كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
2 مشترك
صفحة 7 من اصل 13
صفحة 7 من اصل 13 • 1, 2, 3 ... 6, 7, 8 ... 11, 12, 13
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
تتركوا الحمام حتّى إذا صار في عدد المسانِّ واكتهل، وولَدَ البطونَ بَعْدَ البطونِ، وأخذ ذلك من قوَّةِ شبابهِ، حملتموه على الزَّجْل، وعلى التَّمْرين، ثمَّ رميتم به أقصى غايةٍ لاَ، ولكنَّ التَّدريب مع الشباب، وانتهاء الحِدَّةِ، وكمال القوَّةِ، من قبل أن تأخذ القوّة في النُّقصان، فهو يلقَّن بقربه من الحداثة، ويُعرَّف بخروجه من حدِّ الحداثة، فابتدِِئُوا به التّعليمَ والتمْرينَ في هذه المنزلة الوُسطى.
الوقت الملائم لتمرين فراخ الحمام وهُمْ إذا أرادوا أن يمرِّنوا الفراخَ أخرجُوها وهي جائعة، حتى إذا ألقوا إليها الحبَّ أسرعت النزول، ولا تُخْرَجُ والرِّيح عاصف، فتخرج قبل المغربِ وانتصاف النهار، وحُذّاقهم لا يخرجونها مع ذكورة الحمام؛ فإنَّ الذُّكورة يعتريها النَّشاط والطَّيران والتَّباعُدُ ومجاوزة القبيلة، فإن طارت الفِراخُ معها سقطتْ على دور الناس، فرياضتها شديدة، وتحتاج إلى معرفة وعنايَةٍ، وإلى صبرٍ ومُطاوَلة؛ لأنّ الذي يُراد منها إذا احتيج إليه بعد هذه المقدّمات كان أيضاً من العجَب العجيب.
حوار في اختيار الحمام حوار يعقوب بن داود مع رجل في اختيار الحمام وحدَّثني بعضُ من أثقُ به أنّ يَعقوبَ بن داود، قال لبعض مَنْ دَخَلَ عليه - وقد ذهب عنِّي اسمُه ونسيتُه، بَعْدَ أَنْ كنْتُ عرفته -: أَما تَرَى كيُ أخلَف ظنُّنا وأخطأ رأينُا، حتّى عمَّ ذلك ولم يخصّ? أما كان في جميع من اصطنعناه واخترناه، وتفرَّسَنا فيه الخير وأردنَاه بِه - واحدٌ تكفِينا معرفته مؤنَةَ الاحتجاج عنه، حتَّى صرْتُ لا أقرّع إلاّ بهم،
الوقت الملائم لتمرين فراخ الحمام وهُمْ إذا أرادوا أن يمرِّنوا الفراخَ أخرجُوها وهي جائعة، حتى إذا ألقوا إليها الحبَّ أسرعت النزول، ولا تُخْرَجُ والرِّيح عاصف، فتخرج قبل المغربِ وانتصاف النهار، وحُذّاقهم لا يخرجونها مع ذكورة الحمام؛ فإنَّ الذُّكورة يعتريها النَّشاط والطَّيران والتَّباعُدُ ومجاوزة القبيلة، فإن طارت الفِراخُ معها سقطتْ على دور الناس، فرياضتها شديدة، وتحتاج إلى معرفة وعنايَةٍ، وإلى صبرٍ ومُطاوَلة؛ لأنّ الذي يُراد منها إذا احتيج إليه بعد هذه المقدّمات كان أيضاً من العجَب العجيب.
حوار في اختيار الحمام حوار يعقوب بن داود مع رجل في اختيار الحمام وحدَّثني بعضُ من أثقُ به أنّ يَعقوبَ بن داود، قال لبعض مَنْ دَخَلَ عليه - وقد ذهب عنِّي اسمُه ونسيتُه، بَعْدَ أَنْ كنْتُ عرفته -: أَما تَرَى كيُ أخلَف ظنُّنا وأخطأ رأينُا، حتّى عمَّ ذلك ولم يخصّ? أما كان في جميع من اصطنعناه واخترناه، وتفرَّسَنا فيه الخير وأردنَاه بِه - واحدٌ تكفِينا معرفته مؤنَةَ الاحتجاج عنه، حتَّى صرْتُ لا أقرّع إلاّ بهم،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ولاَ أعابُ إلاَّ باختيارهم قال: فقال له رجل إنّ الحمام يُختارُ من جهة النَّسَب، ومن جهة الخِلْقة، ثم لا يرضى له أربابُه بذلك حتى ترتِّبه وتنزِّلهُ وتُدَرِّجُه، ثم تُحمَل الجماعةُ منه بعد ذلك التّرتيب والتَّدْرِيبِ إلى الغاية، فيذهبُ الشَّطرُ ويرجعُ الشطر، أو شبيهٌ بذلك أو قرِيبٌ من ذلك، وأنتَ عَمدْتَ إلى حمامٍ لم تنظرْ في أَنْسابِها ولم تتأمَّلْ مَخيلة الخير في خلْقها ثمَّ لم ترْض حتى ضربْتَ بها بكَرَّةٍ واحدةٍ إلى الغاية، فليس بعَجَبٍ ولا مُنْكَرٍ ألاّ يرجعَ إليكَ واحدٌ منها، وإنما كان العَجبُ في الرُّجوع، فأمّا في الضّلال فليس في ذلك عجبٌ، وعلى أنّه لو رجع منها واحدٌ أو أكثرُ من الواحدِ لكان خطؤك موفّراً عليك، ولم ينتقصْهُ خطأُ من أخطأ؛ لأنّه ليس من الصواب أن يجيء طائراً من الغايةِ على غير عِرْقٍ وعلى غير تدريب
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
كرم الحَمام..
الإلف والأنْس والنِّزاعُ والشّوق
وذلك يَدُلُّ على ثبات العهد، وحفْظِ ما ينبغي أن يُحفَظ، وصوْنِ ما ينبغي أن يصان وإنه لخلق صِدْق في بني آدم فكيفَ إذا كان ذلك الخلقُ في بعض الطير.
وقد قالوا: عمَّرَ اللّه البُلدان بحبِّ الأوطان.
قال ابن الزُّبير: ليس النَّاسُ بشيء مِنْ أقسامهم أقنَعَ منهم بأوطانهم.
وأخبر اللّه عزَّ وجلَّ عن طبائع النَّاس في حبِّ الأوطان، فقال: "قَالُوا وَمَا لنَا أَلاّ نقَاتِلَ في سَبيلِ اللّه وقدْ أُخْرِجْنَا من دِيَارِنَا وَأَبْنَائنَا" وقال: "ولَوْ أنّا كَتبْنَا عَلَيْهِمْ أنِ اقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ما فَعَلوهُ إلاّ قَليلٌ منْهُمْ".
وقال الشاعر:
فسُرَّ أَنْ جَمَعَ الأوْطَانَ والمطَرَا وكنتُ فيهمْ كممْطُورٍ ببَـلْـدِتـهِ
فتجدُهُ يُرْسَل منْ موضعٍ فيجيء، ثمَّ يخرج من بيته إلى أضيق موضع وإلى رخام ونقان فيرسل من أبعد من ذلك فيجيء، ثم يصنَع به مثلُ ذلك المرار الكثيرة، ويزاد في الفراسخ، ثم يَكون جزاؤه أن يغمَّر به من الرَّقّة إلى لؤلؤة فيجيء ويستَرَق من منزل صاحبه فيقصُّ، ويَغْبرُ هناك حولاً وأكثَرَ من الحول، فحينَ ينبت جناحهُ يحنُّ إلى إلفه وينزع إلى وطنه، وإن كان الموضع الثَّاني أنفعَ له، وأنعمَ لباله، فيَهبُ فضْلَ ما بينهما لموضعِ تربيته وسكنه، كالإنسان الذي لو أصاب في غَير بلادِه الرِّيف لم يقعْ ذلك في قلبه، وهو يعالجهم على أن يُعطَى عُشْرَ ما هو فيه في وطنه.
ثمَّ ربَّما باعه صاحبهُ، فإذا وجد مَخْلَصاً رجع إليه، حتَّى ربما فَعَلَ ذلك مِراراً، وربَّما طار دَهْرَهُ وجالَ في البلادِ، وألفَ الطّيران والتقلُّبَ في الهواء، والنَّظَرَ إلى الدنيا، فيبدو لصاحبه فيقصُّ جناحَه ويُلقِيه في ديماس، فينبت جناحُهُ، فلا يَذْهب عنه ولا يتغيَّر له، نَعَمْ، حَتَّى ربّما جَدَف وهو مقصوصٌ، فإمَّا صار إليهِ، وإمّا بلغَ عذراً.
الإلف والأنْس والنِّزاعُ والشّوق
وذلك يَدُلُّ على ثبات العهد، وحفْظِ ما ينبغي أن يُحفَظ، وصوْنِ ما ينبغي أن يصان وإنه لخلق صِدْق في بني آدم فكيفَ إذا كان ذلك الخلقُ في بعض الطير.
وقد قالوا: عمَّرَ اللّه البُلدان بحبِّ الأوطان.
قال ابن الزُّبير: ليس النَّاسُ بشيء مِنْ أقسامهم أقنَعَ منهم بأوطانهم.
وأخبر اللّه عزَّ وجلَّ عن طبائع النَّاس في حبِّ الأوطان، فقال: "قَالُوا وَمَا لنَا أَلاّ نقَاتِلَ في سَبيلِ اللّه وقدْ أُخْرِجْنَا من دِيَارِنَا وَأَبْنَائنَا" وقال: "ولَوْ أنّا كَتبْنَا عَلَيْهِمْ أنِ اقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ما فَعَلوهُ إلاّ قَليلٌ منْهُمْ".
وقال الشاعر:
فسُرَّ أَنْ جَمَعَ الأوْطَانَ والمطَرَا وكنتُ فيهمْ كممْطُورٍ ببَـلْـدِتـهِ
فتجدُهُ يُرْسَل منْ موضعٍ فيجيء، ثمَّ يخرج من بيته إلى أضيق موضع وإلى رخام ونقان فيرسل من أبعد من ذلك فيجيء، ثم يصنَع به مثلُ ذلك المرار الكثيرة، ويزاد في الفراسخ، ثم يَكون جزاؤه أن يغمَّر به من الرَّقّة إلى لؤلؤة فيجيء ويستَرَق من منزل صاحبه فيقصُّ، ويَغْبرُ هناك حولاً وأكثَرَ من الحول، فحينَ ينبت جناحهُ يحنُّ إلى إلفه وينزع إلى وطنه، وإن كان الموضع الثَّاني أنفعَ له، وأنعمَ لباله، فيَهبُ فضْلَ ما بينهما لموضعِ تربيته وسكنه، كالإنسان الذي لو أصاب في غَير بلادِه الرِّيف لم يقعْ ذلك في قلبه، وهو يعالجهم على أن يُعطَى عُشْرَ ما هو فيه في وطنه.
ثمَّ ربَّما باعه صاحبهُ، فإذا وجد مَخْلَصاً رجع إليه، حتَّى ربما فَعَلَ ذلك مِراراً، وربَّما طار دَهْرَهُ وجالَ في البلادِ، وألفَ الطّيران والتقلُّبَ في الهواء، والنَّظَرَ إلى الدنيا، فيبدو لصاحبه فيقصُّ جناحَه ويُلقِيه في ديماس، فينبت جناحُهُ، فلا يَذْهب عنه ولا يتغيَّر له، نَعَمْ، حَتَّى ربّما جَدَف وهو مقصوصٌ، فإمَّا صار إليهِ، وإمّا بلغَ عذراً.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
قص جناح الحمام
ومتى قصَّ أحد جناحيه كان أعجزَ له عن الطّيران، ومتى قصِّهما جميعاً كان أقوى له عليه، ولكنهُ لا يبْعِد، لأنّه إذا كان مقصوصاً من شِقٍّ واحدٍ اختلفَ خلقه، ولم يعْتدل وزنه، وصارَ أحدُهما هوائياً والآخرُ أرضياً فإذا قصّ الجناحان جميعاً طار، وإن كان مقصوصاً فقد بلغ بذلك التعديل من جناحيه أكثر مما كان يبلغ بهما إذا كان أحدُهما وافياً والآخرُ مبتوراً.
فالكلبُ الذي تَدَّعون له الإلف وثبات العَهد، لا يبلغُ هذا، وصاحبُ الدِّيك الذي لايفخرُ للدِّيك بشيءٍ من الوفاء والحفاظ والإلف، أحقُّ بألاّ يعرِض في هذا الباب.
قال: وقد يكون الإنسان شديدَ الحضْر، فإذا قُطِعَتْ إحدى يديه فأراد العَدْو كان خطوهُ أقصر، وكان عن ذلك القَصد والسَّننِ أَذهبَ، وكانت غاَيةُ مجهوده أقربَ.
ومتى قصَّ أحد جناحيه كان أعجزَ له عن الطّيران، ومتى قصِّهما جميعاً كان أقوى له عليه، ولكنهُ لا يبْعِد، لأنّه إذا كان مقصوصاً من شِقٍّ واحدٍ اختلفَ خلقه، ولم يعْتدل وزنه، وصارَ أحدُهما هوائياً والآخرُ أرضياً فإذا قصّ الجناحان جميعاً طار، وإن كان مقصوصاً فقد بلغ بذلك التعديل من جناحيه أكثر مما كان يبلغ بهما إذا كان أحدُهما وافياً والآخرُ مبتوراً.
فالكلبُ الذي تَدَّعون له الإلف وثبات العَهد، لا يبلغُ هذا، وصاحبُ الدِّيك الذي لايفخرُ للدِّيك بشيءٍ من الوفاء والحفاظ والإلف، أحقُّ بألاّ يعرِض في هذا الباب.
قال: وقد يكون الإنسان شديدَ الحضْر، فإذا قُطِعَتْ إحدى يديه فأراد العَدْو كان خطوهُ أقصر، وكان عن ذلك القَصد والسَّننِ أَذهبَ، وكانت غاَيةُ مجهوده أقربَ.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
حديث نباتَةَ الأقطع وخبّرني كم شئتَ، أنّ نباتَة الأَقطع وَكان منْ أَشِدَّاء الفتيان وكانت يدُه قطعت من دُوينِ المنكبِ، وكان ذلك في شقِّه الأيسر؛ فكان إذا صار إلى القتالِ وضرَبَ بسيفِه، فإن أصاب الضَّريبةَ ثَبَتَ، وإن أَخطأ سقطَ لوجههِ؛ إذ لم يكنْ جَناحه الأيسر يُمسكه ويثقّله حتى يعْتَدلَ بَدَنُهُ.
أجنحة الملائكة وقد طعن قومٌ في أجنحة الملائكة، وقد قال اللّه تعالى: "الحَمْد للّه فاطرِ السَّموَاتِ والأرض جَاعلِ الْمَلاَئكَةِ رُسُلاً أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يشَاءُ". وزعموا أنَّ الجناحين كاليدين، وإذا كان الجناح اثنين أو أرْبَعَة كانتْ معتدلة، وإذا كانت ثلاَثة كان صاحبُ الثَّلاثةِ كالجادِفُ من الطَّير، الذي أحدُ جناحَيه مقصوص، فلا يستطيع الطّىران لعدم التعديل، وإذا كان أحدُ جناحيه وافياً والآخرُ مقصوصاً، اختلفَ خَلْقُه وصار بَعْضُه يذهب إلى أسفْلَ والآخر إلى فوق.
وقالوا: إنَّما الجناحُ مثل اليد، ووجدنا الأيديَ والأرجل في جميع الحيوان لا تكون إلاَّ أزواجاً، فلو جعلتمْ لكُلِّ واحدٍ منهم مائَة جَناحٍ لم نُنْكِرْ ذلك، وإن جعلتموها أنقصَ بواحدٍ أو أكثرَ بواحدٍ لم نجوِّزه.
قيل لهم: قد رأينا من ذوات الأربع ما ليسَ له قَرن، ورأينا ما له قرْنَان أملسان، ورأينا ما له قرنان لهما شُعَبٌ في مقاديم القرون، ورأينا بعضَها جُمّاً ولأخَواتِها قرون، ورأينا منها ما لا يقال لها جُمٌّ لأنَّها ليست لها شكلُ ذواتِ القرون، ورأينا لبعض الشاء عِدَّةَ قرون نَابتةٍ في عظم الرَّأس أزواجاً وأفراداً، ورأينا قرُونًاً
أجنحة الملائكة وقد طعن قومٌ في أجنحة الملائكة، وقد قال اللّه تعالى: "الحَمْد للّه فاطرِ السَّموَاتِ والأرض جَاعلِ الْمَلاَئكَةِ رُسُلاً أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ في الخَلْقِ مَا يشَاءُ". وزعموا أنَّ الجناحين كاليدين، وإذا كان الجناح اثنين أو أرْبَعَة كانتْ معتدلة، وإذا كانت ثلاَثة كان صاحبُ الثَّلاثةِ كالجادِفُ من الطَّير، الذي أحدُ جناحَيه مقصوص، فلا يستطيع الطّىران لعدم التعديل، وإذا كان أحدُ جناحيه وافياً والآخرُ مقصوصاً، اختلفَ خَلْقُه وصار بَعْضُه يذهب إلى أسفْلَ والآخر إلى فوق.
وقالوا: إنَّما الجناحُ مثل اليد، ووجدنا الأيديَ والأرجل في جميع الحيوان لا تكون إلاَّ أزواجاً، فلو جعلتمْ لكُلِّ واحدٍ منهم مائَة جَناحٍ لم نُنْكِرْ ذلك، وإن جعلتموها أنقصَ بواحدٍ أو أكثرَ بواحدٍ لم نجوِّزه.
قيل لهم: قد رأينا من ذوات الأربع ما ليسَ له قَرن، ورأينا ما له قرْنَان أملسان، ورأينا ما له قرنان لهما شُعَبٌ في مقاديم القرون، ورأينا بعضَها جُمّاً ولأخَواتِها قرون، ورأينا منها ما لا يقال لها جُمٌّ لأنَّها ليست لها شكلُ ذواتِ القرون، ورأينا لبعض الشاء عِدَّةَ قرون نَابتةٍ في عظم الرَّأس أزواجاً وأفراداً، ورأينا قرُونًاً
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
جُوفاً فيها قرون، ورأينا قروناً لا قرونَ فيها، ورأيناها مُصمََتَة، ورأينا بعضَها يتصُل قَرْنُه في كلِّ سنة، كما تسلخ الحيَّةُ جلدَها، وتنفضُ الأشجارُ ورقها، وهي قُرون الأيائلِ، وقد زعموا أنَّ للحِمار الهنديِّ قرناً واحداً.
وقد رأينا طائراً شَديدَ الطيران بلا ريشٍ كالخُفاش، ورأينا طائراً لايطير وهو وافي الجَناح، ورأينا طائراً لا يمشي وهو الزَّرزور، ونحن نُؤْمن بأنَّ جعفَراً الطَّيارَ ابنَ أبي طالب، له جناحان يطير بهما في الجِنان، جُعِلا له عوضاً من يديه اللتين قطعتا على لواء المسلمين في يوم مؤتة، وغير ذلك من أعاجيب أصناف الخلق.
فقد يستقيم - وهو سهلٌ جائزٌ شائع مفهوم، ومعقول قريبٌ غير بعيد أن يكون إِذا وُضع طباع الطائر على هذا الوضع الذي تراه ألاّ يطير إلاّ بالأزواج، فإذا وُضع على غير هذا الوَضع، وركِّب غيرَ هذا التَّركيب صارت ثلاثة أجنحة وَفُوق تلك الطبيعة، ولو كان الوَطواط في وضْعِ أخلاطه وأعضائه وامتزاجاته كسائر الطير، لما طار بلا ريش.
الطير الدائم الطيران وقد زعم البَحْريّون أنّهم يعرفون طائراً لم يسقط قطّ، وإنما يكون سقوطه من لدُنْ خروجهِ من بيضه إلى أن يتمَّ قصبُ ريشه، ثم َّ يطير فليس له رِزق إلاّ من بعوض الهواء وأشباه البَعوض؛ إلاّ أَنَّهُ قصيرُ العمر سريعُ الانحطام.
وقد رأينا طائراً شَديدَ الطيران بلا ريشٍ كالخُفاش، ورأينا طائراً لايطير وهو وافي الجَناح، ورأينا طائراً لا يمشي وهو الزَّرزور، ونحن نُؤْمن بأنَّ جعفَراً الطَّيارَ ابنَ أبي طالب، له جناحان يطير بهما في الجِنان، جُعِلا له عوضاً من يديه اللتين قطعتا على لواء المسلمين في يوم مؤتة، وغير ذلك من أعاجيب أصناف الخلق.
فقد يستقيم - وهو سهلٌ جائزٌ شائع مفهوم، ومعقول قريبٌ غير بعيد أن يكون إِذا وُضع طباع الطائر على هذا الوضع الذي تراه ألاّ يطير إلاّ بالأزواج، فإذا وُضع على غير هذا الوَضع، وركِّب غيرَ هذا التَّركيب صارت ثلاثة أجنحة وَفُوق تلك الطبيعة، ولو كان الوَطواط في وضْعِ أخلاطه وأعضائه وامتزاجاته كسائر الطير، لما طار بلا ريش.
الطير الدائم الطيران وقد زعم البَحْريّون أنّهم يعرفون طائراً لم يسقط قطّ، وإنما يكون سقوطه من لدُنْ خروجهِ من بيضه إلى أن يتمَّ قصبُ ريشه، ثم َّ يطير فليس له رِزق إلاّ من بعوض الهواء وأشباه البَعوض؛ إلاّ أَنَّهُ قصيرُ العمر سريعُ الانحطام.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
بقية الحديث في أجنحة الملائكة وليس بمستنكر أن يُمزَج الطائر ويُعْجَن غيرَ عجْنه الأوَّل فيعيش ضعفَ ذلك العُمر، وقد يجوز أيضاً أنْ يكونَ موضعُ الجَناح الثالث بين الجَناحين، فيكون الثالث للثاني كالثاني للأوّل، وتكون كلُّ واحدةٍ من ريشةٍ عاملةً في التي تليها من ذلك الجسم فتستوي في القوى وفي الحِصص.
ولعَلَّ الجَناح الذي أنكره الملحدُ الضَّيِّقُ العَطَن أن يكونَ مركزُ قوادِمِهِ في حاقِّ الصُّلب.
ولعَلَّ ذلك الجناح أن تكون الريشة الأولى منه معينة للجنَاح الأيمن والثانية معينة للجناح الأيسر، وهذا مما لايضيقُ عنه الوهم، ولا يعجِز عنه الجواز.
فإذا كان ذلك ممكناً في معرفة العبد بما أعاره الربُّ جلّ وعزَّ، كان ذلك في قدرة اللّه أجوز، وما أكثر من يضيقُ صدرُه لقلَّة علمه.
ولعَلَّ الجَناح الذي أنكره الملحدُ الضَّيِّقُ العَطَن أن يكونَ مركزُ قوادِمِهِ في حاقِّ الصُّلب.
ولعَلَّ ذلك الجناح أن تكون الريشة الأولى منه معينة للجنَاح الأيمن والثانية معينة للجناح الأيسر، وهذا مما لايضيقُ عنه الوهم، ولا يعجِز عنه الجواز.
فإذا كان ذلك ممكناً في معرفة العبد بما أعاره الربُّ جلّ وعزَّ، كان ذلك في قدرة اللّه أجوز، وما أكثر من يضيقُ صدرُه لقلَّة علمه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
أعضاء المشي لدى الحيوان والإنسان
وقد علموا أنَّ كلّ ذي أربعٍ فإنّه إذا مَشى قدّم إحدِى يديه، ولا يجوز أن يستعمل اليَد الأخرى ويقدِّمها بَعْدَ الأولى حَتّى يستعمل الرِّجل المخالفة لتلك اليد: إنْ كانت اليدُ المتقدّمة اليمنى حرَّكَ الرِّجْلِ اليسرى، وإذا حَرّك الرجل اليسرى لم يحرِّك الرِّجْل اليمنى - وهو أقْرَبُ إليها وأشبه بها - حَتَّى يحرِّك اليَدَ اليسرى، وهذا كثير.
وفي طريقٍ أخرى فقد يقال: إنَّ كلَّ إنسانِ فإنما رُكْبَته في رِِجله، وجميعَ ذوات الأربَع فإنَّما رُكبها في أيديها، وكلُّ شيء ذي كفِّ وبَنان كالإنسان، والقرد، والأسد، والضَّبّ، والدُّب، فكفُّه في يده، والطَّائر كفّه في رجله.
استعمال الإنسان رجليه فيما يعمله في العادة بيديه وما رأيتُ أحداً ليس له يَدٌ إلاّ وهو يعمل برجليه ما كان يعمل بيديه، وما أقف على شيء من عمل الأيدي إلاّ وأنا قد رأيتُ قوماً يتكلّفونه بأرجلهم.
ولقد رأيتُ واحداً منهم راهنَ على أن يُفرِغ برجليه ما في دَسْتيجة نبيذ في قنانيَّ رِطليَّات وفقَّاعِيّات فراهنوه، وأزعجني أمرٌ فتركته عند ثقات لا أشك في خبرهم، فزعموا أنّه وَفَى وزاد، قلت: قد عرَفتُ قولَكم وفى فما معنى قولكم زاد قالوا: هو أنّه لو صبَّ من رأس الدّستيجة حوالي أفواه القنانيّ كما يعجِز عن ضَبطه جميعُ أصحاب الكمال في الجوارح، لما أنكرنا ذلك، ولقد فرَّغ ما فيها في جميع القناني فَما ضيّعَ أوقيَّةً واحدة.
قيام بعض الناس بعمل دقيق في الظلام وخبَّرني الحزَاميُّ عن خليل أخيه، أنّه متى شاء أن يَدْخُلَ في بيِت ليلاً بلا مصباح، ويفرغ قربة في قنانيّ فلا يصبُّ إستاراً واحداً فعله.
وقد علموا أنَّ كلّ ذي أربعٍ فإنّه إذا مَشى قدّم إحدِى يديه، ولا يجوز أن يستعمل اليَد الأخرى ويقدِّمها بَعْدَ الأولى حَتّى يستعمل الرِّجل المخالفة لتلك اليد: إنْ كانت اليدُ المتقدّمة اليمنى حرَّكَ الرِّجْلِ اليسرى، وإذا حَرّك الرجل اليسرى لم يحرِّك الرِّجْل اليمنى - وهو أقْرَبُ إليها وأشبه بها - حَتَّى يحرِّك اليَدَ اليسرى، وهذا كثير.
وفي طريقٍ أخرى فقد يقال: إنَّ كلَّ إنسانِ فإنما رُكْبَته في رِِجله، وجميعَ ذوات الأربَع فإنَّما رُكبها في أيديها، وكلُّ شيء ذي كفِّ وبَنان كالإنسان، والقرد، والأسد، والضَّبّ، والدُّب، فكفُّه في يده، والطَّائر كفّه في رجله.
استعمال الإنسان رجليه فيما يعمله في العادة بيديه وما رأيتُ أحداً ليس له يَدٌ إلاّ وهو يعمل برجليه ما كان يعمل بيديه، وما أقف على شيء من عمل الأيدي إلاّ وأنا قد رأيتُ قوماً يتكلّفونه بأرجلهم.
ولقد رأيتُ واحداً منهم راهنَ على أن يُفرِغ برجليه ما في دَسْتيجة نبيذ في قنانيَّ رِطليَّات وفقَّاعِيّات فراهنوه، وأزعجني أمرٌ فتركته عند ثقات لا أشك في خبرهم، فزعموا أنّه وَفَى وزاد، قلت: قد عرَفتُ قولَكم وفى فما معنى قولكم زاد قالوا: هو أنّه لو صبَّ من رأس الدّستيجة حوالي أفواه القنانيّ كما يعجِز عن ضَبطه جميعُ أصحاب الكمال في الجوارح، لما أنكرنا ذلك، ولقد فرَّغ ما فيها في جميع القناني فَما ضيّعَ أوقيَّةً واحدة.
قيام بعض الناس بعمل دقيق في الظلام وخبَّرني الحزَاميُّ عن خليل أخيه، أنّه متى شاء أن يَدْخُلَ في بيِت ليلاً بلا مصباح، ويفرغ قربة في قنانيّ فلا يصبُّ إستاراً واحداً فعله.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ولو حكى لي الحزاميُّ هذا الصَّنيعَ عن رجل وُلِد أعمى أو عمي في صباه، كان يعجبني منه أقلُّ، فأمّا من تعوّد أن يفعل مثل ذلك وهو يبصر فما أشدَّ عليه أن يفعله وهو مغمَض العينين، فإن كان أخوه قد كان يقدر على ذلك إذا غمَّض عينيه فهو عندي عجب، وإن كان يبصر في الظلمة فهو قد أشبه في هذا الوجه السِّنّورَ والفأر، فإنَّ هذا عندي عجبٌ آخر وغرائب الدُّنيا كثيرة عند كلّ من كان كلفاً بتَعرافها، وكان له في العلم أصلٌ، وكان بينه وبين التبَيُّنِ نَسَب.
اختلاف أحوال الناس عند سماعهم للغرائب وأكثر الناس لا تجدّهم إلاَّ في حالتين: إمّا في حالِ إعراض عن التبيُّن وإهمال للنّفس، وإمَّا في حالِ تكذيبٍ وإنكارٍ وتسرّع إلى أصحاب الاعتبار وتتبُّعِ الغرائب، والرغبةِ في الفوائد، ثمَّ يرى بعضهم أنَّ له بذلك التكذيب فضيلةً، وأنّ ذلك بابٌ من التوقِّي، وجنسٌ من استعظام الكذب، وأنّه لم يكن كذلك إلاَّ من حاقِّ الرَّغبةِ في الصِّدقِ، وبئس الشيء عادة الإقرار والقبول، والحقُّ الذي أمر اللّه تعالى به ورغب فيه، وحثَّ عليه أن ننكر من الخبر ضربين: أحدهما ما تناقَضَ واستحال، والآخر ما امْتنع في الطِبيعة، وخرج من طاقة الخلقة، فإذا خرج الخبرُ من هذين البابين، وجرى عليه حكم الجواز، فالتدبير في ذلك التثبت وأن يكون الحقُّ في ذلك هو ضالّتك، والصِّدق هو بُغيتك، كائناً ما كان، وقَع منك بالموافقةِ أم وقع منك بالمكروه، ومتى لم تعلم أَنّ ثوابَ الحقِّ وثمرَة الصِّدق أجدى عليك من تلك الموافقةِ لم تقَع على أن تعطِي التثبتَ حَقّه.
اختلاف أحوال الناس عند سماعهم للغرائب وأكثر الناس لا تجدّهم إلاَّ في حالتين: إمّا في حالِ إعراض عن التبيُّن وإهمال للنّفس، وإمَّا في حالِ تكذيبٍ وإنكارٍ وتسرّع إلى أصحاب الاعتبار وتتبُّعِ الغرائب، والرغبةِ في الفوائد، ثمَّ يرى بعضهم أنَّ له بذلك التكذيب فضيلةً، وأنّ ذلك بابٌ من التوقِّي، وجنسٌ من استعظام الكذب، وأنّه لم يكن كذلك إلاَّ من حاقِّ الرَّغبةِ في الصِّدقِ، وبئس الشيء عادة الإقرار والقبول، والحقُّ الذي أمر اللّه تعالى به ورغب فيه، وحثَّ عليه أن ننكر من الخبر ضربين: أحدهما ما تناقَضَ واستحال، والآخر ما امْتنع في الطِبيعة، وخرج من طاقة الخلقة، فإذا خرج الخبرُ من هذين البابين، وجرى عليه حكم الجواز، فالتدبير في ذلك التثبت وأن يكون الحقُّ في ذلك هو ضالّتك، والصِّدق هو بُغيتك، كائناً ما كان، وقَع منك بالموافقةِ أم وقع منك بالمكروه، ومتى لم تعلم أَنّ ثوابَ الحقِّ وثمرَة الصِّدق أجدى عليك من تلك الموافقةِ لم تقَع على أن تعطِي التثبتَ حَقّه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
??تشبيه رماد الأثافي بالحمام
قال: وهم يصفون الرَّماد الذي بين الأثافيّ بالحمامةِ، ويجعلون الأثافيَّ أظآراً لها، للانحناء الذي في أعالي تلك الأحجار، ولأنَّها كانت معطّفات عليها وحانيات على أولادها، قال ذو الرُّمَّة:
على خَرِق بين الأثافي جَوازِلُـه كأنَّ الحمامَ الوُرْقَ في الدَّارِ جَثَّمت
شبّه الرّماد بالفراخ قبل أن تنهض والجُثوم في الطير مثل الرُّبوض في الغنم، وقال الشماخ:
ونُؤْيَينَ في مَظلومَتَيْنِ كُدَاهما وإرثِ رَماد كالحمامة ماِثـل
وقال أبو حيَّة:
كبـاقـي الـوحْـي خُـطَّ عـلـى إمـــام مِنَ الـعَـرَصـاتِ غـير مَـخَــدِّ نُـــؤْيٍ
وغيرِ خوالدٍ لُوِّحْن حَتىبهنَّ علامةٌ من غير شام
مَثَـلْـنَ ولـم يَطِـرْنَ مَـعَ الـحــمـــامِ كأنّ بها حمامَات ثَلاثاً
وقال العَرْجي:
وهابٍ كجُثْمانِ الحمامةِ هامِدُ ومَرْبط أفْرَاسٍ وخَيمٌ مُصَرَّعٌ
وقال البَعِيث:
وَسَحْق رَمادٍ كالنَّصيف من العصْبِ وَيَسُفْعْ ثَوَيْنَ العَامَ والعَـامَ قـبْـلَـهُ
قال: وهم يصفون الرَّماد الذي بين الأثافيّ بالحمامةِ، ويجعلون الأثافيَّ أظآراً لها، للانحناء الذي في أعالي تلك الأحجار، ولأنَّها كانت معطّفات عليها وحانيات على أولادها، قال ذو الرُّمَّة:
على خَرِق بين الأثافي جَوازِلُـه كأنَّ الحمامَ الوُرْقَ في الدَّارِ جَثَّمت
شبّه الرّماد بالفراخ قبل أن تنهض والجُثوم في الطير مثل الرُّبوض في الغنم، وقال الشماخ:
ونُؤْيَينَ في مَظلومَتَيْنِ كُدَاهما وإرثِ رَماد كالحمامة ماِثـل
وقال أبو حيَّة:
كبـاقـي الـوحْـي خُـطَّ عـلـى إمـــام مِنَ الـعَـرَصـاتِ غـير مَـخَــدِّ نُـــؤْيٍ
وغيرِ خوالدٍ لُوِّحْن حَتىبهنَّ علامةٌ من غير شام
مَثَـلْـنَ ولـم يَطِـرْنَ مَـعَ الـحــمـــامِ كأنّ بها حمامَات ثَلاثاً
وقال العَرْجي:
وهابٍ كجُثْمانِ الحمامةِ هامِدُ ومَرْبط أفْرَاسٍ وخَيمٌ مُصَرَّعٌ
وقال البَعِيث:
وَسَحْق رَمادٍ كالنَّصيف من العصْبِ وَيَسُفْعْ ثَوَيْنَ العَامَ والعَـامَ قـبْـلَـهُ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
شعر في نوح الحمام وفي بيوتها
وقالوا في نوح الحمام، قال جِران العَود:
كأنّه صوتُ أنباطٍ مَثـاكـيلِ واستقبلوا وادِىاً نوحُ الحمامِ بِهِ
وقالوا في ارتفاع مواضعِ بُيوتِها وأعشاشها، وقال الأعشى:
خيلاً وزرعاً نابتاً وفَصافـصـا ألم تر أن العِرْض أصبَحَ بطنـهُ
تَرَى للحمام الورقِ فيه قرامصَا وذا شُرُفات يقصُر الطّرف دونَه
وقال عمرو بن الوليد:
والقُصور التي بها الآطامُ فتبدَّلتُ من مساكنِ قومي
تتغنَّى على ذُراه الحمـامُ كلَّ قصرٍ مشيّدٍ ذي أواسٍ
والحمام أيضاً ربما سكن أجْوَافَ الرَّكايا، ولا يكون ذلك إلاّ لِلْوحشيِّ منها، وفي البِير التي لا تُورد، قال الشاعر:
حَماماً فِي مساكِنِه فَطَارَا بدلو غير مُكرَبَةٍ أصابتْ
وقالوا في نوح الحمام، قال جِران العَود:
كأنّه صوتُ أنباطٍ مَثـاكـيلِ واستقبلوا وادِىاً نوحُ الحمامِ بِهِ
وقالوا في ارتفاع مواضعِ بُيوتِها وأعشاشها، وقال الأعشى:
خيلاً وزرعاً نابتاً وفَصافـصـا ألم تر أن العِرْض أصبَحَ بطنـهُ
تَرَى للحمام الورقِ فيه قرامصَا وذا شُرُفات يقصُر الطّرف دونَه
وقال عمرو بن الوليد:
والقُصور التي بها الآطامُ فتبدَّلتُ من مساكنِ قومي
تتغنَّى على ذُراه الحمـامُ كلَّ قصرٍ مشيّدٍ ذي أواسٍ
والحمام أيضاً ربما سكن أجْوَافَ الرَّكايا، ولا يكون ذلك إلاّ لِلْوحشيِّ منها، وفي البِير التي لا تُورد، قال الشاعر:
حَماماً فِي مساكِنِه فَطَارَا بدلو غير مُكرَبَةٍ أصابتْ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
يقول: استقى بِسُفرِته من هذه البئر، ولم يستقِ بدَلوٍ، وهذه بئر قد سكنها الحمام لأنّها لا تُورَدُ، وقال جهم بن خلف:
مطوَّقةٌ ورقاء تصدَحُ في الفجر وقد هاج شوقي أنْ تَغنَّت حمـامةٌ
لها دَمعةً يومًا على خدّها تجري هتوفٌ تبكِّي ساقَ حُرٍّ ولن تـرَى
نَوائحُ بالأصياف في فَنَنِ السِّـدْر تغنَّتْ بلحنٍ فاستجابَت لصوتـهـا
يُهَيِّج للصَّبِّ الحزينِ جَوَى الصَّدْرِ إذا فَترَتْ كرَّتْ بلحنٍ شجٍ لـهـا
بصوتٍ يَهيجُ المستهامَ على الذِّكرِ دعتهُنَّ مِطرابُ العشيَّات والضُحى
عليها، ولا ثكلِى تُبَكِّي على بِكْـرِ فلـم أرَ ذا وجـد يزيدَ صـبـابةً
شَرِبنَ سُلافًا من معتَّقة الخَمْـرِ فأسْعَدْنها بالنَّوح حتَّـى كـأنَّـمـا
نوائحُ مَيْت يلتدِمْنَ لـدى قـبـرِ تجاوبْنَ لحنًا في الغُصونِ كأنَّـهـا
كسا جانبيه الطّلحُ واعتمَّ بالزَّهْـرِ بسُرَّةِ وادٍ مـن تَـبَـالة مُـونِـقٍ
استطراد لغوي ويقال: هدر الحمام يهدِر، قال: ويقال في الحمام الوحشي من القماريِّ والفواخت والدَّباسي وما أشبه ذلك: قد هدل يهدِل هدِيلاً،فإذا طَرَّب قيل غرَّد يغرد تغريداً، والتغريد يكون للحمام والإنسان، وأصله من الطير.
وأمَّا أصحابنا فيقولون: إنّ الجمل يهدِر، ولايكون باللام، والحمام يهدل وربّما كان بالراء.
وبعضهم يزعُم أنّ الهديلَ من أسماء الحمام الذَّكر، قال الرّاعي واسمه عبيد بن الحصين:
يدعُو بقارِعَةِ الطَّرِيق هديلا كهداهِدٍ كَسَرَ الرُّماةُ جَناحَـه
ساق حُرٍّ وزعم الأصمعيُّ أنّ قوله: هتوفٌ تبكّي ساقَ حرٍّ إنَّما هو حكاية صوت وحشيِّ الطير من هذه النَّوَّاحات، وبعضهم يزعم أنّ ساق حرّ هو الذكر، وذهب إلى قول الطِّرمَّاح في تشبيه الرَّماد بالحمام، فقال:
مطوَّقةٌ ورقاء تصدَحُ في الفجر وقد هاج شوقي أنْ تَغنَّت حمـامةٌ
لها دَمعةً يومًا على خدّها تجري هتوفٌ تبكِّي ساقَ حُرٍّ ولن تـرَى
نَوائحُ بالأصياف في فَنَنِ السِّـدْر تغنَّتْ بلحنٍ فاستجابَت لصوتـهـا
يُهَيِّج للصَّبِّ الحزينِ جَوَى الصَّدْرِ إذا فَترَتْ كرَّتْ بلحنٍ شجٍ لـهـا
بصوتٍ يَهيجُ المستهامَ على الذِّكرِ دعتهُنَّ مِطرابُ العشيَّات والضُحى
عليها، ولا ثكلِى تُبَكِّي على بِكْـرِ فلـم أرَ ذا وجـد يزيدَ صـبـابةً
شَرِبنَ سُلافًا من معتَّقة الخَمْـرِ فأسْعَدْنها بالنَّوح حتَّـى كـأنَّـمـا
نوائحُ مَيْت يلتدِمْنَ لـدى قـبـرِ تجاوبْنَ لحنًا في الغُصونِ كأنَّـهـا
كسا جانبيه الطّلحُ واعتمَّ بالزَّهْـرِ بسُرَّةِ وادٍ مـن تَـبَـالة مُـونِـقٍ
استطراد لغوي ويقال: هدر الحمام يهدِر، قال: ويقال في الحمام الوحشي من القماريِّ والفواخت والدَّباسي وما أشبه ذلك: قد هدل يهدِل هدِيلاً،فإذا طَرَّب قيل غرَّد يغرد تغريداً، والتغريد يكون للحمام والإنسان، وأصله من الطير.
وأمَّا أصحابنا فيقولون: إنّ الجمل يهدِر، ولايكون باللام، والحمام يهدل وربّما كان بالراء.
وبعضهم يزعُم أنّ الهديلَ من أسماء الحمام الذَّكر، قال الرّاعي واسمه عبيد بن الحصين:
يدعُو بقارِعَةِ الطَّرِيق هديلا كهداهِدٍ كَسَرَ الرُّماةُ جَناحَـه
ساق حُرٍّ وزعم الأصمعيُّ أنّ قوله: هتوفٌ تبكّي ساقَ حرٍّ إنَّما هو حكاية صوت وحشيِّ الطير من هذه النَّوَّاحات، وبعضهم يزعم أنّ ساق حرّ هو الذكر، وذهب إلى قول الطِّرمَّاح في تشبيه الرَّماد بالحمام، فقال:
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
كسَراةِ السّاقِ ساقِ الحمامِْ بين أظآرٍ بمـظـلـومةٍ
صفة فرس وقال آخر يصف فرساً:
رفعُ يدٍ عَجلَى ورِجل شمـلاَلْ ينْجيه مِنْ مِثْلِ حمـام الأغْـلاَلْ
تَظْمَأُ من تحتُ وتُروَي من عالْ
الأغلال: جمع غَلَلٍ، وهو الماء الذي يجري بين ظهرَي الشّجر قال: والمعنى أنّ الحمام إذا كان يريد الماء فهو أسرعُ لها، وقوله: شِملال أيْ خفيفة.
ليس في الأرض جنسٌ يعتريه الأوضاح والشِّيات، ويكون فيها المصْمَت والبهيمُ أكثرَ ألواناً، و من أصناف التَّحَاسِين ما يكون في الحمام، فمنها ما يكون أخضرَ مُصمُّتاً، وأحمر مصمتاً وأسودَ مصمتاً، وأبيض مصمتاً، وضروباً من ذلك، كلها مصمتة، إلاّ أنّ الهِدَايَةَ للخُضْرِ النُّمر، فإذا ابيضَّ الحمام كالفقيع فمثله من النّاس الصَّقلابيُّ، فإن الصَّقلابيَّ فطيرٌ خامٌ لم تُنْضِجْه الأرحام؛ إذ كانت الأرحام في البلاد التي شمسها ضعيفة. وإن اسودّ الحمامُ فإنما ذلك احتراقٌ، ومجاوزة لحدِّ النُّضج، ومثلُ سود الحمام من الناس الزِّنج؛ فإن أرحامهم جاوزت حدَّ الإنضاح إلى الإحراق، وشيَّطت الشّمس شُعورَهم فتقبَّضت.
والشّعر إذا أدنَيته من النَّار تجعَّد، فإنْ زدْتَه تفَلفَل، فإن زدتَه احترق.
وكما أنّ عقول سُودانِ النَّاس وحُمرانِهم دونَ عقول السُّمر، كذلك بيضُ الحمام وسودُها دونَ الخُضْر في المعرفة والهدايَةِ.
استطراد لغوي وأصل الخضرة إنَّما هو لون الرَّيحان والبقولِ، ثم جعلوا بعدُ الحديدَ أخضرَ، والسماء خضراء، حتّى سمَّوا بذلك الكُحْل واللّيل.
قال الشَّمَّاخ بنُ ضرار:
زُبالةَ جلباباً من الليل أخضـرا ورُحْنَ رَواحاً مًنْ زَرُودَ فنازعت
وقال الرّاجز:
مثل انتضاء البَطَلِ السَّيفَ الذّكَرْ حتَّى انتضاه الصُّبح من ليلٍ خَضِرْ
نضو هوى بالٍ على نِضَوِ سَفَرْ
وقال اللّه عزّ وجلّ: "ومنْ دُونِهمَا جَنَّتانِ، فَبأيِّ آلاء رَبِّكما تُكَذِّبَان، مُدْهَامَّتَانِ" قال: خضراوان من الرِّي سوداوان.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ويقال: إن العراقَ إنَّما سمِّي سواداً بلون السَّعَف الذي في النّخل، ومائه.
والأسودان: الماء والتمر، والأبيضان: الماء واللبن، والماء أسودُ إذا كان مع التّمر، وأبيض إذا كان مع اللّبن.
ويقولون: سُودُ البطون وحمْر الكُلى، ويقولون: سود الأكباد يريدون العداوة، وأن الأحقاد قد أحرقت أكبادَهم، ويقال للحافر أسود البطن؛ لأَن الحافر لا يكون في بطونها شحم.
ويقولون: نحن بخير ما رأينا سَواد فلان بين أظهرُنا، يريدون شخصه، وقالوا: بل يريدون ظلَّه.
فأمّا خضْرُ مُحارِب، فإنما يريدون السُّود وكذلك: خُضْر غسَّان.
ولذلك قال الشاعِرُ:
أهْلَ البريصِ ثمانٍ منهمُ الحكـمُ إنّ الخَضارمة الخضْر الذين غدَوْا
ومن هذا المعنى قول القرشي في مديح نفسِه:
أخضَرُ الجلْدةِ في بَيْتِ العربْ وأنا الأَخضَرُ مَنْ يَعْرِفـنـي
وإذا قالوا: فلان أخضر القفا، فإنما يعنون به أنّه قد ولدتْه سوداء، وإذا قالوا: فلان أخضر البطْن، فإنما يريدون أنّه حائك، لأَنّ الحائك بطنَه لطول التزاقه بالخشبة التي يطوى عليها الثّوب يسودّ.
عدواة العروضي للنظام وكان سبب عداوة العَروضي لإبراهيم النَّظام، أنّه كان يسمِّيه الأَخضرَ البطن، والأسَود البطن؛ فكان يكشِفُ بطنَه للناس - يريدُ بذلك تكذيبَ أبي إسحاق - حتى قال له إسماعيل بن
والأسودان: الماء والتمر، والأبيضان: الماء واللبن، والماء أسودُ إذا كان مع التّمر، وأبيض إذا كان مع اللّبن.
ويقولون: سُودُ البطون وحمْر الكُلى، ويقولون: سود الأكباد يريدون العداوة، وأن الأحقاد قد أحرقت أكبادَهم، ويقال للحافر أسود البطن؛ لأَن الحافر لا يكون في بطونها شحم.
ويقولون: نحن بخير ما رأينا سَواد فلان بين أظهرُنا، يريدون شخصه، وقالوا: بل يريدون ظلَّه.
فأمّا خضْرُ مُحارِب، فإنما يريدون السُّود وكذلك: خُضْر غسَّان.
ولذلك قال الشاعِرُ:
أهْلَ البريصِ ثمانٍ منهمُ الحكـمُ إنّ الخَضارمة الخضْر الذين غدَوْا
ومن هذا المعنى قول القرشي في مديح نفسِه:
أخضَرُ الجلْدةِ في بَيْتِ العربْ وأنا الأَخضَرُ مَنْ يَعْرِفـنـي
وإذا قالوا: فلان أخضر القفا، فإنما يعنون به أنّه قد ولدتْه سوداء، وإذا قالوا: فلان أخضر البطْن، فإنما يريدون أنّه حائك، لأَنّ الحائك بطنَه لطول التزاقه بالخشبة التي يطوى عليها الثّوب يسودّ.
عدواة العروضي للنظام وكان سبب عداوة العَروضي لإبراهيم النَّظام، أنّه كان يسمِّيه الأَخضرَ البطن، والأسَود البطن؛ فكان يكشِفُ بطنَه للناس - يريدُ بذلك تكذيبَ أبي إسحاق - حتى قال له إسماعيل بن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
غزْوان: إنَّما يريد أنَّك من أبناء الحاكة فعاداه لذلك.
استطراد لغوي فإذا قيل أخضر النَّواجذ، فإنما يريدون أنّه من أهل القُرَى، ممّن يأكل الكُرَّاث والبصل.
وإذا قيل للثّور: خاضب؛ فإِنما يريدونَ أنّ البقل قدْ خَضَب أظلافه بالخضرة، وإذا قيل للظليم: خاضب، فإنما يَريدونَ حمرةَ وظيفيه فإنهما يَحمرَّان في القيْظ، وإذا قيل للرَّجل خاضب، فإنَّما يريدون الحنَّاء فإذا كان خضابُه بغير الحِنَّاء قالوا: صَبَغ ولا يقال خضب.
ويقولون في شبيهٍ بالباب الأَوَّل: الأحمران: الذهب والزعفران، والأبيضان: الماء واللَّبن، والأسودان: الماء والتمر.
ويقولون: أهلَكَ النِّساء الأَحمران: الذَّهب والزّعفران، وأهلَكَ النَّاسَ الأحامِر: الذهب، والزعفران، واللَّحم، والخمر.
والجديدان: اللَّيل والنهار، وهما الملوان.
والعصر: الدَّهر، والعصران: صلاة الفَجْر وصلاة العشي، والعصران: الغَداة والعَشِيُّ، قال الشاعر:
ويَرْضى بِنِصْفِ الدَّينِ والأنفُ رَاغِمُ وأمطُله العَصْرَينِ حَتَّى يمـلَّـنـي
ويقال: البائعان بالخيار وإنَّما هو البائع والمشتري، فدخل المبتاع في البائع.
وقال اللّه عزَّ وجلَّ: "وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ "، دخلت الأمُّ في اسم الأبوَّة، كأنهُمْ يَجمعُون على أنْبَهِ الاسميْنِ وكقولهم: ثبِيرَين، والبَصرتَين، وليس ذلك بالواجب؛ وقَدْ قالوا: سيرَة العُمَرَين، وأبو بكْرٍ فوقَ عمر، قال الفرزْدَق:
لنا قَمرَاها والنُّجومُ الطَّوالعُ أخذْنَا بآفاقِ السَّماءِ عليكـمُ
وأمَّا قولُ ذي الرُّمَّة:
بأربْعةٍ والشخْصُ في العَينِ وَاحِدُ وليلٍ كجِلبابِ العَرُوسِ ادَّرعتُـه
فإنهُ ليس يريدُ لونَ الجلباب، ولكنّهُ يريد سُبوغه.
جواب أعرابيّ قال: وكذلك قول الأعرابيِّ حينَ قيل له: بأيِّ شيء تعرفُ حَملَ شاتِك? قال:إذا استفاضَتْ خاصِرتها، ودَجت شَعْرَتها، فالدَّاجي هاهنا اللابس.
قال الأصمعي ومسعود بن فيد الفزاري: ألا تَرونَه يقول: كان ذلك وثَوبُ الإِسلامِ داجٍ، وأما لفظ الأصمعيّ فإنّه قال: كان ذلك منذُ دَجَا الإسلام، يعني أنّه أَلبس كلَّ شيء.
استطراد لغوي فإذا قيل أخضر النَّواجذ، فإنما يريدون أنّه من أهل القُرَى، ممّن يأكل الكُرَّاث والبصل.
وإذا قيل للثّور: خاضب؛ فإِنما يريدونَ أنّ البقل قدْ خَضَب أظلافه بالخضرة، وإذا قيل للظليم: خاضب، فإنما يَريدونَ حمرةَ وظيفيه فإنهما يَحمرَّان في القيْظ، وإذا قيل للرَّجل خاضب، فإنَّما يريدون الحنَّاء فإذا كان خضابُه بغير الحِنَّاء قالوا: صَبَغ ولا يقال خضب.
ويقولون في شبيهٍ بالباب الأَوَّل: الأحمران: الذهب والزعفران، والأبيضان: الماء واللَّبن، والأسودان: الماء والتمر.
ويقولون: أهلَكَ النِّساء الأَحمران: الذَّهب والزّعفران، وأهلَكَ النَّاسَ الأحامِر: الذهب، والزعفران، واللَّحم، والخمر.
والجديدان: اللَّيل والنهار، وهما الملوان.
والعصر: الدَّهر، والعصران: صلاة الفَجْر وصلاة العشي، والعصران: الغَداة والعَشِيُّ، قال الشاعر:
ويَرْضى بِنِصْفِ الدَّينِ والأنفُ رَاغِمُ وأمطُله العَصْرَينِ حَتَّى يمـلَّـنـي
ويقال: البائعان بالخيار وإنَّما هو البائع والمشتري، فدخل المبتاع في البائع.
وقال اللّه عزَّ وجلَّ: "وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ "، دخلت الأمُّ في اسم الأبوَّة، كأنهُمْ يَجمعُون على أنْبَهِ الاسميْنِ وكقولهم: ثبِيرَين، والبَصرتَين، وليس ذلك بالواجب؛ وقَدْ قالوا: سيرَة العُمَرَين، وأبو بكْرٍ فوقَ عمر، قال الفرزْدَق:
لنا قَمرَاها والنُّجومُ الطَّوالعُ أخذْنَا بآفاقِ السَّماءِ عليكـمُ
وأمَّا قولُ ذي الرُّمَّة:
بأربْعةٍ والشخْصُ في العَينِ وَاحِدُ وليلٍ كجِلبابِ العَرُوسِ ادَّرعتُـه
فإنهُ ليس يريدُ لونَ الجلباب، ولكنّهُ يريد سُبوغه.
جواب أعرابيّ قال: وكذلك قول الأعرابيِّ حينَ قيل له: بأيِّ شيء تعرفُ حَملَ شاتِك? قال:إذا استفاضَتْ خاصِرتها، ودَجت شَعْرَتها، فالدَّاجي هاهنا اللابس.
قال الأصمعي ومسعود بن فيد الفزاري: ألا تَرونَه يقول: كان ذلك وثَوبُ الإِسلامِ داجٍ، وأما لفظ الأصمعيّ فإنّه قال: كان ذلك منذُ دَجَا الإسلام، يعني أنّه أَلبس كلَّ شيء.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
شِيات الحمام
ثمَّ رجع بنا القول إلى ذكر شِياتِ الحمام.
وزعموا أنّ الأوضاحَ كلَّها ضعَف، قليلها وكثيرها، إلاّ أنَّ ذلك بالحِصَص على قدْر الكثرة والقلَّة، كذلك هي في جميع الحيوانِ سواءٌ مستقبلُها ومستدْبرها، وذلك ليس بالواجِبِ حتى لا يغادر شيئاً البتة؛ لأنَّ الكَلْبةَ السَّلوقيَّةَ البيضاءَ أكرمُ وأصيَدُ، وأصبَرُ من السَّوْدَاء.
والبياضُ في النَّاسِ على ضروب: فالمعيب منه بياضُ المُغْرَب والأشقَرُ والأحمرُ أقلُّ في الضّعف والفَسادِ، إذا كان مشتقّاً من بَياضِ البَهَقِ والبَرَصِ والبَرَشِ والشيب.
والمغْرَبُ عند العرب لا خير فيه البتة، والفقيع لا يُنجِب، وليس عنده إلاّ حسنُ بياضه، عند من اشتهى ذلك.
سوابق الخيل وزعم ابن سلاّم الجَمحيّ أنَّه لم يرَ قطُّ بلقاءَ ولا أبلق جاء سابقاً، وقال الأصمعيّ: لم يسبق الحَلْبَة أهضَمُ قطُّ؛ لأنهم يمدحون المُجْفَرَ من الخيل، كما قال:
يرجعْ إلى دِقّة وَلاَ هَضَمِ خِيط على زَفرةٍ فَتَمَّ ولـم
ويقولون: إنَّ الفرَس بعُنُقِه وبطْنه.
وخبّرني بعض أصحابنا، أنَّه رأى فَرَساً للمأمون بَلقاء سبقتِ الحلبة، وهذه نادرةٌ غريبة.
ثمَّ رجع بنا القول إلى ذكر شِياتِ الحمام.
وزعموا أنّ الأوضاحَ كلَّها ضعَف، قليلها وكثيرها، إلاّ أنَّ ذلك بالحِصَص على قدْر الكثرة والقلَّة، كذلك هي في جميع الحيوانِ سواءٌ مستقبلُها ومستدْبرها، وذلك ليس بالواجِبِ حتى لا يغادر شيئاً البتة؛ لأنَّ الكَلْبةَ السَّلوقيَّةَ البيضاءَ أكرمُ وأصيَدُ، وأصبَرُ من السَّوْدَاء.
والبياضُ في النَّاسِ على ضروب: فالمعيب منه بياضُ المُغْرَب والأشقَرُ والأحمرُ أقلُّ في الضّعف والفَسادِ، إذا كان مشتقّاً من بَياضِ البَهَقِ والبَرَصِ والبَرَشِ والشيب.
والمغْرَبُ عند العرب لا خير فيه البتة، والفقيع لا يُنجِب، وليس عنده إلاّ حسنُ بياضه، عند من اشتهى ذلك.
سوابق الخيل وزعم ابن سلاّم الجَمحيّ أنَّه لم يرَ قطُّ بلقاءَ ولا أبلق جاء سابقاً، وقال الأصمعيّ: لم يسبق الحَلْبَة أهضَمُ قطُّ؛ لأنهم يمدحون المُجْفَرَ من الخيل، كما قال:
يرجعْ إلى دِقّة وَلاَ هَضَمِ خِيط على زَفرةٍ فَتَمَّ ولـم
ويقولون: إنَّ الفرَس بعُنُقِه وبطْنه.
وخبّرني بعض أصحابنا، أنَّه رأى فَرَساً للمأمون بَلقاء سبقتِ الحلبة، وهذه نادرةٌ غريبة.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
نظافة الحمام ونَفع ذرْقه
والحمام طائر ألوفٌ مألوف ومحبَّب، موصوفٌ بالنّظافة، حتى إنّ ذرْقه لا يعاف ولا نتن له، كسُلاَحِ الدَّجاج والدِّيَكة، وقد يُعالج بذرْقه صاحبُ الحصاة، والفلاّحون يجدون فيه أكثرَ المنافع، والخبَّاز يُلقي الشيء منه في الخمير لينتفخَ العجينُ ويعظُمَ الرغيف، ثمّ لا يستبينُ ذلك فيه، ولذَرْقه غلاّتٌ، يعرف ذلك أصحاب الحُجَر، وهو يصلُحْ في بَعض وُجوهِ الدَّبْغ.
والحمام طائر ألوفٌ مألوف ومحبَّب، موصوفٌ بالنّظافة، حتى إنّ ذرْقه لا يعاف ولا نتن له، كسُلاَحِ الدَّجاج والدِّيَكة، وقد يُعالج بذرْقه صاحبُ الحصاة، والفلاّحون يجدون فيه أكثرَ المنافع، والخبَّاز يُلقي الشيء منه في الخمير لينتفخَ العجينُ ويعظُمَ الرغيف، ثمّ لا يستبينُ ذلك فيه، ولذَرْقه غلاّتٌ، يعرف ذلك أصحاب الحُجَر، وهو يصلُحْ في بَعض وُجوهِ الدَّبْغ.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
الحمامُ طائرٌ لئيمٌ قاسي القلب
وقال صاحبُ الدِّيك: الحمامُ طائرٌ لئيمٌ قاسي القلب، وإن برَّ بزَعْمِكم ولدَ غيرِه، وصنَعَ به كما يصنع بفرخه؛ وذلك أنهما يحضُنان كلَّ بيض، ويزُقّان كلَّ فرْخ، وما ذاك منهما إلاّ في الفَرْط.
لؤم الحمام فأمَّا لؤمه فمن طرِيق الغَيرة، فإنّه يرى بعينه الذّكَرَ الذي هو أضعف منه، وهو يطرُدُ أنثاه ويكسَحُ بِذَنَبه حَولها، ويتطوَّس لها ويستميلها، وهو يرى ذلك بعَينه - ثمَّ لم نر قط ذكراً واثَبَ ذكراً عند مثلِ ذلك.
فإذا قلت: إنّه يشتدُّ عليه ويمنعه إذا جثَمت له وأراد أن يعلوَها؛ فكلُّ ذكر وأنثى هنالك يفعل ذلك، وليس ذلك من الذكر الغريب من طريق الغَيرة، ولكنّه ضربٌ من البُخْل ومن النّفاسة، وإذا لم يكن من ذكَرِها إلاّ مثلُ ما يكون من جميع الحمام عُلم أنّ ذلك منه ليس من طريق الغيرة، وأنا رأيت النواهضَ تفعل ذلك، وتقطع على الذَّكر بَعْدَ أن يعلُوَ على الأنثى.
قال: وأمَّا ما ذكرتم من أن الحمامَ معطوفٌ على فِراخه ما دامتْ محتاجةً إلى الزّقّ، فإذا استغنَت نُزِعت منها الرحمةُ، فليس ذلك كما قلتم، الحمامُ طائِرٌ ليس له عهد؛ وذلك أنّ الذّكرَ ربما كانت معه الأنثى السِّنينَ، ثمَّ تُنقَلُ عنه وتُوارَى عنه شهراً واحداً، ثم تظهر له مع زوجٍ أضْعَفَ منه، فيراها طولَ دهْره وهي إلى جنب بيتِه وتماريده فكأنه لا يعرفها بعد معرفتها الدَّهرَ الطويل، وإنما غابت عنه الأيَّامَ اليسيرةَ، فليس يوجَّهُ ذلك الجهلُ الذي يُعامِل به فراخَهُ بعد أن كبِرَت، إلاَّ على الغباوة وسُوءِ الذِّكر، وأنّ الفرْخ حين استوى ريشهُ وأشبَهَ غيرَه من الحمام جهِل الفصْل الذي بينهما.
فإن كان يعرف أنثاه وهو يجدُها مع ذكَرٍ ضعيف وهو مسلِّم لذلك وقانعٌ بِهِ، وقليلُ الاكتراث به، فهو من لؤمِ في أصل الطبيعة.
قسوة الحمام قال: وبابٌ آخر من لؤمه: القسوة، وهي ألأمُ اللّؤم؛ وذلك أن الذّكَر ربَّما كان في البيت طائرٌ ذكرٌ قد اشتدَّ ضعفهُ، فينقُر رأسَه والآخرُ مستخذٍ له، قد أمكَنَه من رأسِهِ خاضعاً له، شديدَ
وقال صاحبُ الدِّيك: الحمامُ طائرٌ لئيمٌ قاسي القلب، وإن برَّ بزَعْمِكم ولدَ غيرِه، وصنَعَ به كما يصنع بفرخه؛ وذلك أنهما يحضُنان كلَّ بيض، ويزُقّان كلَّ فرْخ، وما ذاك منهما إلاّ في الفَرْط.
لؤم الحمام فأمَّا لؤمه فمن طرِيق الغَيرة، فإنّه يرى بعينه الذّكَرَ الذي هو أضعف منه، وهو يطرُدُ أنثاه ويكسَحُ بِذَنَبه حَولها، ويتطوَّس لها ويستميلها، وهو يرى ذلك بعَينه - ثمَّ لم نر قط ذكراً واثَبَ ذكراً عند مثلِ ذلك.
فإذا قلت: إنّه يشتدُّ عليه ويمنعه إذا جثَمت له وأراد أن يعلوَها؛ فكلُّ ذكر وأنثى هنالك يفعل ذلك، وليس ذلك من الذكر الغريب من طريق الغَيرة، ولكنّه ضربٌ من البُخْل ومن النّفاسة، وإذا لم يكن من ذكَرِها إلاّ مثلُ ما يكون من جميع الحمام عُلم أنّ ذلك منه ليس من طريق الغيرة، وأنا رأيت النواهضَ تفعل ذلك، وتقطع على الذَّكر بَعْدَ أن يعلُوَ على الأنثى.
قال: وأمَّا ما ذكرتم من أن الحمامَ معطوفٌ على فِراخه ما دامتْ محتاجةً إلى الزّقّ، فإذا استغنَت نُزِعت منها الرحمةُ، فليس ذلك كما قلتم، الحمامُ طائِرٌ ليس له عهد؛ وذلك أنّ الذّكرَ ربما كانت معه الأنثى السِّنينَ، ثمَّ تُنقَلُ عنه وتُوارَى عنه شهراً واحداً، ثم تظهر له مع زوجٍ أضْعَفَ منه، فيراها طولَ دهْره وهي إلى جنب بيتِه وتماريده فكأنه لا يعرفها بعد معرفتها الدَّهرَ الطويل، وإنما غابت عنه الأيَّامَ اليسيرةَ، فليس يوجَّهُ ذلك الجهلُ الذي يُعامِل به فراخَهُ بعد أن كبِرَت، إلاَّ على الغباوة وسُوءِ الذِّكر، وأنّ الفرْخ حين استوى ريشهُ وأشبَهَ غيرَه من الحمام جهِل الفصْل الذي بينهما.
فإن كان يعرف أنثاه وهو يجدُها مع ذكَرٍ ضعيف وهو مسلِّم لذلك وقانعٌ بِهِ، وقليلُ الاكتراث به، فهو من لؤمِ في أصل الطبيعة.
قسوة الحمام قال: وبابٌ آخر من لؤمه: القسوة، وهي ألأمُ اللّؤم؛ وذلك أن الذّكَر ربَّما كان في البيت طائرٌ ذكرٌ قد اشتدَّ ضعفهُ، فينقُر رأسَه والآخرُ مستخذٍ له، قد أمكَنَه من رأسِهِ خاضعاً له، شديدَ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
الاستسلام لأمره، فلا هو يرحمُه لضعْفِه وعجْزِه عنهُ، ولا هو يرحَمُه لخضوعه، ولا هو يملُّ وليس له عنده وِتر، ثمّ ينقُر يافُوخَه حتى ينقُبَ عنهُ، ثمَّ لا يزال ينقُر ذلك المكانَ بَعْدَ النّقْب حتى يُخرِجَ دِمَاغَهُ فيموتَ بين يَدَيْه.
فلو كان ممَّا يأكل اللَّحمَ واشتهى الدماغ كان ذلك له عذراً؛ إذ لم يَعْدُ ما طَبَعَ اللّه عليه سِباعَ الطير.
فإذا رأينا من بعض بهائمِ الطيرِ من القَسوةِ ما لا نرى من سِباع الطير لم يكن لنا إلاّ أن نقضيَ عليهِ من اللؤم على حسب مباينته لشكل البهيمة، ويزيد في ذلك على ما في جوارح الطير من السَّبُعِية.
أقوال لصاحب الديك في الحمام وقال صاحب الديك: زعم أبو الأصبغ بن ربعيّ قال: كان رَوحٌ أبو همام صاحِب المعمّى، عند مثنَّى ابن زهير، فبينما هو يوماً وهو معهُ في السطح إذ جاء جماعةٌ فصعِدوا، فلم يلبثْ أن جاء آخرون، ثمَّ لم يلبَثْ أن جاء مثلهُمْ، فأقبَلَ عليهم فقال: أيُّ شيءٍ جاء بكم? وما الذي جَمَعكم اليوم? قالوا: هذا اليومُ الذي يرجع فيهِ مَزَاجيلُ الحمامِ من الغايَةِ، قال: ثمَّ ماذا? قالوا: ثمَّ نَتَمَتَّعُ بالنَّظَر إليها إذا أقبلت، قال: لكِنَّني أتمتَّع بتغميض العين إذا أقبلت، وترْك النَّظرِ إليها ثمَّ نزَل وجلس وحدَه.
فلو كان ممَّا يأكل اللَّحمَ واشتهى الدماغ كان ذلك له عذراً؛ إذ لم يَعْدُ ما طَبَعَ اللّه عليه سِباعَ الطير.
فإذا رأينا من بعض بهائمِ الطيرِ من القَسوةِ ما لا نرى من سِباع الطير لم يكن لنا إلاّ أن نقضيَ عليهِ من اللؤم على حسب مباينته لشكل البهيمة، ويزيد في ذلك على ما في جوارح الطير من السَّبُعِية.
أقوال لصاحب الديك في الحمام وقال صاحب الديك: زعم أبو الأصبغ بن ربعيّ قال: كان رَوحٌ أبو همام صاحِب المعمّى، عند مثنَّى ابن زهير، فبينما هو يوماً وهو معهُ في السطح إذ جاء جماعةٌ فصعِدوا، فلم يلبثْ أن جاء آخرون، ثمَّ لم يلبَثْ أن جاء مثلهُمْ، فأقبَلَ عليهم فقال: أيُّ شيءٍ جاء بكم? وما الذي جَمَعكم اليوم? قالوا: هذا اليومُ الذي يرجع فيهِ مَزَاجيلُ الحمامِ من الغايَةِ، قال: ثمَّ ماذا? قالوا: ثمَّ نَتَمَتَّعُ بالنَّظَر إليها إذا أقبلت، قال: لكِنَّني أتمتَّع بتغميض العين إذا أقبلت، وترْك النَّظرِ إليها ثمَّ نزَل وجلس وحدَه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
وقال مثنّى بنُ زهير ذاتَ يوم: ما تلَهَّى النّاسُ بشيءٍ مثل الحمام، ولا وجدنا شيئاً مما يتخذه النّاس ويُلعَبُ بِهِ ويُلْهَى بِهِ، يخرج من أبواب الهزل إلى أبواب الجِدّ - كالحمام - وأبو إسحاق حاضر - فغاظه ذلك، وكظم على غيظه، فلمَّا رأى مثَنَّى سكوته عن الردِّ عليه طمِع فيه فقال: يبلغُ واللّهِ مِنْ كرَم الحمامِ ووفائِه، وثباتِ عهْدِه، وحنينِه إلى أهله، أنِّي ربّما قصَصتُ الطَّائر وبعد أنْ طار عِندي دهراً، فمتى نبَتَ جَناحُه كنباته الأوَّل، لم يَدْعُه سوءُ صنعِي إليه إلى الذَّهاب عنِّي، ولربَّما بِعْتُه فيقصُّه المبتاعُ حيناً، فما هو إلاَّ أن يجدَ في جَناحِه قوَّةٍ على النُّهوض حتَّى أراه أتاني جادفاً أو غير جادف، وربَّما فعلتُ ذلك به مراراً كثيرة، كلَّ ذلك لا يزدَادُ إلاَّ وفاء.
قال أبو إسحاق: أمَّا أنت فأراكَ دائباً تحمَده وتذمُّ نَفْسَك، ولئنْ كان رجوعُه إليك من الكرمِ إنّ إخراجَك له من اللُّؤم وما يُعجبني من الرِّجال مَنْ يَقْطَعْ نفسَه لصلةِ طائر، وينسى ما عليه في جنبِ ما للبهيمة، ثم قال: خبِّرني عنْكَ حين تقول: رجَعَ إليَّ مرَّةً بعدَ مرَّة، وكلما زهِدْتُ فيه كان فيَّ أرغبَ، وكلّما باعدْتُه كان لي أطْلَبَ؛ إليكَ جاء، وإليكَ حنَّ أمْ إلى عُشِّه الذي درَج منه، وإلى وكْره الذي رُبِّي فيه? أرأيت أنْ لو رجَعَ إلَى وكرِه وبيتِه ثمَّ لم يجدْك، وألفاك غائباً أو ميِّتاً، أكان يرجِعُ إلى موضعه الذي خلّفه? وعلى أنّك تتعجَّب من هدايتِه، وما لك فيه مقالٌ غيره، فأمَّا شكرُك على إرادته لك، فقد تبيَّنَ خَطَاؤك فيه، وإنما بقي الآن حسنُ الاهتداء، والحنينُ إلى الوطن.
قال أبو إسحاق: أمَّا أنت فأراكَ دائباً تحمَده وتذمُّ نَفْسَك، ولئنْ كان رجوعُه إليك من الكرمِ إنّ إخراجَك له من اللُّؤم وما يُعجبني من الرِّجال مَنْ يَقْطَعْ نفسَه لصلةِ طائر، وينسى ما عليه في جنبِ ما للبهيمة، ثم قال: خبِّرني عنْكَ حين تقول: رجَعَ إليَّ مرَّةً بعدَ مرَّة، وكلما زهِدْتُ فيه كان فيَّ أرغبَ، وكلّما باعدْتُه كان لي أطْلَبَ؛ إليكَ جاء، وإليكَ حنَّ أمْ إلى عُشِّه الذي درَج منه، وإلى وكْره الذي رُبِّي فيه? أرأيت أنْ لو رجَعَ إلَى وكرِه وبيتِه ثمَّ لم يجدْك، وألفاك غائباً أو ميِّتاً، أكان يرجِعُ إلى موضعه الذي خلّفه? وعلى أنّك تتعجَّب من هدايتِه، وما لك فيه مقالٌ غيره، فأمَّا شكرُك على إرادته لك، فقد تبيَّنَ خَطَاؤك فيه، وإنما بقي الآن حسنُ الاهتداء، والحنينُ إلى الوطن.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
مشابهة هداية الحمام لهداية الرخم
وقد أجمعوا على أنَّ الرَّخَمَ من لئام الطير وبغاثها، وليست من عِتاقها وأحْرارها، وهي من قواطِع الطّير، ومِنْ موضِع مَقْطَعها إلينا ثمَّ مرجِعِها إليه من عندنا، أكثَرُ وأطوَل من مقدارِ أبعَدِ غايات حمامكم، فإن كانتْ وقتَ خُروجها من أوطانها إلينا خرجتْ تقطَع الصَّحارى والبراريَّ والجزائرَ والغِياضَ والبِحارَ والجبالَ، حتّى تصير إلينا في كلِّ عام - فإن قلت إنّها ليستْ تخرج إلينا على سمْتٍ ولا على هِدايةٍ ولا دَلالةٍ، ولا على أمارةٍ وعَلامة، وإنما هَرَبت من الثُّلوج والبرْد الشديد، وعلمت أنّها تحتاج إلى الطُّعْم، وأنّ الثّلجَ قد ألبَس ذلك العالم، فخرجتْ هاربة فلا تزالُ في هربها إلى أن تصادفَ أرضاً خِصْباً دفئاً، فتقيم عندَ أدنى ما تجد - فما تقولُ فيها عند رجوعها ومعرفِتها بانحسارِ الثلوج عن بلادها? أليست قد اهتدت طرِيقَ الرُّجوع? ومعلوم عند أهل تلك الأطراف، وعند أصحاب التَّجارب وعند القانص، أنّ طَيْرَ كلِّ جهةٍ إذا قَطَعَتْ رَجَعت إلى بلادها وجبالها وأوكارها، وإلى غياضها وأعشّتها، فتجد هذه الصِّفة في جميع القواطع من الطَّير، كرامها كلئامها، وبهائمها كسباعها، ثمَّ لا يكون اهتداؤها على تمرينٍ وتوطين، ولا عن تدريبٍ وتجريبٍ، ولم تلقّن بالتّعليم، ولم تثبّتْ بالتّدبيرِ والتقويم، فالقواطع لأنفسها تصير إلينا، ولأنفسها تعودُ إلى أوكارها.
وكذلك الأوابد من الحمام، لأنفسها ترجع، وإلفُها للوطن إلفٌ مشترَكٌ مقسومٌ على جميع الطّير، فقَدْ بَطَلَ جميعُ ما ذكرت.
قواطع السمك ثمّ قال: وأعجبُ من جميعِ قواطعِ الطّيرِ قواطعُ السَّمك، كالأسبور والجُوَاف والبَرستُوج، فإنَّ هذه الأنواعَ تأتي دِجلَة البصرةِ من أقصى البحار، تستعذبُ الماء في ذلك الإبَّان، كأنها تتحمَّضُ بحلاوة الماء وعذوبَتِه، بعدَ مُلوحةِ البحر؛ كما تتحمَّض الإبلُ فتتطلب الحَمْضَ - وهو ملحٌ - بَعْدَ الخُلّة - وهو ما حلا وعذب.
طلب الأسد للملح والأُسْدُ إذا أكثَرتْ مِنْ حَسْوِ الدِّماء - والدِّماءُ حلوةٌ - وأكْلِ اللّحْم واللّحمُ حلو - طلبت المِلْحَ لتتملّحَ به، وتجعلَه كالحمْض بعْدَ الخُلّة.
ولولا حُسنُ موقعِ المِلْح لم يُدْخله النّاسُ في أكثرِ طعامهم.
والأَسَدُ يخرج للتملُّح فَلاَ يزالُ يسيرُ حتّى يجِدَ مَلاَّحة، وربَّما اعتادَ الأَسَدُ مكاناً فيجده ممنوعاً، فلاَ يزالُ
وقد أجمعوا على أنَّ الرَّخَمَ من لئام الطير وبغاثها، وليست من عِتاقها وأحْرارها، وهي من قواطِع الطّير، ومِنْ موضِع مَقْطَعها إلينا ثمَّ مرجِعِها إليه من عندنا، أكثَرُ وأطوَل من مقدارِ أبعَدِ غايات حمامكم، فإن كانتْ وقتَ خُروجها من أوطانها إلينا خرجتْ تقطَع الصَّحارى والبراريَّ والجزائرَ والغِياضَ والبِحارَ والجبالَ، حتّى تصير إلينا في كلِّ عام - فإن قلت إنّها ليستْ تخرج إلينا على سمْتٍ ولا على هِدايةٍ ولا دَلالةٍ، ولا على أمارةٍ وعَلامة، وإنما هَرَبت من الثُّلوج والبرْد الشديد، وعلمت أنّها تحتاج إلى الطُّعْم، وأنّ الثّلجَ قد ألبَس ذلك العالم، فخرجتْ هاربة فلا تزالُ في هربها إلى أن تصادفَ أرضاً خِصْباً دفئاً، فتقيم عندَ أدنى ما تجد - فما تقولُ فيها عند رجوعها ومعرفِتها بانحسارِ الثلوج عن بلادها? أليست قد اهتدت طرِيقَ الرُّجوع? ومعلوم عند أهل تلك الأطراف، وعند أصحاب التَّجارب وعند القانص، أنّ طَيْرَ كلِّ جهةٍ إذا قَطَعَتْ رَجَعت إلى بلادها وجبالها وأوكارها، وإلى غياضها وأعشّتها، فتجد هذه الصِّفة في جميع القواطع من الطَّير، كرامها كلئامها، وبهائمها كسباعها، ثمَّ لا يكون اهتداؤها على تمرينٍ وتوطين، ولا عن تدريبٍ وتجريبٍ، ولم تلقّن بالتّعليم، ولم تثبّتْ بالتّدبيرِ والتقويم، فالقواطع لأنفسها تصير إلينا، ولأنفسها تعودُ إلى أوكارها.
وكذلك الأوابد من الحمام، لأنفسها ترجع، وإلفُها للوطن إلفٌ مشترَكٌ مقسومٌ على جميع الطّير، فقَدْ بَطَلَ جميعُ ما ذكرت.
قواطع السمك ثمّ قال: وأعجبُ من جميعِ قواطعِ الطّيرِ قواطعُ السَّمك، كالأسبور والجُوَاف والبَرستُوج، فإنَّ هذه الأنواعَ تأتي دِجلَة البصرةِ من أقصى البحار، تستعذبُ الماء في ذلك الإبَّان، كأنها تتحمَّضُ بحلاوة الماء وعذوبَتِه، بعدَ مُلوحةِ البحر؛ كما تتحمَّض الإبلُ فتتطلب الحَمْضَ - وهو ملحٌ - بَعْدَ الخُلّة - وهو ما حلا وعذب.
طلب الأسد للملح والأُسْدُ إذا أكثَرتْ مِنْ حَسْوِ الدِّماء - والدِّماءُ حلوةٌ - وأكْلِ اللّحْم واللّحمُ حلو - طلبت المِلْحَ لتتملّحَ به، وتجعلَه كالحمْض بعْدَ الخُلّة.
ولولا حُسنُ موقعِ المِلْح لم يُدْخله النّاسُ في أكثرِ طعامهم.
والأَسَدُ يخرج للتملُّح فَلاَ يزالُ يسيرُ حتّى يجِدَ مَلاَّحة، وربَّما اعتادَ الأَسَدُ مكاناً فيجده ممنوعاً، فلاَ يزالُ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
يقْطَعُ الفراسِخَ الكثيرَةَ بَعْدَ ذلك فإذا تملَّح رجع إلى موضعِهِ وغَيْضَتِه وعَرينِه، وغابه وعِرِّيسته، وإن كان الذي قَطَع خمسين فرسخاً.
قواطع السمك ونحن بالبصرة نعرف الأَشْهُر التي يقبل إلينا فيها هذه الأَصناف وهي تقبلُ مرَّتين في كلِّ سنة، ثمّ نجدُها في إحداهما أسمَنَ الجنس، فيقيم كلُّ جنس منها عنْدَنا شهرَين إلى ثَلاَثة أشهُر، فإذا مضى ذلك الأَجلُ، وانقضتْ عِدّةُ ذلك الجنسِ، أقْبل الجنسُ الآخر، فهم في جميع أقسام شُهورِ السَّنَةِ من الشتاءِ والربيعِ، والصَّيفِ والخريف، في نوعٍ من السَّمك غَيرِ النّوع الآخَر، إلاَّ أنْ البَرَسْتُوجَ يُقْبِل إلينا قاطعاً من بلاد الزِّنج، يستعذب الماء من دِجلةِ البَصْرَةِ، يعرفُ ذلك جميعُ الزِّنج والبَحْريّين.
ُبعْدُ بلاد الزِّنج والصِّين عن البصرة وهم يزعمون أنّ الذي بين البصرة والزِّنج، أبعَدُ مما بين الصِّين وبينها.
وإنما غلط ناسٌ فزعموا أنّ الصِّين أبعد، لأن بحرَ الزِّنج حفرةٌ واحِدة عميقَة واسعة، وأمواجها عِظام، ولذلك البَحْرِ ريحٌ تهبُّ من عُمانَ إلى جهة الزِّنج شهْرَين، وريحٌ تَهُبُّ من بلاد الزِّنج تريدُ جِهَة عُمان شهْرين، على مقْدَارٍ واحدٍ فيما بينَ الشِّدَّة واللِّين، إلاّ أنّها إلى الشدِّةِ أقْرَب، فلما كان البَحْرُ عميقاً والرِّيحُ قَوِيَّةً، والأمْواجُ عظيمَة، وكان الشِّراعُ لا يحطُّ، وكان سيرهم مع الوَتَر ولم يكن مع القَوْس، ولا يَعْرفون الخِبَّ والمكلأََّ، صارت الأَيّامُ التي تسير فيها السُّفن إلى الزِّنْجِ أقل.
قواطع السمك ونحن بالبصرة نعرف الأَشْهُر التي يقبل إلينا فيها هذه الأَصناف وهي تقبلُ مرَّتين في كلِّ سنة، ثمّ نجدُها في إحداهما أسمَنَ الجنس، فيقيم كلُّ جنس منها عنْدَنا شهرَين إلى ثَلاَثة أشهُر، فإذا مضى ذلك الأَجلُ، وانقضتْ عِدّةُ ذلك الجنسِ، أقْبل الجنسُ الآخر، فهم في جميع أقسام شُهورِ السَّنَةِ من الشتاءِ والربيعِ، والصَّيفِ والخريف، في نوعٍ من السَّمك غَيرِ النّوع الآخَر، إلاَّ أنْ البَرَسْتُوجَ يُقْبِل إلينا قاطعاً من بلاد الزِّنج، يستعذب الماء من دِجلةِ البَصْرَةِ، يعرفُ ذلك جميعُ الزِّنج والبَحْريّين.
ُبعْدُ بلاد الزِّنج والصِّين عن البصرة وهم يزعمون أنّ الذي بين البصرة والزِّنج، أبعَدُ مما بين الصِّين وبينها.
وإنما غلط ناسٌ فزعموا أنّ الصِّين أبعد، لأن بحرَ الزِّنج حفرةٌ واحِدة عميقَة واسعة، وأمواجها عِظام، ولذلك البَحْرِ ريحٌ تهبُّ من عُمانَ إلى جهة الزِّنج شهْرَين، وريحٌ تَهُبُّ من بلاد الزِّنج تريدُ جِهَة عُمان شهْرين، على مقْدَارٍ واحدٍ فيما بينَ الشِّدَّة واللِّين، إلاّ أنّها إلى الشدِّةِ أقْرَب، فلما كان البَحْرُ عميقاً والرِّيحُ قَوِيَّةً، والأمْواجُ عظيمَة، وكان الشِّراعُ لا يحطُّ، وكان سيرهم مع الوَتَر ولم يكن مع القَوْس، ولا يَعْرفون الخِبَّ والمكلأََّ، صارت الأَيّامُ التي تسير فيها السُّفن إلى الزِّنْجِ أقل.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
البرستُوج قال: والبَرَسْتوج سَمكٌ يقْطَعُ أمواجَ الماء، وَيَسيح إلى البصرة مِنَ الزنْج، ثم يَعُودُ ما فَضَلَ عنْ صيدِ الناس إلى بلاده وبحره، وذلك أبْعَدُ ممّا بين البصرة إلى العليق المرارَ الكثيرة، وهم لا يصيدون من البَحْر فيما بين البَصرة إلى الزنْج من البَرَسْتُوج شيئاً إلاَّ في إبانِ مَجيئها إلينا ورجوعِها عَنَّا، وإِلاَّ فالبحر منها فارغٌ خالٍ.
فَعامة الطيرِ أعجبُ من حمامكم، وعامَّةُ السّمك أعجبُ من الطَّير.
فَعامة الطيرِ أعجبُ من حمامكم، وعامَّةُ السّمك أعجبُ من الطَّير.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
هداية السمك والحمام
والطَّيرُ ذو جناحين، يحلِّق في الهواء، فله سُرعةُ الدَّرَك وبلوغ الغاية بالطيران، وله إدراك العالم بما فيهِ بعلامات وأمارات إذا هو حلَّق في الهواء، وعلا فَوق كل شيء، والسَّمكة تسبِّح في غَمْر البَحْر والماء، ولا تسبِّح في أعلاه، ونسيمُ الهواء الذي يعيشُ بهِ الطيرُ لو دامَ على السمَكِ ساعة مِنْ نهارٍ لقتله.
وقال أبو العنبر: قال أبو نخيلة الراجز وذَكَرَ السمك:
فَلا يزال مُغرَقـاً يَعُـومُ تغمُّه النشرَة والـنـسِـيم
وأمُّهُ الـوَالـدة الـرؤومُ في البَحر والبَحْرُ له تخميمُ
تَلهمهُ جهلاً ومـا يَرِيمُ
يقول: النشرَة والنسيم الذي يُحيي جَميعَ الحيواناتِ، إذا طال عليه الخُمُومُ واللَّخَنُ والعَفَن، والرُّطوباتُ الغليظة، فذلك يغمُّ السَّمَك ويكرُبُه، وأمُّه التي ولدته تأكله؛ لأنّ السَّمكَ يأكلُ بعضُه بعضاً، وهو في ذلك لاَ يرِيمُ هذا الموضع.
وقال رؤبة:
يُصبِحُ عَطْشَانَ وفي الماءِ فَمُهْ والحوت لا يَكفِيه شيءٌ يَلْهَمُـه
يصف طباعَه واتِّصاله بالماء، وأنَّه شديد الحاجةِ إليه، وإن كان غَرِقاً فيه أبداً.
شعر في الهجاء وأنشدني محمَّدُ بنُ يسير لبعض المدنيِّين، يهجُو رجلاً، وهو قوله:
لنزَا حـتَّـى يمـوتَـا لو رأى في السَّقفِ فرْجاً
صارَ فيه الدَّهرَ حُوتَـا أو رآهُ وَسْـطَ بـحـرٍ
قال: يقول في الغَوْصِ في البَحْرِ، وفي طُول اللبْثِ فيه.
شعر في الضفدع وقال الذَّكواني، وهو يصف الضِّفْدعَ:
كَيمَا يَنقَّ والنّقِيقُ يُتْـلِـفـهْ يُدخل في الأشْدَاق ماءً يَنصُفهّْ
قال: يقول: الضِّفدع لا يصوِّت، ولا يتهيَّأ له ذلك حتَّى يكون في فيه ماء، وإذا أرادَ ذلك أدخل فكه الأسفلَ في الماءِ، وترَك الأعلى حتى يبلُغَ الماءُ نِصفَه.
والطَّيرُ ذو جناحين، يحلِّق في الهواء، فله سُرعةُ الدَّرَك وبلوغ الغاية بالطيران، وله إدراك العالم بما فيهِ بعلامات وأمارات إذا هو حلَّق في الهواء، وعلا فَوق كل شيء، والسَّمكة تسبِّح في غَمْر البَحْر والماء، ولا تسبِّح في أعلاه، ونسيمُ الهواء الذي يعيشُ بهِ الطيرُ لو دامَ على السمَكِ ساعة مِنْ نهارٍ لقتله.
وقال أبو العنبر: قال أبو نخيلة الراجز وذَكَرَ السمك:
فَلا يزال مُغرَقـاً يَعُـومُ تغمُّه النشرَة والـنـسِـيم
وأمُّهُ الـوَالـدة الـرؤومُ في البَحر والبَحْرُ له تخميمُ
تَلهمهُ جهلاً ومـا يَرِيمُ
يقول: النشرَة والنسيم الذي يُحيي جَميعَ الحيواناتِ، إذا طال عليه الخُمُومُ واللَّخَنُ والعَفَن، والرُّطوباتُ الغليظة، فذلك يغمُّ السَّمَك ويكرُبُه، وأمُّه التي ولدته تأكله؛ لأنّ السَّمكَ يأكلُ بعضُه بعضاً، وهو في ذلك لاَ يرِيمُ هذا الموضع.
وقال رؤبة:
يُصبِحُ عَطْشَانَ وفي الماءِ فَمُهْ والحوت لا يَكفِيه شيءٌ يَلْهَمُـه
يصف طباعَه واتِّصاله بالماء، وأنَّه شديد الحاجةِ إليه، وإن كان غَرِقاً فيه أبداً.
شعر في الهجاء وأنشدني محمَّدُ بنُ يسير لبعض المدنيِّين، يهجُو رجلاً، وهو قوله:
لنزَا حـتَّـى يمـوتَـا لو رأى في السَّقفِ فرْجاً
صارَ فيه الدَّهرَ حُوتَـا أو رآهُ وَسْـطَ بـحـرٍ
قال: يقول في الغَوْصِ في البَحْرِ، وفي طُول اللبْثِ فيه.
شعر في الضفدع وقال الذَّكواني، وهو يصف الضِّفْدعَ:
كَيمَا يَنقَّ والنّقِيقُ يُتْـلِـفـهْ يُدخل في الأشْدَاق ماءً يَنصُفهّْ
قال: يقول: الضِّفدع لا يصوِّت، ولا يتهيَّأ له ذلك حتَّى يكون في فيه ماء، وإذا أرادَ ذلك أدخل فكه الأسفلَ في الماءِ، وترَك الأعلى حتى يبلُغَ الماءُ نِصفَه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
والمثل الذي يَتَمَثّلُ بِهِ النّاس: فلانٌ لا يستطيعُ أن يُجيبَ خُصومَه لأنّ فاهُ مَلآن ماءً، وقال شاعرهُمْ:
يا مَنْ هوِيتُ ولكنْ في فمِي ماءُ وما نسيت مكان الآمـريكِ بـذا
وإنَّما جعلوا ذلك مثلاً، حينَ وجَدُوا الإنسانَ إذا كان في فمه ماءٌ على الحقيقة لم يَسْتطع الكلام، فهو تأويلُ قولِ الذَّكوانيِّ:
يُدخِلُ في الأشداقِ ماءً يَنْصُفُه
بفتح الياءِ وضمِّ الصَّاد، فإنَّه ذهبَ إلى قول الشاعرِ:
أشمِّر حتَّى يَنْصُفَ السَّاقَ مِئْزَرِي وكنتُ إذا جاري دَعا لمـضُـوفةٍ
المضوفة: الأمر الذي يشفقُ منه.
وكقول الآخر:
فإنَّ الظَّنَّ يَنْصُفُ أو يزِيدُ
وهذا ليس من الإنصاف الذي هو العَدْل، وإنَّما هو من بلوغ نِصْف الساق.
وأمَّا قوله:
كَيما ينقَّ والنَّقِيقُ يُتلِفهُ
فإنه ذهَبَ إلى قول الشاعِر:
فَدَلَّ عَلَيْهَا صَوْتهَا حَيَّة البَحْرِ ضفادِعُ في ظلماء ليل تجاوَبتْ
يا مَنْ هوِيتُ ولكنْ في فمِي ماءُ وما نسيت مكان الآمـريكِ بـذا
وإنَّما جعلوا ذلك مثلاً، حينَ وجَدُوا الإنسانَ إذا كان في فمه ماءٌ على الحقيقة لم يَسْتطع الكلام، فهو تأويلُ قولِ الذَّكوانيِّ:
يُدخِلُ في الأشداقِ ماءً يَنْصُفُه
بفتح الياءِ وضمِّ الصَّاد، فإنَّه ذهبَ إلى قول الشاعرِ:
أشمِّر حتَّى يَنْصُفَ السَّاقَ مِئْزَرِي وكنتُ إذا جاري دَعا لمـضُـوفةٍ
المضوفة: الأمر الذي يشفقُ منه.
وكقول الآخر:
فإنَّ الظَّنَّ يَنْصُفُ أو يزِيدُ
وهذا ليس من الإنصاف الذي هو العَدْل، وإنَّما هو من بلوغ نِصْف الساق.
وأمَّا قوله:
كَيما ينقَّ والنَّقِيقُ يُتلِفهُ
فإنه ذهَبَ إلى قول الشاعِر:
فَدَلَّ عَلَيْهَا صَوْتهَا حَيَّة البَحْرِ ضفادِعُ في ظلماء ليل تجاوَبتْ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 7 من اصل 13 • 1, 2, 3 ... 6, 7, 8 ... 11, 12, 13
مواضيع مماثلة
» كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» كتاب الزكاة - شرح الموطأ - المجلد الثالث
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» كتاب الزكاة - شرح الموطأ - المجلد الثالث
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ
صفحة 7 من اصل 13
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى