alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

5 مشترك

صفحة 1 من اصل 4 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:38 pm

فقد زدتيني بصيرة و إني يا أمه في يومي هذا مقتول فلا يشتد حزنك و سلمي لأمر الله ، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر و لا عمد بفاحشة و لم يجر و لم يغدر و لم يظلم و لم يقر على الظلم ، و لم يكن آثر عندي من رضا الله تعالى . اللهم لا أقر هذا تزكية لنفسي لكن تعزية لأمي حتى تسلو عني فقالت : إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلاً إن تقدمتني احتسبتك و إن ظفرت سررت بظفرك . ثم قالت : أخرج حتى أنظر ما يصير أمرك جزاك الله خيراً . قال : فلا تدعي الدعاء لي ، فدعت له و ودعها و ودعته و لما عانقته للوداع وقعت يدها على الدرع فقالت : ما هذا صنيع من يريد ما تريد ‍! فقال : ما لبستها إلا لأشد منك فقالت : إنه لا يشد مني فنزعها و قالت له إلبس ثيابك مشمرة ثم خرج فحمل على أهل الشام حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو و أصحابه و أشار عليه بعضهم بالفرار فقال : بئس الشيخ إذن أنا في الإسلام إذا واقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم و امتلأت أبواب المسجد بأهل الشام و الحجاج و طارق بناحية الأبطح إلى المروة و ابن الزبير يحمل على هؤلاء و ينادي أبا صفوان لعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف فيجيبه من جانب المعترك و لما رأى الحجاج إحجام الناس عن ابن الزبير غضب و ترجل و حمل إلى صاحب الراية بين يديه فتقدم ابن الزبير إليهم و كشفهم عنه و لرجع فصلى ركعتين عند المقام و حملوا على صاحب الراية فقتلوه عند باب بني شيبة و أخذوا الراية ثم قاتلهم و ابن مطيع معه حتى قتل و يقال أصابته جراحة فمات منها بعد أيام . و يقال : إنه قال : لأصحابه يوم قتل : يا آل الزبير أوطبتم لي نفساً عن أنفسكم كأهل بيت من العرب اصطلمنا في الله ؟ فلا يرعكم وقع السيوف فإن ألم الدواء في الجرح أشد من ألم وقعها ، صونوا سيوفكم بما تصونون وجوهكم و غضوا أبصاركم عن البارقة و ليشغل كل امرئ قرنه و لا تسألوا عني ، و من كان سائلا فإني في الرعيل الأول ثم حمل حتى بلغ الحجون فأصابته حجارة في وجه فأرغش لها و دمى وجهه . ثم قاتل قتالاً شديداً و قتل في جمادى الآخر سنة ثلاث و سبعين و حمل رأسه إلى الحجاج فسجد ، و كبر أهل الشام و ثار الحجاج و طارق حتى وقفا عليه ، و بعث الحجاج برأسه و رأس عبد الله بن صفوان و رأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى عبد الملك و صلب جثته منكسة على ثنية الحجون اليمنى . و بعثت إليه أسماء في دفنه فأبى ، و كتب إليه عبد الملك يلومه على ذلك فخلى بينها و بينه و لما قتل عبد الله ركب أخوه عروة و سبق الحجاج إلى عبد الملك فرحب به و أجلسه على سريره ، و جرى ذكر عبد الله فقال عروة : إنه كان ! فقال عبد الملك : و ما فعل ؟ قال : قتل فخر ساجداً . ثم أخبره عروة أن الحجاج صلبه فاستوهب جثته لأمه فقال : نعم ، و كتب إلى الحجاج ينكر عليه صلبه فبعث بجثته إلى أمه و صلى عليه عروة و دفنه و ماتت أمه بعده قريباً . و لما فرغ الحجاج من ابن الزبير دخل إلى مكة فبايعه أهلها لعبد الملك و أمر بكنس المسجد من الحجارة و الدم و سار إلى المدينة و كانت من عمله فأقام بها شهرين و أساء إلى أهلها و قال : أنتم قتلة عثمان و ختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافاً بهم كما يفعل بأهل الذمة ، منهم جابر بن عبد الله و أنس بن مالك و سهل بن سعد ثم عاد إلى مكة و نقلت عنه في ذم المدينة أقوال قبيحة أمره فيها إلى الله ، و قيل إن ولاية الحجاج المدينة و ما دخل منها كانت سنة أربع و سبعين و إن عبد الملك عزل عنها طارقاً و استعمله . ثم هدم الحجاج بناء الكعبة الذي بناه ابن الزبير و أخرج الحجرمنه و أعاده إلى البناء الذي أقره عليه النبي صلى الله عليه و سلم . و لم يصدق ابن الزبير في الحديث الذي رواه عن عائشة . فلما صح عنده بعد ذلك قال وددت أني تركته و ما تحمل .

ولاية المهلب حرب الأزارقة
و لما عزل الملك بن خالد بن عبد الله عن البصرة و استعمل مكانه أخاه بشر بن مروان و جمع له المصرين أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة فيمن ينتخبه من أهل البصرة و يترك وراءه في الحرب ، و أن يبعث من أهل الكوفة رجلاً شريفاً معروفاً بالبأس و النجدة في جيش كثيف إلى المهلب ، فيتبعوا الخوارج حتى يهلكوهم فأرسل المهلب جديع بن سعيد بن قبيصة ينتخب الناس من الديوان . و شق على بشر أن امرأة المهلب جاءت من عند عبد الملك ، فغص به و دعا عبد الرحمن بن مخنف فأعلمه منزلته عنده و قال : إني أوليك جيش الكوفة بحرب الأزارقة فكن عند حسن ظني بك أخذ يغريه بالمهلب و أن لا يقبل رأيه و لا مشورته ، فأظهر له الوفاق و سار إلى المهلب فنزلوا رامهرمز و لقي بها الخوارج فحدق عليه على ميل من المهلب حيث يتراءى العسكران . ثم أتاهم نعي بشر بن مروان لعشر ليال من مقدمهم و أنه استخلف على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد فافترق الناس من أهل المصرين إلى بلادهم ، و نزلوا الأهواز و كتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم و يحذرهم عقوبة عبد الملك إن لم يرجعوا إلى المهلب فلم يلتفتوا إليه و مضوا إلى الكوفة و استأذنوا عمر بن حريث في الدخول و لم يأذن لهم فدخلوا و أضربوا عن إذنه .

ولاية أسد بن عبد الله على خراسان
و لما ولي بكير بن وشاح على خراسان اختلف عليه بطون تميم و أقاموا في العصبية له و عليه سنتين ، و خاف أهل خراسان أن تفسد البلاد و يقهرهم العدو فكتبوا إلى عبد الملك بذلك و أنها لا تصلح إلا على رجل من قريش و استشار أصحابه فقال له أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد : نزكيهم برجل منك فقال : لولا انهزامك عن أبي فديك كنت لها فاعتذر و حلف أن الناس خذلوه و لم يجد مقاتلاً فانحزت بالعصبة التي بقيت من المسلمين عن الهلكة ، و قد كتب إليك خالد بن عبد الله بعذري و قد علمه الناس ، فولاه خراسان . و لما سمع بكير بن شاح بمسيره بعث ، إلى بجير بن ورقاء و هو حبسه كما مر فأبى و أشار عليه بعض أصحابه أن يقبل مخافة القتل فقبل و صالح بكير أو بعث إليه بكير بأربعين ألفاً على أن لا يقاتله فلما قارب أمية نيسابور إليه بجير و عرفه عن أمور خراسان و ما يحسن به طاعة أهلها و حذره غدر بكير و جاء معه إلى مرو فلم يعرض أمية لبكير و لا لعماله و عرض عليه شرطته فأبى . و قال : لا أحمل الجزية اليوم و قد كانت تحمل إلي بالأمس و أراد أن يوليه بعض النواحي من خراسان فحذره بجير منه . ثم ولى أمية ابنه عبد الله على سجستان فنزل بستا . و غزا رتبيل الذي ملك على الترك بعد المقتول الأول و كان هائباً للمسلمين فراسلهم في الصلح و بعث ألف ألف و بعث بهدايا و رقيق فأبى عبد الله من قبولها و طلب الزيادة فجلا رتبيل عن البلاد حتى أوغل فيها عبد الله . ثم عليه الشعاب و المضايق حتى سأل منه الصلح و أن يخلي عينه عن المسلمين فشرط رتيبل عليه ثلثمائة ألف درهم و العهد بأن لا يغزو بلادهم فأعطاه ذلك و بلغ الخبر بذلك عبد الملك فعزله .

ولاية الحجاج العراق
ثم ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف على الكوفة و البصرة سنة خمسة و سبعين و أرسل إليه و هو بالمدينة يأمره بالمسير إلى العراق فسار على النجب في إثني عشر راكباً حتى قدم الكوفة في شهر رمضان . و قد كان بشر بعث المهلب إلى الخوارج فدخل المسجد و صعد المنبر و قال : علي بالناس فظنوه من بعض الخوارج فهموا به ، حتى تناول عمير بن ضابي البرجمي الحصباء و أراد أن يحصبه ، فلما تكلم جعل الحصباء يسقط من يديه و هو لا يشعر به . ثم حضر الناس فكشف الحجاج عن وجهه و خطب خطبته المعروفة . ذكرها الناس و أحسن من أوردها المبرد في الكامل يتهدد فيها أهل الكوفة و يتوعدهم عن التخلف عن المهلب . ثم نزل و حضر الناس عنده للعطاء و اللحاق بالمهلب فقام إليه عمير ابن ضابي و قال : أنا شيخ كبير عليل و ابني هذا أشد مني فقال : هذا خير لنا منك قال : و من أنت ؟ قال عمير بن ضابي قال : الذي غزا عثمان في داره ؟ قال : نعم . فقال : يا عدوا الله إلى عثمان بدلاً . قال : إنه حبس أبي و كان شيخاً كبيراً . فقال : إني لا أحب حياتك إن في قتلك صلاح المصرين ، و أمر به فقتل و نهب ماله . و قيل إن عنبسه بن سعيد بن العاص هو الذي أغرى به الحجاج حين دخل عليه . ثم أمر الحجاج مناديه فنادى ألا إن ضابي تخلف بعد النداء فأمرنا بقتله ، و ذمة الله بريئة ممن بات الليلة من جند المهلب فتساءل الناس إلى المهلب و هو بدار هرمز و جاءه العرفاء فأخذوا كتبه بموافاة العسكر ثم بعث الحجاج على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و أمره أن يشتد على خالد بن عبد الله ، و بلغه الخبر فقسم في أهل البصرة ألف ألف و خرج عنها . و يقال إن الحجاج أول من عاقب على التخلف عن البعوث بالقتل قال الشعبي : كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر و عثمان و علي تنزع عمامته و يقام بين الناس ، فلما ولي مصعب أضاف إليه حلق الرؤس و اللحى ، فلما ولي بشر أضاف إليه تعليق الرجل بمسمارين في يده في حائط فيخرق المسماران يده و ربما مات فلما جاء الحجاج ترك ذلك كله و جعل عقوبة من تخلى بمكانه من الثغر أو البعث القتل . ثم ولى الحجاج على السند سعيد بن أسلم بن زرعة فخرج عليه معاوية ابن الحرث الكلابي العلاقي و أخوه ، فغلباه على البلاد و قتلاه فأرسل الحجاج مجاعة ابن سعيد التميمي مكانه فغلب و غزا و فتح فتوحات بمكران لسنة من ولايته .

وقوع أهل البصرة بالحجاج
ثم خرج الحجاج من الكوفة و استخلف عليها عروة بن المغيرة بن شعبة و سار إلى البصرة و قدمها و خطب بالكوفة و توعد على القعود عن المهلب كما توعد فأتاه شريك بن عمرو اليشكري و كان به فتق فاعتذر به و بأن بشر بن مروان قبل عذره بذلك و أحضر عطاءه ليرد لبيت المال فضرب الحجاج عنقه و تتابع الناس مزدحمين إلى المهلب ثم سار حتى كان بينه و بين المهلب ثمانية فرسخاً . و أقام يشد ظهره و قال : يا أهل المصرين هذا و الله مكانكم حتى يهلك الله الخوارج . ثم قطع لهم الزيادة التي زادها مصعب في الأعطية و كانت مائة مائة و قال : لسنا نجيزها فقال عبد الله بن الجارود : إنما هي زيادة عبد الملك و قد أجازها أخوه بشر بأمره ، فانتهره الحجاج فقال : إني لك ناصح و إنه قول ورائي فمكث الحجاج أشهراً لا يذكر الزيادة ثم أعاد القول فيها فرد عليه ابن الجارود مثل الرد الأول . فقال له مضفلة بن كرب العبدي سمعاً و طاعة للأمير فيما أحببنا و كرهنا و ليس لنا أن نرد عليه . فانتهره ابن الجارود و شتمه و أتى الوجوه إلى عبد الله بن حكيم بن زياد المجاشعي و قالوا : إن هذا الرجل مجمع على نقص هذه الزيادة و إنا نبايعك على إخراجه من العراق ، و نكتب إلى عبد الملك أن يولي علينا غيره و إلا خلعناه و هو يخافنا ما دامت الخوارج في العراق ، فبايعوه سراً و تعاهدوا و بلغ الحجاج أمرهم فاحتاط و جد . ثم خرجوا في ربيع سنة ستة و سبعين و ركب عبد الله بن الجارود في عبد قيس على راياتهم و لم يبق مع الحجاج إلا خاصته و أهل بيته و بعث الحجاج يستدعيه فأفحش في القول لرسوله ، و صرح بخلع الحجاج فقال له الرسول : تهلك قومك و عشيرتك ! و أبلغه تهديد الحجاج إياه فضرب و أخرج و قال : لولا أنك رسول لقتلتك . ثم زحف ابن الجارود في الناس حتى غشى فسطاطه فنهبوا ما فيه من المتاع و أخذوا زجاجته و انصرفوا عنها . فكان رأيهم أن يخرجوه و لا يقتلوه . و قال الغضبان بن أبي القبعثري الشيباني لابن الجارود : لا ترجع عنه و حرضه على معالجته فقال إلى الغداة ، و كان مع الحجاج عثمان بن قطن و زياد بن عمر العتكي صاحب الشرطة بالبصرة ، فاستشارهما فأشار زياد بأن يستأمن القوم و يلحق بأمير المؤمنين و أشار عثمان بالثبات و لو كان دونه الموت . و قال : لا تخرج إلى أمير المؤمنين من العراق بعد أن رقاك إلى ما رقاك و فعلت ما فعلت بابن الزبير و الحجاز فقبل رأي عثمان و حقد على زياد في إشارته و جاءه عامر بن مسمع يقول : قد أخذ لك الأمان من الناس فجعل الحجاج يغالطه رافعاً صوته عليه ليسمع الناس و يقول و الله لا آمنهم حتى تؤتوني بالهذيل بن عمران و عبد الله بن حكيم . ثم أرسل إلى عبيد بن كعب الفهري أن إئتني فامنعني ، فقال له : إن أتبتني منعتك فأبى و بعث إلى محمد بن عمير بن عطارد و عبد الله بن حكيم بمثل ذلك ، و أجابوه مثله . ثم إن عباد بن الحصين الجفطي مر بابن الجارود و الهذيل و عبد الله بن حكيم يتناجون فطلب الدخول معهم فأبوا و غضب و سار إلى الحجاج و جاءه قتيبة بن مسلم في بني أعصر للحمية القتيبية . ثم جاءه سبرة بن علي الكلابي و جعفر بن عبد الرحمن بن مخثف الأزدي ، فثابت إليه نفسه و علم أنه قد امتنع و أرسل إليه مسمع بن مالك بن مسمع : إن شئت أتيتك و إن شئت أقمت و ثبطت عنك ، فأجابه أن أقم فلما أصبح إذا حوله ستة آلاف و قال ابن الجارود لعبد الله بن زياد بن ضبيان ما الرأي ؟ قال تركته أمس و لم يبق إلا الصبر ثم تراجعوا و عبى ابن الجارود و أصحابه على ميمنة الهذيل و على ميسرته سعيد بن أسلم ، و حمل ابن الجارود حتى حاصر أصحاب الحجاج و عطف الحجاج عليه فقارب ابن الجارود أن يظفر . ثم أصابه سهم غرب فوقع ميتاً و نادى منادي الحجاج بأمان الناس إلا الهذيل و ابن حكيم و أمر أن لا يتبع المنهزمين ، و لحق ابن ضبيان بعمار فهلك هنالك . و بعث الحجاج برأس ابن الجارود و رأس ثمانية عشر من أصحابه إلى الملك و نصبت ليراها الخوارج فيتأسوا من الاختلاف و حبس الحجاج عبيد بن كعب و محمد بن عمير لامتناعهما من الإتيان إليه و حبس ابن القبعثري لتحريضه عليه ، فأطلقه عبد الملك و كان فيمن قتل مع ابن الجارود عبد الله بن أنس بن مالك فقال الحجاج : لا أرى أنساً يعين علي و دخل البصرة و أخذ ماله . و جاءه أنس فأساء عليه و أفحش في كلمة في شتمه و كتب أنس إلى عبد الملك يشكوه فكتب عبد الملك إلى الحجاج يشتمه و يغلظ عليه في التهديد على ما فعل بأنس . و أن تجيء إلى منزله و تتنصل إليه و إلا نبعث من يضرب ظهرك و يتهتك سترك . قالوا وجعل الحجاج في قراءته يتغير و يرتعد و جبينه يرشح عرقاً . ثم جاء إلى أنس بن مالك و اعتذر إليه . و في عقب هذه الواقعة خرج الزنج بفرات البصرة ، و قد كانوا قبل ذلك أيام مصعب و لم يكونوا بالكثير و أفسدوا الثمار و الزروع . ثم جمع لهم خالد بن عبد الله فافترقوا قبل أن ينال منهم و قتل بعضهم و صلبه . فلما كانت الواقعة قدموا عليهم رجلاً منهم إسمه رياح و يلقب بشير زنجي أي أسد الزنج و أفسدوا فلما فرغ الحجاج من ابن الجارود أمر زياد بن عمر صاحب الشرطة أن يبعث إليهم من يقاتلهم و بعث إبنه حفصاً في جيش فقتلوه و انهزم أصحابه فبعث جيشاً فهزم الزنج و أبادهم .

مقتل ابن مخنف و حرب الخوارج
كان االمهلب و عبد الرحمن بن مخنف واقفين للخوراج برامهرمز فلما أمدهم الحجاج بالعساكر من الكوفة و البصرة تأخر الخوارج من رامهرمز إلى كازرون و أتبعهم العساكر حتى نزلوا بهم . و خندق المهلب على نفسه ، و قال ابن مخنف و أصحابه خدمنا سيوفنا . فبيتهم الخوارج و أصابوا الغرة في ابن مخنف فقاتل هو و أصحابه حتى قتلوا ، هكذا حديث أهل البصرة ، و أما أهل الكوفة فذكروا أنهم لما ناهضوا الخوارج اشتد القتال بينهم و مال الخوارج على المهلب فاضطروه إلى معسكره و أمده عبد الرحمن بالخيل و الرجال ، و لما رأى الخوارج مدده تركوا من يشغل المهلب و قصدوا عبد الرحمن فقاتلوه و انكشفوا عنه ، و صبر في سبعين من قومه فثابوا إلى عتاب بن ورقاء ، و قد أمره الحجاج أن يسمع فثقل ذلك عليه ، فلم يحسن بينهما العشرة و كان يتراءف في الكلام ، و ربما أغلظ له المهلب . فأرسل عتاب إلى الحجاج يسأله القعود ، و كان حرب الخوارج و شبيب قد اتسع عليه ، فصادفا منه ذلك مرقعاً و استقدمه و أمره أن يترك العسكر مع المهلب فولى المهلب عليهم ابنه حبيباً ، و أقام يقاتلهم بنيسابور نحواً من سنة و تحركت الخوارج على الحجاج من لدن سنة ستة و سبعين إلى سنة ثمان و شغل بحربهم و أول من خرج منهم صالح بن سرح من بني تميم بعث إليه العساكر فقتل فولوا عليهم شبيباً و اتبعه كثير من بني شيبان و بعث إليهم الحجاج العساكر مع الحرث بن عميرة ثم مع سفيان الخثعمي ثم انحدر ابن سعيد فهزموها و أقبل شبيب إلى الكوفة فحاربهم الحجاج و امتنع ثم سرح عليه العساكر و بعث في أثرهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزموهم . ثم بعث عتاب بن ورقاء و زهرة بن حوية مدداً لهم فانهزموا و قتل عتاب و زهرة ثم قتل شبيب و اختلف الخوارج بينهم و قتل منهم جماعة كما يذكر ذلك كله في أخبارهم .

ضرب السكة الإسلامية
كان عبد الملك كتب في صدر كتابه إلى الروم : " قل هو الله أحد " و ذكر النبي مع التاريخ ، فنكر ذلك ملك الروم و قال : اتركوه و إلا ذكرناه نبيكم في دنانير بما تكرهونه فعظم ذلك عليه و استشار الناس فأشار عليه خالد بن يزيد بضرب السكة و ترك دنانيرهم ففعل . ثم نقش الحجاج فيها " هو الله أحد " فكره الناس ذلك لأنه قد يمسها غير الطاهر ، ثم بالغ في تخليص الذهب و الفضة من الغش و زاد ابن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك عليه . ثم زاد خالد القسري عليهم في ذلك أيام هشام ثم أفرط يوسف بن عمر من بعدهم في المبالغة و امتحان العيار و ضرب عليه فكانت الهبيرية و الخالدية و اليوسفية أجود نقود بني أمية . ثم أمر المنصور أن لا يقبل في الخراج غيرها و سميت النقود الأولى مكروهة إما لعدم جودتها أو لما نقش عليها الحجاج و كرهه . و كانت دراهم العجم مختلفة بالصغر و الكبر ، فكان منها مثقال وزن عشرين قيراطاً و إثني عشرة قراريط و هي أنصاف المثاقيل فجمعوا قراريط الأنصاف الثلاثة فكانت إثنين و أربعين فجعلوا ثلثها و هو إثنا عشر قيراطاً وزن الدهم العربي فكانت كل عشرة دراهم تزن مثاقيل . و قيل إن مصعب بن الزبير ضرب دراهم قليلة أيام أخيه عبد الله و الأصح أن عبد الملك أول من ضرب السكة في الإسلام .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:39 pm

مقتل بكير بن وشاح بخراسان
قد تقدم لنا عزل بكير عن خراسان و ولاية أمية بن عبيد الله بن خالد بن أسيد سنة اربع و سبعين و أن بكيراً أقام في سلطان أمية بخراسان و كان يكرمه و يدعوه لولاية شاء من أعمال خراسان ، فلا يجيب ، و أنه ولاه طخارستان ، وتجهز لها فيه بجير بن ورقاء فمنعه ، ثم أمره بالتجهز لغزو ما وراء النهر ، فحذره منه بجير فرده فغضب بكير . ثم تجهز أمية لغزو غارا ، و موسى بن عبد الله بن حازم لترمذ و استخلف ابنه على خراسان . فلما أراد قطع النهر قال لبكير : إرجع مرو فأكفنيها فقد وليتكها ، و قم بأمر ابن حازم فإني أخشى أن لا يضبطها . فانتخب من وثق من أصحابه و رجع ، و أشار عليه صاحبه عتاب بأن يحرق السفن و يرجع إلى مرو فيخلع أمية ، و وافقه الأحنف بن عبد الله العنبري على ذلك فقال لهم بكير : أخشى على من معي . قالوا نأتيك من أهل مرو بمن تشاء ، قال : يهلك المسلمون . قال ناد في الناس برفع الخراج فيكونون معك . قال فيهلك أمية و أصحابه . قال لهم عدد و عدد يقاتلون عن أنفسهم حتى يبلغوا الصين فأحرق بكير السفن و رجع إلى مرو فخلع أمية و حبس إبنه و بلغ الخبر أمية فصالح أهل الشام بخارى و رجع و أمر باتخاذ السفن و عبر و جاءه موسى بن عبد الله بن حازم من مدداً له و بعث شماس بن و بعث شماس بن ورقاء في ثمانمائة في مقدمته فبيته بكير و هزمه ، فبعث مكانه ثابت بن عطية فهزمه . ثم التقى أمية و بكير فاقتتلوا أياماً . ثم انهزم بكير إلى مرو و حاصره أمية حتى سأل الصلح على ولاية ما شاء من خراسان ، و أن يقضي عنه أربعمائة ألف دينه ، و يصل أصحابه و لا يقبل فيه سعاية بجير فتم الصلح و دخل أمية مدينة مرو و أعاد بكيراً إلى ما كان عليه من الكرامة و أعطى عتاب العدابي عشرين ألفاً و عزل بجير عن شرطته بعطا بن أبي السائب . و قيل إن بكيراً لم يصحب أمية إلى النهر و إنما استخلفه على مرو فلما عبر أمية النهر خلع و فعل ما فعل . ثم أن بجيراً سعى بأمية بأن بكيراً دعاه إلى الخلاف و شهد عليه جماعة من أصحابه ، و أن معه إبني أخيه فقبض عليه أمية و قتله و قتل معه إبني أخيه و ذلك سنة سبع و سبعين . ثم عبر النهر لغزو بلخ فحصره الترك حتى جهد هو و عسكره و أشرفوا على الهلاك ثم نجوا و رجعوا إلى مرو .

مقتل بجير بن زياد
و لما قتل بكير بسعاية بجير بن ورقاء تعاقد بنو سعد بن عوف من تميم و هم عشيرته على الطلب بدمه و خرج فتى منهم من البادية إسمه شمردل و قدم خراسان و وقف يوماً على بجير فطعنه فصرعه و لم يمت و قتل شمردل و جاء مكانه صعصعة بن حرب العوفي و مضى إلى سجستان و جاور قرابة بجير مدة و انتسب إلى خنفية ثم قال لهم : إن لي بخراسان ميراثاً فاكتبوا إلى بجير يعينني ، فكتبوا له و جاء إليه و أخبره بنسبه و ميراثه ، و أقام عنده شهراً يحضر باب المهلب و قد أنس به و أمن عائلته ، ، و جاء صعصعة يوماً و هو عند المهلب في قميص و رداء و دنا ليكلمه فطعنه و مات من الغد و قال صعصعة فمنعته مقاعس و قالوا أخذ بثأره فحمل المهلب دم صعصعة و جعل دم بجير ببكير و قيل إن المهلب بعثه إلى بجير فقتله و الله أعلم و كان ذلك سنة إحدى و ثمانين .

ولاية الحجاج على خراسان و سجستان
و في سنة ثمان و سبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان و سجستان و ضمهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث المهلب بن أبي صفرة على خراسان و قد كان فرغ من حرب الأزارقة فاستدعاه و أجلسه معه على السرير ، و أحسن إلى أهل البلاد من أصحابه و زادهم و بعث عبيد الله بن أبي بكرة على سجستان فأما المهلب فقدم إبنه حبيباً إلى خراسان فلم يعرض لأمية و لا لعماله حتى قدم أبوه المهلب بعد سنة من ولايته ، و سار في خمسة آلاف و قطع النهر الغربي و ما وراء النهر ، و على مقدمته أبو الأدهم الرماني في ثلاثة آلاف ، فنزل على كش و جاءه ابن عمر الختن يستنجده على ابن عمه ، فبعث معه ابنه يزيد ، فبيت ابن العم عساكر الختن و قتل الملك و جاءه صر يريد قلعتهم حتى صالحوا بما رضي ، و رجع . و بعث ابنه حبيباً في أربعة آلاف صاحب بخارى في أربعين ألفاً . و كبس بعض جنده في قرية فقتلهم و أحرقها و رجع إلى أبيه . و أقام المهلب يحاصر كش سنتين حتى صالحوه على فدية و أما عبد الله بن أبي بكرة فأقام بسجستان و رتبيل على صلحه يؤدي الخراج . ثم امتنع فأمر الحجاج ابن أبي بكرة فغزوه و استباحوا بلاده ، فسار في أهل المصرين و على أهل الكوفة شريح بن هانئ من أصحاب علي ، فدخل بلاد رتبيل و توغل فيها حتى كانوا على ثمانية عشر فرسخاً من مدينتهم و أثخن و استباح و خرب القرى و الحصون . ثم أخذ الترك عليهم القرى و الشعاب حتى ظنوا الهلكة فصالحهم عبيد الله على الخروج من أرضهم ، على أن يعطيهم سبعمائة ألف درهم . و نكر ذلك عليه شريح و أبى إلا القتال و حرض الناس و رجع و قتل حين ، قتل في ناس من أصحابه و نجا الباقون و خرجوا من بلاد رتبيل ، و لقيهم الناس بالأطعمة فكانوا يموتون إذا شبعوا . فجعلوا يطعمونهم السمن قليلاً قليلاً حتى استمروا و كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في غزو بلاد رتبيل فأذن له فجهز عشرين ألف فارس من الكوفة و عشرين ألفاً من البصرة و اختار أهل الغنى و الشجاعة ، و أزاح عللهم و أنفق فيهم ألفي ألف سوى أعطياتهم ، و أخذهم بالخيل الرائعة و السلاح الكامل . و بعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و كان يبغضه و يقول أريد قتله . و يخبر الشعبي بذلك عبد الرحمن فيقول أنا أزيله عن سلطانه ، فلما بعثه على ذلك الجيش تنصح أخوه إسماعيل للحجاج و قال لا تبعثه فإني أخشى خلافه . فقال هو أهيب لي من أن يخالف أمري . و سار عبد الرحمن في الجيش و قدم سجستان و استنفرهم و حذر العقوبة لمن يتعدى و ساروا جميعاً إلى بلاد رتبيل و بذل الخراج فلم يقبل منه و دخل بلاده فحواها شيئاً فشيئاً و بعث عماله عليها و رجع المصالح بالنواحي و الأرصاد على العقاب و الشعاب ، و امتلأت أيدي الناس من الغنائم ، و منع من التوغل في البلاد إلى قابل . و قد قيل في بعث عبد الرحمن بن الأشعث غير هذا أن الحجاج كان قد أنزل هميان بن عدي السدي مسلحة بكرمان إن احتاج إليه عامل السند و سجستان ، فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمه و قام بموضعه . ثم مات عبد الله بن أبي بكرة فولاه الحجاج مكانه و جهز إليه هذا الجيش و كان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم .

أخبار ابن الأشعث و مقتله
و لما وصل كتاب ابن الأشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبخه على القعود عن التوغل و يأمره بالمضي لما أمره به من هدم حصونهم و قتل مقاتليهم و سبي ذراريهم . و أعاد عليه الكتاب بذلك ثانياً و ثالثاً و قال له : إن مضيت و إلا فأخوك إسحق أمير الناس . فجمع عبد الرحمن الناس ورد الرأي عليهم و قال : قد كنا عزمنا جميعاً على ترك التوغل في بلد العدو و رأينا رأياً و كتب بذلك إلى الحجاج و هذا كتابه يستعجزني و يستضعفني و يأمرني بالتوغل بكم و أنا رجل منكم ، فثار الناس و قالوا : لا نسمع و لا نطيع للحجاج . و قال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني : اخلعوا عدو الله الحجاج و بايعوا الأمير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا . و قال عبد المؤمن بن شيث بن ربعي : انصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم و وثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج و نفيه من العراق و على النصرة له و لم يذكر عبد الملك . و صالح عبد الرحمن رتبيل على أنه إن ظهر فلا خراج على رتبيل ما بقي من الدهر ، و إن هزم منعه ممن يريده . و جعل عبد الرحمن على سبت عياض بن هميان الشيباني و على رومج عبد الله بن عامر التميمي ، و على كرمان حرثة بن عمر التميمي . ثم سار إلى العراق في جموعه و أعشى همدان بين يديه يجري بمدحه و ذم الحجاج . و على مقدمته عطية بن عمير العيرني . و لما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك و قالوا إذا خلعنا الحجاج فقد خلعناه فخلعه الناس و بايعوا عبد الرحمن على السنة و على جهاد أهل الضلالة و المخلين و خلعهم . و كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره و يستمده و كتب المهلب إلى الحجاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم ، فنكر كتابه و اتهمه . و جند عبد الملك الجند إلى الحجاج فساروا إليه متتابعين ، و سار الحجاج من البصرة فنزل تستر و بعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد و قتل منهم جمعاً كثيراً و ذلك في أضحى إحدى و ثمانين ، و أجفل الحجاج إلى البصرة ، ثم تأخر عنها إلى الغاوية و راجع كتاب المهلب فعلم نصيحته . و دخل عبد الرحمن البصرة فبايعه أهلها و سائر نواحيها لأن الحجاج كان اشتد على الناس في الخراج ، و أمر من دخل الأمصار أن يرجع إلى القرى ، يستوفي الجزية ، فنكر ذلك الناس و جعل أهل القرى يبكون منه ، فلما قدم عبد الرحمن بايعوه على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . ثم اشتد القتال بينهم في المحرم سنة إثنتين و ثمانين ، و تزاحفوا على حرب الحجاج و خلع عبد الملك . و انهزم أهل العراق و قصدوا الكوفة و انهزم منهم خلق كثير . و فشا القتل في القرى فقتل منهم عقبة بن الغافر الأزدي في جماعة استلحموا معه ، و قتل الحجاج بعد الهزيمة منهم عشرة آلاف و كان هذا اليوم يسمى يوم الراوية . و اجتمع من بقي بالبصرة على عبد الرحمن ابن عباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب و بايعوه ، فقاتل بهم الحجاج خمس ليال ثم لحق بابن الأشعث بالكوفة ربيعة طائفة من أهل البصرة . و لما جاء عبد الرحمن الكوفة و خليفة الحجاج عليها عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله الحضرمي وثب مع مطر بن ناجية من بني تميم مع أهل الكوفة ، فاستولى على القصر و أخرجه . فلما وصل ابن الأشعث لقيه أهل الكوفة و احتف به همدان و جاء إلى القصر فمنعه مطر فصعد الناس القصر و أخذوه فحبسه عبد الرحمن و ملك الكوفة . ثم إن الحجاج استعمل على البصرة الحكم بن أيوب الثقفي و رجع إلى الكوفة فنزل دوير فيرة ، و نزل عبد الرحمن دير الجماجم و اجتمع إلى كل واحد أمداده و خندق على نفسه و بعث عبد الملك إبنه عبد الله و أخاه محمداً في جند كثيف و أمرهما أن يعرضا على أهل العراق عزل الحجاج و يجرى عليهم أعطياتهم كأهل الشام ، و ينزل عبد الرحمن إلى أي بلد شاء عاملاً لعبد الملك . فوجم الحجاج لذلك و كتب إلى عبد الملك : إن هذا ممن يزيدهم جراءة و ذكره بقضية عثمان و سعيد بن العاص . فأبى عبد الملك من رأيه و عرض عبد الله و محمد بن مروان ما جاء به عبد الملك و تشاور أهل العراق بينهم و أشار عليهم عبد الرحمن بقبول ذلك ، و أن العزة لهم على عبد الملك لا تزول ، فتوثبوا من كل جانب منكرين لذلك و مجددين الخلع . و تقدمهم في ذلك عبد الله بن دواب السلمي و عمير بن تيحان ، ثم برزوا للقتال و جعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي ، و على ميسرته عمارة بن تميم اللخمي ، و على الخيل سفيان بن الأبرد الكلبي ، و على الرجالة عبد الله بن حبيب الحكمي . و جعل عبد الرحمن على ميمنته الحجاج بن حارثة الخثعمي ، و على ميسرته الأبرد بن قرة التميمي ، و على خيله عبد الرحمن ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، و على رجالته محمد بن سعد بن أبي وقاص ، و على مجنبته عبد الله بن رزم الحرشي ، و على القرى جبلة بن زخر بن قيس الجعفي و فيهم سعيد بن جبير و عامر الشعبي و أبو البحتري الطائي و عبد الرحمن بن أبي ليلى . ثم أقاموا يتزاحفون كل يوم و يقتتلون بقية سنتهم ، و كتيبة القرى معروفة بالصبر يحملون عليها فلا تنتقص . فعبى الحجاج ثلاث كتائب مع الجراح بن عبد الله الحكمي و حملوا على القرى ثلاث حملات و جبلة يحرض القرى و يبيتهم و الشعبي و سعيد بن جبير كذلك . ثم حملوا على الكتائب ففرقوها و أزالوها عن مكانها و تأخر جبلة عنهم ليكون لهم فئة يرجعون إليه ، و أبصره الوليد بن نجيب الكلبي فقصده في جماعة من أهل الشام و قتله و جيء برأسه إلى الحجاج و قدموا عليهم مكانه و ظهر القتل في القرى . ثم اقتتلوا بعد ذلك ما يزيد على مائة يوم كثر فيها القتلى و المبارزة . ثم اقتتلوا يوماً في منتصف جمادى الآخرة و حمل سفيان بن الأبرد في ميمنة الحجاج على ميسرة عبد الرحمن فانهزم الأبرد بن قرة من غير قتال فتقوضت صفوف الميمنة ، و ركبهم أصحاب الحجاج ، ثم انهزم عبد الرحمن و أصحابه . ومضى الحجاج إلى الكوفة و محمد بن مروان إلى الموصل و عبد الله بن عبد الملك إلى الشام . و أخذ الحجاج الناس على أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر ، و قتل من أبي ودعا بكميل بن زياد صاحب علي فقتله لاقتصاصه . ثم أقام بالكوفة شهراً و أنزل أهل الشام في بيوت أهل الكوفة ، و لحق ابن الأشعث بالبصرة إليه جموع المنهزمين و معه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة و لحق به محمد بن سعد بن أبي وقاص بالمدائن ، و سار نحو الحجاج و معه بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني كان قدم عليه قبل الهزيمة من الري و كان انتقض بها ثم غلب عليها و لحق بعبد الرحمن فكان معه و بايع عبد الرحمن خلق كثير على الموت ، و نزل مسكن و خندق عليه و على أصحابه و الحجاج قبالتهم و قاتلهم خالد بن جرير بن عبد الله و كان قدم من خراسان في بعث الكوفة ، فقاتلهم خمسة عشر يوماً من شعبان أشد قتال ، و قتل زياد بن غنيم القيني . و كان علي صالح الحجاج فهد منهم ثم أبى بكر القتال . و حل بسطام بن مصقلة بن هبيرة في أربعة آلاف من فرسان الكوفة و البصرة ، كسروا جفون سيوفهم و حملوا على أهل الشام فكشفوا الشام فكشفوهم مراراً و أحاط بهم الرماة و لحقوا فقتلوا . و حمل عبد الملك بن المهلب على أصحاب عبد الرحمن فكشفوهم . ثم حمل أصحاب الحجاج من كل جانب فانهزم عبد الرحمن و أصحابه و قتل عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه ، و أبو البحتري الطائي و معلى بن الأشعث نحو سجستان و يقال إن بعض الأعراب جاء إلى الحجاج فدله على طريق من وراء معسكر ابن الأشعث فبعث معه أربعة آلاف جاؤا من ورائه ، و أصبح الحجاج فقاتله و استطرد له حتى نهب معسكره و أقبلت السرية من الليل إلى معسكر ابن الأشعث و كان الغرقى منهم أكثر من القتلى ، و جاء الحجاج إلى المعسكر فقتل من وجد فيه و كان عدة القتلى أربعة آلاف منهم : عبد الله بن شداد بن الهادي و بسطام بن مصقلة و عمر بن ربيعة الرقاشي و بشر بن المنذر الجارود و غيرهم . و لما سار ابن الأشعث إلى سجستان أتبعه الحجاج بالعساكر ، و عليهم عمارة بن تميم اللخمي ، و معهم محمد بن الحجاج فأدركوه بالسوس فقاتلوه و انهزم إلى سابور واجتمع إليه الأكراد و قاتلوا العساكر قتالاً شديداً فهزم ، و خرج عمارة و لحق ابن الأشعث بكرمان فلقيه عامله بها و هيأ له النزول فنزل . ثم رحل إلى زرنج فمنعه عامله من الدخول ، فحاصرها أياماً ثم سار إلى بست و عليها من قبله عياض بن هميان بن هشام السلوبي الشيباني ، ثم استغفله فأوثقه . و كان رتبيل ملك الترك قد سار ليستقبله ، و نزل على بست و تهدد عياضاً فأطلقه ، و حمل رتبيل إلى بلاده و أنزله عنده . و اجتمع المنهزمون فاتفقوا على قصد خراسان لينموا بعشائرهم و قصدوا للصلاة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث ، و كتبوا إلى عبد الرحمن بن الأشعث يستقدمونه فقدم عليهم و ثناهم عن قصد خراسان مخافة من سطوة يزيد بن المهلب و أن يجتمع أهل الشام و أهل خراسان فأبوا و قالوا بل يكثر بها تابعنا . فسار معهم إلى هراة فهرب عنهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فخشي الانتقاض و قال : إنما أتيتكم و أمركم جميعاً و أنا الآن منصرف إلى صاحبي الذي جئت من عنده يعني رتبيل . و رجع عنهم في قليل و بقي معظم العسكر مع عبد الرحمن بن العباس بسجستان ، فجمع بابن الأشعث و سار إلى خراسان في عشرين ألفاً و نزل هراة و لقوا الرقاد فقتلوه . و بعث إليه يزيد بن المهلب بالرحلة من البلاد ، فقال إنما نزلنا لنستريح و نرتحل ، ثم أخذ في الجباية و سار نحوه يزيد بن المهلب و التقوا فافترق أصحاب عبد الرحمن عنه ، و صبرت معه طائفة ثم انهزموا و أمر يزيد بالكف عنهم و غنم ما في عسكرهم و أسر جماعة منهم فيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص و عمر بن موسى بن عبد الله بن معمر و عباس بن الأسود بن عوف و الهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة ، و فيروز و أبوا العلج مولى عبيد الله بن معمر و سوار بن مروان و عبد الله بن طلحة الطلحات ، و عبد الله بن فضالة الزهراني الأزدي . و لحق عبد الرحمن بن العباس بالسند و أتى ابن سمرة إلى مرو و انصرف يزيد إلى مرو . و بعث بالأسرى إلى الحجاج مع سيدة بن نجدة ، و قال له أخوه حبيب : ألا تبعث عبد الرحمن بن طلحة ؟ فإن له عندنا يدين ، و قد ودى عن المهلب لأبوه طلحة مائة ألف ، فتركه و ترك عبد الله بن فضالة لأنه من الازد . و بعث الباقين و قدموا عليه بمكان واسط قبل بنائها فدعا بفيروز و قال : ما أخرجك مع هؤلاء و ليس بينك و بينهم نسب ؟ قال : فتنة عمت الناس ‍ قال : أكتب أمولك فكتب ألفي ألف و أكثر . فقال للحجاج : و أنا آمن على دمي ؟ قال : لا و الله لتؤدينها ثم أقتلك . قال : لا تجمع مالي و دمي و أمر به فنحي . ثم أحضر محمد بن سعد بن أبي وقاص فوبخه طويلاً ثم أمر به فقتل ثم دعا بعمر بن موسى فوبخه و لاطفه في العذر فلم يقبل ثم أمر به فقتل . ثم أحضر الهلقام بن نعيم فوبخه . و قال : ابن الأشعث طلب الممالك فالذي طلبت أنت ؟ قال : أن توليني العراق مكانه فأمر به فقتل . ثم أحضر عبد الله بن عامر فعذله في عبد الله يزيد بن المهلب لأنه أطلق قومه من الأسر و قاد نحوه مطراً ، فأطرق الحجاج ، ثم قال : ما أنت و ذاك ؟ ثم أمر به فقتل فلم يزل في نفسه من يزيد حتى عزله . ثم أمر بفيروز فعذب و لما أحس بالموت قال أظهروني للناس ليردوا علي ودائعي فلما ظهر نادى من كان لي عنده شيء فهو في حل فأمر به فقتل . و أمر بقتل عمر بن فهر الكندي و كان شريفاً ، و أحضر أعشى همدان و استنشده قصيدته بين الأثلج و بين قيس ، و فيها تحريض ابن الأشعث و أصحابه فقال : ليست هذه و إنما التي بين الأثلج و بين قيس بارق على روي الدال . فأنشده فلما بلغ قوله بخ بخ للوالدة و للمولود . قال : و الله لا تبخبخ بعدها أبداً و قتل . و سأل الحجاج عن الشعبي فقال له يزيد بن أبي مسلم إنه لحق بالري فكتب إلى قتيبة بن مسلم و هو عامله على الري بإرسال الشعبي . فقدم على الحجاج سنة ثلاث و ثمانين ، و كان ابن أبي مسلم له صديقاً فأشار عليه بحسن الإعتذار فلما دخل على الحجاج سلم عليه بالأمرة و قال : و أيم الله لا أقول إلا الحق قد و الله حرضنا و جهدنا فما كنا أقوياء فجرة ، و لا أتقياء بررة ، و قد نصرك الله و ظفرت فإن سطوت فبذنوبنا و إن عفوت فبحلمك و الحجة لك علينا . فقال الحجاج : هذا و الله أحب إلي ممن يقول ما شهدت و لا فعلت و سيفه يقطر من دمائنا . ثم أمنه و انصرف . و لما ظفر الحجاج بابن الأشعث و هزمه لحق كثير من المنهزمين بعمر بن الصلت و قد كان غلب على الري تلك الفتنة . فلما اجتمعوا أرادوا أن يحظوا عند الحجاج و يمحوا عن ذنب الجماجم فأشاروا على عمر بخلع الحجاج فامتنع فدسوا عليه أباه فأجاب . و لما سار قتيبة إلى الري خرجوا مع عمر لقتاله ثم غدروا به فانهزم ، و لحق بطبرستان و أقره الأصبهبد و أحسن إليه ، و أرادوا الوثوب على الأصبهبد فشاور أباه و قال : قد علمت الأعاجم أني أشرف منه فمنعه أبوه ودخل قتيبة الري و كتب الحجاج إلى الأصبهبد أن يبعث بهم أو برؤسهم ففعل ذلك : و لما انصرف عبد الرحمن بن الأشعث من هراة إلى رتبيل قال له علقمة ابن عمر الازدي : لا أدخل معك دار الحرب لأن رتبيل إن دخل إليه الحجاج فيك و في أصحابك قتلكم أو أسلمكم إليه ، و نحن خمسمائة قد تبايعنا على أن نتحصن بمدينة حتى نأمن أو نموت كراماً و قدم عليهم مودود البصري ، و زحف إليهم عمارة بن تميم اللخمي و حاصرهم حتى استأمنوا فخرجوا إليه و قلاهم و تتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل و زحف عليه و أغرىفي عبد الرحمن يرهبه و يرغبه ، و كان عبيد بن سميع التميمي من أصحاب الأشعث و كان رسوله إلى رتبيل أولاً فأنس به رتبيل و زحف عليه و أغرى القاسم بن الأشعث أخاه عبد الرحمن فخافه وزير لرتبيل أخذ العهد من الحجاج و إسلام عبد الرحمن إليه على أن يكف عن أرضه سبع سنين فأجابه رتبيل و خرج إلى عمارة سراً . و كتب عمارة إلى الحجاج بذلك فأجاب و كتب له بالكف عنه عشر سنين ، و بعث إليه رتبيل برأس عبد الرحمن و قيل مات بالسل فقطع رأسه و بعث به ، و قيل أرسله مقيداً مع ثلاثين من أهل بيته إلى عمارة فألقى عبد الرحمن نفسه من سطح القصر فمات ، فبعث عمارة برأسه و ذلك سنة أربع أو خمس و ثمانين .
قد كنا قدمنا حصار المهلب مدينة كش من وراء النهر فأقام عليها سنتين ، و كان استخلف على خراسان إبنه المغيرة فمات سنة إثنتين و ثمانين ، فجزع عليه و بعث إبنه يزيد إلى مرو و مكنه في سبعين فارساً ، و لقيهم في مفازة نسف جمع من الترك يقاربون الخمسمائة فقاتلوا قتالاً شديداً يطلبون ما في أيديهم و المغيرة يمتنع حتى أعطى بعض أصحابه لبعضهم شيئاً من المتاع و السلاح ، و لحقوا بهم و لحق يزيد بمرو . ثم سأل أهل كش من المهلب الصلح على مال يعطونه ، فاسترهن منهم رهناً من أبنائهم في ذلك ، و انفتل المهلب و خلف حريث بن قطنة مولى خزاعة ليأخذ الفدية و يرد الرهن ، فلما صار ببلخ كتب إليه : لا تخل الرهن و إن قبضت الفدية حتى تقدم أرض بلخ لئلا يغيروا عليك فأقرأ صاحب كش كتابة و قال : و إن عجلت أعطيتك الرهن ، و أقول له جاء الكتاب بعد إعطائه . فعجل صاحب كش بالفدية و أخذ الرهن و عرض له الترك كما عرضوا ليزيد و قاتلهم فقتلهم و أسر منهم أسرى ، ففدوهم فرداً فرداً و أطلقهم . و لما وصل إلى المهلب ضربه ثلاثين سوطاً عقوبة على مخالفة كتابه في الرهن . فخلف حريث بن قطنة ليقتلن المهلب ، و خاف ثابتاً أن كان ذلك المسير إليه فبعث إليه المهلب أخاه ثابت بن قطنة يلاطفه فأبى و حلف ليقتلن المهلب ، و خاف ثابت إن كان ذلك أن يقتلوا جميعاً فأشار عليه باللحاق بموسى بن عبد الله بن حازم ، فلحق به في ثلثمائة من أصحابهما . ثم هلك المهلب و استخلف ابنه يزيد ، و أوصى إبنه حبيباً بالصلاة و أوصى ولده جميعاً بالاجتماع و الإلفة ، ثم قال : أوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فإنها تنسىء في الأجل و تثري و تكثر العدد و أنهاكم عن القطيعة ، فإنها تعقب النار و الذلة و القلة ، و عليكم بالطاعة و الجماعة و لتكن فعالكم أفضل من مقالكم و اتقوا الجواب وزلة اللسان فإن الرجل تزل قدمه فينعش و يزل لسانه فيهلك و اعرفوا لمن يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل و رواحه إليكم تذكرة له . و آثروا الجود على البخل و أحبوا العرف و اصنعوا المعروف ، فإن الرجل من العرب تعده العدة فيموت فكيف بالصنيعة عنده . و عليكم في الحرب بالتؤدة و المكيدة فإنها أنفع من الشجاعة ، و إذا كان اللقاء نزل القضاء و إن أخذ الرجل بالحزم فظفر قيل أتى الأمر وجهه فظفر ، و إن يظفر قيل ما فرط و لا ضيع و لكن القضاء غالب . و عليكم بقراءة القرآن و تعلم السنن و آداب الصالحين و إياكم و كثرة الكلام في مجالسكم . ثم مات و ذلك سنة إثنتين و ثمانين . و يقال إنه لما حثهم على الإلفة و الإجتماع أحضر سهاماً محزومة فقال : أتكسرون هذه مجتمعة ؟ قالوا : لا . قال : فتكسرونها مفترقة ؟ قالوا : نعم . قال : فهكذا الجماعة . و استولى يزيد على خراسان بعد أبيه و كتب له الحجاج بالعهد عليها ثم وضع العيون على بيزك حتى بلغه خروجه عن قلعته فسار إليها و حاصرها ففتحها و غنم ما كان فيها من الأموال و الذخائر ، و كانت من أحصن القلاع . و كان بيزك إذا أشرف عليها يسجد لها . و لما فتحها كتب إلى الحجاج بالفتح و كان كاتبه يعمر العدواني حليف هذيل فكتب : إنا لقينا العدو فمنحنا الله أكنافهم فقتلنا طائفة و لحقت طائفة برؤس الجبال و مهامه الأودية و أهضام الغيطان و أفناء الأنهار . فقال الحجاج : من يكتب ليزيد ؟ قيل : يحيى بن يعمر . فكتب بحمله على البريد فلما جاءه قال : أين ولدت ؟ قال : بالأهواز قال : فمن أين هذه الفصاحة ؟ قال : حفظت من أولاد أبي و كان فصيحاً قال : يلحن عنبسة بن سعيد ؟ قال : نعم كثيراً . قال ففلان ؟ قال : نعم . قال : فأنا ؟ قال : تلحن خفيفاً تجعل أن موضع إن موضع أن . قال : أجلتك ثلاثاً و إن و جدتك بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان.

بناء الحجاج مدينة واسط
كان الحجاج ينزل أهل الشام على أهل الكوفة فضرب البعث على أهل الكوفة إلى خراسان سنة ثلاث ، و ثمانين ، و عسكروا قريباً من الكوفة حتى يستتموا ، و رجع منهم ذات ليلة فتى حديث عهد بعرس بابنه عمه فطرق و دق الباب فلم يفتح له إلا بعد هنيهة و إذا سكران من أهل الشام فشكت إليه إبنه عمه مراودته إياها . فقال لها : ائذني له فأذنت له . و جاء فقتله الفتى و خرج إلى العسكر و قال : إبعثي إلى الشاميين و ارفعي إليهم صاحبهم فأحضروها عند الحجاج فأخبرته ، فقال : صدقت ‍‍‍‍‍‍‍! و قال للشاميين لا قود له و لا عقل فإنه قتيل الله إلى النار . ثم نادى مناديه لا ينزل أحد على أحد و بعث الرواد فارتادوا له مكان واسط و وجد هناك راهباً ينظف بقعته من النجاسات فقال : ما هذه ؟ قال : نجد كتبنا أنه ينشأ ههنا مسجد للعبادة . فاختط الحجاج مدينة واسط هنالك و بنى المسجد هنالك و بنى المسجد في تلك البقعة .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:42 pm

عزل يزيد عن خراسان
يقال إن الحجاج وفد إلى عبد الملك و مر في طريقه براهب قيل له إن عنده علماً من الحدثان فقال : هل تجدون في كتابكم ما أنتم فيه ؟ قال : نعم فقال : مسمى أو موصوفاً ؟ قال : موصوفاً . قال فما تجدون صفة ملكنا ؟ قال : صفته كذا . قال ثم من ؟ قال : آخر اسمه الوليد . قال : ثم من ؟ قال : آخر اسمه ثقفي . قال فمن تجد بعدي قال رجل يدعى يزيد . قال أتعرف صفته قال لا أعرف صفته إلا أنه يغدر غدرة فوقع في نفسي الحجاج أنه يزيد بن المهلب و وجل منه و قدم على عبد الملك . ثم عاد إلى خراسان و كتب إلى عبد الملك يذم يزيد و آل المهلب و أنهم زبيرية فكتب إليه إن وفاءهم لآل الزبير يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخونه غدرهم و ما يقول الراهب فكتب إليه عبد الملك إنك أكثرت في يزيد فانظر من تولي مكانه فسمى له قتيبة بن مسلم فكتب له أن يوليه . و كره الحجاج أن يكتبه بالعزل فاستقدمه و أمره أن يستخلف أخاه المفضل و استشار يزيد حصن بن المنذر الرقاشي فقال له : أقم و اعتل و كاتب عبد الملك فإنه حسن الرأي فيك نحن أهل بيت بورك لنا في الطاعة و أنا أكره الخلاف . و أخذ يتجهز و أبطأ فكتب الحجاج إلى المفضل بولاية خراسان و استلحاق يزيد . فقال : إنه لا يضرك بعدي و إنما ولاك مخافة أن امثنع و خرج يزيد في ربيع سنة خمس و ثمانين . ثم عزل المفضل لتسعة أشهر من ولايته و ولى قتيبة بن مسلم و قيل سبب عزل اليزيد أن الحجاج أذل العراق كلهم إلا آل المهلب و كان يستقدم يزيد فيعتل عليه بالعدا و الحروب و قيل كتب إليه أن يغزو خوارزم فاعتذر إليه بأنها قليلة السلب شديدة الكلف . ثم استقدمه بعد ذلك فقال إني أغزو خوارزم فكتب الحجاج لا تغزها فغزاها و أصاب سبياً و صالحه أهلها و انفتل في الشتاء . و أصاب البرد فتدثروا بلباس الأسرى فبقوا عراياً و قتلهم المفضل . و لما ولى المفضل خراسان غزا باذغيس ففتحها و أصاب مغنماً و أصاب مغنماً فقسمه ثم غزا شومان فغنم و قسم ما أصابه .

مقتل موسى بن حازم
كان عبد الله بن حازم لما قتل بني تميم بخراسان و افترقوا عليه فخرج إلى نيسابور ، و خاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى : اقطع نهر بلخ حتى نلتجئ إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه . فسار موسى عن مرو في مائتين و عشرين فارساً و اجتمع إليه شبه الأربعمائة و قوم من بين سليم و أتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم و أصاب منهم مالاً ، و قطع النهر . و سأل صاحب بخارى أن يأوي إليه فأبى و خافه ، و بعث إليه بصلة فسار عنه و عرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه ، و أتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام و بلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم و لم يزل مقيماً بسمرقند . و بارز بعض أصحابه يوماً بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها و لم يطق صاحبها مدافعته و استجاش عليه بطرخون . فخرج موسى للقائه و قد اجتمع معه سبعمائة فارس فاقتتلوا إلى الليل و دس موسى بعض أصحابه إلى طرخون يخوفه عاقبة أمره و أن كل من يأتي خراسان يطالبه بدمه فقال : يرتحل عن كش ؟ فقال له : نعم ! و كف حتى ارتحل و أتى ترمذ ، فنزل إلى جانب حصن بها مشرف على النهر ، و أبى ملك ترمذ من تمليكه الحصن فأقام هنالك و لاطف الملك و تودد له و صار يتصيد معه . و صنع له الملك يوماً طعاماً وأحضره في مائة من أصحابه ليأكلوا ، فلما طعموا امتنعوا من الذهاب . و قال موسى هذا الحصن إما بيتي أو قبري و قاتلهم فقتل منهم عدة و استولى على الحصن و أخرج ملك ترمذ و لم يتعرض لله و لا لأصحابه . و لحق به جمع من أصحاب أبيه فقوي بهم ، و كان يغير على ما حوله . و لما ولي أمية خراسان سار لغزوه و خالفه بكير كما تقدم . ثم بعث إليه بعد صلحه مع بكير الجيوش مع رجل من خزاعة و حاصروه . و عاود ملك ترمذ إستنصاره بالترك في جمع كثير و نزلوا عليه من جانب آخر . و كان يقاتل العرب أول النهار و الترك آخره ثلاثة أشهر . ثم بيت الترك ليلة فهزمهم و حوى عسكرهم بما فيه من المال و السلاح و لم يهلك من أصحابه إلا ستة عشر رجلاً . و أصبح الخزاعي و العرب و قد خافوا مثلها . و إذا عمر بن خالد بن حصين الكلابي على موسى بن حازم و كان صاحبه فقال : إنا لانظفر إلا بمكيدة فاضربني و خلني ، فضربه خمسين سوطاً فلحق بالخزاعي و قال : إن ابن حازم اتهمني بعصبيتكم و أني عين لكم فأمنه الخزاعي و أقام عنده . و دخل عليه يوماً و هو خال فقال له : لا ينبغي أن تكون بغير سلاح . فرفع طرف فراشه و أراه سيفاً منتضى تحته فضربه عمر حتى قتله و لحق بموسى . و تفرق الجيش و استأمن بعضهم موسى . و لما ولي المهلب على خراسان قال لبنيه : إياكم و موسى فإنه إن مات جاء على خراسان أمير من قيس . ثم لحق به حريث و ثابت ابنا قطنة الخزاعي فكانا معه . و لما ولي يزيد أخذ أموالهما و حرمهما ، و قتل أخاهما للأم الحرث بن معقد ، فسار ثابت إلى طرخون صريخاً ، و كان محبباً إلى الترك فغضب له طرخون . وجمع له نيزك و ملك الصغد و أهل بخارى و الصاغان ، فقدموا ثابت إلى موسى و قد اجتمع عليه فل عبد الرحمن بن عباس من هراة و فل ابن الأشعث من العراق و من كابل . فكان معه نحو ثمانية آلاف فقال له ثابت و حريث : سر بنا فب هذا العسكر مع الترك ، فنخرج يزيد من خراسان و نوليك ، فحذر موسى أن يغلباه على خراسان ، و نصحه بعض أصحابه في ذلك فقال لهما : إن أخرجنا يزيد قدم عامل المدينة عبد الملك ، و لكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر و يكون لنا ، فأخرجوهم و انصرف طرخون و الترك . و قوي أمر العرب بترمذ و جبوا الأموال و استبد ثابت و حريث على موسى و أغراه أصحابه بهما فهم بقتلهما ، و إذا بجموع العجم قد خرجت إليهم من الهياطلة و التبت و الترك فخرج موسى فيمن معه للقتال . و وقف ملك الترك على ما قيل في عشرة آلاف ، فحمل عليهم حريث بن قطنة حتى أزالهم عن موضعهم ، و أصيب بسهم في وجهه و تحاجزوا ثم بيتهم موسى فانهزموا و قتل من الترك خلق كثير و مات منهم قليل . و مات حريث بعد يومين و رجع موسى بالظفر و الغنيمة . و قال له أصحابه : قد كفينا أمر حريث فاكفنا أمر ثابت فأبى . و بلغ ثابتاً بعض ما كانوا يخوضون فيه و دس محمد بن عبد الله الخزاعي عليهم على أنه من سبي الباسيان و لا يحسن العربية ، فاتصل بموسى و كان ينقل إلى ثابت خبر أصحابه فقام لهم ليلة : قد أكثرتم علي فعلى أي وجه تقتلونه و لا أغدر به ؟ فقال له أخوه نوح : إذا أتاك غداً عد لنا به إلى بعض الدور فقتلناه قبل أن يصل إليك . فقال و الله : إنه لهلاككم و جاء الغلام إلى ثابت بالخبر فخرج من ليلته في عشرين فارساً و أصبحوا ففقدوه و فقدوا الغلام فعلموا أنه كان عيناً . و نزل ثابت بحشور و اجتمع إليه خلق كثير من العرب و العجم . و سار إليه موسى و قاتله ، فحصر ثابتاً بالمدينة . و أتاه طرخون مدداً فرجع موسى إلى ترمذ . ثم اجتمع ثابت و طرخون و أهل بخارى و نسف و أهل كش في ثمانين ألفاً . فحاصروا موسى بترمذ حتى جهد أصحابه . و قال يزيد بن هذيل و الله لأقتلن ثابتاً أو أموت . فاستأمن إليه و حذره بعض أصحابه منه فأخذ إبنيه قدامة و الضحاك رهناً و أقام يزيد يتلمس غرة ثابت . و مات ابن الزياد و القصير و الخزاعي فخرج إليه ثابت يعزيه بغير سلاح فضربه يزيد على رأسه و هرب و أخذ طرخون قدامة و الضحاك إبني يزيد فقتلهما . و هلك ثابت لسبعة أيام و قام مكانه من أصحابه ظهير و ضعف أمرهم و بيتهم موسى ليلاً في ثلثمائة فبعث إليه طرخون كف أصحابك فإنا نرحل الغداة . فرجع و ارتحل طرخون و العجم جميعاً . و لما ولي المفضل خراسان بعث عثمان بن مسعود في جيش إلى موسى بن حازم و كتب إلى مدرك بن المهلب في بلخ بالمسير معه ، فعبرالنهر في خمسة عشر ألفاً ، و كتب إلى رتبيل و إلى طرخون أن يكونوا مع عثمان . فحاصروا موسى بن حازم فضيقوا عليه شهرين ، و قد خندق عثمان على معسكره حذر البيات فقال موسى لأصحابه : اخرجوا بنا مستميتين واقصدوا الترك فخرجوا و خلف النضر ابن أخيه سليمان في المدينة و قال له : إن أنا قتلت فملك المدينة لمدرك بن المهلب دون عثمان و جعل ثلث أصحابه بإزاء عثمان و قال لا تقاتلوه إلا إن قاتلكم و قصد طرخون و أصحابه و صدقوهم القتال ، فانهزم طرخون و أخذوا و حجزت الترك و الصغد بينهم و بين الحصن فقاتلهم فعقروا فرسه و أردفه مولى له فبصر به عثمان حين وثب فعرفه فقصده و عقروا به الفرس و قتلوه ، و قتل خلق كثير من العرب و تولى قتل موسى واصل العنبري و نادى منادي عثمان بكف القتل و بالأسر و بعث النضر بن سليمان إلى مدرك بن المهلب فسلم إليه مدينة ترمذ و سلمها مدرك إلى عثمان و كتب المفضل إلى الحجاج بقتل موسى فلم يسره لأنه من قيس و كان قتل موسى سنة خمس و ثمانين لخمس عشرة سنة من تغلبه على ترمذ .

البيعة للوليد بالعهد
و كان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد و البيعة لابنه الوليد ، و كان قبيصة ينهاه عن ذلك و يقول : لعل الموت يأتيه و تدفع العار عن نفسك و جاءه روح بن زنباع ليلة و كان عنده عظيماً ففاوضه في ذلك فقال : لو فعلته ما انتضج فيه عنزان . فقال : نصلح إن شاء الله . و أقام روح عنده و دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنح الليل و هما نائمان و كان لا يحجب عنه و إليه الخاتم و السكة فأخبره بموت عبد العزيز أخيه . فقال روح : كفانا الله ما نريد ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك و ولاه عليها . و يقال : إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز إني رأيت أن يصير الأمر إلى ابن أخيك ، فكتب له أن تجعل الأمر له من بيعة فكتب له إني أرى في أبي بكر ما ترى في الوليد . فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز إني و إياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا و لا ندري أينا يأتيه الموت فلا تفسد على بقية عمري فرق له عبد الملك و تركه . و لما بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد و سليمان ، و كتب بالبيعة لهما إلى البلدان . و كان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا و أبى سعيد بن المسيب فضربه ضرباً مبرحاً و طاف به و حبسه . و كتب عبد الملك إلى هشام يلومه و يقول : إن سعيداً ليس عنده شقاق و لا نفاق و لا خلاف و قد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير فضربه جابر بن الأسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطاً ، و كتب إليه ابن الزبير يلومه . و قيل إن بيعة الوليد و سليمان كانت سنة أربع و ثمانين و الأول أصح . و قيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال : أبسط بشرك و ألن كنفك و آثر الرفق في الأمور فهو أبلغ لك ، وانظر حاجبك و ليكن من خير أهلك فإنه وجهك و لسانك . و لا يقفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الذي تأذن له أو ترده ، فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك و تثبت في قلوبهم محبتك ، و إذا انتهى إليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة و اعلم أن لك نصف الرأي و لأخيك نصفه و لم يهلك امرؤ عن مشورة و إذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إصابتها .

وفاة عبد الملك و بيعة الوليد
ثم توفي عبد الملك منتصف شوال سنة ست و ثمانين و أوصى إلى بنيه فقال : أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية و أحصن كهف ، ليعطف الكبير منكم على الصغير ، و انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ، ولحيكم الذي عنه ترمون و أكرموا الحجاج فإنه الذي وطأ لكم المنابر ، و دوخ لكم البلاد ، و أذل لكم مغنى الأعداء . و كونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب . و كونا في الحرب أحراراً فإن القتال لا يقرب منية و كونوا للمعروف مناراً فإن المعروف يبقى أجره و ذخره و ذكره ، و ضعوامعروفكم عند ذوي الأحساب فإنه لصون له ، و اشكر لما يؤتي إليهم منه ، و تعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا ، و إن عادوا فانتقموا . و لما دفن عبد الملك قال الوليد : إنا لله و إنا إليه راجعون و الله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين و الحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة ، فكان أول من عزى نفسه و هنأه . ثم قام عبد الله بن همام السامولي و هو يقول :
الله أعطاك التي لا فوقها و قد أراد الملحدون عوقها
عنك و يأبى الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها
و بايعه ثم بايع الناس بعده و قيل إن الوليد صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله و قد كان من قضاء الله و سابق علمه ، و ما كتب على أنبيائه و حملة على أنبيائه و حملة عرشه الموت و قد صار إلى منازل الأبرار و ولي هذه الأمة بالذي يحق لله عليه في الشدة على المذنب و اللين لأهل الحق و الفضل ، و إقامة ما أقام الله من منازل الإسلام و إعلائه من حج البيت و غزو الثغور و شن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزاً و لا مفرطاً . أيها الناس عليكم بالطاعة و لزوم الجماعة فإن الشيطان مع المنفرد . أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فهي عيناه ، و من سكت مات بدائه ثم نزل .

ولاية قتيبة بن مسلم خراسان و أخباره
قدم قتيبة خراسان أميراً عن الحجاج سنة ستة و ثمانين فعرض الجند و حث على الجهاد و سار غازياً وجعل على الحرب بمرو أياس بن عبد الله بن عمرو ، و على الخراج عثمان بن السعدي و تلقاه دهاقين البلخ و الطالقان و ساروا معه . و لما عبر النهر تلقاه ملك الصغانيان بهداياه . و كان ملك أخرون و شومان يسيء جواره فدعا إلى بلاده و سلمها إليه . و سار قتيبة إلى أخرون و شومان و هو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه . و قبضها ثم انصرف إلى مرو و استخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ، ففتح بعد رجوع قتيبة كاشان و أورشت من فرغانة ، ثم أخسيكت مدينة فرغانة القديمة ، و كان معه ابن يسار و أبلى في هذه الغزاة . و قيل إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس و ثمانين و كان من ذلك السبي امرأة برمك . و كان برمك على النوبهار ، فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة فوقع عليها و علقت منه بخالد ، ثم صالح أهل بلخ و أمر قتيبة برد السبي ، فألحق عبد الله به حملها . ثم ردت إلى برمك . و ذكر أن ولد عبد الله بن مسلم إدعوه و رفعوا أمرهم إلى المهدي و هو بالري ، فقال بعض قرابتهم إنكم إن استلحقتموه لا بد لكم أن تزوجوه ، فتركوه و لما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين هددهم فبعث بهم إليهم . ثم كتب إليه يستقدمه على الأمان فخشي و تثاقل ، ثم قدم و صالح لأهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع و ثمانين . فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد و بمن حولهم من الترك . و ساروا إليه في جموع عظيمة ، و أخذوا عليه الطرق . فانقطعت الأخبار و الرسل ما بينه و بين المسلمين شهرين ، ثم هزمهم بعض الأيام و اثخن فيهم بالقتل و الأسر وجاء إلى السور ليهدمه ، فسألوا الصلح فصالحهم و استعمل عليهم و سار عنهم غير بعيد . فقتلوا العامل و من معه فرجع إليهم و هدم سورهم و قتل المقاتلة و سبى الذرية و غنم من السلاح و آنية الذهب و الفضة ما لم يصيبوا مثله . ثم غزا سنة ثمان و ثمانين بلد نومكثت فصالحوه و سار إلى رامسة فصالحوه أيضاً ، فانصرف و زحف أيضاً إليه الترك و الصغد و أهل فرغانة في مائتي ألف و ملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين ، و اعترضوا مقدمته و عليها أخوه عبد الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة و كان ينزل معه ، فأبلى مع المسلمين ثم انهزم الترك و جموعهم ، و رجع قتيبة إلى مرو . ثم أمره الحجاج سنة تسع و ثمانين و بخارى ، و ملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم و لقيه الصغد و أهل كش و نسف بالمفازة و قاتلوه فهزمهم و مضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان و لم يظفر منه بشيء و رجع إلى مرو .

عمارة المسجد
كان الوليد عزل هشام بن إسماعيل المخزومي عن المدينة سنة سبع و ثمانين لأربع سنين من ولايته ، و ولى عليها عمربن عبد العزيز فقدمها و نزل دار مروان و دعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون ، فجعلهم أهل مشورته لايقطع أمراً دونهم و أمرهم أن يبلغوه الحاجات و الظلامات فشكروه و جزوه خيراً . و دعا له الناس ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد و يشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها ، و قدم القبلة و من أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل و ادفع إليه الثمن و اهدم عليه الملك ، و لك في عمر و عثمان أسوة . فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها و بعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب و مائة من الفعلة و أربعين حملاً من الفسيفساء و بعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز و استكثر معهم من فعله الشام و شرع عمر في عمارته و ولى الوليد في سنة تسع و ثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسري .

فتح السند
كان الحجاج قد ولى علىثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل ، و جهز معه ستة آلاف مقاتل و نزل مكران ، فأقام بها أياماً ثم أتى فيريوز ففتحها ثم أرمايل ثم سار إلى الدبيل و كان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم و عليه راية فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة و البد صنم مركوز في بناء و الدقل منارة عليه و كل ما يعبد فهو عندهم بد . فحاصر الدبيل و رماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الأسوار ففتحت عنوة و أنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين و بني جامعها و سار عنها إلى النيروز . و قد كانوا بعثوا إلى الحجاج و صالحوه فلقوا محمداً بالميرة و أدخلوه مدينتهم و سار عنها و جعل لا يمر بمدينة من مدائن السند إلا فتحها حتى بلغ نهر مهران ، و استعد ملك السند لمحاربته و إسمه داهر بن صصة ثم عقد الجسر على النهر و عبر فقاتله داهر و هو على الفيل و حوله الفيلة . ثم اشتد القتال و ترجل داهر فقاتل حتى قتل و انهزم الكفار و استلحمهم المسلمون و لحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها و خافته ، فأحرقت نفسها و جواريها . و ملك المدينة و لحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة و هي يومئذ غيضة ، ففتحها عنوة و استلحم من وجد بها و خربها . ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة و قطع نهر ساسل إلى الملقاد فحاصرها و قطع الماء فنزلوا على حكمه ، فقتل المقاتلة و سبى الذرية ، و قتل سدنة البلد و هو ستة آلاف و أصابوا في البلد ذهباً كثيراً في بيت طوله عشرة أذرع و عرضه ثمانية كانت الأموال تهدى إليه من البلدان و يحجون إليه و يحلقون شعرهم عنده و يزعمون أنه هو أيوب فاستكمل فتح السند و بعث من الخمس بمائة و عشرين ألف ألف و كانت النفقة نصفها .

فتح الطالقان و سمرقند و غزوكش و نسف و الشاش و فرغانة و صلح خوارزم
قد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع و ثمانين ، و انصرف عنها و لم يظفر . و بعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها و يأمره بالعود فسار إليها و معه نيزك طرخان صاحب باذغيس ، و حاصرها و استجاش ملكها وردان أخذاه بمن حوله من الصغد و الترك . فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين و كانت الأزد في المقدمة فانهزموا حتى جاوزوا عسكر المسلمين ثم رجعوا و زحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم . ثم زحف بنو تميم و قاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم و أزالوهم عنها و كان بين المسلمين و بينهم نهر لم يتجاسر أحد على عبوره إلا بنو تميم ، فلما زالوا عن مواقفهم عبر الناس و اتبعوهم و أثخنوا فيهم بالقتل ، و خرج خاقان و ابنه و فتح الله على المسلمين و كتب بذلك إلى الحجاج و لما استوت الهزيمة جاء طرخون ملك الصغد و معه فارسان و دنا من عسكر قتيبة يطلب الصلح على فدية يؤديها فأجابها قتيبة و عقد له و رجع قتيبة و معه نيزك و قد خافه لما رأى من الفتوح ، فاستأذنه في الرجوع و هو بآمد ، فرجع يريد طخارستان و أسرع السير وبعث قتيبة إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسه و تبعه المغيرة فلم يدركه و أظهر نيزك الخلع و دعا لذلك الأصبهند ملك بلخ . و باذان ملك مرو الروذ و ملك الطالقان وملك القاربات و ملك الجوزجان فأجابوه ، و تواعدوا لغزو قتيبة . و كتب إلى كاتب شاه يستظهر به وبعث إليه بأثقاله و أمواله و استأذنه في الاتيان إن اضطر إلى ذلك . و كان جيفونة ملك طخارستان نيزك ينزل عنده ، فاستضعفه و قبض عليه و قيده خشية من خلافه و أخرج عامل قتيبة من بلده . و بلغ قتيبة و خبرهم قبل الشتاء و قد تفرق الجند فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في إثني عشر ألف إلى البروقان ، و قال : أقم بها و لا تحدث شيئاً ، فإذا انقضى الشتاء تقدم إلى طخارستان و أنا قريب منك . و لما انصرم الشتاء استقدم قتيبة الجنود من نيسابور و غيرها فقدموا ، فسار نحو الطالقان و كان ملكها قد دخل معهم في الخلع ففتحها و قتل من أهلها مقتلة عظيمة و صلب منهم سماطين أربعة فراسخ في مثلها ، و استخلف عليها أخاه محمد بن مسلم ، و سار إلى القاربات فخرج إليه ملكها مطيعاً و استعمل عليها و سار إلى الجوزجان فلقيه أهلها بالطاعة ، و هرب ملكها إلى الجبال و استعمل عليها عامر بن ملك الحماس . ثم أتى بلخ و تلقاه أهلها بالطاعة و سار يتبع أخاه عبد الرحمن إلى شعب حمله ، و مضى نيزك إلى بغلان و خلف المقاتلة على فم الشعب و لا يهتدي إلى مدخل ، و مضايقوه يمنعونه . و وضع أثقاله في قلعة من وراء الشعب ، و أقام قتيبة أياماً يقاتلهم على فم الشعب و لا يهتدى إلى مدخل ، حتى دله عليه بعض العجم هنالك على طريق سرب منه الرجال إلى القلعة فقتلوهم ، و هرب من بقي منهم و مضى إلى سمنجان ثم إلى نيزك ، و قدم أخاه عبد الرحمن و ارتحل نيزك إلى وادي فرغانة ، و بعث أثقاله و أمواله إلى كابل شاه ، ، مضى إلى السكون فتحصن به و لم يكن له إلا مسلك واحد صعب على الدواب فحاصره قتيبة شهرين حتى جهدوا و أصابهم جهد الجدري و قرب فصل الشتاء فدعا قتيبة بعض خواصه ممن كان يصادق نيزك فقال : إنطلق إليه و أثن عليه بغير أمان و إن أعياك فأمنه و إن جئت دونه صلبتك . فمضى الرجل و أشار عليه بلقائه و أنه عازم على أن يشق هنالك ، فقال : أخشاه فقال له : لا يخلصك إلا إتيانك ، تنصح له بذلك و بأنه يخشى عليه من غدر أصحابه الذين معه . و لم يزل يفتل له في الذروة و الغارب ، و هو يمتنع حتى قال له : إنه قد أمنك . فأشار عيه أصحابه بالقبول لعلمهم بصدقه و خرج معه نيزك و معهم جيفونة ملك طخارستان الذي كان قيده حتىانتهوا إلى الشعب و هناك خيل أكمنه الرجل ما كان فيه و كتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك فوافاه كتابه لأربعين يوماً بقتله فقتله و قتل معه صول طرخان خليفة جيفونة و ابن أخي نيزك و من أصحابه سبعمائة و صلبهم و بعث برأسه إلى الحجاج و أطلق جيفونة و بعث به إلى الوليد ثم رجع إلى مرو . و أرسل إليه ملك الجوزجان يستأمنه فأمنه على أن يأتيه فطلب الرهن فأعطاه . و قدم ثم رجع فمات بالطالقان و ذلك سنة إحدى و تسعين . ثم سار إلى شومان فحاصرها ، و قد كان ملكها طرد عامل قتيبة من عنده ، فبعث إليه بعد مرجعه من هذه الغزاة أن يؤدي ما كان صالح عليه ، فقتل الرسول ، فسار إليه قتيبة و بعث له صالح أخو قتيبة و كان صديقه ينصحه في مراجعة الطاعة فأبى ، فحاصره قتيبة و نصب عليه المجانيق فهدم الحصن و جمع الملك ما في الحصن من مال و جوهر و رمى به في بئر لا يدرك قعره ، ثم استمات و خرج فقاتل حتى قتل و أخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل المقاتلة و سبى الذرية ثم بعث أخاه عبد الرحمن إلى الصغد و ملكهم طرخون فأعطى ما كان صالح عليه قتيبة . و سار قتيبة إلى كش و نسف فصالحوه . و رجع و لقي أخاه ببخارى و ساروا إلى مرو . و لما رجع عن الصغد ، حبس الصغد ملكهم طرخون لإعطائه الجزية و ولوا عليهم غورك فقتل طرخون نفسه ثم غزا في سنة إثنتين وتسعين إلى سجستان يريد رتبيل فصالحه و انصرف . و كان ملك خوارزم قد غلبه أخوه خرزاد على أمره و كان أصغر منه و عاث في الرعية و أخذ أموالهم و أهليهم فكتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه على أن يمكنه من أخيه و من عصاه من دونهم ، فأجابه قتيبة و لم يطلع الملك أحداً من مرازبته على ذلك و تجهز قتيبة سنة ثلاث و تسعين و أظهر غزو الصغد ، فأقبل أهل خوارزم على شأنهم و لم يحتفلوا بغزوه ، و إذا به قد نزل هزراسب قريباً منهم ، و جاء أصحاب خوارزم شاه إليه فدعوه للقتال فقال : ليس لنا به طاقة و لكن نصالحه على شيء نعطيه كما فعل غيرنا ، فوافقوه . و سار إلى مدينة الفيد من واء النهر ، و هذا حصن بلاده و صالحه بعشرة آلاف رأس و عين و متاع و أن يعينه على خادم جرد و قيل على مائة ألف فارس . و بعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد و هو عدو لخوارزم شاه فقاتله و قتله عبد الرحمن و غلب على أرضه ، و أسر منهم أربعة آلاف فقتلهم و سلم قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه و من كان يخالفه من أمرائه فقتلهم ، و دفع أموالهم إلى قتيبة . و لما قبض قتيبة أموالهم أشار عليه المحشر بن مخازم السلمي بغزو الصغد و هم آمنون على مسافة عشرة أيام . فقال أكتم ذلك فقدم أخاه في الفرسان و الرماة ، و بعثوا بالأثقال إلى مرو ، و خطب قتيبة الناس و حثهم على الصغد و ذكرهم الضغائن فيهم . ثم سار فأتى الصغد بعد ثلاث من وصول أخيه ، فحاصرهم بسمرقند شهراً و استجاشوا ملك الشاش و أخشاد خاقان و فرغانة فانتخبوا أهل النجدة من أبناء الملوك و المرازبة و الأساورة و ولوا عليهم ابن خاقان و جاؤوا إلى المسلمين ، فانتخب قتيبة من عسكره ستمائة فارس ، و بعث بهم أخاه صالحاً لإعتراضهم . في طريقهم ، فلقوهم بالليل و قاتلوهم أشد قتال ، فهزموهم و قتلوهم و قتلوا ابن خاقان و لم يفلت منهم إلا القليل و غنموا ما معهم ، و نصب قتيبة المجانيق فرماهم بها و ثلم السور و اشتد في قتالهم ، و حمل الناس عليهم إلى أن بلغوا الثلمة . ثم صالحوه على ألفي ألف و مائتي ألف مثقال ، في كل عام ، و أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس ، و أن يمكنوه من بناء مسجد بالمدينة و يخلوها حتى يدخل فيصلي فيه . فلما فعل ذلك و دخل المدينة أكرههم على إقامة جند فيها و قيل إنه شرط عليهم الأصنام و ما في بيوت النار فأعطوه فأخذ الحلية و أحرق الأصنام و جمع من بقايا مساميرها و كانت ذهباً خمسين ألف مثقال . و بعث بجارية من سبيها من ولد يزدجرد إلى الحجاج ، فأرسلها الحجاج إلى الوليد و ولدت له يزيد . ثم قال فورك لقتيبة إنتقل عناً فانتقل و بعث إلى الحجاج بالفتح . ثم رجع إلى مرو و استعمل على سمرقند إياس بن عبد الله على حربها ، و عبيد الله بن أبي الله مولى مسلم على خراجها ، فاستضعف أهل خوارزم إياساً و جمعوا له فبعث قتيبة عبد الله عاملاً على سمرقند و أمره أن يضرب إياساً و حبايا السطي مائة مائة و يخلعهما . فلما قرب عبد الله من خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغهم ذلك و خشي ملكهم من أبناء الذين كان قتلهم ففر إلى بلاد الترك . و جاء المغيرة فقتل و سبى و صالحه الباقون على الجزية ، و رجع إلى قتيبة فولاه على نيسابور ثم غزا قتيبة سنة أربع و تسعين إلى ما وراء النهر و فرض البعث على أهل بخارى و كش ونسف و خوارزم ، فسار منهم عشرون ألف مقاتل فبعثهم إلى الشاش و سار هو إلى خجندة فجمعوا له و اقتتلوا مراراً كان الظفر فيها للمسلمين . و فتح الجند الذين ساروا إلى الشاش مدينة الشاش و أحرقوها و رجعوا إلى قتيبة و هو على كشان مدينة فرغانة و انصرف إلى مرو ثم بعث الحجاج إليه جيشاً من العراق و أمره بغزو الشاش فسار لذلك و بلغه موت الحجاج فرجعوا إلى مرو .

خبر يزيد بن المهلب و إخوته
كان الحجاج قد حبس يزيد و إخوته سنة ست و ثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين . و بلغه أن الأكراد غلبوا على فارس فعسكر قريباً من البصرة للبعث و أخرج معه بني المهلب و جعلهم في فسطاط قريباً منه و رتب عليهم الحرس من أهل الشام . ثم طلب منهم ستة آلاف ألف ، و أمر بعذابهم و بكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها . ثم كف عنهم و جعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان و كان على البصرة أن يعد لهم خيلاً و كان حبيب منهم يعذب بالبصرة فصنع يزيد للحرس طعاماً كثيراً و أمر لهم بشراب فأقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد و المفضل و عبد الملك و خرجوا و لم يفطنوا لهم . و رفع الحرس خبرهم إلى الحجاج فخشيهم على خراسان و بعث البريد إلى قتيبة يخبرهم ليحذرهم ، و كان يزيد قد ركب السفن إلى البطائح و استقبلته الخيل المعدة له هناك ، و ساروا إلى الشام على السماوة ومعهم دليل من كلب و نمى خبرهم إلى الحجاج فبعث إلى الوليد بذلك . و قدموا إلى فلسطين فنزلوا على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي و كان كريماً على سليمان فأخبره بحالهم و أنهم استجاروا به من الحجاج ، فقال : إئتني بهم فقد أجرتهم . وكتب الحجاج إلى الوليد أن بني المهلب خانوا مال الله و هربوا مني فلحقوا بسليمان . فسكن مابه لأنه كان خشيهم على خراسان كما خشيهم الحجاج و كان غضباً للمال الذي ذهبوا به فكتب سليمان إلى الوليد أن يزيد عندي و قد أمنته ، و كان الحجاج أغرمه ستة آلاف ألف فأد نصفها و أنا أؤدي النصف . فكتب الوليد لا أؤمنه حتى تبعث به ، فكتب سليمان لأجيئن معه ، فكتب الوليد إذن لا أؤمنه . فقال يزيد لسليمان : لا يتشاءم الناس بي لكما فاكتب معي و تلطف ما أطقت ، فأرسله و أرسل معه إبنه أيوب و كان الوليد أمر أن يبعث مقيداً . فقال سليمان لابنه : أدخل على عمك أنت و يزيد في سلسلة . فقال : الوليد لما رأى ذلك لقد بلغنا من سليمان . ثم دفع أيوب كتاب أبيع بالشفاعة و ضمان المال عن يزيد فقرأه الوليد واستعطفه أيوب في ذمة أبيه و جواره ، و تكلم يزيد و اعتذر فأمنه الوليد و رجع إلى سليمان و كتب الوليد إلى الحجاج بالكف عنهم فكف عن حبيب و أبي عبسة و كانا عنده و أقام يزيد عند سليمان يهدي إليه الهدايا و يصنع له الأطعمة .

ولاية خالد القسري على مكة و إخراج سعيد بن جبير عنها و مقتله
و لما كان في سنة ثلاث و تسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق و ما هم فيه من ظلمه و عدوانه ، فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد : إن كثيراً من المراق و أهل الشقاق قد انجلوا عن العراق و لحقوا بالمدينة و مكة و منعهم عمر و أصابه من ذلك وهن . فولى الوليد على مكة خالد الله عبد الله القسري و عثمان بن حيان بإشارة الحجاج ، و عزل عمر عن الحجاز و ذلك في شعبان من السنة . و لما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرها و تهدد من أنزل عراقياً أو أجره داراً و كانوا أيام عمر الله عبد العزيز يلجأ إلى مكة و المدينة كل من خلف الحجاج فيأمن . و كان منهم سعيد بن جبير هارباً من الحجاج . كان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الأشعث إلى قتال رتبيل فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم و سار إلى بلاد رتبيل . فلحق سعيد بأصبهان ، و كتب الحجاج فيه إلى عاملها فتحرج من ذلك و دس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان . ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم . فلما قدم خالد بن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير و مجاهداً و طلق بن حبيب ، و بعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق و جيء بلآخرين إلى الكوفة و أدخلا على الحجاج . فلما رأى سعيداً شتم خالداً القسري على إرساله و قال : لقد كنت أعرف أنه بمكة و أعرف البيت الذي كان فيه ، ثم أقبل على سعيد و قال : لقد ألم أشركك في أمانتي ؟ ألم أستعملك ؟ ثم تفعل بعدد أياديه عنده . فقال : بلى ! قال : فما أخرجك على قتالي ؟ أنا امرؤ من المسلمين أخطئ مرة و أصيب أخرى . ثم استمر في محاوراه فقال : إنما كانت البيعة في عنقي فغضب الحجاج و قال : ألم آخذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل ابن الزبير ؟ ثم جددت له البيعة بالكوفة فأخذت بيعتك ثانياً ؟ قال : بلى ! قال : فنكثت بيعتين لأمير المؤمنين ، و توفي بواحدة للفاعل بن الفاعل ، و الله لأقتلنك . فقال : إني لسعيد كما سمتني أمي فضربت عنقه فهلل رأسه ثلاثاً أفصح منها بمرة . و يقال : إن عقل الحجاج التبس يومئذ و جعل يقول : قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه و قطعوا عليها ساقيه ، و كان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخذاً بمجامع ثوبه يقول : يا عدو الله فيم قتلتني ؟ فينتبه مرعوباً يقول : ما لي و لـ سعيد بن جبير .

وفاة الحجاج
و توفي الحجاج في شوال خمس و تسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ، و لما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله و على حرب الكوفة و البصرة يزيد بن أبي كبشة و على خراجهما يزيد بن أبي مسلم ، فأقرهم الوليد بعد وفاته . و كتب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان قد عرف أمير المؤمنين بلاءك و جهدك و جهادك أعداء المسلمين و أمير المؤمنين رافعك و صانع بك الذي تحب ، فأتمم مغازيك و انتظر ثواب ربك و لا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك و الثغر الذي أنت فيه و لم يغير الوليد أحداً من عمال الحجاج .

أخبار محمد بن القاسم بالسند
كان محمد بن القاسم بالملتان و أتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور و الثغور و كان قد فتحها . ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة و سالمه أهل شرست و هي مغزى أهل البصرة و أهلها يقطعون في البحر . ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دزهر فقاتله محمد و هزمه و قتله . و نزل أهل المدينة على حكمه فقتل و سبا و لم يزل عاملاً على السند إلى أن ولي سليمان بن عبد الملك فعزله و ولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي على السند مكانه فقيده يزيد و بعث به إلى العراق فحبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط و عذبه في رجال من قرابة الحجاج على قتلهم ، و كان الحجاج قتل أخاه آدم على رأي الخوارج و مات يزيد بن أبي كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه . فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها و قد رجع ملوك السند إلى ممالكهم و رجع حبشة بن داهر إلى برهما باذ فنزل حبيب على شاطئ مهران و أعطاه أهل الروم الطاعة ، و حارب فظفر ، ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الإسلام على أن يملكهم و هم أسوة المسلمين فيما لهم و عليهم ، فأسلم حبشة و الملوك و تسموا بأسماء العرب و كان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند و ظفر . ثم ولى الجنيد بن عبد الرحمن على السند أيام هشام بن عبد الملك ، فأتى شط مهران ، و منعه حبشة بن داهر العبور و قال : إني قد أعلمت وولاني الرجل الصالح و لست آمنك فأعطاه الرهن ثم ردها حبشة و كفر و حارب فحاربه الجنيد في السفن و أسره ثم قتله . و هرب صصه بن داهر إلى العراق شاكياً لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله . ثم غزا الجنيد الكيرج من آخر الهند وكانوا نقضوا فاتخذ كباشا زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمها و دخل فقتل و سبى و غنم ، و بعث العمال إلى المرمد و المعدل و دهنج و بعث جيشاً إلى أرين فأغاروا عليها و أحرقوا ربضها و حصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف و حمل مثلها . و ولى تميم بن زيد الضبي فضعف و وهن و مات قريباً من الديبل . و في أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند و تركوا مراكزهم . ثم ولي الحكم بن سوام الكلبي و قد كفر أهل الهند إلا أهل قصة ، فبنى مدينة سماها المحفوظة و جعلها مأوى المسلمين ، و كان معه عمر بن محمد بن القاسم و كان يفوض إليه عظائم الأمور و أغزاه عن المحفوظة . فلما قدم و قد ظهر أمره فبنى مدينة و سماها المنصورة و هي التي كانت أمراء السند ينزلونها و استخلص ما كان غلب عليه من العدو ، و رضي الناس بولايته . ثم قتل الحكم و ضعفت الدولة الأموية عن الهند و تأتي أخبار السند في دولة المأمون .

فتح مدينة كاشغر
أجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست و تسعين و هي أدنى مدائن الصين فسار لذلك و حمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند و عبر النهر ، و جعل على المجاز مسلحة يمنعون الراجع من العسكر إلا بإذنه ! و بعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا و سبوا و ختم أعناق السبي . و أوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعي من أشراف العرب من يخبره عنهم و عن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابي . و أمر لهم بعدة حسنة و متاع من الخز و الوشي و خيول أربعة و قال لهم : أعلموه أني حالف أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم و أختم ملوكهم و أجبي خراجهم . و لما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأول فدخلوا و عليهم الغلائل و الأردية ، و قد تطيبوا و لبسوا النعال . فلم يكلمهم الملك و لا أحد ممن حضره ، و قالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان . فلبسوا الوشي و المطارف و عمائم الخز و غدوا عليه فلم يكلموهم و قالوا هذه أقرب إلى هيئة الرجال ثم دعاهم الثالثة فلبسوا سلاحهم و على رؤسهم البيضات و المغافر و توشحوا السيوف و اعتقلوا الرماح و نكبوا القسي فهالهم منظرهم ثم انصرفوا و ركبوا فتطاردوا فعجب القوم منهم . ثم دعا زعيمهم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيهم فقال : أما الأول فإنا نساء في أهلنا و أما الثاني فزينا عند أمرائنا ، و أما الثالث فزينا لعدونا . فاستحسن ذلك . ثم قال له : قد رأيتم عظم ملكي و أنه ليس أحد يمنعكم مني ، و قد عرفت قلتكم فقولوا لصاحبكم ينصرف و إلا بعثت من يهلككم . فقال هبيرة كيف نكون في قلة و أول خيلنا في بلادك و آخرها في منابت الزيتون . و أما القتل فلسنا نكرهه و لا نخافه ، و لنا آجال إذا حضرت فلن نتعداها و قد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم و يختم ملوككم و يأخذ جزيتكم قال الملك : فإنا نخرجه من يمينه ، نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه ، و يقبض أبناءنا فيختمهم و بهدية ترضيه ، ثم أجازهم فأحسن . و قدموا على قتيبة فقبل الجزية و وطئ التراب و ختم الغلمان و ردهم ثم انصرف من غداته . و أوفد هبيرة إلى الوليد ، و بلغه و هو في الفرات موت الوليد .

وفاة الوليد و بيعة سليمان
ثم في منتصف جمادى الأخيرة من سنة ست و تسعين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز و كان من أفضل خلفاء بني أمية و بنى المساجد الثلاثة : مسجد المدينة ، و مسجد القدس و مسجد دمشق . و لما أراد أبناء مسجد دمشق كانت في موضعه كنيسة فهدمها و بناها مسجداً و شكوا ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال : نرد عليكم كنيستكم و نهدم كنيسة توما فإنها خارج المدينة مما فتح عنوة و نبنيها مسجداً فتركوا ذلك . و فتح في ولايته الأندلس و كاشغر و الهند ، و كان يتخذ الضياع و كان متواضعاً يمر بالبقال فيسأل بكم حزمة البقل ؟ و يسعر عليه و كان يختم القرآن في ثلاث و في رمضان في يومين و كان أراد أن يخلع أخاه سليمان و يبايع لولده عبد العزيز ، فأبى سليمان فكتب إلى عماله و دعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج و قتيبة و بعض خواصه . و استقدم سليمان ثم استبطأه فأجع السير إليه ليخلعه فمات دون ذلك . و لما مات بويع سليمان من يومه و هو بالرملة فعزل عثمان بن حيان من المدينة آخر رمضان ، و ولى عليها أبا بكر ابن محمد بن عمر بن حزم ، و عزل ولاة الحجاج عن العراق فولى يزيد بن المهلب على المصرين و عزل عنهما يزيد بن أبي مسلم . فبعث يزيد أخاه زياداً على عمان و أمر سليمان يزيد بن المهلب بنكبة آل أبي العقيل قوم الحجاج و بني أبيه و بسط أصناف العذاب عليهم ، فولى على ذلك عبد الملك بن المهلب .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:46 pm


مقتل قتيبة بن مسلم
و لما ولى سليمان قتيبة لما قدمناه من موافقته الوليد على خلعه فخشي أن يولى يزيد ابن المهلب خراسان فأجمع خلعه و كتب إليه لئن لم تقرني على ما كنت عليه و تؤمني لأخلعنك و لأملأنها عليك خيلاً و رجلاً فأمنه و كتب له العهد على خراسان و بعث إليه رسول بذلك ، فبعث الرسول و هو بحلوا أنه قد خلع و كان هو بعد بعثة الكتاب إلى سليمان قد اشتد وجله و أشار عليه أخوه عبد الله بالمعاجلة ، فدعا الناس إلى الخلع و ذكرهم بوائقه و سوء ولاية من تقدمه فلم يجبه أحد ، فغضب و شتمهم و عدد و قالبهم قبيلة قبيلة و أثنى على نفسه بالأب و البلد و المعشر . فغضب الناس و كرهوا خلع سليمان و أجمعوا على خلع قتيبة و خلافه و عذل قتيبة و عذل قتيبة أصحابه فيما كان منه فقال : لما لم تجيبوني غضبت فلم أدر ما قلت . و جاء الأزد إلى حضين بن المنذر ( بالضاد المعجمة ) فقالوا : كيف ترى هذا يدعو إلى فساد الدين و يشتمنا فعرف مغزاهم فقال : إن مضر بخراسان كثير و تميم أكثرهم و هم شوكتها و لا يرضون فيصيبوا قتيبة و لا أرى لها إلا وكيعاً . و كان وكيع موثقاً من قتيبة بعزله و ولاية ضرار بن حصين الضبي مكانه . و قال حيان النبطي مولى بن شيبان ليس لها غير وكيع و مشى الناس بعضهم إلى بعض سراً و تولى كبر ذلك حيان و نمي خبره إلى قتيبة فأمر بقتله إذا دخل عليه ، و تنصح بعض خدم قتيبة بذلك إلى حيان فلما دعاه تمارض ، و اجتمع الناس إلى وكيع و بايعوه . فمن أهل البصرة و العالية من المقاتلة تسعة آلاف ، و من بكر سبعة آلاف رئيسهم حضين بن المنذر ، ومن تميم عشرة آلاف عليهم ابن زخر و من الموالي سبعة آلاف عليهم حيان النبطي و قيل من الديلم ، و سمي نبطياً للكنته . و شرط على وكيع أن يحول له الجانب الشرقي من نهر بلخ فقبل ، و فشا الخبر و بلغ قتيبة فدس ضرار بن سيان الضبي إلى وكيع فبايعه ، و جاء إلى قتيبة بالخبر فأرسل قتيبة إلى وكيع فاعتذر بالمرض . فقال لصاحب شرطته : إئتني به أبى إتني برأسه فلما جاء إلى وكيع ركب و نادى في الناس فأتوه أرسالاً . و اجتمع إلى قتيبة أهل بيته و خواصه و ثقاته و بنو عمه ، و أمر فنودي في الناس قبيلة ، و أجابوه بالجفوة . يقول : أين بنو فلان ؟ فيقول : حيث وضعتهم فنادى بأذكركم الله و الرحم ، فقالوا : أنت قطعتها ! فنادى لكم العتبى ، فقالوا : إنا لنا الله إذا فدعا ببرذون ليركبه فمنعه و رمحه فعاد إلى سريره و جاء حيان النبطي في العجم ، فأمره عبد الله أخو قتيبة أن يحمل على القوم ، فاعتذر و قال لإبنه : إذا لقيتني حولت قلنسوتي فمل بالأعاجم إلى وكيع ، ثم حولها و سار بهم و رمى صالح أخو قتيبة بسهم فحمل إلى أخيه . ثم تهايج الناس و جاء إلى عبد الرحمن أخي قتيبة الغوغاء و نحوهم فأحرقوا آريا فيه إبل قتيبة و دوابه . ثم زحفوا به حتى بلغوا فسطاطه فقطعوا أطنابه و جرح جراحات كثيرة ثم قطعوا رأسه و قتل معه إخوته عبد الرحمن و عبد الله و صالح و حصين و عبد الكريم و مسلم و ابنه كثير ، و قيل قتل عبد الكريم بقزوين ، فكان عدة من قتل من أهله أحد عشر رجلاً ، و نجا أخوه عمر مع أخواله من تميم . ثم صعد وكيع المنبر و أنشد الشعر في الثناء على نفسه و فعله و الذم من قتيبة و وعد بحسن السيرة و طلب رأس قتيبة من الأزد و هددهم عليه فجاؤا به فبعثه إلى سليمان . و وفى وكيع لحيان النبطي بما ضمن له .

ولاية يزيد بن المهلب خراسان
كان يزيد بن المهلب لما ولاه سليمان العراق على الحرب و الصلاة و الخراج استكره أن يحيف على الناس في الخراج فتلحقه المذمة كما لحقت الحجاج و يخرب العراق ، و إن قصر عن ذلك لم يقبل منه فرغب من سليمان أن يعفيه من الخراج و أشار عليه بصالح ابن عبد الرحمن مولى تميم فولاه سليمان الخراج و بعثه قبل يزيد فلما جاء صالح إلى يزيد ضيق عليه صالح ، و كان يزيد يطعم على ألف خوان فاستكثرها صالح فقال : اكتب ثكمنها علي و غير ذلك و ضجر يزيد و جاء خبر خراسان و مقتل قتيبة فطمع يزيد في ولايتها و دس عبد الله بن الأهتم على سليمان أن يوليه خراسان و لا يشعر بطلبته بذلك . و سيره على البريد فقال له سليمان : إن يزيد إلي بذكر عملك بالعراق ! فقال : نعم بها ولدت و بها نشأت . ثم استشار فيمن يوليه خراسان و لم يزل سليمان بذكر الناس و هو يردهم ، ثم حذره من وكيع و غدره قال : فسم أنت ! قال شريطة الكمال الإجازة ممن أشير به ، و إذا علم يكره ذلك . ثم قال : هو يزيد بن المهلب فقال سليمان : العراق أحب إليه ، فقال ابن الأهتم : قد عملت و لكن نكرهه فيستخلف على العراق و يسير إلى خراسان ، فكتب عهد يزيد على خراسان و بعثه مع ابن الأهتم فلما جاءه بعث ابنه على خراسان ثم سار بعده و استخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمي و على البصرة ابن عبد الله بن هلال الكلابي ، و على الكوفة حرمحلة بن عيد اللمغمي . ثم عزله لأشهر بشير بن حيان النهدي ، فكانت قيس تطلب بثأر قتيبة و تزعم أنه لم يخلع . فأوصى سليمان يزيد إن أقامت قيس بينه أنه لم يخلع أن يقيد به من وكيع .

أخبار الصوائف و حصار قسطنطينية
كانت الصوائف من الشام منذ وفاة معاوية و حدوث الفتن و اشتدت الفتن أيام عبد الملك اجتمعت الروم و استجاشوا على أهل الشام فصالح عبد الملك صاحب قسطنطينية على أن يؤدي إليه كل يوم جمعة ألف دينار خشية منه على المسلمين و نظراً لهم ، و ذلك سنة سبعين لعشر سنين من وفاة معاوية . ثم لما قتل مصعب و سكنت الفتنة بعث الجيوش سنة إحدى و سبعين في الصائفة . فدخل فافتتح قيسارية ، ثم ولى على الجزيرة و أرمينية أخاه محمد بن مروان سنة ثلاث و سبعين فدخل في الصائفة إلى بلاد الروم فهزمهم ، و دخل عثمان بن الوليد من ناحية أرمينية في أربعة آلاف و لقيه الروم في ستين ألفاً فهزمهم و أثخن فيهم بالقتل و الأسر . ثم غزا محمد بن مروان سنة أربع و سبعين فبلغ أنبولية و غزا في السنة بعدها في الصائفة من طريق مرعش ، فدوخ بلادهم و خرج الروم في السنة بعدها إلى العتيق فغزاهم من ناحية مرعش ثانية ، ثم غزاهم سنة ست و سبعين من ناحية ملطية و دخل في الصائف سنة سبع و سبعين الوليد ابن عبد الملك فأثخن فيهم و رجع و جاء الروم سنة تسع و سبعين فأصابوا من أهل أنطاكية و ظفروا بهم فبعث عبد الملك سنة إحدى و ثمانين ابنه عبيد الله بالعسكر ففتح قاليقلا . ثم غزا محمد بن مروان سنة اثنتين و ثمانين أرمينية و هزمهم ، فسألوه الصلح فصالحهم و ولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروه و قتلوه فغزاهم سنة خمسين و ثمانين و صاف فيها و شتى ثم غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم و دوخها ، و رجع و عاد إليها سنة سبع و ثمانين فيهم بناحية المصيصة و فتح حصوناً كثيرة . منها حصن بولق و الحأزم و بولس و قمقيم . و قتل من المستقربة ألف مقاتل و سبى أهاليهم . ثم غزا بلاد الروم سنة تسع و ثمانين مسلمة بن عبد الملك و العباس بن الوليد ، فافتتح مسلمة حصن سورية و افتتح العباس أردولية ، و لقي جمعاً من الروم فهزمهم . و قيل إن مسلمة قصد عمورية فلقي بها جمعاً من الروم فهزمهم . و افتتح هرقلة و قمولية و غزا العباس الصائفة من ناحية البلدبدون . و غزا مسلمة بن عبد الملك الترك سنة تسع و ثمانين من ناحية أذربيجان ففتح حصوناً و مدائن هناك . ثم غزا سنة تسعين ففتح الحصون الخمس التي بسورية . و غزا العباس حتى بلغ أردن و سورية . و في سنة إحدى و تسعين غزا عبد العزيز بن الوليد في الصائفة مع مسلمة بن عبد الملك و كان الوليد قد ولى مسلمة على الجزيرة و أرمينية و عزل عمه محمد بن مروان عنها ، فغزا الترك من ناحية أذربجيان حتى الباب و فتح مدائن و حصوناً ، ثم غزا سنة إثنتين و تسعين بعدها ففتح ثلاثة حصون و جلا أهل سرسنة إلى بلاد الروم ثم غزا العباس بن الوليد سنة ثلاث بعدها بلاد الروم ففتح سبيطلة ، و غزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة . و غزا مسلمة ففتح ماشية و حصن الحديد و غزالة من ناحية ملطية . و غزا العباس بن الوليد سنة أربع و تسعين ففتح إنطاكية . و غزا عبد العزيز بن الوليد ففتح غزالة و بلغ الوليد بن هشام المعيطي مروج الحمام ، و يزيد بن أبي كبشة أرض سورية . و في سنة خمس و تسعين غزا العباس الروم ففتح هرقلة . و في سنة سبع و تسعين غزا مسلمة أرض الرضاخية و فتح الحصن الذي فتحه الرصاع ، و غزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر فشتى بها ، و بعث سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية و بعث إبنه داود على الصائفة ففتح حصن المراة ، و في سنة ثمان و تسعين مات ملك الروم ، فجاء القون إلى سليمان فأخبره و ضمن له فتح الروم ، و سار سليمان إلى وابق و بعث الجيوش مع أخيه مسلمة ، و لما دنا من القسطنطينية أمر أهل المعسكر أن يحمل كل واحد مدين من الطعام و يلقوه في معسكرهم فصار أمثال الجبال و اتخذ البيوت من الخشب و أمر الناس بالزراعة و صاف و شتى و هم يأكلون من زراعتهم و طعامهم الذي استاقوه مدخراً . ثم جهد أهل القسطنطينية الحصار ، و سألوا الصلح على الجزية ديناراً على الرأس ، فلم يقبل مسلمة و بعث الروم إلى ألقون إن صرفت عنا المسلمين ملكناك فقال لمسلمة : لو أحرقت هذا الزرع علم الروم أنك قصدتهم بالقتال فنأخذهم باليد وهم الآن يظنون مع بقاء الزرع أنك تطاولهم ، فأحرق الزرع فقوي الروم و غدر ألقون و أصبح محارباً ، و أصاب الناس الجوع فأكلوا الدواب و الجلود و أصول الشجر و الورق و سليمان مقيم بوابق و حال الشتاء بينهم و بينه فلم يقدر أن يمدهم حتى مات و أغارت برجان على مسلمة و هو في قلة فهزمهم و فتح مدينتهم . و غزا في هذه السنة الوليد بن هشام فأثخن في بلاد الروم . و غزا داود بن سليمان سنة ثمان و تسعين ففتح حصن المراة مما يلي ملطية . و في سنة تسع و تسعين بعث عمر بن عبد العزيز مسلمة و هو بأرض الروم و أمده بالنفول بالمسلمين و بعث إليه بالخيل و الدواب ، و حث الناس على معونتهم ثم أمر عمر بن عبد العزيز أهل طريدة بالجلاء عنها إلى ملطية و خربها . و كان عبد الله بن عبد الملك قد أسكنها المسلمين و فرض على أهل الجزيرة مسلحة تكون عندهم إلى فصل الشتاء ، و كانت متوغلة في أرض الروم فخربها عمر ، و ولى على ملطية جعونة بن الحرث من بني عامر بن صعصعة . و أغزى عمر سنة مائة من الهجرة بالصائفة الوليد بن هشام المعطي و عمر ابن قيس الكندي .

فتح جرجان و طبرستان
كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنمهما كانتا للكفار ، و توسطتا بين فارس و خراسان و لم يصبهما الفتح . و كان يقول في جوار سليمان بالشام إذا قصت عليه أخبار قتيبة و ما يفعله بخراسان و ما وراء النهر ، ما فعلت جرجان التي قطعت الطريق و أفسدت يوسس و نيسابور و ليست هذه الفتوح بشيء و الشأن في جرجان . فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق و الشام سوى الموالي و المتطوعة ، و لم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال و مخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه فابتدأ بقهستان فحاصرها و بها طائفة من الترك فكانوا يخرجون قيقاتلون و ينهزمون في كل يوم و يدخلون حصنهم و لم يزل على ذلك حتى بعث إليه دهقان يتستأذن يسأل في الصلح و يسلم المدينة و ما فيها فصالحه و أخذ ما فيها من الأموال و الكنوز و السبي ما لا يحصى ، و قتل أربعة عشر ألفاً من الترك ، و كتب إلى سليمان بذلك . ثم سار إلى جرجان و كان سعيد بن العاصي قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحياناً يجبون مائة و أحياناً مائتين و أحياناً ثلثمائة ، و ربما أعطوا ذلك و ربما منعوا ، ثم كفروا و لم يعطوا خراجاً ، و لم يأت جرجان بعد سعيد أحد ، و منعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكون على فارس و سلماس . ثم فتح قتيبة طريق قومس و بقي أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه . و لما فتح يزيد قهستان و جرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكري على ساسان و قهستان ، و خلف معه أربع آلاف فارس ، و سار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان و نزل بآمد . و نسا راشد بن عمر في أربعة آلاف . و دخل بلاد طبرستان فسأل صاحبها الأصبهبذ في الصلح ، و أن يخرج من طبرستان فأبى يزيد و رجا أن يفتحها ، و وجه أخاه عيينة من وجه و ابنه خالد بن يزيد من وجه ، و إذا اجتمعا فعيينة على الناس و استجاش الأصنبهبذ أهل جيلان و الديلم و التقوا فانهزم المشركون ، و اتبعهم المسلمون إلى الشعب و صعد المشركون في الجبل فامتنعوا على المسلمين و صعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا و كاتب الأصبهبذ أهل جرجان و مقدمهم المرزبان أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد و الطريق بينه و بين جرجان و وعدهم بالمكافأة على ذلك فساروا بالمسلمين و هم غارون ، و قتل عبد الله بن معمر و جميع من معه و لم ينج أحد و كتبوا إلى الأصبهبذ بأخذ المضايق و الطرق ، و بلغ ذلك و أصحابه فعظم عليهم و هالهم ، و فزع يزيد إلى حيان النبطي و كان قد غرمه مائتي ألف درهم بسبب أنه كتب إلى ابنه مخلد كتاباً فبدأ بنفسه . فقال له : لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين ، و قد علمت ما جاءنا من جرجان فاعمل في الصلح . فأبى حيان الأصبهبذ و مت إليه بنسب العجم و تنصل له و فتل له في الذروة و الغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم و أربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين ، و أربعمائة رجل على يد كل رجل منهم ترس و طيلسان و جام من فضة و خرقة حرير و كسوة ، فأرسل يزيد لقبض ذلك و رجع . و قيل في سبب مسير يزيد إلى جرجان أن صولاً التركي كان على قهستان و البحيرة ، جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان ، و هما من جرجان مما يلي خوارزم و كان يغير على فيروز بن فولفون مرزبان جرجان و أشار فيروز بنصيب من بلاده ، فسار فيروز إلى يزيد هارباً منه و أخذ صول جرجان و أشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الأصبهبذ و يرغبه في العطاء إن هو حبس صولاً بجرجان حتى يحاصر بها ، ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته و خروجه عن جرجان فيتمكن يزيد منه فكتب إلى الأصبهبذ و بعث بالكتاب إلى صول فخرج من حينه إلى البحيرة و بلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان و معه فيروز و استخلف على خراسان إبنه مخلداً . و على سمرقند و كش و نسف و بخارى إبنه معاوية و على طخارستان ابن قبيصة بن المهلب ، و أتى جرجان فلم يمنعه دونها أحد و دخلها ثم سار منها إلى البحير و حصر صولا بها شهراً حتى سأل الصلح على نفسه و ماله و ثلثمائة و يسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد و خرج صول عن البحيرة و قتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفاً و أمر إدريس بن حنظلة العمى أن يحصي ما في البحيرة ليعطى الجند فلم يقدر . و كان فيها من الحنطة و الشعير و الأرز و السمسم و العسل شيء كثير و من الذهب و الفضة كذلك و لما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجان و عاهد الله إن ظفر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم و يأكل منه فحاصرهم سبعة أشهر و هم يخرجون إليه فيقاتلونه و يرجعون و كانوا متمنعين في الجبل و الأوعار و قصد رجل من عجم خراسان فأتبع بخلا في الجبل و انتهى إلى معسكرهم و عرف الطريق إليه و دل الأدلة على معالمة ، و أتى يزيد فأخبره فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد و ضم إليه جهم بن ذخر و بعثه و ذلك الرجل يدل به ، و واعده أن يناهضهم العصر من الغداة و لما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب عنده حتى اضطرمت النيران و نظر العدو إلى النار فهالهم و حاموا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر و إذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم و أتبعهم المسلمون فأعطوا ما بأيديهم و نزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة و سبى الذرية و قاد منهم اثتي عشر ألفاً إلى وادي جرجان ، و مكن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم و جرى الماء على الدم و عليه الأرحاء فطحن و خبز و أكل و قتل منهم أربعين ألفاً و بنى مدينة جرجان و لم تكن بنيت قبل و رجع إلى خراسان و ولى على جرجان جهم بن ذخر الجعفي و لما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق و يساره .

وفاة سليمان و بيعة عمر بن عبد العزيز
ثم توفي سليمان بدايق من أرض قنسرين من سنة تسعة و تسعين في صفر منها و قد كان في مرضه أراد أن يعهد إلى ولده داود ثم استصغره و قال له كاتبه رجاء بن حيوة ابنك غائب عنك بقسطنطينية و لا يعرف حياته من مو ته فعدل إلى عمر بن عبد العزيز و قال له : إني و الله لأعلم أنها تكون فتنة و لا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده ، و كان عبد الملك قد جعل ذلك له و كتب بعد البسملة هذا كتاب من عبد الله بن سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز : إني قد وليتك الخلافة من بعدي و من بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له و أطيعوا و اتقوا الله ، و لا تختلفوا فيطمع فيكم ختم الكتاب ثم أمر كعب بن جابر العبسي صاحب الشرطة أن يجمع أهل بيته ، و أمر رجاء بن حيوة أن يدفع لهم كتابه و قال : أخبرهم أنه كتابي فليبايعوا من وليت فيه فبايعوه رجلاً و تفرقوا و أتى عمر إلى رجاء يستعمله و يناشده الله و المودة يستعفي من ذلك فأبى و جاءه هشام أيضاً يستعمله ليطلب حقه في الأمر فأبى ، فانصرف أسفاً أن يخرج من بني عبد الملك ثم مات سليمان و جمع رجاء أهل بيته فقرأ عليهم الكتاب فلما ذكر عمر قال هشام : و الله لا نبايعه أبداً فقال له رجاء : و الله نضرب عنقك فقام أسفاً يجر رجليه حتى جاء إلى عمر بن عبد العزيز و قد أجلسه رجاء على المنبر و هو يسترجع لما أخطأه ، فبايعه و اتبعه الباقون و دفن سليمان و صلى عليه عمر بن عبد العزيز و الوليد كان غائباً عند موت سليمان و لم يعلم بيعه عمر فعقد لواء و دعا لنفسه و جاء إلى دمشق . ثم بلغه عهد سليمان فجاء إلى عمر و اعتذر إليه و قال : بلغني أن سليمان لم يعهد فخفت على الأموال أن تنهب فقال : عمر لو قمت بالأمر لقعدت في بيتي ولم أنازعك فقال عبد العزيز : و الله لا أحب لهذا الأمر غيرك و أول ما بدأ به عمر لما استقرت البيعة له أنه رد ما كان لفاطمة بنت عبد الملك زوجته من المال و الحلى و الجواهر إلى بيت المال و قال : لا أجتمع أنا و أنت و هو في بيت واحد فردته جميعه و لما ولاى أخوها يزيد من بعد رده عليها فأبت و قالت : ما كنت أعطيه ميتاً ففرقه يزيد على أهله و كان بنو أمية يسبون علياً فكتب عمر إلى الآفاق بترك ذلك و كتب إلى مسملة و هو بأرض الروم بالقفول بالمسلمين .

عزل يزيد بن المهلب و حبسه و الولاية على عماله
و لما استقرت البيعة لعمر كتب في سنة مائة إلى يزيد بن المهلب أن يستخلفه على عماله و يقدم فاستخلف مخلداً ابنه و قدم من خراسان و قد كان عمر ولى على البصرة عدي ابن أرطاة الفراري و على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب و ضم إليه أبا الزناذ ، فكتب إلى عدي بن أرطاة موسى أن يقبض على يزيد بن المهلب و يبعثه مقيذاً ، فلمنا نزل يزيد واسط و ركب السفن يريد البصرة بعث علي بن أرطاة موسى بن الرحيبة الحميري فلقيه في نهر معقل عند الجسر فقيده و بعث به إلى عمر ، و كان عمر يبغضه و يقول إنا مراء و أهل بيته جبابرة فلما طالبه بالأموال التي كتب بها إلى سليمان من خمس جرجان قال : إنما كتبت لأسمع الناس ، و علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بذلك . فقال له عمر : إتق الله و هذه حقوق المسلمين لا يسعني تركها ثم حبسه بحصن حلب و بعث الجاح بن عبد الله الحكمي والياً على خراسان مكانه . و انصرف يزيد بن يزيد فقدم على عمر و استعطفه لأبيه و قال له : يا أمير المؤمنين إن كانت له بينة فخذ بها و إلا فاستحلفه و إلا فصالحه أو فصالحني على ما تسأل فأبى عمر من ذلك و شكر من مخلد ما فعل ، ثم ألبس يزيد جبة صوف و حمله على جمل و سيره إلى دهلك و مر يزيد على الناس و هو ينادي بعشيرة بالنكير لما فعل به فدخل سلامة بن نعيم الخولاني على عمر و قال : أردد يزيد إلى محبسه لئلا ينزعه قومه ، فإنهم قد غضبوا ، فرده إلى أن كان من أمر فزارة ما يذكر .

ولاية عبد الرحمن بن نعيم القشيرى على خراسان
و لما عزل يزيد عن خراسان و كان عامل جرجان جهم بن ذخر الجعفي فأرسل عامل العراق على جرجان عاملاً مكانه ، فحبسه جهم و قيده فما جاء الجراح إلى خراسان أطلق أهل جرجان عاملهم ، و نكر الجاح على جهم ما فعل و قال : لولا قابتك مني ما سوغتك هذا ! يعني أن جهماً و جعفاً معا إبنا سعد العشيرة . ثم بعث في الغزو و أوفد على عمر وفداً فكلم فيه بعضهم عمر بأنه يعري الموالي بلا عطاء و لا رزق و يؤاخذ من أسلم من أهل الذمة بالخراج . ثم عرض بأنه سيف من سيوف الجراح قد علم بالظلم و العدوان . فكتب عمر إلى الجراح انظر من صلى قبلك فخل عنه الجزية فسارع الناس إلى الإسلام فراراً من الجزية فامتحنهم بالختان و كتب إلى عمر بذلك فكتب عليه عمران ! الله بعث محمداً داعياً و لم يبعثه خاتناً و استقدم الجراح و قال : إحمل معك أبا مخلد و استخلف على حرب خراسان عبد الرحمن ابن نعيم القشيري و لما قدم على عمر قال : متى خرجت ؟ قال : في شهر رمضان . قال : صدق من وصفك بالجفاء ، ألا أقمت حتى تفطر ثم تسافر . ثم سأل عمر أبا مخلد عن عبد الرحمن بن عبد الله فقال يكافيء الأكفاء و يعادي الأعداء و يقدم إن وجد ما يساعده ، قال : فعبد الرحمن بن نعيم ؟ قال : يحب العافية و تأتيه ! قال : هو أحب إلي فولاه الصلاة و الحرب ، و ولى عبد الرحمن القشيرى الخراج فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى قتل يزيد بن المهلب . و ولي مسلمة فكانت ولايته أكثر من سنة و نصف و ظهر من أيام الجاح بخراسان دعاة بني العباس فيمن بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس إلى الآفاق حسبما يذكر في أخبار الدولة العباسية .

وفاة عمر بن عبد العزيز و بيعة يزيد
ثم توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى و مائة بدير سمعان و دفن بها السنتين و خمسة أشهر من ولايته و لأربعين من عمره و كان يدعى أشج بني أمية رمحته دابة و هو غلام فشجته . و لما مات ولي بعده يزيد بن عبد الملك بعهد سليمان كما تقدم و قيل لعمر حين احتضر : اكتب إلى يزيد فأوصه بالأمة فقال : بماذا أوصيه ؟ إنه من بني عبد الملك ! ثم كتب أما بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ، و لا تقدر على الرجعة ، إنك تترك ما أترك لمن لا يحمدك و تصير إلى من لا يعذرك و السلام . و لما ولي يزيد عزل أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن المدينة و ولى عليها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري و غير كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز و كان من ذلك شأن خراج اليمن فإن محمدا أخا الحجاج جعل عليهم خراجاً مجدداً و أزال ذلك عمر إلى العشر أو نصف العشر و قال : لئن يأتيني من اليمن حبة ذرة أحب إلي من تقرير هذه الوظيفة فلما ولي يزيد أعادها و قال لعامله خذها منهم و لو صاروا حرضاً و هلك عمه محمد بن مروان فولى مكانه على الجزيرة و أذربيجيان و أرمينية عمه اآخر مسلمة بن عبد الملك .

احتيال يزيد بن المهلب مقتله
قد تقدم لنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوساً حتى اشتد مرض عمر بن عبد العزيز فعمل في الهرب مخافة يزيد بن عبد الملك لأن زوجته بنت أخي الحجاج و كان سليمان أمر ابن المهلب بعذاب قرابة الحجاج كلهم فنقلهم من البلقاء و فيهم زوجة يزيد و عذبها و جاءه يزيد بن عبد الملك إلى منزله شافعاً فلم يشفعه فضمن حمل ما قرر عليها فلم يقبل فتهدده فقال له ابن المهلب الآن وليت أنت لأرمينك بمائة ألف سيف ، فحمل يزيد بن عبد الملك عنها مائة ألف دينار . و لما اشتد مرض عمر خاف من ذلك و أرسل إلى مواليه أن يغدوا له بالإبل و الخيل في مكانه عينة لهم و بعث إلى عامل حلب بإشفاقه من يزيد ، و بزل له المال و إلى الحرس الذين يحفظونه فخلى سبيله ، و أتى إلى دوابه فركبها و لحق بالبصرة . و كتب إلى عمر : إني و الله لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك . و لكن خفت أن يقتلني يزيد شر قتلة فقرأ عمر الكتاب و به رمق فقال : اللهم إن كان ابن المهلب يريد بالمسلمين سؤاً فألحقه به و هضه فقد هاض . انتهى . و لما بويع ليزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة و إلى عدي بن أرطأة بالبصرة بهربه و التحرر منه و أبى عدي أن يأخذ المهلب بالبصرة فحبس المفضل حبيباً و مروان ابني المهلب ، بعث عبد الحميد من الكوفة جنداً عليهم هشام بن ساحق بن عامر فأتوا العذيب و مر بيزيد عليهم فوق القطقطانة فلم يقدموا عليه . و مضى نحو البصرة و قد جمع عدي بن أرطأة أهل البصرة و خندق عليها و بعث على خيلها المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل و جاء يزيد على أصحابه الذين معه و انضم إليه أخوه محمد فيمن اجتمع إليه من قومهم . و بعث عدي بن أرطأة على كل خمس من أخماس البصرة رجالاً : فعلى الأزد المغيرة بن زياد بن عمر العتكي ، و على تميم محرز بن حمدان السعدي ، و على بكرة نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع ، و على عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود ، و على أهل العالية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، و هم قريش و كنانة و الأزد و بجيلة و خثعم و قيس عيلان و مزينة فلم يعرضوا ليزيد و أقبل فانزل . انتهى . و اختلف الناس إليه و أرسل إلى عدي أن يطلق له إخوته فينزل به البصرة ، و يخرج حتى يأخذ لنفسه من يزيد ، و بعث حميد ابن أخيه عبد الملك بن المهلب يستأمن له من يزيد بن عبد الملك فأجاره خالد القسري و عمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد له و لأهله و قد كان بعد منصرف حميد فرق في الناس قطع الذهب و الفضة فانثلوا عليه ، و عدي يعطي درهمين درهمين ثم تناجزوا الحرب و حمل أصحاب يزيد على أصحاب عدي فانهزموا و دنا يزيد من القصر ، و خرج عدي بنفسه فانهزم أصحابه . و خاف إخوة يزيد و هم في الحبس أن يقتلوا قبل وصوله فأغلق الباب و امتنعوا فجاءهم الحرس يعالجون فأجفلهم الناس عنه فخلوا عنهم و انطلقوا إلى أخيهم . و نزل دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر و تسور القصر بالسلالم و فتحه و أتى أخيهم . و نزل يزيد دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر و تسور القصر بالسلالم و فتحه و أتى بعدي بن أرطأة فحبسه ، و هرب رؤس البصرة من تميم و قيس و مالك بن المنذر إلى الكوفة و الشام و خرج المغيرة بن زياد بن عمر العتكي إلى الشام فلقي خالداً القسري و عمر بن يزيد و قد جاؤا بأمان يزيد بن المهلب مع حميد بن أخيه فأخبرهما بظهور يزيد على البصرة و حبسه عدياً فرجعا إلى وعد لهما فلم يقبلا ، و قبض عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة على خالد بن يزيد ابن المهلب و حماد بن ذخر ، و حملهما و سيرهما إلى الشام فحبسهما يزيد حتى هلكا بالسجن و بعث يزيد بن عبد الملك إلى أهل الكوفة يثني عليهم و يمنيهم الزيادة و جهز أخاه العباس مسلمة و ابن أخيه العباس بن الوليد إلى العراق في سبعين ألف مقاتل أو ثمانين من أهل الشام و الجزيرة ، فقدموا الكوفة و نزلوا النخيلة . و تكلم العباس يوماً ببعض الكلام فأساء عليه حيان النبطي بالكشة الأعجمية و لما سمع ابن المهلب بوصول مسلمة و أهل الشام فخطب الناس و شجعهم للقائهم و هون عليهم أمرهم و أخبرهم أن أكثرهم له و استوثق له أهل البصرة و بعث عماله على الأهواز و فارس و كرمان و بعث إلى خراسان مدرك بن المهلب و عليها عبد الرحمن بن نعيم و بعث بنو تميم ليمنعوه و لقيه الأزد على رأس المغارة فقالوا : ارجع عنا حتى نرى مآل أمركم . ثم خطب يزيد الناس يدعوهم إلى الكتاب و يحثهم على الجهاد و أن جهاد أهل الشام أعظم ثواباً من جهاد الترك و الديلم و نكر ذلك الحسن البصري و النضر بن أنس بن مالك و تابعها الناس في النكير . و سار يزيد من البصرة إلى واسط و استخلف عليها أخاه مروان بن المهلب و أقام بواسط أياماً ثم خرج منها سنة إثنتين و مائة و استخلف عليها أمان معونة و قدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاستقبله ابن الوليد بسور له فاقتتلوا و انهزم عبد الملك و عاد إلى يزيد و أقبل مسلمة على شاطئ الفرات إلى الأنهار فعقد الجسر و عبر و سار حتى نزل على يزيد بن المهلب و فزع إليه ناس من أهل الكوفة و كان عسكره مائة و عشرين و كان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة و شق المياه و جعل الأرصاد على أهل الكوفة أن يفزعوا إلى يزيد بن المهلب ، و بعث بعثاً إلى مسلمة مع صبرة بن عبد الرحمن بن مختف فعزل مسلمة بن عبد الحميد عن الكوفة و استعمل عليها محمد بن عمر بن الوليد بن عقبة . ثم أراد يزيد بن المهلب أن يبعث أخاه محمد بالعساكر يبيتون مسلمة فأبى عليه أصحابه و قالوا : قد و عدناهم بالكتاب و السنة و وعدوا بالإجابة فلا نغدرهم فقال يزيد : و يحكم تصدقونهم إنهم يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه و الله ما في بني مروان أمكر و لا أبعد غوراً من هذه الجرادة الصغرى يعني مسلمة . و كان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على اللحاق بيزيد أخيه و الحسن البصري يثبطهم و يتهدده فلم يكف ثم طلب الذين يجتمعون إليه فافترقوا فأقام مسلمة بن عبد الملك يطاول يزيد بن المهلب ثمانية أيام ثم خرج يوم الجمعة منتصف صغر فعبى أصحابه و عبى العباس بن الوليد كذلك و التقوا ، و اشتد القتال و أمر مسلمة فأخرق الجسر فسطع دخانه فلما رآه أصحاب يزيد انهزموا و اعترضهم يزيد يضرب في وجوههم حتى كثروا عليه فرجع و ترجل في أصحابه و قيل له : قتل أخوك حبيب فقال : لا خير في العيش بعده و لا بعد الهزيمة . ثم استمات و دلف إلى مسلمة لا يريد غيره فعطف عليه أهل الشام فقتلوه هو و أصحابه ، و فيهم أخوه محمد و بعث مسلمة برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد ابن الوليد بن عقبة و قيل إن الذي قتله الهذيل بن زفر بن الحرث الكلابي و أنف أن ينزل فيأخذ رأسه فأخذه غيره و كان المفضل بن المهلب يقاتل في ناحية المعترك و ما علم ببيقتل يزيد فبقي ساعة كذلك يكر و يفر حتى أخبر بقتل إخوته فافترق الناس عنه ، و مضى إلى واسط و جاء أهل الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة و معه جماعة منهم صدق ، فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة و معه جماعة منهم صدق ، فقاتلوا ساعة من النهار ثم انصرفوا و أسر مسلمة ثلثمائة أسير حبسهم بالكوفة . و جاء كتاب يزيد إلى محمد بن عمر بن الوليد بقتلهم فأمر العريان بن الهيثم صاحب الشرطة بذلك و بدأ بثمانين من بني تميم فقتلهم . ثم جاء كتاب يزيد بإعفائهم فتركهم و أقبل مسلمة فنزل الحيرة و جاء الخبر بقتل يزيد إلى واسط فقتل ابنه معاوية عدي بن أرطاة و محمداً ابنه و مالكاً و عبد الملك ابنا مسمع في ثلاثين و رجع إلى البصرة بالمال و الخزائن و اجتمع بعمه المفضل و أهل بيتهم ، و تجهزوا للركوب في البحر و ركبوا إلى قندابيل و بها وداع بن حميد الأزدي ولاه عليها يزيد بن المهلب ملجأ لأهل بيته إن وقع بهم ذلك فركبوا البحر بعيالهم و أموالهم إلى جبال كرمان فنزلوا بها و اجتمع إليهم الفل من كل جانب . و بعث مسلمة مدرك بن ضب الكلبي في طلبهم فقاتلهم و قتل من أصحابه المفضل النعمان بن إبراهيم و محمد بن إسحق بن محمد بن الأشعث و أسر ابن صول قهستان ، و هرب عثمان بن اسحق بن محمد بن الأشعث فقتل و حمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة و رجع ناس من أصحاب بني المهلب فاستأمنوا و أمنهم مسلمة منهم مالك بن إبراهيم بن الأشتر و الورد ابن عبد الله بن حبيب السعدي التميمي و مضى إلى آل المهلب و من معهم بقندابيل فمنعهم وداع بن حميد من دخولها و خرج معهم لقتال عدوهم و كان مسلمة قد رد مدرك بن ضب بعد هزيمتهم في جبال كرمان و بعث في أثرهم هلال بن أحور التميمي فلحقهم بقندابيل فتبعوا لقتاله ! و بعث هلال رايه أمان فمال إليه وداع بن حميد و عبد الملك بن هلال و افترق الناس عن آل المهلب ثم استقدموا فاستأمنوا فقتلهم عن آخرهم : المفضل و عبد الملك و زياد و مروان بنو المهلب ، و معاوية بن يزيد بن المهلب و المنهال و عمر بن يزيد بن المهلب و عمر بن يزيد بن المهلب و عثمان بن المفضل بن المهلب بريبيل ملك الترك و بعث هلال بن أحور برؤسهم و سبيهم و أسراهم إلى مسلمة بالحيرة فبعث بهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد في حلب فنصب الرؤوس و أراد مسلمة أن يبتاع الذرية فاشتراهم الجراح بن عبد الله الحكمي بمائة ألف و خلى سبيلهم ، و لم يأخذ مسلمة من الجراح شيئاً و لما قدم بالأسرى على يزيد بن عبد الملك و كانوا ثلاثة عشر أمر يزيد فقتلوا و كلهم من ولد المهلب و استأمنت هند بنت المهلب لأخيها عيينة إلى يزيد بن عبد الملك فأمنه و أقام عمر و عثمان عند رتبيل حتى أمنهما أسد بن عبد القسري عليه بخراسان .

ولاية مسلمة على العراق و خراسان
و لما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب بني المهلب ولاه يزيد بن عبد الملك العراق و جمع له ولاية البصرة و الكوفة و خراسان فأقر على الكوفة محمد بن عمر بن الوليد و كان قد قام بأمر البصرة بعد بني المهلب شبيب بن الحرث التميمي فبعث عليها مسلمة عبد الرحمن بن سليم الكلبي و على شرطتها عمر بن يزيد التميمي و أراد عبد الرحمن أن يقتل شيعة بن المهلب بالبصرة فزله عبد الملك بن بشر ابن مروان و أقر عمر بن يزيد على الشرطة و استعمل مسلمة على خراسان صهره على سعيد بن عبد العزيز بن الحرث بن الحكم بن أبي العباس و يلقب سعيد خدينة . و دخل عليه بعض العرب بخراسان و عليه ثياب مصبغة و حوله مرافق مصبغة ، و سئل عنه لما خرج فقال : خدينة و هي الدهقانة ربة البيت . و لما ولاه على خراسان سار إليها فاستعمل شعبة بن ظهر النهشلي على سمرقند فسار إليها و قدم الصغد و كان أهلها كفروا أيام عبد الرحمن بن نعيم ، ثم عادوا إلى الصلح فوبخ ساكنها من العرب و غيرهم بالجبن فاعتذروا بأمر أميرهم علي بن حبيب العبدي . ثم حبس سعيد عمال عبد الرحمن بن عبد الله و أطلقهم ، ثم حبس عمال يزيد بن المهلب رفع لهم أنهم اختانوا الأموال فعذبهم فمات بعضهم في العذاب و بقي بعضهم بالسجن حتى غزاهم الترك و الصغد فأطلقهم .

العهد لهشام بن عبد الملك و الوليد بن يزيد
لما بعث يزيد بن عبد الملك الجيوش إلى يزيد بن المهلب مع مسلمة أخيه و العباس بن أخيه الوليد قال له العباس : إنا نخاف أن يرجف أهل العراق بموتك و يبث ذلك في أعضادنا و أشار عليه بالعهد لعبد العزيز أخيه بن الوليد و بلغ ذلك مسلمة فجاءه و قال : أخوك أحق فإن ابنك لم يبلغ و أشار عليه بأخيه هشام و ابنه الوليد من بعده . و الوليد ابن إحدى عشرة سنة فبايع لهما كذلك ثم بلغ ابنه الوليد فكان إذا رآه يقول بيني و بين من قدم هشاماً عليك .

غزوة الترك
لما ولي سعيد خراسان استضعفه الناس و سموه خدينة و استعمل شعبه على سمرقند ثم عزله كما مر و ولى مكانه عثمان بن عبد الله بن مطرف بن الشخير فطمعت الترك ، و بعثهم خاقان إلى الصغد ، و على الترك كورصول و أقبلوا حتى نزلوا قصر الباهلي و فيه مائة أهل بيت بذراريهم . و كتبوا إلى عثمان بسمرقند و خافوا أن يبطئ المدد ، فصالحوا الترك على أربعين ألفاً و أعطوهم سبعة عشر رجلاً رهينة . و ندب عثمان الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي و معه أربع آلاف من سائر القبائل . فقال لهم المسيب : من أراد الغزو و الصبر على الموت فليتقدم فرجع عنه ألف ، و قالها بعد فرسخ فرجع ألف آخر ، ثم أعادها ثالثة بعد فرسخ فاعتزله ألف . و سار حتى كان على فرسخين من العدو فأخبره بعض الدهاقين بقتل الرهائن و ميعادهم غداً . و قال أصحابي ثلثمائة مقاتل و هم معكم فبعث المسيب إلى القصر رجلين عجمياً و عربياً يأتيانه بالخبر ، فجاؤا في ليلة مظلمة و قد أجرت الترك الماء بدائر القصر لئلا يصل إليه أحد فصاح بهما فقالا له اسكت وادع لنا فلانا . فأعلماه قرب العسكر و سألا هل عندكم امتناع غداً ؟ فقال : لهما نحن مستميتون . فرجعا إلى المسيب فأخبره فعزم على تبييت الترك و بايعه أصحابه على الموت و ساروا يومهم إلى الليل . و لما أمسى حثهم على الصبر و قال : ليكن شعاركم يا محمد و لا تتبعوا مولياً و اعقروا الدواب فإنه أشد عليهم ، و ليست بكم قلة فإن سبعمائة سيف لا يضرب بها في عسكر إلا أوهنته ، و إن كثر أهله . ثم دنوا من العسكر في السحر و ثار الترك و خالطهم المسلمون و عقروا الدواب و ترجل المسيب في أصحابه له فقاتلوا قتالاً شديداً و قتل عظيم من عظماء الترك فانهزم و نادى منادي المسيب لاتتبعوهم و اقصدوا القصر و احملوا من فيه ، و لا تحملوا من متاعهم إلا المال و من حمل إمرأة أو صبياً أو ضعيفاً حسبةً فأجره على الله و إلا فله أربعون درهماً . و حملوا من في القصر إلى سمرقند و رجع الترك من الغد فلم يروا في القصر أحداً . و رأوا قتلاهم فقالوا : لم يكن الذين جاؤنا بالأمس .

غزو الصغد
و لما كان من انتقاض االصغد إعانتهم على المسلمين ما ذكرنا تجهز سعيد لغزوهم و عبر النهر فلقيه الترك و طائفة من الصغد فهزمهم المسلمون . و نهاهم سعيد عن اتباعهم و قال هم جباية أمير المؤمنين فانكفوا عنهم . ثم سار المسلمون إلى واد بينهم و بين المرج فقطعه بعض العسكر و قد أكمن لهم الترك فخرجوا عليهم و انهزم المسلمون إلى الوادي و قيل بل كان المنهزمون مسلحة للمسلمين و كان فيمن قتل شعبة بن ظهر في خمسين رجلاً . و جاء الأمير و الناس فانهزم العدو و كان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا و غنموا و سبوا رد السبي و عاقب فثقل سعيد على الناس و ضعفوه و لما رجع من هذه الغزاة و كان سورة بن الأبجر قد قال لحيان النبطي يوم أمر سعيد بالكف عن الصغد و انهم جباية امير المؤمنين فقال : سورة إرجع عنهم يا حيان فقال : عقيرة الله لا أدعها . فقال انصرف يانبطي . قال : أنبط الله وجهك فحقدها عليه سورة و أغزى به سعيد خدينة و قال : إنه أفسد خراسان على قتيبة و يثب عليك و يتحصن ببعض القلاع له سعيد : لا يسمع هذا منك أحد ، ثم حاول عليه و سقاه لبناً قد ألقى فيه ذهباً مسحوقاً . ثم ركض الناس معه أربعة فراسخ فعاش حيان من بعدها ليالي قلائل و مات .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:48 pm

ولاية ابن هبيرة على العراق و خراسان
كان مسلمة لما ولي على هذه الأعمال لم يدفع من الخراج شيئاً و استحيا يزيده من عزله فكتب إليه بالقدوم و أن يستخلف على عمله و سار لذلك سنة ثلاث و أربعمائة ، فلقيه عمر بن هبيرة بالطريق على دواب البريد ، و قال : وجهني أمير المؤمنين لحيازه أموال بني المهلب فارتاب لذلك ، و قال له بعض أصحابه : كيف يبعث ابن هبيرة من عند الجزيرة لمثل هذا الغرض ؟ ثم أتاه أن ابن هبيرة عزل عماله . و كان عمر بن هبيرة من النجابة بمكان ، و كان الحجاج يبعثه في البعوث ، و هو ممن سار لقتال مطرف بن المغيرة حين خلغ و يقال إنه الذي قتله ، و جاء برأسه ، فسيره ، الحجاج إلى عبد الملك فأقطعه قرية قريبة من دمشق . ثم بعثه إلى كروم ابن مرثد الفزاري ليخلص منه فارتاب و أخذ المال و لحق بعبد الملك عائداً به من الحجاج و قال قتلت ابن عمه و لست آمنه على نفسي ، فأجاره عبد الملك ، و كتب الحجاج إليه فيه فقال : أمسك عنه و عظم شأنه عبد الملك و بنوه و استعمله عمر بن عبد العزيز على روم من ناحية أرمينية و أثخن فيهم و أسر سبعمائة منهم و قتلهم . و استخدم أيام يزيد لمحبوبته حبابة فسعت له في ولاية العراق ، فولاه مكان أخيه مسلمة . و لما ولي قدم عليه المجشر بن مزاحم السلمي ، و عبد الله بن عمر الليثي في وفد فشكوا من سعيد و حذيفة عاملهم و هو صهر مسلمة فعزله و ولى مكانه على خراسان سعيد بن عمر الحريشي من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، فسار خدينة عن خراسان و قدم سعيد فلم يعرض لعماله . و لما قدم على خراسان كان الناس بإزاء العدو و قد نكثوا ، فحثهم على الجهاد و خاف الصغد منه بما كانوا أعانوا الترك أيام خدينة ، فقال لهم ملكهم : احملوا له خراج ما مضى و اضمنوا خراج ما يأتي و العمارة و الغزو معه ، و أعطوه الرهن بذلك . فأبوا إلا أن يستجيروا بملك فرغانة و خرجوا من بلادهم إلى خجندة و سألوا الجوار و أن ينزلوا شعب عصام . فقال : أمهلونا عشرين يوماً أو أربعين لنخليه لكم و ليس لكم علي جوار قبل دخولكم إياه . ثم غزاهم الحريش سنة أربع و مائة فقطع النهر و ترك قصر الريح على فرسخين من الدنوسية ، و أتاه ابن عم ملك فرغانة يغريه بأهل الصغد و أنهم بخجندة ، و لم يدخلوا جواره بعد ، فبعث معه عبد الرحمن القسري في عسكر ، و جاء في أثره حتى نزلوا على خجندة ، و خرج أهل صغد لقتالهم فانهزموا ، و قد كانوا حفروا خندقاً و غطوه بالتراب ليسقط فيه المسلمون عند القتال . فلما انهزموا ذلك اليوم أخطأهم الطريق و أسقطهم الله في ذلك الخندق . ثم حاصرهم الحريشي ، و نصب عليهم المجانيق و أرسلوا إلى ملك فرغانة ليجيرهم ، فقال : قد شرطت عليكم أن لا جوار قبل الأجل الذي بيني و بينكم . فسألوا الصلح من الحريشي على أن يردوا ما في أيديهم من سبي العرب ، و يعطوا ما كسر من الخراج و لا يتخلف أحد منهم بخجندة ، و إن أحدثوا حدثاً استبيحت دماؤهم . فقبل منهم و خرجوا من خجندة و نزلوا في العسكر على كل من يعرفه . و بلغ الحريش أنهم قتلوا إمرأة فقتل قاتلها ، فخرج قبيل منهم فاعترض الناس و قتل جماعة . و قتل الصغد من أسرى المسلمين مائة وخمسين ، و لقي الناس منهم عنفاً ثم أحاطوا بهم و هم يقاتلون بالخشب ليس لهم سلاح فقتلوا عن آخرهم ثلاثة آلاف أو سبعة آلاف . و كتب الحريشي إلى يزيد بن عبد الملك و لم يكتب لعمر بن هبيرة فأحفظه ذلك ثم سرح الحريشي سليمان بن أبي السرى إلى حصن يطيف به وراء الصغد و معه خوارزم شاه و ملك أجرون و سومان . فسار سليمان و على مقدمته المسيب بن بشر الرياحي ، و لقيه أهل الحصن فهزمهم ثم حاصرهم فسألوا الصلح على أن لا يعرض لسبيهم و يسلموا القلعة بما فيها فقبل . و بعث إلى الحريشي فقبضه و بعث من قبضه . و سار الحريشي إلى كش و نسف حرباً و خراجاً سليمان بن أبي السري و استنزل مكانه آخر اسمه قشقري من حصنه على الأمان و جاء به إلى مرو فشنقه و صلبه .

ولاية الجراح على أرمينية و فتح بلنجر
و لما سار ابن هبيرة على الجزيرة و أرمينية تشبب البهراني فحفل لهم الخزر و هم التركمان و استجاشوا بالقفجاق و غيرهم من أنواع الترك ، و لقوا المسلمين بمرج الحجارة فهزموهم و احتوى التركمان علىعسكرهم و غنموا ما فيه . و قد المنهزمون على يزيد بن عبد الملك فولى على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمي و أمده بجيش كثيف و سار لغزو الخزر فعادوا للباب و الأبواب . و نزل الجراح بردعة فأراح بها قليلاً ، ثم سار نحوهم و عبر نهر الكر و أشاع الإقامة ليرجع بذلك عيونهم إليهم ثم أسرى من ليلته و أجد السير إلى مدينة الباب فدخلها وبث السرايا للنهب و الغارة . و زحف إليه التركمان و عليهم ابن ملكهم فلقيهم عند نهر الزمان و اشتد القتال بينهم ، ثم انهزم التركمان و كثر القتل فيهم ، و غنم المسلمون ما معهم و ساروا حتى نزلوا على الحصن ، و نزل أهلها على الأمان فقتلهم . ثم سار إلى مدينة برغوا فحاصرها ستة أيام ، ثم نزلوا على الأمان و نقلهم ثم ساروا إلى بلنجر و قاتلهم التركمان دونها فانهزموا و افتتح الحصن عنوة . و غنم المسلمون جميع ما فيه فأصاب الفارس ثلثمائة دينار و كانوا بضعة و ثلاثين ألفاً . ثم إن الجراح رجع حصن بلنجر إلى صاحبه و رد عليه أهله و ماله ، على أن يكون عيناً للمسلمين على الكفار . ثم نزل على حصن الوبيد و كان به أربعون ألف بيت من الترك فصالحوا الجراح على مال أعطوه إياه . ثم تجمع الترك و التركمان و أخذوا الطرق على المسلمين فأقام في رستاق سبى و كتب إلى يزيد بالفتح و طلب المدد و كان ذلك آخر عمر يزيد و بعث بعد ذلك إليه بالمدد و أقره على العمل .

ولاية عبد الواحد القسرى على المدينة و مكة
كان عبد الرحمن بن الضحاك عاملاً على الحجاز منذ أيام عمر بن عبد العزيز و أقام عليها ثلاث سنين ثم حدثته نفسه خطبة فاطمة بنت الحسين فامتنعت فهددها بأن يجلد ابنها في الخمر و هو عبد الله بن الحسن المثنى . و كان على ديوان المدينة عامل من أهل الشام يسمى ابن هرمز . و لما رفع حسابه و أراد السير إلى يزيد جاء ليودع فاطمة ، فقالت : أخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك و ما يتعرض لي . ثم بعث رسولها بكتابها إلى يزيد يخبره . و قدم ابن هرمز على يزيد فبينما هو يحدثه عن المدينة قال الحاجب : بالباب رسول فاطمة بنت الحسين ، فذكر ابن هرمز ما حملته . فنزل عن فراشه و قال عندك مثل هذا و ما تخبرني به ! فاعتذر بالنسيان . فأدخل يزيد الرسول و قرأ الكتاب و جعل ينكث الأرض بخيزرانة و يقول : لقد اجترأ ابن الضحاك هل من رجل يسمعني صوته في العذاب قيل له عبد الواحد بن عبد الله القسري فيكتب إليه بيده قد وليتك المدينة فانهض إليها و اعزل ابن الضحاك و غرمه أربعين ألف دينار ، و عذبه حتى أسمع و أنا على فراشي . و جاء البريد بالكتاب إليه و لم يدخل علىابن الضحاك فأحضر البريد و دس إليه بألف دينار فأخبره الخبر فسار ابن الضحاك إلى مسلمة بن عبد الملك و استجار به و سأل مسلمة فيه يزيد فقال : و الله لا أعفيه أبداً فرده مسلمة إلى عبد الواحد بالمدينة فعذبه و لقي شراً ، و لبس جبة صوف يسأل الناس و كان قد آذى الأنصار فذموه و كان قدوم القسري في شوال سنة أربع و مائة و أحسن السيرة فأحبه الناس و كان يستشير القاسم بن محمد و سالم بن عبد الله .

عزل الحريشي و ولاية مسلم الكلبي على خراسان
كان سعيد الحريشي عاملاً على خراسان لابن هبيرة كما ذكرنا و كان يستخف به و يكاتب الخليفة دونه و يكنيه أبا المثنى . و بعث من عيونه من يأتيه بخبره فبلغه أعظم مما سمع فعزله و عذبه حتى أدى الأموال و عزم على قتله ثم كف عنه . و ولى ابن هبيرة على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي ، و لما جاء إلى خراسان حبسه و قيده و عذبه كما قلنا . فلما هرب ابن هبيرة بعد ذلك عن العراق أرسل خالد القسري في طلبه الحريشي فأدركه على الفرات و قال لابن هبيرة ما ظنك بي قال : إنك لا تدفع رجلاً من قومك إلى رجل من قسر قال : هو ذاك ثم انصرف و تركه .

وفاة يزيد و بيعة هشام
ثم توفي يزيد بن عبد الملك في شعبان سنة خمس و مائة لأربع سنين من خلافته و ولى بعده أخوه هشام بعهده إليه بذلك كما مر ، و كان بحمص فجاءه الخبر بذلك فعزل عمر ابن هبيرة عن العراق وولى مكانه خالد بن عبد الله القسري فسار إلى العراق من يومه .

غزو مسلم الترك
غزا مسلم بن سعيد الترك سنة خمسة و مائة فعبرالنهر و عاث في بلادهم و لم يفتح شيئاًو قفل فأتبعه الترك و لحقوه علىالنهر فعبرالناس و لم ينالوا منه . ثم غزا بقية السنة و حاصر أفشين حتى صالحوه على ستة آلاف رأس ، ثم دفعوا إليه القلعة . ثم غزا سنة ست و مائة ، و تباطأ عنه الناس ، و كان ممن تباطأ البختري بن درهم ، فرد مسلم نصر بن سيار إلى بلخ و أمره أن يخرج الناس إليه , و على بلخ عمر بن قتيبة أخو مسلم ، فجاء نصر و أحرق باب البختري و زياد بن طريف الباهلي . ثم منعهم عمر من دخول بلخ و قد قطع سعيد النهر ، و نزل نصر بن سيار البروقان و أتاه جند الضلاضيان ، و تجمعت ربيعة و الأزد بالبروقان على نصف فرسخ من نصر و خرجت مضر إلى نصر ، و خرج عمر بن مسلم إلى ربيعة والأزد و توافقوا و سفر الناس بينهما في الصلح و انصرف نصر . ثم حمل البختري و عمر بن مسلم على نصر فكر عليهم فقتل منهم ثمانية عشر و هزمهم و أتى بعمر بن مسلم و البختري و زياد بن طريف فضربهم مائة مائة و حلق رؤسهم و لحاهم و ألبسهم المسوح . و قيل إن سبب تعزيز عمر بن مسلم إنهزام تميم عنه و قيل انهزام ربيعة و الأزد ثم أمنهم نصر بعد ذلك و أمرهم أن يلحقوا بمسلم بن سعيد . و لما قطع مسلم النهر و لحقه من لحق من أصحابه سار إلى بخارى فلحقه بها كتاب خالد بن عبد الله القسري بولايته و يأمره بإتمام غزاته ، فسار إلى فرغانة و بلغه أن خاقان قد أقبل إليه فارتحل . و لحقه خاقان بعد ثلاثة مراحل لقي فيها طائفة من المسلمين فأصابهم . ثم أطاف بالعسكر و قاتل المسلمين ، و قتل المسيب بن بشر الرياحي و البراء من فرسان المهلب و أخو غورك و ثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر و رحل مسلم بالناس ثمانية أيام و الترك مطيفون بهم بعد أن أمر بإحراق ما ثقل من الأمتعة ، فأحرقوا ما قيمته ألف ألف . و أصبحوا في التاسع قريب النهر دونه أهل فرغانة و الشاش . فأمر مسلم الناس لأن يخرطوا سيوفهم و يحملوا فافرج أهل فرغانة و الشاش عن النهر ، و نزل مسلم بعسكره ثم عبر من الغد ، و اتبعهم ابن خاقان . فكان حميد بن عبد الله على الساقة من وراء النهر و هو مثخن بالجراحة . فبعث إلى مسلم بالانتظار و عطف علىالترك فقاتلهم و أسر قائدهم و قائد الصغد ثم أصابه سهم فمات . و أتوا خجندة و قد أصابتهم مجاعة و جهد و لقيهم هنالك كتاب أسد بن عبد الله القسري أخي خالد بولايته على خراسان و استخلافه عبد الرحمن بن نعيم . فقرأ مسلم الكتاب و قال سمعاً و طاعة .

ولاية أسد القسري على خراسان
و لما غزا خالد بن عبد الله خراسان استخلف عليها أخاه أسد بن عبد الله فقدم و مسلم بن سعيد بفرغانة فلما رجع و أتى النهى ليقطعه منعه الأشهب بن عبد الله التميمي و كان على السفن بآمد حتى عرفه أنه الأمير فأذن له . ثم عبر أسد النهر و نزل بالمرج و على سمرقند هانئ بن هانئ ، فخرج بالناس و تلقى أسداً و أدخله سمرقند و بعث أسد إلى عبد الرحمن بن نعيم بالولاية على العسكر فقفل بالناس إلى سمرقند . ثم عزل أسداً عنها و ولى مكانه الحسن بن أبي العمرطة الكندي ثم قدم مسلم بن سعيد بن عبد الله بخراسان فكان يكرمه و مر بابن هبيرة و هو يروم الهرب و أسلم على يديه . ثم غزا الغور و هي جبال هراة فوضع أهلها أثقالهم في الكهوف و لم يكن إليهم طريق فاتخذ التوابيت و وضع فيها الرجال و دلاها بالسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه ثم قطع كماق النهر و جاءه خاقان و لم يكن بينهما قتال و قيل عاد مهزوماً من الجسر . ثم سار إلى عوبرين و قاتلها و أبلى نصر بن سيار و مسلم بن أحور و انهزم المشركون و حوى المسلمون عسكرهم بما فيه .

ولاية أشرس على العراق
كان أسد بن عبد الله في ولايته على خراسان يتعصب حتى أفسد الناس و ضرب نصر بن سيار بالسياط و عبد الرحمن بن نعيم و سورة بن أبجر و البختري بن أبي درهم ، و عامر بن مالك الحماني و حلقهم و سيرهم إلى أخيه ، و كتب إليه أنهم أرادوا الوثوب بي فلامه خالد و عنفه و قال : هلا بعثت برؤوسهم ؟ و خطب أسد يوماً فلعن أهل خراسان . فكتب هشام بن عبد الملك إلى خالد اعزل أخاك فعزله في رمضان سنة تسع و ولى مكانه الحكم بن عوانة الكلبي فقعد عن الصائفة تلك السنة فاستعمل هشام على خراسان أشرس بن عبد الله السلمي و أمره أن يراجع خالداً فكان خيراً ففرح به أهل خراسان .

عزل أشرس
أرسل أشرس إلى سمرقند سنة عشر و مائة أبا الصيدا صالح بن ظريف مولى بني ضبة و الربيع بن عمران التميمي إلى سمرقند و غيرها مما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام ، على أن توضع عنهم الجزية ، و عليها الحسن بن العمرطة الكندي على حربها و خراجها ، فدعاهم لذلك و أسلموا . و كتب غورك إلى الأشرس أن الجراح قد انكسر ، فكتب أشرس إلى ابن العمرطة : بلغني أن أهل الصغد و أشباههم لم يسلموا رغبة ، و إنما أسلموا نفوراً من الجزية فانظر من اختتن و أقام الفرائض ، و قرأ سورة من القرآن فارفع خراجه . ثم عزل ابن العمرطة عن الخراج و ولى عليها ابن هانئ و منعهم أبو الصيدا أخذ الجزية ممن أسلم ، و كتب هانئ إلى أشرس بأنهم أسلموا و بنوا المساجد فكتب إليه و إلى العمال أن يعيدوا الجزية على من كانت عليه و لو أسلم ، فامتنعوا و اعتزلوا في سبعة آلاف على فراسخ من سمرقند وخرج معهم أبو الصيدا و ربيع بن عمران و الهيثم الشيباني و أبو فاطمة الأزدي و عامر بن قشير و بشير الحجدري و بيان العنبري و إسمعيل بن عقبة لينصروهم . و بلغ الخبر إلى أشرس فعزل ابن العمرطة عن الحرب و ولى مكانه المجشر بن مزاحم السلمي و عميرة بن سعد الشيباني ، فكتب المجشر إلى أبي الصيدا يستقدمه هو و أصحابه فقدم و معه ثابت قطنة فحبسهما و سيرهما إلى أشرس ، و اجتماع الباقون و ولوا عليهم أبا فاطمة ليقاتلوا هانئاً فكتب أشرس و وضع عنهم الخراج فرجعوا و ضعف أمرهم و تتبعوا فحبسوا كلهم و ألح هانئ في الخراج و استخف بغعل العجم و الدهاقين . و أقيموا في العقوبات و حرقت ثيابهم ، و ألقيت مناطقهم في أعناقهم و أخذت الجزية من أسلم . فكفرت الصغد و بخارى ، و استجاشوا بالترك و خرج أشرس غازياً فنزل آمد و أقام أشهراً و قدم قطن بن قتيبة بن مسلم في عشرة آلاف فعبر النهر و لقي الترك و أهل الصغد و بخارى و معهم خاقان ، فحصروا قطناً في خندقه . و أغار الترك على سرح المسلمين ، و أطلق أشرس ثابت بن قطنة بكفالة عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو و بعث معه في خيل ، فاستقدمه من أيدي الترك ما أخذوه ثم عبر أشرس بالناس و لحق بقطن و لقيهم العدو فانهزموا أمامهم و سار أشرس بالناس حتى جاء بيكند فحاصرها المسلمون ، و قطع أهل البلد عنهم الماء ، و أصابهم العطش فرحلوا إلى المدينة و اعترضهم دونها العدو فقاتلوهم قتالاً شديداً و أبلى الحرث بن شريح و قطن بن قتيبة بلاء شديداً و أزالوا الترك عن الماء فقتل يومئذ ثابت قطنة وصخر بن مسلم بن النعمان العبدي ، و عبد الملك بن دثار الباهلي و غيرهم و حمل قطن بن قتيبة في جماعة تعاقدوا على الموت ، فانهزم العدو و اتبعهم المسلمون يقتلونهم إلى الليل . ثم رجع أشرس إلى بخارى و جهز عليها عسكراً يحاصرونهم و عليهم الحرث بن شريح الأزدي ثم حاصر خاقان مدينة كمرجة من خراسان و بها جمع من المسلمين . و قطعوا القنطرة و أتاهم ابن جسر و ابن يزدجرد و قال : إن خاقان جاء يرد علي منكبي و أنا آخذ لكم الأمان فشتموه و أتاهم يزغري في مائتين و كان داهية ، و كان خاقان لايخالفه . فطل رجلاً يكلمه فجاءه يزيد بن سعد الباهلي فرغبه بإضعاف العطاء و الإحسان على النزول و يسيرون معهم ، فلاطفه و رجع إلى أصحابه و قال هؤلاء يدعونكم لقتال المسلمين ، فأبوا و أمر خاقان فألقى الحطب الرطب في الخندق ليقطعه ، و ألقى المسلمون البهائم ليأكلوها و يحشوا جلودها ترابا و يملؤا بها الخندق . و أرسل الله سبحانه سحابة فاحتمل السيل ما في الخندق إلى النهر الأعظم و رمى المسلمون بالسهام فأصيب يزغري بسهم و مات من ليلته فقتلوا جميع من عندهم من الأسرى و الرهن . و لم يزالوا كذلك حتى نزلت جيوش المسلمين فرغانة فجردوا عليهم و اشتد قتالهم و صالحهم المسلمون على أن يسلموا لهم كمرجة و يرحلوا عليها إلى سمرقند و الدنوسية و تراهنوا على ذلك و تأخر خاقان حتى يخرجوا و خلف معهم كورصول ليبلغهم إلى مأمنهم فارتحلوا حتى بلغوا الدنوسية و أطلقوا الرهن و كانت مدة الحصار ستين يوماً .

عزل أشرس عن خراسان و ولاية الجنيد
و في سنة إحدى عشرة ومائة عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان و ولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن عمر بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري أهدى إلى أم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جواهر فأعجبت هشاماً فأهدى له أخرى مثلها فولاه خراسان و حمله على البريد فقدم خراسان في خمسمائة و وجد الخطاب ابن محرز السلمي خليفة أشرس على خراسان فسار الجنيد إلى ما وراء النهر و معه الخطاب و استخلف على مرو المجشر بن مزاحم السلمي و على بلخ سورة بن أبجر التميمي . و بعث إلى أشرس و هو يقاتل أهل بخارى و الصغد أن يبعث إليه بسرية مخافة أن يعترضه العدو ، فبعث إليه أشرس عامر بن مالك الجابي فعرض له الترك و الصغد فقاتلوهم ثم استداروا وراء معسكر الترك و حمل المسلمون عليهم من أمامهم فانهزم الترك و لحق عامر بالجنيد فأقبل معه و على مقدمته عمارة بن حزيم و اعترضه الترك فهزمهم . و زحف إليه خاقان بنواحي سمرقند و قطن ابن قتيبة على ساقته ، فهزم خاقان و أسر ابن أخيه و بعث به هشام ، و رجع إلى مرو ظافراً . و استعمل قطن بن قتيبة على بخارى و الوليد بن القعقاع العبسي على هراة و حبيب بن مرة العبسي على شرطته و مسلم بن عبد الرحمن الباهلي على بلخ و عليها نصر بن سيار فبعث مسلم إلى نصر وجيء به في قميص دون سراويل ، فقال شيخ مضر جئتم به على هذه الحالة ؟ فعزل الجنيد مسلماً عن بلخ و أوفد وفداً إلى هشام يخبر غزاته .

مقتل الجراح الحكمي
قد كان تقدم لنا دخوله إلى بلاد الخزر سنة أربع و مائة و انهزامهم أمامه و أنه أثخن فيهم و ملك بلنجر و ردها على صاحبها و أدركه الشتاء فأقام هنالك . و أن هشاماً أقره على عمله ثم ولاه أرمينية فدخل بلاد التركمان من ناحية تفليس سنة إحدى عشرة ففتح مدينتهم البيضاء و انصرف ظافراً . فاجتمع الخزر و الترك من ناحية اللاف ، و زحف إليهم الجراح سنة إثنتي عشرة و لقيهم بمرج أردبيل ، فاقتتلوا أشد قتال ، و تكاثر العدو عليه فاستشهد و من معه وقد كان استخلف أخاه الحجاج على أرمينية و لما قتل طمع الخزر و هم التركمان و أوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل ، و قيل كان قتله ببلنجر . و لما بلغ الخبر هشاماً دعا سعيد الحريشي فقال : بلغني أن الجراح انهزم ! قال : الجراح أعرف بالله من أن ينهزم و لكن قتل فابعثني على أربعين من دواب البريد و ابعث إلي كل يوم أربعين رجلاً مدداً و اكتب إلى أمراء الأجناد يواسوني ففعل و سار الحريشي فلا يمر بمدينة إلا يستنهض أهلها فيجيبه من أراد الجهاد . و وصل مدينة أزور فلقيه جماعة من أصحاب الجراح فردهم معه و وصل إلى خلاط فحاصرها و فتحها و قسم غنائمها . ثم سار عنها يفتح القلاع و الحصون إلى بروعة فنزلها و ابن خاقان يومئذ بأذزبيجان يحاصرها مدينة ورثان منها و يعيث في نواحيها ، و بعث الحريشي إلى أهل ورثان يخبرهم بوصوله فأخرج العدو عنهم و وصل إليهم الحريشي . ثم اتبع العدو إلى أردبيل و جاءه بعض عيونه بأن عشرة آلاف من عسكرهم على أربعة فراسخ منه و معهم خمسة آلاف بيت من المسلمين أسارى و سبايا ، فبيتهم و قتلهم أجمعين و لم ينج منهم أحد و استنقذ المسلمين منهم . و سار إلى باجروان فجاءه عين آخر ودله على جمع منهم فسار إليهم و استحلمهم أجمعين و استنفد من معهم من المسلمين ، و كان فيهم أهل الجراح و ولده فحملهم إلى باجروان . ثم زحف إليهم جموع الخزر مع ابن ملكهم و التقوا بأرض زرند ، و اشتد القتال و السبي من معسكر الكفار فبكى المسلمون رحمة لهم و صدقوا الحملة ، فانهزم الكفار و اتبعهم المسلمون إلى نهر أرس و غنموا ما كان معهم من الأموال و استنفدوا الأسرى و السبايا و حملوهم إلى باجروان . ثم تناصر الخزر في ملكهم و رجعوا فنزلوا نهر البيلقان و اقتتلوا قتالاً شديداً . ثم انهزموا فكان من غرق أكثر ممن قتل و جمع الحريشي الغنائم و عاد إلى باجروان فقسمها و كتب إلى هشام بالفتح . و استقدمه و ولى أخاه مسلمة على أرمينية و أذربيجان .

وقعة الشعب بين الجنيد و خاقان
و خرج الجنيد سنة إنثني عشرة و مائة من خراسان غازياً إلى طخارستان و بعث إليها عمارة ابن حزيم في ثمانية عشر ألفاً ، بعث ابراهيم بن سام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر و حاشتك الترك و زحف بهم خاقان إلى سمر قند و عليها سورة بن أبجر فكتب إلى الهند مستغيثاً فأمر الجنيد بعبور النهر فقال له المجشر بن مزاحم السلمي و ابن بسطام الأزدي : إن الترك ليسوا كغيرهم و قد جندك فسلم ابن عبد الرحمن بالنبراود و البختري بهراة و عمارة بن حزيم بطخارستان و لا تعبر النهر في أقل من خمسين ألفاً . فاستقدم عمارة و أمهل فقال : أخي على سورة و عبر الجنيد فنزل كش و تأهب للسير . و غور الترك الآبار في طريق كش و سار الجنيد على التعبية و اعتراضه خاقان و معه أهل الصغد و فرغانة و الشاش ، و حملوا على مقدمته ، و عليها عثمان بن عبد الله بن الشخير فرجعوا و الترك في أتباعهم ثم حملوا على المدينة و أمدهم الجنيد بنصر بن سيار و شدوا على العدو و قتل أعياناً منهم و أقبل الجنيد على الميمنة و أقبل تحت راية الأزد فقال صاحب الراية : ماقصدت كرامتنا لكن علمت أنا لا نصل إليك و منا عين تطرف . فصبروا و قاتلوا حتى كلت سيوفهم و قطع عبيدهم الخشب فقاتلوا بها حتى أدركهم الملل و تعانقوا ثم تحاجزوا و هلك من الأزد في ذلك المعترك نحو من ثمانين فيهم عبد الله بن بسطام و محمد بن عبد الله بن جودان و الحسين بن شيخ و يزيد ابن المفضل الحراني . و بين الناس كذلك إذ طلعت أوائل عسكر خاقان فنادى منادي الجنيد بالنزول فترجلوا ، و خندق كل كائن على رجاله . و قصد خاقان جهة بكر بن وائل و عليهم زياد بن الحرث فحملت بكر عليهم فأفرجوا واشتد القتال ، و أشار أصحاب الجنيد عليه بأن يبعث إلى سورة بن أبجر من سمرقند ليقدم الترك إليه ليكون لهم شغل به عن الجنيد و أصحابه ، فكتب يستقدمه فاعتذر فأعاد عليه تهدده وقال : اخرج و سر مع النهر لا تفارقه فلما خرج هو استبعد طريق النهر و استخلف على سمرقند موسى بن أسود الحنظلي وسار محمد في إثنتي عشر ألفاً حتى إذا بقي بينه و بين الجنيد و عساكره فرسخ لقيه خاقان عند الصباح و حال بينهم و بين الماء و أضرم النار في اليبس حواليهم فاستماتوا و حملوا و انكشفت الترك و أظلم الجو بالعجاج . و كان من وراء الترك لهب سقط فيه جمع العدو و المسلمون و سقط سورة فاندقت فخذه ثم عطف الترك فقتلوا المسلمين و لم يبق منهم إلا القليل و انحاش بالناس المهلب بن زياد و العجمي في ستمائة أو ألف ، و معه قريش بن عبد الله العبدي إلى رستاق المرغاب ، و قاتلوا بعض قصوره فأصيب المهلب و ولوا عليهم الرحب بن خالد . و جاءهم الاسكيد صاحب نسف و غورك ملك الصغد فنزلوا معه إلى خاقان فلم يجز أمان غورك و قتلهم و لم ينج منهم أحد . ثم خرج الجنيد من الشعب قاصداً سمرقند و أشار عليه مجشر بن مزاحم بالنزول فنزل و وافقته جموع الترك فجال الناس جولة و صبر المسلمون و قاتل العبيد و انهزم العدو و مضى الجنيد إلى سمرقند فحمل العيالات إلى مرو و أقام بالصغد أربع أشهر و كان صاحب الرأي بخراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمي و عبد الرحمن ابن صبح المخزومي و عبيد الله بن حبيب الهجري . و لما انصرفت الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة بن تيم الله و زميل بن سويد بن شيم بالخبر و تحامل فيه على سورة بن أبجر بما عصاه من مفارقة النهر حتى نال العدو منه فكتب إليه هشام قد بعث إليك من المدد عشرة آلاف من البصرة و مثلها من الكوفة و ثلاثون ألف رمح و مثلها سيفاً . و أقام الجنيد بسمرقند و سار خاقان إلى بخارى و عليها قطن بن قتيبة بن مسلم فخاف عليه من الترك و استشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بن سليم بعد أن اختلف عليه أصحابه فاشترط عليه أن لا يخالفه فأشار بحمل العيالات من سمرقند فقدمهم و استخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فارس و أربعمائة راجل و وفر أعطياتهم و سار العيادات في مقدمته حتى من الضيق و دنا من الطواويس . فأقبل إليه خاقان بكير ميمنية أول رمضان سنة إثنتى عشرة ، و اقتتلوا قليلاً ، ثم رجع الترك و ارتحل من الغد ، فاعترضه الترك ثانياً و قتل مسلم بن أحوز بعض عظمائهم فرجعوا من الطواويس . ثم دخل الجنيد بالمسلمين بخارى و قدمت الجنود من البصرة و الكوفة فسرح الجنيد معهم حورثة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه .

ولاية عاصم على خراسان و عزل الجنيد
بلغ هشاماً سنة ست عشرة أن الجنيد بن عبد الرحمن عامل خراسان تزوج بنت يزيد بن المهلب فغضب لذلك و عزله و ولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي و كان الجنيد قد مرض بالاستسقاء . فقال هشام لعاصم : إن أدركته و به رمق فأزهق نفسه فلما قدم عاصم وجده قد مات و كانت بينهما عداوة فحبس عمارة بن حزيم و كان الجنيد استخلفه و هو ابن عذبة فعذبه و عذب عمال الجنيد .

ولاية مروان بن محمد على أرمينية و أذربيجان
لما عاد مسلمة من غزو الخرز و هم التركمان إلى بلاد المسلمين و كان في عسكره مروان بن محمد بن مروان ، فخرج مختفياً عنه إلى هشام و شكا له من مسلمة و تخاذله عن الغزو و ما أدخل بذلك على المسلمين من الوهم . و بعث إلى العدو بالحرب و أقام شهراً حتى استعدوا و حشدوا و دخل بلادهم فلم يكن له فيهم نكاية و قصد أراد السلامة و رغب إليه بالغزو إليهم لينتقم منهم ، و أن يمده بمائة و عشرين ألف مقاتل و يكتم عليه فأجابه لذلك و ولاه على أرمينية . فسار إليها و جاءه المدد من الشام و العراق و الجزيرة . فأظهر أنه يريد غزو اللان و بعث إلى ملك الخزر في المهادنة فأجاب . و أرسل رسله لتقرير الصلح فأمسكهم مروان إلى أن تجهز و ودعهم و سار على أقرب الطرق فوافاهم و رأى ملك الخزر أن اللقاء على تلك الحال غرر فتأخر إلى أقصى بلاده . و دخل مروان فأوغل فيها و خرب و غنم و سبى إلى آخرها . و دخل بلاد ملك السرير و فتح قلاعها و صالحوه على ألف رأس نصفها غلمان و نصفها جواري و مائة ألف مد تحمل إلى الباب . و صالحه أهل تومان على مائة رأس نصفين و عشرين ألف مد . ثم دخل أرض وردكران فصالحوه . ثم أتى حمرين و افتتح حصنهم ، ثم أتى سبدان فافتتحها صلحاً ، ثم نزل صاحب اللكز في قلعته و قد امتنع من أداء الوظيفة ، فخرج يريد ملك الخزر فأصيب بسهم و مات و صالح أهل اللكز مروان ، و أدخل عامله و سار مروان إلى قلعة سروان فأطاعوا ، و سار إلى الرودانية فأوقع بهم و رجع .

خلع الحرث بن شريح بخراسان
كان الحرث هذا عظيم الأزد بخراسان فخلع ست عشرة و لبس السواد ، و دعا إلى كتاب الله و سنة نبيه و البيعة للرضا على ما كان عليه دعاة بني العباس هناك . و أقبل إلى الغاربات و جاءته رسل عاصم مقاتل بن حيان النبطي و الخطاب بن محرز السلمي فحبسهما و فروا من السجن إلى عاصم بدم الحرث و غدره . و سار الحرث من الغاربات إلى بلخ و عليها نصر بن سيار و التخيبي ، فلقياه في عشرة آلاف و هو في أربعة فهزمهم ، و ملك بلخ و استعمل عليها سليمان بن عبد الله بن حازم . و سار إلى الجوزجان عليها ثم سار إلى مرو و نمي إلى عاصم أن أهل مرو يكاتبونه فاستوثق منهم بالقسامة و خرج و عسكر قريباً من مرو ، و قطع الجسور و أقبل الحرث في ستين ألفاً و معه فرسان الأزد و تميم و دهاقين الجوزجان و الغاربات ، و ملك الطالقان و أصلحوا القناطر ثم نزع محمد بن المثنى في ألفين من الأزد و حماد بن عامر الجانبي في مثلها من بني تميم إلى عاصم ، و لحقوا به . ثم اقتتلوا فانهزم الحرث و غرق كثير من أصحابه في نهر مرو و قتلوا قتلاً ذريعاً . و كان ممن غرق حازم . و لما قطع الحرث نهر مرو ضرب رواقه و اجتمع إليه بها ثلاثة آلاف فارس و كف عاصم عنهم .

ولاية أسد القسرى الثانية بخراسان
كتب عاصم إلى هشام سنة سبع عشرة أن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى العراق ليكون مددها قريب الغوث ، فضم هشام خراسان إلى خالد بن عبد الله القسري و كتب إليه : إبعث أخاك يصلح ما أفسد فبعث خالد أخاه أسداً فسار على مقدمته محمد بن مالك الهمداني . و لما بلغ عاصم الخبر راود الحرث بن شريح على الصلح و أن يكتبا جميعاً إلى هشام يسألانه الكتاب و السنة ، فإن أبى اجتمعا و أبى بعض أهل خراسان ذلك فانتفض بينهما و اقتتلا ، فانهزم الحرث و أسر من أصحابه كثير قتلهم عاصم . و بعث بالفتح إلى هشام مع محمد بن مسلم العنبري فلقيه أسد بالري و جاء إلى خراسان فبعث عاصماً و طلبه بمائة ألف درهم ، و أطلق عمارة بن حزيم و عمال الجنيد . و لم يكن لعاصم بخراسان الأمر و نيسابور و كانت مرو الروذ للحرب ، و وصل لخالد بن عبيد الله الهجري على مثل رأي الحرث . فبعث أسد عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة و الشام إلى الحرث ، و سار هو بالناس إلى آمد . فخرج إليه زياد القرشي مولى حيان النبطي في العسكر ، فهزمهم أسد و حاصرهم حتى سألوا الأمان ، و استعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني ، و سار إلى بلخ ، و قد بايعوا سليمان بن عبد الله بن حازم . فسار حتى قدمها ثم سار منها إلى ترمذ و الحرث محاصر لهما ، و أعجزه وصول المدد إليها فخرج إلى بلخ ، و خرج أهل ترمذ فهزموا الحرث و قتلوا أكثر أصحابه . ثم سار أسد إلى سمرقند و مر بحصن زم و به أصحاب الحرث فبعث إليهم و قال : إنما نكرتم منا سوء السيرة و لم يبلغ ذلك النساء و استحلال الفروج و لا مظاهرة المشركين على مثل سمرقند و أعطاه الأمان على تسليم سمرقند . و هدده إن قاتل بأنه لا يؤمنه أبداً . فخرج إلى الأمان و سار معه إلى سمرقند فأنزلهم على الأمان ثم رجع أسد إلى بلخ و سرح جديعاً الكرماني إلى القلعة التي فيها ثقل الحرث و أصحابه في طخارستان . فحاصرها و فتحها و قتل مقاتلهم و منهم بنو بزري من ثعلب أصحاب الحرث . و باع سبيهم في سوق بلخ و انتقض على الحرث أربعمائة و خمسون من أصحابه بالقلعة ، و رئيسهم جرير بن ميمون القاضي ، فقال لهم الحرث : إن كنتم مفارقي و لابد فاطلبوا الأمان ، و إن طلبتموه بعد رحيلي لا يعطونه لكم ، فأبوا إلا أن ارتحل ، فبعثوا بالأمان فلم يجبهم إليه . و سرح جديعة الكرماني في ستة آلاف فحصرهم حتى نزلوا على حكمه و حمل خمسين منهم إلى أسد فيهم ابن ميمون القاضي . فقتلهم و كتب إلى الكرماني بإهلاك الباقين و اتخذ أسد مدينة بلخ داراً و نقل إليها الدواوين . ثم غزا طخارستان و أرض حبونة فغنم و سبى .

مقتل خاقان
و لما كانت سنة تسع عشرة غزا أسد بن عبد الله بلاد الختل فافتتح منها قلاعاً و امتلأت أيدي العسكر من السبي و الشاء و كثب بن السائحي صاحب البلاد يستجيش خاقان على العرب و يضعفهم له فتجهز و خفف من الأزودة استعجالا للعرب فلما أحس به ابن السائحي بعث بالنذير إلى أسد فلم يصدقه ، فأعاد عليه أني الذي استمددت خاقان لأنك معرت البلاد ، و لا أريد أن يظفر بك خشية من معاداة العرب و استطالة خاقان علي ، فصدقه حينئذ أسد و بعث الأثقال مع إبراهيم بن عاصم العقيلي ، الذي كان ولي سجستان و بعث معه المشيخة كثير بن أمية ، و أبا سفيان بن كثير الخزاعي و فضيل بن حيان المهري و غيرهم و أمدهما بجند آخر . و جاء في أثرهم فانتهى إلى نهر بلخ و قد قطعه إبراهيم بن عاصم بالسبي و الأثقال ، فخاض النهر من ثلاثة و عشرين موضعاً ، و حمل الناس شياههم حتى حمل هو شاة فما استكمل العبور حتى طلعت عليهم الترك و على المسلمة الآزد و تميم . فحمل خاقان عليهم فانكشفوا فرجع أسد إلى عسكره و خندق . و ظنوا أن خاقان لا يقطع النهر فقطع النهر إليهم و قاتله المسلمون في معسكرهم و باتوا و الترك محيطون بهم فلما أصبحوا لم يروا منهم أحد فعلموا أنهم اتبعوا الأثقال و السبي ، و استعملوا علمها من الطلائع ، فشارو أسد الناس فأشاروا بالمقام و أشار نصر بن سيار باتباعهم يخلص الأثقال و يقطع شقة لا بد من قطعها ، فوافقه أسد و طير النذير إلى إبراهيم بن عاصم . و صبح خاقان للأثقال و قد خندقوا عليهم فأمر أهل الصغد بقتلهم فهزمهم مسلحة المسلمين فصعد على تل حتى رأى المسلمين من خلفهم . و أمر الترك أن يأتوهم من هنالك ففعلوا و خالطوهم في معسكرهم و قتلوا صاغان خذاه و أصحابه و أحسوا بالهلاك و إذا بالغبار قد رهج و الترك يتنحون قليلاً قليلاً . و جاء أسد و وقف على التل الذي كان عليه خاقان و خرج إليه بقية الناس و جاءته إمرأة صاغان خذاه معولة فأعول معها ، و مضى خاقان يقود أسرى المسلمين في الآفاق و يسوق الإبل الموقورة و الجواري و أراد أهل العسكر قتالهم فمنعهم أسد و نادى رجل من عسكر خاقان و هو من أصحاب الحرث بن شريح يعير أسداً و يحرضه و يقول : قد كان لك عن الختل مندوحة و هي أرض آبائي و أجدادي ، قد كانت ما رأيت ، و لعل الله ينتقم منك . و مضى أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى جاء الشتاء ، فدخل البلد و شتى فيها . و كان الحرث بن شريح بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان و أغراه بغزو خراسان و زحفوا إلى بلخ . و خرج أسد يوم الأضحى فخطب الناس و عرفهم بأن الحرث بن شريح استجلب الطاغية ليطفئ نور الله و يبدل دينهم ، و حرضهم على الإستنصار بالله و قال أقرب ما يكون العبد لله ساجداً . ثم سجد و سجد الناس و أخلصوا الدعاء و خرج للقائهم و قد استمد خاقان من وراء النهر ، و أهل طخارستان و حبونة في ثلاثين ألفاً و جاء الخبر إلى أسد و أشار بعض الناس يالتحصن منهم بمدينة بلخ . و استمد خالد و هشام . و أبى الأسد إلا اللقاء ، فخرج و استخلف على بلخ الكرماني بن علي ، عهد إليه أنه لا يدع أحداً يخرج من المدينة . و اعتزم نصر بن سيار و القاسم بن نجيب و غيرهم على الخروج فأذن لهم وصلى بالناس ركعتين و طول . ثم دعا و أمر الناس بالدعاء و نزل من وراء القنطرة ينتظر من تخلف ، ثم بدا له و ارتحل فلقي طليعة خاقان و أسر قائدهم و سار حتى نزل على فرسخين من الجوزجان ثم أصبحوا و قد تراءى الجمعان و أنزل أسد الناس ثم تهيأ للحرب و معه الجوزجان . و حملت الترك على الميسرة فانهزموا إلى رواق أسد ، فشدت عليهم الأسد و بنو تميم و الجوزجان من الميمنة فانكشفوا إلى خاقان و قد انهزم و الحرث معه و اتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلونهم واستاقوا مائة و خمسين ألفاً من الشاء و دواب كثيرة . و سلك خاقان غير الجادة و الحرث بن شريح و لقيهم أسد عند الطريق . و سلك الجوزجان بعثمان بن عبد الله بن الشخير طريقاً ، يعرفها حتى نزلوا على خاقان و هو آمن ، فتركوا الأبنية و القدور تغلي و بناء العرب و الموالي و العسكر مشحون من آنية الفضة ، و ركب خاقان و الحرث يمانع عنه . و أعجلوا إمرأة خاقان عن الركوب فقتلها الخصي الموكل بها . و بعث أسد بجوار الترك دهاقين خراسان يفادون بها أسراهم ، و أقام خمسة أيام و انصرف إلى بلخ لتاسعة من خروجه . و نزل الجوزجان و خاقان هارب أمامه . و انتهى خاقان إلى جونة الطخاري ، فنزل عليه ، و انصرف أسد إلى بلخ ، و أقام خاقان عند جونة حتى أصلح آلته ، و سار و سبيه بها فأخذه جدكاوش أبو فشين فأهدى إليه و أتحفه و حمل أصحابه يتخد بذلك عنده يداً . ثم وصل خاقان بلاده و أخذ في الاستعداد في الحرب و محاصرة سمرقند و حمل الحرث و ابن شريح و أصحابه على خمسة آلاف برذون . و لاعب خاقان بالنرد كورصول يوماً فغمزه كورصول فأنف و تشاجر ، فصك كورصول يد خاقان ، فخلف خاقان ليكسرن يده فتنحى و جمع . ثم بيت خاقان فقتله و افترق الترك و حملوه و تركوه بالعراء فحمله بعض عظمائهم و دفنه . و كان أسد بعث بالفتح من بلخ إلى خالد بن عبد الله فأخبره و بعث به هشام فلم يصدقه ، ثم بعده القاسم بن نجيب بقتل خاقان ، فحثت قيس أسداً و خالداً ، و قالوا لهشام : استقدم مقاتل بن حيان . فكتب بذلك إلى خالد ، فأرسل إلى أسد أن يبعث به فقدم على هشام و الأبرش وزيره جالس عنده ، فقص عليه الخبر فسر بذلك و قال لمقاتل : ما حاجتك ؟ قال يزيد بن المهلب أخذ من حيان أبي مائة ألف درهم بغير حق ، فأمر بردها علي . فاستحلفه و كتب له بردها ، و قسمها مقاتل بين ورثة حيان . ثم غزا أسد الختل بعد مقتل خاقان ، و قدم مصعب بن عمر الخزاعي إليها فسار إلى حصن بدر طرخان فاستأمن له أن يلقي أسداً فأمنه و بعث إلى أسد فسأل أن يقبل منه ألف درهم ، و راوده على ذلك فأبى أسد ورده إلى مصعب ليرده إلى حصنه ، فقال له مسلمة بن أبي عبد الله و هو من الموالي : إن أمير المؤمنين سيندم على حبسه . ثم أقبل أسد بالناس و وعد له المجشر بن مزاحم بدرطرخان أو قبول ما عرض ، فندم أسد و أرسل إلى مصعب يسأل عنه فوجده مقيماً عند مسلمة ، فجيء به و قطعت يده . ثم أمر رجلاً من الأزد كان بدرطرخان قتل أباه فضرب عنقه و غلب على القلعة . و بعث العساكر في بلاد الختل فامتلأت أيديهم من الغنائم و السبي و امتنع ولد بدرطرخان و أمواله في قلعة بلدهم صغيرة فلم يوصل إليهم .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:49 pm

وفاة أسد
و في ربيع الأول سنة عشرين توفي ابن عبدا القسري بمدينة بلخ و استخلف جعفر بن حنظلة النهرواني فعمل أربع أشهر ثم جاء عهد نصر بن سيار بالعمل في رجب .

ولاية يوسف بن عمر الثقفي على العراق و عزل خالد
و في هذه السنة عزل هشام خالداً عن أعماله جميعها بسعاية أبي المثنى و حسان النبطي و كانا يتوليان ضياع هشام بالعراق ، فنقلا على خالد و أمر الأشدق بالنهوض على الضياع و أنهى ذلك حسان بعد أبي المثنى ، و أن غلته في السنة ثلاثة عشر ألف ألف فوقرت في نفس هشام . و أشار عليه بلال بن أبي بردة العريان بن الهيثم أن يعرض أملاكه على هشام و يضمنون له الرضا فم يجبهم . ثم شكا من خالد بعض آل عمر و الأشدق بأنه أغلظ له القول بمجلسة ، فكتب إليه هشام يوبخه و يأمره بأن يمشي ساعياً على قدميه إلى بابه و يترضاه و نميت عنه من هذا أقوال كثيرة و أنه يستقل ولاية العراق ، فكتب إليه هشام : يا ابن أم خالد بلغني أنك تقول ما ولاية العراق لي بشرف ، يا ابن اللخناء كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفاً و أنت من بجيلة القليلة الذليلة ؟ و لما و الله إني لأظن أن أول من يأتيك صقر من قريش يشد يديك إلى عنقل . ثم كتب إلى يوسف بن عمر الثقفي وهو باليمن يأمره أن يقدم في ثلاثين من أصحابه إلى العراق فقد ولاه ذلك . فسار إلى الكوفة و نزل قريباً منها و قد ختن طارق خليفة خالد بالكوفة ولده و أهدى إليه وصيفاً و وصيفة سوى الأموال و الثياب و مر يوسف و أصحابه ببعض أهل العراق فسألوهم فعرضوا و ظنوهم خوارج ، و ركب يوسف إلى دور ثقيف فكتموا ، ثم جمع يوسف بالمسجد من كان هنالك من مضر و دخل مع الفجر فصلى ، و أرسل إلى خالد و طارق فأخذهما . و قيل إن خالداً كان بواسط و كتب إليه بالخبر بعض أصحابه من دمشق ، فركب إلى خالد و أخبره بالخبر و قال : إركب إلى أمير المؤمنين و اعتذر إليه قال : لا أفعل بغير إذن قال : فترسلني أستأذنه قال : لا . قال : فاضمن له جميع ما انكسر في هذه السنين و آتيك بعهده و هي مائة ألف ألف قال : و الله ما أجد عشرة آلاف ألف قال : أتحملها أنا و فلان و فلان . قال : لا أعطي شيئاً و أعود فيه فقال طارق : إنما نقيك و نقي أنفسنا بأموالنا و نستبقي الدنيا و تبقى النعمة عليك و علينا خير من أن يجيء من يطالبنا بالأموال و هي عند الكوفة فنقتل و يأكلون الأموال فأبى خالد من ذلك كله فودعه طارق و مضى و بكى و رجع إلى الكوفة . و خرج خالد إلى الحمة و جاء كتاب هشام بخطه إلى يوسف بولاية العراق و أن يأخذ ابن النصرانية يعني خالداً و عماله فيعذبهم ، فأخذ الأولاد و سار من يومه و استخلف على اليمين إبنه الصلت و قدم في جمادى الأخيرة سنة عشرين و مائة فنزل النجف و أرسل مولى كيسا فجاء بطارق و لقيه بالحيرة فضربه ضرباً مبرحاً و دخل الكوفة . و بعث عثمان عطاء بن مقدم إلى خالد بالحمة فقدم عليه و حبسه و صالحه عنه أبان بن الوليد و أصحابه على سبع آلاف ألف . و قيل أخذ منه مائة ألف و كانت ولايته العراق خمس عشرة سنة و لما ولي يوسف نزلت الذلة بالعراق في العرب و صار الحكم فيه إلى أهل الذمة .

ولاية نصر بن سيار خراسان و غزوه وصلح الصغد
و لما مات أسد بن عبد الله ولى هشام على خراسان نصر سيار و بعث إليه عهده على عبد الكريم بن سليط الحنفي ، و قد كان جعفر بن حنظلة لما استخلفه أسد عند موته عرض على نصر أن يوليه بخارى فقال له : البحتري بن مجاهد مولى بني شيبان لا تقبل فإنك شيخ مضر بخراسان ، و كان عهدك قد جاء على خراسان كلها فكان كذلك و لما ولي نصر استعمل على بلخ مسلم بن عبد الرحمن و علىمرو الروذ و شاح ابن بكير بن وشاح ، وعلى هراة الحراث بن عبد الله بن الحشرج ، و على نيسابور زياد بن الرحمن القسري ، و على خوارزم أبا حفص علي بن حقنة ، و على الصغد قطن بن قتيبة . و بقي أربع سنين لا يستعمل في خراسان إلا مضرياً فعمرت عمارة لم تعمر مثلها ، و أحسن الولاية و الجباية . و كان وصول العهد إليه بالولاية في رجب سنة عشرين فغزا غزوات أولها إلى ما وراء النهر من نحو باب الحديد . و سار إليها من بلخ و رجع إلى مرو فوضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة و جعلها على من كان يخفف عنه منهم و انتهى عددهم ثلاثين ألفاً من الصنفين وضعت عن هؤلاء و جعلت على هؤلاء . ثم غزا الثانية إلى سمرقند ، ثم الثالثة إلى الشاش سار إليها من مرو و معه ملك بخارى و أهل سمرقند و كش و نسف في عشرين ألفاً . و جاء إلى نهر الشاش فحال بينه و بين عبوره كورصول ، عسكر نصر في ليلة ظلماء ، و نادى نصر لا يخرج أحد و خرج عاصم بن عمير في جند سمرقند ، فجاولته خيل الترك ليلاً و فيهم كورصول فأسره عاصم و جاء به إلى نصر فقتله و صلبه على شاطئ النهر فحزنت الترك لقتله و أحرقوا أبنيته و قطعوا آذانهم و شعورهم و أذناب خيولهم . و أمر نصر بإحراق عظامه لئلا يحملوها بعد رجوعه . ثم سار إلى فرغانة فسبى منها ألف رأس ، و كتب إليه يوسف بن عمران ليسير إلى الحرث بن شريح في الشاش و يخرب بلادهم و يسبيهم . فسار لذلك و جعل على مقدمته يحيى بن حصين و جاء بهم إلى الحرث و قاتلهم و قتل عظيماً من عظماء الترك و انهزموا . و جاء ملك الشاش في الصلح و الهدنة و الرهن و اشترط نصر عليه إخراج الحرث بن شريح من بلده فأخرجه إلى فاراب . و استعمل على الشاش ينزل ابن صالح مولى عمرو بن العاص . ثم سار إلى أرض فرغانة و بعث أمه في إتمام الصلح ، فجاءت لذلك و أكرمها نصر و عقد لها و رجعت . و كان الصغد لما قتل خاقان طمعوا في الرجعة إلى بلادهم ، فلما ولي نصر بعث إليهم في ذلك و أعطوه ما سألوه من الشروط ، و كان أهل خراسان قد نكروا شروطهم ، و كان منها أن لا يعاقب من ارتد عن الإسلام إليهم و لا يؤخذ منهم أسرى إلا ببينة و حكم و عاب الناس ذلك على نصر لما أمضاه لهم . فقال : لو عاينتم شكوتهم في المسلمين مثل ما عانيت ما أنكرتم . و أرسل إلى هشام في ذلك فأمضاه و ذلك سنة ثلاث و عشرين .

ظهور زيد بن علي و مقتله
ظهر زيد بن علي بالكوفة خارجاً على هشام داعياً للكتاب و السنة و إلى جهاد الظالمين و الدفع عن المستضعفين ، و إعطاء المحرومين ، و العدل في قسمة الفيء ورد المظالم و أفعال الخير و نصر أهل البيت . و اختلف في سبب خروجه فقيل : إن يوسف ابن عمران لما كتب في خالد القسري كتب إلى هشام أنه شيعة لأهل البيت ، و أنه ابتاع من زيد أرضاً بالمدينة بعشرة آلاف دينار ورد عليه الأمن ، و أنه أودع زيداً و أصحابه الوافدين عليه مالاً ، فكان زيد قد قدم على خالد بالعراق هو و محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، و داود بن علي بن عبد الله بن عباس فأجازهم و رجعوا إلى المدينة فبعث هشام عنهم و سألهم فأقروا بالجائزة و حلفوا على ما سوى ذلك و أن خالداً لم يودعهم شيئاً فصدقهم هشام و بعثهم إلى يوسف فقاتلوا خالداً و صدقهم الآخر ، و عادوا إلى المدينة و نزلوا القادسية . و راسل أهل الكوفة زيداً فعاد إليهم ، و قيل في سبب ذلك ، إن زيداً اختصم مع ابن عمه جعفر ابن الحسن المثنى في وقف علي ، ثم مات جعفر فخاصم أخوه عبد الله زيداً و كانا يحضران عند عامل خالد بن عبد الملك بن الحرث ، فوقعت بينهما في مجلسه مشاتمة و أنكر زيد من خالد إطالته للخصومة و أن يستمع لمثل هذا فأغلظ له زيد و سار إلى هشام فحجبه ، ثم أذن له بعد حين فحاوره طويلاً ثم عرض له بأنه ينكر الخلاف و تنقصه . ثم قال له : أخرج ؟ قال : نعم ثم لا أكون إلا بحيث تكره ! فسار إلى الكوفة و قال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : ناشدتك الله إلحق بأهلك و لا تأت الكوفة و ذكره بفعلهم مع جده و جده يستعظم ما وقع به . و أقبل الكوفة فأقام بها مستخفياً يتنقل في المنازل و اختلف إليه الشيعة و بايعه جماعة منهم : مسلمة بن كهيل و نصر بن خزيمة العبسي و معاوية بن إسحق بن زيد بن حارثة الأنصاري و ناس من وجوه أهل الكوفة يذكر لهم دعوته . ثم يقول : أتبايعون على ذلك ؟ فيقولون : نعم فيضع يده على أيديهم و يقول عهد الله عليك و ميثاقه و ذمته نبيه بيقين تتبعني و لا تقاتلني مع عدوي و لتنصحن لي في السر و العلانية . فإذا قال نعم وضع يده على يده ثم قال : اللهم اشهد فبايعه خمسة عشر ألفاً و قيل أربعون . و أمرهم بالاستعداد و شاع أمره في الناس و قيل : إنه أقام في الكوفة ظاهراً و معه داود بن علي ابن عبد الله بن عباس لما جاؤا لمقاتلة خالد فاختلف إليه الشيعة ، و كانت البيعة . و بلغ الخبر إلى يوسف بن عمران فأخرجه من الكوفة و لحق الشيعة بالقادسية أو الغلبية و عذله داود بن علي في الرجوع معه و ذكره حال جده الحسين فقالت الشيعة لزيد : هذا إنما يريد الأمر لنفسه و لأهل بيته فرجع معهم و مضى داود إلى المدينة . و لما أتى الكوفة جاءه مسلمة بن كهيل فصده عن ذلك و قال أهل الكوفة لا يعولون لك . و قد كان مع جدك منهم أضعاف من معك و لم تعاوله ، و كان أعز عليهم منك على هؤلاء فقال له : قد بايعوني و وجبت البيعة في عنقي و عنقهم . و قال : فتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث و أنا لا أهلك نفسي ، فخرج لليمامة و كتب عبد الله بن الحسن المثنى إلى زيد يعذله و يصده فلم يصغ إليه و تزوج نساء بالكوفة و كان يختلف إليهن و الناس يبايعونه ، ثم أمر أصحابه يتجهزون .و نمى الخبر إلى يوسف بن عمر فطلبه و خاف فتعجل الخروج و كان يوسف بالحيرة و على الكوفة الحكم بن الصلت و على شرطته عمر بن عبد الرحمن من القاهرة و معه عبيد الله بن عباس الكندي في ناس من أهل الشام . و لما علم الشيعة أن يوسف يبحث عن زيد جاء إليه منهم فقالوا : ما تقول في الشيخين ؟ فقال زيد : رحمهما الله و غفر لهما ، و ما سمعت أهل بيتي يذكرونهما إلا بخير . و غاية ما أقول أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه و سلم من الناس فدفعونا عنه ، و لم يبلغ ذلك الكفر ، و قد عدلوا في الناس و عملوا بالكتاب و السنة . قال : فإذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم ؟ فقال : إن هؤلاء ظلموا المسلمين أجمعين فإنا ندعوهم إلى الكتاب و السنة و أن نحيي السنن ، و نطفيء البدع ، فإن أجبتم سعدتم و إن أبيتم فلست عليكم بوكيل . ففارقوه و نكثوا بيعته و قالوا : سبق الإمام الحق يعنون محمداً الباقر ، و أن جعفراً ابنه إمامنا بعده ، فسماهم زيد الرافضة و يقال إنما سماهم الرافضة حيث فارقوه ثم بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بأن يجمع أهل الكوفة في المسجد فجمعوا و طلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحق بن زيد بن حارثة فخرج منها ليلاً و اجتمع إليه ناس من الشيعة و أشعلوا النيران و نادوا يا منصور حتى طلع الفجر ، و أصبح جعفر بن أبي العباس الكندي فلقى إثنين من أصحاب زيد يناديان بشعاره فقتل واحداً و أتى بالآخر إلى الحكم فقتله ، و أغلق أبواب المسجد على الناس و بعث إلى يوسف بالخبر فسار من الحيرة و قدم الرياف بن سلمة الأراثيني في ألفين خيالة و ثلثمائة ماشية . و افتقد زيد الناس فقيل إنهم في الجامع محصورون ، و لم يجد معه إلا مائتين و عشرين . وخرج صاحب الشرطة في خليه فلقي نصر بن خزيمة العبسي من أصحاب زيد ذاهباً إليه فحمل عليه نصر و أصحابه فقتلوه و حمل زيد على أهل الشام فهزمهم و انتهى إلى دار أنسي بن عمر الأزدي ممن بايعه و ناداه فلم يخرج إليه . ثم سار زيد إلى الكناسة فحمل على أهل الشام فهزمهم ثم دخل الكوفة ، و الريات في اتباعه فلما رأى زيد خذلان الناس قال لنصر بن خزيمة : أفعلتموها حسينية ؟ قال : أما أنا فو الله لأموتن معك و إن الناس بالمسجد فامض بنا إليهم فجاء إلى المسجد ينادي
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:50 pm

بالناس بالخروج إليه فرماه أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد فانصرفوا عند المساء . و أرسل يوسف بن عمر من الغد العباس ابن سعد المزني في أهل الشام فجاءه في دار الزرق و قد كان أوى إليها عند المساء ، فلقيه زيد بن ثابت فاقتتلوا فقتل نصر . ثم حملوا على أصحاب العباس فهزمهم زيد و أصحابه و عبأهم يوسف بن عمر من العشي ثم سرحهم فكشفهم أصحاب زيد و لم يثبت خيلهم لخيله . و بعث إليهم يوسف بن عمر بالقادسية و اشتد القتال و قتل معاوية بن زيد ثم رمي زيد عند المساء بسهم أثبته فرجع أصحابه و أهل الشام يظنون أنهم تحاجزوا و لما نزع النصل من جبهته مات فدفنوه و أجروا عليه الماء و أصبح الحكم يوم الجمعة يتبع الجرحى من الدور و دله بعض الموالي على قبر زيد و قطع رأسه و بعث بها إلى يوسف بالحيرة ، فبعثه إلى هشام فنصبه على باب دمشق و أمر يوسف الحكم أن يصلب زيداً بالكناسة و نصر ابن خزيمة و معاوية بن إسحق و يحرسهم فلما ولي الوليد أمر بإحراقهم و استجار يحيي ابن زيد بعبد الملك بن شبر بن مروان فأجاره حتى سكن المطلب ثم سار إلى خراسان في نفر من الزيدية .

ظهور أبي مسلم بالدعوة العباسية
كان أهل الدعوة العباسية بخراسان يكتمون أمرهم منذ بعث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس دعاته إلى الآفاق سنة مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز ، لما مر أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ذاهباً و جائياً من الشام من عند سليمان بن عبد الملك فمرض عنده بالحميمة من أعمال البلقاء و هلك هنالك و أوصى له بالأمر . و كان أبوهاشم قد علم شيعته بالعراق و خراسان و أن الأمر صائر في ولد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس . فلما مات أبو هاشم قصدت الشيعة محمداً و بايعوه سراً و بعث دعاته منهم إلى الآفاق و كان الذي بعث إلى العراق مسيرة بن والي خراسان محمد بن حبيش ، و أما عكرمة السراج و هو أبو محمد الصادق و حيان العطار خال ابراهيم بن سلمة فجاؤا إلى خراسان و دعوا إليه سراً و أجابهم الناس و جاؤا بكتب من أجاب إلى مسيرة . فبعث بها إلى محمد و اختار أبو محمد الصادق إثني عشر رجلاً من أهل الدعوة فجعلهم نقباء عليهم و هم : سليمان بن كثير الخزاعي و لاهز بن قريط التميمي ، و أبو النجم عمران بن اسمعيل مولى أبي معيط و مالك بن الهيثم الخزاعي ، و طلحة بن زريق الخزاعي ، و أبو حمزة بن عمر ابن أعين مولى خزاعة و أخوه عيسى ، و أبو علي شبلة بن طهمان الهروي مولى بني حنيفة . و اختار بعده سبعين رجلاً و كتب إليه محمد بن علي كتاباً يكون لهم مثالاً يقتدون به في الدعوة ، و أقاموا على ذلك ثم بعث مسيرة رسله من العراق سنة إثنتين و مائة في ولاية سعيد خدينة ، و خلافة يزيد بن عبد الملك . و سعى بهم إلى سعيد فقالوا نحن تجار فضمنهم قوم من ربيعة و اليمن فأطلقهم و ولد محمد ابنه عبد الله السفاح سنة أربع و مائة ، و جاء إليه أبو محمد الصادق في جماعة من دعاة خراسان فأخرجه لهم ابن خمسة عشر يوماً قال : هذا صاحبكم الذي يتم الأمر على يده ، فقبلوا أطرافه و انصرفوا . ثم دخل معهم في الدعوة بكير بن هامان جاء من السند مع الجنيد بن عبد الرحمن فلما عزل قدم الكوفة و لقي أبا عكرمة و أبا محمد الصادق و محمد بن حبيش و عمار العبادي خال الوليد الأزرق دعاه غلى خراسان في ولاية أسد القسري أيام هشام و وشى بهم إليه فقطع أيدي من ظفر به منهم و صلبه و أقبل عمار إلى بكير بن هامان فأخبره فكتب إلى محمد بن علي بذلك فأجابه : الحمدلله الذي صدق دعوتكم و مقالتكم و قد بقيت منكم قتلى ستعد . ثم كان أول من قدم محمد بن علي إلى خراسان أبو محمد زياد مولى همذان بعثه محمد بن علي سنة تسعة في ولاية أسد أيام هشام و قال له : انزل في اليمن و تلطف لمضر و نهاه عن الغالب النيسابورى شيعة بني فاطمة . فشتى زياد بمرو ثم سعى به إلى أسد فاعتذر بالتجارة ، ثم عاد إلى أمره ، فأحضره أسد و قتله في عشرة من أهل الكوفة ثم جاء بعدهم إلى خراسان رجل من أهل الكوفة إسمه كثير و نزل على أبي الشحم و أقام يدعو سنتين أو ثلاثة ، ثم أخذ أسد بن عبد الله في ولايته الثانية سنة سبع عشرة . أخذ سليمان بن كثير و مالك بن الهيثم و موسى بن كعب و لاهز بن قريط بثلثمائة سوط و شهد حسن ابن زيد الأزدي ببراءتهم فأطلقهم . ثم بعث بكير بن هامان سنة ثماني عشرة عمار بن زيد على شيعتهم بخراسان فنزل مرو و تسمى بخراش و أطاعه الناس . ثم نزل دعوتهم بدعوة الحزمية فأباح النساء و قال : إن الصوم إنما هو عن ذكر الإمام و أشار إلى إخفاء إسمه و الصلاة الدعاء له ، و الحج القصد إليه و كان خراش هذا نصرانياً بالكوفة و اتبعه على مقالته مالك بن الهيثم و الحريش بن سليم . و ظهر أسد على خبره و بلغ الخبر بذلك إلى محمد بن علي فنكر عليهم قبولهم من خراش و قطع مراسلتهم فقدم عليه ابن كثير منهم يستعلم خبره و يستعطفه على ما وقع منهم ، و كتب معه إليهم كتاباً مختوماً لم يجدوا فيه غير البسملة ، فعلموا مخالفة خراش لأمره و عظم عليهم . ثم بعث محمد بن بكير بن بان و كتب معه بكذب خراش فلم يصدقوه فجاء إلى محمد و بعث معه عصياً مضبيةً بعضها بالنحاس و دفع إلى كل رجل عصا فعلموا أنهم قد خالفوا السيرة فتابوا و رجعوا و توفي محمد بن علي سنة أربع و عشرين و عهد إبنه إبراهيم بالأمر و أوصى الدعاة بذلك ، و كانوا يسمونه الإمام . و جاء بكير بن هامان إلى خراسان بنعيه و الدعاء لإبراهيم الإمام سنة ست و عشرين و مائة ، و نزل مرو و دفع إلى الشيعة و النقباء كتابه بالوصية و السيرة فقبلوه ، و دفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقاتهم فقدم بها بكير على إبراهيم . ثم بعث إليهم أبا مسلم سنة أربع و عشرين و قد اختلف في أوليته اختلافاً كثيراً و في سبب اتصاله بإبراهيم الإمام أو أبيه محمد فقيل : كان من ولد بزر جمهر ، ولد بأصبهان و أوصى به أبوه إلى عيسى بن موسى السراج ، فحمله إلى الكوفة ابن سبع سنين و نشأ بها و اتصل بإبراهيم الإمام و كان اسم أبي مسلم إبراهيم بن عثمان بن بشار فسماه إبراهيم الإمام عبد الرحمن و زوجة أبيه أبي النجم عمران ابن سمعيل من الشيعة فبنى بها بخراسان و وزوج إبنته من محرز بن إبراهيم فلم يعقب . و ابنته أسماء من فهم بن محرز فأعقب فاطمة و هي التي يذكرها الحزمية و قيل في إتصاله بإبراهيم الإمام أن أبا مسلم كان مع موسى السراج و تعلم منه صناعة السروج و كان يتجهز فيها بأصبهان و الجبال و الجزيرة و الموصل و اتصل بعاصم بن يونس العجلي صاحب عيسى السراج و إبني أخيه عيسى و إدريس ابني معقل ، و إدريس هو جد أبي دلف و نمى إلى يوسف بن عمران العجلي من دعاة بني العباس فحبسهم مع عمال خالد القسري . و كان أبو مسلم معهم في السجن بخدمتهم و قبل منهم الدعوة و قيل لم يتصل بهم من عيسى السراج و إنما كان من ضاع بني العجلي بأصبهان أو الجبل . و توجه سليمان بن كثير و مالك بن الهيثم و لاهز بن قريط و قحطبة بن شبيب من خراسان يريدون إبراهيم الإمام بمكة ، فمروا بعاصم بن يونس و عيسى و إدريس ابني معقل العجلي بمكانهم من الحبس فرأوا معهم أبا مسلم فأعجبهم و أخذوه و لقوا إبراهيم الإمام بمكة فأعجبه فأخذه . و كان يخدمه ثم قدم النقباء بعد ذلك على إبراهيم الإمام يطلبون أن يوجه من قبله إلى خراسان فبعث معه أبا مسلم . فلما تمكن و نوى أمره ادعى أنه من ولد سليط بن عبد الله بن عباس و كان من أولية هذا الخبر أن جارية لعبد الله بن العباس ولدت لغير رشدة فحدها و استعبد وليدها و سماه سليطاً فنشأ و اختص بالوليد . و ادعى أن عبد الله بن عباس أقر بأنه ابنه و أقام بالبينة على ذلك و خاصم علي بن عبد الله في الميراث و أذاه . و كان في صحابته عمر الدن من ولد أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم و دخل عليها سليط بالخبر ، فاستعدت الوليد على علي فأنكر و حلف ، فنبشوا في البستان فوجدوه . فأمر الوليد بعلي فضربه ليدله على عمر الدن . ثم شفع فيه عباد بن زياد فأخرج إلى الحميمة . و لما ولي سليمان رده إلى دمشق و قيل : إن أبا مسلم كان عبداً للعجلين ، و ابن بكير بن هامان كان كاتباً لعمال بعض السند و قدم الكوفة فكان دعاة بني العباس فحبسوا و بكير معهم . و كان العجليون في الحبس ، و أبو مسلم العبسي بن معقل . فدعاهم بكير إلى رأيه فأجابوه ، و استحسن الغلام فاشتراه من عيسى بن معقل بأربعمائة درهم و بعث به إلى إبراهيم الإمام ، فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج من الشيعة . فسمع منه و حفظ و صار يتردد إلى خراسان . و قيل كان لبعض أهل هراة و ابتاعه منه إبراهيم الإمام ، و مكث عنده سنين و كان يتردد بكتبه إلى خراسان ثم بعثه أميراً على الشيعة و كتب إليهم بالطاعة له ، و إلى أبي سلمة الخلال داعيهم بالكوفة يأمره بإنفاذ إلى خراسان فنزل على سليمان بن كثير و كان من أمره ما يذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى . ثم جاء سليمان بن كثير و لاهز بن قريط و قحطبة إلى مكة سنة سبع و عشرين بعشرين ألف دينار للإمام إبراهيم و مائتي ألف درهم و مسك و متاع كثير و معهم أبو مسلم و قالوا : هذا مولاك و كتب بكير بن هامان إلى الإمام بأنه أوصى بأمر الشيعة بعده لأبي سلمة حفص بن سليمان الخلال و هو رضى فكتب إليه إبراهيم بالقيام بأمر أصحابه و كتب إلى أهل خراسان بذلك فقبلوه و صدقوه و بعثوا بخمس أموالهم و نفقة الشيعة للإمام إبراهيم . ثم بعث إبراهيم في سنة ثمان و عشرين مولاه أبا مسلم إلى خراسان و كتب له : إني قد أمرته بأمري فاسمعوا له و أطيعوا . و قد أمرته على خراسان و ما غلبت عليه فارتابوا من قوله و وفدوا على إبراهبم الإمام من قابل مكة و ذكر له أبو مسلم أنهم لم يقبلوه . فقال لهم : قد عرضت عليكم الأمر فأبيتم من قبوله ، و كان عرضه على سليمان كثير ثم على إبراهيم بن مسلمة فأبوا . و إني قد أجمع رأيي على أبي مسلم و هو منا أهل البيت فاسمعوا له و أطيعوا . و قال لأبي مسلم : إنزل في أهل اليمن و أكرمهم . فإن بهم يتم الأمر و آتهم البيعة . و أما مضر فهم العدو و الغريب ، و اقتل من شككت فيه و إن قدرت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل و ارجع إلى سليمان بن كثير به مني و سرحه معهم فساروا إلى خراسان .

وفاة هشام بن عبد الملك و بيعة الوليد بن يزيد
توفي هشام بن عبد الملك بالرصافة في ربيع الآخر سنة خمس و عشرين و مائة لعشرين سنة من خلافته و ولي بعده الوليد ابن أخيه يزيد بذلك كما مر ، و كان الوليد متلاعباً و له مجون و شراب و ندمان ، و أراد هشام خلعه فلم يمكنه . و كان يضرب من يأخذه في صحبته ، فخرج الوليد في ناس من خاصته و مواليه و خلف كاتبه عياض بن مسلم ليكاتبه بالأحوال فضربه هشام و حبسه . و لم يزل الوليد مقيماً بالبرية حتى مات هشام ، و جاءه مولى أبي محمد السفياني على البريد بكتاب سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل بالخبر فسأل عن كاتبه عياض فقال : لم يزل محبوساً حتى مات هشام ، فأرسل إلى الحراق أن يحتفظوا بما في أيديهم حتى منعوا هشاماً من شيء طلبه . ثم خرج بعد موته من الحبس و ختم أبواب الخزائن ثم كتب الوليد من وقته إلى عمه العباس بن عبد الملك أن يأتي الرصافة فيحصي ما فيها من أموال هشام و ولده و عماله و خدمه إلا مسلمة بن هشام فإنه كان يراجع أباه في الرفق بالوليد ، فانتهى العباس لما أمر به الوليد . ثم استعمل الوليد العمال و كتب إلى الآفاق بأخذ البيعة فجاءته بيعتهم و كتب مروان ببيعته و استأذن في القدوم . ثم عقد الوليد من سنته لابنيه الحكم و عثمان بعده و جعلهما وليي عهده و كتب بذلك إلى العراق و خراسان .

ولاية نصر للوليد على خراسان
وكتب الوليد في سنته إلى نصر بن سيار بولاية خراسان و أفرده بها ، ثم وفد يوسف بن عمر على الوليد فاشترى منه نصراً و عماله فرد إليه الوليد خراسان . و كتب يوسف إلى نصر بالقدوم و يحمل معه الهدايا و الأموال و عياله جميعاً و كتب له الوليد بأن يتخذ له برابط و طنابير و أباريق ذهب و فضة و يجمع له البراذين الغرة و يجمع بذلك إليه في وجوه أهل خراسان ، و استحثه رسول يوسف فأجازه . ثم سار و استخلف على خراسان عصمة بن عبد الله الأسدي و على شاش موسى بن ورقاء و على سمرقند حسان بن من أهل الضغانيان و على آمد مقاتل بن علي الصغدي . و أسر إليهم أن يداخلوا الترك في المسير إلى خراسان ليرجع إليهم و بينا هو في طريقه إلى العراق ببيهق لقيه مولى لبني ليث ، و أخبره بقتل الوليد و الفتنة بالشام و أن منصور بن جمهور قدم العراق و هرب يوسف بن عمر فرجع بالناس .

مقتل يحيى بن زياد
كان يحيى بن زياد سار بعد قتل أبيه و سكون الطلب عنه كما مر فأقام عنه الحريش بن عمر و مروان في بلخ و لما ولي الوليد كتب إلى نصر بأن يأخذه من عند الحريش فأحضر الحريش و طالبه بيحيى ، فأنكر ، فضربه ستمائة سوط ، فجاء ابنه قريش و دله على يحيى فحبسه و كتب إلى الوليد فأمره أن يخلي سبيله و سبيل أصحابه فأطلقه نصر و أمره أن يلحق بالوليد فسار و أقام بسرخس فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس بن عياد يخرجه عنها فأخرجه إلى بيهق و خاف يحيى بن يوسف بن عمر فسار إلى نيسابور و بها عمر ابن زرارة ، و كتب عمر بن زرارة بذلك إلى نصر فكتب إليه يأمره بحربهم ، فحاربهم في عشرة آلاف فهزموه و قتلوه ، و مروا بهراة فلم يعرضوا لها و سرح نصر بن سيار مسلم بن أحور المازني إليهم فلحقهم بالجوزجان فقاتلهم قتالاً شديداً و أصيب يحيى بسهم في جبهته فمات . و قتل أصحابه جميعاً و بعثوا برأسه إلى الوليد و صلب بالجوزجان . و كتب الوليد إلى يوسف بن عمر بأن يحرق شلوزيد ، فأحرقه و ذراه في الفرات و لم يزل يحيى مصلوباً بالجوزجان حتى استولى أبو مسلم على خراسان فدفنه ونظر في الديوان أسماء من حضر لقتله فمن كان حياً قتله و من كان ميتاً خلفه في أهله بسوء .

مقتل خالد بن عبد الله القسري
قد تقدم لنا ولاية يوسف بن عمر على العراق و أنه حبس خالداً أصحاب العراق و خراسان قبله فأقام بحبسه في الحيرة ثمانية عشر شهراً مع أخيه إسمعيل وابنه يزيد بن خالد و المنذر ابن أخيه أسد و استأذن هشام في عذابه فأذن له على أنه إن هلك قتل يوسف به فعذبه . ثم أمر هشام بإطلاقه سنة إحدى و عشرين ، فأتى إلى قرية بإزاء الرصافة فأقام بها ، حتى خرج زيد و قتل و انقضى أمره ، فسعى يوسف بخالد عند هشام بأنه الذي داخل زيداً في الخروج ، فرد هشام سعايته ووبخ رسوله و قال : لسنا نتهم خالداً في طاعة . و سار خالد إلى الصائفة و أنزل أهله دمشق وعليها كلثوم بن عياض القشيري ، و كان يبغض خالداً . فظهر في دمشق حريق في ليال ، فكتب كلثوم إلى هشام بأن موالي خالد يريدون الوثوب إلى بيت المال و يتطرقون إلى ذلك بالحريق كل ليلة في البلد . فكتب إليه هشام بحبس الكبير منهم و الصغير و الموالي فحبسهم . ثم ظهر على صاحب الحريق و أصحابه . يزيد كتب بهم الوليد بن عبد الرحمن عامل الخراج و لم يذكر فيهم أحداً من آل خالد و مواليه فكتب هشام إلى كلثوم يوبخه و يأمره بإطلاق آل خالد و ترك الموالي فشفع فيهم خالد عند مقدمه من الصائفة ، فلما قدم دخل منزله و أذن للناس فاجتمعوا ببابه فوبخهم و قال : إن هشاماً يسوقهن إلى الحبس كل يوم . ثم قال خرجت غازياً سامعاً مطيعاً فحبس أهلي مع أهل الجرائم كما يفعل بالمشركين . و لم يغير ذلك أحد منكم ، أخفتم القتل ؟ أخافكم الله . و الله ليكفن عني هشام أو لأعودن إلى عراقي الهوى شامي الدار حجازي الأصل يعني محمد بن علي بن عبد الله بن عباس . و بلغ ذلك هشاماً فقال : خرف أبو الهيثم . ثم تتابعت كتب يوسف بن عمر إلى هشام يطلب يزيد بن خالد فأرسل إلى كلثوم بإنفاذه إليه فهرب يزيد فطلبه كلثوم من خالد و حبسه فيه فكتب إليه هشام بتخليته و وبخه . و لما ولي الوليد بن يزيد استقدم خالداً و قال أين ابنك ؟ قال : هرب من هشام و كنا نراه عندك حتى استخلفك الله فلم نره و طلبناه ببلاد قومه من الشراة فقال : و لكن خلفته طلباً للفتنة فقال : إنا أهل بيت طاعة . فقال : لتأتيني به أو لأزهقن نفسك فقال : و الله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه فأمر الوليد بضربه . و لما قدم يوسف بن عمر من العراق بالأموال اشتراه من الوليد بخمسين ألف ألف فقال له الوليد : إن يوسف يشتريك بكذا فاضمنها إلي قبل أن أدفعك إليه . فقال : ما عهدت العرب تباع ! و الله لو سألتني عوداً ما ضمنته . فدفعه إلى يوسف فألبسه عباءة و حمله على غير وطاء وعذبه عذاباً شديداً و هو لا يكلمه . ثم حمله إلى الكوفة فاشتد في عذابه ثم قتله و دفنه في عباءة يقال : إنه قتله بشيء وضعه على وجهه . و قيل وضع على رجليه الأعواد و قام عليها الرجال حتى تكسرت قدماه . و ذلك في المحرم سنة ست و عشرين و مائة .

مقتل الوليد و بيعة يزيد
و لما ولي الوليد لم يقلع عما كان عليه من الهوى و المجون . حتى نسب إليه في ذلك كثير من الشنائع مثل رمية المصحف بالسهام حين استفتح فوقع على قوله : " و خاب كل جبار عنيد " و ينشدون له في ذلك بيتين تركتهما لشناعة مغزاهما . و لقد ساءت القالة فيه كثيراً ، و كثير من الناس نفوا ذلك عنه و قالوا : إنها من شناعات الأعداء الصقوها به . قال المدائني : دخل ابن الغمر بن يزيد على الرشيد فسأله : ممن أنت ؟ فقال : من قريش . قال : من أيها ؟ فوجم ، فقال : قل و أنت آمن و لو أنك مروان فقال : أنا ابن الغمز بن يزيد . فقال : رحم الله الوليد و لعن يزيد الناقص ، فإنه قتل خليفة مجمعاً عليه ، إرفع حوائجك فرفعها و قضاها . و قال شبيب بن شبة : كنا جلوساً عند المهدي فذكر الوليد فقال المهدي : كان زنديقاً فقام ابن علانة الفقيه فقال : يا أمير المؤمنين إن الله عز و جل أعدل من أن يولي خلافة النبوة و أمر الأمة زنديقاً لقد أخبرني عنه من كان يشهده في ملاعبه و شربه و يراه في طهارته و صلاته فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليه المصيبة المصبغة . ثم يتوضأ فيحسن الوضوء و يؤتى بثياب بيض نظيفة فيلبسها و يشتغل بربه . أترى هذا فعل من لا يؤمن بالله ؟ فقال المهدي : بارك الله عليك يا ابن علانة ، و إنما كان الرجل محسوداً في خلاله و مزاحماً بكبار عشيرة بيته من بين عمومته مع لهو كان يصاحبه ، أوجد لهم به السبيل على نفسه . و كان من خلاله قرض الشعر الوثيق و نظم الكلام البليغ . قال يوماً لهشام يعزيه في مسلمة أخيه : إن عقبى منبقي لحوق من مضى ، و قد أفقر بعد مسلمة الصيد لمن رمى ، و اختل الثغر فهوى . و على أثر من سلف ، يمضي من خلف ، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى . فأعرض هشام و سكت القوم ، و أما حكاية مقتله فإنه لما تعرض له بنو عمه و نالوا من عرضه أخذ في مكافأتهم . فضرب سليمان بن عمه هشام مائة سوط و حلقه و غربه إلى معان من أرض الشام ، فحبسه إلى آخر دولته و حبس أخاه يزيد بن هشام ، و فرق بين ابن الوليد و بين امرأته ، و حبس عدة من ولد الوليد ، فرموه بالفسق و الكفر و استباحة نساء أبيه . و خوفوا بني أمية منه بأنه اتخذ ميتة جامعة لهم و طعنوا عليه في تولية إبنيه الحكم و عثمان العهد مع صغرهما . و كان أشدهم عليه في ذلك يزيد بن الوليد لأنه كان يتنسك فكان الناس إلى قوله أميل . ثم فسدت اليمامة عليه بما كان منه لخالد القسري . و قالوا : إنما حبسه و نكبه لامتناعه من بيعة ولديه . ثم فسدت عليه قضاعة و كان اليمن و قضاعة أكثر جند الشام . و استعظموا منه ما كان من بيعة خالد ليوسف بن عمر ، و صنعوا على لسان الوليد قصيدة معيرة اليمنية بشأن خالد . فازداد و اختفى . و أتوا إلى يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأرادوه على البيعة . و شاور عمر بن زيد الحكمي فقال : شاور أخاك العباس و إلا فأظهر أنه قد بايعك ، فإن الناس له أطوع . فشاور العباس فنهاه عن ذلك فلم ينته ، و دعا الناس سراً و كان بالبادية . و بلغ الخبر مروان بأرمينية فكتب إلى سعيد بن عبد الملك يعظم عليه الأمر و يحذره الفتنة و يذكر له أمر يزيد ، فأعظم ذلك سعيد و بعث بالكتاب إلى العباس فتهدد أخاه يزيد قكتمه فصدقه . و لما اجتمع ليزيد أمره أقبل إلى دمشق لأربع ليال متنكراً ، معه سبعة نفر على الحمر . و دخل دمشق ليلاً و قد بايع له أكثر أهلها سراً و أهل المزة . و كان علىدمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج فاستوياها فنزل قطنا ، و استخلف
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:52 pm

عليها إبنه محمداً و على شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي . و نمى الخبر إليهما فكذباه و تواعد يزيد مع أصحابه بعد المغرب بباب الفراديس . ثم دخلوا المسجد فصلوا العتمة ، و لما قضوا الصلاة جاء حرس المسجد لإخراجهم فوثبوا عليهم ، و مضى يزيد بن عنبسة إلى يزيد بن الوليد فجاء به إلى المسجد في زهاء مائتين و خمسين ، و طرقوا باب المقصورة فأدخلهم الخادم فأخذوا أبا العاج و هو سكران و خزان بيت المال . و بعث عن محمد بن عبد الملك فأخذه و أخذوا سلاحاً كثيراً كان بالمسجد ، و أصبح الناس من الغد من النواحي القريبة متسائلين للبيعة أهل المزة و السكاسك و أهل دارا و عيسى بن شيب الثعلبي في أهل درهة و حرستا ، و حميد بن حبيب اللخمي في أهل دمرعران ، و أهل حرش و الحديثة و دير كاوربعي بن هشام الحرثي في جماعة من عروسلامان . و يعقوب بن عمير بن هاني العبسي و حهينة و مواليهم . ثم بعث عبد الرحمن بن مصادي في مائتي فارس ، فجاء بعبد الملك بن محمد بن الحجاج من قصره على الأمان . ثم جهز يزيد الجيش إلى الوليد بمكانه من البادية مع عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ، و منصور بن جمهور و قد كان الوليد لما بلغه الخبر بعث عبد الله بن يزيد بن معاوية إلى دمشق فأقام بطريقه قليلاً ، ثم بايع ليزيد و أشار على الوليد أصحابه أن يلحق بحمص فيتحصن بها . قال له ذلك يزيد بن خالد بن يزيد ، و خالفه عبد الله بن عنبسة و قال : ما ينبغي للخليفة أن يدع عسكره و حرمه قبل أن يقاتل فسار إلى قصر النعمان ابن بشير ، و معه أربعون من ولد الضحاك و غيره . و جاء كتاب العباس بن الوليد بأنه قادم عليه ، و قاتلهم عبد العزيز و منصور بعد أن بعث إليهم زياد بن حصين الكلبي يدعوهم إلى الكتاب و السنة . فقتله أصحاب الوليد و اشتد القتال بينهم و بعث عبد العزيز بن منصور بن جمهور لاعتراض العباس بن الوليد أن يأتي بالوليد ، فجاء به كرهاً إلى عبد العزيز و أرسل الوليد إلى عبد العزيز بخمسين ألف دينار و ولاية حمص ما بقي على أن ينصرف عنه فأبى . ثم قاتل قتالاً شديداً حتى سمع النداء بقتله و سبه من جوانب الحومة ، فدخل القصر فأغلق الباب و طلب الكلام من أعلى القصر ، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي فذكره بحرمه و فعله فيهم فقال ابن عنبسة : إنا ما ننقم عليك في أنفسنا ، و إنما ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله ، و شرب الخمر و نكاح أمهات أولاد أبيك ، و استخفافك بأمر الله . قال : حسبك الله يا أخا السكاسك ! فلعمري لقد أكثرت و أغرقت ، و إن فيما أحل الله سعة عما ذكرت ثم رجع إلى الدار فجلس يقرأ في المصحف و قال : يوم كيوم عثمان فتسوروا عليه و أخذ يزيد بن عنبسة بيده يقيه لا يريد قتله و إذا بمنصور بن جمهور في جماعة معه ضربوه و اجتزوا رأسه فساروا به إلى يزيد فأمر بنصبه ، فتلطف له يزيد بن فروة مولى بني مرة في المنع من ذلك ، و قال : هذا ابن عمك و خليفة و إنما تنصب رؤس الخوارج و لا آمن أن يتعصب له أهل بيته . فلم يجبه ، و أطافه بدمشق على رمح ثم دفع إلى أخيه سليمان بن يزيد و كان معهم عليه و كان قتله آخر جمادى الآخرة سنة ست و عشرين لسنتين و ثلاثة أشهر من بيعته . و لما قتل خطب الناس يزيد فذمه و ثلبه و أنه إنما قتله من أجل ذلك . ثم وعدهم بحسن الظفر و الاقتصار عن النفقة في غير حاجاتهم و سد الثغور و العدل في العطاء و الأزراق و رفع الحجاب و إلا فلكم ما شئتم من الخلع .و كان يسمى الناقص لأنه نقص الزيادة التي زادها الوليد في أعطيات الناس و هي عشرة عشرة . و رد العطاء كما كان أيام هشام و بايع لأخيه إبراهيم بالعهد و من بعده لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك حمله على ذلك أصحابه القدرية لمرض طرقه .
و لما قتل الوليد و كان قد حبس سليمان ابن عمه هشام بعمان ، خرج سليمان من الحبس و أخذ ما كان هناك من الأموال و نقله إلى دمشق . ثم بلغ مقتله إلى حمص و أن العباس بن الوليد أعان على قتله فانتقضوا و هدموا دار العباس و سبوها و طلبوه فلحق بأخيه يزيد . و كاتبوا الأجناد في الطلب بدم يزيد و أمروا عليهم مروان بن عبد الله بن عبد الملك و معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير و راسلهم يزيد فطردوا رسوله فبعث أخاه مسروراً في الجيش فنزل حوارين . ثم جاء سليمان بن هشام من فرد عليه ما أخذ الوليد من أموالهم ، و بعث على الجيش و أمر أخاه مسرواً بالطاعة . و اعتزم أهل حمص على المسير إلى دمشق فقال لهم مروان : ليس من الرأي أن تتركوا خلفكم هذا الجيش و إنما نقاتله قبل ، فيكون ما بعده أهون علينا . فقال لهم السميط بن ثابت : إنما يريد خلافكم و إنما هواه مع يزيد و القدرية ، فقتلوه و ولوا عليهم محمداً السفياني و قصدوا دمشق ، فاعترضهم ابن هشام بغدرا فقاتلهم قتالاً شديداً و بعث يزيد عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك في ثلاثة آلاف إلى ثنية العقاب و هشام بن مضاد في ألف و خمسمائة إلى عقبة السلامية . و بينما سالم يقاتلهم إذ أقبلت عساكر من ثنية العقاب فانهزم أهل حمص ، و نادى يزيد بن خالد بن عبد الله القسري : الله الله على قومك يا سليمان . فكف الناس عنهم و بايعوا ليزيد . و أخذ أبا محمد السفياني و يزيد بن خالد ابن يزيد و بعثهما إلى يزيد فحبسهما . و استعمل على حمص معاوية بن يزيد بن الحصين و كان لما قتل الوليد وثب أهل فلسطين على عاملهم سعيد بن عبد الملك فطردوه و تولى منهم سعيد و ضبعان إبنا روح . و كان ولد سليمان ينزلون فلسطين فأحضروا يزيد بن سليمان و ولوه عليهم . و بلغ ذلك أهل الأردن فولوا عليهم محمد بن عبد الملك . و بعث يزيد سليمان بن هشام في أهل دمشق و أهل حمص الذين كانوا مع الفياني على ثمانين ألفاً ، و بعث إلى إبني روح بالإحسان و الولاية ، فرجعا بأهل فلسطين . و قدم سليمان عسكراً من خمسة آلاف إلى طبرية فنهبوا القرى و الضياع و خشي أهل طبرية على من وراءهم ، فانتهبوا يزيد بن سليمان و محمد بن عبد الملك ، و نزلوا بمنازلهم ، فافترقت جموع الأردن و فلسطين و سار سليمان بن هشام و لحقه أهل الأردن فبايعوه ليزيد و سار إلى طبرية و الرملة و أخذ على أهلهما البيعة ليزيد و ولى فلسطين ضبعان بن روح و على الأردن إبراهيم بن الوليد .

ولاية منصور بن جمهور على العراق ثم ولاية عبد الله بن عمر
لما ولي يزيد استعمل منصور بن جمهور على العراق و خراسان لم يكن من أهل الدين ، و إنما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية ، و حنقاً على يوسف بقتله خالد القسري . و لما بلغ يوسف قتل الوليد ارتاب في أمره ، و حبس اليمانية لما تجمع المضرية عليه . فلم ير عندهم ما يحب فأطلق اليمانية . و أقبل منصور و كتب من عين البقر إلى قواد الشام في الحيرة بأخذ يوسف و عماله ، فأظهر يوسف الطاعة و لما قرب منصور دخل دار عمر ابن محمد بن سعيد محمد العاص و لحق منها بالشام سراً و بعث يزيد بن الوليد خمسين فارساً لتلقيه . فلما أحس بهم هرب و اختفى ، و جد بين النساء فأخذوه و جاؤا به إلى يزيد فحبسه مع إبني الوليد ، حتى قتلهم مولى ليزيد بن خالد القسري .و لما دخل منصور بن جمهور الكوفة لأيام خلت من رجب أفاض تاعطاء و أطلق من كان في السجون من العمال و أهل الخراج ، و استعمل أخاه على الري و خراسان ، فسار لذلك فامتنع نصر بن سيار من تسليم خراسان له . ثم عزل يزيد منصور بن جمهور لشهرين من ولايته ، و ولى على العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز و قال : سر إلى أهل العراق فإن أهله يميلون إلى أبيك . فسار و انقاد له أهل الشام و سلم إليه منصور العمل ، و انصرف إلى الشام و بعث عبد الله العمال على الجهات و استعمل عمر بن الغضبان بن القبعثرا على الشرطة و خراج السواد و المحاسبات و كتب إلى نصر بن سيار يعهد على خراسان .

انتقاض أهل اليمامة
و لما قتل الوليد كان علي بن المهاجر على اليمامة عاملاً ليوسف بن عمر فجمع له المهير بن سليمان بن هلال من بني الدول بن خولة . و سار إليه هو في قصره بقاع هجر فالتقوا و انهزم علي و قتل ناس من أصحابه ، و هرب إلى المدينة و ملك المهير اليمامة ثم مات . و استخلف عليها عبد الله بن النعمان من بني قيس بن ثعلبة . من الدؤل فبعث المندلب بن الحنفي على الفلخ قرية من قرى بني عامر بن صعصعة فجمع له بني كعب بن ربيعة بن عامر و بني عمير فقتلوا المندلب و أكثر أصحابه . فجمع عبد الله ابن النعمان جموعاً من حنيفة و غيرها و غزا الفلج و هزم بني عقيل و بني بشير و بني جعدة و قتل أكثرهم . ثم اجتمعوا و معهم نمير فلقوا بعض حنيفة بالصحراء و سلبوا نساءهم ، ثم جمع عمر بن الوازع الحنفي الجموع و قال لست بدون عبد الله بن النعمان و هذه فترة من السلطان . و أغار و امتلأت يداه من الغنائم و أقبل و من معه و أقبلت بنو عامر و التقوا فانهزم بنو حنيفة و مات أكثرهم من العطش . و رجع بنو عامر بالأسرى و النساء و لحق عمر بن الوازع باليمامة ثم جمع عبيد الله بن مسلم الحنفي جمعاً و أغار على قشير و عكل فقتل منهم عشرين و سمى المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة والياً على اليمامة من قبل أبيه حتى ولي العراق لمروان فتعرض المثنى لبني عامر و ضرب عدة من بني حنيفة و حلقهم . ثم سكنت البلاد و لم يزل عبيد الله بن مسلم الحنفي مستخفياً حتى قدم كسرى بن عبيد الله الهاشمي والياً على العامة لبني العباس و دل عليه فقتله .

اختلاف أهل خراسان
و لما قتل الوليد و قدم على نصر عهد خراسان من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز صاحب العراق ، انتقض عليه جديع بن علي الكرماني و هو أزدي . و إنما سمى الكرماني لأنه ولد بكرمان و قال لأصحابه : هذه فتنة فانظروا لأموركم رجلاً فقالوا له : أنت ! و ولوه . و كان الكرماني قد أحسن إلى نصر في ولاية أسد بن عبد الله ، فلما ولي نصر عزله عن الرياسة بغيره فتباعد ما بينهما . و أكثر على نصر أصحابه في أمر الكرماني ، فاعتزم على حبسه ، و أرسل صاحب حرسه ليأتي به . و أراد الأزد أن يخلصوه فأبى ، و جاء إلى نصر يعدد عليه أياديه قبله من مراجعة يوسف بن عمر في قتله ، و الغرامة عنه ، و تقديم إبنه للرياسة . ثم قال : فبذلت ذلك بالإجماع على الفتنة ، فأخذ يعتذر و يتنصل ، و أصحاب نصر يتحاملون عليه مثل مسلم بن أحرو و عصمة بن عبد الله الأسدي . ثم ضربه و حبسه آخر رمضان سنة ست و عشرين . ثم نقب السجن و اجتمع له ثلاثة آلاف ، و كانت الأزد قد بايعوا عبد الملك بن حرملة على الكتاب و السنة . فلما جاء الكرماني قدمه عبد الملك ثم عسكر نصر على باب مرو الروذ ، و اجتمع إليه الناس ، و بعث سالم بن أحور في الجموع إلى الكرماني و سفر الناس بينهما على أن يؤمنه نصر و لا يحبسه . و أجاب نصر إلى ذلك و جاء الكرماني إليه و أمره بلزوم بيته . ثم بلغه عن نصر شيء فعاد إلى حاله ، و كلموه فيه فأمنه ، و جاء إليه و أعطى أصحابه عشرة عشرة . فلما عزل جمهور عن العراق و ولي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز خطب نصر قدام بن جمهور و أثنى على عبد الله ، فغضب الكرماني لابن الجمهور و عاد لجمع المال و اتخاذ السلاح . و كان يحضر الجمعة في ألف و خمسمائة و يصلي خارج المقصورة ، و يدخل فيسلم و لا يحبس . ثم أظهر الخلاف و بعث إليه نصر سالم بن أحور فأفحش في صرفه و سفر بينهما الناس في الصلح على أن يخرج الكرماني من خراسان و تجهز للخروج إلى جرجان .

أمان الحرث بن شريح و خروجه من دار الحرث
لما وقعت الفتنة بخراسان بين نصر و الكرماني خاف نصر أن يستظهر الكرملاني عليه بالحرث بن شريح ، و كان مقيماً ببلاد الترك منذ إثنتي عشرة سنة كما مر ، فأرسل مقاتل بن حيان النبطي يراوده على الخروج من بلاد الترك ، بخلاف ما يقضي له الأمان من يزيد بن الوليد و بعث خالد بن زياد البدي الترمذي و خالد بن عمرة مولى بني عامر لاقتضاء الأمان له من يزيد ، فكتب له الأمان و أمر نصراً أن يرد عليه ما أخذ له ، و أمر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عامل الكوفة أن يكتب لهما بذلك أيضاً . و لما وصل إلى نصر بعث إلى الحرث بذلك فلقيه الرسول راجعاً مع مقاتل بن حيان و أصحابه و وصل سنة سبع و عشرين في جمادى الأخيرة و أنزله نصر بمرو ، و رد عليه ما أخذ له ، و أجرى عليه كل يوم خمسين درهماً و أطلق أهله و ولده ، و عرض عليه أن يوليه و يعطيه مائة ألف دينار فلم يقبل . و قال : لست من الدنيا و اللذات في شيء . و إنما أسأل كتاب الله و العمل بالسنة و بذلك أساعدك على عدوك ، و إنما خرجت من البلاد منذ ثلاث عشرة سنة إنكار للجور فكيف تزيدني عليه ؟ و بعث إلى الكرماني : إن عمل نصر بالكتاب عضدته في أمر الله و لا أعتبك إن ضمنت لي القيام بالعدل و السنة . ثم دعا قبائل تميم فأجاب منهم و من غيرهم كثير و اجتمع إليه ثلاثة آلاف و أقام على ذلك .

انتقاض مروان لما قتل الوليد
كان مروان بن محمد بن مروان على أرمينية و كان على الجزيرة عبدة بن رياح العبادي . و كان الوليد قد بعث بالصائفة أخاه فبعث معه مروان ابنه عبد الملك . فلما انصرفوا من الصائفة لقيهم بجرزان حين مقتل الوليد ، و سار عبدة عن الجزيرة . فوثب عبد الملك بالجزيرة و جرزان فضبطهما ، و كتب إلى أبيه بأرمينية يستحثه ، فسار طالباً بدم الوليد بعد أن أرسل إلى الثغور من يضبطها . و كان معه ثابت بن نعيم الجذامي من أهل فلسطين ، و كان صاحب فتنة . و كان هشام قد حبسه على إفساد الجند بأفريقية عند مقتل كلثوم بن عياض ، و شفع فيه مروان فأطلقاه و اتخذا عنده يداً . فلما سار من أرمينية داخل ثابت أهل الشام في العود إلى الشام من وجه الفرات و اجتمع له الكبير من جند مروان و ناهضه القتال . ثم غلبهم و انقادوا له و حبس ثابت محمد نعيم و أولاده . ثم أطلقهم من حران إلى الشام و جمع نيفاً و عشرين ألفاً من الجزبرة ليسير بهم إلى يزيد ، و كتب إليه يشترط ما كان عبد الملك ولى أباه محمداً من الجزيرة و الموصل و أذربيجان ، فأعطاه يزيد ولاية ذلك و بايع له مروان و انصرف .

وفاة يزيد و بيعة أخيه إبراهيم
ثم توفي يزيد آخر سنة ست و عشرين لخمسة أشهر من ولايته . و يقال إنه كان قدرياً و بايعوا لأخيه إبراهيم من بعده ، إلا أنه انتقض عليه الناس و لم يتم له الأمر و كان يسلم عليه تارة بالخلافة و تارة بالأمان و أقام على ذلك نحواً من ثلاثة أشهر ثم خلعه مروان ابن محمد على ما يذكر و هلك سنة إثنتين و ثلاثين .

مسير مروان إلى الشام
و لما توفي يزيد و ولي أخوه إبراهيم و كان مضعفاً ، و انتقض عليه مروان لوقته ، و سار إلى دمشق . فلما انتهى إلى قنسرين و كان عليها بشر بن الوليد عاملاً لأخيه يزيد و معه أخوهما مسرو ، و دعاهم مروان إلى بيعته و مال إليه يزيد بن عمر بن هبيرة ، و خرج بشر للقاء مروان فلما تراءى الجمعان مال ابن هبيرة و قيس إلى مروان و أسلموا بشراً و مسروراً فأخذهما مروان و حبسهما ، و سار بأهل قنسرين و من معه إلى حمص ، و كانوا امتنعوا من بيعه إبراهيم . فوظه إليهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك في جند اهل دمشق . فكان يحاصرهم . فلما دخل مروان رحل عبد العزيز عنهم ، و بايعوا مروان و خرج للقائه سليمان بن هشام في مائة و عشرين ألفاً و مروان في ثماتين فدعاهم إلى الصلح و ترك الطلب بدم الوليد على أن يطلقوا ابنيه الحكم و عثمان وليي عهده فأبوا و قاتلوه . و سرب عسكراً جاؤوهم من خلفهم فانهزموا ، و أثخن فيهم أهل حمص فقتلوا منهم نحواً من سبعة ألفاً مثلها . و رجع مروان بالفل و أخذ عليهم البيعة للحكم و عثمان ابني الوليد و حبس يزيد محمد العقار و الوليد محمد مصاد الكلبيين فهلكا في حبسه .و كان ممن شهد قتل الوليد ابن الحجاج و هرب يزيد بن خالد القسري إلى دمشق فاجتمع له مع إبراهيم و عبد العزيز بن الحجاج و تشاوروا في قتل الحكم و عثمان ، خشية أن يطلقهما مروان فيثأر بأبيهما . و ولوا ذلك يزيد بن خالد فبعث مولاه أبا الأسد فقتلهما و أخرج يوسف ابن عمر فقتله ، و اعتصم أبو محمد السفياني ببيت في الحبس فلم يطيقوا فتحه ، و أعجلهم خيل مروان فدخل دمشق و أتى بأبي الوليد و يوسف بن عمر مقتولين فدفنهما ، و أتى بأبي عمر السفياني في قيوده فسلم عليه بالخلافة و قال : إن ولي العهد جعلها لك . ثم بايعه و سمع الناس فبايعوه و كان أولهم بيعة معاوية بن يزيد بن حصين بن نمير و أهل حمص . ثم رجع مروان إلى خراسان و استأمن له إبراهيم بن الوليد و سليمان بن هشام و قدما عليه ، و كان قدوم سليمان من تدمر بمن معه من إخوته و أهل بيته و مواليه الذكوانية فيايعوا لمروان .

انتقاض الناس على مروان
و لما رجع غلى خراسان راسل ثابت بن نعيم من فلسطين أهل حمص في الخلاف على مروان فأجابوه و بعثوا إلى من كان بتدمر ممن طلب و جاء الأصبغ بن دؤالة الكلبي و أولاده ، و معاوية السكسكي فارس أهل الشام و غيرها في ألف من فرسانهم ، و دخلوا حمص ليلة الفطر من سنة سبعة و عشرين و زحف مروان في العساكر من حران و معه إبراهيم المخلوع و سليمان بن هشام ، و نزل عليهم ثالث يوم الفطر ، و قد سدوا أبوابهم فنادى مناديه : ما دعاكم إلى النكث ؟ قالوا لم ننكث و نحن على الطاعة . و دخل عمر الوضاح في ثلاثة آلاف فقاتله المحتشدون هنالك للخلاف و خرجوا من الباب الآخر و جفل مروان في إتباعهم و علا الباب . فقتل منهم نحو خمسمائة و صلبهم و هدم من سورها علوه و أفلت الأصبغ بن دؤالة و ابنه قرافصة . ثم بلغ مروان و هو بحمص خلاف أهل الغوطة و إنهم و لوا عليهم يزيد بن خالد القسري و حاصروا دمشق و أميرها زامل بن عمر ، فبعث مروان إليهم أبا الورد بن الكوثر بن زفر بن الحرث ، و عمر بن الوضاح في عشرة آلاف . فلما دنوا من دمشق حملوا عليهم ، و خرج إايهم من كان بالمدينة فهزمهم و قتلوا يزيد بن خالد و بعثوا برأسه إلى مروان و أحرقوا المزة و قرى البرامة . ثم خرج ثابت بن نعيم في أهل فلسطين و حاصر طبرية و عليها الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم . فبعث مروان إليه أبا الورد ، فلما قرب منه خرج أهل طبرية عليه فهزموه و لقيه أبو الورد منهزماً فهزمه أخرى ، و افترق أصحابه و أسر ثلاثة من ولده و بعث بهم إلى مروان ، و تغيب ثابت و ولى مروان على فلسطين الرماحس بن عبد العزيز الكناني فظفر بثابت بعد شهرين و بعث به إلى مروان موثقاً فقطعه و أولاده الثلاثة ، و بعثهم إلى دمشق فصلبوه . ثم بايع لأبنيه عبد الله و عبيد الله و زوجهما بنتي هشام ، ثم سار إلى ترمذ من دير أيوب و كانوا قد غورا المياه فاستعمل المزاد و القرب و الإبل و بعث وزيره الأبرش الكلبي إليهم و أجابوه إلى الطاعة . و هرب نفر منهم إلى البلد و هدم الأبرش سورها و رجع بمن أطاع إلى مروان ثم بعث مروان يزيد ابن عمر محمد هبيرة إلى العراق لقتال الضحاك الشيباني الخارجي بالكوفة و امده ببعوث اهل الشام و نزل قرقيسياً ليقدم ابن هبيرة لقتال الضحاك . و كان سليمان بن هشام قد أستأذنه بالمقام في الرصافة أياماً و يلحق به فرجعت طائفة عظيمة من أهل الشام الذين بعثهم مروان مع اين هبيرة فأقاموا بالرصافة و دعوا سليمان بن هشام بالبيعة فأجاب ، و سار معهم إلى قنسرين فعسكر بها ، و كاتب أهل الشام فأتوه من كل وجه . و بلغ الخبر مروان فكتب إلى ابن هبيرة بالمقام و رجع من قرقيسيا إلى سليمان فقاتله فهزمه ، و استباح معسكره و اثخن فيهم و قتل اسراهم ، و قتل إبراهيم أكبر ولد سليمان و خالد بن هشام المخزومي جاء أبيه فيما ينيف على ثلاثين ألفاً و هرب سليمان إلى حمص في الفل فعسكر بها و بنى ما كان تهدم من سورها . و سار مروان إليه فلما قرب منه بيته جماعة من أصحاب سليمان تبايعوا على الموت ، و كان على احتراس و تعبية فترك القتال بالليل و كمنوا له في طريقه من الغد فقاتلهم إلى آخر النهر ، و قتل منهم نحواً من ستمائة و جاؤا إلى سليمان فلحق بتدمر و خلف أخاه سعيداً بحمص و حاصره مروان عشرة أشهر و نصب عليهم نيفاً و ثمانين منجنيقاً حتى استأمنوا له و امكنوه من سعيد بن هشام و ىخرين شرطهم عليهم . ثم سار لقتال الضحاك الخارجي بالكوفة . و قيل إن سليمان بن هشام لما انهزم بقنسرين لحق بعبد الله ابن عمر بن عبد العزيز بالعراق ، و سار معه إلى الضحاك فبايعوه و كان النضر بن سعيد قد ولي العراق ، فلما اجتمعوا على قتاله سار نحو مروان فاعترضه بالقادسية جنود الضحاك من الكوفة مع ابن ملحان فقتله النضر . ، و لى الضحاك مكانه بالكوفة المثنى بن عمران و سار الضحاك إلى الوصل و أقبل ابن هبيرة إلى الكوفة فنزل بعيد التمر و سار إليه المثنى فهزمه ابن هبيرة و قتله و عدة من قواد الضحاك . و اننهزم الخوارج و معهم بن جمهور ثم جاؤا إلى الكوفة و احتشدوا و ساروا للقاء ابن هبيرة فهزمهم ثانية ، و دخل الكوفة و سار إلى واسط و أرسل الضحاك عبيدة بن سوار الثعلبي لقتاله ، فنزل الصراة و قاتله ابن هبيرة هنالك فانهزمت الخوارج كما يأتي في أخبارهم .

ظهور عبد الله بن معاوية
كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قدم على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الكوفة في إخوانه و ولده ، فاكرمهم عبد الله و أجرى عليهم ثلثمائة درهم في كل يوم و أقاموا كذلك . و لما يويع إبراهيم بن الوليد بعد أخيه و اضطرب الشام و سار مروان إلى دمشق ، حبس عبد الله بن عمر عبد الله بن معاوية عنده ، و زاد في رزقه بعده لمروان يبايعه و يقاتله . فلما ظفر مروان بإبراهيم سار إسمعيل بن عبد الله القسري إلى الكوفة و قاتله عبد الله بن عمر ثم خاف إسمعيل أن يفتضح فكفوا خبرهم فوقعت العصبية بين الناس من إيثار عبد الله بن عمر بعضاً من مضر و ربيعة بالعطاء دون غيرهم ، فثارت ربيعة فبعث إليهم أخاه عاصماً ملقياً بيده فاستحيوا و رجعوا و أفاض في رؤوس الناس يستمليهم . فاستنفر الناس و اجتمعت الشيعة إلى عبد الله بن معاوية فبايعوا و أدخلوه قصر الكوفة و أخرجوا منه عاصم بن عمر فلحق بأخيه بالحيرة و بايع الكوفيون ابن معاوية و منهم منصور بن جمهور و إسمعيل أخو خالد القسري و عمر بن العطاء ، و جاءته البيعة من المدائن و جمع الناس و خرج إلى عبد الله بن عمر بالحيرة ، فسرح للقائه مولاه . ثم خرج في إثره و تلاقيا و نزع منصور بن جمهور و إسمعيل أخو خالد القسري و عمر بن العطاء . و جاءته البيعة من ابن عمر و لحقوا بالحيرة و انهزم ابن معاوية إلى الكوفة . و كان عمر بن الغضبان قد حمل على ميمنة ابن عمر فكشفها و انهزم أصحابه من ورائه ، فرجع إلى الكوفة و أقام مع ابن معاوية في القصر ، و معهم ربيعة و الزيدية على أفواه السك يقاتلون ابن عمر . ثم أخذ ربيعة الأمان لابن معاوية و لأنفسهم و للزيدية ، و سار ابن معاوية إلى المدائن و تبعه قوم من أهل الكوفة فتغلب بهم على حلوان و الجبل و همدان و أصبهان و الري إلى أن كان من خبره ما نذكره .

غلبة الكرواني على مرو و قتله الحرث بن شريح
لما ولي مروان و ولى على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة كتب يزيد إلى نصر بعهده على خراسان فبايع لمروان بن محمد فارتاب الحرث و قال : ليس لي أمان من مروان و خرج فعسكر و طلب من نصر أن يجعل الأمر شورى فأبى ، و قرأ جهم بن صفوان مولى راسب و هو رأس الجهمية سيرته و ما يدعو إليه على الناس ، فرضوا و كثر جمعه . و أرسل إلى نصر في عزل سالم بن أحور عن الشرطة ، و تغيير العمال . فتقرر الأمر بينهما على أن يردوا ذلك إلى رجال أربعة : مقاتل بن سليمان و مقاتل بن حيان بتعيين نصر و المغيرة بن شعبة الجهضي و معاذ بن جبلة بتعيين الحرث . و أمر نصر أن يكتب بولاية سمرقند و طخارستان لمن يرضاه هؤلاء الأربعة . و كان الحرث يقول إنه صاحب السور و إنه يهدم سور دمشق و يزيل ملك بني أمية فأرسل إليه نصر : إن كان ما تقوله حقاً فتعال نسير إلى دمشق ، و إلا فقد أهلكت عشيرتك . فقال الحرث : هو حق لكن لا تبايعني عليه أصحابي . قال : فكيف تهلك عشرين ألفاً من ربيعة و اليمن ؟ ثم عرض عليه ولاية ما وراء النهر و يعطيه ثلثمائة ألف فلم يقبل . فقال له : فابدأ بالكرماني فاقتله و أنا في طاعتك . ثم اتفقا على تحكيم جهم و مقاتل ، فاحتكما بأن يعزله نصر و يكون الأمر شورى . فأتى نصر فخالفه الحرث ، و قدم على نصر جمع من أهل خراسان حين سمعوا بالفتنة منهم عاصم بن عمير الضمريمي و أبو الديال الناجي و مسلم بن عبد الرحمن و غيرهم ، فكانوا معه و أمر الحرث أن يقرأ سيرته في الأسواق و المساجد ، و أتاه الناس و قرئت على باب نصر . فضرب غلمان نصر قارئها فنادى بهم و تجهزوا للحرب . و نقب الحرث سور مرو من الليل و دخل بالنهار فاقتتلوا و قتل جهم بن مسعود الناجي و أعين مولى حيان و نهبوا منزل مسلم بن أحور ، فركب سالم حين أصبح فقاتل الحرث و هزمه ، و جاء إلى عسكره فقتل كاتبه و بعث نصر إلى الكرماني و كان في الأزدو ربيعة كان موافقاً للحرث لما قدمناه ، فجاءه نصر على الأمان و حادثهم و أغلظوا له في القول فارتاب و مضى ، و قتل من أصحابه جهم بن صفوان . ثم بعث الحرث إبنه حاتماً إلى الكرماني يستجيشه فقال له أصحابه : دع عدويك يضطربان ، ثم ضرب بعد يومين و ناوش القتال نصر فهزمهم ، و صرع تميم بن نصر و مسلم بن أحور و خرج نصر من مرو من الغد فقاتلهم ثلاثة أيام و انهزم الكرماني و أصحابه و نادى مناد يا معشر ربيعة و اليمن إن أبا سيار قتل فانهزمت مضر و نصر و ترجل إبنه تميم فقاتل و أرسل إليه الحرث إني كاف عنك فإن اليمانية يعيرونني بانهزامكم ، فاجعل أصحابك إزاء الكرماني ، و لما انهزم نصر غلب الكرماني على مرو و نهب الأموال فأنكر ذلك عليه الحرث ، ثم اعتزل عن الحرث بشر بن جرموز الضبي في خمسة آلاف و قال : إنما كنا نقاتل معك طلباً للعدل ، فأما إن اتبعت الكرماني للعصبية فنحن لا نقاتل فدعا الحرث الكرماني إلى الشورى فأبى ، فانتقل الحرث عنه و أقاموا أياماً .ثم ثلم الحرث السور و دخل البلد و قاتله الكرماني قتالاً شديداً فهزمه و قتله و أخاه سوادة . و استولى الكرماني على مرو و قيل إن الكرماني خرج مع الحرث لقتال بشر بن جرموز ثم ندم الحرث على اتباع الكرماني و أتى عسكر بشر فأقام معهم و بعث إلى مضر من عسكر الكرماني من عسكر الكرماني فساروا إليهم و كانوا يقتتلون كل يوم و يرجعون إلى خنادقهم ثم نقب الحرث بعد أيام سور مرو و دخلها و تبعه الكرماني و اقتتلوا فقتل الحرث و أخاه و بشر بن جرموز و جماعة من بني تميم و ذلك سنة ثمان و عشرين و مائة فانهزم الباقون و صفت مرو لليمن و هدموا دور المضرية .

ظهور الدعوة العباسية بخراسان
قد ذكرنا أن أبا مسلم كان يتردد إلى الإمام من خراسان ثم استدعاه سنة تسعة و عشرين ليسأله عن الناس فسار في سبعين من النقباء مؤدين بالحج و مر بنسا فاستدعى أسيداً فأخبره بأن كتب الإمام جاءت إليه مع الأزهر بن شعيب و عبد الملك بن سعيد ، و دفع إليه الكتب ثم لقيه بقومس كتاب الإمام إليه و إلى سليمان بن كتير إني قد بعثت إليك براية النصر فارجع من حيث يلقاك كتابي و وجه قحطبة إلى الإمام بما معه من الأموال و العروض و جاء أبو مسلم إلى مرو و أعطى كتاب الإمام لسليمان بن كثير و فيه الأمر بإظهار الدعوة ، فنصبوا أبا مسلم و قالوا رجل من أهل البيت و دعوا إلى طاعة بني العباس و كتبوا إلى الدعاة بإظهار الإمر ، و ترك أبو مسلم بقرية من قرى مرو في شعبان من سنة تسع و عشرين ثم بثوا الدعاة في طخارستان و مرو الروذ و الطالقان و خوارزم ، و أنهم إن أعجلهم عدوهم دون الوقت عاجلوه و جردوا السيوف للجهاد ، و من شغله العدو عن الوقت فلا حرج عليه أن يظهر بعد الوقت . ثم سار أبو مسلم فنزل على سليمان بن كثير الخزاعي آخر رمضان و نصر بن سيار يقاتل الكرماني و شيبان فعقد اللواء الذي بعث به الإمام إليه و كان يدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً . ثم عقد الراية التي بعثها معه و تسمى السحاب و هو يتلو : أذن للذين يقاتلون الآية . و لبسوا السواد هو و سليمان بن كثير و أخوه سليمان و مواليه و من أجاب الدعوة من أهل تلك القرى و أوقدوا النيران ليلتهم لشيعتهم في خرقان فأصبحوا عنده ثم قدم عليه أهل السقادم مع أبي الوضاح في سبعمائة راجل . و قدم من الدعاة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:55 pm

أبو العباس المروزي و حصن أبو مسلم بسفيدنج و رمها و حضر عيد الفطر ، فصلى سليمان بن كثير و خطب على المنبر في العسكر و بدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان و لا إقامة . و كبر في الأولى ست تكبيرات و في الثانية خمساً خلاف ما كان بنو أمية يفعلون . و كل ذلك مما سنه لهم الإمام و أبوه . ثم انصرفوا من الصلاة مع الشيعة فطمعوا و كان أبو مسلم و هو في الخندق إذا كتب نصر بن سيار يبدأ بإسمه فلما قوى بمن اجتمع إليه كتب إلى نصر و بدأ بنفسه و قال : أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه عير قوماً في القرآن فقال : " و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير " إلى " و لن تجد لسنة الله تحويلا " فاستعظم الكتاب و بعث مولاه يزيد لمحاربة أبي مسلم لثمانية عشر شهراً من ظهوره فبعث إليه أبو مسلم مالك الهيثم الخزاعي فدعاه إلى الرضا من آل رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستكبروا فقاتلهم مالك و هو في مائتين يوماً بكماله . و قدم على أبي مسلم صالح بن سليمان الضبي و إبراهيم بن يزيد و زياد بن عيسى فسرحهم إلى مالك فقوي مالك بهم ، و قاتلوا القوم فحل عبد الله الطائي على يزيد مولى نصر فأسره ، و انهزم أصحابه و أرسله الطائي إلى أبي مسلم و معه رؤوس القتلى فأحسن أبو مسلم إلى يزيد و عالجه ، و لما اندملت جراحه قال : إن شئت أقمت عندنا و إلا رجعت إلى مولاك سالماً بعد أن تعاهدنا على أن لا تحاربنا و لا تكذب علينا فرجع إلى مولاه . و تفرس نصر أنه عاهدهم فقال : و الله هو ما ظننت و قد استحلفوني أن لا أكذب عليهم و أنهم الله يصلون الصلاة لوقتها بأذان و إقامة و يتلون القرآن و يذكرون الله كثيراً و يدعون إلى ولاية آل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ما أحسب أمرهم إلا سيعلو و لولا أنك مولاي لأقمت عندهم . و كان الناس يرجفون عنهم بعبادة الأوثان و استحلال الحرام . ثم غلب حازم بن خزيمة على مرو الروذ و قتل عامل نصر بها و كان من بني تميم من الشيعة و أرادوا بنو تميم منعه فقال : أنا منكم فإن ظفرت فهي لكم و إن قتلت كفيتم أمري فنزل قرية زاها . ثم تغلب على أهلها فقتل بشر بن جعفر السغدي عامل نصر عليها أوائل ذي القعدة ، و بعث بالفتح إلى أبي مسلم مع إبنه خزيمة بن حازم . و قيل في أمر أبي مسلم غير هذا و أن إبراهيم الإمام أزوج أبا مسلم لما بعثه خراسان بابنه أبي النجم و كتب إلى النقباء بطاعته . و كان أبو مسلم من سواد الكوفة فهزما فانتهى لإدريس بن معقل العجلي ثم سار إلى ولاية محمد بن علي ، ثم إبنه إبراهيم ، ثم للأئمة من ولاية من ولده و قدم خراسان و هو حديث السن و استصغره سليمان بن كثير فرده و كان أبو داود خالد بن إبراهيم غائباً وراء النهر ، فلما جاء إلى مرو أقرأه كتاب الإمام و سألهم عن أبي مسلم فأخبروه أن سليمان بن كثير رده لحداثة سنه و أنه لا يقدر على الأمر ، فنخاف على أنفسنا و على من يدعوه فقال لهم أبو داود : إن الله بعث نبيه صلى الله عليه و سلم إلى جميع خلقه ، و أنزل عليه كتابه بشرائعه و أنبأه بما كان و ما يكون و خلف علمه رحمة لأمته و عمله إنما هو عند عترته و أهل بيته و هم معدن العلم و ورثة الرسول فيما علمه الله أتشكون في شيء من ذلك . قالوا : لا . قال : فقد شككتم و الرجل لم يبعثه إليكم حتى علم أهليته لما يقوم به فبعثوا عن أبي مسلم و ردوه من قومس بقول أبي داود و ولوه أمرهم و أطاعوه و لم تزل في نفس أبي مسلم من سليمان بن كثير . ثم بعث الدعاة و دخل الناس في الدعوة أفواجاً و استدعاه الإمام سنة تسع و عشرين أن يوافيه بالمرسوم ليأمره في إظهار الدعوة و أن يقدم معه قحطبة بن شبيب و يحمل ما اجتمع عنده من الأموال فسار في جماعة من النقباء و الشيعة فلقيه كتاب الإمام بقومس يأمره بالرجوع و إظهار الدعوة بخراسان ، و بعث قحطبة بالمال و أن قحطبة سار إلى جرجان .و استدعى خالد بن برمك و أبا عون فقدما بما عندهما من مال الشيعة فسار به نحو الإمام .


مقتل الكرماني
قد ذكرنا من قبل أن الكرماني قتل الحرث بن شريح فخلصت له مرو و تنحى نصر عنها ثم بعث نصر سالم بن أحور في رابطته و فرسانه إلى مرو فوجد يحيي بن نعيم الشيباني في ألف رجل من ربيعة و محمد بن المثنى في سبعمائة من الأزد و أبو الحسن ابن الشيخ في ألف منهم و الحربي السغدي في ألف من اليمن . فتلاحى سالم و ابن المثنى و شتم سالم الكرماني فقاتلوه فهزموه و قتل من أصحابه نحو مائة . فبعث نصر بعده عصمة بن عبد الله الأسدي فكان بينهم مثل ما كان أولاً ، فقاتلهم محمد السغدي ، فانهزم السغدي و قتل من أصحابه أربعمائة . و رجع إلى نصر فبعث مالك بن عمر التميمي فاقتتلوا كذلك و انهزم مالك و قتل من أصحابه سبعمائة و من أصحابه الكرماني ثلثمائة . و لما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه و أنه لا مدد لهم جعل يكتب إلى شيبان الخارجي يذم اليمانية تارةً و مضر أخرى و يوصي الرسول بكتاب مضر أن يتعرض لليمانية ليقرؤا ذم مضر و الرسول بكتاب اليمانية أن يتعرض لمضر ليقرؤا ذم اليمانية حتى صار هوى الفريقين معه ثم كتب إلى نصر بن سيار و الكرماني : أن الإمام أوصاني بكم و لا أعد و رأيه فيكم . ثم كتب يستدعي الشيعة أسد بن عبد الله الخزاعي بنسا و مقاتل بن حكيم بن غزوان و كانوا أول من سود و نادوا يا محمد يا منصور ! ثم سود أهل أبي ورد و مرو الروذ و قرى مرو فاستدعاهم أبو مسلم و أقبل فنزل بين خندق الكرماني و خندق نصر و هابه الفريقان و بعث إلى الكرماني إني معك و قبل فانضم أبو مسلم إليه ، و كتب نصر بن سيار إلى الكرماني يحذره منه و يشير عليه بدخول مرو ليصالحه فدخل ثم خرج من الغد ، و ارسل إلى نصر في إتمام الصلح في مائتي فارس ، فرأى نصر فيه غرة فبعث إليه ثلثمائة فارس فقتلوه . و سار إبنه إلى أبي مسلم و قاتلوا نصر بن سيار حتى أخرجوه من دار الأمارة إلى بعض الدور . و دخل أبو مسلم مرو فبايعه علي بن الكرماني ، و قال له أبو مسلم أقم على ما أنت عليه حتى آمرك بأمري . و كان نصر حين نزل أبو مسلم بين خندقه و خندق الكرماني و رأى قوته كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بخروجه و كثرة من معه و دعائه لإبراهيم بن محمد :
أرى خلل الرماد و ميض جمر و يوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعودين تذكو و إن الحرب أولها الكلام
فإن لم تطفؤها يخرجوها مسجرة يشيب لها الغلام
أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام
فإن يك قومنا أضحوا نياماً فقل قوموا فقد حان القيام
تعزي عن رجالك ثم قولي على الإسلام و العرب السلام
فوجده مشتغلا بحرب الضحاك بن قيس فكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحثهم التلول قبلك . فقال نصر : أما صاحبكم فقد أعلمكم أنه لا نصر عنده . و صادف وصول كتاب نصر إلى مروان عثورهم على كتاب من إبراهيم الإمام لأبي مسلم يوبخه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر و الكرماني إذ أمكنته و يأمره أن لا يدع بخراسان متكلماً بالعربية . فلما قرأ الكتاب بعث إلى عامله بالبلقاء أن يسير إلى الحيسة فيبعث إليه بإبراهيم بن محمد مشدود الوثاق فحبسه مروان .

اجتماع أهل خراسان على قتل أبي مسلم
لما أظهر أبو مسلم أمره سارع إليه الناس ، و كان أهل مرو يأتونه و لا يمنعهم نصر ، و كان الكرماني و شيباني الخارجي لا يكرهان أمر أبي مسلم لأنه دعا إلى خلع مروان و كان أبو مسلم ليس له حرس و لا حجاب و لا غلظة الملك ، فكان الناس يأنسون به لذلك ، و أرسل نصر إلى شيبان الخارجي في الصلح ليتفرغ لقتال أبي مسلم ، إما أن يكون معه أو يكف عنه ، ثم نعود إلى ما كنا فيه فهم شيبان بذلك ، و كتب أبو مسلم إلى الكرماني فحرضه على منع شيبان من ذلك فدخل عليه و ثناه عنه ثم بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة فملكها و طرد عنها عيسى بن عقيل بن معقل الليثي عامل نصر . فجاء يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني إلى الكرماني و شيبان و أغراهما بمصالحة نصر و قال : إن صالحتم نصراً قاتله أبو مسلم و ترككم لأن أمر خراسان لمضر و إن لم تصالحوه صالحه و قاتلكم فقدموا نصر قبلكم . فأرسل شيبان إلى نصر في الموادعة فأجلب و جاء مسلم بن أحور بكتب الموادعة فكتبوها و بعث أبو مسلم إلى شيبان في موادعة ثلاثة أشهر فقال ابن الكرماني إذا ما صالحت نصراً إنما صالحه شيبان و أنا موتور بأبي ثم عادو القتال و قعد شيبان عن نصره و قال : لا يحل الغدر فاستنصر ابن الكرماني بأبي مسلم فأقبل حتى نزل الماخران لإثنتين و أربعين يوماً من نزوله يسفيدنخ و خندق على معسكره و جعل له بابين و على شرطته مالك بن الهيثم و على الحرس أبا إسحق خالد بن عثمان ، و على ديوان الجند أبا صالح كامل بن المظفر و على الرسائل أسلم بن صبيح و على القضاء القاسم بن مجاشع النقيب و كان القاسم يصلي بأبي مسلم و يقرأ القصص بعد العصر فيذكر فضل بني هاشم و سالف بني أمية و لما نزل أبو مسلم الماخران أرسل إلى ابن الكرماني بأنه معه فطلب لقاءه فجاءه أبو مسلم و أقام عنده يومين ثم رجع و ذلك أول المحرم سنة ثلاثين ثم عرض الجند و أمر كامل ابن مظفر بكتب أسمائهم و أنسابهم في دفتر فبلغت عدته سبعة آلاف ثم إن القبائل من ربيعة و مضر و اليمن توادعوا على وضع الحرب والاجتماع على قتال أبي مسلم فعظم ذلك عليه و تحول عن الماخران لأربعة أشهر من نزولها لأنها كانت تحت الماء و خشي أن يقطع فتحول إلى طبسين و خندق بها ، و خندق نصر بن سيار على نهر عياض و أنزل عماله بالبلاد ، فأنزل أبا الديال في جنده لطوسان فآذوا أهلها و عسفوهم و كان أكثرهم مع أبي مسلم في خندق فسير إليهم جنداً فقاتلوه فهزموه و أسروا من أصحابه ثلاثين ، فأطلقهم أبو مسلم ثم بعث محرز بن إبراهيم في جمع من الشيعة ليقطع مادة نصر من مرو الروذ و بلخ و طخارستان فخندق بين نصر و بين هذه البلاد ، و اجتمع إليه ألف رجل و قطع المادة عن نصر .


مقتل عبد الله بن معاوية
قد تقدم لنا أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بويع بالكوفة و غلبه عليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز و لحق بالمدائن و جاءه ناس من أهل الكوفة و غيرها فسار إلى الجبال و غلب عليها و على حلوان و قومس و أصبهان و الري و أقام بأصبهان و كان محارب بن موسى مولى بني يشكر عظيم القدر بفارس فجاء إلى دار الأمارة بأصطخر و طرد عامل عبد الله بن عمر عنها ، و بايع الناس لعبد الله بن معاوية . ثم سار إلى كرمان فأغار عليها و انضم إليه قواد أهل الشام فسار إلى سالم بن المسيب عامل عبد الله ابن عمر على شيراز فقتله سنة ثمان و عشرين . ثم سار محارب إلى أصبهان و حول عبد الله ابن معاوية إلى أصطخر بعد أن استعمل على الجبال أخاه الحسن بن معاوية ، و أتى إلى أصطخر فنزل بها و أتاه بنو هاشم و غيرهم ، و جبى المال و بعث العمال . و كان معه منصور بن جمهور و سليمان بن هشام ، و أتاه شيبان بن عبد العزيز الخارجي ثم أتاه أبو جعفر المنصور و عبد الله ابن أخيه عيسى . و لما قدم يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق أرسل نباتة بن حنظلة الكلابي على الأهواز و أن يقاتل عبد الله بن معاوية ، و بلغ سليمان بن حبيب و هو بالأهواز فسرح داود بن حاتم للقاء نباتة ، و هرب سليمان من الأهواز إلى نيسابور و قد غلب الأكراد عليها فطردهم عنها ، بايع لابن معاوية ، فبعث أخاه يزيد بن معاوية عليها . ثم إن محارب بن موسى فارق عبد الله بن معاوية و جمع ، و قصد نيسابور فقاتله يزيد بن معاوية و هزمه ، فأتى كرمان و أقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه ثم نافره ، فقتله ابن الأشعث و أربعة و عشرين إبناً له . ثم بعث يزيد بن هبيرة بعد نباتة بن حنظلة إبنه داود ابن يزيد في العساكر إلى عبد الله بن معاوية ، و على مقدمته داود بن ضبارة . و بعث معن بن زائدة من وجه آخر ، فقاتلوا عبد الله بن معاوية و هزموه و أسروا و قتلوا ، و هرب منصور بن جمهور إلى السند و عبد الرحمن بن يزيد إلى عمان و عمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان إلى مصر ، وبعثوا بالأسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم و مضى ابن معاوية عن فارس إلى خراسان .و سار معن بن زائدة في طلب منصور بن جمهور و كان فيمن أسر مع عبد الله بن معاوية عبد الله بن علي بن عبد الله ابن عباس ، شفع فيه حرب ابن قطن من أخواله بني هلال ، فوهبه له ضبارة و غاب عبد الله بن معاوية عن ابن ضبارة ، و رمى أصحابه باللواطة ، فبعث إلى ابن هبيرة ليخبره ، و سار ابن ضبارة في طلب عبد الله بن معاوية إلى شيراز فحاصره بها حتى خرج منها هارباً و معه أخوه الحسن و يزيد و جماعة من أصحابه ، فسلك المفازة على كرمان إلى خراسان طمعاً في أبي مسلم لأنه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد ، و قد استولى على خراسان فوصل إلى نواحي هراة و عليها مالك فقال له : انتسب نعرفك . فانتسب له فقال : أما عبد الله و جعفر فمن أسماء آل الرسول و أما معاوية فلا نعرفه في أسمائهم . قال : إن جدي كان عند معاوية حين ولد أبي فبعث إليه مائة ألف على أن يسمي إبنه باسمه فقال : لقد اشتريتم الأسماء الخبيثة بالثمن اليسير فلا نرى لك حقاً فيما تدعوا إليه ثم بعث بخبره إلى أبي مسلم فأمره بالقبض عليه و على من معه فحبسهم . ثم كتب إليه بإطلاق أخويه الحسن و يزيد و قتل عبد الله فوضع الفراش على وجهه فمات .
لما تعاقد نصر و ابن الكرماني و قبائل ربيعة و اليمن و مضر على قتال أبي مسلم عظم على الشيعة ، و جمع أبو مسلم أصحابه و دس سليمان بن كثير إلى ابن الكرماني يذكره بثأر أبيه من نصر فانتقضوا ، فبعث نصر إلى أبي مسلم بموافقة مضر و بعث إليه أصحاب ابن الكرماني و هم ربيعة و اليمن بمثل ذلك . و استدعى وفد الفريقين ليختار الركون إلى أحدهما و أحضر الشيعة لذلك و أخبرهم بأن مضر أصحاب مروان و عماله و شيعته و قبله يحيى بن زيد . فلما حضر الوفد تكلم سليمان بن كثير ، و يزيد بن شقيق السلمي بمثل ذلك و بأن نصر بن سيار عامل مروان و يسميه أمير المؤمنين و ينفد أوامره فليس على هدى ، و إنما يختار علي بن الكرماني و أصحابه و وافق السبعون من الشيعة على ذلك و انصرف الوفد و رجع أبو مسلم من أبين إلى الماخران وأمر الشيعة ببناء المساكن و أمن من فتنة العرب ثم أرسل إليه علي بن الكرماني أن يدخل مرو من ناحيته ليدخل هو و قومه من الناحية الأخرى ، فلم يطمئن لذلك أبو مسلم و قال : ناشبهم الحرب من قبل فناشب ابن الكرماني نصر بن سيار الحرب و دخل مرو من ناحيته و بعث أبو مسلم بعض النقباء . فدخل معه ثم سار و على مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعي ، و على ميمنته مالك بن الهيثم و على ميسرته القاسم بن مجاشع . فدخل مرو و الفريقان يقتتلان ، و مضى إلى قصر الإمارة و هو يتلو : و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها . و أمر الفريقين بالانصراف فانصرفوا إلى معسكرهم و صفت له مرو ، و أمر بأخذ البيعة من الجند ، و تولى أخذها أبو منصور طلحة بن زريق أحد النقباء الذين اختارهم محمد بن علي من الشيعة حين بعث دعاته إلى خراسان سنة ثلاث و أربع ، و كانوا إثني عشر رجلاً . فمن خزاعة سليمان بن كثير و مالك بن الهيثم و زياد بن صالح و طلحة بن زريق و عمر بن أعين . و من طيء قحطبة بن شيب بن خالد سعدان . و من تميم أبو عيينة موسى بن كعب و لاهز ابن قريط و القاسم بن مجاشع و أسلم بن سلام و من بكر بن وائل أبو داود خالد بن إبراهيم الشيباني و أبو الهروي ، و يقال شبل بن طهمان و كان عمر بن أعين مكان موسى بن كعب و أبو النجم إسمعيل بن عمران مكان أبي علي الهروي و هو ختن أبي مسلم . و لم يكن أحد من النقباء و والده غير أبي منصور طلحة بن زريق بن سعد و هو أبو زينب الخزاعي ، و كان قد شهد حرب ابن الأشعث و صحب المهلب و غزا معه . و كان أبو مسلم يشاوره في الأمور . و كان نص البيعة : أبايعكم على كتاب الله و سنة رسوله محمد صلى الله عليه و سلم و الطاعة للرضا من آل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، عليكم بذلك عهد الله و ميثاقه و الطلاق و العتاق ، و المشي إلى بيت الله الحرام ، و على أن لا تسألوا رزقاً و لا طمعاً حتى تبدأكم به ولاتكم ، و ذلك سنة ثلاثين و مائة . ثم أرسل أبو مسلم لاهز بن قريط في جماعة إلى نصر بن سيار يدعو إلى البيعة ، و علم نصر أن أمره قد استقام ولا طاقة له بأصحابه ، فوعده بأنه يأتيه يبايعه من الغد ، و أرسل أصحابه بالخروج من ليلتهم إلى مكان يأمنون فيه . فقال أسلم بن أحوز لا يتهيأ لنا الليلة . فلما أصبح أبو مسلم كتابه و أعاد لاهز بن قريط إلى نصر يستحثه فأجاب و أقام لوضوئه ، فقال لاهز : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك . فخرج نصر عند المساء من خلف حجرته و معه إبنه تميم و الحكم بن غيلة النميري و امرأته المزربانة و انطلقوا هراباً . و استبطأه لاهز فدخل المنزل فلم يجده و بلغ أبا مسلم هربه فجاء إلى معسكره وقبض على أصحابه منهم سالم بن أحوز صاحب شرطته و البحتري كاتبه ، و إبنان له و يونس بن عبد ربه و محمد بن قطن و غيرهم . و سار أبو مسلم و ابن الكرماني في طلبه ليلتهما فأدركا إمرأته قد خلفها و سار فرجعوا إلى مرو . و بلغ نصر من سرخس فأقام بطوس خمس عشرة ليلة . ثم جاء نيسابور فأقام بها و تعاقد ابن الكرماني مع أبي مسلم على رأيه . ثم بعث إلى شيبان الحروري يدعوه إلى البيعة فقال شيبان : بل أنت تبايعني ، و استنصر بابن الكرماني فأبى عليه ، و سار شيبان إلى سرخس و اجتمع له جمع من بكر بن وائل و بعث إليه أبو مسلم في الكف فسجن الرسل . فكتب إلى بسام بن إبراهيم مولى بني ليث المكنى بأبي ورد أن يسير إليه فقاتله و قتل بكر بن وائل الرسل الذي كانوا عنده . و قيل إن أبا مسلم إنما وجه إلى شيبان عسكراً من عنده عليهم خزيمة بن حازم و بسام بن إبراهيم . ثم بعث أبو مسلم كعباً من النقباء إلى أبيورد فافتتحها ، ثم أبا داود خالد بن إبراهيم من النقباء إلى بلخ و بها زياد بن عبد الرحمن القشيري فجمع له أهل بلخ و ترمذ و جند طخارستان و نزل الجوزجان ، و لقيهم أبو داود فهزمه و ملك مدينة بلخ . و ساروا إلى ترمذ فكتب أبو مسلم إلى أبي داود يستقدمه و بعث مكانه على بلخ يحيى بن نعيم أبا الميلا فداخله زياد بن عبد الرحمن في الخلاف على أبي مسلم ، و اجتمع لذلك زياد و مسلم بن عبد الرحمن الباهلي ، و عيسى بن زرعة السلمي و أهل بلخ و ترمذ و ملوك طخارستان و ما وراء النهر و نزلوا على فرسخ من بلخ و خرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه . و اتفقت كلمة مضر و ربيعة و اليمن و من معهم من العجم على قتال المسودة و ولوا عليهم مقاتل بن حيان النبطي مخافة أن يتنافسوا . و بعث أبو مسلم أبا داود إليهم فأقبل بعساكره حتى اجتمعوا على نهر السرحسان و اقتتلوا . و كان زياد و أصحابه قد خلفوا أبا سعيد القرشي مسلحةً وراءهم خشية أن يؤتوا من خلفهم و كانت راياته سوداً و أغفلوا ذلك . فلما اشتد القتال زحف أبو سعيد في أصحابه لمددهم فظنوه كميناً للمسودة فانهزموا و سقطوا في النهر ، و حوى أبو داود في معسكرهم بما فيه و ملك بلخ . و مضى زياد و يحيى و من معهما إلى ترمذ و كتب أبو مسلم يستقدم أبا داود و بعث النضر بن صبيح المزني على بلخ . و لما قدم أبو داود أشار على أبي مسلم بالتفرقة بين علي و عثمان إبني الكرماني . فبعث عثمان على بلخ و قدمها فاستخلف الفرافصة بن ظهير العبسي و سار هو و النضر بن صبيح إلى مرو الروذ و جاء مسلم بن عبد الرحمن الباهلي من ترمذ في المضرية ، فاستولى على بلخ و رجع إليه عثمان و النضر فهربوا من ليلتهم ولم يعن النضر في طلبهم و قاتلهم عثمان ناحية عنه فانهزم ، و رجع أبو داود إلى بلخ و سار أبو مسلم إلى نيسابور و معه علي بن الكرماني و قد اتفق مع أبي داود على قتال إبني الكرماني فقتل أبو داود عثمان في بلخ و قتل أبو مسلم علياً في طريقه إلى نيسابور .

مسير قحطبة للفتح
و في سنة ثلاثين قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم من عند الإمام إبراهيم و قد عقد له لواء على محاربة العدو فبعثه أبو مسلم في مقدمته و ضم إليه العساكر و جعل إليه التولية و العزل ، و أمر الجنود بطاعته . و قد كان حين غلب على خراسان بعث العمال على البلاد فبعث ساعي بن النعمان الأزدي على سمرقند و أبا داود خالد بن إبراهيم على طخارستان و محمد بن الأشعث الخزاعي على طبسين و جعل مالك بن الهيثم على شرطته . و بعث قحطبة إلى طوس و معه عدة من القواد : أبو عون عبد الملك بن يزيد و خالد بن برمك و عثمان بن نهيك ، و حازم بن خزيمة و غيرهم فهزم أهل طوس و أفحش في قتلهم ، ثم بعث أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق الحجة ، و كتب إلى قحطبة بقتال تميم ابن نصر بالسودقان ، و معه الثاني بن سويد و أصحاب شيبان ، و أمده بعشرة آلاف مع علي بن معقل فزحف إليهم و دعاهم بدعوته و قاتلهم ، فقتل تميم بن نصر و جماعة عظيمة من أصحابه ، يقال بلغوا ثلاثين ألفاً و استبيح معسكرهم و تحصن الباقي بالمدينة فاقتحهما عليهم ، و خلف خالد بن برمك على قبض الغنائم ، و سار إلى نيسابور فهرب منها نصر بن سيار إلى قومس ثم تفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان و كان يزيد بن هبيرة بعثه مدداً لنصر ، فأتى فارس و أصبهان ثم سار إلى الري ، ثم إلى جرجان و قدم حطبة نيسابور فأقام بها رمضان و شوال و ارتحل إلى جرجان ، و جعل إبنه الحسن على مقدمته و انتهى إلى جرجان و أهل الشام بها مع نباتة فهابهم أهل خراسان فخطبهم قحطبة و أخبرهم أن الإمام أخبره أنهم يلقونه مثل ههذ العدد فينصرونه عليهم . ثم تقدم للقتال و على ميمنته ابنه الحسن فانهزم أهل الشام و قتل نباتة في عشرة آلاف منهم و بعث برأسه إلى أبي مسلم ، و ذلك في ذي الحجة من السنة و ملك قحطبة جرجان . ثم بلغه أن أهل جرجان يرومون الخروج عليهم فاستعرضهم و قتل منهم نحواً من ثلاثين ألفاً و سار نصر من قومس إلى خوار الري و عليها أبو بكر العقيلي و كتب إلى ابن هبيرة بواسط يستمده فحبس رسله . فكتب مروان إلى ابن هبيرة فجهز ابن هبيرة جيشاً كثيفاً إلى نصر و عليهم ابن عطيف .

هلاك نصر بن سيار
ثم بعث قحطبة ابنه الحسن إلى محاصرة نصر في خوار الري في محرم سنة إحدى و ثلاثين ، و بعث إليه المدد مع أبي كامل و أبي القاسم محرز بن إبراهيم و أبي العباس المروزي . و لما تقاربوا نزع أبو كامل إلى نصر فكان معه و هرب جند قحطبة و أصحاب نصر أصابهم شيء من متاعهم فبعثه نصر إلى ابن هبيرة فاعترضه ابن عطيف بالري فأخذه فغاضبه نصر فأقام ابن عطيف بالري و سار نصر إلى الري و عليها حبيب بن يزيد النهشلي . فلما قدمها سار ابن عطيف إلى همذان و كان فيها مالك ابن أدهم بن محرز الباهلي ، فعدل ابن عطيف عنها إلى أصبهان و بها عامر بن ضبارة ، و قدم نصر الري فأقام بها يومين و مرض و ارتحل . فلما بلغ نهاوة مات لإثنى عشر من ربيع الأول من السنة و دخل أصحابه همذان .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:56 pm

استيلاء قحطبة على الري
و لما مات نصر بن سيار بعث الحسن بن قحطبة خزيمة بن حازم إلى سمنان و أقبل قحطبة من جرجان و قدم زياد بن زرارة القشيري و قد كان قدم على طاعة أبي مسلم و اعتزم على اللحاق بابن ضبارة ، فبعث قحطبة في أثره المسيب بن زهير الضبي فهزمه ، و قتل عامة من مع ابن معاوية و رجع ، و لحق قحطبة ابنه الحسن إلى الري فخرج عنها حبيب بن يزيد النهشلي و أهل الشام ، و دخلها الحسن في صفر ثم لحق به أبوه و كتب بالخبر إلى أبي مسلم . و قد كثر أهل الري إلى بني أمية فأخذ أبو مسلم أملاكهم و لم يردها عليهم إلا السفاح بعد حين فأقام قحطبة بالري و كتب أبو مسلم إلى أصبهذ طبرستان بالطاعة و أداء الخراج فأجاب ، و كتب إلى المصمغان صاحب دنباوند و كبير الديلم بمثل ذلك فأفحش في الرد . فكتب أبو مسلم إلى موسى بن كعب أن يسير إليه من الري فسار ولم يتمكن منه لضيق بلاده و كان الديلم يقاتلونه كل يوم ، فكثر فيهم الجراح و القتل ، ومنعهم الميرة فأصابهم الجوع فرجع موسى إلى الري و لم يزل المصمغان متمنعاً إلى أيام المنصور فأغزاه حماد بن عمر في جيش كثيف ، ففتح دنباوند . و لما ورد كتاب قحطبة على أبي مسلم ارتحل عن مرو و نزل نيسابور ثم سير قحطبة إبنه الحسن بعد نزوله الري بثلاث ليال ، فسار عنها مالك بن أدهم و أهل الشام و خراسان إلى نهاوند و نزل على أربعة فراسخ من المدينة ، و أمده قحطبة بأبي الجهم بن عطية مولى باهلة في سبعمائة و أقام محاصراً لها .

استيلاء قحطبة على أصبهان و مقتل ابن ضبارة و فتح نهاوند و شهرزور
قد تقدم لنا أن ابن هبيرة بعث ابنه داود يزيد لقتال عبد الله بن معاوية باصطخر ، و بعث معه عامر بن ضبارة فهزموه و اتبعوه إلى كرمان سنة تسع و عشرين ، فلما بلغ ابن هبيرة مقتل نباتة بجرجان سنة ثلاثين ، كتب إلى إبنه داود ضبارة بالمسير إلى قحطبة فسار من كرمان في خمسين ألفاً و نزلوا أصبهان و بعث إليهم قحطبة جماعة من القواد عليهم مقاتل بن حكيم الكعبي فنزلوا قم و سار قحطبة إلى نهاوند مدداً لولده الحسن الذي حاصرهم فبعث مقاتلاً بذلك قحطبة ، فسار حتى لحقه ، و زحفوا للقاء داود ابن ضبارة و هم في مائة ألف و قحطبة في عشرين ألفاً . و حمل قحطبة و أصحابه فانهزم ابن ضبارة و قتل و احتووا على ما كان في معسكرهم مما لا يعبر عنه من الأصناف و ذلك في رجب . و طير قحطبة بالخبر إلى ابنه الحسن و سار إلى أصبهان فأقام بها عشرين ليلة ، و قدم على إبنه فحاصروا نهاوند ثلاثة أشهر إلى آخر شوال ، و نصبوا عليه المجانيق و بعث بالأمان إلى من كان في نهاوند من أهل خراسان فلم يقبلوا ، فبعث إلى أهل الشام فقالوا أشغل عنا أهل المدينة بالقتال نفتح لك المدينة من ناحيتنا ، ففعلوا ، و خرجوا إليه جميعاً فقتلوا أهل خراسان فيهم أبو كامل و حاتم بن شريح و ابن نصر بن سيار و عاصم بن عمير و علي بن عقيل وبيهس . ، كان قحطبة لما جاء إلى نهاوند بعث إبنه الحسن إلى جهات حلوان و عليها عبد الله بن العلاء الكندي فتركها و هرب . ثم بعث قحطبة عبد الملك بن يزيد و مالك بن طرا في أربعة آلاف إلى شهرزور و بها عثمان بن سفيان على مقدمته عبد الله بن محمد فقاتلوا عثمان آخر ذي الحجة فانهزم و قتل . و ملك أبو عون بلاد الموصل ، و قيل إن عثمان هرب إلى عبد الله بن مروان و غنم أبو عون عسكره و قتل أصحابه ، و بعث إليه قحطبة بالمدد و كان مروان بن محمد بحران فسار في أهل الشام و الجزيرة و الموصل و نزل الزاب الأكبر و أتوا شهرزور إلى المحرم سنة إثنتين وثلاثين .

حرب سفاح بن هبيرة مع قحطبة و مقتلهما و فتح الكوفة
و لما قدم على يزيد بن هبيرة إبنه داود منهزماً من حلوان خرج يزيد للقاء قحطبة في مدد لا يحصى ، و كان مروان أمده بحوثرة بن سهيل الباهلي ، فسار معه حتى نزل حلوان و احتفر الخندق الذي كانت فارس احتفرته أيام الواقعة . و أقام و أقبل قحطبة إلى حلوان ثم عبر دجلة إلى الأنبار فرجع ابن هبيرة مبادراً إلى الكوفة و قدم إليها حوثرة في خمسة عشر ألفاً و عبر قحطبة الفرات من الأنبار لثمان من المحرم سنة إثنتين و ثلاثين ، و ابن هبيرة معسكر على فم الفرات و على ثلاثة و عشرين فرسخاً من الكوفة ، و معه حوثرة و فل ابن ضبارة . و أشار عليه أصحابه أن يدع الكوفة و يقصد هو خراسان فيتبعه قحطبة فأبى إلا البدار إلى الكوفة ، و عبر إليها دجلة من المدائن ، و على مقدمته حوثرة و الفريقان يسيران على جانب الفرات . و قال قحطبة لأصحابه إن الإمام أخبرني بأن وقعة تكون بهذا المكان و النصر لنا ، ثم دلوه على مخاضة فعبر منها ، و قاتل حوثرة و ابن نباتة فانهزم أهل الشام ، و قعد قحطبة و شهد مقاتل العللي بأن قحطبة عهد لابنه الحسن بعده ، فبايع جميع الناس لأخيه الحسن ، و كان في سرية فبعثوا عنه و ولوه و وجد قحطبة في جدول هو و حرب بن كم ابن أحوز و قيل : إن قحطبة لما عبر الفرات و قاتل ضربه معن بن زائدة فسقط و أوصى إذا مات أن يلقى في الماء . ثم انهزم ابن نباتة و أهل الشام و مات قحطبة و أوصى بأمر الشيعة إلى أبي مسلم الخلال بالكوفة وزير آل محمد . و لما انهزم ابن نباتة و حوثرة لحقوا بابن هبيرة فانهزم إلى واسط و استولى الحسن ابن قحطبة على ما في معسكرهم . و بلغ الخبر إلى الكوفة فثار بها محمد بن خالد القسري بدعوة الشيعة خرج ليلة عاشوراء و على الكوفة زياد بن صالح الحارثي و على شرطته عبد الرحمن بن بشير العجلي و سار إلى فهرب زياد و من معه من أهل الشام و دخل القصر و رجع إليه حوثرة و عن محمد عامة من معه و لزم القصر . ثم جاء قوم من بجيلة من أصحاب حوثرة فدخلوا في الدعوة ثم آخرون من كنانة ، ثم آخرون من نجدل فارتحل حوثرة نحوه و كتب محمد إلى قحطبة و هو لم يعلم بهلاكه فقرأه الحسن على الناس و ارتحل نحو الكوفة فصبحها الرابعة من مسيرة و قيل إن الحسن بن قحطبة سار إلى الكوفة بعد قتل ابن هبيرة و عليها عبد الرحمن بن بشير العجلي فهرب عنها و سبق محمد بن خالد و خرج في إحدى عشر رجلاً فلقى الحسن و دخل معه و أتوا إلى أبي مسلمة فاستخرجوه من بني مسلمة و عسكر بالنخيلة ، ثم نزل حمام أعين . و بعث الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة و بايع الناس أبا مسلمة حفص ابن سليمان الخلال وزير آل محمد و استعمل محمد بن خالد القسري على الكوفة و كان يسمى الأمير ، حتى ظهر أبو العباس السفاح و بعث حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد و المسيب بن هبيرة و خالد بن مرمل ، إلى دير فناء و شراحيل إلى عير و بسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز ، و بها عبد الرحمن بن عمر بن هبيرة فقاتله بسام و انهزم إلى البصرة و عليها مسلم بن قتيبة الباهلي عاملاً لأخيه . و بعث بسام في أثره سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب والياً على البصرة ، فجمع سالم قيساً و مضر وبني أمية و جاء قائد من قواد ابن هبيرة في ألفي رجل ، و جمع سفيان اليمانية و حلفاءهم من ربيعة و اقتتلوا في صفر . و قتل ابن سفيان و اسمه معاوية فانهزم لذلك . ثم جاء إلى سالم أربعة آلاف مدداً من عند مروان فقاتل الأزد و استباحهم ولم يزل بالبصرة حتى قتل ابن هبيرة فهرب عنها و اجتمع ولد الحرث بن عبد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أياماً حتى قدم أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعي من قبل أبي مسلم . فلما بويع أبو العباس السفاح ولاها سفيان بن معاوية .

بيعة السفاح
قد كنا قدمنا خبر الدعاة و قبض مروان على إبراهيم بن محمد و أنه حبسه بحران و كان نعى نفسه إلى أهل بيته و أمرهم باللحاق بالكوفة و أوصى على أخيه أبي العباس عبد الله ابن الحريثة . فسار أبو العباس و معه أهل بيته و في إخوته أبو جعفر المنصور و عبد الوهاب و محمد ابن أخيه إبراهيم و عيسى ابن أخيه موسى و من أعمامه داود و عيسى و صالح و إسمعيل و عبد الله و عبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس ، و موسى ابن عمه داود و يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس ، فقدموا الكوفة في صفر و أبو سلمة و الشيعة على حمام أعين بظاهر الكوفة و أنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود ، و كتم أمرهم عن جميع القواد و الشيعة أربعين ليلة ، و أراد فيما زعموا أن يحول الأمر إلى أبي طالب . و سأله أبو الجهم من الشيعة و غيره فيقول : لا تعجلوا ليس هذا وقته . و لقي أبو حميد محمد بن إبراهيم ذات يوم خادم إبراهيم الإمام و هو سابق الخوارزمي فسأله عن الإمام فقال : قتل إبراهيم و أوصى إلى أخيه أبي العباس و ها هو بالكوفة و معه أهل بيته . فسأله عن اللقاء فقال : حتى أستأذن و واعده من الغد في ذلك المكان ، و جاء أبو حميد إلى أبي الجهم فأخبره و كان في عسكر أبي سلمة فقال له : تلطف في لقائهم . فجاء إلى موعد سابق ومضى معه و دخل عليهم فسأل عن الخليفة فقال داود بن علي : هذا إمامكم و خليفتكم يشير إلى أبي العباس . فسلم عليه بالخلافة و عزاه بإبراهيم الإمام ، و رجع و معه خادم من خدمهم إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم و أن أبا العباس أرسل إلى أبي سلمة أن يبعث إليه كراء الرواحل التي جاؤا إليها ، فلم يبعث إليهم شيئاً فمشى أبو الجهم و أبو الحميد و الخادم إلى موسى بن كعب و أخبروه بالأمر و بعثوا إلى الإمام مائتي دينار مع خادمه . و اتفق رأي القواد على لقاء الإمام فنهض موسى بن كعب و أبو الجهم عبد الحميد بن ربعي و سلمة بن محمد و عبد الله الطائي و إسحق بن إبراهيم و شراحيل و أبو حميد و عبد الله ابن بسام و محمد بن إبراهيم و محمد بن حصن و سليمان بن الأسود فدخلوا على أبي العباس فسلموا عليه بالخلافة و عزوه في إبراهيم . و رجع موسى بن كعب و أبو الجهم و خلفوا الباقين عند الإمام و أوصوهم إن جاء أبو سلمة لا يدخلن إلا وحده و بلغه الخبر فجاء و دخل وحده كما حدوا له و سلم على أبي العباس بالخلافة و أمره بالعود إلى معسكره و أصبح الناس يوم الجمعة لإثنتي عشرة خلت من ربيع الأول فلبسوا الصفاح و اصطفوا للخروج إلى أبي العباس و أتوه بالدواب له و لمن معه من أهل بيته ، و أركبوهم إلى دار الإمارة . ثم رجع إلى المسجد فخطب و صلى بالناس و بايعوه ثم صعد المنبر ثانية فقام في أعلاه و صعد عمه داود فقام دونه و خطب خطبته البليغة المشهورة و ذكر حقهم في الأمر و ميراثهم له ، و زاد الناس في أعطياتهم ، و كان موعوكاً فاشتد عليه الوعك فحبس على المنبر و قام عمه داود على أعلى المراقي فخطب مثله و ذم سيرة بني أمية و عاهد الناس على إقامتة الكتاب و السنة و سيرة النبي . ثم اعتذر عن عود السفاح بعد الصلاة إلى المنبر و أنه أراد أن لا يخلط كلام الجمعة بغيرها ، و إنما قطعه عن إتمام الكلام شدة الوعك فأدعوا الله له بالعافية . ثم بالغ في ذم مروان و شكر شيعتهم من أهل خراسان و أن الكوفة منزلهم لا يتخلون عنها و أنه ما صعد هذا المنبر خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و أمير المؤمنين عبد الله بن محمد و أشار إلى السفاح و أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا حتى نسلمه لعيسى بن مريم . ثم نزل أبو العباس و داود أمامه حتى دخل القصر و أجلس أخاه أبا جعفر في المسجد يأخذ البيعة على الناس حتى جن الليل . و خرج أبو العباس إلى عسكر أبي سلمة و نزل معه في حجرته بينهما ستر . و حاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام و استخلف على الكوفة عمه داود و بعث عمه عبد الله إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور و بعث ابن أخيه موسى إلى الحسن ابن قحطبة و هو يحاصر ابن هبيرة بواسط و بعث يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس إلى أحمد ابن قحطبة بالمدائن و بعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام إبراهيم بن بسام بالأهواز ، و بعث سلمة بن عمر بن عثمان بن مالك ابن الطواف و أقام السفاح بالعسكر شهراً ثم ارتحل فنزل قصر الإمارة من المدينة الهاشمية . و قد قيل إن داود بن علي و ابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بني العباس إلى الكوفة و إنهما لقياهم بدومة الجندل فعرفا خبرهم و قال لهم داود : كيف تأتون الكوفة و مروان بن محمد في حران في أهل الشام و الجزيرة فطل على العراق و يزيد بن هبيرة بالعراق ؟ فقال : يا عم من أحب الحياء ذل فرجع داود و ابنه معه .

مقتل إبراهيم بن الإمام
قد تقدم لنا أن مروان حبسه بحران و حبس سعيد بن هشام بن عبد الملك و ابنيه عثمان و مروان و العباس بن الوليد بن عبد الملك و عبد الله بن عمر بن عبد العزيز و أبا محمد السفياني فهلك منهم في السجن من وباء وقع بحران : العباس بن الوليد و إبراهيم بن الإمام و عبد الله بن عمر . و خرج سعيد بن هشام و من معه من المحبوسين بعد أن قتلوا صاحب السجن فقتلهم الغوغاء من أهل حران و كان فيمن قتلوه شراحيل بن مسلمة بن عبد الملك و عبد الملك بن بشر الثعلبي و بطريق أرمينية و إسمه كوشان و تخلف أبو محمد السفياني في الحبس لم يستحل الخروج منه . و لما قدم مروان منهزماً من الزاب حل عنه فيمن بقي و قيل إن شراحيل بن مسلمة كان محبوساً مع إبراهيم و كانا يتزاوران و يتهاديان ، فدس في بعض الأيام إلى إبراهيم بن الإمام بلبن مسموم على لسان شراحيل فاستطلق بطنه . و قيل إن شراحيل قال : إنالله و إنا إليه راجعون احتيل و الله عليه ، و أصبح ميتاً من ليلته .

هزيمة مروان بالزاب و مقتله بمصر
قد ذكرنا أن قحطبة أرسل أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي إلى شهرزور فقتل عثمان بن سفيان و أقام بناحية الموصل و أن مروان بن محمد سار إليه من حران في مائة و عشرين ألفاً و سار أبو عون إلى الزاب و وجه أبو سلمة عيينة بن موسى و المنهال بن قبان و اسحق بن طلحة كل واحد في ثلاثة آلاف مدداً له . فلما بويع أبو العباس و بعث مسلمة بن محمد في ألفين و عبد الله الطائي في ألف و خمسمائة و عبد الحميد بن ربعي الطائي في ألفين و دارس بن فضلة في خمسمائة كلهم مدداً لأبي عون ، ثم ندب أهل بيته إلى المسير إلى أبي عون ، فانتدب عبد الله بن علي فسار و قدم على أبي عون فتحول له عن سرادقه بما فيه ثم أمر عيينة بن موسى بخمسة آلاف تعبر النهر من الزاب أول جمادى الأخير سنة إثنتين و ثلاثين و قاتل عساكر مروان إلى المساء و رجع ففقد مروان الجسر من الغد و قدم ابنه عبد الله و عبر فبعث عبد الله بن علي المخارق بن غفار في أربعة نحو عبد الله بن مروان فسرح ابن مروان الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم ، فانهزم أصحاب المخارق و أسر هو و جيء به إلى مروان مع رؤوس القتلى ، فقال : أنت المخارق ؟ قال : لا . قال : فتعرفه في هذه الرؤوس ؟ قال : نعم . قال : هو ذا فخلى سبيله و قيل بل أنكر أن يكون في الرؤوس فخلى سبيله و عاجلهم عبد الله بن علي بالحرب قبل أن يفشوا الخبر و على ميمنته أبو عون و على ميسرته الوليد بن معاوية و كان عسكره نحواً من عشرين ألفاً ، و قيل إثني عشر و أرسل مروان إليه في الموادعة فأبى و حمل الوليد بن معاوية بن مروان و هو صهر مروان على إبنته ، فقاتل أبا عون حتى انهزم إلى عبد الله بن علي فأمر الناس فارتحلوا و مشى قدماً ينادي يالتارات إبراهيم و بالأشعار يا محمد يا منصور . و أمر مروان القبائل بأن يحملوا فتخاذلوا و اعتذروا حتى صاحب شرطته . ثم ظهر له الخلل فأباح الأموال للناس على أن يقاتلوا فأخذوها من غير قتال . فبعث ابنه عبد الله يصدهم عن ذلك فتبادروا بالفرار و انهزموا و قطع مروان الجسر و كان من غرق أكثر ممن قتل . و غرق إبراهيم بن الوليد المخلوع و قيل بل قتله عبد الله بن علي بالشام و ممن قتل يحيى بن علي ابن هشام و كان ذلك في جمادى الأخيرة سنة إثنتين و ثلاثين ، و أقام عبد الله في عسكره سبعة أيام و اجتاز عسكر مروان بما فيه و كتب بالفتح إلى أبي العباس السفاح ، و سار مروان منهزماً إلى مدينة الموصل و عليها هشام بن عمر الثعلبي و ابن خزيمة الأسدي ، فقطعا الجسر و منعاه العبور إليهم و قيل هذا أمير المؤمنين فتجاهلوا و قالوا أمير المؤمنين لا يفر . ثم أسمعوه الشتم و القبائح فسار إلى حران و بها أبان ابن أخيه ، وسار إلى حمص و جاء عبد الله إلى حران فلقيه أبو مسعود فأمنه و لقي الجزيرة . و لما بلغ مروان حمص أقام بها ثلاثاً و ارتحل فاتبعه أهلها لينهبوه فقاتلهم و أثخن فيهم ، و سار إلى دمشق و عليها الوليد ابن عمه فأوصاه بقتال عدوه . و سار إلى فلسطين فنزل نهر أبي فطرس و قد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي ، فأرسل إلى عبد الله ابن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره ، ثم سار عبد الله بن علي في أثره من حران بعد أن هدم الدار التي حبس فيها أخوه الإمام إبراهيم . و انتهى إلى قنج فأطاعه أهلها و قدم عليه أخوه عبد الصمد بعثه السفاح مدداً في ثمانية آلاف و افترق قواد الشيعة على أبواب دمشق فحاصروها أياماً ثم دخلوها عنوة لخمس من رمضان و اقتتلوا بها كثيراً و قتل عاملها الوليد بن معاوية و أقام عبد الله بدمشق خمس عشرة ليلة و ارتحل يريد فلسطين فأجفل مروان إلى العرش و جاء عبد الله فنزل نهرابي فطرس و وصله هناك كتاب السفاح بأن يبعث صالح بن علي في طلب مروان . فسار صالح في ذي القعدة و على مقدمته أبو عون بن إسمعيل الحارثي فأجفل مروان إلى النيل ثم إلى الصعيد و نزل صالح الفسطاط و تقدمت عساكر فلقوا خيلاً لمروان فهزموهم و أسروا منهم ودلوهم على مكانه ببوصير فسار إليه عون و بيته هنالك خوفاً من أن يفضحه الصبح فانهزم مروان و طعن فسقط في آخر ذي الحجة الحرام و قطع رأسه ، و بعث به طليعة أبي عون إليه . فبعثه إلى السفاح و هرب عبد الله و عبيد الله إبنا مروان إلى أرض الحبشة و قاتلوهم فقتل عبيد الله و نجا عبد الله و بقي إلى أيام المهدي فأخذه عامل فلسطين و سجنه المهدي . و كان طليعة أبي عون عامر بن إسمعيل الحارثي فوجد نساء مروان و بناته في كنيسة بوصير قد وكل بهن خادماً يقتلهن بعده بهن صالح و لما دخلن عليه سألنه في الإبقاء فلامهن على قتالهم عند بني أمية . ثم عفا عنهن و حملهن إلى حران يبكين . و كان مروان يلقب بالحمار لحرنه في مواطن الحرب . و كان أعداؤه و يلقبونه الجعدي نسبة إلى الجعد بن درهم كان يقول بخلق القرآن و يتزندق . و أمر هشام خالد القسري بقتله . ثم تتبعوا بني أمية بالقتل و دخل أسديف يوماً على السفاح و عنده سليمان بن هشام و قد أمنه والده فقال :
لا يغرنك ما ترى من رجال إن بين الضلوع داء دويا
فضع السيف و ارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أموياً
فأمر السفاح بسليمان فقتل . و دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي و عنده ثمانون أو تسعون من بني أمية يأكلون على مائدته فقال :
أصبح الملك في ثبات الأساس بالبهاليل من بني العباس
طلبوا أمر هاشم فنعونا بعد ميل من الزمان وباس
لا تقيلن عبد شمس عثاراً فأقطعن كل رقلة و غراس
فلنا أظهر التودد منها و بها منكم كحز المواسي
فلقد غاضني و غاض سوائي قربهم من نمارق و كراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله بدار الهوان و الإتعاس
و اذكروا مصرع الحسين و زيداً و قتيلاً بجانب المهراس
و القتيل الذي بحان أضحى ثاوياً رهن غربة و نعاس
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد ، بسط من فوقهم الأنطاع فأكل الطعام عليهم و أنينهم يسمع حتى ماتوا ، ذلك بنهرابي فطرس و كان فيمن قتل : محمد بن عبد الملك بن مروان و المعز بن يزيد و عبد الواحد بن سليمان و سعيد بن عبد الملك و أبو عبيدة بن الوليد بن عبد الملك . و قيل : إن إبراهيم المخلوع قتل معهم ، و قيل إن أسديفاً هو الذي أنشد هذا الشعر للسفاح و أنه الذي قتلهم . ثم قتل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بالبصرة جماعة من بني أمية فأمر بأشلائهم في الطرق فأكلتهم الكلاب ، و قيل إن عبد الله بن علي أمر بنبش قبور الخلفاء من بني أمية فلم يجدوا في القبور إلا شبه الرماد و خيطاً في قبر معاوية و جمجمة في قبر عبد الملك . و ربما وجد فيها بعض الأعضاء إلا هشام بن عبد الملك فإنه وجد كما هو لم يبل ، فضربه بالسوط ثم صلبه و حرقه و ذاره في الريح ، و الله أعلم بصحة ذلك . ثم تتبعوا بني أمية بالقتل فلم يفلت منهم إلا الرضعاء أو من هرب إلى الأندلس مثل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام و غيره ممن تبعه من قرابته كما يذكر في أخبارهم .


بقية الصوائف في الدولة الأموية
قد انتهينا بالصوائف إلى أخر أيام عمر بن الله العزيز و في سنة إثنتين و مائة أيام اليزيد غزا عمر بن هبيرة الروم من ناحية أرمينية و هو على الجزيرة قبل أن يلي العراق ، فهزمهم و أسر منهم خلقاً منهم سبعمائة أسير . و غزا العباس بن الوليد الروم أيضاً ففتحها لسنة . ثم غزا سنة ثلاث بعدها فافتتح مدينة رسلة . ثم غزا الجراح الحكمي أيام هشام سنة خمس فبلغ وراء بلنجر و غنم ، و غزا في هذه السنة سعيد بن عبد الملك أرض الروم و بعث ألف مقاتل في سرية فهلكوا جميعاً . و غزا فيها مروان محمد بالصائفة اليمنى ، ففتح مدينة من أرض الزوكج . ثم غزا سعيد بن عبد الملك بالصائفة أيام هشام سنة ست . ثم غزا مسملة بن عبد الملك الروم من الجزيرة و هو وال عليها ففتح قيسارية . و غزا إبراهيم بن هشام ففتح حصناً . و غزا معاوية بن هشام في البحر قبرس ، و غزا سنة ففتح حصناً آخر يقال له طبسة . و غزا سنة عشر بالصائفة عبد الله بن عقبة الفهري ، و كان على جيش البحر عبد الرحمن بن معاوية بن خديج . و غزا بالصائفة اليسرى سنة إحدى عشرة معاوية بن هشام و بالصائفة اليمنى سعيد بن هشام و في البحر عبد الله بن أبي مريم . و افتتح معاوية في صائفة سنة ثلاث عشرة مدينة خرشفة . و غزا سنة ثلاث عشرة عبد الله البطال ، فانهزم فثبت عبد الوهاب من أصحابه فقتل . و دخل معاوية بن هشام أرض الروم من ناحية مرعش . ثم غزا سنة أربع عشرة بالصائفة اليسرى و أصحاب ربض أفرق و التقى عبد الله البطال مع قسطنطين ، فهزمه البطال و أسره . و غزا سليمان بن هشام بالصائفة اليسرى فبلغ قيسارية ، و هزم مسلمة بن عبد الملك خاقان و باب الباب . و غزا معاوية بن هشام بالصائفة سنة خمس عشرة و غزا سفيان بن هشام بالصائفة اليسرى سنة سبع عشرة . وسليمان بن هشام بالصائفة اليمنى من ناحية الجزيرة ، و فرق السرايا في أرض الروم و بعث فيها مروان بن محمد من أرمينية فافتتحوا من أرض اللان آهلها أخذها قومانساه صلحاً ، غزا معاوية و سليمان أيضاً أرض الروم سنة ثماني عشرة .و غزا فيها مروان بن محمد من أرمينية و دخل أرض وارقيس ، فهرب وارقيس إلى الحرو و نازل حصنه فحاصره . و قتل وارقيس بعض من اجتاز به و بعث برأسه إلى مروان و نزل أهل الحصن على حكمه فقتل و سبى . و غزا سنة تسع عشرة مروان بن محمد من أرمينية و مر ببلاد اللان إلى بلاد الخزر على بلنجر و سمندر و انتهى إلى خاقان فهرب خاقان منه . و غزا سليمان بن هشام سنة عشرين
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:57 pm

بالصائفة فافتتح سندرة و غزا إسحق بن مسلم العقيلي قومانساه و افتتح قلاعه و خرب أرضه . و غزا مروان من أرمينية سنة إحدى و عشرين و أفنى قلعة بيت السرير فقتل و سبى ، ثم قلعة أخرى كذلك و دخل عزسك و هو حصن الملك فهرب منه الملك و دخل حصناً له يسمى جرج فيه سرير الذهب فنازله مروان حتى صالحه على ألف فارس كل سنة و مائة ألف مدنى ثم دخل أرض أزرق و نصران فصالحه ملكها . ثم أرض تومان كذلك . ثم أرض حمدين فأخرب بلاده و حصر حصناً له شهراً حتى صالحه ثم أرض مسداد ففتحها على صلح ثم نزل كيلان فصالحه أهل طبرستان و كيلان وكل هذه الولايات على شاطئ البحر من أرمينية إلى طبرستان . و غزا مسلمة بن هشام الروم في هذه السنة فافتتح بها مطامير و في سنة إثنتين و عشرين بعدها قتل البطال و إسمه عبد الله بن الحسين الأنطاكي و كان كثير الغزو في بلاد الروم و الإغارة عليهم . و قدمه مسلمة على عشرة آلاف فارس فكان يغزو بلاد الروم إلى أن قتل هذه السنة . و في سنة أربع و عشرين غزا سليمان بن هشام بالصائفة على عهد أبيه فلقي أليون ملك الروم فهزمه و غنم . و في سنة خمسة و عشرين خرجت الروم إلى حصن زنطره و كان افتتحه حبيب بن مسلمة الفهري و خزيمة الروم و بني بناء غير محكم فأخربوه ثانية أيام مروان . ثم بناه الرشيد و طرقه الروم أيام المأمون فشعبوه فأمر ببنائه و تحصينه ثم طرقوه أيام المعتصم و خبره معروف . و في هذه السنة غزا الوليد بن يزيد بالصائفة أخاه العمر و بعث الأسود بن بلال المحاربي بالجيش في البحر إلى قبرس ليجير أهلها بين الشام و الروم فافترقوا فريقين ، و غزا أيام مروان سنة ثلاثين بالصائفة الوليد بن هشام و نزل العمق و بنى حصن مرعش .

عمال بني أمية على النواحي
استعمل معاوية أول خلافته سنة أربعين عبد الله عمرو بن العاص على الكوفة ثم عزله و استعمل المغيرة بن شعبة على الصلاة و استعمل على الخراج و كان على النقباء بها شريح و كان حمران بن أبان قد وثب على البصرة عندما صالح الحسن معاوية فبعث بشر بن أرطأة على البصرة و أمده فقتل أولاده زياد بن أبيه ، و كان عاملاً على فارس لعلي بن أبي طالب ، فقدم البصرة و قد ذكرنا خبره مع بني زياد فيما قبل . ثم ولى على البصرة عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس وضم إليه خراسان و سجستان فجعل على شرطته حبيب بن شهاب و على القضاء عميرة بن تبرى ، و قد تقدم لنا أخبار قيس في خراسان و كان عمرو بن العاص على مصر كما تقدم ، فولى سنة إحدى و أربعين من قبله على أفريقية عقبة بن نافع بن عبد قيس ، و هو ابن خالته فانتهى إلى لواته و مزاتة فأطاعوه ثم كفروا فغزاهم و قتل و سبى . ثم افتتح سنة إثنتين و أربعين بعدها غذامس و قتل و سبى و افتتح سنة ثلاثة و أربعين بعدها بلد ودان معاوية بالمدينة سنة إثنتين و أربعين مروان بن الحكم فاستقضى عبد الله بن الحرث بن نوفل ، و ولى معاوية على مكة في هذه السنة خالد بن العاص ابن هشام ، و كان على أرمينية حبيب بن مسلمة الفهري و ولاه عليها معاوية و مات سنة إثنتين و أربعين فولى مكانه .
و استعمل ابن عامر في هذه السنة على ثغر الهند عبد الله بن سوار العبدي و يقال ولاه معاوية و عزل ابن عامر في هذه السنة قيس بن الهيثم عن خراسان و ولى مكانه الحرث ابن عبد الله بن حازم . ثم عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة سنة أربع و أربعين و ولى مكانه الحرث بن عبد الله الأزدي ، ثم عزله لأربعة أشهر و ولى أخاه زياداً سنة خمس و أربعين ، فولى على خراسان الحكم بن عمر الغفاري ، و جعل معه على الخراج أسلم بن زرعة الكلابي . ثم مات الحكم فولى خليد بن عبد الله الحنفي سنة سبعة و أربعين ثم ولي على خراسان سنة ثمان بعدها غالب بن فضالة الليثي ، و تولى عمرو بن العاص سنة تسعة و أربعين فولى مكانه سعيد بن العاص ، فعزله عبد الله بن الحرث عن القضاء و استقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن و في سنة خمسين توفي المغيرة بن شعبة فضم الكوفة إلى أخيه زياد ، فجاءه إليها و استخلف على البصرة سمرة ابن جندب ، و كان يقسم السنة بين المصريين في الإقامة نصفاً بنصف و في سنة خمسين هذه اقتطع معاوية أفريقية عن معاوية بن خديج بمصر و ولى عقبة بن نافع الفهري و كان مقيماً ببرقة و زويلة من وقت فتحها أيام عمرو بن العاص ، فأمده بعشرة آلاف فسار إليها و انضاف إليه من أسلم من البربر ، و دوخ البلاد و بنى بالقيروان ، و أنزل عساكر المسلمين ثم استعمل معاوية على مصر و أفريقية مولاه أبا المهاجر ، فاساء عزل عقبة ، و جاء عقبة إلى الشام فاعتذر إليه معاوية و وعده بعمله و مات معاوية فولاه يزيد سنة إثنتين و ستين . و ذكر الواقدي أن عقبة ولي سنة إثنتين و ستين و استعمل أبا المهاجر فولى الأمصار ، فحبس عقبة و ضيق عليه و أمره يزيد بإطلاق فوفد عقبة فأعاده إلى عمله . فحبس أبا المهاجر و خرج غازياً و أثخن حتى قتله كسيلة كما يأتي في سنة إحدى و خمسين ولى زياد على خراسان الربيع بن زياد الحرث مكان خليد بن عبد الله الحنفي و في سنة ثلاث و خمسين توفي زياد يزيد و استخلف على البصرة سمرة بن جندب و على الكوفة عبد الله خالد بن أسيد . ثم ولى الضحاك بن قيس سنة خمس بعدها و في هذه السنة مات الربيع بن زياد عامل خراسان قبل موت زياد و استخلفه ابنه عبد الله و مات لشهرين و استخلف خليد بن يربوع الحنفي و كان على صفا بيروز الديلمي من قبل معاوية فمات سنة ثلاث و خمسين و في سنة أربع و خمسين عزل معاوية عن المدينة سعيد بن العاص ورد إليها مروان بن الحكم ثم عزله سنة سبعة و ولى مكانه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان و عزل سنة تسعة و خمسين عن البصرة ابن جندب و ولى مكانه عبد الله بن عمر بن غيلان ، و ولى على خراسان عبيد الله بن زياد ثم ولاه سنة خمس بعدها على البصرة مكان بن غيلان ثم ولى على خراسان سنة ستة و خمسين سعيد بن عثمان بن عفان و في سنة ثمانية و خمسين عزل معاوية عن الكوفة الضحاك بن قيس و استعمل مكانه ابن أم الحكم و هي أخته ، و هو عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ، و طرده أهل الكوفة فولاه مصر فرده معاوية بن خديج و ولى مكانه على الكوفة سنة تسعة و خمسين النعمان بن بشير وولى فيها على خراسان عبد الرحمن بن زياد فقدم إليها قيس بن الهيثم السلمي فحبس أسلم بن زرعة فأغرمه ثلثمائة ألف درهم . ثم مات معاوية سنة ستين و ولاته على النواحي من ذكرناه و على سجستان عباد بن زياد و على كرمان شريك بن الأعور و عزل يزيد لأول وليته الوليد بن عقبة عن المدينة و الحجاز و ولاها عمر بن سعيد الأشدق ثم عزله سنة إحدى و ستين ، و رد الوليد بن عقبة و ولى على خراسان سالم بن زياد ، فبعث سالم إليها الحرث بن معاوية الحرثي و بعث أخاه يزيد إلى سجستان و كان بها أخوهما عباد عنهما . و قاتل يزيد أهل كابل فهزموه ، فبعث مسلم على سجستان طلحة الطلحات ، و هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي فبقي سنة ، و بعث سنة إثنتين و ستين عقبة بن نافع إلى أفريقية فحبس أبا المهاجر ، و استخلف على القيروان زهير بن قيس البلوي كما نذكر في أخباره . و توفي في هذه السنة مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر . ثم هلك يزيد سنة أربع و ستين و استخلف على أهل العراق عبيد الله بن زياد . و ولى أهل البصرة عليهم عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب و يلقب ببة ، و هرب ابن زياد إلى الشام . و جاء إلى الكوفة عامر بن مسعود من قبل ابن الزبير و بلغه أهل الري و عليهم الفرخان فبعث عليهم محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب فهزموه ، فبعث عتاب بن ورقاء فهزمهم . ثم بويع مروان و سار إلى مصر فملكها من يد عبد الرحمن بن حجام القريشي داعية ابن الزبير و ولى عليها عمر بن سعيد ثم بعثه للقاء مصعب بن الزبير لما بعثه أخوه عبد الله إلى الشام ، و ولى على مصر ابنه عبد العزيز فلم يزل عليها والياً إلى أن هلك لسنة خمسة و ثمانين ، فولى عبد الملك عليها ابنه عبد الله بن عبد الملك . و خلع أهل خراسان بعد يزيد سالم بن زياد و استخلف المهلب بن أبي صفرة ، ثم ولى مسلم عبد الله بن حازم فاستبد بخراسان إلى حين . ثم خرج أهل الكوفة عمر بن حريث خلفة بن زياد و بايعوا لابن الزبير و قدم المختار بن أبي عبيد أميراً على الكوفة من قبله بعد ستة أشهر من مهلك يزيد ، و امتنع شريح من القضاء أيام الفتنة . و استعمل ابن الزبير على المدينة أخاه مصعباً سنة خمس و ستين مكان أخيه عبد الله و ثار بنو تميم بخراسان على عبد الله بن حازم فغلبه عليها بكير بن وشاح و غلب المختار على ابن مطيع عامل ابن الزبير بالكوفة سنة ست و ستين ثم مات مروان سنة خمس و ستين و ولي عبد الملك . و ولي ابن الزبير أخاه مصعباً على البصرة و ولي مكانه بالمدينة جابر بن الأسود بن عوف الزهري . ثم ملك عبد العزيز سنة إحدى و سبعين و استعمل على البصرة خالد بن عبد الله بن أسد و على الكوفة أخاه بشر بن مروان و كان على خراسان عبد الله بن حازم بدعوة ابن الزبير ، فقام بكير بن و شاح التميمي بدعوة عبد الملك و قتله . و ولاه عبد الملك خراسان . و كان على المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف بدعوة ابن الزبير بعد جابر بن الأسود ، فبعث عبد الملك طارق بن عمر مولى عثمان فغلبه عليها . ثم قتل ابن الزبير سنة ثلاث و سبعين و انفرد عبد الملك بالخلافة و ولي على الجزيرة و أرمينية أخاه محمداً . و عزل خالد عن البصرة و ضمها إلى أخيه بشر فسار إليها و استخلف على الكوفة عمر بن حريث و ولى على الحجاز و اليمن و اليمامة الحجاج بن يوسف و بعثه من الكوفة لحرب ابن الزبير و عزل طارقاً عن المدينة و سار من جنده . و في سنة أربع و سبعين استقضى أبا إدريس الخولاني و أمر بشر أخاه أن يبعث المهلب بن أبي صفرة لحرب الأزارقة . و عزل عن خراسان بكير بن وشاح و ولى مكانه أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فبعث أمية ابنه عبد الله على سجستان . و كان على أفريقية زهير بن قيس البلوي فقتله البربر سنة تسع و ستين . و شغل عبد الملك بفتنة ابن الزبير ، فلما فرغ منها بعث إلى أفريقية سنة أربع و سبعين حسان بن النعمان القيساني في عساكر لم ير مثلها ، فأثخن فيها و افترقت جموع الروم و البربر . و قتل الكاهنة كما يذكر في أخبار أفريقية ثم ولى عبد الملك سنة خمس و سبعين الحجاج بن يوسف على العراق فقط ، و ولى على السند سعيد بن أسلم بن زرعة و قتل في حروبها ، و كان أمر الخوارج و في سنة ست و سبعين ولي على المدينة أبان ابن عثمان و كان على قضاء الكوفة شريح و على قضاء البصرة زرارة بن أبي أوفى بعد هشام بن هبيرة و على قضاء المدينة عبد الله بن قشير بن مخرمة . ثم كانت حروب الخوارج كما نذكر في أخبارهم . و في سنة ثمان و سبعين عزل عبد الملك أمية بن عبد الله عن خراسان و سجستان و ضمهما إلى الحجاج بن يوسف ، فبعث الحجاج على خراسان المهلب بن أبي صفرة و على سجستان عبد الله بن أبي بكرة و ولى على قضاء البصرة موسى بن أنس و استعفى شريح بن الحرث من القضاء بالكوفة فولى مكانه أبا بردة بن أبي موسى ثم ولى على قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة و خرج عبد الرحمن بن الأشعث فملك سجستان و كرمان و فارس و البصرة ثم قتل و رجعت إلى حالها ، و ذلك سنة إحدى و ثمانين . و في سنة إثنتين و ثمانين مات المهلب بن أبي صفرة و استخلف ابنه يزيد على خراسان فأقره الحجاج . و في هذه السنة عزل عبد الملك أبان بن عثمان عن المدينة و ولى مكانه هشام بن إسمعيل المخزومي فعزل هشام نوفل ابن مساحق عن القضاء و ولي مكانه عمر بن خالد الزرقي . و بنى الحجاج مدينة واسط . و في سنة خمس و ثمانين عزل الحجاج يزيد بن المهلب عن خراسان و ولى مكانه هشام أخاه المفضل قليلاً ثم قتيبة بن مسلم و توفي عبد الملك . و عزل الوليد لأول ولايته هشام بن إسمعيل عن المدينة و ولى مكانه عمر بن عبد العزيز فولى على القضاء أبا بكر بن عمر بن حزم و ولى الحجاج على البصرة الجراح بن عبد الله الحكمي و ولى على قضائها عبد الله بن أذينة و على قضاء الكوفة أبا بكر بن أبي موسى الأشعري . و في سنة تسع و ثمانين ولى الوليد على مكة خالد بن عبد الله القسري و كان على ثغر السند محمد بن القاسم بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي و هو ابن عم الحجاج . ففتح السند و قتل ملكه ، و كان على مصر عبد الله بن عبد الملك ولاه عليها أبوه ففل ملكها . فعزله الوليد في هذه السنة و ولىمكانه قرة بن شريك ، و عزل خالداً عن الحجاز و ولى عمر بن عبد العزيز . و في سنة إحدى و تسعين عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة و أرمينية و ولى مكانه أخاه مسلمة بن عبد الملك و كان على طندة في قاصية المغرب بن زياد عاملاً لمولاه موسى بن نصير عامل الوليد بالقيروان فأجاز البلاد و البحر إلى بلاد الأندلس و افتتحها سنة إثنتين و تسعين كما يذكر في أخبارها ، و في سنة ثلاث و تسعين عزل بن عبد العزيز عن الحجاز و ولى مكانه خالد بن عبد الله على مكة و عثمان بن حيان على المدينة . و مات الحجاج سنة خمس و تسعين ثم مات الوليد سنة ست وتسعين و فيها قتل قتيبة بن مسلم لانتقاضه على سليمان و ولاها سليمان يزيد المهلب وفيها مات قرة بن شريك و كان على المدينة أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم و على مكة عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد بن أسيد و على قضاء الكوفة أبو بكر بن موسى و على قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة و في سنة سبع و تسعين عزل سليمان بن موسى بن نصير عن أفريقية و ولى مكانه محمد بن يزيد القرشي حتى مات سليمان فعزل و استعمل عمر مكانه إسمعيل بن عبد الله و في سنة ثمان و تسعين كان فتح طبرستان و جرجان أيام سليمان بن عبد الملك على يد يزيد اين المهلب و في سنة تسع و تسعين استعمل عمر ابن عبد العزيز على البصرة عدي بن أطأة الفزاري ، و أمره بإنقاذ يزيد بن المهلب موثوقاً على القضاء الحسن بن أبي الحسن البصري ثم أياس بن معاوية و على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب . و ولى على المدينة عبد العزيز بن أرطأة و ولى على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي . ثم عزل سنة مائة و ولى عبد الرحمن بن نعيم القريشي و ولى على الجزيرة عمر بن هبيرة الفزاري ، و على أفريقية إسمعيل بن عبد الله مولى بني مخزوم و على الأندلس السمح بن مالك الخولاني . ثم في سنة إحدى و مائة عزل إسمعيل عن أفريقية و ولاها يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج ، فلم يزل عليها إلى أن قتل . و في سنة إثنتين و مائة ولي يزيد بن عبد الملك أخاته مسلمة على العراق و خراسان فولى على خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحرث ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية و يقال له سعيد خدينة . ثم استحيا من مسلمة في أمر الجراح فعزله و ولى مكانه ابن يزيد بن هبيرة ، فجعل على قضاء الكوفة القاسم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، و على قضاء البصرى عبد الملك بن يعلى . و كان على مصر أسامة بن زيد ، وليها بعد قرة بن شريك و ولى ابن هبيرة على خراسان سعيداً الحريشي مكان حذيفة . و في سنة ثلاث و مائة جمع يزيد مكة و المديبة لعبد الرحمن بن الضحاك ، و عزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عن مكة و عن الطائف و ولى مكانه على الطائف عبد الواحد بن عبد الله البصري . و في سنة أربع و مائة ولى يزيد على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمي و عزل عبد الرحمن بن الضحاك عن مكة و المدينة لثلاث سنين من ولايته ، و ولى عليهما مكانه عبد الواحد النصري و عزل هبيرة سعيد الحريشي عن خراسان و ولى عليها مسلم بن سعيد ابن أسلم بن زرعة الكلابي ، و لى على قضاء الكوفة الحسين بن حسين الكندي . و مات يزيد بن عبد الملك سنة خمس و ولي هشام فعزل ابن هبيرة عن العراق و ولى مكانه خالد بن عبد الله القسري ، و استعمل خالد على خراسان أخاه أسداً سنة سبع و مائة . و عزل مسلم بن سعيد و ولى على البصرة عقبة بن عبد الأعلى ، و على قضائها ثمامة بن عبد الله بن أنس . و ولى على السند الجنيد بن عبد الرحمن . و استعمل هشام على الموصل الحر بن يوسف ، و عزل عبد الواحد النصري عن الحجاز ، و ولى مكانه إبراهيم بن هشام بن إسمعيل المخزومي ، و استتقضى بالمدينة محمد بن صفوان الجمحي ، ثم عزله و استقصى الصلت الكندي . و عزل الجراح بن عبد الله عن أرمينية و أذربيجان و ولى مكانه أخاه مسلمة ، فولى عليها الحرث ابن عمر الطائي . و كان على اليمن سنة ثمان يوسف بن عمر ، و في سنة تسع عزل سنة تسع عزل خالد أخاه أسداً عن خراسان و ولى هشام عليها أشرس بن عبد الله السلمي ، و أمره أن يكاتب خالداً بعد أن كان خالد ولى الكم بن عوانة الكلبي مكان أخيه ، فلم يقر فعزله هشام . و مات في سنة تسع عامل القيروان بشر بن صفوان ، فولى هشام مكانه عبيدة بن عبد الرحمن بن الأغر السلمي فعزله عبيدة يحيى بن سلمة الكلبي عن الأندلس ، استعمل حذيفة بن الأخوص الأشجعي . ثم عزل لستة أشهر و وليها عثمان بن أبي نسعة الخثعمي و في سنة عشر و مائة جمع خالد الصلاة و الأحداث و الشرط و القضاء بالبصرة لبلال بن أبي بردة و عزل تمامة عن القضاء . و في سنة إحدى عشرة عزل هشام عن خراسان أشرس بن عبد الله و ولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري و ولى على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمي و عزل مسلمة . و فيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن عامل أفريقية و عثمان بن أبي تسعة عن الأندلس ، و ولى مكانه الهيثم بن عبيد الكناني . و في سنة اثنتي عشرة قتل الجراح بن عبد الله صاحب أرمينية قتله التركمان ، فولى هشام مكانه سعيداً الحريشي . و مات الهيثم عامل الأندلس و ولوا على أنفسهم مكانه محمد بن عبد الله الأشجعي شهرين و بعده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي من قبيل ابن عبد الرحمن السلمي عامل أفريقية . و غزا إفرنجة فاستشهد ، فولى عبيدة مكانه عبد الملك بن قطن الفهري و عزل عبيدة عن إفريقية و ولى مكانه عبيد الله بن الحجاب ، و كان على مصر فسار إليها . و في سنة أربع عشرة عزل هشام مسلمة عن أرمينية و ولى مكانه مروان بن محمد بن مروان . و عزل إبراهيم بن هشام عن الحجاز و ولى مكانه على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم ، وعلى مكة و الطائف محمد بن هشام المخزومي . و في سنة ست عشرة و مائة عزل هشام الجنيد بن عبد الرحمن المري عن خراسان و ولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي . و فيها استعمل عبد الله بن الحجاب على الأندلس عقبة بن الحجاج القيسي مكان عبد الملك بن قطن ففتح خليتيه و في سنة سبع و مائة عزل هشام عاصم بن عبد الله عن خراسان و ولى مكانه خالد بن عبد الله القسري فاستخلف خالد أخاه أسداً . و ولى هشام على أفريقية و الأندلس عبيد الله بن الحجاب و كان على مصر فسار إليها و استخلف على مصر ولده و ولى على الأندلس عقبة بن الحجاج و على طنجة ابنه إسمعيل و بعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازياً إلى المغرب ، فبلغ السوس الأقصى و أرض السودان و فتح و غنم . و أغزاه إلى صقلية و عشرين و مائة ففتح سنة اثنتين و عشرين و مائة ففتح اأثرها ثم و استدعاه لفتنة ميسرة كما نذكره في أخبارهم و في سنة ثمان عشرة عزل هشام عن المدينة خالد بن عبد الملك بن الحرث و ولى مكانه محمد بن هشام بن إسمعيل . و في سنة عشرين مات أسد بن عبد الله الخراساني و ولي مكانه نصر بن سيار . و عزل هشام خالد القسري عن جميع أعماله بالعراقين و خراسان و ولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي استقدمه إليها من ولاية اليمن ، فأقر نصر بن سيار على خراسان ، و كان على قضاء الكوفة ابن شرمة و على قضاء البصرة عامر بن عبيدة و ولى يوسف بن عمر بن شرمة على سجستان و استقضى مكانه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى . و كان على قضاء البصرة اياس بن معاوية بن قرة فمات في هذه السنة و في سنة ثلاث و عشرين قتل كلثوم بن عياض الذي حثه هشام لقتال البربر بالمغرب و توفي عقبة بن الحجاج أمير الأندلس و قيل بل خلعوه ، و ولى مكانه عبد الملك بن قطن ولايته الثانية كما يذكر . و في سنة أربع و عشرين ظهر أمر أبي مسلم بخراسان . و تلقب بلخ على الأندلس ثم مات و كان سار إليها من فل كلثوم بن عياض لما قتله البربر بالمغرب و ولى هشام على الأندلس أبا الخطار حسام بن ضرار الكلبي فأمر حنظلة بن صفوان أن يوليه فولاه و كان ثعلبة بن خزامة سلامة الجرابي قد ولوه بعد بلخ فعزله أبو الخطار . و في هذه السنة ولى الوليد بن يزيد خالد بن يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي على الحجاز فأسره ثم قتل الوليد سنة ست و عشرين فعزل يزيد عن العراق يوسف بن عمر و ولى مكانه منصور ابن جمهور ، فبعث عامله على خراسان فامتنع نصر بن سيار من تسليم العمل له . ثم عزل يزيد منصور بن جمهور و ولى مكانه على العراق عبد الله بن عمر ابن عبد العزيز ، و غلب حنظلة على إفريقية عبد الرحمن بن حبيب كما يذكر في خبرها . و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 8:59 pm

عزل يزيد عن المدينة يوسف بن محمد بن يوسف ، و ولى مكانه عبد العزيز ابن عمر بن عثمان ، و غلب سنة سبع و عشرين عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على الكوفة ، و ولى مروان على الحجاز عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، و على العراق النضر بن سعيد الحريشي . و امتنع ابن عمر من استلام العمل إليه و وقعت الفتنة بينهم . و لحق ابن عمر بالخوارج كما يذكر في أخبارهم و استولى بنو العباس على خراسان . و في سنة تسع و عشرين ولي يوسف بن عبد الرحمن الفهري على الأندلس بعد نوابة بن سلامة كما ياتي في أخبارهم . و ولى مروان على الحجاز عبد الواحد و على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة و في سنة ثلاثين ملك أبو مسلم خراسان و هرب عنها نصر بن سيار فمات بنواحي همذان سنة إحدى و ثلاثين و جاء المسودة عليهم قحطبة ابن هبيرة على العراق و ملكوه و بايعوا خليفتهم أبا العباس السفاح . ثم غلبوا مروان على الشام و مصر و قتلوه . و انقرض أمر بني أمية و عاد الأمر و الخلافة لبني العباس و الملك لله يؤتيه من يشاء من عباده و هذه أخبار بني أمية مخلصة من كتاب أبي جعفر الطبري و لنرجع إلى أخبار الخوارج كما شرطنا في أخبارها بالذكر ، و الله المعين لا رب غيره .

الخبر عن الخوارج و ذكر أوليتهم و تكرر خروجهم في الملة الإسلامية
قد تقدم لنا خبر الحكمين في حرب صفين و اعتزل الخوارج علياً منكرين لتحكيم مكفرين به و لاطفهم في الرجوع عن ذلك و ناظرهم فيه بوجه الحق فلجوا و أبوا إلا الحرب و جعلوا أشعارهم النداء بلا حكم إلا لله و بايعوا عبد الله ابن وهب الراسبي و قاتلهم علي بالنهروان فإستحلمهم أجمعين ثم خرج من فلهم طائفة بالأنبار فبعث إليهم من استلحمهم ثم طويفة أخرى مع الهلال بن علية فبعث معقل قيس فقتلهم . ثم أخرى ثالثة كذلك ، ثم أخرى على المدائن كذلك ، ثم أخرى بشهرزور كذلك ، و بعث شريح بن هانيء فهزموه فجرح و استلحمهم أجمعين ، و استأمن من بقي فأمنهم و كانوا نحو خمسين . و افترق شمل الخوارج ثم اجتمع من وجدانهم الثلاثة الذين توعدوا لقتل علي و معاوية و عمرو بن العاص ، فقتل بالسهم عبد الرحمن بن ملجم علياً رضى الله عنه بإثمه و سلم الباقون ، ثم اتفقت الجماعة على بيعة معاوية سنة إحدى و أربعين و استقل معاوية بخلافة الإسلام . و قد كان فروة بن نوفل الأشجعي اعتزل علياً و الحسن و نزل شهرزور و هو في خمسمائة من الخوارج فلما بويع معاوية قال فروة لأصحابه : قد جاء الحق فجاهدوا و أقبلوا فنزلوا النخيلة عند الكوفة فاستنفر معاوية أهل الكوفة فخرجوا لقتالهم ، و سألوا أهل الكوفة أن يخلوا بينهم و بين معاوية فأبوا فاجتمعت أشجع على فروة و أتوا له من القتال و دخلوا الكوفة قهرا و استعمل الخوارج بعده عبد الله بن أبي الحريشي من طيء و قاتلوا أهل الكوفة فقاتلوا و ابن أبي الحريشي معهم ثم اجتمعوا بعده على حوثرة بن و داع الأسدي و قدموا إلى النخيلة في مائة و خمسين و معهم فل ابن أبي الحريشي . و بعث معاوية إلى حوثرة أباه ليرده عن شأنه فأبى ، فبعث إليهم عبد الله بن عوف في معسكر فقتله و قتل أصحابه إلا خمسين دخلوا الكوفة و تفرقوا فيها ، و ذلك في جمادى الأخيرة سنة إحدى و أربعين . و سار معاوية إلى الشام و خلف المغيرة بن شعبة فعاد فروة ابن نوفل الأشجعي إلى الخروج فبعث إليه المغيرة خيلاً عليها ابن ربعي و يقال معقل ابن قيس فلقيه بشهرزور فقتله ثم بعث المغيرة إلى شبيب بن أبجر من قتله ، و كان من أصحاب ابن ملجم و هو الذي أتى معاوية يبشره بقتل علي فخافه على نفسه و أمر بقتله فتنكر بنواحي الكوفة إلى أن بعث المغيرة من قتله ثم بلغ المغيرة أن بعضهم يريد الخروج و ذكر له معن بن عبد الله المحاربي فحبسه ثم طالبه بالبيعة لمعاوية فأبى فقتله . ثم خرج على المغيرة أبو مريم مولى بني الحرث بن كعب فأخرج معه النساء ، فبعث المغيرة من قتله و أصحابه ثم حكم أبو ليلى في المسجد بمشهد الناس و خرج في إثنين من الموالي فأتبعه المغيرة معقل بن قيس الرياحي فقتله بسور الكوفة سنة إثنتين و أربعين ثم خرج على ابن عامر في البصرة سهم بن غانم الجهني في سبعين رجلاً منهم الحطيم و هو يزيد بن حالك الباهلي ، و نزلوا بين الجسرين و البصرة و مر بهم بعض الصحابة منقلباً من الغزو فقتلوا و قتلوا إبنه و ابن أخيه ، و قالوا : هؤلاء كفرة و خرج إليهم ابن عامر فقتل منهم عدة و أمن باقيهم و لما أتى زياد البصرة سنة خمس و أربعين هرب منهم الحطيم إلى الأهواز و جمع و رجع إلى البصرة فافترق عنه أصحابه فاختفى و طلب الأمان من زياد فلم يؤمنه ثم دل عليه فقتله و صلبه بداره . و قيل بل فتله عبد الله بعد زياد سنة أربع و خمسين . ثم اجتمع الخوارج بالكوفة على المستورد بن عقلة التميمي من تيم الرباب و على حيان بن ضبيان السلمي و على معاذ بن جوين الطائي . و كلهم من فل النهروان الذين ارتموا في القتلى و دخلوا الكوفة بعد مقتل علي و اجتمعوا في أربعمائة في منزل حيان بن ضبيان و تشاوروا في الخروج ، و تدافعوا الإمارة . ثم اتفقوا على المستورد و بايعوه في جمادى الأخيرة و كبسهم المغيرة في منزلهم فسجن حيان و أفلت المستورد فنزل الحيرة و اختلف إليه الخوارج . و بلغ المغيرة خبرهم فخطب الناس و تهدد الخوارج فقام إليه معقل بن قيس فقال : ليكفك كل رئيس قومه . و جاء صعصعة بن صوحان إلى عبد القيس و كان عالماً بمنزلهم عند سليم بن مخدوج العبدي إلا أنه لا يسلم عشرته ، فخرجوا و لحقوا بالصراة في ثلثمائة فجهز إليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و جعل معظمهم من شيعة علي ، و خرج معقل في الشيعة و جاء الخوارج ليعبروا النهر إلى المدائن فمنعهم عاملها سمال بن عبد العبسي و دعاهم إلى الطاعة على الأمان فأبوا فساروا إلى المذار . و بلغ ابن عامر بالبصرة خبرهم فبعث شريك بن الأعور الحارثي في ثلاثة آلاف من الشيعة و جاء معقل بن قيس إلى المدائن و قد ساروا إلى المذار ، فقدم بين يديه أبا الرواع الشاكري في ثلثمائة ، و سار و لحقهم أبو الرواع بالمذار فقاتلهم . ثم لحقه معقل بن قيس متقدماً أصحابه عند المساء فحملت الخوارج عليه فثبت و باتوا على تعبية ، و جاء الخبر الخوارج بنهوض شريك بن الأعوار من البصرة فأسروا من ليلتهم راجعين و أصبح معقل و اجتمع بشريك و بعث أبا الرواع في أتباعهم في ستمائة فلحقهم بجرجان فقاتلهم فهزمهم إلى ساباط و هو في اتباعهم . و رأى المستورد أن هؤلاء مع أبي الرواع حماة أصحاب معقل فتسرب عنهم إلى معقل و أبو الرواع في اتباعه و لما لحق بمعقل قاتلهم قتالاً و أدركهم أبو الرواع بعد أن لقي كثيراً من أصحاب معقل منهزمين فردهم و اقتتلوا قتالاً شديداً ، و قتل المستورد معقلاً طعنة بالرمح فانفذه و تقدم معقل و الرمح فيه إلى المستورد فقسم دماغه بالسيف و ماتا جميعاً . و أخذ الراية عمر بن محرز بن شهاب التميمي بعهد معقل بذلك . ثم حمل الناس على الخوارج فقتلوهم و لم ينج منهم إلا خمسة أو ستة . و عند ابن الكلبي أن المستورد من تيم من بني رباح . خرج بالبصرة أيام زياد قريب الأزدى و رجاف الطائي ابنا الخالة ، و على البصرة سمرة بن جندب و قتلوا بعض بني ضبة فخرج عليهم شبان من بني علي و بني راسب فرموهم بالنبل ، و قتل قريب و جاء عبد الله بن أوس الطائي برأسه و اشتد زياد في أمر الخوارج و سمرة و قتلوا منهم خلقاً . ثم خرج سنة إثنتين و خمسين على زياد بن حراش العجلي في ثلثمائة بالسواد فبعث إليهم زياد سعد بن حذيفة في خيل فقتلوهم ، و خرج أيضاً أصحاب المستورد حيان بن ضبيان و معاذ من طيء فبعث إليهما من قتلهما و أصحابهما . و قيل بل استأمنوا و افترقوا . ثم اجتمع بالبصرة سنة ثمان و خمسين سبعون رجلاً من الخوارج من عبد القيس و بايعوا طواف بن على أن يفتكوا بابن زياد ، و كان سبب ذلك أن ابن زياد حبس جماعة من الخوارج بالبصرة و حملهم على قتل بعضهم بعضاً و خلى سبيل القاتلين ففعلوا و أطلقهم ، و كان منهم طواف ثم ندموا و عرضوا على أولياء المقتولين القود و الدية فأبوا ، و أفتاهم بعض علماء الخوارج بالجهاد لقوله تعالى : " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " الآية ، فاجتمعوا للخروج كما قلنا . و سعى بهم إلى ابن زياد فاستعجلوا الخروج و قتلوا رجلاً و مضوا إلى الجلحاء كما قلنا ، فندب ابن زياد الشرط و المحاربة فقاتلوهم ، فانهزم الشرط أولا ثم كثرهم الناس فقتلوا عن آخرهم .و اشتد ابن زياد على الخوارج و قتل منهم جماعة كثيرة منهم : عروة بن أدبة أخو مرداس و أدبة أمهما و أبوهما جرير بن تميم . و كان وقف على ابن زياد يوماً يعظه فقال أتبنون بكل ريع آية تعبثون الآيات ؟ فظن ابن زياد أن معه غيره فأخذه و قطعه و قتل إبنيه . و كان أخوه مرداس من عظمائهم و عبادهم و ممن شهد النهروان بالاستعراض و يحرم خروج النساء و لا يرى بقتال من لا يقاتله . و كانت إمرأته من العابدات من بني يربوع و أخذها ابن زياد فقطعها . و ألح ابن زياد في طلب الخوارج و قتلهم و خلى سبيل مرداس من بينهم لما وصف له من عبادته ، ثم خاف فخرج إلى الأهواز و كان يأخذ مال المسلمين إذا مر به فيعطي منه أصحابه و يرد الباقي . و بعث ابن زياد إليهم أسلم بن زرعة الكلابي في الغي رجل و دعاهم إلى معاودة الجماعة فأبوا و قاتلوهم فهزموا أسلم و أصحابه فسرح إليهم ابن زياد عباد بن علقمة المازني . و لحقهم بتوج و هم يصلون فقتلهم أجمعين ما بين راكع و ساجد لم يتغيروا عن حالهم و رجع إلى البصرة برأس أبي بلال مرداس فرصده عبيدة بن هلال في ثلاثة نفر عند قصر الإمارة ليستفتيه فقتلوه و اجتمع عليهم الناس فقتلوه منهم و كان على البصرة عبيد الله بن أبي بكرة فأمره زياد بتتبع الخوارج إلى أن تقدم فحبسهم ، و أخذ الكفلاء على بعضهم و أتى بعروة بن أدبة فقال أنا كفيلك و أطلقه . و لما جاء ابن زياد قتل المحبوسين منهم و المكفولين ، و طالب ابن أبي بكرة بعروة بن أدبة فبحث عنه حتى ظفر به و جاء به إلى ابن زياد فقطعه و صلبه سنة ثمان و خمسين . ثم مات يزيد و استفحل أمر ابن الزبير بمكة و كان الخوارج لما اشتد عليهم ابن زياد بعد قتل أبي بلال مرداس أشار عليهم نافع بن الأزرق منهم باللحاق بابن الزبير لجهاد عساكر يزيد لما ساروا إليه قالوا : و إن لم يكن على رأينا داحضاً عن البيت و قاموا يقاتلون معه فلما مات يزيد و انصرفت العساكر كشفوا عن رأي ابن الزبير فيهم و جاؤه يرمون من عثمان و يتبرؤن منه فصرح بمخالفتهم . و قال بعد خطبة طويلة أثنى فيها على الشيخين و علي و عثمان و اعتذر عنه فيما يزعمون ، و قال : أشهدكم و من حضرني أني ولي لابن عفان و عدو لأعدائه قالوا : فبرئ الله منك قال بل برئ الله منكم فافترقوا عنه . و أقبل نافع بن الأزرق الحنظلي و عبد الله بن صفار السعدي و عبد الله بن أباض ، و حنظلة بن بيهس و بنو الماخور : عبد الله و عبيد الله و الزبير من بني سليط بن يربوع و كلهم من تميم ، حتى أتوا البصرة و انطلق أبو طالوت عن بني بكر من وائل و أبو فديك عبد الله بن نور بن قيس ابن ثعلبة و عطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا بها مع أبي طالوت . ثم تركوه و مالوا عنه إلى نجدة ابن عامر الحنفي . و من هنا افترقت الخوارج على أربع فرق : الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق الحنظلي و كان رأيه البراءة من سائرة المسلمين و تكفيرهم و الاستعراض و قتل الأطفال و استحلال الأمانة لأنه يراهم كفاراً . و الفرقة الثانية النجدية و هم بخلاف الأزارقة في ذلك كله . و الفرقة الثالثة الإباضية أصحاب عبد الله بن إباض المري و هم يرون أن المسلمين كلهم يحكم لهم بحكم المنافقين فلا ينتهون إلى الرأي الأول و لا ينفقون عند الثاني و لا يحرمون مناكحة المسلمين و لا موارثتهم و لا المنافقين فيهم و هم عندهم كالمنافقين ، و قول هؤلاء أقرب إلى السنة و من هؤلاء البيهسية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبعي . و الفرقة الرابعة الصفرية و هم موافقون للإباضية إلا في العقد فإن الإباضية أشد على العقدة منهم . و ربما اختلف هذه الآراء من بعد ذلك و اختلف في تسمية الصفرية فقيل نسبوا إلى ابن صفار و قيل اصفروا بما نهكتم العبادة و كانت الخوارج من قبل هذا الافتراق على رأي واحد لا يختلفون إلا في الشاذ من الفروع . و في أصل اختلافهم هذا مكاتبات بين نافع بن الأزرق و أبي بيهس و عبد الله بن إباض ذكرها المبرد في كتاب الكامل فلينظر هناك ، و لما جاء نافع إلى نواحي البصرة سنة أربع و ستين فأقام بالأهواز يتعرض الناس و كان على البصرة عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، فسرح إليه مسلم عبس بن كويز بن ربيعة من أهل البصرة بإشارة الأحنف ابن قيس ، فدافعه عن نواحي البصرة و قاتله بالأهواز ، على ميمنة مسلم الحجاج بن باب الحميري ، و على ميسرته بن بدر العدابي ، و على ميمنة ابن الأزرق عبيدة بن هلال و على ميسرته الزبير بن الماخور التميمي . فقتل مسلم ثم قتل نافع فأمر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب و الخوارج عبد الله بن الماخور ثم قتل الحجاج ، و عبد الله فأمر أهل البصرة ربيعة بن الأخدم و الخوارج عبيد الله بن الماخور . ثم اقتتلوا حتى أمسوا ، و جاء إلى الخوارج مدد فحملوا على أهل البصرة فهزمهم و قتل ربيعة و ولوا مكانه حارثة بن بدر فقاتل و ردهم على الأعقاب و نزل الأهواز . ثم عزل عن البصرة عبد الله بن الحرث و بعث ابن الزبير عليها الحرث القباع بن أبي ربيعة فزحف الخوارج إلى البصرة ، و أشار الأحنف بن قيس بتولية المهلب حروبهم ، و قد كان ابن الزبير ولاه خراسان ، فكتبوا لابن الزبير بذلك فأجاب ، و اشترطوا للمسلم ما سأل من ولاية ما غلب عليه ، و الإعانة بالأموال ، فاختار من الجند إثنتي عشر ألفاً و سار إليهم فدفعهم عن الجسر . و جاء حارثة بن بدر بمن كان معه في قتال الخوارج ، فردهم الحرث إلى المهلب و ركب حارثة البحر يريد البصرة فغرق في النهر . و سار المهلب و على مقدمته إبنه المغيرة فقاتلهم المقدمة و دفعوهم عن سوق الأهواز إلى مادر . و نزل المهلب بسولاف و قاتله الخوارج و صدقوا الحملة فكشفوا أصحاب المهلب ثم ترك من الغد قتالهم و قطع دجيل و نزل العقيل ثم ارتحل فنزل قريباً منهم و خندق عليه و أذكى العيون و الحرس . و جاء منهم عبيدة بن هلال و الزبير بن الماخور في بعض الليالي ليبيتوا عسكر المهلب فوجدوهم حذرين و خرج إليهم المهلب من الغد في تعبية و الأزد و تميم في ميمنته ، و بكر و عبد القيس في ميسرته ، و أهل العالية في القلب . و على ميمنة الخوارج عبيدة بن هلال اليشكري ، و على ميسرتهم الزبير بن الماخور و اقتتلوا و نزل الصبر . ثم شدوا على الناس فأجفل عسكر المهلب و انهزم و سبق المنهزمين إلى ربوة نادى فيهم فاجتمع له ثلاثة آلاف أكثرهم من الأزد ، فرجع بهم و قصد عسكر الخوارج و اشتد قتالهم و رموهم بالحجارة ، و قتل عبد الله بن الماخور و كثير منهم و انكفؤا راجعين إلى كرمان و ناحية أصبهان منهزمين ، و استحلفوا عليهم الزبير ابن الماخور و أقام المهلب بمكانه حتى جاء مصعب بن الزبير أميراً على البصرة و عزل المهلب . و أما نجدة و هو نجدة بن عامر بن عبد الله بن سيار بن مفرج الحنفي و كان مع نافع بن الأزرق ، فلما افترقوا سار إلى اليمامة و دعا أبو طالوت إلى نفسه ، و هو من بكر بن وائل و تابعه نجدة و نهب الحضارم بلد بني حنيفة و كان فيها رقيق كثير يناهز أربعة آلاف فقسمها في أصحابه ، و ذلك سنة خمس و ستين . و اعترض عيراً من البحرين جاءت لابن الزبير فأخذها و جاء بها إلى أبي طالوت فقسمها بين أصحابه . ثم رأى الخوارج أن نجدة خير لهم من أبي طالوت فخالفوه و بايعوا نجدة و سار إلى بني كعب بن ربيعة فهزمهم و أثخن فيهم ، و رجع نجدة إلى اليمامة في ثلاثة آلاف ، ثم سار إلى البحرين سنة سبع و ستين فاجتمع أهل البحرين من عبد القيس و غيرهم على محاربته . و سالمته الأزد و التقوا بالعطيف فانهزمت عبد القيس و أثخن فيهم نجدة و أصحابه و أرسل سرية إلى الخط فظفروا بأهله . و لما قدم مصعب بن الزبير البصرة سنة تسع و ستين عبد الله بن عمر الليثي الأعور في عشرين ألفاً و نجدة بالعطيف فقاتلوهم و هزمهم نجدة و غنم ما في عسكرهم و بعث عطية بن الأسود الحنفي من الخوارج إلى عمان و بها عباد ابن عبد الله شيخ كبير فقاتله عطية فقتله و أقام أشهراً و سار عنها . و استخلف عليها بعض الخوارج فقتله أهل عمان و ولوا عليهم سعيداً و سليمان ابني عباد . ثم خالف عطية نجدة و جاء إلى عمان فامتنعت منه ، فركب البحر إلى كرمان و أرسل إليه المهلب جيشاً فهرب إلى سجستان ثم إلى السند فقتله خيل المهلب بقندابيل . ثم بعث نجدة العرفين إلى البوادي بعد هزيمة ابن عمير فقاتلوا بني تميم بكاظمة و أعانهم أهل طويلع فبعث نجدة من استباحهم و أخذ منهم الصدقة كرهاً . ثم سار إلى صنعاء فبايعوه و أخذ الصدقة من مخالفيها . ثم بعث أبا فديك إلى حضرموت فأخذ الصداقة منهم . و حج سنة ثمان و ستين في تسعمائة رجل و قيل في ألفين ، و وقف ناحية عن ابن الزبير على صلح عقد بينهما . ثم سار نجدة إلى المدينة و تأهبوا لقتاله ، فرجع إلى الطائف و أصاب بنتاً لعبد الله بن عمر بن عثمان فضمها إليه و امتحنه الخوارج بسؤاله بيعها فقال : قد أعتقت نصيبي منه . قالوا : فزوجها ، قال : هي أملك بنفسها ، و قد كرهت الزواج و لما قرب من الطائف جاءه عاصم بن عروة بن مسعود فبايعه عن قومه عليهم الخازرق و على يبانة و السراة . و ولى على ما يلي نجران سعد الطلائع ، و رجع إلى البحرين و قطع الميرة عن الحرمين . و كتب إليه ابن عباس أن ثمامة بن أشاك لما أسلم قطع الميرة عن مكة و هم مشركون ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة فخلاها لهم ، و أنك قطعت الميرة و نحن مسلمون فخلاها لهم نجدة . ثم اختلف إليه أصحابه لأن أبا سنان حيي بن وائل أشار عليه بقتل من أطاعه تقية ، فانتهره نجدة و قال : إنما علينا أن نحكم بالظاهر . و أغضبه عطية في منازعة جرت بينهما على تفضيله لسرية البر على سرية البحر في الغنيمة فشتمه نجدة فغضب و سأله في درء الحد في الخمر عن رجل من شجعانهم فأبى ، كاتبه عبد الملك في الطاعة على أن يوليه اليمامة و يهدر له ما أصاب من الدماء فاتهموه في هذه
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:01 pm

المكاتبة و نقموا عليه أمثال هذه ، و فارقه عطية إلى عمان . ثم انحازوا عنه و ولوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة و استخفى نجدة و ألح أبو فديك في طلبه و كان مستخفياً في قرية من قرى حجر . ثم نذر به فذهب إلى أخواله من تميم و أجمع المسير إلى عبد الملك ، فعلم به أبو فديك ، و جاءت سرية منهم و قاتلهم فقتلوه . و سخط قتله جماعة من أصحاب أبي فديك و اعتمده مسلم بن جبير فطعنه إثنتي عشرة طعنة و قتل مسلم لوقته ، و حمل أبو فديك إلى منزله ، ثم جاء مصعب إلى البصرة سنة ثمان و ستين والياً على العراقين عن أخيه ، و كان المهلب في حرب الأزارقة فأراد مصعب أن يوليه بلاد الموصل و الجزيرة و أرمينية ، ليكون بينه و بين عبد الملك فاستقدمه من فارس و ولاه ، و ولى على فارس و حرب الأزارقة عمر بن عبد الله بن معمر . و كان الخوارج قد ولوا عليهم بعد قتل عبد الله بن الماخور سنة خمس و ستين أخاه الزبير فجاؤا به إلى إصطخر ، و قدم عمر ابنه عبيد الله إليهم فقتلوه ثم قاتل الزبير عمر فهزمهم و قتل منهم سبعون . و فلق قطري بن الفجاءة و شتر صالح بن مخراق و ساروا إلى نيسابور ، فقاتلهم عمر بها و هزمهم ، فقصدوا أصبهان فاستحموا بها . ثم أقبلوا إلى فارس و تجنبوا عسكر عمر و مروا على ساجور ثم أرجان ، فأتوا الأهواز قاصدين العراق . و أغذ عمر السير في أثرهم ، و عسكر مصعب عند الجسر . فسار الزبير بالخوارج فقطع أرض صرصر و شن الغارة على أهل المدائن يقتلون الوالدان و الرجال ، و يبقرون بطون الحبالى ، و هرب صاحب المدائن عنها و انتهت جماعة منهم إلى الكرخ ، فقاتلهم أبو بكر بن مخنف فقتلوه و خرج أمير الكوفة و هو الحرث بن أبي ربيعة القباع حتى انتهى إلى الصراة و معه إبراهيم بن الأشتر و شبيب بن ريعي ، و أسماء بن خارجة و يزيد بن الحرث و محمد بن عمير ، و أشاروا عليه بعقد الجسر و العبور إليهم ، فانهزموا إلى المدائن . و أمر الحرث عبد الرحمن ابن مختف باتباعهم في ستة آلاف إلى حدود أرض الكوفة ، فانتهوا إلى الري و عليها يزيد بن الحرث بن دويم الشيباني و ما والاهم عليه أهل الري فهزموه و قتلوه . ثم انحطوا إلى أصبهان و بها عتاب بن ورقاء فحاصروه أشهراً و كان يقاتلهم على باب المدينة ثم دعا إلى الإستماتة في قتالهم فخرجوا و قاتلوهم ، و انهزمت الخوارج و قتل الزبير و احتووا على معسكرهم . ثم بايع الخوارج قطري بن الفجاءة المازني و يكني أبا نعامة و ارتحل بهم إلى كرمان حتى استجمعوا فرجعوا إلى أصبهان فامتنعت ، فأتوا الأهواز و قاموا ، و بعث مصعب إلى المهلب فرده إلى قتال الخوارج و ولى على الموصل و الجزيرة إبراهيم بن الأشتر ، و جاء المهلب فانتجعت الناس من البصرة و سار إلى الخوارج فلقيهم بسولاف و اقتتلوا ثمانية أشهر و بعث مصعب إلى عتاب بن ورقاء الرباحي عامل أصبهان بقتال أهل الري بما فعله في ابن دويم ، فسار إليهم و عليهم الفرخان فقاتلهم و افتتحها عنوة و قلاعها و عاث في نواحيها .


خبر ابن الحر و مقتله
كان عبيد الله بن الحر الجعفي من خيار قومه صلاحاً و فضلاً . و لما قتل عثمان حزن عليه ، و كان مع معاوية على علي ، و كانت له زوجة بالكوفة فتزوجت لطول مغيبه . فأقبل من الشام و خاصم زوجها إلى علي فعدد عليه شهوده صفين فقال : أيمنعني ذلك من عدلك ؟ قال : لا ورد إليه إمرأته . فرجع إلى الشام و جاء إلى الكوفة بعد مقتل علي و لقي إخوانه و تفاوضوا في النكير على علي و معاوية . و لما قتل الحسين تغيب على ملحمته و سأل عنه ابن زياد فلم يره . ثم لقيه فأساء عذله ، و عرض له بالكون مع عدوه فأنكر و خرج مغضباً . و راجع ابن زياد رأيه فيه فطلبه فلم يجده فبعث عنه فامتنع ، و قال : أبلغوه أني لا آتيه طائعاً أبداً و أتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع إليه أصحابه ، و خرج إلى المدائن . و مضى لمصارع الحسين و أصحابه فاستغفر لهم ، و لما مات يزيد وقعت الفتنة اجتمع إليه أصحابه و خرج بنواحي المدائن ، و لم يعترض للقتل و لا للمال ، إنما كان يأخذ مال السلطان متى لقيه فيأخذ منه عطاء أصحابه و يرد الباقي و يأخذ لصاحب المال بما أخذ . و حبس المختار إمرأته بالكوفة و جاء فأخرجها من الحبس و أخرج كل من فيه و أراد . المختار أن يسطو به فمنعه إبراهيم محمد الأشتر إلى الموصل لقتال ابن زياد . ثم فارقه و لم يشهد معه و شهد مع مصعب قتال المختار و قتله . ثم أغرى به مصعب فحبسه و شفع فيه رجال من وجوه مذحج فشفعهم و أطلقه ، و أتى إليه الناس يهنؤنه فصرح بأن أحداً لا يستحق بعد الأربعة و لا يحل أن يعقد لهم بيعة في أعناقنا ، فليس لهم علينا من الفضل ما يستحقنه به ذلك ، و كلهم عاص مخالف ، و قوي الدنيا ضعيف الآخرة ، و نحن أصحاب الأيام مع فارس ، ثم لا يعرف حقنا و فضلنا و إني قد أظهرت لهم العداوة . و خرج للحرب فأغار فبعث إليه مصعب سيف بن هانئ المرادي يعرض عليه الطاعة على أن يعطيه قطعة من بلاد فارس فأبى ، فسرح إليه الأبرد بن فروة الرباحي في عسكر فهزمه عبيد الله فبعث إليه حريث بن زيد فهزمه فقتله ، فبعث إليه الحجاج بن حارثة الخثعمي و مسلم بن عمر فقاتلهما بنهر صرصر و هزمهما ، فأرسل إليه مصعب بالأمان و الولاية فلم يقبل ، و أتى إلى فارس فهرب دهقانها بالمال و تبعه ابن الحر إلى عين التمر و عليه بسطام بن معقلة بن هبيرة الشيباني فقاتل عبيد الله و أوفاهم الحجاج بن حارثة فهزمهما عبيد الله و أسرهما و أخذ المال الذي مع الدهقان . و أقام بتكريت ليحيي الخراج فسرح مصعب لقتاله الأبرد ابن فروة الرباحي و الجون بن كعب الهمداني في ألف و أمدهم المهلب بيزيد بن المعقل في خمسمائة و قاتلهم عبيد الله يومين في ثلثمائة ثم تحاجزوا و قال لأصحابه : إني سائر بكم إلى عبد الملك فتجهزوا ! ثم قال : إني خائف أن أموت و لم أذعر مصعباً و قصد الكوفة و جاءته العساكر من كل جهة ، و لم يزل يهزمهم و يقتل منهم بنواحي الكوفة و المدائن . و أقام يغير بالسواد و يجبي الخراج ثم لحق بعبد الملك فأكرمه و أجلسه معه على سريره ، و أعطاه مائة ألف درهم و قسم في أصحابه الأعطيات و سأل من عبد الملك أن يوجه معه عسكراً لقتال مصعب فقال : سر بأصحابك و ادع من قدرت عليه و أنا ممدك بالرجال . فسار نحو الكوفة و نزل بناحية الأنبار و أذن لأصحابه في إتيان الكوفة ليخبروا أصحابه بقدومه . و بعث الحرث بن أبي ربيعة إليه جيشاً كثيفاً فقاتلهم و تفرق عنه أصحابه و أثخنه الجراح فخاض البحر إلى سفينة فركبها حتى توسط الفرات فأشرف خيل على السفينة و تبادروا به فقام يمشي في البحر فتعلقوا به فألقى نفسه في الماء مع بعضهم فغرقوه .

حروب الخوارج مع عبد الملك و الحجاج
و لما استقر عبد الملك بالكوفة بعد قتل مصعب بعث على البصرة خالد بن عبد الله و كان المهلب يحارب الأزارقة فولاه على خراج الأهواز و بعث أخاه عبد العزيز بن عبد إلى قتال الخوارج ، و معه مقاتل بن مسمع ، و أتت الخوارج من ناحية كرمان إلى دار ابجرد و بعث قطري بن الفجاءة صالح بن مخراق في تسعمائة فاستقبل عبد العزيز ليلاً على غير تعبية فانهزم و قتل مقاتل بن مسمع و أسرت بنت النذر بن الجارود إمرأة عبد العزيز فقتلها الخوارج . و تغير عبد العزيز إلى رامهرمز . و كتب خالد بالخبر إلى عبد الملك فكتب إليه على ولاية أخيه الحرب و ولاية المهلب جباية الخراج و أمره بأن يسرح المهلب بحربهم . و كتب إلى بشر بالكوفة بإمداده بخمسة آلاف مع من يرضاه ، فإذا فرغوا من قتال الخوارج ساروا إلى الري ، فكانوا هنالك مسلحة فأنفذ بشر العسكر و عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، و كتب له عهده على الري . و خرج خالد بأهل البصرة و معه المهلب و اجتمعوا بالأهواز . و جاءت الأزارقة فأحرقوا السفن . و مر المهلب بعبد الرحمن بن الأشعث و أمره أن يخندق عليه و أقاموا كذلك عشرين ليلة . ثم زحف الخوارج بالناس فهال الخوارج كثرتهم و انصرفوا . و بعث خالد داود قحدم في آثارهم و انصرف إلى البصرة و كتب بالخبر إلى عبد الملك فكتب إلى أخيه بشر أن يبعث أربعة آلاف من أهل الكوفة إلى فارس ، و يلحقوا بداود بن قحدم في طلب الأزارقة . فبعث بهم بشر بن عتاب و لحقوا بداود و اتبعوا الخوارج حتى أصابهم الجهد و رجع عامتهم مشاة إلى الأهواز . ثم خرج أبو فديك من بني قيس بن ثعلبة فغلب على البحرين و قتل نجدة بن عامر الحنفي كما مر . و هزم خالداً فكتب إلى عبد الملك بذلك ، و أمر عبد الملك عمر بن عبيد الله بن معمر أن يندب الناس من أهل الكوفة و البصرة و يسير لقتال أبي فديك . فانتدب معه عشرة آلاف و سار بهم و أهل الكوفة علىلا ميمنته عليهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ، و أهل البصرة في ميسرته عليهم عمر بن موسى أخيه ، و هو في القلب و انتهوا إلى البحرين و اصطفوا للقتال و حملوا على أبي فديك و أصحابه فكشفوا ميسرته حتى أبعدوا إلا المغيرة بن المهلب و مجاعة و عبد الرحمن و فرسان الناس فإنهم مالوا إلى أهل الكوفة بالميمنة و رجع أهل الميسرة . و حمل أهل الميمنة على الخوارج و استباحوا عسكرهم و قتلوا أبا فديك و حصروا أصحابه بالمشقر حتى نزلوا فقتل منهم ستة آلاف و أسر ثمانمائة و ذلك سنة ثلاث و سبعين . ثم ولى عبد الملك أخاه بشراً على البصرة فسار إليها و أمره أن يبعث المهلب إلى حرب الأزارقة و أن ينتخب من أهل البصرة من أراد و يتركه و رأيه في الحرب و يمده بعسكر من أهل الكوفة مع رجل معروف بالنجدة . فبعث المهلب لانتخاب الناس جديع بن قبيصة و شق على بشر أن ولاية المهلب من عبد الملك و أوغرت صدره فبعث على عسكر الكوفة عبد الرحمن ابن مخنف و أغراه بالمهلب في ترك مشورته و تنغصه . و سار المهلب إلى رامهرمز و بها الخوارج و أقبل ابن مخنف في أهل الكوفة فنزل على ميل منه بحيث يتراءى العسكران . ثم أتاهم نبأ بشر ابن مروان و أنه استخلف خالد بن عبد الله بن خالد على البصرة و خليفته على الكوفة عمر بن حريث فاقترق ناس كثيرة من أهل البصرة و أهل الكوفة فنزلوا فنزلوا الأهواز و كتب إليهم خالد بن عبد الله يتهددهم فلم يلتفتوا إليه . و أقبل أهل الكوفة إلى الكوفة و كتب إليهم عمر بن حريث بالنكير و العود إلى المهلب و منعهم الدخول فدخلوا ليلاً إلى بيوتهم ثم قدم الحجاج أميراً على العراقين سنة خمس و سبعين فخطب بالكوفة خطبته المعروفة كان منها : و لقد بلغني رفضكم المهلب و إقبالكم إلى مصركم عاصين مخالفين ، و أيم الله لا أجد أحداً من عسكره بعد ثلاثة إلا ضربت عنقه و أنهب داره . ثم دعا العرفاء و قال ألحقوا الناس بالمهلب و أتوني بالبراءة بموافاتهم ، و لا تغلقن أبواب الجسر . و وجد عمر بن ضابئ من المتخلفين و أخبر أنه من قتله عثمان فقتله فأخر جند المهلب و ازدحموا على الجسر و جاء العرفاء إلى المهلب برامهرمز فأخذوا كتابه بموافاة الناس ، و أمرهم الحجاج بمناهضة الخوارج فقاتلهم شيئاً ثم انزاحوا إلى كازرون و سار المهلب و ابن مخنف فنزلوا بهم و خندق المهلب و لم يخندق إبن مخنف و بيتهم الخوارج فوجدوا المهلب حذاراً فمالوا إلى ابن مخنف فانهزم عنه أصحابه و قاتل حتى قتل و في حديث أهل الكوفة أنهم لما ناهضوا الخوارج مالوا إلى المهلب و اضطروه إلى معسكر و أمده عبد الرحمن بعامة عسكره و بقي في خف من الجند . فمال إليه الخوارج فنزل و نزل معه القراء واحد و سبعون من أصحابه فقتلوا . و جاء المهلب من الغد فدفنه و صلى عليه و كتب بالخبر إلى الحجاج فبعث على معسكره عتاب بن ورقاء و أمره بطاعة المهلب ، فأجاب لذلك و في نفسه منه شيء . و عاتبه المهلب يوماً و رفع إليه القضيب فرده إبنه المغيرة عن ذلك و كتب عتاب يشكو المهلب إلى الحجاج و يسأله العود و صادف ذلك أمر شبيب فاستقدمه و بقي المهلب .

حروب الصفرية و شبيب مع الحجاج
ثم خرج صالح بن مسرح التميمي من بني امرئ القيس بن زيد مناة و كان يرى رأي الصغرية و كان عابداً و مسكنه أرض الموصل و الجزيرة و له أصحاب يقرئهم القرآن و الفقه و كان يأتي الكوفة و يلقى أصحابه و يعد ما يحتاج إليه فطلبه الحجاج فترك الكوفة و جاء إلى أصحابه بالموصل و دار فدعاهم إلى الخروج و حثه عليه . و جاءه كتاب شيب بن يزيد بن نعيم الشيباني من رؤوسهم يحثه على مثل ذلك . فكتب إليه إني في انتظارك فاقدم . فقدم شبيب في نفر من أصحابه منهم أخوه المضاد و المحلل ابن وائل اليشكري و لقيه بدارا ، و أجمع صالح الخروج . و بث إلى أصحابه و خرجوا في صفر سنة ست و سبعين . و أمر بالدعاء قبل القتال و خير في الداء و الأموال و عرضت لهم دواب لمحمد بن مروان بالجزيرة فأخذوها و حملوا عليها أصحابهم . و بلغ محمد بن مروان و هو أمير الجزيرة خروجهم فسرح إليهم عدي بن عدي الكندي في ألف فسار من حران و كان ناسكاً فكره حروبهم و بعث إليهم بالخروج فحبسوا الرسول . فساروا إليه فطلعوا عليه و هو يصلي الضحى و شيب في الميمنة و سويد بن سليم في الميسرة و ركب عدي على غير تعبية فانهزم و احتوى الخوارج على معسكره و مضوا إلى آمد و سرح محمد بن مروان خالد بن حر السلمي في ألف وخمسمائه ، و الحرث بن جعونة العامري في مثلها ، و قال : أيكما سبق فهو أمير على صاحبه . و بعث صالح شبيباً إلى الحرث و توجه نحو خالد و قاتلوهم أشد القتال و اعتصم أصحاب محمد بخندقهم فسارت الخوارج عنهم و قطعوا أرض الجزيرة و الموصل إلى الدسكرة . فسرح إليهم الحجاج الحرث بن عميرة ابن ذي الشعار في ثلاثة آلاف من أهل الكوفة فلقيهم على تخم ما بين الموصل و صرصر و الخوارج في تسعين رجلاً . فانهزم سويد بن سليم و قتل صالح و صرع شبيب . ثم وقف على صالح قتيلاً فنادى بالمسلمين فلاذوا به و دخلوا حصناً هنالك و هم سبعون . و عاث الحرث بهم و أحرق عليهم الباب و رجع يصحبهم من الغداة . فقال لهم شبيب بايعوا من شئتم من أصحابكم و اخرجوا بنا إليهم فبايعوه و أطفئوا النار بالماء في اللبود و خرجوا إليه فبيتوا و صرح الحرث فحملوا أصحابه و انهزموا نحو المدائن و حوى شبيب عسكرهم . و سار شبيب إلى أرض الموصل فلقي سلامة بن سنان التميمي من تميم شيبان إلا أخاه فضالة من أكابر الخوارج . و كان خرج قبل صالح في ثمانية عشر رجلاً و نزل على ماء لبني عنزة فقتلوهم ، و أتوا برؤوسهم إلى عبد الملك يتقربون له بهم . فلما دعا شبيب سلامة إلى الخروج شرط عليه أن ينتخب ثلاثين فارساً و يسير بهم إلى عنزة فيثأر منهم بأخيه فقبل شرطه و سار إلى عنزة فأثخن فيهم و جعل يقتل الحلة بعد الحلة . ثم أقبل شبيب إلى داران في نحو سبعين رجلاً ففرت منهم طائفة من بني شيبان نحو ثلاثة آلاف فنزلوا ديراً خراباً و امتنعوا منه ، و سار في بعض حاجاته و استخلف أخاه مضاد بن يزيد بجماعة من بني شيبان في أموالهم مقيمين ، فقتل منهم ثلاثين شيخاً فيهم حوثرة بن أسد و أشرف بنو شيبان على مضاد و أصحابه ، و سألوا الأمان ليخرجوا إليهم و يسمعوا دعوتهم فأخرجوا و قبلوا و نزلوا إليهم و اجتمعوا بهم و جاء شبيب فاستصوب فعلهم و سار بطائفة نحو أذربيجان . و كان الحجاج قد بعث سفيان بن أبي العالية الخثعمي إلى طبرستان يحاصرها في ألف فارس ، فكتب إليه الحجاج أن يرجع فصالح أهل طبرستان و رجع فأقام بالدسكرة يطلب المدد و بعث الحجاج أيضاً إلى الحرث بن عميرة الهمداني قاتل صالح أن يأتيه بجيش الكوفة و المدائن و إلى سورة ابن أبجر التميمي في خيل المناظر . و يعجل سفيان في طلب شبيب فلحقه بخانقين فاستطردهم و أكمن كميناً لهم مع أخيه ، و اتبعوه في سفح الجبل فخرج عليهم الكمين فانهزموا بغير قتال ، و ثبت سفيان و قاتل ثم حمل شبيب فانكشف و نجا إلى بابل مهرود ، و كتب إلى الحجاج بالخبر و بوصول العساكر إلا سورة بن أبجر فكتب الحجاج إلى سورة يتهدده و يأمره أن يتخذ من المدائن خمسمائة فارس و يسير إلى شبيب فسار . و انتهى شبيب إلى المدائن ثم إلى الهندوان فترحم على أصحابه هنالك و بيتهم سورة هنالك و هم حذرون فلم يصب منهم الغرة و رجع نحو المدائن و شبيب في لتباعه . و خرج ابن أبي العصغي عامل المدائن فقاتلهم و هرب الكثير من جنده إلى الكوفة و مضى شبيب إلى تكريت و وصل سورة إلى الكوفة بالغل فحبسه الحجاج ثم أطلقه . و سرح عثمان بن سعيد شرحيل الكندي و يلقب الجزل في أربعة آلاف ليس فيهم من المنهزمين أحد و ساروا لحرب شبيب و أصحابه . و قدم بين يديه عياض بن أبي لبنة الكندي و جعلوا يتبعون شبيباً من رستاق إلى رستاق و هو على غير التعبية و الجزل على التعبية و يخندق على نفسه متى نزل و طال ذلك شبيب و كان في مائة و ستين فقسمه على أربع فرق و ثبت الجزل و مشايخه فلم يصب منهم فرجع عنهم ثم صحبهم ثانية فلم يظفر منهم بشيء . و سار الجزل في التعبية كما كان و شبيب يسير في أرض الخوارج و غيرها يكسب الخراج . و كتب الحجاج إلى الجزل ينكر عليه البطء و يأمره بالمناهضة و بعث سعيد بن المجالدي على جيش الجزل فجاءهم بالهندوان و وبخهم و عجزهم و جاءهم الخبر بأن شبيباً قد دخل قطيطياً و الدهقان يصلح لهم الغداء ، فنهض سعيد في الناس و ترك الجزل مع العسكر و قد صف بهم خارج الخندق و جاء سعيد إلى قطيطياً و علم به شبيب فأكل و توضأ و صلى . و خرج فحمل على سعيد و أصحابه مستعرضاً فانهزموا و ثبت سعيد فقتله و سار في اتباعهم إلى الجزل فقاتلهم الجزل حتى وقع بين القتلى جريحاً . و كتب إلى الحجاج بالخبر و أقام بالمدائن و انتهى شبيب إلى الكرخ و عبر دجلة إليه و أرسل إلى سوق بغداد فأتاهم في يوم سوقهم و اشترى منه حاجاته و سار إلى الكوفة فلما قرب بعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن السعدي في ألفي رجل فساروا إلى شبيب و أمر عثمان بن قطن فعسكر في السبخة و خالفه شبيب إلى أهل السبخة فقاتلوه و جاء سويد في آثاره فمضى نحو الحيرة و سويد في إتباعه ثم رحل من الحيرة . و جاء كتاب الحجاج إلى سويد يأمره باتباعه فمضى في إتيانه و شبيب يغير في طريقه و أخذ على القطقطاتة ثم قصر بني مقاتل ثم على الأنبار ثم ارتفع على أدنى أذربيجان . و لما أبعد سار الحجاج إلى البصرة و استعمل على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة فجاءه كتاب دهقان بابل مهرود يخبره بقصد شبيب الكوفة فبعث بالكتاب إلى الحجاج . و أقبل شبيب حتى نزل عقرقوبا ، و نزل و سار منها يسابق الحجاج إلى الكوفة . و طوى الحجاج المنازل فوصل الكوفة عند العصر و وصل شبيب عند المغرب فأراح و طمعوا ثم ركبوا و دخلوا إلى السوق و ضرب شبيب القصر بعموده . ثم اقتحموا المسجد الأعظم فقتلوا فيه من الصالحين و مروا بدار صاحب الشرطة فدعوه إلى الأمير و نكرهم فقتلوا غلامه و مروا بمسجد بني ذهل فقتلوا ذهل بن الحرث و كان يطيل الصلاة فيه . ثم خرجوا من الكوفة و استقبلهم النضر بن القعقاع بن شور الذهلي ، و كان ممن أقبل مع الحجاج من البصرة فتخلف عنه فلما رآه قال : السلام عليك أيها الأمير ، فقال له شبيب : قل أمير المؤمنين ويلك ! فقالها . و أراد شبيب أن يلقنه للقرابة بينهما . و كان النضر ناحية بيت هانئ بن قبيصة الشيباني فقال له : يا نضر لا حكم إلالله ففطن بهم و قال : إنا لله و إنا إليه راجعون و شد عليه أصحاب شبيب فقتلوه . و نادى منادي الحجاج بالكوفة يا خيل الله اركبي و هو بباب القصر و كان أول من أتاه عثمان بن قطن ابن عبد الله بن الحسين ذي القصة ، ثم جاء الناس من كل جانب ، فبعث الحجاج خالد بن الأسدي و زائدة بن قدامة الثقفي و أبا الضريس مولى بني تميم ، و عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر و زياد بن عبد الله العتكي في ألفين ألفين و قال : إن كان حرب فأميركم زائدة بن قدامة و بعث معهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله من سجستان ، و كان عبد الملك قد ولاه عليها ، و أمر الحجاج أن يجهزه و يبعثه في آلاف من الجنود إلى عمله ، فجهزه . و حدث أمر شبيب فقال له الحجاج : تجاهد و يظهر إسمك ثم تقضي إلى عمالك ، فساروا جميعاً و نزلوا أسفل الفرات . و أخذ شبيب نحو القادسية و جرد الحجاج ألفاً وثمانمائة من نقاوة الجند مع ذخر بن قيس ، و أمره بمواقعة شبيب أينما أدركه ، و إن ذهب فاتركه . فأدركه بالسلخين و عطف عليه شبيب فقاتل ذخر حتى صرع و فيه بضعة عشر جرحاً و انهزم أصحابه يظنون أنه قتل ثم أفاق من برد السحر فدخل قرية و سار إلى الكوفة ثم قصد شبيب و أعوانه و هم على أربعة و عشرين فرسخاً من الكوفة فقال : إن هزمناهم فليس دون الحجاج و الكوفة مانع و انتهى إليهم و قد تعبوا للحرب و على الميمنة زياد بن عمر العتكي و على الميسرة بشر بن غالب الأسدي و كل أمير بمكانه . و عبى شبيب أصحابه ثلاثة كتائب فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمر فانكشفوا و ثبت زياد قليلاً . ثم حمل الثانية فانهزموا و انهزم جريحاً عند المساء . ثم حملوا على عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر فانهزم و لم يقاتل و لحق بزياد بن عمر و حملت الخوارج حتى انتهت إلى محمد بن موسى بن طلحة عند الغروب فقاتلوه و صبر لهم ثم حمل مضاد أخو شبيب على بشر بن غالب في الميسرة فصبر و نزل في خمسين رجلاً فقاتلوه حتى قتلوا . و حملت الخوارج على أبي الضريس مولى بني تميم فهزموه حتى انتهى إلى أعين ثم حملوا عليه و على أعين فهزموهما إلى زائدة بن قدامة . فلما انتهوا إليه نادى نزال و قاتلهم إلى السحر ثم حمل شبيب عليه فقتله و قتل أصحابه و دخل أبو الضريس مع الفل إلى الجوسق بإزائهم . و رفع الخوارج عنهم السيف و دعوهم إلى البيعة لشبيب عند الفجر فبايعوه و كان فيمن بايعه أبو بردة و بقي محمد بن موسى لم ينهزم ، فلما طلع الفجر سمع شبيب أذانهم و علم مكانهم فأذن و صلى ثم حمل عليهم فانهزمت طائفة منهم و ثبتت أخرى و قاتل محمد حتى قتل . و أخذ الخوارج ما في العسكر و انهزم الذين بايعوا شبيباً فلم يبق منهم أحد . و جاء شبيب إلى الجوسق الذي فيه أعين و أبو الضريس فتحصنوا منه فأقام يوماً عليهم و سار عنهم و أراده أصحابه على الكوفة و إزاءهم خوخى فتركها و خرج على نفر و سمع الحجاج بذلك فظن أنه يريد المدائن و هي باب الكوفة و أكثر السواد لها فهاله ذلك و بعث عثمان بن قطن أميراً على المدائن و خوخى و الأنبار و عزل عنها عبد الله بن أبي عصيفير . و قيل في مقتل محمد بن موسى غير هذا و هو أنه كان شهد مع عمر بن عبد الله بن معمر قتال أبي فديك فزوجه عمر ابنته ، و كانت أخته تحت عبد الملك فولاه سجستان فمر بالكوفة و قيل للحجاج إن جاء إلى هذا أحد ممن تطلبه منعك منه فمره بقتال شبيب في طريقه لعل الله يريحك منه ففعل الحجاج . و عدل محمد إلى قتال شبيب و بعث إليه شبيب بدهاء الحجاج و خديعته إياه و أن يعدل عنه فأبى إلا شبيباً فبارزه و قتله شبيب . و لما انهزم الأمراء و قتل موسى بن محمد طلحة دعا الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث و أمره أن ينتخب ستة آلاف فارس و يسير في طلب شبيب أين كان ، فسار لذلك . ثم كتب إليه و إلى أصحابه يتهددهم إن انهزموا و مر ابن الأشعث بالمدائن و عاد الجزل من جراحته فوصاه و حذره و حمله على فرسه و كانت لا تجارى . و سار شبيب على دقوقاً و شهرزور و ابن الأشعث في إتباعه إلى أن وقف على أرض الموصل و أقام يقاتله أهلها ، فكتب إليه الحجاج : أما بعد فاطلب شبيباً و أسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فاقتله أو تنفيه فإنما السلطان أمير المؤمنين و الجند جنده . فجعل ابن الأشعث يتبعه و شبيب يقصد به الأرض الخشنة الغليظة و إذا دنا منه رجع يبيته فيجده على حذرة حتى أتعب الجيش و أحفى دوابهم بطن أرض الموصل ليس بينه و بين سواد إلا نهر حولايا في دادان الأعلى من أرض خوخى و نزل عبد الرحمن في عواقيل النهر و كانت أيام النحر ، و طلب شبيب الموادعة فيها فأجابه قصداً للمطاولة و كتب عثمان بن قطن بذلك إلى الحجاج فنكر و بعث إلى عثمان بن قطن بإمارة العسكر و أمره بالمسير و عزل عبد الرحمن بن الأشعث و بعث على المدائن مطرف بن المغيرة مكان ابن قطن و قدم ابن قطن على عسكر الكوفة عشية يوم التروية و ناداهم إلى الحرب فاستمهلوه و أنزله عبد الرحمن بن الأشعث و أصبحوا إلى القتال ثالث يومهم على تعبية و في الميمنة خالد بن نهيك بن قيس و في الميسرة عقيل بن شداد السلولي و ابن قطن في الرجالة و عبر إليهم شبيب في مائة و ثلاثين رجلاً فوقف في الميمنة و أخوه مضاد في القلب و سويد بن سليم في الميسرة و حمل شبيب على ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا و نزل عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل و قتل معه مالك بن عبد الله الهمداني و حمل سويد على ميمنة عثمان فهزمها و قاتل خالد بن نهيك فجاء شبيب من ورائه فقتله و تقدم عثمان إلى مضاد في القلب فاشتد القتال و حمل شبيب من وراء عثمان و عطف عليهم سويد بن سليم و مضاد من القلب حتى أحاطوا به فقتلوه و انهزمت العساكر و وقع عبد الرحمن بن الأشعث فأتاه ابن أبي شثبة الجعفي و هو على بغلة فأردفه و نادى في الناس باللحاق بدير أبي مريم و رفع شبيب السيف عن الناس و دعاهم إلى البيعة فيايعوه و لحق ابن الأشعث بالكوفة فاختفى حتى أمنه الحجاج و مضى شبيب إلى ماه نهرادان فأقام فيه فصل الصيف فلحق به من كان للحجاج عليه تبعه ثم أقبل إلى المدائن في ثمانمائة رجل و عليها مطرف بن المغيرة و بلغ الخبر إلى الحجاج فقام في الناس و تسخط و توعد . فقال زهرة بن حوية و هو شيخ كبير لا يستطيع القيام إلا معتمداً : أنت تبعث الناس متقطعين فيصبون منهم فاستنفر الناس جميعاً و ابعث عليهم رجلاً شجاعاً مجرياً يرى الفرار عاراً و الصبر مجداً و كرماً . فقال الحجاج : أنت ذلك الرجل ! فقال : إنما يصلح من يحمل الدرع و الرمح و يهز السيف و يثبت على الفرس و لا أطيق من هذا شيئاً و قد ضعف بصري و لكن أكون مع أمير و أشير عليه . فقال له : جزاك الله خيراً عن الإسلام و أهله أول أمرك و آخره . ثم قال للناس : سيروا فتجهزوا بأجمعكم فتجهزوا و كتب الحجاج إلى عبد الملك بأن شبيباً شارف المدائن يريد الكوفة و هم عاجزون عن قتاله بما هزم جندهم و قتل أمراءهم و يستمده من جند الشام ، فبعث إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي في أربعة آلاف و حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ألفين و ذلك سنة ست و سبعين و كتب الحجاج إلى عتاب بن الرياحي يستقدمه من عند المهلب و قد وقع بينهما كما مر فقدم عتاب و ولاه على الجيش فشكر زهرة بن حوية له و قال : رميتهم بحجرهم و الله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل . و بعث الحجاج إلى جند الشام يحذرهم البيات و يوصيهم الإحتياط و أن يأتوا على عين التمر . و عسكر عتاب بجماع أعين ثم قطع شبيب دجلة إلى المدائن و بعث إليه مطرف أن يأتيه رجال من وجوههم ينظر في دعوتهم فرجاً منه و بعث إليه بغيث بن سويد في جماعة مكثوا عنده أربعاً و لم يرجعوا من مطرف بشيء . و نزل عتاب الصراة و خرج مطرف إلى الجبال خوفاً أن يصل خبره مع شبيب إلى الحجاج فخلا لهم الجو . و جاء مضاد إلى المدائن فعقد الجسر و نزل عتاب سوق حكم في خمسين ألفاً و سار شبيب بأصحابه في ألف رجل ، فصلى الظهر بساباط و أشرف على عسكر عتاب عند المغرب و قد تخلف عنه أربعمائة من أصحابه فصلى المغرب ، و عبى أصحابه ستمائة سويد بن سليم في مائتين في الميسرة ، و المحلل بن وائل في مائتين في الميمنة و هو في مائتين في القلب . و كان على ميمنة عتاب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد و على ميسرته نعيم بن عليم و على الرجالة حنظلة بن الحرث اليربوعي و هو ابن عمه و هم ثلاثة صفوف بين السيوف و الرماح و الرماة . ثم حرض الناس طويلاً و جلس في القلب و معه زهرة بن مرتد و عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث و أبو بكر بن محمد بن أبي جهم العدوي و أقبل شبيب حين أضاء القمر بين العشاءين فحمل على الميسرة و فيها ربيعة فانقضوا و ثبت قبيصة بن والق و عبيد بن الحليس و نعيم بن عل رايتهم حتى قتلوا . ثم حمل شبيب على عتاب بن ورقاء و حمل سويد بن سليم على محمد بن سليم في الميمنة في تميم و همدان و اشتد القتال و خالط شبيب القلب و انفضوا و تركوا عتاباً و فر ابن الأشعث في ناس كثيرين و قتل عتاب بن ورقاء و ركب زهرة بن حوية فقاتل ساعة ثم طعنه عامر بن عمر الثعلبي من الخوارج و وطأته الخيل فقتله الفضل بن عامر الشيباني منهم ، و وقف عليه شبيب و توجع له و نكر الخوارج ذلك و قالوا : أتتوجع لرجل كافر ؟ فقال : أعرف قديمه . ثم رفع السيف عن الناس ودعا للبيعة فبايعوه و هربوا تحت ليلهم و حوى ما في العسكر و أتاه أخوه من المدائن و أقام يومين ثم سار نحو الكوفة و لحق سفيان بن الأبرد و عسكر الشام بالحجاج ، فاستغنى بهم عن أهل الكوفة و اشتد بهم و خطب فوبخ أهل الكوفة و عجزهم و جاء شبيب فنزل حمام أعين فسرح الحجاج إليه الحرث بن معاوية الثقفي في نحو ألف من الشرط لم يشهدوا يوم عتاب فبادر إليه شبيب فقتله و انهزم أصحابه إلى الكوفة و أخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك و جاء شبيب فنزل السبخة ظاهر الكوفة و بنى بها مسجداً و سرح مولاه أبا الورد في غلمان لقتاله فحمل عليه شبيب و قتله يظنه الحجاج ثم أخرج إليه مولاه طهمان كذلك فقتله . فركب الحجاج في أهل الشام و جعل سيرة بن عبد الرحمن بن مخنف على أفواه السكك و قعد على كرسيه و نادى في أهل الشام و حرضهم فغضوا الأبصار و جثوا على الركب و شرعوا الرماح و أقبل شبيب في ثلاثة كراديس معه و مع سويد بن سليم و مع المحلل بن وائل و حمل سويد و بيتوا و طاعنوه حتى انصرف و قدم الحجاج كرسيه و حمل المحلل ثانية فكذلك و قدم الحجاج كرسيه فثبتوا له و ألحقوا بأصحابه ، و سرب شبيب سويد بن سليم إلى أهل السكك و كان عليها عروة بن المغيرة بن شعبة فلم يطق
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:03 pm

دفاعه ثم حمل شبيب فطاعنوه و ردوه و انتهى الحجاج إلى مسجده و صعد و ملك العرصة . و قال له خالد ابن عتاب إئذن لي في قتالهم فإني موتور فأذن له ، فجاءهم من ورائهم و قتل أخا شبيب و غزالة إمرأته و خرق عسكرهم و حمل الحجاج عليهم فانهزموا ، و تخلف شبيب ردأً لهم . فأمر الحجاج أصحابه بموادعتهم و دخل الكوفة فخطب و بشر الناس . ثم سرح حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ثلاثة آلاف فارس لاتباعه و حذره بيانه فانتهى في أثره إلى الأنبار و قد افترق عن شبيب كثير من أصحابه للأمان الذي نادى الحجاج به ، فجاءه شبيب عند الغروب و قد قسم حبيب جنده أرباعاً و تواصوا بالاستماتة فقاتلهم شبيب طائفة بعد فما زالت قدم إنسان عن موضعها إلى آخر الليل . ثم نزل شبيب و أصحابه و اشتد القتال و كثر القتلى و سقطت الأيدي و فقئت الأعين ، و قتل من أصحابه شبيب نحو ثلاثين و من أهل الشام نحو مائة و أدركهم الإعياء و الفشل جميعاً فانصرف شبيب بأصحابه و قطع دجلة و مر في أرض خوخى . ثم قطع دجلة أخرى عند واسط و مضى على الأهواز و فارس إلى كرمان ليريح بها و قد قيل في هذه الحرب غير هذا ، و هو أن الحجاج بعث إليه أمراء واحداً بعد واحد فقتلهم و كان منهم أعين صاحب حمام أعين و كان غزالة إمرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين بالبقرة و آل عمران فجاء شبيب و دخل الكوفة ليلاً و أوفت بنذرها . ثم قاتلهم الناس و خرجوا و قام الحجاج في الناس يستشيرهم و برز إليه قتيبة و عذله في بعث الرعاع ينهزمون و يموت قائدهم و الرأي أن تخرج بنفسك فتحالمه فخرج من الغد إلى السبخة و بها شبيب و اختفى مكانه عن القوم و نصب أبا الورد مولاه تحت اللواء فحمل عليه شبيب فقتله . ثم حمل على خالد بن عتاب في الميسرة ثم على مطرف بن ناجية في الميمنة فكشفهما و نزل عند ذلك الحجاج و أصحابه و جلس على عباءة و معه عنبسة بن سعيد و بينما هم على ذلك إذ اختلف الخوارج و قال مصقلة بن مهلهل الضبي لشبيب : ما تقول في صالح بن مسرح ؟ قال : برئت منه . فبرئ مصقلة منه ، و فارقه . و شعر الحجاج بإختلافهم فسرح خالد بن عتاب لقتالهم فقاتلهم في عسكرهم و قتل غزالة و بعث برأسها إلى الحجاج فأمر شبيب من اعترضه فقتل حامله ، و جاء به فغسله و دفنه . و انصرف الخوارج و تبعهم خالد و قتل مضاد أخو شبيب و رجع خالد عنهم بعد أن أبلى . و سار شبيب إلى كرمان . و كتب الحجاج إلى عبد الملك يستمده فبعث إليه سفيان بن الأبرد الكلبي في العساكر فأنفق فيهم المال ، و سرحه بعد انصراف الخوارج بشهرين و كتب إلى عامل البصرة و هو الحكم بن أيوب زوج ابنته أن يبعثه بأربع آلاف فارس من جند البصرة إلى سفيان فبعثهم مع زياد بن عمر العتكي فلحقه ـ ـ ـ انقضاء الحرب . و كان شبيب بعد أن استجم بكرمان أقبل راجعاً فلقي سفيان بالأهواز فعبر إليه جسر دجيل و زحف في ثلاثة كراديس فقاتلهم أشد قتال و حملوا عليهم أكثر من ثلاثين حملة و سفيان و أهل الشام مستميتين يزحفون زحفاً حتى اضطر الخوارج إلى الجسر فنزل شبيب في مائة من أصحابه ، و قاتل إلى المساء حتى إذا جاء الليل انصرف و جاء إلى الجسر فقدم أصحابه و هو على أثرهم فلما مر بالجسر اضطرب حجر تحت حافر فرسه و هو على حرف السفينة فسقط في الماء و غرق و هو يقول : و كان أمر الله مفعولا ، ذلك تقدير العزيز العليم . و جاء صاحب الجسر إلى سفيان و هو يريد الإنصراف بأصحابه فقال : إن رجلاً من الخوارج سقط فتنادوا بينهم غرق أمير المؤمنين و مروا و تركوا عسكرهم فكبر سفيان و أصحابه و ركب إلى الجسر و بعث إلى عسكرهم فحوى ما فيه و كان كثير الخيرات ثم استخرجوا شبيباً من النهر و دفنوه .

خروج المطرف و المغيرة بن شعبة
لما ولى الحجاج الكوفة و قدمها وجد بني المغيرة صلحاء أشرافاً فاستعمل عروة على الكوفة و مطرفاً على المدائن و حمزة على همذان فكانوا أحسن العمال سيرة و أشدهم على المريب . و لما جاء شبيب إلى المدائن نزل نهر شير و مطرف بمدينة الأبواب فقطع مطرف الجسر و بعث إلى شبيب أن يرسل إليه من يعرض عليه الدعوة ، فبعث إليه رجلاً من أصحابه فقالوا نحن ندعو إلى كتاب الله و سنة رسوله ، و أنا نقمنا على قومنا الاستئثار بالفيء و تعطيل الحدود و التسبط بالجزية فقال مطرف دعوتم إلى حق ـ ـ ـ جوراً ظاهراً و أنا لكم متابع فبايعوني على قتال هؤلاء الظلمة بإحداثهم و على الدعاء إلى الكتاب و السنة على الشورى كما تركها عمر بن الخطاب حتى يولي المسلون من يرضونه ، فإن العرب إذا علمت أن المراد بالشورى الرضا من قريش رضوا فكثر مبايعكم فقالوا : لا نجيبك إلى هذا ! و أقاموا أربعة أيام يتناظرون في ذلك و لم يتفقوا و خرجوا من عنده . ثم دعا مطرف أصحابه و أخبرهم بما دار بينه و بين أصحاب شبيب و أن رأيه خلع عبد الملك و الحجاج فوجموا من قوله و أشاروا عليه بالكتمان فقال له يزيد بن أبي زياد مولى أبيه لن و الله يخفى على الحجاج شيء مما وقع و لو كنت في السحاب لاستنزلك فالنجاء بنفسك ، و وافقه أصحابه فسار عن المدائن إلى الجبال و لما كان في بعض الطريق دعا أصحابه إلى الخلع و الدعاء إلى الكتاب و السنة ، و أن يكون الأمر شورى فرجع عنه بعض إلى الحجاج منهم سبرة بن عبد الرحمن مخنف و سار مطرف و مر بحلوان و بها سويد بن عبد الرحمن السعدي مع الأكراد فاعترضوه فأوقع مطرف بهم و أثخن في الأكراد و مال عن همذان ذات اليمين و بها أخو حمزة و استمده بمال و سلاح فأمده سراً . و سار إلى قم و قاشان فبعث عماله في نواحيه و فزع إليه كل جانب فجاء سويد بن سرحان الثفقي و بكير بن هرون النخعي من الري في نحو مائة رجل . و كان على الري عدي بن زياد الأيادي و على أصبهان البراء بن قبيصة فكتب إلى الحجاج بالخبر و استمده فأمده بالرجال ، و كتب إلى عدي بالري أن يجتمع مع البراء على حرب مطرف فاجتمعوا في ستة آلاف و عدي أميرهم . و كتب الحجاج إلى قيس بن سعد البجلي و هو على شرطة حمزة بهمذان بأن يقبض على حمزة و يتولى مكانه فجاءه في جمع من عجل و ربيعة و أقرأه كتاب الحجاج فقال سمعاً و طاعة . و قبض قيس عليه و أودعه السجن و سار عدي و البراء نحو مطرف فقاتلوه و انهزم أصحابه و قتل يزيد مولى أبيه و كان صحاب الراية . و قتل من أصحابه عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الأزدي و كان ناسكاً صالحاً و كان الذي تولى قتل مطرف عمر بن هبيرة الفزاري . و بعث عدي أهل البلاء إلى الحجاج و أمر بكير بن هرون و سويد بن سرحان ، و كان الحجاج يقول مطرف ليس بولد للمغيرة و إنما هم ابن مصقلة الحر ، لأن أكثر الخوارج كانوا من ربيعة لم يكن فيهم من قيس .

اختلاف الأزارقة
قد تقدم لنا مقام المهلب في قتال الأزارقة على سابور بعد مسير عتاب عنه إلى الحجاج و أنه أقام في قتالهم سنة ، و كانت كرمان لهم و فارس للمهلب فانقطع عنهم المدد و ضاقت حالهم فتأخروا إلى كرمان و تبعهم المهلب و نزل خيررفت مدينة كرمان و قاتلهم حتى أزالهم عنها و بعث الحجاج العمال على نواحيها و كتب إليه عبد الملك بتسويغ ـ ـ ـ للمهلب معونة له على الحرب . و بعث الحجاج إلى المهلب البراء بن قبيصة يستحثه لقتال الخواج فسار و قاتلهم و البراء مشرف عليه من ربوة و اشتد قتاله ، و جاء البراء من الليل فتعجب لقتاله و انصرف إلى الحجاج و أنهى غدر المهلب و قاتلهم ثمانية عشر شهراً لا يقدر منهم على شيء . ثم وقع الاختلاف بينهم فقيل في سببه أن المقعطر الضبي و كان عاملاً لقطري على بعض نواحي كرمان قتل بعض الخوارج فطلبوا القود منه فمنعه قطري و قال : تأول فأخطأ ، هو من ذوي السابقة فاختلفوا و قيل بل كان رجل في عسكرهم يصنع النصول مسمومة فيرمي بها أصحاب المهلب فكتب المهلب كتاباً مع رجل و امرأة أن يلتقيه في عسكرهم و فيه وصلت نصالك و قد أنفذت إليك ألف درهم . فلما و قف على الكتاب سأل الصانع فأنكر فقتله فأنكر عليه عبد ربه الكبير و اختلفوا . و قيل بعث المهلب نصرانياً و أمره بالسجود لقطري فقتله بعض الخوارج و ولوا عبد ربه الكبير و خلعوا قطرياً فبقي في نحو الخمسين منهم و أقاموا يقتتلون شهراً ، ثم لحق قطري بطبرستان و أقام عبد ربه بكرمان و قاتلهم المهلب و حاصرهم بخيرفت و لما طال عليهم الحصار خرجوا بأموالهم و حريمهم و هو يقاتلهم حتى أثخن فيهم . ثم دخل خيرفت و سار في اتباعهم فلحقهم على أربعة فراسخ فقاتلهم هو و أصحابه حتى أعيو و كف عنهم . ثم استمات الخوارج و رجعوا فقاتلوه حتى يئس من نفسه . ثم نصره الله عليهم و هزمهم و قتل منهم نحواً من أربعة آلاف كان منهم عبد ربه الكبير و لم ينج إلا القليل . و بعث المهلب المبشر إلى الحجاج فأخبره و سأله عن بني المهلب عليهم واحداً واحداً قال : فأيهم كان أنجد ؟ قال : كانوا كالحلقة المفزعة لا يعرف طرفها . فاستحسن قوله و كتب إلى المهلب يشكره و يأمره أن يولي على كرمان من يراه و ينزل حامية و يقدم عليه ، فولى عليها إبنه يزيد و قدم على الحجاج فاحتفل لقدومه و أجلسه إلى جانبه و قال : يا أهل العراق أنتم عبيد المهلب ! و سرح سفيان بن الأبرد الكلبي في جيش عظيم نحو طبرستان لطلب قطري و عبيدة بن هلال و من معهم من الخوارج . و التقوا هنالك بإسحق بن محمد بن الأشعث في أهل الكوفة و اجتمعا على طلبهم ، فلقوهم في شعب من شعاب طبرستان و قاتلوهم فافترقوا عن قطري و وقع عن دابته فتدهده إلى أسفل الشعب و مر به علج فاستقاه على أن يعطيه سلاحه ، فعمد إلى أعلى الشعب و حدر عليه حجراً من فوق الشعب فأصابه في رأسه فأوهنه و نادى بالناس فجاء في أولهم نفر من أهل الكوفة فقتلوه ـ ـ ـ منهم سورة بن أبجر التميمي و جعفر بن عبد الرحمن بن مخنف و السياح بن محمد بن الأشعث و حمل رأسه أبو الجهم إلى إسحق بن محمد فبعث به الحجاج ، و بعثه الحجاج إلى عبد الملك و ركب سفيان فأحاط بالخوارج و حاصرهم حتى أكلوا دوابهم ، ثم خرجوا إليه و استماتوا فقتلهم أجمعين و بعث برؤوسهم إلى الحجاج و دخل دنباوند و طبرستان فكان هناك حتى عزله الحجاج قبل دير الجماجم . قال بعض العلماء و انقرضت الأزارقة بعد قطري و عبيدة آخر رؤسائهم و أول رؤسائهم نافع بن الأزرق . و اتصل أمرهم بضعاً و عشرين سنة إلى أن افترقوا كما ذكرناه سنة سبع و سبعين فلم تظهر لهم جماعة ، إلى رأس المائة .



خروج سودب
خرج سودب هذا أيام عمر بن عبد العزيز على رأس المائة و اسمه بسطام و هو من بني يشكر فخرج في مائتي رجل و سار في خوخى و عامل الكوفة يومئذ عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب . فكتب إليه عمر أن لا يعرض لهم حتى يقتلوا أو يفسدوا فيوجه إليهم الجند مع صليب حازم فبعث عبد الحميد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين فأقام بازائة لا يحركه . و كتب عمر إلى سودب : بلغني أنك خرجت غضباً لله و لرسوله ، و كنت أولى بذلك مني ، فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق معنا دخلت مع الناس ، و إن كان الحق معك نظرنا في أمرك . فبعث إليه عاصماً الحبشي مولى بني شيبان و رجلاً من بني يشكر فقدما عليه بخاصر فسألهما ما أخرجكم و ما الذي نقمتم ؟ فقال عاصم ما نقمنا سيرتك إنك لتتحرى العدل و الإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر مشورة من الناس أم غلبت عليه ؟ قال عمر : ما سألته و لا غلبت عليه و عهد إلي رجل قبلي فقمت و لم ينكر أحد ، و مذهبكم الرضا لكل من عدل ، و إن أنا خالفت الحق فلا طاعة لي عليكم . قالا : فقد خالفت أعمال أهل بيتك و سميتها مظالم فتبرأ منهم و العنهم فقال عمر : أنتم تريدون الآخرة و قد أخطأتم طريقها ، و إن الله لم يشرع اللعن . و قد قال إبراهيم : و من عصاني فإنك غفور رحيم و قال : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده و بقي تسمية أعمالهم مظالم ذماً ، و لو كان لعن اهل الذنوب فريضة لوجب عليكم لعن فرعون ، أنتم لا تلعنونه و هو أخبث الخلق ، فكيف ألعن انا أهل بيتي و هم مصلون صائمون و لم يكفروا بظلمهم ! لأن النبي صلى الله عليه و سلم دعا إلى الإيمان و الشريعة ، فمن عمل بها قبل منه ، و من أحدث حدثاً فرض عليه الحد . فقالا : فإن النبي صلى الله عليه و سلم دعا إلى التوحيد و الإقرار بما نزل عليه . فقال عمر : و ليس أحد ينكر ما نزل عليه و لا يقول لا أعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لكن القوم أسرفوا على أنفسهم . قال عاصم : فابرأ منهم و رد أحكامهم . قال عمر : أتعلمان ان أبا بكر سبى أهل الردة و أن عمر ردها بالفدية و لم يبرأ من أبي بكر و أنتم لا تبرؤون من واحد منهما . قال : فأهل النهروان خرج أهل الكوفة منهم فلم يقتتلوا و لا استعرضوا و خرج أهل البصرة فقتلوا عبد الله بن حباب و جارية حاملاً ، و لم يتبرأ من لم يقتل ممن قتل و استعرض ، و لا أنتم تتبرؤن من واحد منهما . و كيف ينفعكم ذلك مع علمكم باختلاف أعمالكم ؟ و لا يسعني أنا البراءة من أهل بيتي و الدين واحد فاتقوا الله و لا تقبلوا المردود و تردوا المقبول ، و قد أمن رسول الله صلىالله عليه وسلم من شهد شهادة الإسلام و عصم ماله و دمه ، و أنتم تقتلونه و يأمن عندكم سائر الأديان و تحرمون دماءهم و أموالهم فقال اليشكري من استأمن على قوم و أموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون أتراه أدى الحق الذي لزمه ؟ فكيف تسلم هذا الأمر بعدك إلى يزيد مع علمك أنه لا يعدل فيه ؟ فقال : إنما ولاه غيري و المسلمون أولى بذلك بعدي . قال : فهو حق ممن فعله و ولاه ، قال أنظراني ثلاثاً ثم جاءه عاصم فرجع عن رأي الخوارج و قال له اليشكري : أعرض عليهم ما قلت و اسمع حجتهم . و أقام عاصم عند عمرو و أمر له بالعطاء و توفي عمر لأيام قلائل و محمد بن جرير ينتظر عود الرسل . و لما مات عمر كتب عبد الحميد إلى محمد بن جرير بمناجرة سودب قبل أن يصل إليهم خبر عمر ، فقالت الخوارج ما خالف هؤلاء ميعادهم إلا وقد مات الرجل الصالح . و اقتتلوا فانهزم محمد بن جرير و اتبعه الخوارج إلى الكوفة ، و جعوا و قدم على سودب صاحباه و أخبراه بموت عمر ، و سرح يزيد تميم بن الحباب في ألفين فهزمه أصحابه ، ثم بعث إليهم الشجاع بن وادع في ألفين فقتلوه و هزموه بعد أن قتل منهم هدبة ابن عم سودب و بقي الخوارج بمكانهم . و جاء مسلمة إلى الكوفة فأرسل سعيد بن عمرو الحريشي في عسكر آلاف فاستماتت الخوارج و كشفوا العساكر مراراً ثم حملوا عليهم فطحنوهم طحناً . و قتل سودب و أصحابه و لم يبق منهم أحد ، و ضعف أمر الخوارج إلى ظهور أيام هشام سنة عشرين و مائة بهلول بن بشر بن شيبان و بلغت كنارة ، و كان لما عزم على الخوارج حج و لقي بمكة من كان على رأيه ، فأبعدوا إلى قرية من قرى الموصل و اجتمعوا بها و هم أربعون و أمروا عليهم البهلول و أخفوا أنفسهم بأنهم قدموا من عند هشام و مروا بقرية كان بهلول ابتاع منها خلاً فوجده خمراً و أبى البائع من رده و استعدى عليه عامل القرية ، فقال : الخمر خير منك و من قومك فقتلوه و أظهروا أمرهم و قصدوا خالد القسري بواسط و تعللوا عليه بأنه يهدم المساجد و يبني الكنائس و يولي المجرد على المسلمين . و جاء الخبر إلى خالد فتوجه من واسط إلى الحيرة و كان بها جند من بني العين نحو ستمائة بعثوا مدداً لعامل الهند ، فبعثهم خالد مع مقدمهم لقتال بهلول و أصحابه و ضم إليهم مائتين من الشرط و التقوا على الفرات ، فقتل مقدمهم و انهزموا إلى الكوفة . و بعث خالد عابداً الشيباني من بني حوشب بن يزيد بن رويم فلقيه بين الموصل و الكوفة فهزمهم إلى الكوفة و ارتحل يريد الموصل . ثم بدا له و سار يريد هشاماً بالشام و بعث خالد جنداً من العراق و عامل الجزيرة جنداً ، و بعث هشام جنداً فاجتمعوا بين الجزيرة و الموصل بكحيل و هم في عشرين ألفاً و بهلول في سبعين فقاتلوا و استماتوا و صرع بهلول و سأله أصحابه العهد فعهد إلى دعامة الشيباني ثم إلىعمر اليشكري من بعده . ومات بهلول من ليلته و هرب دعامة و تركهم ثم خرج عمر اليشكري فلم يلبث أن قتل . ( ثم خرج ) على خالد بعد ذلك بسنتين الغفري صاحب الأشهب و بهذا كان يعرف فبعث إليه السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف فالتقوا بناحية الفرات فانهزمت الخوارج و لقيهم عبيد أهل الكوفة و غوغاؤهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم . ثم خرج وزير السختياني على خالد بالحيرة فقتل و أحرق القرى فوجه إليه خالد جنداً فقتلوا أصحابه ، و أثخن بالجراح و أتى به خالد فوعظه فأعجبه وعظه فأعفاه من القتل . و كان يسامره بالليل و سعى بخالد إلى هشام و أنه أخذ حرورياً يستحق القتل فجعله سميراً ، فكتب إليه هشام بقتله فقتله . ثم خرج ذلك الصخاري بن شبيب بالفريفية فمضى و ندم خالد فطلبه فلم يرجع ، و أتى جبل و بها نفر من اللات بن ثعلبة فأخبرهم و قال : إنما أردت التوصل إليه لأقتله بفلان من قعدة الصغرية كان خالد قتله صبراً . ثم خرج معه ثلاثون منهم فوجه إليهم خالد جنداً فلقوهم بناحية المناذر فاقتتلوا فقتل الصحارى و أصحابه أجمعون . و رد أمر الخوارج بعد ذلك مرة فلما وقعت الفتن أيام هشام بالعراق و الشام و شغل مروان بمن انتقض عليه فخرج بأرض كفريموتا سعيد بن بهدل الشيباني في مائتين من أهل الجزيرة و كان على رأي الحرورية ، و خرج بسطام البهسي في مثل عدتهم من ربيعة ، و كان مخالفاً لرأيه ، فبعث إليه من الصغرية أربعة آلاف أو يزيدون . و ولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحريشي و عزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فامتنع عبد الله بالحيرة ، و سار إليه النضر و تحاربا أشهراً . و كانت الصغرية مع النضر عصبة لمروان لطلبه بدم الوليد و أمه قيسية . فلما علم الضحاك و الخوارج بإختلافهم ، و أقبل إلى العراق سنة سبع و عشرين و زحف إليهم فتراسل ابن عمر و النضر و تعاقدا و اجتمعا لقتاله بالكوفة ، و كل واحد منهما يصلى بأصحابه و ابن عمر أمير على الناس و جاء الخوارج فقاتلوهم فهزموهم إلى خندقهم ثم قاتلوهم في اليوم الثاني كذلك فسلك الناس إلى واسط منهم النضر بن سعيد الحريشي و منصور اين جمهور و إسمعيل أخوخالد القسري و غيرهم من الوجوه . فلحق ابن عمر بواسط و استولى الضحاك على الكوفة و عادت الحرب بين ابن عمر و النضر . ثم زحف إليهما الضحاك فاتفقا وقاتلا حتى ضرستهما الحرب ، و لحق منصور بن جمهور بالضحاك و الخوارج و بايعهم ثم صالحهم ابن عمر ليشغلوا مروان عنه ، و خرج إليهم و صلى خلف الضحاك و بايعه و كان معه سليمان بن هشام وصل إليه هارباً من حمص لما انتقض بها و عليه و عليها مروان فلحق بابن عمر و بايع معه الضحاك و صار معه و حرضه على مروان إنما لحق بالضحاك و هو يحاصر نضيراً و تزوج أخت شيبان الحروري . فرجع الضحاك إلى الكوفة و سار منها إلى الموصل و عليهم القطران أم أكمه من بني شيبان عامل لمروان فأدخلهم أهل البلد و قاتلهم القطرن فقتل و من معه و بلغ الخبر إلى مروان و هو يحاصر حمص فكتب إلى ابنه عبد الله أن يسير إلى يمانع الضحاك عن توسط الجزيرة فسار في ثمانية آلاف فارس و الضحاك في مائة ألف و حاصره بنصيبين . ثم سار مروان بن محمد إليه فالتقيا عند كفريموتا من نواحي ماردين فقاتله عامة يومه إلى الليل و ترجل الضحاك في نحو ستة آلاف و قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم و عثر على الضحاك في القتلى فبعث مروان برأسه إلى الجزيرة و أصبح الخوارج فبايعوا الخبيري قائد الضحاك و عاودوا الحرب مع مروان فهزموه و انتهوا إلى خيامه فقطعوا أطنابهم و جلس الخبيري على فرشه و الجناحان ثابتان و على الميمنة عبد الله بن مروان و على الميسرة اسحق بن مسلم العقيلي فلما انكشف قله الخوارج أحاطوا بهم في مخيم مروان فقتلوهم جميعاً و الخبيري معهم . و رجع مروان من نحو ستة أميال و انصرف الخوارج و بايعوا شيبان الحروري و هو شيبان بن عبد العزيز اليشكري و يكنى أبا الدلقاء و قاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس و أبطل الصف من يومئذ و أقام في قتالهم أياماً وانصرف عن شيبان كثير منهم و ارتحلوا إلى الموصل بإشارة سليمان بن هشام و عسكروا شرقي دجلة ، و عقدوا الجسور و اتبعهم مروان فقاتلهم لتسعة أشهر ، و قتل من الطائفتين خلق كثير و أسر ابن أخ لسليمان بن هشام اسمه أمية بن معاوية فقطعه ثم ضرب عنقه و كتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة و هو بقرقيسيا يأمره بالسير إلى العراق و ولاه عليها و على الكوفة يومئذ المثنى بن عمران العائدي من قريش خليفة للخوارج فلقي ابن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا و انهزمت الخوارج . ثم تجمعوا له بالنخيلة ظاهر الكوفة فهزمهم ، ثم تجمعوا بالبصرة فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة فهزمهم ابن هبيرة و قتل عبيدة و استباح عسكرهم ، و استولى على العراق و كان منصور بن جمهور مع الخوارج فمضى إلى الماهين و غلب عليها و على الخيل جميعاً ، و سار ابن هبيرة إلى واسط فحبس ابن عمر و كان سليمان بن حبيب عامل ابن عمر على الأهواز فبعث ابن هبيرة إليه نباته بن حنظلة ، و بعث هو داود بن حاتم و التقيا على دجلة فانهزم داود و قتل و كتب مروان إلى ابن هبيرة أن يبعث إليه عامر بن ضبابة المزني فبعثه في ثمانية آلاف و بعث شيبان لاعتراضه الجون بن كلاب الخارجي في جمع فانهزم عامر و تحصن بالسند و جعل مروان يمده بالجنود و كان منصور بن جمهور بالجبل يمد شيبان بالأموال . ثم كثرت جموع عامر فخرج إلى الجون و الخوارج اللذين يحاصرونه فهزمهم و قتل الجون و سار قاصداً الخوارج بالموصل ، فارتحل شيبان عنها و قدم عامر على مروان فبعثه في اتباع شيبان ، فمر على الجبل و خرج على بيضاء فارس و بها يومئذ عامر بن عبد الله بن حطوية بن جعفر في جموع كثيرة ، فسار ابن معاوية إلى كرمان وقاتله عامر فهزمه و لحق بهراة و سار عامر بمن معه فلقي شيبان و الخوارج بخيرفت فهزمهم و استباح عسكرهم و مضى شيبان إلى سجستان فهلك بها سنة ثلاثين و مائة ، و قيل بل كان قتال مروان و شيبان على الموصل شهراً ، ثم انهزم شيبان و لحق بفارس و عامر بن صراة في اتباعه ، ثم سار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان ، و أقام بها . و لما ولي السفاح بعث حارثة بن خزيمة لحرب الخوارج هنالك لموجدة وجدها عليه ، فأشير عليه ببعثه لذلك . فسار في عسكر إلى البصرة و ركب السفن إلى جزيرة ابن كاوان ، و بعث فضالة بن نعيم النهيلي في خمسمائة ، فانهزم شيبان إلى عمان و قاتل هناك و قتله جلندي بن مسعود بن جعفر بن جلندي و من معه سنة أربع و ثلاثين . و ركب سليمان بن هشام السفن بأهله و مواليه إلى الهند بعد مسير شيبان إلى جزيرة ابن كاوان حتى إذ بويع السفاح قدم عليه و أنشده سديف البتين المعروفين و هما :
لايغرنك ما ترى من رجال إن بين الضلوع داء دويا
فضع السيف و ارفع الصوت حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا
فقتله السفاح و انصرف مروان بعد مسير شيبان إلى الموصل إلى منزله بحران . فلم يزل بها حتى سار إلى الزاب ، و مضى شيبان بعد سلمة إلى خراسان و الفتنة بها يومئذ بين نصر ابن سيار و الكرماني و الحرث بن شريح و قد ظهر أبو مسلم بالدعوة فكان له من الحوادث معهم ما ذكرناه و اجتمع مع علي بن الكرماني على قتال نصر بن سيار فلما صالح الكرماني أبا مسلم كما مر و فارق شيبان تنحى شيبان عن عمر لعلمه أنه لا يقاومه . ثم هرب نصر بن سيار إلى سرخس و استقام أمر أبي مسلم بخراسان ، فأرسل إلى شيبان يدعوه إلى البيعة و يأذنه بالحرب ، و استجاش بالكرماني فأبى ، فسار إلى سرخس و اجتمع إليه الكثير من بكر بن وائل ، و أرسل إليه أبو مسلم في الموادعة ، فحبس الرسل ، فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبراهيم مولى بني ليث بالمسير إلى شيبان فسار إليه فهزمه و قتل في عدة من بكر بن وائل . و يقال إن خزيمة بن حازم حضر مع بسام في ذلك .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:04 pm

خبر أبي حمزة و طالب و إسحق
كان اسم أبي حمزة الخارجي المختار بن عوف الأزدي البصري و كان من الخوارج الإباضية و كان يوافي مكة كل موسم يدعو إلى خلاف مروان ، و جاء عبد الله ابن يحيى المعروف بطالب الحق سنة ثمان و عشرين و هو من حضرموت فقال له : إنطلق معي فإني مطاع في قومي . فانطلق معه إلى حضرموت و بايعه على الخلافة و بعثه عبد الله سنة تسع و عشرين مع بلخ بن عقبة الأزدي في سبعمائة فقدموا مكة و حكموا بالموقف و عامل المدينة يومئذ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، فطلبهم في الموادعة حتى ينقض الموسم . و أقام للناس حجهم و نزل بمنى و بعث إلى أبي حمزة عبيد الله بن حسن بن الحسن و محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان و عبد الرحمن بن القاسم بن محمد و عبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في أمثالهم ، فكشر في وجه العلوي و العثماني و انبسط إلى البكري و العمري ، و قال لهما : ما خرجنا إلا بسيرة أبويكما ! فقال له عبيد الله بن حسن : ما جئنا للتفضيل بين آبائنا و إنما جئنا برسالة من الأمير و ربيعة يخبرك بها . ثم أحكموا معه الموادعة إلى مدتها . و نفر عبد الواحد في النفر الأول فمضى إلى المدينة و ضرب على أهلها البعث و زادهم في العطاء عشرة و بعث عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ابن عثمان ، فانتهوا إلى فديك . و جاءتهم رسل أبي حمزة يسألونهم التجافي عن حربهم و أن يخلوا بينهم و بين عدوهم فلما نزلوا قديد و كانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب ، فطلع عليهم أصحاب أبي حمزة من الغياض فأثخنوا فيهم و كان قتلاهم نحو سبعمائة من قريش . و بلغ الخبر إلى عبد الواحد فلحق بالشام و دخل أبو حمزة المدينة منتصف صفر سنة ثلاثين و خطب على المنبر و أعلن بدعوته و وعظ ، و ذكر و رد مقالات من عليهم و سفه رأيهم و أحسن السيرة في أهل المدينة و استمالهم حتى سمعوه يقول : من زنا فهو كافر و من سرق فهو كافر و أقام ثلاثة أشهر ، ثم ودعهم و سار نحو الشام . و كان مروان قد سرح إليهم عبد الملك بن محمد بن عطية بن هوزان في أربعة آلاف ليقتل الخوارج حتى يبلغ اليمن فلقي أبا حمزة في وادي القرى ، فانهزمت الخوارج و قتل أبو حمزة و لحق فلهم بالمدينة . و سار عطية في أثرهم إلى المدينة فأقام بها شهراً ، ثم سار إلى اليمن و استخلف على المدينة الوليد ابن أخيه عروة ، و على مكة رجلاً من أهل الشام .و بلغ عبد الله طالب الحق مسيرة إليه و هو بصنعاء فخرج للقائه ، و اقتتلوا ، و قتل طالب الحق و سار ابن عطية إلى صنعاء و ملكها . و جاء كتاب مروان بإقامة الجح بالناس ، فسار في إثنتي عشر رجلاً و معه أربعون ألف دينار و خلف ثقله بصنعاء و نزل الحرف فاعترضه ابن حماية المرادي في جمع ، و قال له و لأصحابه : أنتم لصوص فاستظهروا بعهد مروان فكذبوه و قاتلهم فقتلوه . و ركد ريح الخوارج من يومئذ إلى أن ظهرت الدولة العباسية و بويع المنصور بعد السفاح ( فخرج سنة سبع و ثلاثين ) بالجزيرة ملبد بن حرملة الشيباني فسارت إليه روابط الجزيرة في ألف فارس فهزمهم و قاد منهم . ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي و مهلل بن صفوان مولى المنصور ، ثم نزار من قواد خراسان ، ثم زياد بن مسكان ثم صالح بن صبيح فهزمهم كلهم واحداً بعد واحد ، و قتل منهم . ثم سار إليه حميد بن قحطبة و هو عامل الجزيرة فهزمه و تحصن حميد منه ، فبعث المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار في الجيوش ، و معه زياد بن مسكان فأكمن له الملبد ، و قاتلهم . ثم خرج الكعبين فانهزم عبد العزيز و قتل عامة أصحابه فبعث المنصور حازم بن خزيمة في ثمانية آلاف من أهل خراسان فسار إلى الموصل و عبر إليه الملبد دجلة فقاتله فانهزم أهل الميمنة و أهل الميسرة من أصحاب حازم ، و ترجل حازم و أصحابه ، و ترجل ملبد كذلك . و أمر حازم أصحابه فنضحوهم بالنبل ، و اشتد القتال و تزاحفت الميمنة و الميسرة و رشقوهم ، فقتل ملبد في ثمانمائة ممن ترجل معه ، ثلثمائة قبل أن يترجل . و تبعهم فضالة صاحب الميمنة فقتل منهم زهاء مائة و خمسين . ثم خرج سنة ثمان و أربعين أيام المنصور بنواحي الموصل حسان بن مخالد بن مالك بن الأجدع الهمداني أخو مسروق . و كان على الموصل الصغر بن يجدة وليها بعد حرب بن عبد الله ، فسار إليهم فهزموه إلى الدجلة . و سار حسان إلى العمال ثم إلى البحر و ركب إلى السند و قاتل ، و كاتب الخوارج بعمان يدعوهم و يستأذنهم في اللحاق بهم فأبوا ، و عاد إلى الموصل فخرج إليه الصفر بن الحسن ابن صالح بن جنادة الهمداني و هلال ، فقتل هلالاً و استبقى ابن الحسن فاتهمه بعض أصحابه بالعصبية و فارقوه . و قد كان حسان أمه من الخوارج و خاله حفص بن أشتم من فقهائهم و لما بلغ المنصور خروجه قال : خارجي من همذان فقيل له إنه ابن أخت حفص بن أشتم . قال : من هناك و إنما أنكر المنصور ذلك لأن عامة همذان شيعة . و عزم المنصور على الفتك بأهل الموصل ، فإنهم عاهدوه على أنهم إن خرجوا فقد فلت ديارهم و أموالهم و أحضر أبا حنيفة و ابن أبي ليلى بن شبرمة و استفتاهم فتلطفوا له في العفو فأشار إلى أبي حنيفة فقال : أبا حوا ما لا يملكون كما لو أباحت إمرأة ، فزوجها بغير عقد شرعي فكف عن أهل الموصل . ثم خرج أيام المهدي بخراسان يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرة و اجتمع شركس فبعث إليه المهدي يزيد بن مزيد الشيباني ابن أخي معن فاقتتلوا قتالاً شديداً و أسره يزيد و بعث به إلى المهدي موثقاً ، و حمل من النهروان على بعير و حول وجهه إلى ذنبه كذلك فدخلوا إلى الرصافة و قطعوا ثم صلبوا . و كان حروباً متعوداً فغلب على بوشنج و مرو الروذ و الطالقان و الجوزجان ، و كان على بوشنج مصعب بن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه و كان من أصحابه معاذ الفارياني و قبض معه ثم خرج معه أيام المهدي بالجزيرة حمزة بن مالك الحزاعي سنة تسع و ستين و هزم منصور بن زياد و صاحب الخراج و قوي أمره ، ثم اغتاله بعض أصحابه فقتله . ثم خرج آخر أيام المهدي بأرض الموصل خارجي من بني تميم اسمه ياسين يميل إلى مقاتله صالح بن مسرح فهزم عسكر الموصل و غلب على أكثر ديار ربيعة و الجزيرة ، فبعث إليه المهدي القائد أبا هريرة محمد بن مروخ و هزيمة بن أعين مولى بني ضبة فحارباه حتى قتل في عدة من أصحابه و انهزم الباقون . ثم خرج بالجزيرة أيام الرشيد سنة ثمان و سبعين الوليد بن طريف من بني مغلب ، و قتل إبراهيم بن خالد ابن خزيمة بنصيبين ، ثم دخل أرمينية و حاصر خلاط عشرين يوماً و افتدوا بثلاثين ألفاً . ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان و أرض السود ، و عبر إلى غرب دجلة و عاث في أرض الجزيرة ، فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني ، و هو ابن أخي معن في العساكر فمكث يقاتله ، و كانت البرامكة منحرفة عن يزيد فاغروا به الرشيد و أنه أبقى على الوليد برجم وائل . فكتب إليه الرشيد يتهدده فناجزه يزيد الحرب في رمضان سنة تسع و سبعين و قاتلهم قتالاً شديداً فقتل الوليد وجيء برأسه . ثم أصبحت أخته مستلئمة للحرب فخرج إليها يزيد و ضربها على رأسها بالرمح و قال لها أعدي فقد فضحت العشيرة فاستحيت و انصرفت و هي تقول في رثائه الأبيات المشهورة التي منها :
أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى و لا المال إلا من قناً و سيوف
و انقرضت كلمة هؤلاء بالعراق و الشام ، فلم يخرج بعد ذلك إلا شذاذ متفرقون يستلحمهم الولاة بالنواحي إلا ما كان من خوارج البربر بأفريقية ، فإن دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظفري سنة ثلاث و عشرين و مائة . ثم فشت دعوة الإباضية و الصفرية منهم في هوارة و لماية و نفزة و مغيلة و في مغراوة و بني يفرن من زناتة حسما يذكر في أخبار البربر لسي رستم من الخوارج بالمغرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضاً . ثم سار بأفريقية منهم على دولة العبيديين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربي ، و كانت له معهم حروب و أخبار تذكرها في موضعها . ثم لم يزل أمرهم في تناقض إلى أن اضمحلت ديانتهم و افترقت جماعتهم و بقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أول الأمر . ففي بلاد زناته بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع و واديه ، في مغراوة من شعوب زناتة و يسمون الراهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبي . أول من بويع منهم أيام علي بن أبي طالب . و هم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة و الجماعة ، و كذلك في جبال طرابلس و زناتة أثر باق تلك النحلة تدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك و تطير إلينا هذا العهد من تلك البلاد دواوين و مجلدات من كلامهم في فقه الدين ، و تمهيد عقائده ، و فروعه مباينة لمناحي السنة و طرقها بالكلية ، و إلا أنها ضاربة بسهم في إجادة التأليف و الترتيب و بناء الفروع على أصولهم الفاسد . و كان بنواحي البحرين و عمان إلى بلاد حضرموت و شرقي اليمن و نواحي الموصل آثار تفشي و عروق في كل دولة ، إلى أن خرج علي بن مهدي من خولان باليمن و دعا إلى هذه النحلة . و غلب يومئذ من كان من الملوك باليمن و استلحم بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين من الشيعة و غلبوهم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن ، و استولوا أيضاً على زبيد و نواحيها من يد موالي بني نجاح و مولى ابن زياد كما نذكر ذلك كله في أخبارهم إن شاء الله سبحانه و تعالى . فلتصفح في أماكنها .و يقال إن باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت ، و الله يضل من يشاء و يهدي من يشاء .

الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة
لم يزل أمر الإسلام جميعاً دولة واحدة أيام الخلفاء الأربعة و بني أمية من بعدهم لاجتماع عصبية العرب . ثم ظهر من بعد ذلك أمر الشيعة ، و هم الدعاة لأهل البيت ، فغلب دعاة بني العباس على الأمر و استقلوا بخلافة الملك ، و لحق الفل من بني أمية بالأندلس ، فقام بأمرهم فيها من كان هنالك من مواليهم ، و من هرب ، فلم يدخلوا في دعوة بني العباس ، و انقسمت لذلك دولة الإسلام بدولتين لافتراق عصبية العرب . ثم ظهر دعاة أهل البيت بالمغرب و العراق من العلوية و نازعوا خلفاء بني العباس و استولوا على القاصبة من النواحي كالأدارسة بالمغرب الأقصى ، و العبيديين بالقيروان و مصر ، و القرامطة بالبحرين ، و الدواعي بطبرستان و الديلم و الأطروش فيها من بعده . و انقسمت دولة الإسلام بذلك دولاً متفرقة نذكرها واحدة بعد واحدة . و نبدأ منها أولاً بذكر الشيعة و مبادئ دولهم ، و كيف انساقت إلى العباسية و من بعدهم إلى آخر دولهم . ثم نرجع إلى دولة بني أمية بالأندلس . ثم نرجع إلى دولة الدعاة للدولة العباسية في النواحي من العرب و العجم كما ذكرناه في برنامج الكتاب ، و الله الموفق للصواب .

مبدأ دولة الشيعة
أعلم أن مبدأ هذه الدولة أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر و أن الخلافة لرجالهم دون من سواهم من قريش . و في الصحيح أن العباس قال لعلي في وجع رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه : إذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر ، إن كان فينا علمنا ذلك ، و إن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا . فقال له علي :إن منعناها لايعطيناها الناس بعده . و في الصحيح أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه الذي توفي فيه : " هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فاختلفوا عنده في ذلك ، و تنازعوا و لم يتم الكتاب " . و كان ابن عباس يقول : إن الرزية كل ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين ذلك الكتاب لاختلافهم و لغطهم ، حتى لقد ذهب كثير من الشيعة إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى في مرضه ذلك لعلي ، و لم يصح ذلك من وجه يعول عليه . و قد أنكرت هذه الوصية عائشة و كفى بإنكارها . و بقي ذلك معروفاً من أهل البيت و أشياعهم . و فيما نقله أهل الآثار أن عمر قال يوماً لابن العباس : إن قومكم يعني قريشاً ما أرادوا أن يجمعوا لكم ، يعني يني هاشم بين النبوة و الخلافة فتحموا عليهم ، و أن ابن عباس نكر ذلك ، و طلب من عمر إذنه في الكلام فتكلم بما عصب له . و ظهر من محاورتهما أنهم كانوا يعلمون أن في نفوس أهل البيت شيئاً من أمر الخلافة و العدول عنهم بها . و في قصة الشورى : أن جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعلي و يرون استحقاقه على غيره ، و لما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك و أسفوا له مثل الزبير و معه عمار بن ياسر و المقداد بن الأسود و غيرهم . إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين و حرصهم على الإلفة ، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف و الأسف : ثم لما فشا التكبر على عثمان و الطعن في الآفاق كان عبد الله ابن سبأ و يعرف بابن السوداء ، من أشد الناس خوضاً في التشنيع لعلي بما لا يرضاه من الطعن على عثمان و على الجماعة في العدول إليه عن علي ، و أنه ولي بغير حق ، فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة و لحق بمصر فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحو إلى الغلو في ذلك و انتحال المذاهب الفاسدة فيه ، مثل خالد بن ملجم و سوذان بن حمدان و كنانة بن بشر و غيرهم . ثم كانت بيعة علي و فتنة الجمل و صفين ، و انحراف الخوارج عنه بما أنكروا عليه من التحكم في الدين .و تمحضت شيعته للاستماته معه في حرب معاوية مع علي ، و بويع ابنه الحسن و خرج عن الأمر لمعاوية ، فسخط ذلك شيعة علي منه و أقاموا يتناجون في السر باستحقاق أهل البيت و الميل إليهم ، و سخطو من الحسن ما كان منه ، و كتبوا إلى الحسين بالدعاء له فامتنع ، و أوعدهم إلى هلاك معاوية . فساروا إلى محمد بن الحنفية و بايعوه في السر على طلب الخلافة متى أمكنه ، و ولى على كل بلد رجلاً ، و أقاموا على ذلك و معاوية يكف بسياسة من غربهم ، و يقتلع الداء إذا تعين له منهم ، كما فعل بحجر بن عدي و أصحابه ، و يروض من شماس أهل البيت و يسامحهم في دعوى تقدمهم و استحقاقهم .و لا يهيج أحداً منهم بالتثريب عليه في ذلك ، إلى أن مات و ولي يزيد ، و كان من خروج الحسين و قتله ما هو معروف ، فكانت من أشنع الوقائع في الإسلام . عظمت بها الشحناء ، و توغل الشيعة في شأنهم ، و عظم النكير و الطعن على من تولى ذلك أو قعد عنه ثم تلاوموا على ما أضاعوه من أمر الحسين و أنهم دعوه ثم لم ينصروه فندموا و رأوا أن لا كفارة في ذلك إلا الإستماتة دون ثأره ، و سموا أنفسهم التوابين . و خرجوا لذلك يقدمهم سليمان بن صرد الخزاعي ، و معه جماعة من خيار أصحاب علي . و كان ابن زياد قد انتقض عليه العراق و لحق بالشام و جمع و زرينج قاصداً العراق فزحفوا إليه و قاتلوه حتى قتل سليمان و كثير من أصحابه كما ذكرنا في خبره و ذلك سنة خمس و ستين . ثم خرج المختار بن أبي عبيد و دعا لمحمد بن الحنفية كما قدمناه في خبره ، و فشا التعصب لأهل البيت في الخاصة و العامة بما خرج عن حدود الحق ، و اختلف مذاهب الشيعة فيمن هو أحق بالأمر من أهل البيت ، و بايعت كل طائفة لصاحبها سرا و رسخ الملك لبني أمية و طوى هؤلاء الشيعة قلوبهم على عقائدهم فيها ، و تستروا بها مع تعدد فرقهم و كثرة اختلافهم كما ذكرناه عند نقل مذاهبهم في فصل الإمامة من الكتاب الأول . و نشأ زيد بن علي بن الحسين و قرأ على واصل بن عطاء إمام المعتزلة في وقته ، و كان واصل متردداً في إصابه علي في حرب صفين و الجمل ، فنقل ذلك عنه و كان أخوه محمد الباقر يعذله في الأخذ عمن يرى سخطية جده ، و كان زيد أيضاً مع قوله بأفضلية علي على أصحابه ، يرى أن البيعة الشيخين صحيحة و أن إقامة المفضول جائزة ما عليه الشيعة . و يرى أنهما لم يظلما علياً . ثم دعته الحال إلى الخروج بالكوفة سنة إحدى و عشرين و مائة ، و اجتمع له عامة الشيعة و رجع عنه بعضهم لما سمعوه يثني على الشيخين و أنهما لم يظلما علياً . و قالوا : لم يظلمك هؤلاء و رفضوا دعوته فسموا الرافضة من أجل ذلك . ثم قاتل يوسف بن عمر فقتله يوسف بعث برأسه إلى هشام و صلب شلوه بالكناسة و لحق ابنه يحيى بخراسان فأقام بها ، ثم دعته شيعة إلى الخروج فخرج هنالك سنة خمس و عشرين ، و سرح إليه نصر بن سيار العساكر مع سالم بن أحور المازني فقتلوه و بعث برأسه إلى الوليد و صلب شلوه بالجوزجان و انقرض شأنه الزيدية . و أقام الشيعة على شأنهم و انتظار أمرهم ، و الدعاء لهم في النواحي يدعون على الأحجال للرضا من آل محمد ، و لا يصرحون بمن يدعون له حذراً عليه من أهل الدولة . و كان شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت ، و كانوا يرون أن الأمر بعد محمد بن الحنفية لابنه أبي هشام عبد الله . و كان كثيراً ما يغدو على سليمان بن عبد الملك فمر في بعض أسفاره محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بمنزلة بالحميمة من أعمال البلقاء فنزل عليه و أدركه المرض عنده فمات ، و أوصى له بالأمر . و قد كان أعلم شيعته بالعراق و خراسان أن الأمر صائر إلى ولد محمد بن علي هذا ، فلما مات قصدت الشيعة محمد بن علي و بايعوه سراً . و بعث الدعاة منهم إلى الآفاق على رأس مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز ، و أجابه عامة أهل خراسان و بعث عليهم النقباء و تداول أمرهم هنالك . و توفي محمد سنة أربع و عشرين و عهد لابنه إبراهيم و أوصى الدعاة بذلك و كانوا يسمونه الإمام . ثم بعث أبو مسلم إلى أهل دعوته بخراسان فهلك ، و كتب إليهم بولايته ثم قبض مروان بن محمد على إبراهيم الإمام وحبسه بخراسان فهلك هنالك لسنة . و ملك أبو مسلم خراسان و زحف إلى العراق فملكها كما ذكرنا ذلك كله من قبل و غلبوا بني أمية على أمرهم و انقرضت دولتهم .


الخبر عن بني العباس من دول الإسلام في هذه الطبقة الثالثة للعرب و أولية ـ أمرهم و إنشاء دولتهم و الالمام بنكت أخبارهم و عيون أحاديثهم
هذه الدولة من دولة الشيعة كما ذكرناه و فرقها منهم يعرفون بالكيسانية ، و هم القائلون بإمامة محمد بن علي بن الحنفية بعد علي ، ثم بعده إلى ابنه أبي هشام عبد الله . ثم بعده إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بوصيته كما ذكرنا . ثم بعده إلى ابنه إبراهيم الإمام ابن محمد ، ثم بعده إلى أخيه أبي العباس السفاح و هو عبد الله بن الحارثية ، و هكذا مساقها عند هؤلاء الكيسانية و يسمون أيضاً الحرماقية نسبة إلى أبي مسلم لأنه كان يلقب بحرماق . و لبني العباس أيضاً شيعة يسمون الراوندية من أهل خراسان يزعمون أن أحق الناس بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه و سلم هو العباس ، لأنه وارثة و عاصبه لقوله و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، و أن الناس منعوه من ذلك و ظلموه إلى أن رده الله إلى ولده ، و يذهبون إلى البراءة من الشيخين و عثمان و يجيزون بيعة علي لأن العباس قال له يا ابن أخي هلم أبايعك فلا يختلف عليك إثنان و لقول داود بن علي ( عم الخليفة العباسي ) على منبر الكوفة يوم بويع السفاح : يا أهل الكوفة إنه لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا علي بن أبي طالب و هذا القائم فيكم يعني السفاح .

دولة السفاح
قد تقدم لنا كيف كان أصل هذه الدعوة و ظهورها بخراسان على يد أبي مسلم ، ثم استيلاء شيعتهم على خراسان و العراق ، ثم بيعة السفاح بالكوفة سنة ثلاث و ثلاثين و مائة ، ثم قتل مروان بن محمد و انقراض الدولة الأموية . ثم خرج بعض أشياعهم و قوادهم و انتقضوا على أبي العباس السفاح ، و كان أول من انتقض حبيب بن مرة المري من قواد مروان ، و كان بخولان و البلقاء خاف على نفسه و قومه ، فخلع و بيض و معناه لبس البياض و نصب الرايات البيض مخالفة لشعار العباسية في ذلك . و تابعته قيس و من يليهم و السفاح يومئذ بالحيرة بلغه أن أبا الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحرث الكلابي انتقض بقنسرين ، و كان من قواد مروان ، و لما انهزم مروان و قدم عليه عبد الله بن علي بايعه و دخل في دعوة العباسية و كان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس و الناعورة ، فبعث بهم و بنسائهم القائد الذي جاءهم من قبل عبد الله بن علي . و شكوا ذلك إلى أبي فقتل القائد ، و خلع معه أهل قنسرين ، و كاتبوا اهل حمص في الخلاف و قدموا عليهم أبا محمد عبد الله بن يزيد بن معاوية ، و قالوا هو السفياني الذي يذكر . و لما بلغ ذلك عبد الله بن علي وادع حبيب ابن مرة و سار إلى أبي الورد بقنسرين و مر بدمشق ، فخلع بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف فارس مع حرمه و أثقاله ، و سار إلى حمص فبلغه أن أهل دمشق خلعوا و بيضوا و قام فيهم بذلك عثمان بن عبد الأعلى ابن سراقة الأزدي . و أنهم هزموا أبا غانم و عسكره و قتلوا منهم مقتلة عظيمة و انتهبوا ما خلف عندهم فأعرض عن ذلك و سار للقاء السفياني و أبي الورد ، و قدم أخاه عبد الصمد في عشرة آلاف فكشف و رجع إلى أخيه عبد الله منهزماً ، فزحف عبد الله في جماعة القواد و لقيهم بمرج الأحزم و هم في أربعين ألفاً فانهزموا ، و ثبت أبو الورد في خمسمائة من قومه فقتلوا جميعاً . و هرب أبو محمد إلى ترمذ و راجع أهل قنسرين طاعة العباسية و رجع عبد الله بن علي إلى قتال أهل دمشق و من معهم . فهرب عثمان بن سراقة و دخل أهل دمشق في الدعوة و بايعوا لعبد الله بن علي ، و لم يزل أبو محمد السفياني بأرض الحجاز متغيباً إلى أيام المنصور فقتله زياد بن عبد الله الحارثي عامل الحجاز يومئذ ، و بعث برأسه إلى المنصور مع ابنين له أسيرين فأطلقهما المنصور . ثم خلع أهل الجزيرة و بيضوا و كان السفاح قد بعث إليهما ثلاثة آلاف من جنده مع موسى بن كعب من قواده و أنزلهم بحران . و كان إسحق بن مسلم العقيلي عامل مروان على أرمينية ، فلما بلغته هزيمة مروان سار عنها و اجتمع إليه أهل الجزيرة ، و حاصروا موسى بن كعب بحران شهرين فبعث السفاح أخاه أبا جعفر إليهم و كان محاصراً لابن هبيرة بواسط ، فسار لقتال إسحق بن مسلم ، و مر بقرقيسيا و الرقة و أهلهما قد خلعوا و بيضوا . و سار نحو حران فأجفل إسحق بن مسلم عنها ، و دخل الرها و بعث أخاه بكار بن مسلم إلى قبائل ربيعة بنواحي ماردين ، و رئيسهم يومئذ برمكة من الحرورية ، فصمد إليهم أبو جعفر فهزمهم و قتل برمكة في المعركة و انصرف بكار إلى أخيه إسحق ، فخلعه بالرها و سار إلى شمشاط بمعظم عسكره . و جاء عبد الله بن علي فحاصره ، ثم جاء أبو جعفر فحاصروه سبعة أشهر و هو يقول : لا أخلع البيعة من عنقي حتى أتيقن موت صاحبها . ثم تيقن موت مروان فطلب الأمان و استأذنوا السفاح ، فأمرهم بتأمينه و خرج إسحق إلى أبي جعفر فكان من آثر أصحابه .و استقام أهل الجزيرة و الشام و ولى السفاح أخاه أبا جعفر على الجزيرة و أرمينية و أذربيجان فلم يزل عليها حتى استخلف .

حصار ابن هبيرة بواسط و مقتله
ثم تقدم لنا هزيمة يزيد بن هبيرة أمام الحسن بن قحطبة و تحصنه بواسط و كان جويرة و بعض أصحابه أشاروا عليه بعد الهزيمة باللحاق بالكوفة فأبى . و أشار عليه يحيى بن حصين باللحاق بمروان و خوفه عاقبة الحصار فأبى على نفسه من مروان و اعتصم بواسط . و بعث أبو مسلمة الحسن بن قحطبة في العسكر لحصاره و على ميمنته ابنه داود فانهزم أهل الشام و اضطروا إلى دجلة و غرق منهم كثير . ثم تحاجزوا محمد و دخل ابن هبيرة المدينة و خرج لقتالهم ثانية بعد سبعة أيام فانهزم كذلك ، و مكثوا أياماً لا يقتتلون إلا رمياً . و بلغ ابن هبيرة أن أبا أمية الثعلبي قد سود فحبسه فغضبت لذلك ربيعة و معن بن زائدة و حبسوا ثلاثة نفر من فزارة رهناً في أبي أمية ، و اعتزل معن و عبد الله بن عبد الرحمن بن بشير العجلي فيمن معهما فخلى ابن هبيرة سبيل أبي أمية و صالحهم و عادوا إلى اتفاقهم . ثم قدم على الحسن بن قحطبة من ناحية سجستان أبو نصر مالك بن الهيثم فأوقد غيلان بن عبد الله الخزاعي على السفاح يخبره بقدوم أبي نصر ، و كان غيلان واجداً على الحسن ، فرغب من السفاح أن يبعث عليهم رجلاً من أهل بيته ، فبعث أخاه أبا جعفر ، و كتب إلى الحسن العسكر لك و القواد قوادك و لكن أحببت أن يكون أخي حاضراً فأحسن طاعته و مؤازرته . و قدم أبو جعفر فأنزله الحسن في خيمته و جعل على حرسه عثمان بن نهيك . ثم تقدم مالك بن الهيثم لقتال أهل الشام و ابن هبيرة فخرجوا لقتال و أكمنوا معن بن زائدة و أبا يحيى الجرافي ثم استطردوا لابن الهيثم و انهزموا للخنادق فخرج عليهم معن و أبو يحيى فقاتلهم إلى الليل و تحاجزوا و أقاموا بعد ذلك أياماً . ثم خرج أهل واسط مع معن و محمد بن نباتة ، فهزمهم أصحاب الحسن إلى دجلة فتساقطوا فيها و جاء مالك بن الهيثم فوجد ابنه قتيلاً في المعركة ، فحمل على أهل واسط حتى أدخلهم المدينة . و كان مالك يملأ السفن حطباً و يضرمها ناراً فتحرق ما تمر به فيأمر ابن هبيرة بأن تجر بالكلاليب ، و مكثوا كذلك أحد عشر شهراً . و جاء إسمعيل بن عبد الله القسري إلى ابن هبيرة بقتل مروان و فشلت اليمانية عن القتال معهم ، و تبعهم الفزارية فلم يقاتل معه إلا الصعاليك . و بعث ابن هبيرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بأن يبايع له فأبطأ عنه جوابه ، و كاتب السفاح اليمانية من أصحاب ابن هبيرة و أطمعهم ، فخرج إليه زياد بن صالح و زياد بن عبيد الله الحرثيان ، و وعدا ابن هبيرة أن يصلحا له جهة السفاح و لم يفعلا و تردد الشعراء بين أبي جعفر و ابن هبيرة في الصلح ، و أن يكتب له كتاب أمان على ما اختاره ابن هبيرة و شاور فيه العلماء أربعين يوماً حتى رضيه و أنفذه إلى أبي جعفر فانفذه إلى السفاح و أمر بإمضائه ، و كان لا يقطع أمراً دون أبي مسلم ، فكتب إليه يحي بن هبيرة قد خرج بعد الأمان إلى أبي جعفر في ألف و ثلثمائة فلقيه الحاجب سلام بن سليم فأنزله و أجلسه على وسادة و أطاف بحجرة أبي جعفر عشرة آلاف من أهل
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:05 pm

خراسان ، ثم أذن لابن هبيرة فدخل على المنصور و حادثه و خرج عنه و مكث يأتيه يوماً و يغبه يوماً . ثم أغرى أبا جعفر أصحابه بأنه يأتي في خمسمائة فارس و ثلثمائة راجل فيهتز له العسكر فأمر أبو جعفر أن يأتي في حاشيته فقط . فكان يأتي في ثلاثين ثم آخرا في ثلاثة ثم ألح على أبي جعفر في قتله ، و هو يراجعه للأمان الذي كتب له حتى كتب إليه السفاح و الله لتقتلنه أو لأبعثن من يخرجه من حجرتك فيقتله . فبعث أبو جعفر إلى وجوه القيسية و المضرية و قد أعد لهم ابن نهيك في مائة من الخراسانية في بعض حجره . و جاء القوم في اثنين و عشرين رجلاً يقدمهم محمد بن نباتة و جويرة بن سهيل فدعاهم سلام الحاجب رجلين رجلين و عثمان بن نهيك يقيدهما إلى أن استكملهم و بعث أبو جعفر لحازم بن خزيمة و الهيثم بن شعبة في مائة إلى ابن هبيرة فقالوا : نريد حمل المال فدلهم حاجبه على الخزائن فأقاموا عندها الرجال و أقبلوا نحوه فقام حاجبه في وجوههم ، فضربه الهيثم فصرعه ، و قاتل ابنه فقتل في جماعة من مواليه ثم قتل ابن هبيرة آخراً و حملت رؤسهم إلى أبي جعفر . و نادى بالأمان للناس إلا الحكم بن عبد الملك أبي بشر و خالد بن مسلمة المخزومي و عمر بن در فهرب الحكم و أمن أبو جعفر خالداً فلم يجز السفاح أمانه و قتل و استأمن زياد بن عبيد الله لابن در فأمنه .

مقتل أبي مسلمة بن الخلال و سليمان بن كثير
قد تقدم لنا ما كان من أبي مسلمة الخلال في أمر أبي العباس السفاح و اتهام الشيعة في أمر و تغير السفاح عليه و هو بعكوة أعين ظاهر الكوفة . ثم تحول إلى مدينة الهاشمية و نزل قصرها و هو يتنكر لأبي مسلمة ، و كتب إلى أبي مسلم ببغيته و برأيه فيه ، فكتب إليه أبو مسلم بقتله . و قال له داود بن علي لا تفعل فيحتج بها أبو مسلم عليك و الذين معك أصحابه و هم له أطوع ، و لكن أكتب إليه يبعث من يقتله ففعل .و بعث أبو مسلم مرار بن أنس الضبي فقتله . فلما قدم نادى السفاح بالرضا عن أبي مسلمة و دعا بهس و خلع عليه ثم دخل عنده ليلة أخرى فسهر عامة ليلة ، ثم انصرف إلى منزله فاعترضه مرار بن أنس و أصحابه فقتلوه و قالوا قتله الخوارج . و صلى عليه من الغد يحيى أخو السفاح و كان يسمى وزير آل محمد و أبو مسلم أمير آل محمد . و بلغ الخبر إلى أبي مسلم ، و سرح سليمان بن كثير بالنكير لذلك فقتله أبو مسلم ، و بعث على فارس محمد بن الأشعث و أمره أن يقتل ابن أبي مسلمة ففعل .

عمال السفاح
و لما استقام الأمر للسفاح ولى على الكوفة و السواد عمه داود بن علي ثم عزله و ولاه على الحجاز و اليمن و اليمامة و ولى على الكوفة عيسى ابن أخيه موسى بن محمد . ثم توفي داود سنة ثلاث و ثلاثين فولى مكانه على الحجاز و اليمامة خالد بن زياد بن عبيد الله بن عبيد و على اليمن محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد و ولى السفاح على البصرة سفيان بن معاوية المهلبي ، ثم عزله و ولى مكانه عمه سليمان بن علي و أضاف إليه كور دجلة و البحرين و عمان . و ولى عمه إسمعيل بن علي الأهواز و عمه عبد الله بن علي على الشام ، و أبا عون عبد الملك ابن يزيد على مصر ، و أبا مسلم على خراسان ، و برمك على ديوان الخراج . و ولى عمه عيسى بن علي على فارس ، فسبقه إليها محمد بن الأشعث من قبل أبي مسلم . فلما قدم عليه عيسى هم محمد بقتله ، و قال أمرني أبو مسلم أن أقتل من جاءني بولاية من غيره . ثم أقصر عن قتله و استحلفه بأيمان لا مخارج لها أن لا يعلو منبراً ما عاش و لا يتقلد سيفاً إلا في جهاد فوفى عيسى بذلك بقية عمره . و استعمل بعده على فارس عمه إسمعيل بن علي و استعمل على الموصل محمد بن صول فطرده أهلها و قالوا : بل علينا تولى خثعم ، و كانوا منحرفين عن بني العباس ، فاستعمل السفاح عليهم أخاه يحيى و بعثه في اثنتي عشر ألفاً ، فنزل قصر الإمارة و قتل منهم اثنتي عشر رجلاً ، فثاروا به و حمل السلاح فنودي فيهم بالأمان لمن دخل المسجد فتسايل الناس إليه ، و قد أقام الرجال على أبوابه فقتلوا كل من دخل . يقال : قتل أحد عشر ألفاً ممن لبس و ما لا يحصى من غيرهم . و سمع صياح النساء بالليل فأمر من الغد بقتل النساء و الصبيان ، و استباحهم ثلاثة أيام . و كان في عسكره أربعة آلاف من الزنوج فعانوا في النساء .و ركب في اليوم الرابع و بين يديه الحراب و السيوف فاعترضته إمرأة و أخذت بعنان دابته و قالت له : ألست من بني هاشم ؟ ألست ابن عم الرسول ؟ أما تعلم أن المؤمنات المسلمات ينكحهن الزنوج ؟ فأمسك عنها و جمع الزنج من الغد للعطاء ، و أمر بهم فقتلوا عن آخرهم . و بلغ السفاح سوء أمره في أهل الموصل فعزله ، و ولى مكانه إسمعيل بن علي ، و ولى يحيى مكان إسمعيل بالأهواز و فارس . و ملك الروم ملطية و قاليقلا . و في سنة ثلاث و ثلاثين أقبل قسطنطين ملك الروم فحصر ملطية و الفتن يومئذ بالجزيرة ، و عاملها يومئذ موسى بن كعب بن أسان . فلم يزل حاصرهم حتى نزلوا على الأمان و انتقلوا إلى بلاد الجزيرة ، و حملوا ما قدروا عليه . و خرب الروم ملطية و سار عنها إلى مرج الحصى ، و أرسل قسطنطين العساكر إلى قالقيلا من نواحي ماردين مع قائده كوشان الأرمني فحصرها و داخل بعض الأرمن من أهل المدينة فنقبوا له السور فاقتحم البلد من ذلك النقب و استباحها.

الثوار بالنواحى
كان المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة قد ولاه أبو علي اليمامة ، فلما قتل يزيد أبوه امتنع هو باليمامة فبعث إليه زياد بن عبيد المدن بالعساكر من المدينة مع إبراهيم بن حبان السلمي فقتله و قتل أصحابه و ذلك سنة ثلاث و ثلاثين و فيها خرج شريك بن شيخ أسحاراً على أبي مسلم و نقض أفعاله و اجتمع إليه أكثر من ثلاثين ألفاً فبعث إليه مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله و قتله .و فيها توجه أبو داود و خالد بن إبراهيم إلى الختل فتحصن ملكهم ابن السبيل منهما و منعه الدهاقبن فحاصره أبو داود حتى جهد الحصار فخرج من حصنه مع الدهاقين و لحق بفرغانة ثم سار منها إلى بلد الصين و أخذ أبو داود من ظفر به في الحصن فبعث بهم إلى أبي مسلم و فيها الفتنة بين إخشيد فرغانة و ملك الشاش ، و استمد الإحشيد ملك الصين فأمده بمائة ألف مقاتل و حصروا ملك الشاش حتى نزلوا حكم ملك الصين ، فلم يعرض له و لا لقومه بسوء .و بعث أبو مسلم زياد بن صالح لاعتراضهم فلقيهم على نهر الطراز فظفر بهم و قتل منهم نحواً من خمسين ألفاً و أسر نحواً من عشرين ألفاً و لحق بهم بالصين ، و ذلك في ذي الحجة سنة ثلاث و ثلاثين . ثم انتقض بسام بن إبراهيم ابن بسام من فرسان أهل خراسان و سار من عسكر السفاح و جماعة على رأيه سراً إلى المدائن ، فبعث السفاح في أثرهم خازم بن خزيمة فقاتلهم و قتل أكثرهم و استباحهم ، و بلغ ماه . و انصرف ، فمر بذات المطامير ، و بها أخوال السفاح من بني عبد المدان في نحو سبعين من قرابتهم و مواليهم . و قيل له إن المغيرة من أصحاب بسام عندهم فسألهم عنه فقالوا مر بنا مجتازاً فهددهم إن يأخذه فأغلظوا له في القول فقتلهم أجمعين ، و نهب أموالهم و هدم دورهم ، و غضب اليمانية لذلك و دخل بهم زياد بن عبيد الله الحرثي على السفاح و شكوا إليه ما فعل بهم فهم بقتله و بلغ ذلك موسى بن كعب و أبا الجهم بن عطية فدخلا على السفاح و ذكراه سابقة الشيعة و طاعتهم و أنهم آثروكم على الأقارب و الأولاد و قتلوا من خالفكم ، فإن كان لا بد من قتله فابعثه لوجه الوجوه ، فإن قتل فهو الذي تريد و إن ظفر فلك ، بعثه إلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان من عمان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري ، فبعث معه سبعمائة رجل فحملهم سليمان بن علي من البصرة في السفن و قد انضم إليه من أهله و عشيرته و مواليه و عدة من بني تميم من البصرة ، فلما أرسوا بجزيرة ابن كاوان قدم خازم فضلة بن نعيم المنشلي في خمسمائة إلى شيبان فانهزم هو و أصحابه و كانوا صفرية ، و ركبوا إلى عمان فقاتلهم الجلندي في الإباضية ، فقتل شيبان و من معه كما مر ، و شيبان هذا غير شيبان بن سلمة الذي قتل بخراسان فربما يشتبهان . ثم ركب خازم البحر إلى ساحل عمان فنزل و قاتل الجلندي أياماً أمر خازم أصحابه في آخرها أن يجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة و يدوروها بالنفط و يشعلوها بالنيران و يرموها في بيوت القوم ، و كانت من خشب فلما اضطرمت فيها النار شغلوا بأهليهم و أولادهم عن القتل ، فحمل عليهم خازم و أصحابه فاستلحموهم و قتل الجلندي و عشرة آلاف ، فبعث خازم برؤسهم إلى البصرة فبعثها سليمان إلى السفاح فندم ، ثم غزا خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل الأخريد ملكها و هو مطيع و استباحهم و أخذ من الأواني الصينية المنقوشة المذهبة ، و من الديباج و السروج و متاع الصين و ظرفه ما لم ير مثله ، و حمله إلى أبي مسلم بسمرقند . و قتل عدة من دهاقين كش و ملك طازان أخا الأخريد على كش ، و رجع أبو مسلم إلى مرو بعد أن فتك في الصغد و بخارى و أمر ببناء سور سمرقند .و استخلف زياد بن صالح على بخارى و سمرقند و رجع أبو داود إلى بلخ . ثم بلغ السفاح انتقاض منصور ابن جمهور بالسند فبعث صاحب شرطته موسى بن كعب و استخلف مكانه على الشرطة المسيب بن زهير . و سار موسى لقتال ابن جمهور فلقيه بتخوم الهند و هو في نحو اثني عشر ألفاً فانهزم و مات عطشاً في الرمال و رحل عامله على السند بعياله و ثقلته فدخل بهم بلاد الخزر . ثم انتقض سنة خمس و ثلاثين زياد بن صالح وراء النهر . فسار أبو مسلم إليه من مرو و بعث أبو داود خالد بن إبراهيم نصر بن راشد إلى ترمذ ليمنعها من زياد فلما وصل إليها خرج عليه ناس من الطالقان فقتلوه فبعث مكانه عيسى محمد ماهان فسمع قتله نصر فقتلهم . و سار أبو مسلم فانتهى إلى آمد و معه سباع ابن النعمان الأزدي و كان السفاح قد دس معه إلى زياد بن صالح الأزدي أن ينتهز فرصة في أبي مسلم فيقتله . و نمي الخبر إلى أبي مسلم فحبس سباعاً بآمد ، و سار عنها و أمر عامله بقتله . و لقيه قواد زياد في طريقه و قد خلعوا زياداً فدخل أبو مسلم بخارى و نجا زياد إلى هقان هناك فقتله و حمل رأسه إلى أبي مسلم . و كتب أبو مسلم إلى أبي داود فقتله ، و كان قد شغل بأهل الطالقان فرجع إلى كش و بعث عيسى بن ماهان إلى بسام فلم يظفر منها بشيء ، و بعث إلى بعض أصحاب أبي مسلم يعيب أبا داود عيسى ، فضربه و حبسه ، ثم أخرجه فوثب عليه الجند فقتلوه و رجع أبو مسلم إلى مرو .

حج أبي جعفر و أبي مسلم
و في سنة ست و ثلاثين إستأذن أبو مسلم السفاح في القدوم عليه للحج ، و كان منذ ولي خراسان لم يفارقها فأذن له في القدوم مع خمسمائة من الجند ، فكتب إليه أبو مسلم إني قد عاديت الناس و لست أمن على نفسي فأذن له في ألف ، و قال : إن طريق مكة لا تحتمل العسكر فسار في ثمانية آلاف فرقهم ما بين نيسابور و الري ، و خلف أمواله و خزائنه بالري و قدم في ألف و خرج القواد بأمر السفاح لتلقيه ، فدخل على السفاح و أكرمه و أعظمه و استأذن في الحج فأذن له ، قال : لولا أن أبا جعفر يريد الحج لاستعملتك على الموسم ، فأنزله بقرية و كان قد كتب إلى أبي جعفر أن أبا مسلم استأذنني في الحج و أذنت له و هو يريد ولاية الموسم ، فاسألني أنت في الحج ، فلا تطمع أن يتقدمك ، و أذن له فقدم الأنبار و كان ما بين أبي جعفر و أبي مسلم متباعداً من حيث بعث السفاح أبا جعفر إلى خراسان ليأخذ البيعة له و لأبي جعفر من بعده ويولي أبا مسلم على خراسان فاستخلى أبو مسلم بأبي جعفر . فلما قدم ألان أبو جعفر السفاح بقتله و أذن له فيه ندم و كفه عن ذلك ، و سار أبو جعفر إلى الحج و معه أبو مسلم و استعمل على حران مقاتل بن حكيم العكي .

موت السفاح و بيعة المنصور
كان أبو العباس السفاح قد تحول من الحيرة إلى الأنبار في ذي الحجة سنة أربع و ثلاثين فأقام بها سنتين ثم توفي في ذي الحجة سنة ست و ثلاثين لثلاث عشرة ليلة خلت منه و لأربع سنين و ثمانين أشهر من لدن بويع و صلى عليه عمه و دفن بالأنبار . و كان وزيره أبو الجهم بن عطية و كان قبل موته قد عهد بالخلافة لأخيه أبي جعفر و من بعده لعيسى ابن أخيهما موسى ، و جعل العهد في ثوب و ختمه بخواتيمه و خواتيم أهل بيته و دفعه إلى عيسى ، و لما توفي السفاح و كان أبو جعفر بمكة فأخذ البيعة على الناس عيسى بن موسى ، و كتب إليه بالخبر فجزع و استدعى أبا مسلم و كان متأخراً عنه فاقرأه الكتاب فبكى و استرجع ، و سكن أبا جعفر عن الجزع فقال : أخاف شر عبد الله بن علي . فقال أنا أكفيكه و عامة جنده أهل خراسان و هم أطوع لي منه فسري عنه .و بايع له أبو مسلم و الناس و أقبلا حتى قدما الكوفة . و يقال إن أبا مسلم كان متقدماً على أبي جعفر ، فإن الخبر قد أتاه قبله فكتب أبو مسلم إليه يعزيه و يهنيه بالخلافة و بعد يومين كتب له ببيعته و قدم أبو جعفر الكوفة سنة سبع و ثلاثين و سار منها إلى الأنبار فلم إليه عيسى بيوت الأموال و الدواوين و استقام أمر أبي جعفر .

انتقاض عبد الله بن علي و هزيمته
كان عبد الله بن علي قدم على السفاح قبل موته فبعثه إلى الصائفة في جنود أهل الشام و خراسان فإنتهى إلى دلوك و لم يدر حتى جاءه كتاب عيسى بن موسى بوفاة السفاح و أخذ البيعه لأبي جعفر و له من بعده كما عهد به السفاح ، فجمع عبد الله الناس و قرأ عليهم الكتاب و أعلمهم أن السفاح حين أراد أن يبعث الجنود إلى حران تكاسل بنو أبيه عنها فقال لهم : من أنتدب منكم فهو ولي عهدي فلم يندب غيري ! و شهد له أبو غانم الطائي و خفاف المروزي و غيرهما من القواد و بايعوه ، و فيهم حميد بن حكيم بن قحطبة و غيره من خراسان و الشام و الجزيرة . ثم سار عبد الله حتى نزل حران و حاصر مقاتل بن حكيم العكي أربعين يوماً و خشي من أهل خراسان فقتل منهم جماعة ، و ولى حميد بن قحطبة على حلب و كتب معه إلى عاملها زفر بن عاصم بقتله فقرأ الكتاب في طريقه و سار إلى العراق و جاء أبو جعفر من الحج فبعث أبا مسلم لقتال عبد الله و لحقه حميد بن قحطبة نازعاً عن عبد الله فسار معه و جعل على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعي . و لما بلغ عبد الله خبر إقباله و هو على حران بذل الأمان لمقاتل بن حكيم و من معه و ملك حران . ثم بعث مقاتلاً بكتابه إلى عثمان بن عبد الأعلى ، فلما قرأ الكتاب قتله و حبس ابنيه حتى إذا هزم عبد الله قتلهما . و أمر المنصور محمد بن صول و هو على أذربيجان أن يأتي عبد الله بن علي ليمكر به ، فجاء و قال : إني سمعت السفاح يقول الخليفة بعدي عمي عبد الله فشعر بمكيدته و قتله . و هو جد إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب . ثم أقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين و خندق عليه و قدم أبو مسلم فيمن معه . و كان المنصور قد كتب إلى الحسن بن قحطبة عامله على أرمينية بأن يوافي أبا مسلم ، فقدم عليه بالموصل ، و سار معه و نزل ناحية نصيبين و كتب إلى عبد الله : إني قد وليت الشام و لم أومر بقتالك فقال أهل الشام لعبد الله : سر بنا إلى الشام لنمنع نساءنا و أبناءنا . فقال لهم عبد الله ما يريد إلا قتالنا و إنما قصد المكر بنا ، فأبوا إلا الشام . فارتحل بهم إلى الشام و نزل أبو مسلم في موضع معسكره و غور ما حوله من المياه فوقف أصحاب عبد الله بكار بن مسلم العقيلي و على ميسرته حبيب بن سويد الأسدي و على الخيل عبد الصمد بن علي أخو عبد الله و على ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة و على ميسرته خازم بن خزيمة ، فاقتتلوا شهراً . ثم حمل أصحاب عبد الله على عسكر أبي مسلم فأزالوهم عن مواضعهم و حمل عبد الصمد فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً . ثم حمل عليهم ثانية فأزالوا صفهم . ثم نادى منادي أبي مسلم في أهل خراسان فتراجعوا و كان يجلس إذا لقي الناس على عريش ينظر منه إلى الخومة فإن رأى خللاً أرسل بسده فلا تزال رسله تختلف بينه و بين الناس حتى ينصرفوا . فلما كان يوم الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة سبع و ثلاثين إقتتلوا و أمر أبو مسلم الحسن بن قحطبة أن يضم إلى الميسرة و ينزل في الميمنة حماة أصحابه ، فانضم أهل الشام من الميسرة إلى الميمنة كما أمرهم . و أمر أبو مسلم أهل القلب فحطموهم و ركبهم أصحاب أبي مسلم فانهزم أصحاب عبد الله فقال لابن سراقة ما ترى ؟ قال : الصبر إلى أن تموت فالغرار فيكم بمثلك قبيح . قال : بل آتي العراق فأنا معك فانهزموا و حوى أبو مسلم عسكرهم . و كتب بذلك إلى المنصور و مضى عبد الله و عبد الصمد . فقدم عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى ، و أمنه المنصور و قيل بل أقام بالرصافة حتى قدهما جمهور بن مروان العجلي في خيول أرسلها المنصور ، فبعث به موثقاً مع أبي الخطيب ، فأطلقه المنصور .و أما عبد الله فقدم البصرة و أقام عند أخيه سليمان متوارياً حتى طلبه و أشخص إليه . ثم إن أبا مسلم أمن الناس بعد الهزيمة و أمر بالكف عنهم .

ذكر قتل أبي مسلم الخراساني
كان أبو مسلم لما حج مع المنصور يؤيد نفسه عليه و يتقدم بالإحسان للوفود و إصلاح الطريق و المياه ، و كان الذكر له و كان الأعراب يقولون : هذا المكذوب عليه و لما صدروا عن الموسم تقدم أبو مسلم ولقيه الخبر بوفاة السفاح فبعث إلى أبي جعفر يعزيه و لم يهنئه بالخلافة و لا رجع إليه و لا أقام ينتظره فغضب أبو جعفر وكتب إليه و أغلظ في العتاب فكتب يهنئه بالخلافة و يقدم إلى فدعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فأبى و قدم أبو جعفر ، و قد خلع عبيد الله بن علي ، فسرح أبا مسلم لقتاله فهزمه كما مر ، و جمع الغنائم من عسكره . فبعث المنصور مولاه أبا الخصيب لجمعها ، فغضب أبو مسلم و قال : أنا أعين على الدعاء فكيف أخوان الأموال ؟ و هم بقتل الخصيب ثم خلى عنه .و خشى المنصور أن يمضي إلى خراسان فكتب إليه بولاية مصر و الشام فأزداد نفاراً ، و خرج من الجزيرة يريد خراسان و سار المنصور إلى المدائن ، و كتب إليه يستقدمه ، فأجابه بالإمتناع و المسك بالطاعة عن بعد ، و التهديد بالخلع إن طلب منه سوى ذلك . فكتب إليه المنصور ينكر عليه هذا الشرط و أنه لا يحسن طاعة .و بعث إليه عيسى بن موسى برسالة يؤنسه و يسليه .و قيل بل كتب إليه أبو مسلم يعرض له بالخلع و أنه قد تاب إلى الله مما جناه من القيام بدعوتهم ، و أخذ أبو مسلم طريق حلوان و أمر المنصور عمه عيسى و مشيخة بني هاشم بالكتاب على أبي مسلم يحرضونه على التمسك بالطاعة و يحذرونه عاقبة البغي و يأمرونه بالمراجعة . و بعث الكتب مع مولاه أبي حميد المرودوذي ، و أمره بملاينته و الخضوع له بالقول حتى ييأس منه ، فإذا يئس يخبره بقسم أمير المؤمنين لأوكلت أمرك إلى غيري و لو خضت البحر لخضته وراءك و لو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت .فأوصل أبو حميد الكتب و تلطف له في القول ما شاء و احتج عليه بما كان منه في التحريض على طاعتهم ، فاستشار أبو مسلم مالك بن الهيثم فأبى له من الإصغاء إلى هذا القول و قال و الله لئن أتيته ليقتلنك . ثم بعث إلى نيزك صاحب الري يستشيره فأبى له من ذلك ، و أشار عليه بنزول الري و خراسان من ورائه فيكون أمكن لسلطانه . فأجاب أبا حميد بالإمتناع فلما يئس منه أبلغه مقالة المنصور فوجم طويلاً و رعب من ذلك القول و أكبره .و كان المنصور قد كتب إلى عامل أبي مسلم بخراسان يرغبه في الإنحراف عنه بولاية خراسان فأجاب سراً و كتب إلى أبي مسلم يحذره الخلاف و المعصية فزاده ذلك رعباً و قال لأبي حميد قبل انصرافه : قد كنت عزمت على المضي إلى خراسان ثم رأيت أن أوجه أبا إسحق إلى أمير المؤمنين يأتيني برأيته فإني أثق به .و لما قدم أبو إسحق تلقاه بنو هاشم و أهل الدولة بكل ما يجب و داخله المنصور في صرف أبي مسلم عن وجهه خراسان و وعده بولايتها ، فرجع إليه و أشار عليه بلقاء المنصور ، فاعتزم على ذلك و استخلف مالك بن الهيثم على عسكره بحلوان ، و سار فقدم المدائن في ثلاثة آلاف ، و خشي أبو أيوب وزير المنصور أن يحدث منه عند قدومه فتك فدعا بعض إخوانه و أشار عليه بأن يأتي أبا مسلم و يتوسل به إلى المنصور في ولاية كسكر ليعيب فيها مالاً عظيماً .و أن يشرك أخاه في ذلك ، فإن أمير المؤمنين عازم أن يوليه ما ورى به و يريح نفسه .و استأذن له المنصور في لقاء أبي مسلم فأذن له ، فلقي أبا مسلم و توسل إليه وأخبره الخبر فطابت نفسه و ذهب عنه الحزن . و لما قرب أمر الناس بتلقيه ثم دخل على المنصور فقبل يده و انصرف ليريح ليلته ، و دعا المنصور من الغد حاجبه عثمان بن نهيل و أربعة من الحرس منهم شبيب بن رواح و ابن حنيفة حرب بن قيس ، و أجلسهم خلف الرواق ، و أمرهم بقتل أبي مسلم إذا صفق بيديه .و استدعى أبا مسلم ، فلما دخل سأله عن سيفين أصابهما لعمه عبد الله بن علي و كان متقلداً بأحدهما فقال : هذا أحدهما ! فقال : أرني فانتضاه أبو مسلم و ناوله إياه فأخذ يقلبه بيده و يهزه . ثم وضعه تحت فراشه ، و أقبل يعاتبه فقال : كتبت إلى السفاح تنهاه عن الموت كأنك تعلمه : قال : ظننت أنه لا يحل ، ثم اقتديت بكتاب السفاح و علمت أنكم معدن العلم . قال فتوركك عني بطريق مكة ! قال كرهت مزاحمتك على الماء قال فامتناعك من الرجوع إلي حين بلغك موت السفاح أو الإقامة حتى ألحقك ! قال : طلبت الرفق بالناس و المبادرة إلى الكوفة ! قال : فجارية عبد الله بن علي أردت أن تتخذها لنفسك ! قال : لا إنما و كانت بها من يحفظها . قال : فمراغمتك و مسيرك إلى خراسان قال : خشيت منك فقلت آتي خراساني و أكتب بعذري فأذهب ما في نفسك مني ! قال فالمال الذي جمعته بحران ! قال أنفقته في الجند تقوية لكم . قال ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك و تخطب آسية بنت علي و تزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس ؟ لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً . ثم قال له : و ما الذي دعاك إلى قتل سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا ، و هو أحد نقبائنا من قبل أن ندخلك في هذا الأمر ؟ قال : أراد الخلافة فقتلته . ثم قال أبو مسلم : كيف يقال هذا بعد بلائي و ما كان مني ؟ قال : يا ابن الخبيثة لو كانت أمه مكانك لأغنت إنما ذلك بدولتنا و ربحنا . أبو مسلم يقبل يده و يعتذر فازداد المنصور غضباً . ثم قال أبو مسلم دع هذا فقد أصبحت لا أخاف إلا الله فشتمه المنصور و صفق بيديه فخرج الحرس و ضربه عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه فقال : اسبقني لعدوك فقال : لا أبقاني الله إذاً و أي عدو منك و أخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه ، بذلك لخمس بقين من شعبان سنة سبع و ثلاثين . و خرج الوزير أبو الجهم فصرف الناس ، و قال : الأمير قائل عند أمير المؤمنين فانصرفوا و أمر لهم بالجوائز و أعطى إسحق مائة ألف و دخل عيسى بن موسى على المنصور فسأل عنه و أخذ في الثناء على طاعته و بلائه و ذكر رأي الإمام إبراهيم فيه . فقال المنصور : و الله ما أعلم على وجه الأرض عدواً أعدى لكم منه هوذا في البساط فاسترجع عيسى ، فأنكر عليه المنصور و قال : و هل كان لكم ملك معه ؟ ثم دعا جعفر بن حنظلة و استشاره في أمر أبي مسلم فأشار بقتله فقال له المنصور وفقك الله ثم نظر إليه قتيلاً فقال له يا أمير المؤمنين عد خلافتك من هذا اليوم . ثم دعا أبا إسحق عن متابعة أبي مسلم و قال تكلم بما أردت و أخرجه قتيلاً فسجد أبو إسحق ثم رفع رأسه يقول الحمد لله أميت هو و الله ما جئته قط إلا تكفنت و رفع ثيابه و أراه كفنه و حنوطه فرحمه . و قال له استقبل طاعتك و احمد الله الذي أراحك . و كتب المنصور بعد قتل أبي مسلم إلى أبي نصر بن الهيثم على لسان أبي مسلم يأمره بحمل أثقاله ، و قد كان أبو مسلم أوصاه إن جاءك كتاب بخاتمي تاماً فاعلم أني لم أكتبه ، فلما رآه كذلك فطن و انحدر إلى همذان يريد خراسان ، فكتب له المنصور بولاية شهرزور ، و كتب إلى زهير بن التركي بهمذان يحبسه فمر أبو نصر بهمذان و خادعه زهير و دعاه إلى طعامه و حبسه و جاء كتاب العهد بشهرزور لأبي نصر فأطلقه زهير ثم جاءه بعد ذلك الكتاب بقتله فقال : جاءني كتاب عهده فخليت سبيله .و قدم أبو نصر على المنصور فعذله في إشارته على أبي مسلم بخراسان فقال : نعم استنصحني فنصحت له و إن استنصحني أمير المؤمنين نصحت و شكرت ، و استعمله على الموصل ، و خطب أبو جعفر الناس بعد قتل أبي مسلم و انسهم و افترق أصحابه و خرج منهم بخراسان رجل إسمه سنباد و يسمى فيروز أصبهبذ و تبعه أكثر الجيال يطلبون بدم أبي مسلم و غلب على نيسابور و الري و أخذ خزائن أبي مسلم التي خلفها بالري حين شخص إلى السفاح و سبى الحرم و نهب الأموال و لم يعرض إلى التجار و كان يظهر أنه قاصد إلى الكعبة يهدمها فسرح إليه المنصور جمهور بن مرار العجلي و التقوا على طريق المفازة بين همذان و الري ، فقاتلهم و هزمهم و قتل منهم نحواً من ستين ألفاً و سبى ذراريهم و نساءهم ولحق سنباد بطبرستان فقتله بعض عمال صاحبها و أخذ ما معه و كتب إلى المنصور بذلك فكتب إليه المنصور في الأموال فأنكر فسرح إليه الجنود فهرب إلى الديلم ثم إن جمهور بن مرار لما حوى ما في عسكر سنباد و لم يبعث به خاف من المنصور فخلع و اعتصم بالري فسرح إليه محمد بن الأشعث في الجيوش ، فخرج من الري إلى أصبهان فملكها و ملك محمد الري . ثم اقتتلوا و انهزم جمهور فلحق بأذربيجان ، و قتله بعض أصحابه و حملوا رأسه إلى المنصور ، و ذلك سنة ثمان و ثلاثين .

حبس عبد الله بن علي
كان عبد الله بن علي بعد هزيمته أمام أبي مسلم لحق بالبصرة ، و نزل على أخيه سليمان . ثم إن المنصور عزل سليمان سنة تسع و ثلاثين فاختفى عبد الله و أصحابه ، فكتب المنصور إلى سليمان و أخيه عيسى بأمان عبد الله و قواده و مواليه و إشخاصهم إلى المنصور منهما فشخصوا .و لما قدما عليه فأذن لهما فأعلماه بحضور عبد الله و استأذناه له فشغلهما بالحديث و أمر بحبسه في مكان قد هيئ له في القصر ، فلما خرج سليمان و عيسىلم يجدا عبد الله فعلما أنه قد حبس و أن ذمتهما قد أخفرت ، فرجعا إلى المنصور فحبسا عنه و توزع أصحاب عبد الله بين الحبس و القتل ، و بعث ببعضهم إلى أبي داود خالد ابن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها . و لم يزل عبد الله محبوساً حتى عهد المنصور إلى المهدي سنة تسع و أربعين و أمر موسى بن عيسى فجعله بعد المهدي و دفع إليه عبد الله ، و أمره بقتله ، و خرج حاجاً و سار عيسى كاتبه يونس بن فروة في قتل عبد الله بن علي فقال : لا تفعل فإنه يقتلك به ، و إن طلبه منك فلا ترده إليه سراً فلما قفل المنصور من الحج دس على أعمامه من يحرضهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله فشفعهم ، و قال لعيسى جئنا به فقال : قتلته كا أمرتني فأنكر المنصور و قال خذوه بأخيكم فخرجوا به ليقتلوه حتى اجتمع الناس و اشتهر الأمر فجاء به و قال : هو ذا حي سوي ، فجعله المنصور في بيت أساسه ملح و أجرى عليه الماء فسقط و مات .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:07 pm

وقعة الراوندية
كان هؤلاء القوم من أهل خراسان ومن أتباع أبي مسلم يقولون بالتناسخ و الحلول ، و أن روح آدم في عثمان بن نهيك و أن الله حل في المنصور و جبريل في الهيثم بن معاوية . فحبس المنصور نحواً من مائتين منهم فغضب الباقون و اجتمعوا و حملوا بينهم نعشاً كأنهم في جنازة و جاؤا إلى السجن فرموا بالنعش و أخرجوا أصحابهم و حملوا على الناس في ستمائة رجل و قصدوا قصر المنصور و خرج المنصور من القصر ما شياً و جاء معن بن زائدة الشيباني و كان مستخفياً من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة و قد اشتد طلب المنصور له فحضر عنده هذا اليوم متلثماً و ترجل و أبلى . ثم جاء إلى المنصور ولجام بغلته في يد الربيع حاجبه و قال : تنح ذا أنا أحق بهذا اللجام في هذا الوقت و أعظم فنازل و قاتل حتى ظفر بالراوندية . ثم سأله فانتسب فأمنه و اصطنعه . و جاء أبو نصر مالك بن الهيثم و وقف على باب المنصور و قال أنا اليوم بواب . ثم قاتلهم أهل السوق و فتح باب المدينة و دخل الناس و حمل عليهم خازم بن خزيمة و الهيثم بن شعبة حتى قتلوهم عن آخرهم .و أصاب عثمان بن نهيك في الحومة سهم فمات منه بعد أيام و جعل على الحبس بعده أخاه عيسى ثم بعده أبا العباس الطوسي و ذلك كله بالهاشمية . ثم أحضر معناً و رفع منزلته و أثنى عليه بما كان منه في ذلك اليوم مع عمه عيسى ، فقال معن : و الله يا أمير المؤمنين لقد جئت إلى الحومة و جلاً حتى رأيت شدتك فحملني ذلك على ما رأيت مني .و قيل إنه كان مختفياً عند أبي الخصيب حاجب المنصور و أنه جاء يوم الراوندية فاستأذن أبو الخصيب و شاوره المنصور في أمرهم فأشار ببث المال في الناس . و أبى المنصور إلا الركوب إليهم بنفسه فخرج بين يديه و أبلى حتى قتلوا . ثم تغيب فاستدناه و أمنه و ولاه على اليمن .

انتقاض خراسان و مسير المهدي إليها
كان السفاح قد ولى على خراسان أبا داود خالد بن إبراهيم الدهلي بعد انتقاض بسام ابن إبراهيم و مهلكه . فلما كان سنة أربعين ثار به بعض الجند و هو بكشماهن و جاؤا إلى منزله فاشرف عليهم ليلاً من السطح فزلت قدمه فسقط و مات ليومه .و كان عصام صاحب شرطته فقام بالأمر بعده . ثم ولى المنصور على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن فقدم عليها و حبس جماعة من القواد اتهمهم بالدعاء للعلوية ، منهم مجاشع ابن حريث الأنصاري عامل بخاري و أبو المعرة خالد بن كثير مولى بني تميم عامل قهستان و الحريش بن الذهلي ابن عم أبي داود في آخرين . ثم قتل هؤلاء و ألح على عمال أبي داود في استخراج المال و انتهت الشكوى إلى المنصور بذلك فقال لأبي أيوب : إنما يريد بفناء شيعتنا الخلع ، فأشار عليه أبو أيوب أن تبعث من جنود خراسان لغزو الروم فإذا فارقوه بعثت إليه من شئت و استكمن منه . فكتب إليه بذلك فأجاب بأن الترك قد جاشت و إن فرقت الجنود خشيت على خراسان فقال له أبو أيوب : أكتب إليه بأنك ممده بالجيوش و ابعث معها من شئت يستمكن منه ، فأجاب عبد الجبار بأن خراسان مغلبة في عامها و لا تحتمل زيادة العسكر فقال له أبو يوسف هذا خلع فعاجله فبعث ابنه المهدي فسار و نزل الري و قدم خازم بن خزيمة لحرب عبد الجبار فقاتلوه ، فانهزم و جاء إلى مقطنة و توارى فيها . فعبر إليه المحشد بن مزاحم من أهل مرو الروذ و جاء به إلى خازم فحمله على بعير و عليه جبة صوف ، و وجهه إلى عجز البعير و حمله إلى المنصور في ولده و أصحابه فبسط إليهم العذاب حتى استخرج الأموال ثم قطع يديه و رجليه و قتله و ذلك سنة اثنتين و أربعين و بعث بولده إلى دهلك فعزلهم بها و أقام المهدي بخراسان حتى رجع إلى العراق سنة تسع و أربعين .
و في سنة اثنتين و أربعين انتقض عيينة بن موسى بن كعب بالسند ، و كان عاملاً عليها من بعد أبيه ، و كان أبوه يستخلف المسيب بن زهير على الشرط فخشى المسيب إن حضر عيينة عند المنصور أن يوليه على الشرط ، فحذره المنصور و حرضه على الخلاف فخلع الطاعة و سار المنصور إلى البصرة و سرح من هنالك عمر بن حفص بن أبي صفوة العتكي لحرب عيينة و ولاه على السند و الهند فورد السند و غلب عليها .و في السنة انتفض الأصبهبد بطبرستان و قتل من كان في أرضه من المسلمين فبعث المنصور مولاه أبا الخطيب و خازم بن خزيمة و روح بن حاتم في العساكر فحاصروه في مدة ثم تحيلوا ففتح لهم الحصن من داخله و قتلوا المقاتلة و سبى الذرية و كان مع الإصبهبد سم فشربه فمات .

أمر بني العباس
بنو هاشم حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه و تشاوروا فيمن يعقدون له الخلافة فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن علي .و كان يقال : إن المنصور ممن بايعه تلك الليلة . و لما حج أيام أخيه السفاح سنة ست و ثلاثين تغيب عنه محمد و أخوه إبراهيم ، ولم يحضرا عنده مع بني هاشم .و سأل عنهما فقال له زياد ابن عبيد الله الحرثى أنا آتيك بهما و كان بمكة فرده المنصور إلى المدينة . ثم استخلف المنصور و طفق يسأل عن محمد و يختص بني هاشم بالسؤال سراً ، فكلهم يقول : إنك ظهرت على طلبه لهذا الأمر فخافك على نفسه ، و يحسن العذر عنه إلا الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي . فإنه قال له : و الله ما آمن و ثوبه عليك ، فإنه لا ينام عنك ، فكان موسى بن عبد الله بن حسن يقول بعد هذا : اللهم أطلب الحسن بن زيد بدمائنا . ثم إن المنصور حج سنة و ألح على عبد الله بن حسن في أحضار ابنه محمد فاستشار عبد الله بن علي في إحضاره فقال له : لو كان عافياً عفى عن عمه ! فاستمر عبد الله على الكتمان و بث المنصور العيون بين الأعراب في طلبه بسائر بوادي الحجاز و مياهها ثم كتب كتاباً على لسان الشيعة إلى محمد بالطاعة و المسارعة و بعثه مع بعض عيونه إلى عبد الله و بعث معه بالمال و الإلطاف كأنه من عندهم .و كان للمنصور كاتب على سريره يتشيع ، فكتب إلى عبد الله بن حسن بالخبر و كان محمد بجهينة ، و ألح عليه صاحب الكتاب أمر محمد ليدفع إليه كتاب الشيعة فقال له : إذهب إلى علي بن الحسن المدعو بالأغر يوصلك إليه في جبل جهينة فذهب و أوصله إليه . ثم جاءهم حقيقة خبره من كاتب المنصور و بعثوا أبا هبار إلى محمد و علي بن حسن يحذرهما الرجل ، فجاء أبو هبار إلى علي بن حسن و أخبره ثم سار إلى محمد فوجد العين عنده جالساً مع أصحابه فخلا به و أخبره ، فقال : و ما الرأي ؟ قال : تقتله . قال : لا أقارف دم مسلم . قال : تقيده و تحمله معك . قال : لا آمن عليه لكثرة الخوف و الاعجال . قال : فتودعه عند بعض أهلك من جهينة . قال : هذه إذن . و رجع فلم يجد الرجل و لحق بالمدينة . ثم قدم على المنصور و أخبره الخبر و سمى اسم أبي هبار و كنيته ، و قال : معه وبر فطلب أبو جعفر وبراً المري فسأله عن أمر محمد فأنكره و حلف فضربه و حبسه . ثم دعا عقبة بن سالم الأزدي و بعثه منكراً بكتاب و الطاف من بعض الشيعة بخراسان إلى عبد الله بن حسن ليظهر على أمره ، فجاءه بالكتاب فانتهره و قال لا أعرف هؤلاء القوم . فلم يزل يتردد إليه حتى قبله و أنس به و سأله عقبة الجواب فقال : لا أكتب لأحد و لكن أقرئهم مني سلاماً و أعلمهم أن ابني خارجان لوقت كذا . فرجع عقبة إلى المنصور فأنشأ الحج ، فلما لقيه بنو حسن رفع مجالسهم و عبد الله إلى جنبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه . ثم قال لعبد الله بن حسن قد أعطيتني العهود و المواثيق أن لا تبغيني بسوء و لا تكيد لي سلطاناً فقال : و أنا على ذلك . فلحظ المنصور عقبة بن سالم فوقف بين عبد الله حتى ملأ عينه منه فبادر المنصور يسأله الإقالة فلم يفعل ، و أمر بحبسه و كان محمد يتردد في النواحي و جاء إلى البصرة فنزل في بني راهب و قيل في بني مرة بن عبيد ، بلغ الخبر إلى المنصور فجاء إلى البصرة و قد خرج عنها محمد ، قلقي المنصور عمر بن عبيد فقال له : يا أبا عثمان هل بالبصرة أحد تخافه على أمرنا ؟ فقال : لا ، فانصرف و اشتد الخوف على محمد و إبراهيم و سار إلى عدن ثم إلى السند ثم إلى الكوفة ، ثم إلى المدينة و كان الممنصور حج سنة أربعين و حج محمد و إبراهيم و عزما على اغتيال المنصور و أبي محمد من ذلك . ثم طلب المنصور عبد الله بإحضار و لديه و عنفه و هم به ، فضمنه زياد عامل المدينة .و انصرف المنصور و قدم محمد المدينة قدمة فتلطف له زياد و أعطاه الأمان له . ثم قال له : إلحق بأي بلاد شئت و سمع المنصور فبعث أبا الأزهر إلى المدينة في جمادى سنة إحدى و أربعين ليستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطلب و يقبض زياداً و أصحابه . فسار بهم فحبسهم المنصور ، و خلف زياد ببيت المال ثمانين ألف دينار ثم استعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ، و أمره بطلب محمد و انفاق المال في ذلك فكثرت نفقته و استبطأه المنصور و استشار في عزله ، فأشار عليه يزيد بن أسيد السلمي من أصحابه باستعمال رباح بن عثمان بن حسان المزني فبعثه أميراً علىالمدينة في رمضان سنة أربع و أربعين ، و أطلق يده في محمد بن خالد القسري . فقدم المدينة و تهدد عبد الله بن حسن في إحضار ابنيه . و قال له عبد الله يومئذ : إنك لتريق المذبوح فيها كما تذبح الشاة ، فاستشعر ذلك و وجد فقال له حاجبه أبو البختري : إن هذا ما اطلع على الغيب فقال : ويلك ! و الله ما قال إلا ما سمع ، فكان كذلك . ثم حبس رباح محمد بن خالد و ضربه وجد في طلب محمد فأخبر أنه في شعبان رضوى من أعمال ينبع و هو جبل جهينة ، فبعث عامله في طلبه فأفلت منه . ثم إن رباح بن مرة حبس بني حسن و قيدهم و هم عبد الله بن حسن بن الحسن و إخوته حسن و إبراهيم و جعفر و ابنه موسى بن عبد الله ، و بنو أخيه داود و إسمعيل و إسحق بنو إبراهيم بن الحسن ، و لم يحضر معهم أخوه علي العائد . ثم حضر من الغد عند رباح و قال : جئتك لتحبسني مع قومي فحبسه ، و كتب إليه المنصور أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان المعروف بالديباجة .و كان أخا عبد الله لأمه أمهما فاطمة بنت الحسين . و كان عامل مصر قد عثر على علي بن محمد بن عبد الله ابن حسن بعثه أبوه إلى مصر يدعو له فأخذه و بعث به إلى المنصور فلم يزل في حبسه و سمى من أصحاب أبيه عبد الرحمن بن أبي المولى و أبا جبير فضربهما المنصور و حبسهما .و قيل عبد الله حبس أولاً وحده و طال حبسه .فأشار عليه أصحابه بحبس الباقين فحبسهم . ثم حج المنصور سنة أربع و أربعين ، فلما قدم مكة بعث إليهم و هم في السجن محمد بن عمران بن إبراهيم بن طلحة و مالك بن أنس يسألهم أن يرفعوا إليه محمداً و إبراهيم ابني عبد الله ، فطلب عبد الله الإذن في لقائه فقال المنصور : لا و الله حتى يأتيني به و بابنيه ، و كان محسناً مقبولاً لا يكلم أحداً إلا أجابه إلى رأيه . ثم إن المنصور قضى حجه و خرج إلى الربذة ، و جاء رباح ليودعه فأمر بأشخاص بني حسن و من معهم إلى العراق فأخرجهم في القيود و الأغلال و أردفهم في محامل بغير وطء ، و جعفر الصادق يعاينهم من وراء ستر و يبكي . و جاء محمد إبراهيم مع أبيهما عبد الله يسايرانه مستترين بزي الأعراب و يستأذنانه في الخروج فيقول : لا تعجلا حتى يمكنكما و إن منعتما أن تعيشا كريمين تمنعا أن تموتا كريمين ، و انتهوا إلى الزيدية . و أحضر العثماني الديقا عند المنصور فضربه مائة و خمسين سوطاً بعد ملاحاة جرت بينهما أغضبت المنصور .و يقال : إن رباحاً أغرى المنصور به و قال له : إن أهل الشام شيعته و لا يتخلف عنه منهم أحد . ثم كتب أبو عون عامل خراسان إلى المنصور بأن أهل خراسان منتظرون أمر محمد بن عبد الله و احذر منهم . فأمر المنصور بقتل العثماني و بعث برأسه إلى خراسان ، و بعث من يحلف أنه رأس محمد بن عبد الله و أن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم قدم المنصور بهم الكوفة و حبسهم بقصر ابن هبيرة ، يقال : إنه قتل محمد بن إبراهيم بن حسن منهم على إسطرانة و هو حي فمات . ثم بعده عبد الله بن حسن ثم علي بن حسن ، و يقال : إن المنصور أمر بهم فقتلوا ، و لم ينج منهم إلا سليمان و عبد الله ابنا داود و إسحق و إسمعيل ابنا إبراهيم بن حسن و جعفر بن حسن و الله أعلم .


ظهور محمد المهدي و مقتله
و لما سار المنصور إلى العراق و حمل معه بني حسن رجع رباح إلى المدينة و ألح في طلب محمد و هو مختف ينتقل في اختفائه من مكان إلى مكان و قد أرهقه الطلب حتى تدلى في بئر . فتدلى فغمس في مائها و حتى سقط ابنه من جبل فتقطع و دل عليه رباح بالمداد ، فركب في طلبه فاختفى عنه ولم يره .و لما اشتد عليه الطلب أجمع الخروج و أغراه أصحابه بذلك .و جاء الخبر إلى رباح بأنه الليلة خارج فأحضر العباس بن عبد الله بن الحرث بن العباس و محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد قاضي المدينة و غيرهما ، و قال لهم : أمير المؤمنين يطلب محمداً شرق الأرض و غربها و هو بين أظهركم .و الله لئن خرج ليقتلنكم أجمعين . و أمر القاضي بإحضار عشيرة بني زهرة فجاؤا في جمع كثير و أجلسهم بالباب . ثم أحضر نفراً من العلويين فيهم جعفر بن محمد بن الحسين و حسين بن علي بن حسين بن علي و رجال من قريش فيهم إسمعيل ابن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة و ابنه خالد ، و بينما هم عنده إذ سمعوا التكبير و قيل قد خرج محمد فقال له : ابن مسلم بن عقبة أطعني و اضرب أعناق هؤلاء فأبى ، و أقبل من المداد في مائة و خمسين رجلاً و قصد السجن ، فأخرج محمد بن خالد بن عبد الله القسري و ابن أخيه النذير بن يزيد و من كان معهم و جعل على الرجالة خوات بن جبير و أتى دار الإمارة و هو ينادي بالكف عن القتل فدخلوا من باب المقصورة و قبضوا على رباح و أخيه عباس و ابن مسلم بن عقبة فحبسهم ، ثم خرج إلى المسجد و خطب الناس و ذكر المنصور بما نقمه عليه و وعد الناس و استنصر بهم و استعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير و على قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المخزومي ،و على بيت السلاح عبد العزيز الدراوردي ، و على الشرط أبا الغلمش عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، و على ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، و أرسل إلى محمد بن عبد العزيز يلومه على القعود عنه فوعده بالبصرة و سار إلى مكة ، ولم يتخلف عن محمد من وجوه الناس إلا نفر قليل منهم : الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حرام و عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد و أبو سلمة بن عبيد الله بن عمر ، و حبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير . و استفتى أهل المدينة مالكاً في الخروج مع محمد و قالوا : في أعناقنا بيعة المنصور ، فقال : إنما بايعتم مكرهين فتسارع الناس إلى محمد و لزم مالك بيته ، و أرسل محمد إلى إسمعيل بن عبد الله بن جعفر يدعوه إلى بيعته ، و كان شيخاً كبيراً فقال : أنت و الله و ابن أخي مقتول فكيف أبايعك ؟ فرجع الناس عنه قليلاً و أسرع بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر إلى محمد فجاءت جمادة أختهم إلى عمها إسمعيل و قالت : يا عم إن مقالتك ثبطت الناس عن محمد وإخوتي معه ، فأخشى أن يقتلوا فردها ، فيقال : إنها عدت عليه فقتله ثم حبس محمد بن خالد القسري بعد أن أطلقه و اتهمه بالكتاب إلى المنصور فلم يزل في حبسه . و لما استوى أمر محمد ركب رجل من آل أويس بن أبي سرح اسمه الحسين بن صخر ، و جاء إلى المنصور في تسع فخبره الخبر فقال : أنت رأيته ؟ قال : نعم . و كلمته على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم تتابع الخبر و أشفق المنصور من أمره و استشار أهل بيته و دولته .و بعث إلى عمه عبد الله و هو محبوس يستشيره فأشار عليه بأن يقصد الكوفة فإنهم شيعة لأهل البيت فيملك عليهم أمرهم و يحفها بالمسالح حتى يعرف الداخل و الخارج ، و يستدعي سالم بن قتيبة من الري فيتحشد معه كافة أهل الشام و يبعثه و أن يبعث العطاء في الناس ، فخرج المنصور إلى الكوفة و معه عبد الله بن الربيع بن عبد الله بن عبد المدان . و لما قدم الكوفة أرسل إلى يزيد يحيى و كان السفاح يشاوره فأشار عليه بأن يشحن الأهواز بالجنود و أشار عليه جعفر بن حنظلة الهراني بأن يبعث الجند إلى البصرة . فلما ظهر إبراهيم بتلك الناحية تبين وجه إشارتهما . و قال المنصور : كيف خفت البصرة ؟ قال : لأن أهل المدينة ليسوا أهل حرب حبسهم أنفسهم ، و أهل الكوفة تحت قدمك ، و أهل الشام أعداء الطالبيين ، ولم يبق إلا البصرة . ثم إن المنصور كتب إلى محمد المهدي كتاب أمان فأجابه عنه بالرد و التعريض بأمور في الأنساب و الأحوال ، فأجابه المنصور عن كتابه بمثل ذلك و انتصف كل واحد منهما لنفسه بما ينبغي الإعراض عنه مع أنهما صحيحان مرويان نقلهما الطبري في كتاب الكامل فمن أراد الوقوف فليلتمسها في أماكنها . ثم إن محمداً المهدي استعمل على مكة محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر و على اليمن القاسم بن إسحق و على الشام موسى بن عبد الله . فسار محمد بن الحسن إلى مكة و القاسم معه و لقيهما السري بن عبد الله عامل مكة ببطن أذاخر فانهزم .و ملك محمد مكة حتى استنفره المهدي لقتال عيسى بن موسى فنفر هو و القاسم بن عبيد الله ، و بلغهما قتل محمد بنواحي قديد فلحق محمد بإبراهيم ، فكان معه بالبصرة و اختفى القاسم بالمدينة حتى أخذت له الأمان إمرأة عيسى ، و هي بنت عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر .و أما موسى بن عبد الله فسار إلى الشام فلم يقبلوا منه فرجع إلى المدينة ثم لحق بالبصرة مختفياً و عثر عليه محمد بن سليمان بن علي و على ابنه عبد الله و بعث بهما إلى المنصور فضربهما و حبسهما . ثم بعث المنصور عيسى ابن موسى إلى المدينة لقتال محمد فسار في الجنود و معه محمد بن أبي العباس بن السفاح و كثير بن حصين العبدي و حميد بن قحطبة و هوا زمرد و غيرهم ، فقال له : إن ظفرت فأغمد سيفك و ابذل الأمان و إن تغيب فخذ أهل المدينة فإنهم يعرفون مذاهبه و من لقيك من آل أبي طالب فعرفني به و من لم يلقك فاقبض ماله . و كان جعفر الصادق فيمن تغيب ، فقبض ماله . و يقال إنه طلبه من المنصور لما قدم بالمدينة بعد ذلك فقال : قبضه مهديكم . و لما وصل عيسى إلى فئته كتب إلى نفر من أهل المدينة ليستدعيهم منهم : عبد العزيز بن المطلب المخزومي و عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمعي و عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب فخرج إليه عبد الله هو و أخوه عمر و أبو عقيل محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل . و استشار المهدي أصحابه في القيام بالمدينة ثم في الخندق عليها فأمر بذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم و حفر الخندق الذي حفره رسول الله صلى الله عليه و سلم للأحزاب . و نزل عيسى الأعراض ، و كان محمد قد منع الناس من الخروج فخيرهم ، فخرج كثير منهم بأهلهم إلى الجبال و بقي في شرذمة يسيرة . ثم تدارك رأيه و أمر أبا الغلمش بردهم فأعجزوه و نزل عيسى على أربعة أميال من المدينة و بعث عسكراً إلى طريق مكة يعترضون محمداً إن انهزم إلى مكة ، و أرسل إلى المهدي بالإمان و الدعاء إلى الكتاب و السنة و يحذره عاقبة البغي . فقال : إنما أنا رجل فررت من القتل . ثم نزل عيسى بالحرف لاثنتي عشرة من رمضان سنة خمس و أربعين ، فقام يومين ، ثم وقف على مسلم و نادى بالأمان لأهل المدينة و أن تخلوا بينه و بين صاحبه ، فشتموه فانصرف و عاد من الغد ، و قد فرق القواد من سائر جهات المدينة و برز محمد في أصحابه و رايته مع عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير و شعارهم أحد أحد . و طلب أبو الغلمش من أصحابه البراز فبرز إليه أخو أسد فقتله . ثم آخر فقتلوه و قال أنا ابن الفاروق .و أبلى محمد المهدي يومئذ بلاء عظيماً و قتل بيده سبعين رجلاً . ثم أمر عيسى بن موسى حميد بن قحطبة فتقدم في مائة من الرجال إلى حائط دون الخندق فهدمه ، و أجازوا الخندق و قاتلوا من وارئه ، و صابرهم أصحاب محمد إلى العصر . ثم أمر عيسى أصحابه فرموا الخندق بالحقائب و نصبوا عليها الأبواب و جازت الخيل و اقتتلوا و انصرف محمد فاغتسل و تحنط . ثم رجع فقال : أترك أهل المدينة و الله لا أفعل أو أقتل و أنت مني في سعة فمشى قليلاً معه ، ثم رجع و افترق عنه جل أصحابه ،و بقي في ثلثمائة أو نحوها . فقال له بعض أصحابه : نحن اليوم في عدة أهل بدر و طفق عيسى بن حصين من أصحابه يناشده في اللحاق بالبصرة أو غيرها ، فيقول و الله لا تبتلون بي مرتين . ثم جمع بين الظهر و العصر و مضى فأحرق الديوان الذي فيه أسماء من بايعهم .و جاء إلى السجن و قتل رياح بن عثمان و أخاه عباسا و ابن مسلم بن عقبة و توثق محمد بن القسري بالأبواب فلم يصلوا إليه .و رجع ابن حصين إلى محمد فقاتل معه و تقدم بن إلى بطن سلع و معه بنو شجاع من الخمس . فعرقبوا دوابهم و كسروا جفون سيوفهم و استماتوا و هزموا أصحاب عيسى مرتين أو ثلاثة . و صعد نفر من أصحابه عيسى الجبل و انحدروا منه إلى المدينة .و رفع بعض نسوة إلى العباس خماراً لها أسود على منارة المسجد . فلما رآه أصحاب محمد و هم يقاتلون هربوا ، و فتح بنو غفار طريقاً لأصحاب عيسى فجاؤا من وراء أصحاب محمد و نادى حميد بن قحطبة للبراز فأبى ، نادى ابن حصين بالأمان فلم يصغ إليه و كثرت فيه الجراح ثم قتل و قاتل محمد على شلوه فهد الناس عنه هداً حتى ضرب فسقط لركبته و طعنه ابن قحطبة في صدره ، ثم أخذ رأسه و أتى به عيسى فبعثه إلى المنصور مع محمد بن الكرام عبد الله بن علي بن عبد الله بن جعفر ، و بالبشارة مع القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن ، و أرسل معه رؤوس بني شجاع ، و كان قتل محمد منتصف رمضان .و أرسل عيسى الألوية فنصبت بالمدينة للأمان و صلب محمد و أصحابه ما بين ثنية الوداع و المدينة ،و استأذنت زينب أخته في دفنه بالبقيع ، و قطع المنصور الميرة في البحر عن المدينة ، حتى أذن فيها المهدي بعده ، و كان مع المهدي سيف علي ذو الفقار فأعطاه يومئذ رجلاً من التجار في دين كان له عليه . فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة أخذه منه و أعطاه من دينه ثم أخذه منه المهدي ، و كان الرشيد يتقلده و كان فيه ثمان عشرة فقرة ، و كان معه من مشاهير بني هاشم أخو موسى و حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين و حسين و علي ابنا زيد بن علي ، و كان المنصور يقول عجباً خرجا علي و نحن أخذنا بثأر أبيهما .و كان معه علي و زيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن و أبوهما الحسن مع المنصور و الحسن و يزيد و صالح بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر ،و القاسم بن إسحق بن عبد الله بن جعفر و المرجى علي بن جعفر بن إسحق بن علي بن عبد الله بن جعفر و أبوه علي مع المنصور ، و من غير بني هاشم محمد بن عبد الله بن عمر بن سعيد بن العاص و محمد ابن عجلان و عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، و أبوبكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة ، و أخذ أسيراً فضرب و حبس في سجن المدينة ، فلم يزل محبوساً إلى أن نازل السودان بالمدينة على عبد الله بن الربيع الحارثي ، وفر عنها إلى بطن نخل و ملكوا المدينة و نهبوا طعام المنصور . فخرج ابن أبي سبرة مقيداً و أتى المسجد و بعث إلى محمد بن عمران و محمد بن عبد العزيز و غيرهما ، بعثوا إلى السودان و ردوهم عما كانوا فيه ، فرجعوا و لم يصل الناس يومئذ جمعة .و وقف الأصبغ بن أبي سفيان بن عاصم بن عبد العزيز لصلاة العشاء و نادى أصلي بالناس على طاعة أمير المؤمنين ، و صلى ثم أصبح ابن أبي سبرة و رد من العبيد ما نهبوه ، و رجع ابن الربيع من بطن نخل ثم و قطع رؤساء العبيد و كان مع محمد بن عبد الله أيضا عبد الواحد بن أبي عون مولى الأزد و عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة و عبد العزيز بن محمد الدراوردي و عبد الحميد بن جعفر و عبد الله بن عطاء ابن يعقوب مولى بني سباع و بنوه تسعة و عيسى و عثمان ابنا خضير و عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير قتله المنصور من بعد ذلك لما أخذ بالبصرة و عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع و علي بن المطلب بن عبد الله بن حنطب و إبراهيم بن جعفر بن مصعب بن الزبير و هشام بن عمير بن الوليد بن عبد الجبار و عبد الله بن يزيد بن هرمز و غيرهم .

أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:09 pm

شأن إبراهيم بن عبد الله و ظهوره و مقتله
كان إبراهيم بن عبد الله أخو المهدي محمد قد اشتد الطلب عليه و على أخيه منذ خمس سنين ، و كان إبراهيم يتنقل في النواحي بفارس و بكرمان و الجبل و الحجاز و اليمن و الشام ،و حضر مرة مائدة المنصور بالموصل ، و جاء أخرى إلى بغداد حين خطها المنصور مع النظار على قنطرة الفرات حين شدها و طلبه فغاض في الناس فلم يوجد و وضع عليه الرصد بكل مكان و دخل بيت سفيان بن حيان العمي و كان معروفاً بصحبته فتحيل على خلاصه بأن أتى المنصور و قال : أنا آتيك بإبراهيم فأحملني و غلامي على البريد و ابعث معي الجند ففعل .و جاء بالجند إلى البيت و أركب معه إبراهيم في زي غلامه و ذهب بالجند إلى البصرة و لم يزل يفرقهم على البيوت و يدخلها موهماً أنه يفتشه حتى بقي وحده فاختفى و طلبه أمير البصرة سفيان بن معاوية فأعجزه ، و كان قدم قبل ذلك الأهواز فطلبه محمد بن حصين و اختفى منه عند الحسن بن حبيب و لقي من ذلك غياً . ثم قدم إبراهيم البصرة سنة خمس و أربعين بعد ظهور أخيه محمد بالمدينة يحيى بن زياد بن حيان النبطي و أنزله بداره في بني ليث فدعاالناس إلى بيعة أخيه و كان أول من بايعه نميلة بن مرة العبسي و عبد الله بن سفيان و عبد الواحد بن زياد و عمر بن سلمة الهجيمي و عبد الله بن حي بن حصين الرقاشي و بثوا دعوته في الناس ، و اجتمع لهم كثير من الفقهاء و أهل العلم و أحصى ديوانه أربعة آلاف .و اشتهر أمره ثم حولوه إلى وسط البصرة و نزل دار أبي مروان مولى بني سليم في مقبرة بني يشكر ليقرب من الناس و ولاه سفيان أمير البصرة على أمره ، و كتب إليه أخوه محمد يأمره بالظهور و كان المنصور بظاهر ، و أرسل من القواد مدداً لسفيان علي إبراهيم إن ظهر ، ثم إن إبراهيم خرج أول رمضان من سنة خمس و أربعين و صلى الصبح في الجامع و جاء دار الإمارة بابن سفيان و حبسه و حبس القواد معه ، و جاء جعفر و محمد ابنا سليمان بن علي في ستمائة رجل و أرسل إبراهيم إليها المعين بن القاسم الحدروري في خمسين رجلاً فهزمهما إلى باب زينب بنت سليمان بن علي و إليها ينسب الزينبيون من بني العباس فنادى بالأمان و أخذ من بيت المال ألفي ألف درهم ، و فرض لكل رجل من أصحابه خمسين . ثم أرسل المغيرة على الأهواز في مائة رجل فغلب عليها محمد بن الحصين و هو في أربعة آلاف .و أرسل عمر بن شداد إلى فارس و بها إسمعيل و عبد الصمد ابنا علي ، فتحصنا في دار بجرد و ملك نواحيها ، فأرسل هرون بن شمس العجلي في سبعة عشر ألفاً إلى واسط فغلب عليها هرون بن حميد الإيادي و ملكها .و أرسل المنصور لحربه عاكمر ابن إسمعيل في خمسة آلاف و قيل في عشرين فاقتتلوا أياماً ثم تهادنوا يروا مآل الأميرين المنصور و إبراهيم . ثم جاء نعي محمد إلى أخيه إبراهيم قبل الفطر فصلى يوم العيد و أخبرهم فازدادوا حنقاً على المنصور .و نفر في حره و عسكر من الغد و استخلف على البصرة غيلة و ابنه حسناً معه .و أشار عليه أصحابه من أهل البصرة بالمقام و إرسال الجنود و أمدادهم واحداً بعد واحد ، و أشار أهل الكوفة باللحوق إليها لأن الناس في انتظارك و لو رأوك ماتوانوا عنك ، فسار و كتب المنصور إلى عيسى بن موسى بإسراع العود و إلى مسلم بن قتيبة بالري و إلى سالم بقصد إبراهيم و ضم إليه غيرها من القواد . و كتب إلى المهدي بإنفاذ خزيمة بن خازم إلى الأهواز و فارس و المدائن و واسط و السواد و إلى جانبه أهل الكوفة في مائة ألف يتربصون به . ثم رمى كل ناحية بحجرها و أقام خمسين يوماً على مصلاه و يجلس ولم ينزع عنه جبته و لا قميصه و قد توسخا و يلبس السواد إذا ظهر للناس ، و ينزعه إذا دخل بيته . و أهديت له من المدينة إمرأتان فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله و أمه الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد فلم يحفل بهما .و قال : ليست هذه أيام نساء حتى أنظر رأس إبراهيم إلي أو رأسي له .و قدم عليه عيسى بن موسى فبعثه لحرب إبراهيم في خمسة عشر ألفاً و على مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف و سار إبراهيم من البصرة و مائة ألف حتى نزلا بازاء عيسى بن موسى على ستة عشر فرسخاً من الكوفة ، و أرسل إليه مسلم بن قتيبة بأن يخندق على نفسه أو يخالف إلى المنصور فهو في حف من الجنون .و يكون أسهل عليك فعرض ذلك إبراهيم على أصحابه فقالوا : نحن هرون و أبو جعفر في أيدينا ! فأسمع ذلك رسول سالم فرجع ، ثم تصافوا للقتال و أشار عليه بعض أصحابه أن يجعلهم كراديس ليكون أثبت و الصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره ، فأبى إبراهيم إلا الصف صف أهل الإسلام ، و وافقه بقية أصحابه . ثم اقتتلوا و انهزم حميد بن قحطبة و انهزم معه الناس و عرض لهم عيسى يناشدهم الله و الطاعة ، فقال لهم حميد : لا طاعة في الهزيمة و لم يبق مع عيسى إلا فل قليل فثبت و استمات و بينما هو كذلك إذ قدم جعفر و محمد بن سليمان بن علي و جاء من وراء إبراهيم و أصحابه فانعطفوا و اتبعهم أصحاب عيسى و رجع المنهزمون من أصحابه بأجمعهم اعترضهم إمامهم ، فلا يطيقون و مخافة و لا و ثوبه ، فانهزم أصحاب إبراهيم و ثبت هو في ستمائة أو أربعمائة من أصحابه و حميد يقاتله . ثم أصابه سهم بنحره فأنزلوه و اجتمعوا عليه .و قال حميد شدوا على تلك الجماعة فاحصروهم عن إبراهيم و قطعوا رأسه و جاؤا به إلى عيسى فسجد و بعثه إلى المنصور ، ذلك لخمس بقين من ذي القعدة الحرام سنة خمس و أربعين ، و لما وضع رأسه بين يدي المنصور بكى ، و قال : و الله أني كنت لهذا كارهاً و لكني ابتليت بك و ابتليت بي . ثم جلس للعامة فأذن للناس فدخلوا و منهم من يثلب إبراهيم مرضاة للمنصور حتى دخل جعفر بن حنظلة النهراني فسلم ثم قال : عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك و غفر له ما فرط فيه من حقك ، فتهلل وجه المنصور و أقبل عليه و كناه بأبي خالد و استدناه .

بناء مدينة بغداد
و ابتدأ المنصور سنة ست و أربعين في بناء مدينة بغداد و سبب ذلك ثورة الراوندية عليه بالهاشمية ، و لأنه كان يكره أهل الكوفة و لا يأمن على نفسه منهم . فتجافي عن جوارهم و سار إلى مكان بغداد اليوم و جمع من كان هناك من البطارقة فسألهم عن أحوال مواضعهم في الحر و البرد و المطر و الوحل و الهوام و استشارهم فأشاروا عليه بمكانها و قالوا تجيئك الميرة في السفن من الشام و الرقة و مصر و المغرب إلى المصرات . و من الصين و الهند و البصرة و واسط و ديار بكر و الروم و الموصل في دجلة .و من أمينية و ما اتصل بها في تامرا حتى يتصل بالزاب بين أنهار كالخنادق لا تعبر إلا على القناطى و الجسور و إذا يكن لعدوك مطمع و أنت متوسط بين البصرة و الكوفة و واسط و الموصل قريب من البر و البحر و الجبل . فشرع المنصور في عمارتها و كتب إلى الشام و الجبل و الكوفة و واسط و البصرة في الصناع و الفعلة و اختار من ذوي الفضل و العدالة و العفة و الأمانة و المعرفة بالهندسة فأحضرهم لذلك ، منهم : الحجاج بن أرطأة و أبو حنيفة الفقيه و أمر بخطها بالرماد فشكلت أبوابها و فضلانها و طاقاتها و نواحيها ، و جعل على الرماد حب القطن فاضرم ناراً ثم نظر إليها و هي تشتعل فعرف رسمها و أمر أن تحفر الأسس على ذلك الرسم .و وكل بها أربعة من القواد يتولى كل واحد منهم ناحية ، و وكل أبا حنيفة بعد الآجر و اللبن .و كان أراده على القضاء و المظالم فأبى فحلف أن لا يقلع عنه حتى يعمل له عملاً فكان هذا .و أمر المنصور أن يكون عرض أساس القصر من أسفله خمسين ذراعاً و من أعلاه عشرين و جعل في البناء القصب و الخشب و وضع بيده أول لبنة و قال : بسم الله و الحمد لله و الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ثم قال ابنوا على بركة الله ، فلما بلغ مقدار قامة جاء الخبر بظهور محمد المهدي ، فقطع البناء و سار إلى الكوفة حتى فرغ من حرب محمد و أخيه و رجع من مدينة ابن هبيرة إلى بغداد و استمر في بنائها ، و استشار خالد بن برمك في نقض المدائن و الإيوان فقال: لا أرى ذلك لأنه من آثار الإسلام و فتوح العرب و فيه مصلى علي بن أبي طالب فاتهمه بمحبة العجم و أمر بنقض القصر الأبيض فإذا الذي ينفق في نقضه أكثر من ثمن الجديد فأقصر عنه . فقال خالد : لا أدري إقصارك عنه لئلا يقال عجزوا عن هدم ما بناه غيرهم ، فأعرض عنه و نقل الأبواب إلى بغداد من واسط و من الشام و من الكوفة ، و جعل المدينة مدورة و جعل قصره وسطها ليكون الناس منه على حد سواء .و جعل المسجد الجامع بجانب القصر و عمل لها سورين و الداخل أعلى من الخارج . و وضع الحجاج ابن ارطاة قبلة المسجد ، و كان وزن اللبنة التي يبنى بها مائة رطل و سبعة عشر رطلاً و طولها ذراع في ذراع ، و كانت جماعة من الكتاب و القواد تشرع أبوابها إلى رحبة الجامع ، و كانت الأسواق داخل المدينة فأخرجهم إلى ناحية الكرخ لما كان الغرباء يطرقونها و يبيتون فيها ، و جعل الطرق أربعين ذراعاً و كان مقدار النفقة عليها في المسجد و القصر و الأسواق و الفضلان و الخنادق و الأبواب أربعة آلاف ألف و ثمانمائة ألف و ثلاثة و ثلاثين ألف درهم .و كان الأستاذ من البنائين يعمل يومه بقيراط ، و الروز كاري بحبتين ، و حاسب القواد عند الفراغ منها فألزم كلاً بما بقي عنده و أخذه حتى أخذ من خالد بن الصلت منهم خمسة عشر درهماً بعد أن حبسه عليها .

العهد للمهدي و خلع عيسى بن موسى
كان السفاح قد عهد إلى عيسى بن موسى بن علي و ولاه الكوفة فلم يزل عليها ، فلما كبر المهدي أراه المنصور أبوه أن يقدمه في العهد على عيسى ، و كان يكرمه في جلوسه فيجلس عن يمينه و المهدي عن يساره فكلمه في التأخر عن المهدي في العهد فقال : يا أمير المؤمنين كيف بالإيمان التي علي و على المسلمين و أبى من ذلك ، فتغير له المنصور و باعده بعض الشيء .و صار يأذن للمهدي قبلة و لعمه عيسى بن علي و عبد الصمد . ثم يدخل عيسى فيجلس تحت المهدي و استمر المنصور على التنكر له و عزله عن المكوفة لثلاث عشرة سنة من ولايته ، و ولى مكان محمد بن سليمان بن علي ، ثم راجع عيسى نفسه فبايع المنصور للمهدي بالعهد و جعل عيسى من بعده . و يقال إنه أعطاه أحد عشر ألف ألف درهم و وضع الجند في الطرقات لأذاه و إشهاد خالد بن برمك عليه جماعة من الشيعة بالخلع تركت جميعها لأنها لا تليق بالمنصور و عدالته المقطوع بها فلا يصح من تلك الأخبار شيء .

خروج استادسيس
كان رجل إدعى النبوة في جهات خراسان فاجتمع إليه نحو ثلثمائة ألف مقاتل من أهل هراة و باذغيس و سجستان و سار إليه الأخثم عامل مرو الروذ في العساكر فقاتل الأخثم و عامة أصحابه ، و تتابع القواد في لقائه فهزمهم و بعث المنصور و هو بالبرادق خازم بن خزيمة إلى المهدي في اثني عشر ألفاً فولاه المهدي حربه فزحف إليه في عشرين ألفاً و جعل على ميمنتة الهيثم بن شعبة بن ظهير و على ميسرته نهار بن حصن السعدي و في مقدمته بكار بن مسلم العقيلي و دفع لواءه للزبرقان . ثم راوعهم في المزاحفة و جاء إلى موضع فخندق عليه و جعل له أربعة أبواب ، و أتى أصحاب أستادسيس بالفؤس و المواعيل ليطموا الخندق فبدؤا بالباب الذي يلي بكار بن مسلم فقاتلهم بكار و أصحابه حتى ردوهم عن بابهم فأقبلوا على باب خازم و تقدم منهم الحريش من أهل سجستان فأمر خازم الهيثم بن شعبة أن يخرج من باب بكار و يأتي العدو من خلفهم و كانوا متوقعين قدوم أبي عون و عمر بن مسلم بن قتيبة و خرج على الحريش و اشتد قتاله معهم .و بدت أعلام الهيثم من ورائهم فكبر أهل العسكر و حملوا عليهم فكشفوهم و لقيهم أصحاب الهيثم فاستمر فيهم القتل سبعون ألفاً و أسر أربعة عشر ، و تحصن أستادسيس على حكم أبي عون فحكم بأن يوثق هو و بنوه و يعتق الباقون ، و كتب إلى المهدي بذلك فكتب المهدي إلى المنصور و يقال إن أستادسيس أبو مراجل أم المأمون و ابنه غالب خال المأمون الذي قتل الفضل بن سهل .


ولاية هشام بن عمر الثعلبي على السند
كان على السند أيام المنصور عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة و يلقب مرامى ألف رجل و لما كان مكن امر المهدي ما قدمناه بعث ابنه عبد الله الأشت إلى البصرة ليدعو له ، فسار من هنالك إلى عمر بن حفص و كان يتشيع فأهدى له خيلاً ليتمكن بها من لقائه . ثم دعاه فأجاب و بايع له و أنزله عنده مختفياً و دعا القواد و أهل البلد فأجابوا فمزق الأعلام و هيأ لبسه من البياض يخطب فيها ، و هو في ذلك إذ فجأه الخبر بقتل المهدي فدخل على ابنه أشتر و عزاه فقال له : الله في دمي فأشار عليه باللحاق بملك من ملوك السند عظيم المملكة ، كان يعظم جهة النبي صلى الله عليه و سلم ، و كان معروفاً بالوفاء ، فأرسل إليه بعد أن عاهده عليه ، و استقر عند ذلك الملك . و تسلل إليه جماعة من الزيدية من أربعمائة ، و بلغ ذلك المنصور فغاظه و كتب إلى عمر بن حفص بعزله و أقام يفكر فيمن يوليه السند ، و عرض له يوماً هشام بن عمر الثعلبي و هو راكب ثم اتبعه إلى بيته و عرض عليه أخته ، فقال للربيع : لو كانت لي حاجة في النكاح لقبلت ، فجزاك الله خيرا ، و قد وليتك السند فتجهز لها و أمره أن يحارب ملك السند و يسلم إليه الأشتر ففعل ، و أقام المنصور يستحثه . ثم خرجت خارجة بالسند فبعث هشام أخاه سفيحاً لحسم الداء عنها ، فمر بنواحي ذلك الملك فوجد الأشتر يتنزه في شاطئ همذان في عشرة من الفراسان فجاء ليأخذه فقاتلهم حتى قتل و قتل أصحابه جميعاً .و كتب هشام بذلك إلى المنصور فشكره و أمر بمحاربة ذلك الملك فظفر به و غلب على مملكته ، و بعث بسراري عبد الله الأشتر و معه ولد منه اسمه عبد الله بعث بهم المنصور إلى المدينة و أسلمه إلى أهله و لما ولى هشام بن عمر على السند و عزل عمر بن حفص عنها ثم حدثت فتق بأفريقية بعثه إلى سده كما سيأتي في أخبارها .

بناء الرصافة للمهدي
و لما رجع المهدي من خراسان قدم عليه أهله بيته من الشام و الكوفة و البصرة فأجازهم و كساهم و جملهم و كذلك المنصور . ثم شعب عليهم الجند فأشار عليهم قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بأن يفرق بينهم و يستكفيه في ذلك ، و أمر بعض غلمانه أن يعترضه بدار الخلافة و يسأله بحق الله و رسله و العباس و أمير المؤمنين أبي الحسين من أشرف اليمن أم مضر ؟ فقال : مضر كان منها رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيها كتاب الله و عندها بيت الله و منها خليفة الله فغضب اليمن إذ لم يذكر لها فضلاً . ثم كبح بعضهم بغلة قثم فامتنعت مضر و قطعوا الذي كبحها فتشاجر الحيان و تعصبت لليمن ربيعة و الخراسانية للدولة و أصبحوا أربع فرق ، و قال قثم للمنصور : إضرب كل واحدة بالأخرى و سير لابنك المهدي فلل أنير له بجنده فيتناظرون أهل مدينتك فقبل رأيه و أمر صالحاً صاحب المصلى ببناء الرصافة للمهدي .

مقتل معن بن زائدة
كان المنصور قد ولى على سجستان معن بن زائدة الشيباني و أرسل إلى رتبيل في الضريبة التي عليه فبعث بها عروضاً زائدة الثمن فغضب معن و سار الرخج على مقدمته يزيد ابن أخيه يزيد ففتحها و سبى أهلها و قتلهم و مضى رتبيل إلى عزمه و انصرف معن إلى بست فشتى بها و نكر قوم من الخوارج سيرته فهجموا عليه و فتكوا به في بيته و قام يزيد بأمر سجستان و قتل قاتليه و اشتدت على أهل البلاد وطأته فتحيل بعضهم بأن كتب المنصور على لسان كتاباً يتضجر من كتب المهدي إليه و يسأله أن يعفى من معاملته ، فأغضب ذلك المنصور و أقرأ المهدي كتابه و عزله و حبسه ثم شفع فيه شخص إلى مدينة السلام فلم يزل مجفواً حتى بعث إلى يوسف البرم بخراسان كما يذكر بعد .

العمال على النواحي أيام السفاح و المنصور
كان السفاح قد ولى عند بيعته على الكوفة عمه داود بن علي و جعل على حجابته عبد الله بن بسام و على شرطته موسى بن كعب و على ديوان الخراج خالد بن برمك و بعث عمه عبد الله لقتال مروان مع أبي عون بن يزيد بن قحطبة تقدمه ، و بعث يحيى ابن جعفر ابن تمام بن العباس إلى المدائن ، و كان أحمد بن قحطبة تقدمه و بعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن عمار بن ياسر إلى الأهواز مدداً لبسام بن إبراهيم ، و دفع ولاية خراسان إلى أبي مسلم ، فولى أبو مسلم عليها إياداً و خالد بن إبراهيم و بعث عمه عبد الله في مقدمته لحرب مروان أخاه صالحاً و معه أبو عون بن يزيد ، فلما ظفر و انصرف ترك أبا عون يزيد بمصر و استقل عبد الله بولاية الشام و ولى السفاح أخاه أبا جعفر على الجزيرة و أرمينية و أذربيجان فولى على أرمينية يزيد بن أسد و على أذربيجان محمد بن صول و نزل الجزيرة . و كان أبو مسلم ولى على فارس محمد بن الأشعث حين قتل أبا مسلمة الخلال ، فبعث السفاح عليها عيسى فمنعه محمد بن الأشعث و استخلفه على الولاية فبعث عليها عمه إسمعيل . و ولى على الكوفة ابن أخيه موسى ، و على البصرة سفيان بن معاوية المهلبي و على السند منصور بن جمهور و نقل عمه داود إلى ولاية الحجاز و اليمن و اليمامة . ثم ولى على البصرة و أعمالها و كور دجلة و البحرين و عمان و توفي داود بن علي سنة علي سنة ثلاث و ثلاثين ، فولى مكانه على اليمن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عبد المدان و على مكة و المدينة و الطائف و اليمامة خاله زياد ابن عبد الله بن عبد المدان الحارثي و هو عم محمد بن يزيد . و فيها بعث محمد بن الأشعث إلى أفريقية ففتحها و في سنة أربعة و ثلاثين بعث صاحب الشرطة موسى بن كعب لقتال منصور بن جمهور ، و ولاه مكانه على السند ، فاستخلف مكانه على الشرطة المسيب بن زهير .و توفي عامل اليمن محمد بن يزيد ، فولى مكانه علي بن الربيع بن عبيد الله الحارثي .و لما استخلف المنصور و انتقض عبد الله بن علي و أبو مسلم ولى على خراسان أبا داود خالد بن إبراهيم و على مصر صالح بن علي وعلى الشام عبد الله بن علي . ثم هلك خالد ابن إبراهيم سنة أربعين فولى مكانه عبد الجبار ابن عبد الرحمن فانتقض لسنة من ولايته ، فبعث المنصور ابنه المهدي على خراسان و في مقدمته خازم بن خزيمة فظفر بعبد الجبار . و توفي سليمان عامل البصرة سنة أربعين فولى مكانه سفيان بن معاوية ، و مات موسى بن كعب بالسند و ولى مكانه ابنه عيينة فانتفض ، فبعث المنصور مكانه عمر بن حفص بن أبي صفرة و ولى مصر في هذه السنة حميد بن قحطبة . و ولى على الجزيرة و الثغور و العواصم أخاه العباس ابن محمد و كان بها يزيد بن أسيد و عزل عمه إسمعيل عن الموصل ، و ولى مكانه مالك ابن الهيثم الخزاعي . و في سنة ست و أربعين عزل الهيثم بن معاوية و ولى على مكة و الطائف مكانه السري بن عبد الله بن الحرث بن العباس نقله إليها من اليمامة ، و ولى مكانه من اليمن قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس ، و عزل حميد بن قحطبة عن مصر و ولى مكانه نوفل بن الفرات ، ثم عزله و ولى مكانه يزيد بن حاتم ابن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة .و ولى على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري ثم اتهمه في أمر ابن أبي الحسن فعزله ، و ولى مكانه رباح بن عثمان المزني و لما قتله أصحابه محمد المهدي ولى مكانه عبد الله بن الربيع الحارثي .و لما قتل إبراهيم أخو المهدي سنة خمس و أربعين ولى المنصور على البصرة سالم بن قتيبة الباهلي ، و ولى على الموصل ابنه جعفراً مكان مالك بن الهيثم و بعث معه حرب بن عبد الله من أكابر قواده . ثم عزل سالم بن قتيبة عن البصرة سنة ست و أربعين ، و ولى مكانه محمد بن سليمان ، و عزل عبد الله بن الربيع عن المدينة ، و ولى مكانه جعفر بن سليمان ، و عزل السري بن عبد الله عن مكة و ولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي . و ولى سنة سبع و أربعين على الكوفة محمد بن سليمان مكان عيسى بن موسى لما سخطه بسبب العهد .و ولى مكانه محمد بن سليمان على البصرة محمد بن السفاح فاستعفاه و رجع إلى بغداد فمات ، و استخلف بها عقبة بن سالم فأقره .و ولى على المدينة جعفر بن سليمان ، و ولى سنةثمان و أربعين على الموصل خالد بن برمك لإفساد الأكراد في نواحيها ، عزل سنة تسع و أربعين عمه عبد الصمد عن مكة ، و ولى مكانه محمد بن إبراهيم ، و في سنة خمسين عزل جعقر بن سليمان عن المدينة ، و ولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن . و في سنة إحدى و خمسين عزل عمر بن حفص عن السند و ولى مكانه هشام بن عمر و الثعلبي ، و ولى عمر بن حفص على أفريقية .ثم بعث يزيد بن حاتم من مصر مدداً له ، و ولى مكانه بمصر بن سعيد .و في هذه السنة قتل معن بن زائدة بسجستان كما تقدم فقام بأمره يزيد ابن أخيه يزيد ، فأقره المنصور ثم عزله و في هذه السنة سار عقبة بن سالم من البصرة و استخلف نافع ابن عقبة فغزا البحرين و قتل ابن حكيم العدوي و استقصره المنصور بإطلاق أسراهم فعزله و ولى جابر بن مومة الكلابي ، ثم عزله و ولى مكانه عبد الملك بن طيبان النهيري . ثم عزله و ولى الهيثم بن معاوية العكي .و فيها ولى على مكة و الطائف محمد بن إبراهيم الإمام ، ثم عزله و ولى مكانه إبراهيم ابن أخيه يحيى بن محمد ، و ولى على الموصل إسمعيل بن خالد بن عبد الله القسري .و مات أسيد بن عبد الله أمير خراسان فولى مكانه حميد بن قحطبة و في سنة ثلاث و خمسين توفي عبيد الله بن بنت أبي ليلى قاضي الكوفة فاستقضى شريك بن عبد الله النخعي و كان على اليمن يزيد بن منصور و في سنة خمس و أربعين بل أربع و خمسين عزل عن الجزيرة أخاه العباس و أغرمه مالاً ، و ولى مكانه موسى بن كعب الخثعمي ، و كان سبب عزله شكاية يزيد بن أسيد منه ، ولم يزل ساخطاً على العباس حتى غضب على عمه إسمعيل ، فشفع فيه إخوته عمومة المنصور فقال عيسى بن موسى : يا أمير المؤمنين شفعوا في أخيهم و أنت ساخط على أخيك العباس منذ كذا ‍‍! و لم يكلمك فيه أحد منهم فرضي عنه .و في سنة خمس و خمسين عزل محمد بن سليمان عن الكوفة و ولى مكانه عمر بن زهير الضبي أخاه المسيب صاحب الشرطة ، و كان من أسباب عزله ، أنه حبس عبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة على الزندقة ، و كتب إليه أن يتبين أمره فقتله قبل وصول الكتاب ، فغضب عليه المنصور و قال : لقد هممت أن أقيده به . و عزل عمه عيسى في أمره لأنه الذي كان أشار بولايته .و فيها عزل الحسن بن زيد عن المدينة و ولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي ، و كان على الأهواز و فارس عمارة بن حمزة .و في سنة سبع و خمسين ولى على البحرين سعيد بن دعلج صاحب الشرطة بالبصرة ، فأنفذ إليها ابنه تميماً و مات سوار بن عبد الله قاضي البصرة فولى مكانه عبيد الله بن الحسن بن الحصين العيري .و عزل محمد بن الكاتب عن مصر و ولى مكانه مولاه مطراً و عزل هشام بن عمر عن السند و ولى مكانه معبد بن الخليل .و في سنة ثمان و خمسين عزل موسى بن كعب عن الموصل لشيء بلغه عنه فأمره ابنه المهدي أن يسير إلى الرقة مورياً بزيارة القدس و يكفل طريقة على الموصل فقبض عليه ، و كان المنصور قد ألزم خالد بن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم و أجله في إحضارها ثلاثاً و إلا قتله ، فبعث ابنه يحيى إلى عمارة حمزة و مبارك التركي و صالح صاحب المصلى و غيرهم من القواد ليستقرض منهم ، قال يحيى : فكلهم بعث إلا أن منهم من منعني الدخول و منهم من يجيبني بالرد إلا عمارة بن حمزة فإنه أذن لي و وجهه إلى الحائط ، و لم يقبل علي ، و سلمت فرد خفيفاً ، و سأل كيف خالد فعرفته و استقرضته فقال : إن أمكنني شيء يأتيك فانصرفت عنه . ثم أنفذ المال فجمعناه في يومين و تعذرت ثلثمائة ألف . و ورد على المنصور انتقاض الموصل و الجزيرة و انتشار الأكراد بها ، و سخط موسى بن كعب فأشار عليه المسيب بن زهير بخالد بن برمك فقال : كيف يصلح بعدما فعلنا ؟ فقال : أنا ضامنه فصفح له عما بقي عليه ، و عقد له على الموصل ، و لابنه يحيى على أذربيجان .و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:12 pm

سارا مع المهدي فعزل موسى بن كعب و ولاهما . قال يحيى : و بعثني خالد إلى عمارة بقرضه و كان مائة ألف ، فقال لي : أكنت لأبيك صديقاً ؟ قم عني لاقمت . و لم بزل خالد على الموصل إلى وفاة المنصور .و في هذه السنة عزل المنصور المسيب بن زهير عن شرطته و حبسه مقيداً لأنه ضرب أبان بن بشير الكاتب بالسياط حتى قتله ، و كان مع أخيه عمر بن زهير بالكوفة ، و ولى المنصور على فارس نصر بن حرب بن عبد الله . ثم على الشرطة ببغداد عمر بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار ، و على قضائها عبد الله بن محمد بن صفوان . ثم شفع المهدي في المسيب و أعاده إلى شرطته .

الصوائف
كان أمر الصوائف قد انقطع منذ سنة ثلاثين بما وقع من الفتن ، فلما كانت سنة ثلاث و ثلاثين أقبل قسطنطين ملك الروم إلى ملطية و نواحيها فنازل حصن بلخ ، و استنجدوا أهل ملطية فأمدوهم بثمانمائة مقاتل ، فهزمهم الروم و حاصروا ملطية و الجزيرة مفتوحة و عاملها موسى بن كعب بخراسان فسلموا البلد على الأمان لقسطنطين .و دخلوا إلى الجزيرة و خرب الروم ملطية ، ثم ساروا إلى قاليقلا ففتحوها . و في هذه السنة سار أبو داود و خالد بن إبراهيم إلى الجتن فدخلها فلم تمتنع عليه ، و تحصن منه السبيل ملكهم ، و حاصره مدة ، ثم فرض الحصن و لحق بفرغانة . ثم دخلوا بلاد الترك و انتهوا إلى بلد الصين ، و فيها بعث صالح بن علي بن فلسطين سعيد بن عبد الله لغزو الصائفة وراء الدروب .و في سنة خمس و ثلاثين غزا عبد الرحمن بن حبيب عامل أفريقية جزيرة صقلية فغنم و سبى و ظفر بمالم يظفر به أحد قبله . ثم سفل ولاة أفريقية بفتن البربر فأمن أهل صقلية و عمر الحصون و المعاقل و جعلوا الأساطيل تطوف بصقلية للحراسة ، و ربما صادفوا تجار المسلمين في البحر فأخذوهم و في سنة ثمان و ثلاثين خرج قسطنطين ملك الروم فأخذ ملطية عنوة و هدم سورها و عفا عن أهلها .فغزا العباس بن محمد الصائفة و معه عماه صالح و عيسى ، و بني ما خربه الروم من سور ملطية من سورة الروم ، ورد إليها أهلها و أنزل بها الجند و دخل دار الحرب من درب الحرث و توغل في أرضهم .و دخل جعفر بن حنظلة البهراني من درب ملطية .و في سنة تسع و ثلاثين كان الفداء بين المسلمين و الروم في أسرى قاليقلا و غيرهم . ثم غزا بالصائفة سنة أربعين عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام و معه الحسن قحطبة ، و سار إليهم قسطنطين ملك الروم في مائة ألف فبلغ جيحان و سمع كثرة المسلمين فأحجم عنهم و رجع ،و لم تكن بعدها صائفة إلى سنة ست و أربعين ، لاشتغال المنصور بفتنة بني حسن . و في سنة ست و أربعين خرج الترك و الحدر بن باب الأبواب و انتهوا إلى أرمينية و قتلوا من أهلها جماعة و رجعوا .و في سنة سبع و أربعين أغار أسترخان الخوارزمي في جمع من الترك على أرمينية فغنم و سبى و دخل تفليس فعاث فيها .و كان حرب بن عبد الله مقيماً بالموصل في ألفين من الجند لمكان الخوارزمي بالجزيرة ، فأمره المنصور بالمسير لحرب الترك مع جبريل بن يحيى ، فانهزموا و قتل حرب في كثير من المسلمين .و فيها غزا بالصائفة مالك بن عبد الله الخثعمي من أهل فلسطين ، و يقال له ملك الصوائف فغنم غنائم كثيرة و قسمها بدرب الحرث و في سنة تسع و أربعين غزا بالصائفة العباس بن محمد و معه الحسن بن قحطبة و محمد بن الأشعث ، فدخلوا أرض الروم و عاثوا و رجعوا .و مات محمد بن الأشعث في طريقه في سنة إحدى و خمسين و قتل أخوه محمد ولم يدر .ثم غزا بالصائفة سنة أربع و خمسين زفر بن عاصم الهلالي .و في سنة خمس بعدها طلب ملك الروم الصلح على أن يؤدي الجزية ، و غزا بالصائفة يزيد بن أسيد السلمي و غزا بها سنة ست و خمسين و غزا بالصائفة معيوب بن يحيى من درب الحرثى و لقي فاقتتلوا ثم تحاجزوا .

وفاة المنصور و بيعته المهدى
و في سنة ثمان و خمسين توفي المنصور منصرفاً من الحج ببئر ميمون لست خلت من ذي الحجة و كان قد أوصى المهدي عند وداعه فقال : لم أدع شيئاً إلا تقدمت إليك فيه و سأوصيك بخصال و ما أظنك تفعل واحدة منها ، و له سفط فيه دفاتر علمه و عليه قفل لا يفتحه غيره ، فقال للمهدي : انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فإن فيه علم آبائك ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الكبير ، فإن أصبت فيه ما تريد و إلا ففي الثاني و الثالث حتى تبلغ سبعة . فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد ما تريد فيها و ما أظنك تفعل . فانظر هذه المدينة و إياك أن تستبدل بها غيرها ، و قد جمعت فيها من الأموال ما أنكر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند و النفقات و الذرية و مصلحة البيوت . فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزاً ما دام بيت مالك عامراً و ما أظنك تفعل . و أوصيك بأهل بيتك و أن تظهر كرامتهم و تحسن إليهم و تقدمهم و توطئ الناس أعقابهم و توليهم المنابر فإن عزك عزهم و ذكرهم لك و ما أظنك تفعل . و أوصيك بأهل خراسان خيراً فإنهم أنصارك و شيعتك الذين بذلوا أموالهم و دماءهم في دولتك و أن لا تخرج محبتك من قلوبهم ، و أن تحسن إليهم و تتجاوز عن مسيئهم و تكافئهم عما كان منهم ، و تخلف من مات منهم في أهله و ولده و ما أظنك تفعل . و إياك أن تبني مدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها و أظنك ستفعل . و إياك أن تستعين برجل من بين سليم و أظنك ستفعل . و إياك أن تدخل النساء في أمرك و أظنك ستفعل . و قيل قال له : إني ولدت في ذي الحجة و وليت في ذي الحجة و قد يحس في نفسي أن أموت في ذي الحجة في هذه السنة ، و إنما حد لي الحج على ذلك . فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل لك فيما كربك و حزنك فرجاً و مخرجاً و يرزقك السلامة و حسن العاقبة من حيث لا تحتسب . يا بني إحفظ محمداً صلى الله عليه و سلم في أمته يحفظك الله و يحفظ عليك أمورك ، و إياك و الدم الحرام فإنه حوب عند الله عظيم و عار في الدنيا لازم مقيم ، و الزم الحدود فإن فيها صلاحك في الآجل و صلاحك في العاجل ، و لا تعتد فيها فتبور ، فإن الله تعالى لو علم أن شيئاً أصلح منها لدينه و أزجر عن معاصيه لأمر به في كتابه .و أعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب و العقاب على من سعى في الأرض فساداً مع ما ادخر له من العذاب الأليم فقال : " إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً " الآية . فالسلطان يا بني حبل الله المتين وعروته الوثقى و دينه المقيم فاحفظه و حصنه و ذب عنه ، و أوقع بالملحدين اقمع المارقين منه ، و قابل الخارجين عنه بالعقاب ، و لا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن . و احكم بالعدل و لا تشطط فإن ذلك أقطع للشعث و أحسم للعدو و أنجع في الدواء ، و اعف عن الفيء فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك و افتتح بصلة الرحم و بر القرابة و إياك و الأثرة و التبديد لأموال الرعية و اشحن الثغور و اضبط الأطراف و أمن السبيل و سكن العامة ، و أدخل المرافق عليهم و ارفع المكاره عنهم و أعد الأموال و اخزنها ، و إياك و التبديد فإن النوائب غير مأمونة و هي من شيم الزمان . و أعد الأكراع و الرجال و الجند ما استطعت . و إياك و تأخير عمل اليوم لغد فتتداول الأمور و تضيع ، و خذ في أحكام الأمور و النازلات في أوقاتها أولاً أولاً ، و اجتهد و شمر فيها و أعد رجالاً بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار ، و رجالاً بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل . و باشر الأمور بنفسك و لا تضجر و لا تكسل ، و استعمل حسن الظن و أسيء الظن بعملك و كتابك ، و خذ نفسك بالتيقظ و تفقد من يبيت على بابك و سهل إذنك للناس و انظر في أمر النزاع إليك وكل بهم عيناً غير نائمة و نفساً غير ساهية ، و لا تنم فإن أباك لم ينم منذ ولي الخلافة و لا دخل عينه الغمض إلا و قلبه مستيقظ . هذه وصيتي إليك و الله خليفتي عليك . ثم ودعه و سار إلى الكوفة فأحرم منها قارناً ، و ساق الهدي و أشعره و قلده لأيام خلت من ذي القعدة . و لما سار منازل عرض له وجعه الذي مات به . ثم اشتد فجعل يقول للربيع و كان عديله بادربي إلى حرم ربي هارباً من ذنوبي فلما وصل بئر ميمون مات سحر السادس من ذي الحجة لم يحضر إلا خدمه و الربيع مولاه . فكتموا الأمر ثم غدا أهل بيته على عادتهم ، فدعا عيسى بن علي العم ثم عيسى بن موسى بن محمد ولي العهد ، ثم الأكابر و ذوي الأنساب ، ثم عامتهم ، فبايعهم الربيع للمهدي ثم بايع القواد و عامة الناس . و سار العباس بن محمد و محمد بن سسليمان إلى مكة فبايعا الناس للمهدي بين الركن و المقام و جهزوه إلى قبره و صلى عليه عيسى بن موسى ، قيل إبراهيم ابن يحيى ، و دفن في مقبرة المعلاة و ذلك لاثنتين و عشرين من سنة خلافته . و ذكر علي بن محمد النوفلي عن أبيه و هو من أهل البصرة و كان يختلف إلى المنصور تلك الأيام قال : جئت من مكة صبيحة موته إلى العسكر ، فإذا موسى بن المهدي عند عمود السرادق و القاسم بن منصور في ناحية فعلمت أنه قد مات . ثم أقبل الحسن بن زيد العلوي و الناس حتى ملؤا السرادق و سمعنا همس البكاء . ثم خرج ابو العنبر الخادم مشقوق الأقبية و على رأسه التراب و هو يستغيث ، و قام القاسم فشق ثيابه . ثم خرج الربيع و في يده قرطاس فقرأه على الناس و فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلىمن خلف من بني هاشم و شيعة من أهل خراسان و عامة المسلمين . ثم بكى و بكى الناس ثم قال : البكاء أمامكم فانصتوا رحمكم الله : ثم قرأ : أما بعد فإني كتبت كتابي هذا و أنا حي في آخر يوم من أيام الدنيا أقرأ عليكم السلام ، و أسأل الله أن لا يفتنكم بعدي و لا يلبسكم شيعاً و لا يذيق بعضكم بأس بعض . ثم أخذ في وصيتهم للمهدي و حثهم على الوفاء بعهده . ثم تناول الحسن بن زيد و قال : قم فبايع ، فبايع موسى بن المهدي لأبيه ثم بايع الناس الأول فالأول . ثم دخل بنو هاشم و هو في أكفانه مكشوف الرأس لمكان الإحرام ، فحملوه على ثلاثة أميال من مكة فدفنوه . و كان عيسى بن موسى لما بايع الناس أبى من الشيعة فقال له علي بن عيسى بن ماهان : و الله لتبايعن و إلا ضربنا عنقك . ثم بعث موسى بن المهدي و الربيع بالخبر و البردة و القضيب و خاتم الخلافة إلى المهدي و خرجوا من مكة . و لما وصل الخبر إلى المهدي منتصف ذي الحجة إجتمع إليه أهل بغداد و بايعوه ، و كان أول ما فعله المهدي حين بويع أنه أطلق من كان في حبس المنصور إلا من كان في دم أو مال أو من يسعى بالفساد ، و كان فيمن أطلق يعقوب بن داود و كان محبوساً مع الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن . فلما أطلق ساء ظن إبراهيم و بعث إلى من يثق به بحفر سرب يفضي إلى محبسه و بلغ ذلك يعقوب بن داود فجاء إلى ابن علاثة القاضي و أوصله إلى أبي عبيد الله الوزير ليوصله إلى المهدي فأوصله و استخلاه فلم يحدثه حتى قام الوزير و القاضي و أخبره بتحقيق الحال ، فأمره بتحويل الحسن ، ثم هرب بعد ذلك ولم يظفر به . و شاور يعقوب بن داود في أمره فقال أعطه الأمان و أنا أحضره و أحضره . ثم طلب من المهدي أن يجعل له السبيل في رفع أمور الناس وراء بابه إليه فأذن له و كان يدخل كلما أراد و يرفع إليه النصائح في أمر الثغور و بناء الحصون و تقوية الغزاة و ترويح العذاب و فكاك الأسرى و المحبوسين ، و القضاء على الغارمين و الصدقة على المتعففين فحظى بذلك و تقدمت منزلته و سقطت منزلة أبي عبد الله ، و وصله المهدي بمائة ألف و كتب له التوقيع بالإخاء في الله .

ظهور المقنع و مهلكه
كان هذا المقنع من أهل مرو و يسمى حكيماً و هاشمياً ، و كان يقول بالتناسخ و أن الله خلق آدم فتحول في صورته ثم في صورة نوح ثم إلى أبي مسلم ثم إلى هاشم و هو المقنع . فظهر بخراسان و ادعى الإلهية و اتخذ وجهاً من ذهب فجعله على وجهه فسمي المقنع ، و أنكر قتل يحيى بن يزيد و زعم أنه يأخذ بثأره ، و تبعه خلق عظيم من الناس و كانوا يسجدون له . و تحصن بقلعة بسام من رساتيق كش و كان قد ظهر بخارى و الصغد جماعة من المبيضة فاجتمعوا معه على الخلاف ، و أعانهم كفار الأتراك و أغاروا على المسلمين من ناحيتهم ، و حاربهم أبو النعمان و الجنيد و ليث بن نصر بن سيار ، فقتلوا أخاه محمد بن نصر و حسان ابن أخيه تميم . و أنفذ المهدي إليهم جبريل بن يحيى و أخاه يزيد لقتال المبيضة فقاتلوهم أربعة أشهر في بعض حصون بخارى و ملكوه عنوة ، فقتل منهم سبعمائة و لحق فلهم بالمقنع و جبريل في اتباعهم . ثم بعث المهدي أبا عون لمحاربة المقنع فلم يبالغ في قتاله فبعث معاذ بن مسلم في جماعة القواد و العساكر و على مقدمته سعيد الحريشني ، و أتاه عقبة بن مسلم من ذم فاجتمعوا بالطواويس و أوقعوا بأصحاب المقنع فهزمزهم ، و لحق فلهم بالمقنع في بسام فتحصنوا بها . و جاء معاذ فنازلهم و فسد ما بينه و بين الحريشي ، فكتب الحريشي إلى المهدي بالسعاية في معاذ و يضمن الكفاية إن أفرد بالحرب ، فأجابه المهدي إلى ذلك و انفرد بحرب المقنع و أمده معاذ بابنه وجاؤا بآلات الحرب حتى طلب أصحاب المقنع الأمان سراً فأمنهم ، و خرج إليه ثلاثون ألفاً و بقي معه زهاء ألفين ، و ضايقوه بالحصار فأيقن بالهلاك و جمع نساءه و أهله فيقاتل سقاهم السم ، و يقال بل أحرقهم و أحرق نفسه بالنار و دخلوا القلعة و بعث الحريشي برأس المقنع إلى المهدي فوصل إليه بحلب سنة ثلاث و تسعين .

الولاة أيام المهدي
وعزل المهدي سنة تسع و خمسين عمه إسمعيل عن الكوفة و ولى عليها إسحق بن الصفاح الكندي ثم الأشعي ، و قتل عيسى بن لقمان بن محمد بن صاحب الجمحي و عزل سعيد بن دعلج عن أحداث البصرة و عبيد الله بن الحسن عن الصلاة ، و ولى مكانهما عبد الملك بن أيوب بن طيبان الفهيري . ثم جعل الأحداث إلى عمارة بن حمزة فولاها للسود بن عبد الله الباهلي . و عزل قثم بن العباس عن اليمامة و ولى مكانه الفضل بن صالح ، و عزل مطراً مولى المنصور عن مصر و ولى مكانه أبا ضمرة محمد بن سليمان . وعزل عبد الصمد بن علي عن المدينة و ولى مكانه محمد بن عبد الله الكثيري ثم عزله و ولى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان ، ثم عزله وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي . و توفي معبد بن الخليل عامل السند فولى مكانه روح بن حاتم بإشارة وزيره أبي عبد الله ، و توفي حميد بن قحطبة بخراسان فولى عليها مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد ، ثم سخطه سنة ستين فعزله ، و ولى معاذ بن مسلم . و ولى على سجستان حمزة بن يحيى و على سمرقند جبريل بن يحيى فبنى سورها و حصنها و كان على اليمن رجاء بن روح و ولى على قضاء الكوفة شريك و ولى على فارس و الأهواز و دجلة قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن ثم عزله و ولى مكانه محمد بن سليمان ، و ولى على السند بسطام بن عمر و ولى اليمامة بشر بن المنذر وفي سنة إحدى و تسعين ولى علىالسند محمد بن الأشعث و استقضى عافية القاضي مع ابن علاثة بالرصافة و عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة ، و ولى مكانه عبد الصمد بن علي ، و ولى عيسى بن لقمان على مصر و يزيد بن منصور على سواد الكوفة و حسان السروري على الموصل وبسطام بن عمر و الثعلبي على أذربيجان ، و عزله عن السند . وتوفي نصر بن مالك بن صالح صاحب الشرطة فولى مكانه حمزة بن مالك و كان الأبان بن صدقة كاتباً للرشيد ، فصرفه و جعله مع الهادي ، و جعله هو مع هرون يحيى ابن خالد و عزل محمد بن سليمان أبا ضمرة عن مصر و ولى مكانه سليمان بن رجاء ، و كان على سواد الكوفة يزيد بن منصور و على أحداثها إسحق بن منصور. و في سنة ست و ستين عزل علي بن سليمان عن اليمن و ولى مكانه عبد الله بن سليمان ، و عزل مسلمة بن رجاء عن مصر و ولى مكانه عيسى بن لقمان ثم عزله لأشهر . و ولى مكانه مولاه واضحاً ، ثم عزله و ولى مكانه يحيى الحريشي ، و كان على طبرستان عمر بن العلاء و سعيد بن دعلج و على جرجان مهليل بن صفوان و وضع ديوان الأرمة و ولى عليها عمر بن يزيع مولاه .

العهد للهادي و خلع عيسى
كان جماعة من بني هاشم و شيعة المهدي خاضوا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد و البيعة لموسى الهادي بن المهدي ، و نمي ذلك إلى المهدي فسر به و استقدم عيسى بن موسى من منزله بالرحبة من أعمال الكوفة فامتنع من القدوم . فاستعمل المهدي علىالكوفة روح بن حاتم و أوصاه بالإضرار فلم يجد سبيلاً إلى ذلك . و كان عيسى لا يدخل الكوفة إلا يوم جمعة أو عيد . و بعث إليه المهدي يتهدده فلم يجب ، ثم بعث عمه العباس يستقدمه فلم يحضر ، فبعث قائدين من الشيعة فاستحضراه إليه ، و قدم على عسكر المهدي و أقام أياماً يختلف إليه ولا يكلم بشيء . و حضر الدار يوماً و قد اجتمع رؤساء الشيعة لخلعه فثاروا به ، وأغلق الباب الذي كان خلفه فكسروه ، و أظهر المهدي النكير عليهم فلم يرجعوا إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته و أشدهم محمد بن سليمان و اعتذر بالإيمان التي عليه . فأحضر المهدي القضاة و الفقهاء و فيهم محمد بن علاثة و مسلم بن خالد الزنجي ، فأفتوه بمخارج الإيمان و خلع نفسه و أعطاه المهدي عشرة آلاف درهم و ضياعاً بالزاب و كسكر و بايع لابنه موسى الهادي بالعهد . ثم جلس المهدي من الغد و أحضر أهل بيته و أخذ بيعتهم و خرج إلى الجامع وعيسى معه فخطب و أعلم الناس ببيعة الهادي و دعاهم إليها فبادروا و أشهد عيسى بالخلع .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف الموسيقار الأربعاء نوفمبر 03, 2010 3:11 pm

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  7293842781588005961
الموسيقار
الموسيقار
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50694
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف احمدعبدالعليم الأربعاء نوفمبر 03, 2010 10:36 pm

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  2
احمدعبدالعليم
احمدعبدالعليم
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 5479
المهارة : 28603
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 31

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف الموسيقار الخميس نوفمبر 04, 2010 1:16 pm

احمدعبدالعليم كتب:
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  2



أتفق معاك 100 % زي مدحت شلبي
الموسيقار
الموسيقار
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50694
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:04 pm

فتح باربد من السند
و بعث المهدي سنة تسع و خمسين عبد الملك بن شهلب المسمعي في جمع كثير من الجند و المقطوعة إلى بلاد الهند فركبوا البحر من فارس ونزلوا بأرض الهند ، و فتحوا باربد فافتتحوا عنوة ، و لجأ أهلها إلى البد فأحرقوه عليهم فاحترق بعض و قتل الباقون ، و استشهد من المسلمين بضعة و عشرون و أقاموا بعض أيام إلى أن يطيب الريح فوقع فيهم موتان فهلك ألف فيهم إبراهيم بن صبيح . ثم ركبوا البحر إلى فارس فلما انتهوا إلى ساحل حران عصفت الريح فانكسرت عامة مراكبهم و غرق الكثير منهم .

حج المهدي
وفي سنة ستين حج المهدي و استخلف على بغداد ابنه الهادي ، و خاله يزيد بن منصور ، و استصحب ابنه هرون و جماعة من أهل بيته ،و كان معه الوزير يعقوب بن داود ، فجاء في مكة بالحسن بن إبراهيم الذي ضمنه على الأمان فوصله المهدي و أقطعه .و لما وصل إلى مكة اهتم بكسوة الكعبة فكساها بأفخر الكسوة بعد أن نزع ما كان عليها .و كانت فيها كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين ، و قسم مالاً عظيماً هنالك في مصارف الخير فكان منه مما جاء به من العراق ثلاثون ألف درهم ، و وصل إليه من مصر ثلثمائة ألف دينار و من اليمن مائة ألف دينار ففرق ذلك كله ، و فرق مائة ألف ثوب و خمسين ألف ثوب ، و وسع المسجد ، و نقل خمسمائة من الأنصار إلى العراق جعلهم في حرسه و أقطع لهم و أجرى الأرزاق .و لما رجع أمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من قصور المنصور من القادسية إلى زبالة ، و أمر باتخاذ المصانع في كل منها منهل ، و بتحديد الأميال و حفر الآبار ، و ولى على ذلك بقطير بن موسى ، و أمر بالزيادة في مسجد البصرة و تصغير المنابر إلى مقدار منبر النبي صلى الله عليه و سلم . و أمر في سنة سبع و ستين بالزيادة في الحرمين على يد بقطير فدخلت فيه دور كثيرة ، و لم يزل البناء فيهما إلى وفاة المهدي .

نكبة الوزير أبي عبد الله
كان أبو عبد الله الأشعري قد اتصل بالمهدي أيام أبيه المنصور فلطفت عنده منزلته و استوزره وسار معه إلى خراسان و عظمت به بطانة المهدي فأكثروا فيه السعاية ، و كان الربيع يدرأ عنه و يعرض كتبه على المنصور و يحسن القول فيه . فكتب المنصور إلى المهدي بالوصاية به و أن لا يقبل فيه السعاية ، و لما مات المنصور قام الربيع ببيعة المهدي ، و قدموا إلى بغداد جاء الربيع إلى باب أبي عبد الله قبل المهدي و قبل أهله فعذله ابنه الفضل على ذلك ، فقال : هو صاحب الرجل و ينبغي أن نعامله بغير ما كنا نعامله ، و إياك أن تذكر ما كنا نصنع في حقه أو تمنن بذلك في نفسك . فلما وقف ببابه أمهله طويلاً من المغرب إلى العشاء ثم أذن له فدخل عليه و هو متكئ فلم يجلس و لا أقبل عليه .و شرع الربيع يذكر أمر البيعة فكفه و قال : قد بلغنا أمركم . فلما خرج استطال عليه ابنه الفضل بالعذل فيما فعل بأن لم يكن الصواب . فقال له : ليس الصواب إلا ما عملته ، و لكن و الله لأنفقن مالي و جاهي في مكروهه ، وجد في السعاية فيه فلم يجد طريقاً إليها لاحتياطه في أمر دينه و أعماله . فأتاه من قبل ابنه محمد و دس إلى المهدي بعرضه لحرمة و أنه زنديق ، حتى لا استحكمت التهمة فيه أحضره المهدي في غييبه من أبيه ، ثم قال له : إقرأ فلم يحسن فقال لأبيه : ألم تقل أن ابنك يقرأ القرآن ؟ فقال : فارقني منذ سنين و قد نسي ، فأمر به المهدي فقتل .و استوحش من أبي عبد الله و ساءت منزلته إلى أن كان من أمره ما نذكره و عزله عن ديوان الرسائل و رده إلى الربيع ، و ارتفعت منزلة يعقوب بن داود عند المهدي و عظم شأنه و أنفذ عهده إلى جميع الآفاق بوضع الأمناء ليعقوب ، و كان لا ينفذ كتاب المهدي حتى يكتب يعقوب إلى يمينه بانفاذ ذلك .

ظهور دعوة العباسية بالأندلس و انقطاعها
و في سنة إحدى و ستين أجاز عبد الرحمن بن حبيب الفهري من أفريقية إلى الأندلس داعية لبني العباس ، و نزل بساحل مرسية ، و كاتب سليمان بن يقطن عامل سرمقسطة في طاعة المهدي فلم يجبه .و قصد بلاده فيمن معه من البربر فهزمه سليمان و عاد إلى تدبير .و سار إليه عبد الرحمن صاحب الأندلس و أحرق السفن في البحر تضييقاً على ابن حبيب في النجاة فاعتصم بجبل منيع بنواحي بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه المال فاغتاله بعض البربر وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار و ذلك سنة اثنتين و ستين .و هم عبد الرحمن صاحب الأندلس أمر ذلك لغزو الشام من الأندلس على العدوة الشمالية لأخذ ثأره فعصى عليه سليمان بن يقطن و الحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد عثمان الأنصاري في سرقسطة فشغلوه عما اعتزم عليه من ذلك .

غزو المهدي
تجهز المهدي سنة ثلاث و ستين لغزو الروم و جمع الأجناد من خراسان و من الآفاق و توفي عمه عيسى بن علي آخر جمادى الأخيرة بعسكره ، و سار من الغد و استخلف على بغداد ابنه موسى الهادي و استصحب هرون ، و مر في طريقه بالجزيرة و الموصل ، فعزل عبد الصمد بن علي و حبسه ثم أطلقه سنة ست و ستين .و لما جاز ببني مسلمة بن عبد الملك ذكره عمه العباس بما فعله مسلمة مع جدهم محمد بن علي ، و كان أعطاه مرة في اجتيازه عليه ألف دينار فأحضر المهدي ولد مسلمة و مواليه و أعطاهم عشرين ألف دينار و أجرى عليهم الأرزاق ، و عبر الفرات إلى حلب ، فأقام بها و بعث ابنه هرون للغزو و أجاز معه الدروب إلى جيحان مشيعاً ، و بعث معه عيسى بن موسى و عبد الملك بن صالح و الحسن بن قحطبة و الربيع بن يونس و يحيى بن خالد بن برمك و كان إليه أمر العسكر و النفقات ، و حاصروا حصن سمالوا أربعين يوماً فتحوه بالأمان و فتحوا بعده فتوحات كثيرة ، و عادوا إلى المهدي و قد أثخن في الزنادقة و قتل من كان في تلك الناحية منهم . ثم قفل إلى بغداد و مر ببيت المقدس و صلى في مسجده و رجع إلى بغداد .

العهد لهرون
و في سنة ست و ستين أخذ المهدي البيعة لابنه هرون بعد أخيه الهادي و لقبه الرشيد .

نكبة الوزير يعقوب بن داود
كان أبو داود بن طهمان كاتباً لنصر بن سيار هو و إخوته و كان شيعياً و على رأي الزيدية و لما خرج يحيى بن زيد بخراسان كان يكاتبه بأخبار نصر فأقصاه نصر ، فلما طلب أبو مسلم بدم يحيى جاءه داود فأمنه في نفسه و أخذ ما أكتسبه من المال أيام نصر ، و أقام بعد ذلك عاطلاً . و نشأ له ولد أهل أدب و علم و صحبوا أولاد الحسن . و كان داود يصحب إبراهيم بن عبد الله فورثوا ذلك عنه ، و لما قتل إبراهيم طلبهم المنصور و حبس يعقوب و علياً مع الحسن بن إبراهيم حتى توفي ، و أطلقهما المهدي بعده مع من أطلق . و داخله المهدي في أمر الحسن لما فر من الحبس فكان ذلك سبباً لوصلته بالمهدي حتى استوزره ، فجمع الزيدية و ولاهم شرقاً و غرباً و كثرت السعاية فيه من البطانة بذلك و بغيره و كان المهدي يقبل سعايتهم حتى يروا أنها قد تمكنت ، فإذا غدا عليه تبسم و سأله .و كان المهدي مشتهراً بالنساء فيخوض معه في ذلك و فيما يناسبه و يتغلب برضاه و سامره في بعض الليالي و جاء ليركب دابته و قد نام الغلام ، فلما ركب نفرت الدابة من قعقعة ردائه فسقط و رمحته فانكسر فانقطع عن المهدي و تمكن أعداؤه من السعاية حتى سخطه و أمر به فحبس و حبس عماله و أصحابه .و يقال بل دفع إليه علوياً ليقتله فأطلقه ، و نمي ذلك إلى المهدي فأرسل من أحضره ، و قال ليعقوب أين العلوي ؟ فقال : قتلته فأخرجه إليه حتى رآه . ثم حبس في المطبق و دلي في بئر فيه . و بقي أيام المهدي و الهادي ثم أخرج و قد عمي و سأل من الرشيد المقام بمكة فأذن له . و قيل في سبب تغيره انه كان ينهى المهدي عن شرب أصحابه النبيذ عنده و يكثر عليه في ذلك و يقول : أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ لا و الله لا على هذا استوزرتني و لا عليه صحبتك !

مسير الهادي إلى جرجان
و في سنة سبع و ستين عصى و تداهر من شرو بن ملكاً طبرستان من الديلم فبعث المهدي ولي عهده موسى الهادي و جعل على جنده محمد بن حميد و على حجابته نفيعاً مولى المنصور و على حرسه عيسى بن ماهان و على رسائله أبان بن صدقة و توفي أبان بن صدقة فبعث المهدي مكانه أبا خالد الأجرد . فسار المهدي و بعث الجنود في مقدمته و أمر عليهم يزيد فحاصرهما حتى استقاما و عزل المهدي يحيى الحريشي عن طبرستان و ما كان إليه و ولى مكانه عمر بن العلاء و ولى على جرجان فراشه مولاه ثم بعث سنة ثمان و ستين يحيى الحريشي في أربعين ألفاً إلى طبرستان .

العمال بالنواحي
و في سنة ثلاث و ستين ولي المهدي ابنه هرون على المغرب كله و أذربيجان و أرمينية و جعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى و على الرسائل يحيى بن خالد بن برمك و عزل زفر بن عاصم عن الجزيرة و ولى مكانه عبد الله بن صالح ، و عزل معاذ بن مسلم عن خراسان و ولى مكانه المسيب بن زهير الضبي ، و عزل يحيى الحريشي عن أصبهان و ولى مكانه الحكم بن سعيد ، و عزل سعيد بن دعلج عن طبرستان و ولى مكانه عمر بن العلاء ، و مهلهل بن صفوان عن جرجان و ولاها هشام بن سعيد . و كان على الحجاز و اليمامة جعفر بن سليمان ، و على الكوفة إسحق بن الصباح ، و على البحرين و البصرة و فارس و الأهواز محمد بن سليمان ، فعزله سنة أربع و ستين و ولى مكانه صالح بن داود .و كان على السند محمد بن الأشعث .و في سنة خمس و ستين عزل خلف بن عبد الله عن الري و ولاها عيسى مولى جعفر ، و ولى على البصرة روح بن حلتم و على البحرين و عمان و الأهواز و فارس و كرمان النعمان مولى المهدي .و عزل محمد بن الفضل عن الموصل و ولى مكانه أحمد بن إسمعيل .و في سنه ست و ستين عزل عبيد الله بن الحسن العنبري عن قضاء البصرة و استقضى مكانه خالد بن طليق ابن عمران بن حصين فاستعفى أهل البصرة منه .و ولى المهدي على قضائه أبا يوسف حين سار جرجان .و اضطربت في هذه السنة خراسان على المسيب بن زهير فولاها أبا العباس الفضل بن سليمان الطوسي ، و أضاف إليه سجستان ، فولى هو على سجستان سعيد بن دعلج . و ولى على المدينة إبراهيم ابن عمه و عزل منصور بن يزيد عن اليمن و ولى مكانه عبد الله بن سليمان الربعي .و كان على مصر إبراهيم بن صالح و توفي في هذه السنة عيسى بن موسى بالكوفة و هي سنة سبع و ستين .و عزل المهدي يحيى الحريشي عن طبرستان و الرويان و ما كان إليه و ولاه عمر بن العلاء و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:05 pm

ولى على جرجان فراشه مولاه . و حج بالناس إبراهيم ابن عمه يحيى و هو على المدينة و مات بعد قضاء الحج ، فولى مكانه إسحق بن موسى بن علي و على اليمن سليمان بن زيد الحارثي و على اليمامة عبد الله بن مصعب الزبيرى و على البصرة محمد بن سليمان و على قضائها عمر بن عثمان التميمي و على الموصل أحمد بن إسمعيل الهاشمي . و قتل موسى بن كعب و وقع الفساد في بادية البصرة من الأعراب بين اليمامة و البحرين و قطعوا الطريق و انتهكوا المحارم و تركوا الصلاة .

الصوائف
و في سنة تسع و خمسين أغزى المهدي عمه العباس بالصائفة و على مقدمته الحسن الوصيف فبلغوا أهرة و فتحوا مدينة أوهرة و رجعوا سالمين و لم يصب من المسلمين أحد . و في سنة احدى و ستين غزا بالصائفة يمامة بن الوليد فنزل دابق و جاشت الروم مع ميخاييل في ثمانين ألفاً و نزل عمق مرعش فقتل و سبى و غنم ، و حاصر مرعش و قتل من المسلمين عدداً ، و انصرف إلى جيحان فكان عيسى بن علي مرابطاً بحصن مرعش فعظم ذلك على المهدي و تجهز لغزو الروم .و خرجت الروم سنة اثنتين و ستين إلى الحرث فهدموا أسوارها و غزا بالصائفة الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفاً من المرتزقة فبلغ جهة أدرركبه و أكثر التحريق و التخريق ولم يفتح حصناً و لا لقي جمعاً و رجع بالناس سالماً . و غزا يزيد بن أسيد السلمي من ناحية قاليقلا فغنم و سبى و فتح ثلاثة حصون . ثم غزا المهدي بنفسه سنة ثلاث و ستين كما مر ثم غزا سنة أربع و ستين عبد الكبير بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب من درب الحرث فخرج إليه ميخاييل و طارد الأرمني البطريقان في تسعين ألفاً فحام عن لقائهم و رجع بالناس ، فغضب عليه المهدي و هم بقتله فشفع فيه و حبسه .و في سنة خمس و ستين بعث المهدي ابنه هرون بالصائفة و بعث معه الربيع فتوغل في بلاد الروم و لقيه عسكر نقيطا من القواميس فبارزه يزيد بن مزيد فهزمهم ، و غلب على عسكرهم و لحقوا بالدمشق صاحب المسالح ، فحمل لهم مائتي ألف دينار و اثنتين و عشرين ألف درهم ، و سار الرشيد بعساكره و كانت نحواً من مائة ألف فبلغ خليج قسطنطينية و على الروم يومئذ غسطة امرأة إليوك كافلة لابنها منه صغيراً ، فجرى الصلح على الفدية و أن تقيم له الأدلاء و الأسواق في الطريق لأن مدخله كان ضيقاً مخوفاً فأجابت لذلك ، و كان مقدار الفدية سبعين ألف دينار كل سنة و مدة الصلح ثلاث سنين و كان ما سباه المسلمون قبل الصلح خمسة آلاف رأس و ستمائة رأس و قتل من الروم في وقائع هذه الغزوات أربعة و خمسون ألفاً و من الأسرى ألفان . ثم نقض الروم هذا الصلح سنة ثمان و ستين ولم يستكملوا مدته بقي منها أربعة أشهر و كان على الجزيرة و قنسرين علي ابن سليمان فبعث يزيد بن البدر بن البطال في عسكر فغنموا و سبوا و ظفروا و رجعوا .

وفاة المهدي و بيعة الهادي
و في سنة تسع و ستين اعتزم المهدي على خلع ابنه موسى الهادي من العهد و البيعة للرشيد به ، و تقديمه على الهادي و كان بجرجان فبعث إليه بذلك فاستقدمه فضرب الرسول و امتنع ، فسار إليه المهدي فلما بلغ ما سبدان توفي هنالك . و يقال مسموماً من بعض جواريه ، و يقال سمت إحداهما الأخرى في كثرى فغلط و أكلها و يقال حاز صيداً فدخل وراءه إلى خربة فدق الباب ظهره و كان موته في المحرم و صلى عليه ابنه الرشيد و بويع ابنه موسى الهادي لما بلغه موت أبيه و هو مقيم بجرجان يحارب أهل طبرستان .و كان الرشيد لما توفي المهدي و العسكر بما سبدان نادى في الناس بإعطاء تسكيناً و قسم فيهم مائتين مائتين ، فلما استوفوها تنادوا بالرجوع إلى بغداد و تشايعوا إليها و استيقنوا موت المهدي ، فأتوا باب الربيع و أحرقوا و طالبوا بالأرزاق و نقبوا السجون . و قدم الرشيد بغداد في إثرهم فبعث الخيزران إلى الربيع فامتنع يحيى خوفاً من غيرة الهادي و أمرت الربيع بتسكين الجند فسكنوا و كتب الهادي إلى الربيع يتهدده فاستشاريحيى في أمره و كان يثق بوده فأشار عليه بأن يبعث ابنه الفضل يعتذر عنه و تصحبه الهدايا و التحف ففعل و رضى الهادي عنه و أخذت البيعة ببغداد للهادي .و كتب الرشيد بذلك إلى الآفاق و بعث نصيراً الوصيف إلى الهادي بجرجان فركب اليزيد إلى بغداد فقدمها في عشرين يوماً . فاستوزر الربيع و هلك لمدة قليلة من وزارته .و اشتد الهادي في طلب الزنادقة و قتلهم ، و كان منهم علي بن يعطى و يعقوب بن الفضل من ولد ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، كان قد أقر بالزندقة عند المهدي إلا أنه كان مقسماً أن لا يقتل هشمياً فحبسه و أوصى الهادي بقتله ولد عمهم داود بن علي فقتلهما و أما عماله فكان على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و على مكة و الطائف عبد الله بن قثم و على اليمن إبراهيم بن مسلم بن قتيبة و على اليمامة و البحرين سويد القائد الخراساني و على عمان الحسن بن سليم الحواري و على الكوفة موسى بن عيسى بن موسى ، و على البصرة ابن سليمان و على جرجان الحجاج مولى الهادي ، وعلى قومس زياد بن حسان و على طبرستان و الرويان صالح بن عمير مولى و على الموصل هاشم بن سعيد بن خالد ، و عزله الهادي لسوء سيرته و ولى مكانه عبد الملك و صالح بن علي و أما الصائفة فغزا بها في هذه السنة و هي سنة تسع و تسعين معيوب بن يحيى و قد كان الروم خرجوا مع بطريق لهم إلى الحرث فهرب الوالي و دخلها الروم و عاثوا فيها فدخل معيوب وراءهم من درب الراهب و بلغ مدينة استة و غنم و سبى و عاد .

ظهور الحسين المقتول بفتح
و هو الحسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط ، كان الهادي قد استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز كما مر فأخذ يوماً الحسن بن المهدي بن محمد بن عبد الله بن الحسين الملقب أبا الزفت ، و مسلم بن جندب الهذلي الشاعر ، و عمر بن سلام مولى العمريين على شراب لهم ، فضربهم و طيف بهم بالمدينة بالحبال في أعناقهم ، و جاء الحسين إليه فشفع فيهم و قال : ليس عليهم حد فإن أهل العراق لا يرون به بأساً و ليس من الحد أن نطيفهم فحبسهم . ثم جاء ثانية و معه من عمومته يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم بعد ذلك فكفلاه و أطلقه من الحبس . و ما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضاً و يعرضون فغاب الحسن عن العرض يومين ، فطلب به الحسين بن علي و يحيى بن عبد الله كافليه و أغلظ لهما ، فحلف يحيى أنه يأتي به من ليلته أو يدق عليه الباب يؤذنه به .و كان بين الطالبيين ميعاد للخروج في الموسم فأعجلهم ذلك عنه و خرجوا من ليلتهم .و ضرب يحيى على العمري في باب داره بالسيف و اقتحموا المسجد فصلوا الصبح و بايع الناس الحسين المرتضى من آل محمد على كتاب الله و سنة رسوله .و جاء خالد اليزيدي في مائتين من الجند و العمري و ابن إسحق الأزراق و محمد بن واقد في ناس كثيرين فقاتلهم و هزموهم من المسجد ، و اجتمع يحيى و إدريس بن عبد الله بن حسن فقتلاه و انهزم الباقون و افترق الناس . و أغلق أهل المدينة أبوابهم و انتهت القوم من بيت المال بضعه عشر ألف دينار و قيل سبعين ألفاً ، و اجتمعت شيعة بني العباس من الغد و قاتلوهم إلى الظهر و فشت الجراحات و افترقوا . ثم قدم مبارك التركي من الغد حاجاً فقاتل مع العباسية إلى منتصف النهار و افترقوا ، و واعدهم مبارك الرواح إلى القتال و استغفلهم و ركب رواحله راجعاً و اقتتل الناس المغرب ثم افترقوا .و يقال إن مباركاً دس إلى الحسين بذلك تجافياً عن أذيه أهل البيت ، و طلب أن يأخذ له عذراً في ذلك بالبيات فبيته الحسين و استطرد له راجعاً و أقام الحسين و أصحابه بالمدينة واحداً و عشرين يوماً آخر ذي القعدة ، و لما بلغها نادى في الناس بعتق من أتى إليه من العبيد فاجتمع إليه جماعة . و كان قد حج تلك السنة رجال من بني العباس منهم سليمان بن المنصور و محمد بن سليمان بن علي و العباس بن محمد بن علي و موسى و إسمعيل أبناء عيسى بن موسى . و لما بلغ خبر الحسين إلى الهادي كتب إلى محمد بن سليمان و ولاه على حربه و كان معه رجال و سلاح و قد أغذ بهم عن البصرة خوف الطريق ، فاجتمعوا بذي طوى ، و قدموا مكة فحلوا من العمرة التي كانوا أحرموا بها .و انضم إليهم من حج من شيعتهم و مواليهم و قوادهم ، و اقتتلوا يوم التروية ، فانهزم الحسين و أصحابه و قتل كثير منهم ، و انصرف محمد بن سليمان و أصحابه إلى مكة و لحقهم بذي طوى رجل من خراسان برأس الحسين ينادي من خلفهم بالبشارة ، حتى ألقى الرأس بين أيديهم مضروباً على قفاه وجبهته ، و جمعت رؤوس القتلى فكانت مائة و نيفاً و فيها رأس سليمان أخي المهدي ابن عبد الله ، و اختلط المنهزمون بالحاج .و جاء الحسن بن المهدي أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان و العباس بن محمد فأخذه موسى بن عيسى و قتله و غضب محمد بن سليمان من ذلك و غضب الهادي لغضبه و قبض أمواله و غضب على مبارك التركي و جعله سائس الدواب فبقي كذلك حتى مات الهادي . و أفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله أخو المهدي فأتى مصر و علي يريدها ، و أصبح مولى صالح بن المنصور و كان يتشيع لآل علي فحمله على البريد إلى المغرب و وقع بمدينة وليلة من أعمال طنجة و اجتمع البريد على دعوته و قتل الهادي و أصحابه بذلك و صلبه و كان لإدريس و ابنه إدريس و أعقابهم حروب نذكرها بعده .

حديث الهادي في خلع الرشيد
كان الهادي يبغض الرشيد بما كان المهدي أبوهما يؤثره ، و كان رأى في منامه أنه دفع إليهما قضيين فأورق قضيب الهادي من أعلاه قضيب الرشيد كله ، و تأول ذلك بقصر مدة الهادي و طول مدة الرشيد و حسنها . فلما ولي الهادي أجمع خلع الرشيد و البيعة لابنه جعفر مكانه ، و فاوض في ذلك قواده فأجابه يزيد بن مزيد و علي بن عيسى و عبد الله بن مالك ، و حرضوا الشيعة على الرشيد لينقصوه و يقولوا لا نرضى به ، و نهى الهادي أن يشاور بين يديه بالحرب فاجتنبه الناس ، و كان يحيى بن خالد يتولى أموره فاتهمه الهادي بمداخلته و بعث إليه و تهدده فحضر عنده مستميتاً و قال : يا أمير المؤمنين أنت أمرتني بخدمته من بعد المهدي ! فسكن غضبه و قال له في أمر الخلع فقال : يا أمير المؤمنين أنت إن حملت الناس على نكث الإيمان فيه هانت عليهم فيمن توليه ، و إن بايعت بعده كان أوثق للبيعة ، فصدقه و سكت عنه ، و عاد أولئك الذين جفلوه من القواد و الشيعة فأغروه بيحيى و أنه الذي منع الرشيد من خلع نفسه ، فحبسه الهادي فطلب الحضور للنصيحة ، و قال له يا أمير المؤمنين أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر و هو صبي و يرضون به لصلاتهم و حجهم و غزوهم ، و تأمن أن يسمو إليها عند ذلك أكابر أهل بيتك فتخرج من ولد أبيك ، و الله لولم يعقد المهدي لكان ينبغي أن تعقده أنت له حذراً من ذلك ، و أني أرى أن تعقده لأخيك ، فإذا بلغ ابنك أتيتك بأخيك فخلع نفسه و بايع له فقبل الهادي قوله و أطلقه .ولم يقنع القواد ذلك لأنهم كانوا حذرين من الرشيد في ذلك و ضيق عليه و استأذنه في الصيد فمضى إلى قصر مقاتل و نكره الهادي و أظهر خفاءه و بسط الموالي و القواد فيه ألسنتهم .

وفاة الهادي و بيعة الرشيد
ثم خرج الهادي إلى حديقة الموصل فمرض و اشتد مرضه هناك و استقدم العمال شرقاً و غرباً .و لما ثقل تآمر القواد الذين بايعوا جعفراً في قتل يحيى بن خالد ، ثم أمسكوا خوفاً من الهادي . ثم توفي الهادي في شهر ربيع الأول سنة سبعين و مائة ، و قيل توفي بعد أن عاد من حديقة الموصل .و يقال إن أمه الخيزران وصت بعض الجوارى عليه فقتلته لأنها كانت أول خلافته تستبد عليه بالأموار فعكف الناس و اختلفت المواكب ، و وجد الهادي لذلك فكلمته يوماً في حاجة فلم يجبها فقالت : قد ضمنتها لعبد الله بن مالك . فغضب الهادي و شتمه و حلف لاقضيتها فقامت مغضبه ، فقال : مكانك و إلا انتفيت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه و سلم . لئن بلغني أن أحداً من قوادي و خاصتي و قف ببابك لأضربن عنقه و لأقبضن ماله ، ما للمواكب تغدو و تروح عليك ؟ أما لك يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك ؟ إياك إياك لا يفتحي بابك لمسلم و لاذمي ! فانصرفت و هي لا تعقل . ثم قال لأصحابه : إيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه ، و يقال فعلت أم فلان و صنعت ؟ فقالوا لا نحب ذلك . قال : فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون معها ؟ فيقال : إنه لما وجد في خلع الرشيد خافت عليه منه ، فلما ثقل مرضه وصت بعض الجواري فجلست على وجهه فمات ، و صلى عليه الرشيد .و جاء هرثمة بن أعين إلى الرشيد فأخرجه و أجلسه للخلافة ، و أحضر يحيى فاستوزره و كتب إلى الأطراف بالبيعة .و قيل : إن يحيى هو الذي جاءه و أخرجه فصلى على الهادي و دفنه إلى يحيى و أعطاه خاتمه .و كان يحيى يصدر عن رأي الخيزران أم الرشيد .و عزل لأول خلافته عمر بن عبد العزيز العمري عن المدينة و ولى مكانه إسحق بن سليمان ، وتوفي يزيد بن حاتم عامل أفريقية ، فولى مكانه روح بن حاتم ، ثم توفي فولى بنه الفضل ، ثم قتل فولى هرثمة بن أعين كما يذكر في أخبار أفريقية .و أفراد الثغور كلها عن الجزيرة و قنسرين و جعلها عمالة و سماها العواصم ، و أمره بعمارة طرسوس و نزلها الناس .و حج لأول خلافته و قسم في الحرمين مالاً كثيراً .و أغرى بالصائفة سليمان بن عبد الله البكائي ، و كان على مكة و الطائف عبد الله بن قثم و على الكوفة عيسى بن موسى و على البحرين و البصرة و اليمامة و عمان و الأهواز و فارس محمد بن سليمان بن علي ، و على خراسان أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسي ثم عزله و ولى مكانه جعفر بن محمد بن الأشعث . فسار إلى خراسان و بعث ابنه العباس إلى كابل فاقتتحها و افتتح سابهار و غنم ما كان فيها . ثم استقدمه الرشيد فعزله و ولى مكانه ابنه العباس ، و كان على الموصل عبد الملك بن صالح فعزله و ولى مكانه إسحق بن محمد بن فروح ، فبعث إليه الرشيد أبا حنيفة حرب بن قيس فأحضره إلى بغداد و قتله ، و ولى مكانه و كان على أرمينية يزيد بن مزيد بن زائدة ابن أخي معن فعزله و ولى مكانه أخاه عبد الله بن المهدي . و ولى سنة إحدى و سبعين على صدقات بني ثعلب روح بن صالح الهمداني فوقع بينه و بين ثعلب خلاف و جمع لهم الجموع و فبيتوه و قتلوه في جماعة من أصحابه .و توفي سنة ثلاث و سبعين محمد بن سليمان والي البصرة و كان أخوه جعفر كثير السعاية فيه عند الرشيد و إنه يحدث نفسه بالخلافة ! و أن أمواله كلها فيء من أمواله المسلمين فاستضفاها الرشيد و بعث من قبضها ، و كان لا يعبر عنها من المال و المتاع و الدواب ، و احضروا من العين فيها ستين ألف ألف دينار ولم يكن إلا أخوه جعفر فاحتج عليه الرشيد بإقراره أنها فيء .و توفي سنة أربع و سبعين والي الرشيد إسحق بن سليمان على السند و مكران و استقضى يوسف بن أبي يوسف في حياة أبيه ، و في سنة خمس و سبعين عقد لابنه محمد بن زبيدة ولاية العهد و لقبه الأمين و أخذ له البيعة و عمره خمس سنين بسعاية خاله عيسى بن جعفر بن المنصور و وساطة الفضل بن يحيى ، و فيها عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان و ولاها خاله الغطريف بن عطاء الكندي .

خبر يحيى بن عبد الله في الديلم
و في سنة خمس و سبعين خرج يحيى بن عبد الله بن حسن أخو المهدي بالديلم و اشتدت شوكته و كثر جمعه و أتاه الناس من الأمصار فندب إليه الرشيد الفضل بن يحيى في خمسين ألفاً و ولاه جرجان و طبرستان و الري و ما إليها و وصل معه الأموال فسار و نزل بالطالقان و كاتب يحيى و حذره و بسط أمله و كتب إلى صاحب االديلم في تسهيل أمر يحيى على أن يعطيه ألف ألف درهم فأجاب يحيى على الأمان بخط الرشيد و شهادة الفقهاء و القضاء و أجله بني هاشم و مشايخهم عن عبد الصمد منهم فكتب له الرشيد بذلك و بعثه مع الهدايا و التحف و قدم يحيى مع الفضل فلقيه الرشيد بكل ما أحب و أفاض عليه العطاء و عظمت منزلته الفضل عنده ثم أن الرشيد حبس يحيى إلى أن هلك في حبسه .

ولاية جعفر بن يحيى مصر
كان موسى بن عيسى قد ولاه الرشيد مصر فبلغه أنه عازم على الخلع فرد أمرها إلى جعفر بن يحيى و أمره بإحضار عمر بن مهران و أن يوليه عليها ، و كان أحول مشوه الخلق خامل البزة يردف غلامه خلفه . فلما ذكرت له الولاية قال على شرطية أن يكون أمري إذا صلحت البلاد انصرفت فأجابه إلى ذلك .و سار مصر و أتى مجلس موسى فجلس في أخريات الناس حتى إذا افترقوا رفع الكتاب إلى موسى فقرأه و قال : متى يقدم أبو حفص ؟ فقال : أنا أبو حفص ! فقال موسى : لعن الله فرعون حيث قال : أليس لي ملك مصر ثم سلم له العمل . فتقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبل من الهدية إلا ما يدخل في الكيس ، فبعث الناس بهداياهم و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:06 pm

كانوا يمطلون بالخراج . فلكا حضر النجم الأول و الثاني و شكوا الضيق في الثالث أحضر الهدايا و حسبها لأربابها و استوفى خراج مصر و رجع إلى بغداد .

الفتنة بدمشق
و في هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية و اليمانية و رأس المضرية أبو الهيدام عامر بن عمارة من ولد خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري ، و كان أصل الفتنة بين القيس و بين اليمانية قتلوا منهم رجلاً فاجتمعوا لثأره ، و كان على دمشق عبد الصمد بن علي فجمع كبار العشائر ليصلحوا بينهم فأمهلتهم اليمانية و بيتوا المضرية فقتلوا ثلثمائة أو ضعفها ، فاستجاشوا بقبائل قضاعة و سليم فلم ينجدوهم و أنجدتهم قيس ، و ساروا معهم إلى البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمانمائة و طال الحرب بينهم . و عزل عبد الصمد عن دمشق و ولى مكانه إبراهيم بن صالح بن علي . ثم اصطلحوا بعد سنين و وفد إبراهيم على الرشيد و كان هواه مع اليمانية فوقع في قيس عند الرشيد و اعتذر عنهم عبد الواحد بن بشر و استحلف إبراهيم على دمشق ابنه إسحق فحبس جماعة من قيس و ضربهم . ثم وثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسي فقتلوه ، و استنجد أخوه بالدواقيل من حوران فأنجدوه و قتلوا من اليمانية نفراً . ثم وثبت اليمانية بكليب بن عمر بن الجنيد بن عبد الرحمن و عنده ضيف له فقتلوهم ، فجاءت أم الغلام سابة إلى أبي الهيدام ، فقال انظريني حتى ترفع دماؤنا إلى الأمير ، فإن نظر فيها و إلا فأمير المؤمنين ينظر فيها .و بلغ ذلك إسحق و حضر عنده أبو الهيدام فلم يأذن له ثم قتل بعض الدواقيل رجلاً من اليمانية و قتلت اليمانية رجلاً من سليم و نهبوا جيران محارب ، و ركب أبو الهيدام معهم إلى إسحق فوعده بالنظر لهم ، و بعث إلى اليمانية يغريهم به فاجتمعوا و أتوا إلى باب الجابية فخرج إليهم أبو الهيدام و هزمهم و استولى على دمشق و فتح السجون . ثم اجتمعت اليمانية و استنجدوا كلباً و غيرهم فاستمدوهم ، و استجاش أبو الهيدام المضرية فجاؤه و هو يقاتل اليمانية عند باب توما فهزمهم أربع مرات . ثم أمره إسحق بالكف و بعث إلى اليمانية يخبرهم بغرته ، و جاء الخبر و ركب و قاتلهم فهزمهم ، ثم هزمهم أخرى على باب توما . ثم جمعت اليمانية أهل الأردن و الجولان من كلب و غيرهم فأرسل من يأتيه بالخبر فأبطؤا و دخل المدينة فأرسل إسحق من دلهم على مكمنه و أمرهم بالعبور إلى المدينة ، فبعث من أصحابه من يأتيهم من ورائهم فانهزموا .و لما كان مستهل صفر جمع إسحق الجنود عند قصر الحجاج و جاء أصحاب الهيدام من أراد نهب القرى التي لهم بنواحي دمشق . ثم سألوا الأمان من أبي الهيدام فأمنهم و سكن الناس . و فرق أبو الهيدام أصحابه و بقي في نفر يسير من أهل دمشق ، فطمع فيه إسحق و سلط عليه العذافر السكسكي مع الجنود فقاتلهم العذافر و بقي الجند يحاربونه ثلاثاً . ثم إن إسحق قاتله في الثالثة و الجند في اثنتي عشر ألفاً و معهم اليمانية ، فخرج أبو الهيدام من المدينة و قاتلهم على باب الجابية حتى أزلهم عنه . ثم أغار جمع من أهل حمص على قرية لأبي الهيدام فقاتلهم أصحابه و هزموهم و قتلوا منهم خلقاً و أحرقوا قرى و دياراً لليمانية في الغوطة ، ثم توادعوا سبعين يوماً أو نحوها و قدم السندي في الجنود من قبل الرشيد و أغزته اليمانية بأبي الهيدام فبعث هو إليه بالطاعة فأقبل السندي إلى دمشق و إسحق بدار الحجاج ، و بعث قائده في ثلاثة آلاف و أخرج إليهم أبو الهيدام ألفاً و أحجم القائد عنهم و رجع إلى السندي فصالح أبا الهيدام و أمن أهل دمشق .و سار أبو الهيدام إلى حوران و أقام السندي بدمشق ثلاثاً و قدم موسى بن عيسى والياً عليها فبعث الجند يأتونه بأبي الهيدام فكسبوا داره و قاتلهم هو و ابنه و عبده فانهزموا و جاء أصحابه من كل جهة و قصد بصرى . ثم بعث إليه موسى فسار إليه في رمضان سنة سبع و سبعين و قيل إن سبب الفتنة بدمشق أن عامل الرشيد بسجستان قتل أخا الهيدام فخرج هو بالشام و جمع الجموع . ثم بعث الرشيد أخاً له ليأتيه به فتحيل حتى قبض عليه و شده وثاقاً و أتى به إلى الرشيد فمن عليه و أطلقه . و بعث جعفر ابن يحيى سنة ثمانين إلى الشام من أجل هذه الفتن و العصبية فسكن الثائرة و أمن البلاد و عاد .

فتنة الموصل ومصر
و في سنة سبع و ثمانين تغلب العطاف بن سفيان الأزدي على خراسان و أهل الموصل على العامل بها محمد بن العباس الهاشمي و قيل عبد الملك بن صالح فاجتمع عليه أربعة آلاف رجل و جبى الخراج و بقي العامل معه مغلباً إلى أن سار الرشيد إلى الموصل و هدم سورها و لحق العطاف بأرمينية ثم بالرقم فاتخذها وطناً . و في سنة ثمان و سبعين ثارت الحوفية بمصر و هم من قيس و قضاعة على عاملها إسحق بن سليمان و قاتلوه . و كتب الرشيد إلى هرثمة بن أعين و كان بفلسطين فسار إليهم و أذعنوا بالطاعة ، و ولي على مصر ثم عزله لشهر و ولى عبد الملك بن صالح عليها .و كان خراسان أيام المهدي و الهادي أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسي فعزله الرشيد ، و ولى على خراسان جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي فأبوه من النقباء من أهل مصر و مقدم ابنه العباس سنة ثلاث و سبعين ، ثم قدم فغزا طخارستان و بعث ابنه العباس إلى كابل في الجنود و افتتح سابهار و رجع إلى مرو . ثم سار إلى العراق سنة ثلاث في رمضان و كان الأمين في حجره قبل أن يجعله في حجر الفضل بن يحيى . ثم ولى الرشيد ابنه العباس بن جعفر ثم عزله عنها فولى خالداً الغطريف بن عطاء الكندي سنة خمس و سبعين على خراسان و سجستان و جرجان فقدم خليفة داود بن يزيد و بعث عامل سجستان ، و خرج في أيامه حصن الخارجي من موالي قيس بن ثعلبة من أهل أوق و بعث عامل سجستان عثمان بن عمارة الجيوش إليه فهزمهم حصين و قتل منهم و سار إلى باذغيس و بوشنخ و هراة فبعث إليه الغطريف اثني عشر ألفاً من الجند فهزمهم حصين و قتل منهم خلقاً ، و لم يزل في نواحي خراسان إلى أن قتل سنة سبع و سبعين .و سار الفضل إلى خراسان سنة ثمان و سبعين و غزا ما وراء النهر سنة ثمان ثم ولي الرشيد على خراسان علي بن عيسى بن ماهان و قدم إليه يحيى فأقام بها عشرين سنة و خرج عليه في ولايته حمزة بن أترك و قصد بوشنج و كان على هراة عمروية بن يزيد الأزدي فنهض إليه في ستة آلاف فارس فهزمهم حمزة و قتل جماعة منهم و مات عمروية في الزحام ، فبعث علي بن عيسى ابنه الحسن في عشرة آلاف ففض حربه فعزله ، و بعث ابنه الآخر عيسى فهزمه حمزة فأمده بالعساكر و رده فهزمهم حمزة و قتل أصحابه ، و نجا إلى قهستان في أربعين و أثخن عيسى في الخوارج بارق و جوين و فيمن كان يعينهم من أهل القرى حتى قتل ثلاثين ألفاً . و خلف عبد الله بن العباس النسيقي بزرنج فجبى الأموال و سار بها و معه الصفة و لقيه حمزة فهزموه و قتلوا عامة أصحابه .و سار حمزة في القرى فقتل و سبى و كان علي قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج فخرج إلى حمزة و قصد قرية ففر الخوارج و هم الذين يرون التحكيم و لا يقاتلون و المحكمة هم الذين يقاتلون و شعارهم لا حكم إلالله فكتب العقد إلى حمزة بالكف و واعدهم ، ثم انتقض و عاث في البلاد و كانت بينه و بين أصحاب علي حروب كثيرة . ثم ولى الرشيد سنة اثنتين و ثمانين ابنه عبد الله العهد بعد الأمين و لقبه المأمون و ولاه على خراسان و ما يتصل بها إلى همذان و استقدم عيسى ابن علي من خراسان و ردها إليه من قبل المأمون و خرج عليه بنسا أبو الخصيب و هب ابن عبد الله النسائي و عاث في نواحي خراسان ثم طلبه الأمان فأمنه . ثم بلغه أن حمزة الخارجي عاث بنواحي باذغيس فقصده و قتل من أصحابه نحوا من عشرة آلاف و بلغ كل من وراء غزنة . ثم غدر أبو الخصيب ثانية و غلب أبيورد و نسا وطوس و نيسابور ، و حاصر مرو و انهزم عنها و عاد إلى سرخس ، ثم نهض إليه ابن ماهان سنة ست و ثمانين فقتله في نسا و سبى أهله . ثم نمي إلى الرشيد سنة تسع و ثمانين أن علي بن عيسى مجمع على الخلاف و أنه قد أساء السيرة في خراسان و عنفهم ، و كتب إليه كبراء أهلها يشكون بذلك ، فسار الرشيد إلى الري فأهدى له الهدايا و الكثيرة و الأموال و لجمع من معه من أهل بيته و ولده و كتابه و قواده و تبين للرشيد من مناصحته خلاف ما أنهى إليه فرده إلى خراسان و ولى على الري و طبرستان و دنباوند و قومس و همذان و بعث علي ابنه عيسى لحرب خاقان سنة ثمان وثماني فهزمه و أسر إخوته ، انتقض على علي بن عيسى رافع بن الليث بن نصر بن سيار بسمرقند و طالت حروبه معه و هلك في بعضها ابنه عيسى . ثم إن الرشيد نقم على علي بن عيسى أموراً منها استخفافه بالناس و إهانته أعيانهم ، و دخل عليه يوماً الحسين بن مصعب والد طاهر فأغلظ له في القول و أفحش في السب و التهديد و فعل يوماً مثل ذلك بهشام بن فأما الحسين فلحق بالرشيد شاكياً و مستجيراً و أما هشام فلزم بيته و ادعى أنه بعله الفالج حتى عزل علي ، و كان ممانقم عليه أيضاً أنه لم قتل ابنه عيسى في حرب رافع بن الليث أخبر بعض جواريه أنه دفن في بستانه ببلخ ثلاثين ألف دينار . و تحدث الجواري بذلك فشاع في الناس ، و دخلوا البستان و نهبوا المال ، و كان يشكو إلى الرشيد بقلة المال و يزعم أنه باع حلي نسائه . فلما سمع الرشيد هذا المال استدعى هرثمة بن أعين و قال له : وليتك خراسان ، و كتب له بخطه و قال له : اكتم أمرك و امض كأنك مدد .و بعث معه رجاء الخادم . فسار إلى نيسابور و ولى أصحابه فيها ثم سار إلى مرو و لقيه علي بن عيسى فقبض عليه و على أهله و أتباعه و أخذ أمواله فبلغت ثمانين ألف ألف ، و بعث إلى الرشيد من المتاع و قر خمسمائة بعير و بعث إليه بعلي بن عيسى على بعير من غير غطاء و لا وطاء ، و خرج هرثمة إلى ما وراء النهر و حاصر رافع بن الليث بسمرقند إلى أن استأمن فأمنه ، و أقام هرثمة بسمرقند و كان قدم مرو سنة ثلاث و تسعين .

إيداع كتاب العهد
و في سنة ست و ثمانين حج الرشيد و سار من الأنبار و معه أولاده الثالثة محمد الأمين و عبد الله المأمون و القاسم ، و كان قد ولي الأمين العهد و ولاه العراق و الشام إلى آخر الغرب .و ولى المأمون العهد بعده و ضم إليه من همذان إلى آخر المشرق و بايع لابنه القاسم من بعد المأمون و لقبه المؤتمن و جعل خلعه و إثباته للمأمون . و جعل في حجر عبد الملك صالح و ضم إليه الجزيرة و الثغور و العواصم .و مر بالمدينة فأعطاه فيها ثلاثة أعطية عطاء منه و من الأمين و من الأامون فبلغ ألف ألف دينار و خمسمائة ألف دينار . ثم سار مكة فأعطى مثلها ، و أحضر الفقهاء و القضاة و القواد و كتب كتاباً أشهد فيه على الأمين بالوفاء للمأمون و آخر على المأمون بالوفاء للأمين و علق الكتابين في الكعبة و جدد عليها العهود هنالك .و لما شخص إلى طبرستان سنة تسع و ثمانين و أقام بها أشهد من حضره أن جميع ما في عسكره من الأموال و الخزائن و السلاح و الكراع للمأمون و جدد له البيعة عليهم و أرسل إلى بغداد فجدد له البيعة على الأمين .

أخبار البرامكة و نكبتهم
قد تقدم لنا أن خالد بن برمك كان من كبار الشيعة و كان له قدم راسخ في الدولة و كان يلي الولايات العظام و ولاه المنصور على الموصل ، و على أذربيجان ، و ولى ابنه يحيى على أرمينية و وكله المهدي بكفالة الرشيد فأحسن تربيته و دفع عنه أخاه الهادي أراده على الخلع و تولية العهد ابنه و حبسه الهادي لذلك . فلما ولي الرشيد إستوزر يحيى و فوض إليه أمور ملكه و كان أولاً يصدر عن رأي الخيزران أم الرشيد ، ثم استبد بالدولة . و لما ماتت بيتهم مشهوراً بالرجال من العمومة و القرابة ، و كان بنوه جعفر و الفضل و محمد قد شابهوا آباءهم في عمل الدولة و استولوا على حظ من تقريب السلطان و استخلاصه .و كان الفضل أخاه من الرضاع أرضعت أمه الرشيد و أرضعته الخيزران و كان يخاطب يحيى يا أبت و استوزر الفضل و جعفراً و ولى جعفراً على مصر و على خراسان و بعثه إلى الشام عندها وقعت الفتنة بين المضرية و اليمانية ، فسكن الأمور و رجع .و ولى الفضل أيضاً على مصر و على خراسان و بعثه لاستنزال يحيى بن عبد الله العلوي من الديلم و دفع المأمون لما ولاه العهد إلى كفالة جعفر بن يحيى فحسنت آثارهم في ذلك كله . ثم عظم سلطانهم و استيلاؤهم على الدولة و كثرت السعاية فيهم و عظم حقد الرشيد على جعفر منهم ، يقال بسبب أنه دفع إليه يحيى بن عبد الله لما استنزله أخوه الفضل من الديلم ، و جعل حبسه عنده فأطلقه استبدادا على السلطان و دالة و أنهى الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فسأله فصدقه الخبر فأظهر له التصويب و حقدها عليه ، و كثرت السعاية فيهم فتنكر لهم الرشيد .و دخل عليه يوماً يحيى بن خالد بغير إذن فنكر ذلك منه ، و خاطب به طبيبه جبريل بن بختيشوع منصرفاً به مواجهته و كان حاضراً فقال يحيى : هو عادتي يا أمير المؤمنين ، و إذ قد نكرت مني فسأكون في الطبقة التي تجعلني فيها ! فاستحيى هرون و قال : ما أردت ما يكره .و كان الغلمان يقومون بباب الرشيد ليحيى إذا دخل ، فتقدم لهم مسرور الخادم بالنهي عن ذلك فصادروا يعرضون عنه إذا أقبل ، و أقاموا على ذلك زماناً . فلما حج الرشيد سنة سبعة و ثمانين و رجع من حجه و نزل الأنبار أرسل مسروراً الخادم في جماعة من الجند ليلاً فأحضر جعفراً بباب الفسطاط و أعلم الرشيد فقال : إئتني برأسه فطفق جعفر يتذلل و يسأله المراجعة في أمره حتى قذفه الرشيد بعصى كانت في يده و تهدده فخرج و أتاه برأسه و حبس الفضل من ليلته و بعث من احتاط على منازل يحيى و ولده و جميع موجودهم و حبسه في منزله و كتب من ليلته إلى سائر النواحي بقبض أموالهم و رقيقهم ، و بعث من الغد بشلو جعفر و أمر أن يقسم قطعتين .. و بنصبان على الجسر ، و أعفى محمد بن خالد من النكبة و لم يضيق على يحيى و لابنيه الفضل و محمد و موسى ثم تجردت عنه التهمة بعبد الملك بن صالح بن علي ، و كانوا أصدقاء له ، فسعى فيه ابنه عبد الرحمن بأنه يطلب الخلافة فحبسه عنه الفضل بن الربيع ، ثم أحضره من الغداة و قرعه و وبخه فأنكر و حلف و اعترف لحقوق الرشيد و سلفه عليه ، فأحضر كاتبه شاهداً عليه فكذبه عبد الملك ، فأحضر ابنه عبد الرحمن فقال هو مأمور معذور أو عاق فاخر ، فنهض الرشيد من مجلسه و هو يقول سأصبر حتى أعلم ما يرضي الله فيك ، فأنه الحكم بيني و بينك ، فقال عبد الملك : رضيت بالله حكماً و بأمير المؤمنين حاكماً فإنه لا يؤثر هواه على رضا ربه . ثم أحضره الرشيد يوماً آخر فأرعد له و أبرق و جعل عبد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 4 1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى