و قدموا على دخول دمشق و طمع المسلمون فيهم ، و استغفلهم خالد في بعض الليالي فتسور سورهم من ناحيته و قتل الوليد و فتح الباب و اقتحم البلد و كبروا و قتلوا جميع من لقوه . و فزع أهل النواحي إلى الأمراء الذين يلونهم فنادوا لهم بالصلح و الدخول ، فدخلوا من نواحيهم صلحاً فأجريت ناحية خالد على الصلح مثلهم .
قال سيف : و بعثوا إلى عمر بالفتح فوصل كتابه بأن يصرف جند العراق إلى العراق ، فخرجوا و عليهم هاشم بن عتبة و على مقدمته القعقاع . و خرج الأمراء إلى فحل و أقام يزيد بن أبي سفيان بدمشق ، و كان الفتح في رجب سنة أربع عشرة . و بعث يزيد دحية الكلبي إلى تدمر ، و أبا الأزاهر القشيري إلى حوران و البثنة ، فصالحوهما و وليا عليهما . و وصل الأمراء إلى فحل فبيتهم الروم فظفر المسلمون بهم و هزموهم فقتل منهم ثمانون ألفاً و كان على الناس في وقعة فحل شرحبيل بن حسنة ، فسار بهم إلى بيسان و حاصرها فقتل مقاتلتها و صالحه الباقون فقبل منهم . و كان أبو الأعور السلمي على طبرية محاصراً لها ، فلما بلغهم شأن بيسان صالحوه فكمل فتح الأردن صلحاً و نزلت القواد في مدائنها و قراها و كتبوا إلى عمر بالفتح .
و زعم الواقدي أن اليرموك كانت سنة خمس عشرة و أن هرقل انتقل فيها من أنطاكية إلى قسطنطينية و أن اليرموك كانت آخر الوقائع . و الذي تقدم لنا من رواية سيف أن اليرموك كانت سنة ثلاث عشرة و أن البريد بوفاة أبي بكر قدم يوم هربت الروم فيه ، و أن الأمراء بعد اليرموك ساروا إلى دمشق ففتحوها ثم كانت بعدها وقعة فحل ، ثم وقائع أخرى قبل شخوص هرقل و الله أعلم .
خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد إلى الشام
لما وصل كتاب أبو بكر إلى خالد بعد رجوعه من حجه بأن ينصرف إلى الشام أميراً على المسلمين بها و يخرج في شطر الناس و يرجع بهم إذا فتح الله عليه إلى العراق و يترك الشطر الثاني بالعراق مع المثنى بن حارسة ، و فعل ذلك خالد و مضى لوجهه ، و أقام المثنى بالحيرة و رتب المصالح . و استقام أهل فارس بعد خروج خالد بقليل على شهريار بن شيرين بن شهريار ممن يناسبه إلى كسرى أبي سابور و ذلك سنة ثلاث عشرة ، فبعث إلى الحيرة هرمز فاقتتلوا هنالك قتالاً شديداً بعدوة الضراء و غار الفيل بين الصفوف فقتله المثنى و ناس معه ، و انهزم أهل فارس و اتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدينة ، و مات شهريار إثر ذلك و بقي ما دون دجلة من السواد في أيدي المسلمين .
ثم اجتمع أهل فارس من بعد شهريار على آزرميدخت و لم ينفذ لها أمر فخلعت ، و ملك سابور بن شهريار و قام بأمره الفرخراذ بن البندوان و زوجه آزرميدخت ، فغضب و بعث إلى سياوخش و كان من كبار الأساورة و شكت إليه ، فأشار عليها بالقبول . و جاءه ليلة العرس فقتل الفرخزاد و من معه ، و نهض إلى سابور فحاصره ثم اقتحم عليه فقتله ، و ملكت آزرميدخت و تشاغل بذلك آل ملكها حتى انتهى شأن أبي بكر و صار السواد في سلطانه ، و تشاغل أهل فارس عن دفاع المسلمين عنه .
و لما أبطأ خبر أبي بكر على المثنى استخلف المثنى على الناس بشر بن الخصاصية و خرج نحو المدينة يستعلم و يستأذن ، فقدم و أبو بكر يجود بنفسه و قد عهد إلى عمر و أخبره الخبر ، فأحضر عمر و أوصاه أن يندب الناس مع المثنى و أن يصرف أصحاب خالد من الشام إلى العراق ، فقال عمر : يرحم الله أبا بكر علم أنه تستر في إمارة خالد فأمرني بصرف أصحابه و لم يذكره .
ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق و مقتله
و لما ولي عمر ندب الناس مع المثنى بن حارثة أياماً و كان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود ، و قال عمر للناس : إن الحجاز ليس لكم بدار إلا النجعة و لا يقوى عليه أهله إلا بذلك أين المهاجرون عن موعد الله ؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتب أن يورثكموها . فقال : ليظهره على الدين كله فالله مظهر دينه و معز ناصره و مولي أهله مواريث الأمم . أين عباد الله الصالحون ؟ فانتدب أبو عبيد الثقفي ، ثم سعد بن عبيد الأنصاري ، ثم سليط بن قيس ، فولى أبا عبيد على البعث لسبقه ، و قال : اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و أشركهم في الأمر و لا تجتهد مسرعاً بل اتئد فإنها الحرب ، و الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة و الكف . و لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا لسرعته إلى الحرب ، و في السرعة إلى الحرب إلا عن بيان ضياع و الله لولا سرعته لأمرته . فكان بعث أبي عبيد هذا أول بعث بعثه عمر ، ثم بعث بعده يغلى بن أمية إلى اليمن و أمره بإجلاء أهل نجران لوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك في مرضه ، و قال أخبرهم أنا نجليهم بأمر الله و رسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم وفاء بذمتهم كما أمر الله .
قالوا : فخرج أبو عبيد مع المثنى بن حارثة و سعد و سليط إلى العراق ، و قد كانت بوران بنت كسرى كما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصطلحوا ، فلما قتل الفرخزاذ بن البندوان و ملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس و اشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها ، فبعثت بوران إلى رستم تستحثه للقدوم و كان على فرج خراسان ، فأقبل في الناس إلى المدائن و عزل الفرخزاذ وفقأ عين آزرميدخت و نصب بوران ، فملكته و أحضرت مرازبة فارس فأسلموا له و رضوا به و توجته . و سبق المثنى إلى الحيرة ، و لحقه أبو عبيد و من معه . و كتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين و بعث جنداً لمصادمة المثنى فساروا و اجتمعوا أسفل الفرات . و خرج المثنى من الحيرة خوفاً أن يؤتى من خلفه ، فقدم عليه أبو عبيد ، و نزل جابان النمارق و معه جمع عظيم ، فلقيه أبو عبيد هنالك و هزم فارس و أسر جابان ثم أطلق ، و ساورا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر و كان بها نرسي ابن خالة كسرى فجمع الفالة إلى عسكره ، و سار إليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيته ، و كان على مجنبتي نرسي نفدويه و شيرويه إبنا بسطام خال كسرى .
و اتصلت هزيمة جابان ببوارن و رستم فبعثوا الجالنوس مدداً لنرسي و عاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتد القتال و انهزمت الفرس ، و هرب نرسي و غنم المسلمون ما في عسكره ، و بعث أبو عبيد المثنى و عاصماً فهزموا من كان تجمع من أهل الرساتيق و خربوا و سبوا و أخذوا الجزية من أهل السواد و هم يتربصون قدوم الجالنوس و لما سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس و هرب و رجع أبو عبيد فنزل الحيرة ، و قد كان عمر قال له : إنك تقدم على ارض المكر و الخديعة و الخيار و الخزي تقدم على قوم تجرأوا على الشر فعلموه و تناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون و أحرز لسانك و لا تفش سرك فإن صاحب السر ما ضبط متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه و إذا ضيعه كان بمضيعة .
و لما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل و معه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات ، و أقبل أبو عبيد فنزل عدوته و قعد إلى أن نصبوا للفريقين جسراً على الفرات ، و خيرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم ، فاختار أبو عبيد العبور و أجاز إليهم . و ماجت الأرض بالمقاتلة و نفرت خيول المسلمين و كراديسهم من الفيلة و أمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد و الناس و صافحوا العدو بالسيوف ، و دافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها فسقطت رحالها و قتل من كان عليها ، و قابل أبو فيلاً منهم فوطئه بيده و قام عليه فأهلكه . و قاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى و سبقه بعض المسلمين إلى الجسر فقطعه ، و قال : موتوا أو تظفروا . و تواثب بعضهم الفرات فغرقوا و أقام المثنى و ناس معه مثل عروة بن زيد الخيل و أبي محجن الثقفي و أنظارهم ، و قاتل أبو زيد الطائي كان نصرانياً قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى و قاتل حينئذ حمية ، و نادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر و أجاز بالناس ، و كان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفض أصحابه إلى المدينة و بقي المثنى في فله جريحاً .
و بلغ الخبر إلى عمر فشق عليه و عذر المنهزمين ، و هلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى و غرقى و هرب ألفان و بقيت ثلاثة آلاف . و بينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأن الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن ، و كانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة . و لما رجع بهمن حادويه أتبعه جابان و معه مردارشاه ، و خرج المثنى في إثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان أنه هارب فأخذهما أسيرين ، و خرج أهل الليس على أصحابهما فأتو بهم أسرى و عقدوا معه مهادنة و قتل جميع الأسرى .
و لما بلغ عمر رضي الله عنه وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى ، و كان فيمن ندب بجيلة و أمرهم إلى جرير بن عبد الله لأنه الذي جمعهم من القبائل بعد أن كانوا مفترقين و وعده النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و شغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردة و وفى له عمر به و سيره مدداً للمثنى بالعراق ، و بعث عصمة بن عبد الله الضبي ، و كتب إلى أهل الردة بأن يوافوا المثنى و بعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب ، فوافوه في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاؤه و عليهم أنس بن هلال و قالوا : نقاتل مع قومنا . و بلغ الخبر إلى رستم و القيرزان فبعثا مهران الهمداني إلى الحيرة و المثنى بين القادسية و خفان ، فلما بلغه الخبر استبقى فرات باذقلا و كتب بالخبر إلى جرير و عصمة أن يقصدا العذيب مما يلي الكوفة ، فاجتمعوا هنالك و مهران قبالتهم عدوة الفرات و تركوا له العبور فأجاز إليهم . و سار إليه المثنى في التعبية و على مجنبتيه مهران مرزبان الحيرة من الأزدبة و مردارشاه ، و وقف المثنى على الرايات يحرض الناس فأعجلتهم فارس و خالطوهم و ركدت حربهم و اشتدت ، ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه ، و أصيب مسعود أخو المثنى ، و خالط المثنى القلب و وثب المجنبات على المجنبات قبالتهم فانهزمت الفرس ، و سبقهم المثنى إلى الجسر فهربوا مصعدين و منحدرين ، و استلحمتهم خيول المسلمين و قتل فيها مائة ألف أو يزيدون ، و أحصى مائة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة . و تبعهم المسلمون إلى الليل ، و أرسل المثنى في آثار الفرس ، فبلغوا ساباط فغنموا و سبوا ساباط و استباحوا القرى و سخروا السواد بينهم و بين دجلة لا يلقون مانعاً . و رجع المنهزمون إلى رستم فاستهانوا و رضوا أن يتركوا ما وراء دجلة .
خلافة عمر رضي الله عنه
و لما احتضر أبو بكر عهد إلى عمر رضي الله عنه بالأمر من بعده ان شاور عليه طلحة و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و غيرهم و أخبرهم بما يريد فيه ، فأثنوا على رأيه ، فأشرف على الناس و قال : إني قد استخلفت عمر و لم آل لكم نصحاً فاسمعوا له و أطيعوا . و دعا عثمان فأمره فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم عند آخر عهده بالدنيا و أول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر و يوقن فيها الفاجر ، إني استعملت عليكم عمر ابن الخطاب و لم آل لكم خيراً ، فإن صبر و عدل فذلك علمي به و رأيي فيه ، و إن جار و بدل فلا علم لي بالغيب و الخير أردت و لكل امرئ ما اكتسب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
فكان أول ما أنفذه من الأمور عزل خالد عن إمارة الجيوش بالشام و توليه أبي عبيدة ، و جاء الخبر بذلك و المسلمون مواقفون عدوهم في اليرموك فكتم أبو عبيدة الأمر كله ، فلما انقضى أمر اليرموك كما مر سار المسلمون إلى فحل من أرض الأردن و بها رافضة الروم و خالد على مقدمة الناس فقاتلوا الروم .
فتح دمشق
و اقتحموها عنوة و ذلك في ذي القعدة ولحقت رافضة الروم و عليها ماهان من البطارقة فحاصرهم المسلمون حتى فتحوا دمشق ، و أظهر أبو عبيدة إمارته و عزل خالد . و قال سببه أن أبا بكر يسخط خالد بن سعيد و الوليد بن عقبة من أجل فرارهما كما مر ، فلما ولي عمر رضي الله عنه أباح لهما دخول المدينة ثم بعثهما من الناس إلى الشام ، و لما فرغ أمر اليرموك و ساروا إلى فحل و بلغ عمر خبر اليرموك فكتب فعزل خالد بن الوليد و عمرو بن العاص حتى يصير الحرب إلى فلسطين فيتولاها عمرو ، و أن خالداً قدم على عمر بعد العزل و ذلك بعد فتح دمشق و أنهم ساروا إلى فحل فاقتحوها ، ثم ساروا إلى دمشق و عليها نسطاس بن نسطورس فحاصروها سبعين ليلة و قيل ستة أشهر من نواحيها الأربع ، خالد و أبو عبيدة و يزيد و عمرو كل واحد على ناحية . و قد جعلوا بينهم و بين هرقل مدينة حمص و من دونها ذو الكلاع في جيش من المسلمين ، و بعث هرقل المدد إلى دمشق و كان فيهم ذو الكلاع فسقط في أيديهم و قدموا على دخول دمشق و طمع المسلمون فيهم ، و استغفلهم خالد في بعض الليالي فتسور سورهم من ناحيته و قتل الوليد و فتح الباب و اقتحم البلد و كبروا و قتلوا جميع من لقوه . و فزع أهل النواحي إلى الأمراء الذين يلونهم فنادوا لهم بالصلح و الدخول ، فدخلوا من نواحيهم صلحاً فأجريت ناحية خالد على الصلح مثلهم .
قال سيف : و بعثوا إلى عمر بالفتح فوصل كتابه بأن يصرف جند العراق إلى العراق ، فخرجوا و عليهم هاشم بن عتبة و على مقدمته القعقاع . و خرج الأمراء إلى فحل و أقام يزيد بن أبي سفيان بدمشق ، و كان الفتح في رجب سنة أربع عشرة . و بعث يزيد دحية الكلبي إلى تدمر ، و أبا الأزاهر القشيري إلى حوران و البثنة ، فصالحوهما و وليا عليهما . و وصل الأمراء إلى فحل فبيتهم الروم فظفر المسلمون بهم و هزموهم فقتل منهم ثمانون ألفاً و كان على الناس في وقعة فحل شرحبيل بن حسنة ، فسار بهم إلى بيسان و حاصرها فقتل مقاتلتها و صالحه الباقون فقبل منهم . و كان أبو الأعور السلمي على طبرية محاصراً لها ، فلما بلغهم شأن بيسان صالحوه فكمل فتح الأردن صلحاً و نزلت القواد في مدائنها و قراها و كتبوا إلى عمر بالفتح .
و زعم الواقدي أن اليرموك كانت سنة خمس عشرة و أن هرقل انتقل فيها من أنطاكية إلى قسطنطينية و أن اليرموك كانت آخر الوقائع . و الذي تقدم لنا من رواية سيف أن اليرموك كانت سنة ثلاث عشرة و أن البريد بوفاة أبي بكر قدم يوم هربت الروم فيه ، و أن الأمراء بعد اليرموك ساروا إلى دمشق ففتحوها ثم كانت بعدها وقعة فحل ، ثم وقائع أخرى قبل شخوص هرقل و الله أعلم .
خبر المثنى بالعراق بعد مسير خالد إلى الشام
لما وصل كتاب أبو بكر إلى خالد بعد رجوعه من حجه بأن ينصرف إلى الشام أميراً على المسلمين بها و يخرج في شطر الناس و يرجع بهم إذا فتح الله عليه إلى العراق و يترك الشطر الثاني بالعراق مع المثنى بن حارسة ، و فعل ذلك خالد و مضى لوجهه ، و أقام المثنى بالحيرة و رتب المصالح . و استقام أهل فارس بعد خروج خالد بقليل على شهريار بن شيرين بن شهريار ممن يناسبه إلى كسرى أبي سابور و ذلك سنة ثلاث عشرة ، فبعث إلى الحيرة هرمز فاقتتلوا هنالك قتالاً شديداً بعدوة الضراء و غار الفيل بين الصفوف فقتله المثنى و ناس معه ، و انهزم أهل فارس و اتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدينة ، و مات شهريار إثر ذلك و بقي ما دون دجلة من السواد في أيدي المسلمين .
ثم اجتمع أهل فارس من بعد شهريار على آزرميدخت و لم ينفذ لها أمر فخلعت ، و ملك سابور بن شهريار و قام بأمره الفرخراذ بن البندوان و زوجه آزرميدخت ، فغضب و بعث إلى سياوخش و كان من كبار الأساورة و شكت إليه ، فأشار عليها بالقبول . و جاءه ليلة العرس فقتل الفرخزاد و من معه ، و نهض إلى سابور فحاصره ثم اقتحم عليه فقتله ، و ملكت آزرميدخت و تشاغل بذلك آل ملكها حتى انتهى شأن أبي بكر و صار السواد في سلطانه ، و تشاغل أهل فارس عن دفاع المسلمين عنه .
و لما أبطأ خبر أبي بكر على المثنى استخلف المثنى على الناس بشر بن الخصاصية و خرج نحو المدينة يستعلم و يستأذن ، فقدم و أبو بكر يجود بنفسه و قد عهد إلى عمر و أخبره الخبر ، فأحضر عمر و أوصاه أن يندب الناس مع المثنى و أن يصرف أصحاب خالد من الشام إلى العراق ، فقال عمر : يرحم الله أبا بكر علم أنه تستر في إمارة خالد فأمرني بصرف أصحابه و لم يذكره .
ولاية أبي عبيد بن مسعود على العراق و مقتله
و لما ولي عمر ندب الناس مع المثنى بن حارثة أياماً و كان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود ، و قال عمر للناس : إن الحجاز ليس لكم بدار إلا النجعة و لا يقوى عليه أهله إلا بذلك أين المهاجرون عن موعد الله ؟ سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتب أن يورثكموها . فقال : ليظهره على الدين كله فالله مظهر دينه و معز ناصره و مولي أهله مواريث الأمم . أين عباد الله الصالحون ؟ فانتدب أبو عبيد الثقفي ، ثم سعد بن عبيد الأنصاري ، ثم سليط بن قيس ، فولى أبا عبيد على البعث لسبقه ، و قال : اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و أشركهم في الأمر و لا تجتهد مسرعاً بل اتئد فإنها الحرب ، و الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة و الكف . و لم يمنعني أن أؤمر سليطاً إلا لسرعته إلى الحرب ، و في السرعة إلى الحرب إلا عن بيان ضياع و الله لولا سرعته لأمرته . فكان بعث أبي عبيد هذا أول بعث بعثه عمر ، ثم بعث بعده يغلى بن أمية إلى اليمن و أمره بإجلاء أهل نجران لوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك في مرضه ، و قال أخبرهم أنا نجليهم بأمر الله و رسوله أن لا يترك دينان بأرض العرب ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم وفاء بذمتهم كما أمر الله .
قالوا : فخرج أبو عبيد مع المثنى بن حارثة و سعد و سليط إلى العراق ، و قد كانت بوران بنت كسرى كما اختلفت الناس بالمدائن عدلت بينهم حتى يصطلحوا ، فلما قتل الفرخزاذ بن البندوان و ملكت آزرميدخت اختلف أهل فارس و اشتغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها ، فبعثت بوران إلى رستم تستحثه للقدوم و كان على فرج خراسان ، فأقبل في الناس إلى المدائن و عزل الفرخزاذ وفقأ عين آزرميدخت و نصب بوران ، فملكته و أحضرت مرازبة فارس فأسلموا له و رضوا به و توجته . و سبق المثنى إلى الحيرة ، و لحقه أبو عبيد و من معه . و كتب رستم إلى دهاقين السواد أن يثوروا بالمسلمين و بعث جنداً لمصادمة المثنى فساروا و اجتمعوا أسفل الفرات . و خرج المثنى من الحيرة خوفاً أن يؤتى من خلفه ، فقدم عليه أبو عبيد ، و نزل جابان النمارق و معه جمع عظيم ، فلقيه أبو عبيد هنالك و هزم فارس و أسر جابان ثم أطلق ، و ساورا في المنهزمين حتى دخلوا كسكر و كان بها نرسي ابن خالة كسرى فجمع الفالة إلى عسكره ، و سار إليهم أبو عبيد من النمارق في تعبيته ، و كان على مجنبتي نرسي نفدويه و شيرويه إبنا بسطام خال كسرى .
و اتصلت هزيمة جابان ببوارن و رستم فبعثوا الجالنوس مدداً لنرسي و عاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر فاشتد القتال و انهزمت الفرس ، و هرب نرسي و غنم المسلمون ما في عسكره ، و بعث أبو عبيد المثنى و عاصماً فهزموا من كان تجمع من أهل الرساتيق و خربوا و سبوا و أخذوا الجزية من أهل السواد و هم يتربصون قدوم الجالنوس و لما سمع به أبو عبيد سار إليه على تعبيته فانهزم الجالنوس و هرب و رجع أبو عبيد فنزل الحيرة ، و قد كان عمر قال له : إنك تقدم على ارض المكر و الخديعة و الخيار و الخزي تقدم على قوم تجرأوا على الشر فعلموه و تناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون و أحرز لسانك و لا تفش سرك فإن صاحب السر ما ضبط متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه و إذا ضيعه كان بمضيعة .
و لما رجع الجالنوس إلى رستم بعث بهمن حادويه ذا الحاجب إلى الحيرة فأقبل و معه درفش كابيان راية كسرى عرض ثمانية أذرع في طول اثني عشر من جلود النمر فنزل في الناطف على الفرات ، و أقبل أبو عبيد فنزل عدوته و قعد إلى أن نصبوا للفريقين جسراً على الفرات ، و خيرهم بهمن حادويه في عبوره أو عبورهم ، فاختار أبو عبيد العبور و أجاز إليهم . و ماجت الأرض بالمقاتلة و نفرت خيول المسلمين و كراديسهم من الفيلة و أمر بالتخفيف عن الخيل فترجل أبو عبيد و الناس و صافحوا العدو بالسيوف ، و دافعتهم الفيلة فقطعوا وضنها فسقطت رحالها و قتل من كان عليها ، و قابل أبو فيلاً منهم فوطئه بيده و قام عليه فأهلكه . و قاتلهم الناس ثم انهزموا عن المثنى و سبقه بعض المسلمين إلى الجسر فقطعه ، و قال : موتوا أو تظفروا . و تواثب بعضهم الفرات فغرقوا و أقام المثنى و ناس معه مثل عروة بن زيد الخيل و أبي محجن الثقفي و أنظارهم ، و قاتل أبو زيد الطائي كان نصرانياً قدم الحيرة لبعض أمره فحضر مع المثنى و قاتل حينئذ حمية ، و نادى المثنى الذين عبروا من المسلمين فعقدوا الجسر و أجاز بالناس ، و كان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس فانفض أصحابه إلى المدينة و بقي المثنى في فله جريحاً .
و بلغ الخبر إلى عمر فشق عليه و عذر المنهزمين ، و هلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف قتلى و غرقى و هرب ألفان و بقيت ثلاثة آلاف . و بينما بهمن حادويه يروم العبور خلف المسلمين أتاه الخبر بأن الفرس ثاروا برستم مع الفيرزان فرجع إلى المدائن ، و كانت الوقعة في مدائن سنة ثلاث عشرة . و لما رجع بهمن حادويه أتبعه جابان و معه مردارشاه ، و خرج المثنى في إثرهما فلما أشرف عليهما أتياه يظنان أنه هارب فأخذهما أسيرين ، و خرج أهل الليس على أصحابهما فأتو بهم أسرى و عقدوا معه مهادنة و قتل جميع الأسرى .
و لما بلغ عمر رضي الله عنه وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى ، و كان فيمن ندب بجيلة و أمرهم إلى جرير بن عبد الله لأنه الذي جمعهم من القبائل بعد أن كانوا مفترقين و وعده النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و شغل عن ذلك أبو بكر بأمر الردة و وفى له عمر به و سيره مدداً للمثنى بالعراق ، و بعث عصمة بن عبد الله الضبي ، و كتب إلى أهل الردة بأن يوافوا المثنى و بعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب ، فوافوه في جموع عظيمة حتى نصارى النمر جاؤه و عليهم أنس بن هلال و قالوا : نقاتل مع قومنا . و بلغ الخبر إلى رستم و القيرزان فبعثا مهران الهمداني إلى الحيرة و المثنى بين القادسية و خفان ، فلما بلغه الخبر استبقى فرات باذقلا و كتب بالخبر إلى جرير و عصمة أن يقصدا العذيب مما يلي الكوفة ، فاجتمعوا هنالك و مهران قبالتهم عدوة الفرات و تركوا له العبور فأجاز إليهم . و سار إليه المثنى في التعبية و على مجنبتيه مهران مرزبان الحيرة من الأزدبة و مردارشاه ، و وقف المثنى على الرايات يحرض الناس فأعجلتهم فارس و خالطوهم و ركدت حربهم و اشتدت ، ثم حمل المثنى على مهران فأزاله عن مركزه ، و أصيب مسعود أخو المثنى ، و خالط المثنى القلب و وثب المجنبات على المجنبات قبالتهم فانهزمت الفرس ، و سبقهم المثنى إلى الجسر فهربوا مصعدين و منحدرين ، و استلحمتهم خيول المسلمين و قتل فيها مائة ألف أو يزيدون ، و أحصى مائة رجل من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة . و تبعهم المسلمون إلى الليل ، و أرسل المثنى في آثار الفرس ، فبلغوا ساباط فغنموا و سبوا ساباط و استباحوا القرى و سخروا السواد بينهم و بين دجلة لا يلقون مانعاً . و رجع المنهزمون إلى رستم فاستهانوا و رضوا أن يتركوا ما وراء دجلة .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
ثم خرج المثنى من الحيرة و استخلف بشير الخصاصية و سار نحو السواد و نزل الليس من قرى الأنبار فسميت الغزاة ، غزاة الأنبار الآخرة و غزاة الليس الآخرة ، و جاءت إلى المثنى عيون فدلته على سوق الخنافس و سوق بغداد ، و أن سوق الخنافس أقرب و يجتمع بها المدائن و السواد و خفراؤهم ربيعة و قضاعة ، فركب إليها و أغار عليها يوم سوق ، فاشتف السوق و ما فيها و سلب الخفراء و رجع إلى الأنبار فأتوه بالعلوفة و الزاد و أخذ منهم أدلاء تظهر له المدائن و سار بهم إلى بغداد ليلاً ، و صبح السوق فوضع فيهم السيف و أخذ ما شاء من الذهب و الفضة و الجيد من كل شيء . ثم رجع إلى الأنبار و بعث المضارب العجلي إلى الركان و به جماعة من تغلب فهربوا عنه ، و لحقهم المضارب فقتل في أخرياتهم و أكثر . ثم سرح فرات بن حيان التغلبي و عتيبة ابن النهاس للإغارة على أحياء من تغلب بصفين ، ثم اتبعهما المثنى بنفسه فوجدوا أحياء صفين قد هربوا عنها فعبر المثنى إلى الجزيرة ، وفني زادهم و أكلوا رواحلهم و أدركوا عيراً من أهل خفان ، فحضر نفر من تغلب فأخذوا العير و دلهم أحد الخفراء على حي من تغلب ساروا إليه يومهم ، و هجموا عليهم فقتلوا المقاتلة و سبوا الذرية و استاقوا الأموال ، و كان هذا الحي بوادي الرويحلة ، فاشترى أسراهم من كان هنالك من ربيعة بنصيبهم من الفيء و أعتقوهم و كانت ربيعة لا تسبي في الجاهلية . و لما سمع المثنى أن جميع من يملك البلاد قد انتجع شاطئ دجلة في اتباعهم فأدركهم بتكريت ، فغنم ما شاء و عاد إلى الأنبار ، و مضى عتيبة و فرات حتى أغارا على النمر و تغلب بصفين ، و تمكن رعب المسلمين من قلوب أهل فارس و ملكوا ما بين الفرات و دجلة .
أخبار القادسية
و لما دهم فارس من المسلمين بالسواد ما دهمهم و هم مختلفون بين رستم و الفيرزان و اجتمع عظمائهم و قالوا لهما إما أن تجتمعا و إلا فنحن لكما حرب فقد عرضتمونا للهلكة و ما بعد بغداد و تكريت إلى المدار فأطاعا لذلك ، و فزعوا إلى بوران يسألونها في ولد آل كسرى يولونه عليهم ، فأحضرت لهم النساء و السراري و بسطوا عليهن العذاب فذكروا لهم غلاماً من ولد شهريار بن كسرى إسمه يزدجرد أخذته أمه عندما قتل شيرويه أبناء أبيه ، فسألوا أمه عنه فدلتهم عليه عند أخواله كانت أودعته عندهم حينئذ فجاؤا به ابن إحدى و عشرين سنة فملكوه و اجتمعوا عليه ، و تبارى المزاربة في طاعته و عين المسالح و الجنود لكل ثغر و منها الحيرة و الأبلة و الأنبار و خرجوا إليها من المدائن .
و كتب المثنى بذلك إلى عمر ، و بينما هم ينتظر الجواب انتقض أهل السواد و كفروا و خرج المثنى إلى ذي قار ، و نزل الناس في عسكر واحد . و لما وصل كتابه إلى عمر قال : و الله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ، فلم يدع رئيساً و لا ذا رأي و شرف و بسطة و لا خطيباً و لا شاعراً إلا رماهم به ، فرماهم بوجوه الناس ، و كتب إلى المثنى يأمره بخروج المسلمين من بين العجم و التفرق في المياه بحيالهم ، و أن يدعو الفرسان و أهل النجدات من ربيعة و مضر و يحضرهم طوعاً و كرهاً ، فنزل المسلمون بالحلة و سروا إلى عصي و هو جبل البصرة متناظرين ، و كتب إلى عماله على العرب أن يبعثوا إليه من كانت له نجدة أو فرس أو سلاح أو رأي و خرج إلى الحج ، فحج سنة ثلاث عشرة ، و رجع فجاءته أفواجهم إلى المدينة ، و من كان أقرب إلى العراق انضم إلى المثنى ، فلما اجتمعت عنده إمداد العرب خرج من المدينة و استخلف عليها علياً و عسكر على صرار من ضواحيها ، و بعث على المقدمة طلحة و جعل على المجنبتين عبد الرحمن و الزبير و انبهم أمره على الناس ، و لم يطق أحد سؤاله ، فسأله عثمان . فأحضر الناس و استشارهم في المسير إلى العراق فقال العامة : سر نحن معك فوافقهم ، ثم رجع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحضر علياً و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و استشارهم فأشاروا بمقامه و أن يبعث رجلاً بعده آخر من الصحابة بالجنود حتى يفتح الله على المسلمين و يهلك عدوهم ، فقبل ذلك و رأى فيه الصواب . و عين لذلك سعد بن أبي وقاص و كان على صدقات هوزان فأحضره و ولاه حرب العراق و أوصاه و قال : ياسعد بن أم سعد لا يغرنك من الله أن يقال خال رسول الله و صاحب رسول الله فإن الله لا يمحو السيء و لكنه يمحو السيء بالحسن و ليس بين الله و بين أحد نسب إلا بطاعته فالناس في دين الله سواء الله ربهم و هم عبادة يتفاضلون بالعافية و يدركون ما عنده بالطاعة . فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلزمه فألزمه و عليك بالصبر .
ثم سرحه أربعة آلاف ممن اجتمع إليه فيهم : حميضة بن النعمان بن حميضة على بارق ، و عمرو بن معدي كرب و أبو سبرة بن أبي رهم على مذحج ، و يزيد بن الحرث الصدائي على عذرة ، و خبب و مسلية و بشر بن عبد الله الهلالي على قيس عيلان ، و الحصين بن نمير و معاوية بن حديج على السكون و كندة . ثم أمر بعد خروجه بألف يماني و ألفي فخرى . و سار سعد و بلغه في طريقه بزرود أن المثنى مات من جراحة انتقضت ، و أنه استخلف على الناس بشير بن الخصاصية ، و كانت جموع المثنى ثلاثة آلاف ، و كذلك أربعة آلاف من تميم و الرباب و أقاموا ، و عمر ضرب على بني أسد أن ينزلوا على حد أرضهم ، فنزلوا في ثلاثة آلاف و أقاموا بين سعد و المثنى ، و سار سعد إلى سيراف فنزلها ، و اجتمعت إليه العساكر و لحقه الأشعث بن قيس و معه ثلاثون ألفاً ، و لم يكن أحد أجرأ على الفرس من ربيعة ، ثم عبى سعد كتائب من سيراف و أمر الأمراء و عرف على كل عشرة عريفاً ، و جعل الرايات لأهل السابقة و رتب المقدمة و الساقة و المجنبات و الطلائع و كل ذلك بأمر عمر و رأيه ، و بعث في المقدمة زهرة بن عبد الله بن قتادة الحيوي من بني تميم فانتهى إلى العذيب ، و على اليمامة عبد الله بن المعتمر ، و على المسيرة شرحبيل بن السمط و خليفة بن خالد بن عرفطة حليف بني عبد شمس و عاصم بن عمر التميمي ، و سواد بن مالك التميمي على الطلائع ، و سلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة . ثم سار على التعبية و لقيه المهنى بن حارثة الشيباني بسيراف ، و قد كان بعد موت أخيه المثنى سار بذي قار إلى قابوس و استلحمه و من معه و رجع إلى ذي قار .
و جاء إلى سعد بالخبر ليعلمه بوصية المثنى إليه أن لا تدخلوا بلاد فارس و قاتلوهم على حد أرضهم بادئ حجر من أرض العرب ، فإن يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم و إلا رجعتم إلى فئة ثم تكونوا أعلم بسبيهم و أجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرب . فترحم سعد و من معه على المثنى و ولى أخاه المهنى على عمله و تزوج سلمى زوجته ، و وصله كتاب عمر بمثل رأي المثنى يسأله عن سيراف . و نزل العرب ثم أتى القادسية فنزلها بحيال القنطرة بين العتيق و الخندق ، و وصله كتاب عمر يؤكد عليهم في الوفاء بالأنبار و لو كان إشارة أو ملاعبة ، و كان زهرة في المقدمة فبعث سرية للإغارة على الحيرة عليها بكر بن عبد الله الليثي ، و إذا أخت مرزيان الحيرة تزف إلى زوجها فحمل بكير على ابن الأزادية فقتله و حملوا الأثقال و العروس في ثلاثين امرأة و مائة من التوابع و معهم ما لا يعرف قيمته ، و رجع بالغنائم فصبح سعد بالعذيب فقسمه في المسلمين .
و لما رجع سعد إلى القادسية أقام بها شهراً يشن الغارات بين كسكر و الأنبار و لم يأته خبر عن الفرس ، و قد بلغت أخبارهم إلى يزدجر و أن ما بين الحيرة و الفرات قد نهب و خرب ، فأحضر رستم و دفعه لهذا الوجه ، فتقاعد عنه و قال : ليس هذا من الرأي . و بعث الجيوش يعقب بعضها بعضاً أولى من مصادمة مرة ، فأبى يزدجرد إلا مسيره لذلك . فعسكر رستم بساباط و كتب سعد بذلك إلى عمر ، فكتب إليه لا يكترثنك ما يأتيك عنهم و استعن بالله و توكل عليه ، و ابعث رجالا من أهل الرأي و الجلد يدعونه فإن الله جاعل ذلك و هناً لهم .فأرسل سعد نفراً منهم : النعمان بن مقرن ، و قيس بن زرارة ، و الأشعث بن قيس ، و فرات بن حيان و عاصم بن عمر ، عمرو بن معدي كرب ، و المغيرة بن شعبة ، و المهنى بن حارثة . فقدموا على يزدجرد و تركوا رستم ، و اجتمعوا و اجتمع الناس ينظرون إليهم و إلى خيولهم و يردوهم ، فأحضرهم يزدجرد و قال لترجمانه : سلهم ما جاء بكم و ما أولعكم بغزونا و بلادنا من أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟ فتكلم النعمان بن مقرن بعد أن أستأذن أصحابه ، و قال ما معناه : إن الله رحمنا و أرسل إلينا رسولا صفته كذا يدعونا إلى كذا و وعدنا بكذا فأجابه منا قوم و تباعد قوم ثم أمر أن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه على وجهين مكره اغتبط وطائع ازداد حتى اجتمعنا عليه و عرفنا فضل ما جاء به ثم أمرنا بجهاد من يلينا من الأمم و دعائهم إلى الإنصاف فإن أبيتم فأمر أهون من ذلك و هو
أخبار القادسية
و لما دهم فارس من المسلمين بالسواد ما دهمهم و هم مختلفون بين رستم و الفيرزان و اجتمع عظمائهم و قالوا لهما إما أن تجتمعا و إلا فنحن لكما حرب فقد عرضتمونا للهلكة و ما بعد بغداد و تكريت إلى المدار فأطاعا لذلك ، و فزعوا إلى بوران يسألونها في ولد آل كسرى يولونه عليهم ، فأحضرت لهم النساء و السراري و بسطوا عليهن العذاب فذكروا لهم غلاماً من ولد شهريار بن كسرى إسمه يزدجرد أخذته أمه عندما قتل شيرويه أبناء أبيه ، فسألوا أمه عنه فدلتهم عليه عند أخواله كانت أودعته عندهم حينئذ فجاؤا به ابن إحدى و عشرين سنة فملكوه و اجتمعوا عليه ، و تبارى المزاربة في طاعته و عين المسالح و الجنود لكل ثغر و منها الحيرة و الأبلة و الأنبار و خرجوا إليها من المدائن .
و كتب المثنى بذلك إلى عمر ، و بينما هم ينتظر الجواب انتقض أهل السواد و كفروا و خرج المثنى إلى ذي قار ، و نزل الناس في عسكر واحد . و لما وصل كتابه إلى عمر قال : و الله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب ، فلم يدع رئيساً و لا ذا رأي و شرف و بسطة و لا خطيباً و لا شاعراً إلا رماهم به ، فرماهم بوجوه الناس ، و كتب إلى المثنى يأمره بخروج المسلمين من بين العجم و التفرق في المياه بحيالهم ، و أن يدعو الفرسان و أهل النجدات من ربيعة و مضر و يحضرهم طوعاً و كرهاً ، فنزل المسلمون بالحلة و سروا إلى عصي و هو جبل البصرة متناظرين ، و كتب إلى عماله على العرب أن يبعثوا إليه من كانت له نجدة أو فرس أو سلاح أو رأي و خرج إلى الحج ، فحج سنة ثلاث عشرة ، و رجع فجاءته أفواجهم إلى المدينة ، و من كان أقرب إلى العراق انضم إلى المثنى ، فلما اجتمعت عنده إمداد العرب خرج من المدينة و استخلف عليها علياً و عسكر على صرار من ضواحيها ، و بعث على المقدمة طلحة و جعل على المجنبتين عبد الرحمن و الزبير و انبهم أمره على الناس ، و لم يطق أحد سؤاله ، فسأله عثمان . فأحضر الناس و استشارهم في المسير إلى العراق فقال العامة : سر نحن معك فوافقهم ، ثم رجع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحضر علياً و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و استشارهم فأشاروا بمقامه و أن يبعث رجلاً بعده آخر من الصحابة بالجنود حتى يفتح الله على المسلمين و يهلك عدوهم ، فقبل ذلك و رأى فيه الصواب . و عين لذلك سعد بن أبي وقاص و كان على صدقات هوزان فأحضره و ولاه حرب العراق و أوصاه و قال : ياسعد بن أم سعد لا يغرنك من الله أن يقال خال رسول الله و صاحب رسول الله فإن الله لا يمحو السيء و لكنه يمحو السيء بالحسن و ليس بين الله و بين أحد نسب إلا بطاعته فالناس في دين الله سواء الله ربهم و هم عبادة يتفاضلون بالعافية و يدركون ما عنده بالطاعة . فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلزمه فألزمه و عليك بالصبر .
ثم سرحه أربعة آلاف ممن اجتمع إليه فيهم : حميضة بن النعمان بن حميضة على بارق ، و عمرو بن معدي كرب و أبو سبرة بن أبي رهم على مذحج ، و يزيد بن الحرث الصدائي على عذرة ، و خبب و مسلية و بشر بن عبد الله الهلالي على قيس عيلان ، و الحصين بن نمير و معاوية بن حديج على السكون و كندة . ثم أمر بعد خروجه بألف يماني و ألفي فخرى . و سار سعد و بلغه في طريقه بزرود أن المثنى مات من جراحة انتقضت ، و أنه استخلف على الناس بشير بن الخصاصية ، و كانت جموع المثنى ثلاثة آلاف ، و كذلك أربعة آلاف من تميم و الرباب و أقاموا ، و عمر ضرب على بني أسد أن ينزلوا على حد أرضهم ، فنزلوا في ثلاثة آلاف و أقاموا بين سعد و المثنى ، و سار سعد إلى سيراف فنزلها ، و اجتمعت إليه العساكر و لحقه الأشعث بن قيس و معه ثلاثون ألفاً ، و لم يكن أحد أجرأ على الفرس من ربيعة ، ثم عبى سعد كتائب من سيراف و أمر الأمراء و عرف على كل عشرة عريفاً ، و جعل الرايات لأهل السابقة و رتب المقدمة و الساقة و المجنبات و الطلائع و كل ذلك بأمر عمر و رأيه ، و بعث في المقدمة زهرة بن عبد الله بن قتادة الحيوي من بني تميم فانتهى إلى العذيب ، و على اليمامة عبد الله بن المعتمر ، و على المسيرة شرحبيل بن السمط و خليفة بن خالد بن عرفطة حليف بني عبد شمس و عاصم بن عمر التميمي ، و سواد بن مالك التميمي على الطلائع ، و سلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة . ثم سار على التعبية و لقيه المهنى بن حارثة الشيباني بسيراف ، و قد كان بعد موت أخيه المثنى سار بذي قار إلى قابوس و استلحمه و من معه و رجع إلى ذي قار .
و جاء إلى سعد بالخبر ليعلمه بوصية المثنى إليه أن لا تدخلوا بلاد فارس و قاتلوهم على حد أرضهم بادئ حجر من أرض العرب ، فإن يظهر الله المسلمين فلهم ما وراءهم و إلا رجعتم إلى فئة ثم تكونوا أعلم بسبيهم و أجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرب . فترحم سعد و من معه على المثنى و ولى أخاه المهنى على عمله و تزوج سلمى زوجته ، و وصله كتاب عمر بمثل رأي المثنى يسأله عن سيراف . و نزل العرب ثم أتى القادسية فنزلها بحيال القنطرة بين العتيق و الخندق ، و وصله كتاب عمر يؤكد عليهم في الوفاء بالأنبار و لو كان إشارة أو ملاعبة ، و كان زهرة في المقدمة فبعث سرية للإغارة على الحيرة عليها بكر بن عبد الله الليثي ، و إذا أخت مرزيان الحيرة تزف إلى زوجها فحمل بكير على ابن الأزادية فقتله و حملوا الأثقال و العروس في ثلاثين امرأة و مائة من التوابع و معهم ما لا يعرف قيمته ، و رجع بالغنائم فصبح سعد بالعذيب فقسمه في المسلمين .
و لما رجع سعد إلى القادسية أقام بها شهراً يشن الغارات بين كسكر و الأنبار و لم يأته خبر عن الفرس ، و قد بلغت أخبارهم إلى يزدجر و أن ما بين الحيرة و الفرات قد نهب و خرب ، فأحضر رستم و دفعه لهذا الوجه ، فتقاعد عنه و قال : ليس هذا من الرأي . و بعث الجيوش يعقب بعضها بعضاً أولى من مصادمة مرة ، فأبى يزدجرد إلا مسيره لذلك . فعسكر رستم بساباط و كتب سعد بذلك إلى عمر ، فكتب إليه لا يكترثنك ما يأتيك عنهم و استعن بالله و توكل عليه ، و ابعث رجالا من أهل الرأي و الجلد يدعونه فإن الله جاعل ذلك و هناً لهم .فأرسل سعد نفراً منهم : النعمان بن مقرن ، و قيس بن زرارة ، و الأشعث بن قيس ، و فرات بن حيان و عاصم بن عمر ، عمرو بن معدي كرب ، و المغيرة بن شعبة ، و المهنى بن حارثة . فقدموا على يزدجرد و تركوا رستم ، و اجتمعوا و اجتمع الناس ينظرون إليهم و إلى خيولهم و يردوهم ، فأحضرهم يزدجرد و قال لترجمانه : سلهم ما جاء بكم و ما أولعكم بغزونا و بلادنا من أجل أنا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟ فتكلم النعمان بن مقرن بعد أن أستأذن أصحابه ، و قال ما معناه : إن الله رحمنا و أرسل إلينا رسولا صفته كذا يدعونا إلى كذا و وعدنا بكذا فأجابه منا قوم و تباعد قوم ثم أمر أن نجاهد من خالفه من العرب فدخلوا معه على وجهين مكره اغتبط وطائع ازداد حتى اجتمعنا عليه و عرفنا فضل ما جاء به ثم أمرنا بجهاد من يلينا من الأمم و دعائهم إلى الإنصاف فإن أبيتم فأمر أهون من ذلك و هو
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
الجزية فإن أبيتم فالمناجزة ، فقال يزدجرد : لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى و لا أقل عددا و لا أسوأ ذات بين منكم وقد كان أهل الضواحي يكفونا أمركم و لا تطمعوا أن تقوموا للفرس فإن كان بكم جهد أعطيناكم قوتاً و كسوناكم و ملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم . فقال قيس بن زرارة : هؤلاء أشراف العرب و الأشراف يستحيون من الأشراف و أنا أكلمك و هم يشهدون ، فأما ما ذكرت من سوء الحال فكما وصفت و أشد ثم ذكر من عيش العرب و رحمة الله بهم بإرسال النبي صلى الله عليه و سلم مثل ما قال النعمان الخ . ثم قال له : إختر إما الجزية عن يد و أنت صاغر أو السيف و إلا فنج نفسك بالإسلام . فقال يزدجرد : لو قتل أحد الرسل فبلي لقتلتكم . ثم استدعى بوقر من تراب و حمل على أعظمهم ، و قال : إرجعوا إلى صاحبكم و أعلموه إني مرسل رستم حتى يدفنكم أجمعين في خندق القادسية ثم يدوخ بلادكم أعظم من تدويخ سابور . فقام عاصم بن عمر فحمل التراب على عنقه ، و قال : أنا أشرف هؤلاء . و لما رجع إلى سعد فقال : أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم و عجب رستم من محاورتهم ، و أخبر يزدجرد بما قاله عاصم بن عمر ، فبعث في أثرهم إلى الحيرة فأعجزوهم .
ثم أغار سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على الفراض فاستاق ثلثمائة دابة بين بغل و حمار و ثور و آخرها سمكا و صبح بها العسكر ، فقسمه سعد في الناس ، و واصلوا السرايا و البعوث لطلب اللحم ، و أما الطعام فكان عندهم كثيراً . و سار رستم إلى ساباط في ستين ألف و على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفاً و ساقته عشرون ألفا و في الميمنة الهرمزان و في الميسرة مهران بن بهرام الرازي ، و حمل معه ثلاثة و ثلاثين فيلاً ثمانية عشر في القلب و خمسة عشر في الجنبين . ثم سار حتى نزل كوثى ، فأتى برجل من العرب ، فقال له رستم : ما جاء بكم و ما تطلبون ؟ فقال : نطلب وعد الله بأرضكم و أبنائكم إن لم تسلموا . قال رستم : فإن قتلتم دون ذلك ، قال من قتل دخل الجنة و من بقي أنجزه الله وعده ، قال رستم : فنحن إذا وضعنا في أيديكم ، فقال : أعمالكم وضعتكم و أسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فلست تحاول الناس إنما تحاول القضاء و القدر . فغضب و أمر به فضربت عنقه .
و سار فنزل الفرس و فشا من عسكره المنكر و غصبوا الرعايا أمواهم و أبناءهم حتى نادى رستم منهم بالويل ، و قال : صدق و الله العربي . و أتى ببعضهم فضرب عنقه . ثم سار حتى نزل الحيرة و دعا أهلها فعزرهم و هم بهم ، فقال له ابن بقيلة : لا تجمع علينا أن تعجز عن نصرتنا و تلومنا على الدفع عن أنفسنا . و أرسل سعد السرايا إلىالسواد و سمع بهم رستم فبعث لاعتراضهم الفرس ، و بلغ ذلك سعداً فأمدهم بعاصم بن عمر فجاءهم و خيل فارس تحتوشهم ، فلما رأوا عاصم هربوا ، و جاء عاصم بالغنائم . ثم أرسل سعد عمرو بن معدي كرب و طليحة الأسدي طليعة فلما ساورا فرسخا و بعضه ، لقوا المسالح فرجع عمرو ، و مضى طليحة حتى وصل عسكر رستم و بات فيه و هتك أطنااب خيمة أو خيمتين و اقتاد بعض الخيل و خرج يعدو به فرسه ، و نذر به الفرس فركبوا في طلبه إلى أن أصبح و هم في أثره فكر على فارس فقتله ثم آخر و أسر الرابع ، و شارف عسكر المسلمين فرجعوا عنه . و دخل طليحة على سعد بالفارسي و لم يخلف بعده فيهم فأسلم و لزم طليحة .
ثم سار فنزل القادسية بعد ستة أشهر من المدائن ، و كان يطاول خوفاً و تقية ، و الملك يستحثه و كان رأى في منامه كأن ملكاً نزل من السماء و معه النبي صلى الله عليه و سلم ودفعه النبي إلى عمر فحزن لذلك أهل فارس في سيره . و لما وصل القادسية وقف على العتيق حيال عسكر المسلمين و الناس يتلاحقون حتى اغتموا من كثرتهم ، و ركب رستم غداة تلك الليلة و صعد مع النهر و صوب حتى وقف على القنطرة ، و أرسل إلى زهرة فواقفه و عرض له بالصلح . و قال : كنتم جيراننا و كنا نحسن إليكم و نحفظكم و يقرر صنيعهم مع العرب و يقول زهرة : ليس أمرنا بذلك و إنما طلبنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولا دعانا إلى دين الحق فأجبناه . و قال : قد سلطتكم على من لم يدن به و أنا منتقم بكم منهم و أجعل لكم الغلبة فقال رستم : و ما هو دين الحق . فقال : الشهادتان و إخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله و أنتم إخوان في ذلك . فقال رستم : فإن أجبنا إلى هذا ترجعون ؟ فقال : إي و الله فانصرف عنه رستم . و دعا رجال فارس و ذكر ذلك لهم فأنفوا ، و أرسل إلى سعد أن يبعث لنا رجلاً نكلمه و يكلمنا ، فبعث إليهم ربعي بن عامر و حبسوه على القنطرة حتى أعلموا رستم ، فجلس على سرير من ذهب و بسط النمارق و الوسائد منسوجة بالذهب ، و أقبل ربعي على فرسه و سيفه في خرقة و رمحه مشدودة بعصب ، و قدم حتى انتهى إلى البساط و وطئه بفرسه ، ثم نزل و ربطها بوسادتين شقهما و جعل الحبل فيهما ، فلم يقبلوا ذلك و أظهروا التهاون . ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها ، و أشاروا إليه بوضع سلاحه فقال : لو أتيتكم فعلت كذا فأمركم و إنما دعوتموني . ثم أقبل يتوكأ على رمحه و يقارب خطوه حتى أفسد ما عليه من السبط ، ثم دنا من رستم و جلس على الأرض و ركز رمحه على البساط و قال : إنا لا نقعد على زينتكم . فقال له الترجمان : ما جاء بكم ، فقال : الله بعثنا لنخرج عبادة من ضيق الدنيا إلى سعتها و من جور الأديان إلى عدل الإسلام و أرسلنا بدينه إلى خلقه فمن قبله قبلنا منه و تركناه و أرضه و من أبى قاتلناه حتى نفيء إلى الجنة أو الظفر . فقال رستم : هل لكم أن تؤخر هذا الأمر حتى ننظر فيه ؟ قال : نعم كم أحب إليك يوماً أو يومين ، قال : لا بل حتى نكاتب أهل رأينا و رؤساء قومنا . فقال : إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا نمكن الأعداء أكثر من ثلاث فانظر في أمرك و أمرهم و اختر إما الإسلام و ندعك و أرضك أو الجزية فنقبل و نكف عنك و إن احتجت إلينا نصرناك أو المنابذة في الرابع أن تنبذ و أنا كفيل بهذا عن أصحابي . قال أسيدهم أنت ؟ قال : لا و لكن المسلمون كالجسد الواحد يجيز بعضهم عن بعض يجيز أدناهم على أعلاهم . فخلا رستم برؤساء قومه و قال : رأيتم كلاماً قط مثل كلام هذا الرجل ؟ فأروه الاستخفاف بشأنه و ثيابه . فقال : ويحكم إنما أنظر إلى الرأي و الكلام و السيرة و العرب تستخف اللباس و تصون الأحساب .
ثم أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل ، فبعث إليهم حذيفة بن محصن ففعل كما فعل الأول و لم ينزل عن فرسه و تكلم و أجاب مثل الأول ، فقال له : ما قعد بالأول عنا ؟ فقال : أميرنا يعدل بيننا في الشدة و الرخاء و هذه نوبتي . فقال رستم : و المواعدة إلى متى ؟ فقال : إلى ثلاث من أمس و انصرف . و حاص رستم بأصحابه يعجبهم من شأن القوم . و بعث في الغد عن آخر فجاءه المغيرة حتى جلس معه على سريره فأنزلوه ، فقال : لا أرى قوماً أسفه منا معشر العرب لا نستعبد بعضاً بعضاً فظننتكم كذلك و كان أحسن بكم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض مع أني لم آتكم و إنما دعوتموني فقد علمت أنكم مغلوبون و لم يقم ملك على هذه السيرة . فقالت السفلة : صدق و الله العربي ، و قالت الأساطين : لقد رمانا بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل الله من يصغر أمر هذه الأمة . ثم تكلم رستكم فعظم من أمر فارس بل من شأن فارس و سلطانهم و صغر أمر العرب و قال : كانت عيشتكم سيئة و كنتم تقدونا في الجدب فنردكم بشيء من التمر و الشعير و لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما بكم من الجهد و نحن نعطي أميركم كسوة و بغلا و ألف درهم و كل رجل منكم حمل تمر و تنصرفون فلست أشتهي قتلكم . فتكلم المغيرة و خطب فقال : أما الذي وصفتنا به من سوء الحال و الضيق و الاختلاف فنعرفه و لا ننكره و الدنيا دول و الشدة بعدها الرخاء و لو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم قليلاً عما أوتيتم و قد أسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال و أن الله بعث فينا رسولاً ، ثم ذكر مثل ما تقدم إلى التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال ، ثم قال : و إن عيالنا ذاقوا طعام بلادكم فقالوا لا صبر لنا عنه . فقال رستم : إذاً تموتون دونها ، فقال المغيرة : يدخل من قتل منا الجنة و يظفر من بقي منا بكم . فاستشاط غضباً و حلف أن لا يقع الصلح أبداً حتى أقتلكم أجمعين . و انصرف المغيرة و خلا رستم بأهل فارس و عرض عليهم مصالحة القوم ، و حذرهم عاقبة حربهم ، فلجوا . و بعث إليه سعد يعرض عليه الإسلام و يرغب ، فأجابه بمثل ما كان يقول لأولئك من الإمتنان على العرب و التعرض بالمطامع ، فلم يتفق شيء من رأيهم . فقال رستم : تعبرون إلينا أم نعبر إليكم ؟ فقالوا : بل اعبروا و أرسل إليهم سعد بذلك و أرادوا القنطرة ، فقال سعد : لا و لا كرامة لا نرد عليكم شيئاً غلبناكم عليه فأبى . فأتوا يسكرون العتيق بالتراب و القصب و البرادع حتى جعلوا جسراً .
ثم أغار سواد بن مالك التميمي بعد مسير الوفد إلى يزدجرد على الفراض فاستاق ثلثمائة دابة بين بغل و حمار و ثور و آخرها سمكا و صبح بها العسكر ، فقسمه سعد في الناس ، و واصلوا السرايا و البعوث لطلب اللحم ، و أما الطعام فكان عندهم كثيراً . و سار رستم إلى ساباط في ستين ألف و على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفاً و ساقته عشرون ألفا و في الميمنة الهرمزان و في الميسرة مهران بن بهرام الرازي ، و حمل معه ثلاثة و ثلاثين فيلاً ثمانية عشر في القلب و خمسة عشر في الجنبين . ثم سار حتى نزل كوثى ، فأتى برجل من العرب ، فقال له رستم : ما جاء بكم و ما تطلبون ؟ فقال : نطلب وعد الله بأرضكم و أبنائكم إن لم تسلموا . قال رستم : فإن قتلتم دون ذلك ، قال من قتل دخل الجنة و من بقي أنجزه الله وعده ، قال رستم : فنحن إذا وضعنا في أيديكم ، فقال : أعمالكم وضعتكم و أسلمكم الله بها فلا يغرنك من ترى حولك فلست تحاول الناس إنما تحاول القضاء و القدر . فغضب و أمر به فضربت عنقه .
و سار فنزل الفرس و فشا من عسكره المنكر و غصبوا الرعايا أمواهم و أبناءهم حتى نادى رستم منهم بالويل ، و قال : صدق و الله العربي . و أتى ببعضهم فضرب عنقه . ثم سار حتى نزل الحيرة و دعا أهلها فعزرهم و هم بهم ، فقال له ابن بقيلة : لا تجمع علينا أن تعجز عن نصرتنا و تلومنا على الدفع عن أنفسنا . و أرسل سعد السرايا إلىالسواد و سمع بهم رستم فبعث لاعتراضهم الفرس ، و بلغ ذلك سعداً فأمدهم بعاصم بن عمر فجاءهم و خيل فارس تحتوشهم ، فلما رأوا عاصم هربوا ، و جاء عاصم بالغنائم . ثم أرسل سعد عمرو بن معدي كرب و طليحة الأسدي طليعة فلما ساورا فرسخا و بعضه ، لقوا المسالح فرجع عمرو ، و مضى طليحة حتى وصل عسكر رستم و بات فيه و هتك أطنااب خيمة أو خيمتين و اقتاد بعض الخيل و خرج يعدو به فرسه ، و نذر به الفرس فركبوا في طلبه إلى أن أصبح و هم في أثره فكر على فارس فقتله ثم آخر و أسر الرابع ، و شارف عسكر المسلمين فرجعوا عنه . و دخل طليحة على سعد بالفارسي و لم يخلف بعده فيهم فأسلم و لزم طليحة .
ثم سار فنزل القادسية بعد ستة أشهر من المدائن ، و كان يطاول خوفاً و تقية ، و الملك يستحثه و كان رأى في منامه كأن ملكاً نزل من السماء و معه النبي صلى الله عليه و سلم ودفعه النبي إلى عمر فحزن لذلك أهل فارس في سيره . و لما وصل القادسية وقف على العتيق حيال عسكر المسلمين و الناس يتلاحقون حتى اغتموا من كثرتهم ، و ركب رستم غداة تلك الليلة و صعد مع النهر و صوب حتى وقف على القنطرة ، و أرسل إلى زهرة فواقفه و عرض له بالصلح . و قال : كنتم جيراننا و كنا نحسن إليكم و نحفظكم و يقرر صنيعهم مع العرب و يقول زهرة : ليس أمرنا بذلك و إنما طلبنا الآخرة وقد كنا كما ذكرت إلى أن بعث الله فينا رسولا دعانا إلى دين الحق فأجبناه . و قال : قد سلطتكم على من لم يدن به و أنا منتقم بكم منهم و أجعل لكم الغلبة فقال رستم : و ما هو دين الحق . فقال : الشهادتان و إخراج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الله و أنتم إخوان في ذلك . فقال رستم : فإن أجبنا إلى هذا ترجعون ؟ فقال : إي و الله فانصرف عنه رستم . و دعا رجال فارس و ذكر ذلك لهم فأنفوا ، و أرسل إلى سعد أن يبعث لنا رجلاً نكلمه و يكلمنا ، فبعث إليهم ربعي بن عامر و حبسوه على القنطرة حتى أعلموا رستم ، فجلس على سرير من ذهب و بسط النمارق و الوسائد منسوجة بالذهب ، و أقبل ربعي على فرسه و سيفه في خرقة و رمحه مشدودة بعصب ، و قدم حتى انتهى إلى البساط و وطئه بفرسه ، ثم نزل و ربطها بوسادتين شقهما و جعل الحبل فيهما ، فلم يقبلوا ذلك و أظهروا التهاون . ثم أخذ عباءة بعيره فاشتملها ، و أشاروا إليه بوضع سلاحه فقال : لو أتيتكم فعلت كذا فأمركم و إنما دعوتموني . ثم أقبل يتوكأ على رمحه و يقارب خطوه حتى أفسد ما عليه من السبط ، ثم دنا من رستم و جلس على الأرض و ركز رمحه على البساط و قال : إنا لا نقعد على زينتكم . فقال له الترجمان : ما جاء بكم ، فقال : الله بعثنا لنخرج عبادة من ضيق الدنيا إلى سعتها و من جور الأديان إلى عدل الإسلام و أرسلنا بدينه إلى خلقه فمن قبله قبلنا منه و تركناه و أرضه و من أبى قاتلناه حتى نفيء إلى الجنة أو الظفر . فقال رستم : هل لكم أن تؤخر هذا الأمر حتى ننظر فيه ؟ قال : نعم كم أحب إليك يوماً أو يومين ، قال : لا بل حتى نكاتب أهل رأينا و رؤساء قومنا . فقال : إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا نمكن الأعداء أكثر من ثلاث فانظر في أمرك و أمرهم و اختر إما الإسلام و ندعك و أرضك أو الجزية فنقبل و نكف عنك و إن احتجت إلينا نصرناك أو المنابذة في الرابع أن تنبذ و أنا كفيل بهذا عن أصحابي . قال أسيدهم أنت ؟ قال : لا و لكن المسلمون كالجسد الواحد يجيز بعضهم عن بعض يجيز أدناهم على أعلاهم . فخلا رستم برؤساء قومه و قال : رأيتم كلاماً قط مثل كلام هذا الرجل ؟ فأروه الاستخفاف بشأنه و ثيابه . فقال : ويحكم إنما أنظر إلى الرأي و الكلام و السيرة و العرب تستخف اللباس و تصون الأحساب .
ثم أرسل إلى سعد أن ابعث إلينا ذلك الرجل ، فبعث إليهم حذيفة بن محصن ففعل كما فعل الأول و لم ينزل عن فرسه و تكلم و أجاب مثل الأول ، فقال له : ما قعد بالأول عنا ؟ فقال : أميرنا يعدل بيننا في الشدة و الرخاء و هذه نوبتي . فقال رستم : و المواعدة إلى متى ؟ فقال : إلى ثلاث من أمس و انصرف . و حاص رستم بأصحابه يعجبهم من شأن القوم . و بعث في الغد عن آخر فجاءه المغيرة حتى جلس معه على سريره فأنزلوه ، فقال : لا أرى قوماً أسفه منا معشر العرب لا نستعبد بعضاً بعضاً فظننتكم كذلك و كان أحسن بكم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض مع أني لم آتكم و إنما دعوتموني فقد علمت أنكم مغلوبون و لم يقم ملك على هذه السيرة . فقالت السفلة : صدق و الله العربي ، و قالت الأساطين : لقد رمانا بكلام لا تزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل الله من يصغر أمر هذه الأمة . ثم تكلم رستكم فعظم من أمر فارس بل من شأن فارس و سلطانهم و صغر أمر العرب و قال : كانت عيشتكم سيئة و كنتم تقدونا في الجدب فنردكم بشيء من التمر و الشعير و لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما بكم من الجهد و نحن نعطي أميركم كسوة و بغلا و ألف درهم و كل رجل منكم حمل تمر و تنصرفون فلست أشتهي قتلكم . فتكلم المغيرة و خطب فقال : أما الذي وصفتنا به من سوء الحال و الضيق و الاختلاف فنعرفه و لا ننكره و الدنيا دول و الشدة بعدها الرخاء و لو شكرتم ما آتاكم الله لكان شكركم قليلاً عما أوتيتم و قد أسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال و أن الله بعث فينا رسولاً ، ثم ذكر مثل ما تقدم إلى التخيير بين الإسلام أو الجزية أو القتال ، ثم قال : و إن عيالنا ذاقوا طعام بلادكم فقالوا لا صبر لنا عنه . فقال رستم : إذاً تموتون دونها ، فقال المغيرة : يدخل من قتل منا الجنة و يظفر من بقي منا بكم . فاستشاط غضباً و حلف أن لا يقع الصلح أبداً حتى أقتلكم أجمعين . و انصرف المغيرة و خلا رستم بأهل فارس و عرض عليهم مصالحة القوم ، و حذرهم عاقبة حربهم ، فلجوا . و بعث إليه سعد يعرض عليه الإسلام و يرغب ، فأجابه بمثل ما كان يقول لأولئك من الإمتنان على العرب و التعرض بالمطامع ، فلم يتفق شيء من رأيهم . فقال رستم : تعبرون إلينا أم نعبر إليكم ؟ فقالوا : بل اعبروا و أرسل إليهم سعد بذلك و أرادوا القنطرة ، فقال سعد : لا و لا كرامة لا نرد عليكم شيئاً غلبناكم عليه فأبى . فأتوا يسكرون العتيق بالتراب و القصب و البرادع حتى جعلوا جسراً .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
ثم عبر رستم له سريره و جلس عليه و ضرب طيارة و عبر عسكره ، و جعل الفيلة في القلب و المجنبتين عليها الصناديق و الرجال و الرايات أمثال الحصون ، و جعل الجالنوس بينه و بين الميمنة و الفيرزان بينه و بين الميسرة ، و رتب يزدجرد الرجال بين المدائن و القادسية و ما بينه و بين رستم رجلاً على دعوة تنتقل إليه ينبئهم أخبار رستم في أسرع وقت . ثم أخذ المسلمون مصافهم و اختط سعد قصره ، و كان به عرق النساء و أصابته معه دماميل لا يستطيع معه الجلوس فصعد على سطح القصر راكباً على وسادة في صدره و أشرف على الناس ، و عاب ذلك عليه بعض الناس فنزل و اعتذر إليهم و أراهم القروح في جسده فعذروه ، و استخلف خالد بن عرفطة على الناس و حبس من شغب عليه في القصر و قيدهم ، و كان فيهم أبو محجن الثقفي ، و قيل إنما حبسه بسبب الخمر . ثم خطب الناس و حثهم على الجهاد و ذكرهم بوعد الله ، و ذلك في المحرم سنة أربع عشرة ، و أخبرهم أنه استخلف خالد بن عرفطة . و أرسل جماعة من أهل الرأي لتحريض الناس على القتال مثل المغيرة و حذيفة و عاصم و طليحة و قيس و غالب و عمرو ، و من الشعراء الشماخ و الحطيئة و العبدي بل و عبدة بن الطيب و غيرهم ففعلوا ، ثم أمر بقراءة الأنفال فهشت قلوب الناس و عيونهم و عرفوا السكينة مع قراءتها ، فلما فرغت القراءة قال سعد : الزموا مواقفكم فإذا صليتم الظهر فإني مكبر تكبيرة فكبروا و استعدوا . فإذا سمعتم الثانية فكبروا و أتموا عدتكم ، فإذا سمعتم الثالثة فكبروا و نشطوا الناس ، فإذا سمعتم الرابعة فازحفوا حتى تخالطوا عدوكم و قولوا لا حول و لا قوة إلا بالله .
فلما كبر الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال و خرج أمثالهم من الفرس فاعتوروا الطعن و الضرب ، و ارتجزوا الشعر ، و أول من أسر في ذلك اليوم هرمز من ملوك الكبار و كان متوجاً أسره غالب بن عبد الله الأسدي فدفعه إلى سعد و رجع إلى الحرب . و طلب البراز أسوار منهم فبرز إليه عمرو بن معدي كرب فأخذه و جلده الأرض فذبحه و سلب سواريه و منطقته . ثم حملوا الفيلة على المسلمين و أمالوها على بجيلة فثقلت عليهم ، فأرسل سعد إلى بني أسد أن يدفعوا عنهم ، فجاءه طليحة بن خويلد و حمل بن مالك فردوا الفيلة ، و خرج على طليحة عظيم منهم فقتله طليحة ، و عير الأشعث بن قيس كندة بما يفعله ، بنو أسد فاستشاطوا و نهدوا معه فأزلوا الذين بإزائهم . و حين رأى الفرس ما لقي الناس و الفيلة من بني أسد حملوا عليهم جميعاً و فيهم ذو الحاجب و الجالنوس .
و كبر سعد الرابعة فزحف المسلمون و ثبت بنو أسد ، و دارت رحى الحرب عليهم و حملت الفيول على الميمنة و الميسرة و نفرت خيول المسلمين منها فأرسل سعد إلى عاصم بن عمر هل من حيلة لهذه الفيلة ؟ فبعث الرماة يرشقونها بالنبل و اشتد لردها آخرون يقطعون الوضن ، و خرج عاصم بجمعهم و رحى الحرب على أسد ، و اشتد عواء الفيلة و وقعت الصناديق فهلك أصحابها ، و نفس عن أسد أن أصيب منهم خمسائة و ردوا فارس إلى مواقفهم . ثم اقتتلوا إلى هدء من الليل و كان هذا اليوم الأول و هو يوم الرماة . و لما أصبح دفن القتلى و أسلم الجرحى إلى نساء يقمن عليهم ، و إذا بنواصي الخيل طالعة من الشام . و كان عمر بعد فتح دمشق عزل خالد بن الوليد عن جند العراق و أمر أبا عبيدة أن يؤمر عليهم هاشم بن عتبة يردهم إلى العراق ، فخرج بهم هاشم و على مقدمته القعقاع بن عمرو ، فقام القعقاع على الناس صبيحة ذلك اليوم يوم أغواث ، و قد عهد إلى أصحابه أن يقطعوا أعشاراً بين كل عشرين مد البصر و كانوا ألفاً ، فسلم على الناس و بشرهم بالجنود و عرضهم على القتال ، و طلب البراز فخرج إليه ذو الحاجب فعرفه القعقاع و نادى بالثأر لأصحاب الجسر ، و تضاربا فقتله القعقاع و سر الناس بقتله ، و وهنت الأعاجم لذلك . ثم طلب البراز فخرج إليه الفيرزان و البندوان .
و أكثر المسلمون القتل في الفرس و أخذوا الفيلة عن القتال لأن نوابتها تكسرت بالأمس ، فاستأنفوا حملها ، و جعل القعقاع إبلاً و جعل عليها البراقع و أركبها عشرة عشرة ، و أطاف عليها الخيول تحملها ، و حملها على خيل الفرس فنفرت منها و ركبتهم خيول المسلمين ، و لقي الفرس من الإبل أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة . و برز القعقاع يومئذ في ثلاثين فارساً في ثلاثين حملة فقتلهم ، كان آخرهم بزرجمهر الهمداذي ، و بارز الأعور بن قطنة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه .
و لما انتصف النهار تزاحف الناس فاقتتلوا إلى انتصاف الليل و قتلوا عامة أعلام فارس ثم أصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم بين الصفين و من المسلمين ألفا جريح و قتيل و من المشركين عشرة آلاف ، فدفن المسلمون موتاهم و أسلموا الجرحى إلى النساء و وكلوا النساء و الصبيان بحفر القبور ، و بقي قتلى المشركين بين الصفين . و بات القعقاع يسرب أصحابه إلى حيث فارقهم بالأمس ، و أوصاهم إذا طلعت الشمس أن يقبلوا مائة مائة يجدد بذلك الناس ، و جاء بينهما يلحق هاشم بن عتبة . فلما ذر قرن الشمس أقبل أصحاب القعقاع فتقدموا و المسلمون يكبرون ، فتزاحفت الكتائب طعناً و هرباً ، و ما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى لحق هاشم فعبى أصحابه سبعين سبعين و كان فيهم قيس بن المكشوح فلما خالط القلب كبر و كبر المسلمون ثم كبر فخرق الصفوف إلى العتيق ، ثم عاد و قد أصبح الفرس على مواقفهم و أعادوا الصناديق على الفيلة و أحدقوا الرجال بها يحمونها أن تقطع وضنها ، و أقام الفرسان يحمون الرجالة فلم تنفر خيل المسلمين منها . و كان هذا اليوم يوم عماس و كان شديداً ، و إلا أن الطائفتين فيه سواء و أبلى فيه قيس بن المكشوح و عمرو بن معدي كرب ، زحفت الفيلة و فرقت بين الكتائب . و أرسل سعد إلى القعقاع و عاصم أن أكفياني الأبيض و كان بازائهما ، و إلى محمل و الذميل أن أكفياني الأجرب و كان بازائهما ، فحملوا على الفيلين فقتل الأبيض و من كان عليه و قطع مشفر الأجراب و فقئت عينه و ضرب سائسه الذميل بالطيرزين فأفلت جريحاً ، و تحير الأجرب بن الطائفتين و ألقى نفسه في العتيق و اتبعته الفيلة و خرقت صفوف الأعاجم في إثره ، و قصدت المدائن بثوابتها و هلك جميع من فيها . و خلص المسلمون و الفرس فاختلفوا على سواء إلى المساء و اقتتلوا بقية ليلتهم و تسمى ليلة الهرير .
فأرسل سعد طليحة و عمراً إلى مخاضة أسفل السكر يقومون عليها خشية أن يؤتى المسلمون منها ، فتشاوروا أن يأتوا الأعاجم من خلفهم ، فجاء طليحة وراء العسكر و كبر فارتاع أهل فارس ، فأغار عمرو أسفل المخاضة و رجع و زاحفهم الناس دون إذن سعد و أول من زاحفهم من الناس دون إذن سعد زاحفهم القعقاع و قومه فحمل عليهم ، ثم حمل بنو أسد ثم النجع ثم بجلية ثم كندة ، و سعد يقول في كل واحدة اللهم إغفر لهم و انصرهم . و قد كان قال لهم إذا كبرت ثلاثاً فاحملوا ، فلما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً صلاة العشاء و اختلطوا و صليل الحديد كصوت القرن إلى الصباح .
و ركدت الحرب و انقطعت الأخبار و الأصوات عن سعد و رستم و أقبل سعد على الدعاء ، و سمع نصف الليل صوت القعقاع في جماعة من الرؤساء إلى رستم حتى خالطوا صفه مع الصبح فحمل الناس من كل جهة على من يليهم و اقتتلوا إلى قائم ظهيرة ، فناجز الفيرزان و الهرمزان بعض الشيء و انفرج القلب ، و هبت ريح عاصف فقلبت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق ، و انتهى القعقاع و من معه إلى السرير و قد قام رستم عنه فاستظل في ظل بغل و حمله ، و ضرب هلال بن علقمة الحمل فوقع أحد العدلين على رستم فكسر ظهره ، و ضربه هلال ضربة نفحت مسكا و ضرب نحو العتيق فرمى بنفسه فيه فاقتحم هلال و جره برجله فقتله ، و صعد السرير و قال : قتلت رستم و رب الكعبة إلي إلي . فأطافوا به و كبروا . و قيل إن هلالاً لما قصد رستم رماه بسهم ، فأثبت قدمه بالركاب ثم حمل عليه ، فقتله و احتز رأسه و نادى في الناس قتلت رستم . فانهزم قلب المشركين و قام الجالنوس على الردم و نادى الفرس إلى العبور ، و تهافت المقترنون بالسلاسل في العتيق و كانوا ثلاثين فهلكوا ، و أخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس العظيمة و هي درفش كابيان فعوض منها ثلاثين ألفاً و كانت قيمتها ألف ألف و مائة ألف ألف ، و قتل ذلك اليوم من الأعاجم عشرة آلاف في المعركة ، و قتل من المشركين في ذلك اليوم ستة آلاف دفنوا بالخندق سوى ألفين و خمسمائة قتلوا ليلة الهرير ، و جمع من الأسلاب و الأموال ما لم يجمع قبله و لا بعده مثله . و نفل سعد هلال بن علقمة سلب رستم ، و أمر القعقاع و شرجبيل باتباع العدو وقد كان خرج زهرة بن حيوة قبلها في آثارهم ، فلحق الجالنوس يجمع المنهزمين فقتله و أخذ سلبه ، فتوقف سعد من عطائه ، و كتب إلى عمر ،
فلما كبر الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال و خرج أمثالهم من الفرس فاعتوروا الطعن و الضرب ، و ارتجزوا الشعر ، و أول من أسر في ذلك اليوم هرمز من ملوك الكبار و كان متوجاً أسره غالب بن عبد الله الأسدي فدفعه إلى سعد و رجع إلى الحرب . و طلب البراز أسوار منهم فبرز إليه عمرو بن معدي كرب فأخذه و جلده الأرض فذبحه و سلب سواريه و منطقته . ثم حملوا الفيلة على المسلمين و أمالوها على بجيلة فثقلت عليهم ، فأرسل سعد إلى بني أسد أن يدفعوا عنهم ، فجاءه طليحة بن خويلد و حمل بن مالك فردوا الفيلة ، و خرج على طليحة عظيم منهم فقتله طليحة ، و عير الأشعث بن قيس كندة بما يفعله ، بنو أسد فاستشاطوا و نهدوا معه فأزلوا الذين بإزائهم . و حين رأى الفرس ما لقي الناس و الفيلة من بني أسد حملوا عليهم جميعاً و فيهم ذو الحاجب و الجالنوس .
و كبر سعد الرابعة فزحف المسلمون و ثبت بنو أسد ، و دارت رحى الحرب عليهم و حملت الفيول على الميمنة و الميسرة و نفرت خيول المسلمين منها فأرسل سعد إلى عاصم بن عمر هل من حيلة لهذه الفيلة ؟ فبعث الرماة يرشقونها بالنبل و اشتد لردها آخرون يقطعون الوضن ، و خرج عاصم بجمعهم و رحى الحرب على أسد ، و اشتد عواء الفيلة و وقعت الصناديق فهلك أصحابها ، و نفس عن أسد أن أصيب منهم خمسائة و ردوا فارس إلى مواقفهم . ثم اقتتلوا إلى هدء من الليل و كان هذا اليوم الأول و هو يوم الرماة . و لما أصبح دفن القتلى و أسلم الجرحى إلى نساء يقمن عليهم ، و إذا بنواصي الخيل طالعة من الشام . و كان عمر بعد فتح دمشق عزل خالد بن الوليد عن جند العراق و أمر أبا عبيدة أن يؤمر عليهم هاشم بن عتبة يردهم إلى العراق ، فخرج بهم هاشم و على مقدمته القعقاع بن عمرو ، فقام القعقاع على الناس صبيحة ذلك اليوم يوم أغواث ، و قد عهد إلى أصحابه أن يقطعوا أعشاراً بين كل عشرين مد البصر و كانوا ألفاً ، فسلم على الناس و بشرهم بالجنود و عرضهم على القتال ، و طلب البراز فخرج إليه ذو الحاجب فعرفه القعقاع و نادى بالثأر لأصحاب الجسر ، و تضاربا فقتله القعقاع و سر الناس بقتله ، و وهنت الأعاجم لذلك . ثم طلب البراز فخرج إليه الفيرزان و البندوان .
و أكثر المسلمون القتل في الفرس و أخذوا الفيلة عن القتال لأن نوابتها تكسرت بالأمس ، فاستأنفوا حملها ، و جعل القعقاع إبلاً و جعل عليها البراقع و أركبها عشرة عشرة ، و أطاف عليها الخيول تحملها ، و حملها على خيل الفرس فنفرت منها و ركبتهم خيول المسلمين ، و لقي الفرس من الإبل أعظم مما لقي المسلمون من الفيلة . و برز القعقاع يومئذ في ثلاثين فارساً في ثلاثين حملة فقتلهم ، كان آخرهم بزرجمهر الهمداذي ، و بارز الأعور بن قطنة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه .
و لما انتصف النهار تزاحف الناس فاقتتلوا إلى انتصاف الليل و قتلوا عامة أعلام فارس ثم أصبحوا في اليوم الثالث على مواقفهم بين الصفين و من المسلمين ألفا جريح و قتيل و من المشركين عشرة آلاف ، فدفن المسلمون موتاهم و أسلموا الجرحى إلى النساء و وكلوا النساء و الصبيان بحفر القبور ، و بقي قتلى المشركين بين الصفين . و بات القعقاع يسرب أصحابه إلى حيث فارقهم بالأمس ، و أوصاهم إذا طلعت الشمس أن يقبلوا مائة مائة يجدد بذلك الناس ، و جاء بينهما يلحق هاشم بن عتبة . فلما ذر قرن الشمس أقبل أصحاب القعقاع فتقدموا و المسلمون يكبرون ، فتزاحفت الكتائب طعناً و هرباً ، و ما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى لحق هاشم فعبى أصحابه سبعين سبعين و كان فيهم قيس بن المكشوح فلما خالط القلب كبر و كبر المسلمون ثم كبر فخرق الصفوف إلى العتيق ، ثم عاد و قد أصبح الفرس على مواقفهم و أعادوا الصناديق على الفيلة و أحدقوا الرجال بها يحمونها أن تقطع وضنها ، و أقام الفرسان يحمون الرجالة فلم تنفر خيل المسلمين منها . و كان هذا اليوم يوم عماس و كان شديداً ، و إلا أن الطائفتين فيه سواء و أبلى فيه قيس بن المكشوح و عمرو بن معدي كرب ، زحفت الفيلة و فرقت بين الكتائب . و أرسل سعد إلى القعقاع و عاصم أن أكفياني الأبيض و كان بازائهما ، و إلى محمل و الذميل أن أكفياني الأجرب و كان بازائهما ، فحملوا على الفيلين فقتل الأبيض و من كان عليه و قطع مشفر الأجراب و فقئت عينه و ضرب سائسه الذميل بالطيرزين فأفلت جريحاً ، و تحير الأجرب بن الطائفتين و ألقى نفسه في العتيق و اتبعته الفيلة و خرقت صفوف الأعاجم في إثره ، و قصدت المدائن بثوابتها و هلك جميع من فيها . و خلص المسلمون و الفرس فاختلفوا على سواء إلى المساء و اقتتلوا بقية ليلتهم و تسمى ليلة الهرير .
فأرسل سعد طليحة و عمراً إلى مخاضة أسفل السكر يقومون عليها خشية أن يؤتى المسلمون منها ، فتشاوروا أن يأتوا الأعاجم من خلفهم ، فجاء طليحة وراء العسكر و كبر فارتاع أهل فارس ، فأغار عمرو أسفل المخاضة و رجع و زاحفهم الناس دون إذن سعد و أول من زاحفهم من الناس دون إذن سعد زاحفهم القعقاع و قومه فحمل عليهم ، ثم حمل بنو أسد ثم النجع ثم بجلية ثم كندة ، و سعد يقول في كل واحدة اللهم إغفر لهم و انصرهم . و قد كان قال لهم إذا كبرت ثلاثاً فاحملوا ، فلما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً صلاة العشاء و اختلطوا و صليل الحديد كصوت القرن إلى الصباح .
و ركدت الحرب و انقطعت الأخبار و الأصوات عن سعد و رستم و أقبل سعد على الدعاء ، و سمع نصف الليل صوت القعقاع في جماعة من الرؤساء إلى رستم حتى خالطوا صفه مع الصبح فحمل الناس من كل جهة على من يليهم و اقتتلوا إلى قائم ظهيرة ، فناجز الفيرزان و الهرمزان بعض الشيء و انفرج القلب ، و هبت ريح عاصف فقلبت طيارة رستم عن سريره فهوت في العتيق ، و انتهى القعقاع و من معه إلى السرير و قد قام رستم عنه فاستظل في ظل بغل و حمله ، و ضرب هلال بن علقمة الحمل فوقع أحد العدلين على رستم فكسر ظهره ، و ضربه هلال ضربة نفحت مسكا و ضرب نحو العتيق فرمى بنفسه فيه فاقتحم هلال و جره برجله فقتله ، و صعد السرير و قال : قتلت رستم و رب الكعبة إلي إلي . فأطافوا به و كبروا . و قيل إن هلالاً لما قصد رستم رماه بسهم ، فأثبت قدمه بالركاب ثم حمل عليه ، فقتله و احتز رأسه و نادى في الناس قتلت رستم . فانهزم قلب المشركين و قام الجالنوس على الردم و نادى الفرس إلى العبور ، و تهافت المقترنون بالسلاسل في العتيق و كانوا ثلاثين فهلكوا ، و أخذ ضرار بن الخطاب راية الفرس العظيمة و هي درفش كابيان فعوض منها ثلاثين ألفاً و كانت قيمتها ألف ألف و مائة ألف ألف ، و قتل ذلك اليوم من الأعاجم عشرة آلاف في المعركة ، و قتل من المشركين في ذلك اليوم ستة آلاف دفنوا بالخندق سوى ألفين و خمسمائة قتلوا ليلة الهرير ، و جمع من الأسلاب و الأموال ما لم يجمع قبله و لا بعده مثله . و نفل سعد هلال بن علقمة سلب رستم ، و أمر القعقاع و شرجبيل باتباع العدو وقد كان خرج زهرة بن حيوة قبلها في آثارهم ، فلحق الجالنوس يجمع المنهزمين فقتله و أخذ سلبه ، فتوقف سعد من عطائه ، و كتب إلى عمر ،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
فكتب إليه : تعمد إلى مثل زهرة وقد صلى بمثل ما صلى به وقد بقي عليك من حربك ما بقي تفسد قلبه أمض له سلبه و فضله على أصحابه في العطاء بخمسمائة .
و لحق سلمان بن ربيعة الباهلي و أخذه عبد الرحمن بطائفة من الفرس قد استماتوا فقتلوهم أجمعين ، و استمات بعد الهزيمة بضعة و ثلاثون رئيساً من المسلمين فقتلوهم أجمعين . و كان ممن هرب من أمراء الفرس الهرمزان و أهودوزاد بيهس و قارن ، و ممن استمات فقتل شهريار بن كبارا و أسر المدمرون و الفردان الأهوازي و حشرشوم الهمداني . و كتب سعد إلى عمر بالفتح و بمن أصيب من المسلمين ، و كان عمر يسأل الركبان حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله ، فلما ألفى البشير قال : من أين ؟ فأخبره فقال : حدثني فقال : هزم الله المشركين . ففرح بذلك . و أقام المسلمون بالقادسية ينتظرون كتاب عمر إلى أن وصلهم بالإقامة . و كانت وقعة القادسية سنة أربع عشرة و قيل خمس عشرة و قيل ست عشرة .
فتح المدائن و جلولاء بعدها
و لما انهزم أهل فارس بالقادسية انتهوا إلى بابل و فيهم بقايا الرؤساء النخيزجان و مهران الأهوازي و الهرمزان و أشباههم و استعملوا عليهم الفيرزان . و أقام سعد بعد الفتح شهرين و سار بأمر عمر إلى المدائن و خلف العيال بالعتيق في جند كثيف حامية لهم ، و قدم بين يديه زهرة بن حيوة و شرحبيل بن السمط و عبد الله بن المعتمر ، و لقيهم بعض عساكر الفرس برستن فهزمهم حتى لحقوا ببابل . ثم جاء سعد و سار في التعبية و نزلوا على الفيرزان و من معه ببابل ، فخرجوا و قاتلوا المسلمين ، فانهزموا و افترقو فرقتين و لحق الهرمزان بالأهواز و الفيرزان بنهاوند و بها كنوز كسرى ، و سار النخيرجان و مهران إلى المدائن فتحصنوا و قطعوا الجسر . ثم سار سعد من بابل على التعبية و زهرة في المقدمة ، و قدم بين يديه بكير بن عبد الله الليثي بن شهاب السبيعي حتى عبرا و لحقا بأخريات القوم ، فقتلا في طريقهما اسوارين من أساورتهم ، ثم تقدموا إلى كوثى و عليها شهريار فخرج لقتالهم فقتل و انهزم أصحابه فافترقوا في البلاد . و جاء سعد فنفل قاتله سلبه .
و تقدم زهرة إلى ساباط فصالحه أهلها على الجزية و هزم كتيبة كسرى ، ثم نزلوا جميعاً نهرشير من المدائن ، و لما عاينوا الإيوان كبروا و قالوا : هذا أبيض كسرى هذا ما وعد الله . و كان نزولهم عليها ذا الحجة سنة خمس عشرة فحاصروها ثلاثة أشهر ثم اقتحموها ، و كانت خيولهم تغير على النواحي و عهد إليهم عمر أن من أجاب من الفلاحين و لم يعن عليهم فذلك أمانة ، و من هرب فأدرك فشأنكم به . و دخل الدهاقين من غربي دجلة و أهل السواد كلهم في أمان المسلمين و اغتبطوا بملكهم ، و اشتد الحصار على نهرشير و نصبوا عليها المجانيق و استلحموهم في المواطن ، و خرج بعض المرازبة يطلب البراز ، فقاتله زهرة بن حيوة فقتلاً معا ، و يقال إن زهرة قتله شبيب الخارجي أيام الحجاج . و لما ضاق بهم الحصار ركب إليهم بعض الأيام فلم يروا على الأسوار أحداً إلا رجلاً يشير إليهم فقال : ما بقي بالمدينة أحداً و قد صاروا إلى المدينة القصوى التي فيها الإيوان ، فدخل سعد و المسلمون و أرادوا العبور إليهم فوجدوهم جمعوا المعابر عندهم ، فأقام أياماً من صبر و دله بعض العلوج على مخاضة في دجلة فتردد ، فقال له أقدم فلا تأتي عليك ثلاثة إلا و يزدجرد قد ذهب بكل شيء فيها . فعزم سعد على العبور و خطب الناس و ندبهم إلى العبور و رغبهم ، و ندب من يجيز أن لا يجيء الفراض حتى يجيز إليه الناس ، فانتدب عاصم بن عمر في ستمائة و اقتحموا دجلة فلقيهم أمثالهم من الفرس عند الفراض و شدوا عليهم فانهزموا و قتل أكثرهم و عوروا من الطعن في العيون ، و عاينهم المسلمون على الفراض ، فاقتحموا في أثرهم يصيحون نستعين بالله و نتوكل عليه حسبنا الله و نعم الوكيل و لا حول و قوة إلا بالله العي العظيم . و ساروا في دجلة و قد طبقوا ما بين عدوتيها و خيلهم سابحة بهم و هم يهيمنون تارة و يتحادثون أخرى حتى أجازوا البحر و لم يفقدوا شيئاً ، إلا قدحا لبعضهم غلبت صاحبه عليه جرية الماء و ألقته الريح إلى الشاطئ .
و رأى الفرس عساكر المسلمين قد أجازوا فخرجوا هاربين إلى حلوان ، و كان يزدجرد قدم إليها قبل ذلك عياله ، و رفعوا ما قدروا عليه من عرض المتاع و خفيفه و من بيت المال و النساء و الذراري ، و تركوا بالمدائن من الثياب و الأمتعة و الآنية و الألطاف مالا تحصر قيمته ، و كان في بيت المال ثلاثة آلاف ألف ألف ألف مكررة ثلاث مرات تكون جملتها ثلاثة آلاف قنطار من الدنانير ، و كان رستم عند مسيره إلى القادسية حمل نصفها لنفقات العساكر و أبقى النصف . و اقتحمت العساكر المدينة تجول في سككها لا يلقون بها أحداً ، و أرز سائر الناس إلى القصر الأبيض حتى توثقوا لأنفسهم على الجزية .
و نزل سعد القصر الأبيض و اتخذ الإيوان به مصلى و لم يغير ما فيه من التماثيل ، و لما دخله قرأ " كم تركوا من جنات و عيون " الآية ، و صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن و أتم الصلاة بنية الإقامة . و سرح زهرة بن حيوة في آثار الأعاجم إلى النهروان و قراها من كل جهة ، و جعل على الأخماس عمرو بن عمرو بن مقرن ، و على القسم سلمان بن ربيعة الباهلي و جمع ما كان في القصر و الإيوان و الدور و ما نهبه أهل المدائن عند الهزيمة ، و وجدوا حلية كسرى حلية كسرى ثيابه و خرزاته و تاجه و درعه التي كان يجلس فيها للمباهاة أخذ ذلك من أيدي الهاربين على بغلين ، و أخذ منهم أيضاً وقر بغل من السيوف و آخر من الدروع و المغافر منسوبة كلها : درع هرقل و خاقان ملك الترك و داهر ملك الهند و بهرام جور و سياوخش و النعمان بن المنذر و سيف كسرى و هرمز و قباذ و فيروز هرقل و خاقان و داهر و بهرام و سياوخش و النعمان بن المنذر و سيف كسرى و هرمز و قباذ و فيزور و هرقل و خاقان و داهر و بهرام و سياوخش و النعمان أحضرها القعقاع و خيره في الأسياف ، فاختار سيف هرقل و أعطاه درع بهرام ، و بعث إلى عمر سيف كسرى و النعمان و تاج كسرى و حليته و ثيابه ليراها الناس . و قسم سعد الفيء بين المسلمين بعدما خمسه ، و كانوا ستين ألفاً فصار للفارس اثنا عشر ألفاً وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل ، و نفل من الأخماس في أهل البلاد ، و قسم في المنازل بين الناس ، و استدعى العيالات من العتيق فأنزلهم الدور و لم يزالوا بالمدائن حتى تم فتح جلولاء و حلوان و تكريت و الموصل ، و اختطت الكوفة فتحولوا إليها ، و أرسل في الخمس كل شيء يعجب العرب منهم أن يضع إليهم ، و حضر إليهم نهار كسرى و هو الغطف و هو بساط طوله ستون ذراعاً في مثلها مقدار مزرعة جريت في أرضه و هي منسوجة بالذهب طرقاً كالأنهار و تماثيل خلالها بصدف الدار و الياقوت و في حافاتها كالأرض المزدرعة و المقبلة بالنبات ورقها من الحرير على قبضان الذهب و زهرة حبات الذهب و الفضة و ثمره الجوهر ، و كانت الأكاسرة يبسطونه في الإيوان في فصل الشتاء عند فقدان الرياحين يشربون عليه ، فلما قدمت الأخماس على عمر قسمها في الناس ، ثم قال أشيروا في هذا القصب ، فاختلفوا و أشاروا على نفسه ، فقطعه بينهم ، فأصاب على قطعة منه باعها بعشرين ألفاً و لم تكن بأجودها .و ولى عمر بن سعد بن أبي وقاص على الصلاة و الحرب فيما غلب عليه ، و ولى حذيفة بن اليمان على سقي الفرات ، و عثمان بن حنيف على سقي دجلة ، و لما انتهى الفرس بالهرب إلى جلواء ، و افترقت الطرق من هنالك بأهل أذربيجان و الباب و أهل الجبال و فارس ، وقفوا هنالك خشية الافتراق و اجتمعوا على مهران الرزاي و خندقوا على أنفسهم و أحاطوا الخندق بجسرة الحديد ، و تقدم يزدجرد إلى حلوان . و بلغ ذلك سعداً فكاتب عمر بذلك يأمره أن يسرح بجلولاء هاشم ابن أخيه عتبة في اثني عشر ألفاً و على مقدمته القعقاع بن عمرو ، و أن يولي القعقاع بعد الفتح ما بين السواد و الجبل . فسار هاشم من المدائن لذلك في وجوه المسلمين و أعلام العرب حين قدم جلولاء فأحاط بهم و حاصرهم في خنادقهم ، و زاحفوهم ثمانين يوماً ينصرون عليهم في كلها و المدد متصل من ههنا و ههنا ثم قاتلهم آخر الأيام فقتلوا منهم أكثر من ليلة الهرير ، و أرسل الله عليهم ريحاً و ظلمة فسقط فرسانهم في الخندق و جعلوه طرقاً مما يليهم ففسد حصنه ، و شعر المسلمون بذلك فجاء القعقاع إلى الخندق فوقف على بابه ، و شاع في الناس أنه أخذ في الخندق ، فحمل الناس حملة واحدة انهزم المشركون لها و افترقوا ، و مروا بالجسرة التي تحصنوا بها فعقرت دوابهم فترجلوا و لم يفلت منهم إلا القليل ، يقال إنه قتل منهم يومئذ مائة ألف . و اتبعهم القعقاع بالطلب إلى خانقين ، و أجفل
و لحق سلمان بن ربيعة الباهلي و أخذه عبد الرحمن بطائفة من الفرس قد استماتوا فقتلوهم أجمعين ، و استمات بعد الهزيمة بضعة و ثلاثون رئيساً من المسلمين فقتلوهم أجمعين . و كان ممن هرب من أمراء الفرس الهرمزان و أهودوزاد بيهس و قارن ، و ممن استمات فقتل شهريار بن كبارا و أسر المدمرون و الفردان الأهوازي و حشرشوم الهمداني . و كتب سعد إلى عمر بالفتح و بمن أصيب من المسلمين ، و كان عمر يسأل الركبان حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله ، فلما ألفى البشير قال : من أين ؟ فأخبره فقال : حدثني فقال : هزم الله المشركين . ففرح بذلك . و أقام المسلمون بالقادسية ينتظرون كتاب عمر إلى أن وصلهم بالإقامة . و كانت وقعة القادسية سنة أربع عشرة و قيل خمس عشرة و قيل ست عشرة .
فتح المدائن و جلولاء بعدها
و لما انهزم أهل فارس بالقادسية انتهوا إلى بابل و فيهم بقايا الرؤساء النخيزجان و مهران الأهوازي و الهرمزان و أشباههم و استعملوا عليهم الفيرزان . و أقام سعد بعد الفتح شهرين و سار بأمر عمر إلى المدائن و خلف العيال بالعتيق في جند كثيف حامية لهم ، و قدم بين يديه زهرة بن حيوة و شرحبيل بن السمط و عبد الله بن المعتمر ، و لقيهم بعض عساكر الفرس برستن فهزمهم حتى لحقوا ببابل . ثم جاء سعد و سار في التعبية و نزلوا على الفيرزان و من معه ببابل ، فخرجوا و قاتلوا المسلمين ، فانهزموا و افترقو فرقتين و لحق الهرمزان بالأهواز و الفيرزان بنهاوند و بها كنوز كسرى ، و سار النخيرجان و مهران إلى المدائن فتحصنوا و قطعوا الجسر . ثم سار سعد من بابل على التعبية و زهرة في المقدمة ، و قدم بين يديه بكير بن عبد الله الليثي بن شهاب السبيعي حتى عبرا و لحقا بأخريات القوم ، فقتلا في طريقهما اسوارين من أساورتهم ، ثم تقدموا إلى كوثى و عليها شهريار فخرج لقتالهم فقتل و انهزم أصحابه فافترقوا في البلاد . و جاء سعد فنفل قاتله سلبه .
و تقدم زهرة إلى ساباط فصالحه أهلها على الجزية و هزم كتيبة كسرى ، ثم نزلوا جميعاً نهرشير من المدائن ، و لما عاينوا الإيوان كبروا و قالوا : هذا أبيض كسرى هذا ما وعد الله . و كان نزولهم عليها ذا الحجة سنة خمس عشرة فحاصروها ثلاثة أشهر ثم اقتحموها ، و كانت خيولهم تغير على النواحي و عهد إليهم عمر أن من أجاب من الفلاحين و لم يعن عليهم فذلك أمانة ، و من هرب فأدرك فشأنكم به . و دخل الدهاقين من غربي دجلة و أهل السواد كلهم في أمان المسلمين و اغتبطوا بملكهم ، و اشتد الحصار على نهرشير و نصبوا عليها المجانيق و استلحموهم في المواطن ، و خرج بعض المرازبة يطلب البراز ، فقاتله زهرة بن حيوة فقتلاً معا ، و يقال إن زهرة قتله شبيب الخارجي أيام الحجاج . و لما ضاق بهم الحصار ركب إليهم بعض الأيام فلم يروا على الأسوار أحداً إلا رجلاً يشير إليهم فقال : ما بقي بالمدينة أحداً و قد صاروا إلى المدينة القصوى التي فيها الإيوان ، فدخل سعد و المسلمون و أرادوا العبور إليهم فوجدوهم جمعوا المعابر عندهم ، فأقام أياماً من صبر و دله بعض العلوج على مخاضة في دجلة فتردد ، فقال له أقدم فلا تأتي عليك ثلاثة إلا و يزدجرد قد ذهب بكل شيء فيها . فعزم سعد على العبور و خطب الناس و ندبهم إلى العبور و رغبهم ، و ندب من يجيز أن لا يجيء الفراض حتى يجيز إليه الناس ، فانتدب عاصم بن عمر في ستمائة و اقتحموا دجلة فلقيهم أمثالهم من الفرس عند الفراض و شدوا عليهم فانهزموا و قتل أكثرهم و عوروا من الطعن في العيون ، و عاينهم المسلمون على الفراض ، فاقتحموا في أثرهم يصيحون نستعين بالله و نتوكل عليه حسبنا الله و نعم الوكيل و لا حول و قوة إلا بالله العي العظيم . و ساروا في دجلة و قد طبقوا ما بين عدوتيها و خيلهم سابحة بهم و هم يهيمنون تارة و يتحادثون أخرى حتى أجازوا البحر و لم يفقدوا شيئاً ، إلا قدحا لبعضهم غلبت صاحبه عليه جرية الماء و ألقته الريح إلى الشاطئ .
و رأى الفرس عساكر المسلمين قد أجازوا فخرجوا هاربين إلى حلوان ، و كان يزدجرد قدم إليها قبل ذلك عياله ، و رفعوا ما قدروا عليه من عرض المتاع و خفيفه و من بيت المال و النساء و الذراري ، و تركوا بالمدائن من الثياب و الأمتعة و الآنية و الألطاف مالا تحصر قيمته ، و كان في بيت المال ثلاثة آلاف ألف ألف ألف مكررة ثلاث مرات تكون جملتها ثلاثة آلاف قنطار من الدنانير ، و كان رستم عند مسيره إلى القادسية حمل نصفها لنفقات العساكر و أبقى النصف . و اقتحمت العساكر المدينة تجول في سككها لا يلقون بها أحداً ، و أرز سائر الناس إلى القصر الأبيض حتى توثقوا لأنفسهم على الجزية .
و نزل سعد القصر الأبيض و اتخذ الإيوان به مصلى و لم يغير ما فيه من التماثيل ، و لما دخله قرأ " كم تركوا من جنات و عيون " الآية ، و صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن و أتم الصلاة بنية الإقامة . و سرح زهرة بن حيوة في آثار الأعاجم إلى النهروان و قراها من كل جهة ، و جعل على الأخماس عمرو بن عمرو بن مقرن ، و على القسم سلمان بن ربيعة الباهلي و جمع ما كان في القصر و الإيوان و الدور و ما نهبه أهل المدائن عند الهزيمة ، و وجدوا حلية كسرى حلية كسرى ثيابه و خرزاته و تاجه و درعه التي كان يجلس فيها للمباهاة أخذ ذلك من أيدي الهاربين على بغلين ، و أخذ منهم أيضاً وقر بغل من السيوف و آخر من الدروع و المغافر منسوبة كلها : درع هرقل و خاقان ملك الترك و داهر ملك الهند و بهرام جور و سياوخش و النعمان بن المنذر و سيف كسرى و هرمز و قباذ و فيروز هرقل و خاقان و داهر و بهرام و سياوخش و النعمان بن المنذر و سيف كسرى و هرمز و قباذ و فيزور و هرقل و خاقان و داهر و بهرام و سياوخش و النعمان أحضرها القعقاع و خيره في الأسياف ، فاختار سيف هرقل و أعطاه درع بهرام ، و بعث إلى عمر سيف كسرى و النعمان و تاج كسرى و حليته و ثيابه ليراها الناس . و قسم سعد الفيء بين المسلمين بعدما خمسه ، و كانوا ستين ألفاً فصار للفارس اثنا عشر ألفاً وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل ، و نفل من الأخماس في أهل البلاد ، و قسم في المنازل بين الناس ، و استدعى العيالات من العتيق فأنزلهم الدور و لم يزالوا بالمدائن حتى تم فتح جلولاء و حلوان و تكريت و الموصل ، و اختطت الكوفة فتحولوا إليها ، و أرسل في الخمس كل شيء يعجب العرب منهم أن يضع إليهم ، و حضر إليهم نهار كسرى و هو الغطف و هو بساط طوله ستون ذراعاً في مثلها مقدار مزرعة جريت في أرضه و هي منسوجة بالذهب طرقاً كالأنهار و تماثيل خلالها بصدف الدار و الياقوت و في حافاتها كالأرض المزدرعة و المقبلة بالنبات ورقها من الحرير على قبضان الذهب و زهرة حبات الذهب و الفضة و ثمره الجوهر ، و كانت الأكاسرة يبسطونه في الإيوان في فصل الشتاء عند فقدان الرياحين يشربون عليه ، فلما قدمت الأخماس على عمر قسمها في الناس ، ثم قال أشيروا في هذا القصب ، فاختلفوا و أشاروا على نفسه ، فقطعه بينهم ، فأصاب على قطعة منه باعها بعشرين ألفاً و لم تكن بأجودها .و ولى عمر بن سعد بن أبي وقاص على الصلاة و الحرب فيما غلب عليه ، و ولى حذيفة بن اليمان على سقي الفرات ، و عثمان بن حنيف على سقي دجلة ، و لما انتهى الفرس بالهرب إلى جلواء ، و افترقت الطرق من هنالك بأهل أذربيجان و الباب و أهل الجبال و فارس ، وقفوا هنالك خشية الافتراق و اجتمعوا على مهران الرزاي و خندقوا على أنفسهم و أحاطوا الخندق بجسرة الحديد ، و تقدم يزدجرد إلى حلوان . و بلغ ذلك سعداً فكاتب عمر بذلك يأمره أن يسرح بجلولاء هاشم ابن أخيه عتبة في اثني عشر ألفاً و على مقدمته القعقاع بن عمرو ، و أن يولي القعقاع بعد الفتح ما بين السواد و الجبل . فسار هاشم من المدائن لذلك في وجوه المسلمين و أعلام العرب حين قدم جلولاء فأحاط بهم و حاصرهم في خنادقهم ، و زاحفوهم ثمانين يوماً ينصرون عليهم في كلها و المدد متصل من ههنا و ههنا ثم قاتلهم آخر الأيام فقتلوا منهم أكثر من ليلة الهرير ، و أرسل الله عليهم ريحاً و ظلمة فسقط فرسانهم في الخندق و جعلوه طرقاً مما يليهم ففسد حصنه ، و شعر المسلمون بذلك فجاء القعقاع إلى الخندق فوقف على بابه ، و شاع في الناس أنه أخذ في الخندق ، فحمل الناس حملة واحدة انهزم المشركون لها و افترقوا ، و مروا بالجسرة التي تحصنوا بها فعقرت دوابهم فترجلوا و لم يفلت منهم إلا القليل ، يقال إنه قتل منهم يومئذ مائة ألف . و اتبعهم القعقاع بالطلب إلى خانقين ، و أجفل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى