كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
2 مشترك
صفحة 9 من اصل 13
صفحة 9 من اصل 13 • 1, 2, 3 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
بشأن هذا الجُنْد، وتستخف بالآلة التي في هذا الذَّرْء ؛ فَربَّتَ أمة قد أجلاها عن بلادها النملُ، ونقلَها عن مساقِطِ رؤوسها الذَّرُّ، وأُهلِكت بالفأر، وجُردت بالجَرَادِ، وعُذِّبت بالبعوض، وأفسَدَ عيشها الذِّبَّان، فهي جُندٌ إن أراد اللّه عزَّ وجلَّ أن يهلِك بها قوماً بَعْدَ طُغْيانِهم وتجبُّرهم وعتَوِّهم؛ ليعرفوا أو ليُعرَفَ بهم أنَّ كثيرَ أمرِهم، لا يقوم بالقليلِ من أمر اللّه عَزّ وجلّ، وفيها بَعْدُ مُعتبرٌ لمن اعتبر، وموعظةٌ لمن فكّر، وصلاجٌ لمن استبصر، وبلوَى ومحْنة، وعذابٌ ونِقْمة، وحُجَّة صادقة، وآيةٌ واضحة، وسَبَبٌ إلى الصّبْرِ والفِكْرَةِ، وَهما جِمَاع الخيرِ في باب المعْرفة والاستبانة، وفي بابِ الأجْر وعِظمِ المثوبة.
وسَنَذْكر جملةً من حال الذَّبّان، ثم نقولُ في جملةِ ما يَحضرُنا منْ شَأْنِ الغِرْبانِ والجعلانِ
وسَنَذْكر جملةً من حال الذَّبّان، ثم نقولُ في جملةِ ما يَحضرُنا منْ شَأْنِ الغِرْبانِ والجعلانِ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
أمثال في الفراش والذباب
ويقال في موضع الذمِّ والهجاء: ما هُمْ إلاّ فَراشُ نارٍ وَذِبَّانُ طَمَعٍ، وَيقال: أطْيَشْ مِنْ فَراشَة، وَأزهى مِنْ ذِبّانٍ.
وقال الشاعر:
فَرَاشٌ حول نارٍ يَصْطلينا كأنَّ بني ذويبة رهْطَ سلمَى
ولا يَدْرِينَ ماذا يتَّـقـينـا يُطَفْنَ بحرِّها ويَقَعْنَ فيهـا
والعرب تجعل الفَراشَ والنَّحلَ والزَّنابيرَ والدَّبْر كلَّها من الذِّبان، وأما قولهم: أزهى مِنْ ذُباب فلأَنَ الذُّباب يسقُط على أنفِ الملِكِ الجبَّار، وعلى موُقِ عينيه ليأكله، ثم يطرده فَلا ينطرد.
معان وأمثال في الأنف والأنف هو النَّخْوة وموضعُ التَّجبُّر.
وكان من شأن البطارقة وقوَّاد الملوك إذا أنفوا من شيء أن ينخُِروا كما ينْخِر الثَّورُ عندَ الذَّبحِ، والبِرذونُ عند النَّشاط. والأنف هو موضعُ الخُنْزُوانة والنُّعَرةِ، وإذا تكبَّرت النَّاقَةُ بعد أن تلْقَح فإنهَّا تزمّ بأنفها.
والأصيد: الملك الذي تراه أبداً من كِبْره مائلَ الوجه، وشُبِّه بالأسد فقيل أصيد؛ لأنَّ عُنقَ الأسدِ من عظمٍ واحد، فهو لا يلتفتُ إلاّّ بكُلِّه، فلذلك يقال لِلمُتَكَبِّرِ: إنَّما أنفه في أسلوب، ويقال: أرغَمَ اللّه أنفَه وأذلَّ معطِسَه ويقال: ستفعل ذلك وأنفُك راغم والرَّغام: التّراب، ولولا كذا وكذا لهشَّمت أنفك، فإنما يخصُّون بذلك الأنف؛ لأنَّ الكبر إليه يضاف قال الشاعر:
رُحن عَلَى بَغْضائه واغتديْن يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أذْوادنـا
لرُحْنَ منه أُصُلاً قد أبـين لو نَبَتَ البَقلُ عَلَـى أنـفِـه
ويقال بعير مذبوب إذا عرض له ما يدعو الذِّبَّانَ إلى السُّقوط عليه، وهم يعرفون الغُدَّة إذا فشَتْ أو أصابَتْ بعيراً بسُقوط الذِّبَّان عليه.
ويقال في موضع الذمِّ والهجاء: ما هُمْ إلاّ فَراشُ نارٍ وَذِبَّانُ طَمَعٍ، وَيقال: أطْيَشْ مِنْ فَراشَة، وَأزهى مِنْ ذِبّانٍ.
وقال الشاعر:
فَرَاشٌ حول نارٍ يَصْطلينا كأنَّ بني ذويبة رهْطَ سلمَى
ولا يَدْرِينَ ماذا يتَّـقـينـا يُطَفْنَ بحرِّها ويَقَعْنَ فيهـا
والعرب تجعل الفَراشَ والنَّحلَ والزَّنابيرَ والدَّبْر كلَّها من الذِّبان، وأما قولهم: أزهى مِنْ ذُباب فلأَنَ الذُّباب يسقُط على أنفِ الملِكِ الجبَّار، وعلى موُقِ عينيه ليأكله، ثم يطرده فَلا ينطرد.
معان وأمثال في الأنف والأنف هو النَّخْوة وموضعُ التَّجبُّر.
وكان من شأن البطارقة وقوَّاد الملوك إذا أنفوا من شيء أن ينخُِروا كما ينْخِر الثَّورُ عندَ الذَّبحِ، والبِرذونُ عند النَّشاط. والأنف هو موضعُ الخُنْزُوانة والنُّعَرةِ، وإذا تكبَّرت النَّاقَةُ بعد أن تلْقَح فإنهَّا تزمّ بأنفها.
والأصيد: الملك الذي تراه أبداً من كِبْره مائلَ الوجه، وشُبِّه بالأسد فقيل أصيد؛ لأنَّ عُنقَ الأسدِ من عظمٍ واحد، فهو لا يلتفتُ إلاّّ بكُلِّه، فلذلك يقال لِلمُتَكَبِّرِ: إنَّما أنفه في أسلوب، ويقال: أرغَمَ اللّه أنفَه وأذلَّ معطِسَه ويقال: ستفعل ذلك وأنفُك راغم والرَّغام: التّراب، ولولا كذا وكذا لهشَّمت أنفك، فإنما يخصُّون بذلك الأنف؛ لأنَّ الكبر إليه يضاف قال الشاعر:
رُحن عَلَى بَغْضائه واغتديْن يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أذْوادنـا
لرُحْنَ منه أُصُلاً قد أبـين لو نَبَتَ البَقلُ عَلَـى أنـفِـه
ويقال بعير مذبوب إذا عرض له ما يدعو الذِّبَّانَ إلى السُّقوط عليه، وهم يعرفون الغُدَّة إذا فشَتْ أو أصابَتْ بعيراً بسُقوط الذِّبَّان عليه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
احتيال الجمالين على السلطان
وبسقوط الذّبّان على البعير يحتال الجَمَّال للسُّلطان، إذا كان قد تسخَّرَ إبلَهُ وهو لذلك كاره، وإذا كان في جماله الجملُ النفيسُ أو الناقةُ الكريمة؛ فإنه يعمِد إلى الخَضْخاض فيصبُّ فيه شيئاً من دِبس ثم يَطْلى به ذلك البعير، فإذا وجد الذّبّان رِيحَ الدِّبس تساقَطْنَ عليه، فيدَّعي عند ذلك أنَّ به غُدَّة ويجعلُ الشاهدَ له عندَ السُّلطان ما يُوجد عليه من الذِّبان فما أكثر ما يتخلصون بكرائم أموالهم بالحيلِ من أيدي السلطان ولا يظنُّ ذلك السُّلطانُ إلاّ أنه متى شاء أنْ يبيعَ مائةَ أعرابي بدرهم فَعَل، والغدّة عندهُمْ تُعدِي، وطباع الإبل أقبلُ شيء للأَدواء التي تُعْدِي، فيقول الجمَّال عنْدَ ذلك للسُّلطان: لو لم أخف على الإبل إلاَّ بعيري هذا المغِدّ أن يُعدِيَ لم أبال، ولكنِّي أخاف إعداء الغُدَّةِ ومضرَّتها في سائر مالي فلا يزال يستعطِفهُ بذلك، ويحتالُ له به حتَّى يخلِّيَ سبيلَه،
وبسقوط الذّبّان على البعير يحتال الجَمَّال للسُّلطان، إذا كان قد تسخَّرَ إبلَهُ وهو لذلك كاره، وإذا كان في جماله الجملُ النفيسُ أو الناقةُ الكريمة؛ فإنه يعمِد إلى الخَضْخاض فيصبُّ فيه شيئاً من دِبس ثم يَطْلى به ذلك البعير، فإذا وجد الذّبّان رِيحَ الدِّبس تساقَطْنَ عليه، فيدَّعي عند ذلك أنَّ به غُدَّة ويجعلُ الشاهدَ له عندَ السُّلطان ما يُوجد عليه من الذِّبان فما أكثر ما يتخلصون بكرائم أموالهم بالحيلِ من أيدي السلطان ولا يظنُّ ذلك السُّلطانُ إلاّ أنه متى شاء أنْ يبيعَ مائةَ أعرابي بدرهم فَعَل، والغدّة عندهُمْ تُعدِي، وطباع الإبل أقبلُ شيء للأَدواء التي تُعْدِي، فيقول الجمَّال عنْدَ ذلك للسُّلطان: لو لم أخف على الإبل إلاَّ بعيري هذا المغِدّ أن يُعدِيَ لم أبال، ولكنِّي أخاف إعداء الغُدَّةِ ومضرَّتها في سائر مالي فلا يزال يستعطِفهُ بذلك، ويحتالُ له به حتَّى يخلِّيَ سبيلَه،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
نفور الذَّبّان من الكمأة
ويقال إنَّ الذَّبَّان لا يقْرُبَ قدْراً فيه كمأَة ،كما لا يَدخُل سامُّ أبْرص بيتاً فيه زعفران.
ويقال إنَّ الذَّبَّان لا يقْرُبَ قدْراً فيه كمأَة ،كما لا يَدخُل سامُّ أبْرص بيتاً فيه زعفران.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
الخوف على المكلوب من الذِّبَّان
ومن أصابه عض الكلب الكَلِبِ حَمَوا وجهَه من سقوط الذِّبان عليه، قالوا: وهو أشدُّ عليه من دبيب النِّبْر على البعير.
النِّبر والنِّبْر دويْبَّةٌ إذا دبَّت على البعير، تورَّم، وربَّمَا كان ذلك سبَبَ هلاكه.
قال الشاعرُ وهو يصف سِمَن إبله، وعِظَمَ أبدانها:
بجلودهِنَّ مَـدَارِجُ الأنْـبـارِ حمر تحقَّنَت النّجيل كـأنَّـمـا
مميزات خلقيَّة لبعض الحيوان
وليس في الأرض ذبابٌ إلاَّ وهو أقْرَح، ولا في الأرض بعيرٌ إلاّ وهو أعْلم، كما أنَّه ليس في الأرض ثورٌ إلاّ وهو أفطس.
وفي أنَّ كلَّ بعير أعلمُ يقولُ عنترة:
تمكو فريصَتُه كشِدْق الأعلَمِ وحَليل غانيةٍ تركتُ مجـدَّلاً
كأنَّه قال: كشدق البعير؛ إذ كان كلهُ بعيرٍ أعلم.
والشعراء يشبِّهون الضربة بشِدْق البعير، ولذلك قال الشاعر:
من المَصاعبِ في أشداقِهِ شَنَعُ كمْ ضربةٍ لَكَ تحكِي فَاقُراسِيَةٍ
وقال الكميت:
مَشافِرَ قَرْحَى أكلْنَ البريرَا
وإذا قيل الأعلمْ، عُلِم أنَّه البعير، كما أنَّه إذا قيل الأقرح علم أنَّه الذِّبّان، قال الشاعِر:
حذر الطعان مِنَ القدوحِ الأقرَح ولأنتَ أطيشُ حينَ تغْدُو سـادراً
يعني الذبَّان لأَنَه أقرح، ولأنّه أبداً يحكُّ بإحدى ذراعيْه على الأخرى كأنّه يقدح بعودَي مَرْخٍ وعفَار، أو عرجون، أو غير ذلك مما يقدح به.
أخذ الشعراء بعضهم معاني بعض ولا يعلم في الأرض شاعر تَقَدَّمَ في تشبيهٍ مُصيبٍ تامّ، وفي معنًى غريبٍ عجيب، أو في معنًى شريف كريم، أو في بديعِ مُخترع، إلاّ وكلُّ مَنْ جاءَ من الشُعَراءِ منْ بَعدِه أو معه، إنْ هو لم يعدُ على لفظه فيسرقَ بعضه أو يدعِيَه بأسْره، فإنّه لا يَدعُ أن يستعينَ بالمعنى، ويجعَلَ نفسه شريكاً فيه؛ كالمعنى الذي تتنازعُه الشعراءُ فتختلف ألفاظهم، وأعاريضُ أشعارهِمْ، ولايكونُ أحدٌ منهم أحقَّ بذلك المعنى من صاحبه، أو لعلّه أن يجحد أنّه سمع بذلك المعنى قَطُّ، وقال إنَّه خطرَ على بالي من غير سماع، كما خطَر على بال الأوَّل، هذا إذا قرَّعُوه به، إلاَّ ما كان من عنترة في صفةِ الذباب؛ فإنه وصفَه فأجاد صفته فتحامى معناهُ جميعُ الشعراء فلم يعرضْ له أحدٌ منهم، ولقد عَرضَ له بعضُ المحدَثين ممن كان يحسِّنُ القَول، فبلغ من استكراهه لذلك المعنى، ومن اضطرابه فيه، أنّه صار دليلاً على سوء طبعه في الشعر،
ومن أصابه عض الكلب الكَلِبِ حَمَوا وجهَه من سقوط الذِّبان عليه، قالوا: وهو أشدُّ عليه من دبيب النِّبْر على البعير.
النِّبر والنِّبْر دويْبَّةٌ إذا دبَّت على البعير، تورَّم، وربَّمَا كان ذلك سبَبَ هلاكه.
قال الشاعرُ وهو يصف سِمَن إبله، وعِظَمَ أبدانها:
بجلودهِنَّ مَـدَارِجُ الأنْـبـارِ حمر تحقَّنَت النّجيل كـأنَّـمـا
مميزات خلقيَّة لبعض الحيوان
وليس في الأرض ذبابٌ إلاَّ وهو أقْرَح، ولا في الأرض بعيرٌ إلاّ وهو أعْلم، كما أنَّه ليس في الأرض ثورٌ إلاّ وهو أفطس.
وفي أنَّ كلَّ بعير أعلمُ يقولُ عنترة:
تمكو فريصَتُه كشِدْق الأعلَمِ وحَليل غانيةٍ تركتُ مجـدَّلاً
كأنَّه قال: كشدق البعير؛ إذ كان كلهُ بعيرٍ أعلم.
والشعراء يشبِّهون الضربة بشِدْق البعير، ولذلك قال الشاعر:
من المَصاعبِ في أشداقِهِ شَنَعُ كمْ ضربةٍ لَكَ تحكِي فَاقُراسِيَةٍ
وقال الكميت:
مَشافِرَ قَرْحَى أكلْنَ البريرَا
وإذا قيل الأعلمْ، عُلِم أنَّه البعير، كما أنَّه إذا قيل الأقرح علم أنَّه الذِّبّان، قال الشاعِر:
حذر الطعان مِنَ القدوحِ الأقرَح ولأنتَ أطيشُ حينَ تغْدُو سـادراً
يعني الذبَّان لأَنَه أقرح، ولأنّه أبداً يحكُّ بإحدى ذراعيْه على الأخرى كأنّه يقدح بعودَي مَرْخٍ وعفَار، أو عرجون، أو غير ذلك مما يقدح به.
أخذ الشعراء بعضهم معاني بعض ولا يعلم في الأرض شاعر تَقَدَّمَ في تشبيهٍ مُصيبٍ تامّ، وفي معنًى غريبٍ عجيب، أو في معنًى شريف كريم، أو في بديعِ مُخترع، إلاّ وكلُّ مَنْ جاءَ من الشُعَراءِ منْ بَعدِه أو معه، إنْ هو لم يعدُ على لفظه فيسرقَ بعضه أو يدعِيَه بأسْره، فإنّه لا يَدعُ أن يستعينَ بالمعنى، ويجعَلَ نفسه شريكاً فيه؛ كالمعنى الذي تتنازعُه الشعراءُ فتختلف ألفاظهم، وأعاريضُ أشعارهِمْ، ولايكونُ أحدٌ منهم أحقَّ بذلك المعنى من صاحبه، أو لعلّه أن يجحد أنّه سمع بذلك المعنى قَطُّ، وقال إنَّه خطرَ على بالي من غير سماع، كما خطَر على بال الأوَّل، هذا إذا قرَّعُوه به، إلاَّ ما كان من عنترة في صفةِ الذباب؛ فإنه وصفَه فأجاد صفته فتحامى معناهُ جميعُ الشعراء فلم يعرضْ له أحدٌ منهم، ولقد عَرضَ له بعضُ المحدَثين ممن كان يحسِّنُ القَول، فبلغ من استكراهه لذلك المعنى، ومن اضطرابه فيه، أنّه صار دليلاً على سوء طبعه في الشعر،
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
قال عنترة:
فَتَركْنَ كلَّ حَدِيقةٍ كالـدِّرْهـم جادَتْ عليها كـلُّ عـينٍ ثَـرَّةٍ
هَزِجاً كفِعْل الشَّارِبِ المترنِّم فترى الذُّبابَ بها يغنِّي وحْـدَه
فِعْلَ المكبِّ على الزِّنَادِ الأجذم غَرداً يُحكُّ ذِراعَه بـذِرَاعـهِ
قال: يريد فعل الأقْطعِ المكبِّ على الزِّناد، والأجذم: المقطوع اليدين، فوصف الذّباب إذا كان واقعاً ثمَّ حكّ إحدى يديه بالأخرى، فشبَّهَهُ عند ذلك برجلٍ مقطوع اليدين، يقدَحُ بعودين، ومتى سقط الذُّبابُ فهو يفعل ذلك.
ولم أسمع في هذا المعنى بشعر أرضاه غير شِعر عنترة.
قولٌ في حديث وقد كان عندنا في بني العدوية شيخٌ منهم مُنْكر، شديد العارضة فيهِ توضيع، فسمعني أقول: قد جاء في الحديث: إنَّ تحْتَ جَناح الذُّباب اليمين شفاءً وتحت جَناحه الأيسر سمّاً، فإذا سقط في إنَاءٍ أو في شرابٍ أو في مَرَق فاغمسوه فيه؛ فإنه يرفَعُ عند ذلك الجناح الذي تحتَه الشفاء، ويحطُّ الجناح الذي تحته السمّ، فقال: بأبي أنتَ وأمي هذا يجمع العداوةَ والمَكيدة.
قصّة لتميمي مع أناس من الأزد وقدكان عندنا أُنَاسٌ من الأزد، ومعهم ابن حزن، وابن حزن هذا عَدَوِيٌّ من آل عموج، وكان يتعصّب لأصحابه من بني تميم وكانوا على نبيذ، فسقط ذبابٌ في قدَح بعضهم، فقال له الآخر: غطِّ التميمي، ثمَّ سقط آخر في قدَح بعضهم، فقال الباقون: غطِّ التميميّ فلمَّا كان في الثالثة قال ابن حزن: غطِّه فإنْ كان تميمياً رسَبَ، وإن كان أزْديّا طفاً، فقال صاحب المنزل: ما يسرُّني أنَّه كان نقصكم حرفاً، وإنما عَنى أنَّ أزْدَ عُمان مَلاَّحون.
فَتَركْنَ كلَّ حَدِيقةٍ كالـدِّرْهـم جادَتْ عليها كـلُّ عـينٍ ثَـرَّةٍ
هَزِجاً كفِعْل الشَّارِبِ المترنِّم فترى الذُّبابَ بها يغنِّي وحْـدَه
فِعْلَ المكبِّ على الزِّنَادِ الأجذم غَرداً يُحكُّ ذِراعَه بـذِرَاعـهِ
قال: يريد فعل الأقْطعِ المكبِّ على الزِّناد، والأجذم: المقطوع اليدين، فوصف الذّباب إذا كان واقعاً ثمَّ حكّ إحدى يديه بالأخرى، فشبَّهَهُ عند ذلك برجلٍ مقطوع اليدين، يقدَحُ بعودين، ومتى سقط الذُّبابُ فهو يفعل ذلك.
ولم أسمع في هذا المعنى بشعر أرضاه غير شِعر عنترة.
قولٌ في حديث وقد كان عندنا في بني العدوية شيخٌ منهم مُنْكر، شديد العارضة فيهِ توضيع، فسمعني أقول: قد جاء في الحديث: إنَّ تحْتَ جَناح الذُّباب اليمين شفاءً وتحت جَناحه الأيسر سمّاً، فإذا سقط في إنَاءٍ أو في شرابٍ أو في مَرَق فاغمسوه فيه؛ فإنه يرفَعُ عند ذلك الجناح الذي تحتَه الشفاء، ويحطُّ الجناح الذي تحته السمّ، فقال: بأبي أنتَ وأمي هذا يجمع العداوةَ والمَكيدة.
قصّة لتميمي مع أناس من الأزد وقدكان عندنا أُنَاسٌ من الأزد، ومعهم ابن حزن، وابن حزن هذا عَدَوِيٌّ من آل عموج، وكان يتعصّب لأصحابه من بني تميم وكانوا على نبيذ، فسقط ذبابٌ في قدَح بعضهم، فقال له الآخر: غطِّ التميمي، ثمَّ سقط آخر في قدَح بعضهم، فقال الباقون: غطِّ التميميّ فلمَّا كان في الثالثة قال ابن حزن: غطِّه فإنْ كان تميمياً رسَبَ، وإن كان أزْديّا طفاً، فقال صاحب المنزل: ما يسرُّني أنَّه كان نقصكم حرفاً، وإنما عَنى أنَّ أزْدَ عُمان مَلاَّحون.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ضروب الذِّبَّان
والذِّبَّان ضروبٌ سِوى ما ذكرَناه من الفَراش والنَّحل والزَّنابير، فمنها الشَّعْراء، وقال الراجز:
ذبّان شَعْرَاء وبيت ماذلِ
وللكلاب ذبابٌ على حِدَة يَتَخَلّق منها ولا يُريدُ سِواها، ومنها ذبّان الكلأ والرياض، وكلّ نوعٍ منها يألفُ ما خلقَ منه، قال أبو النَّجْم:
يقُلن للرَّائدِ أعشَبْت انزل مستَأسِد ذبَّانه في غَيْطلِ
والذِّبَّان ضروبٌ سِوى ما ذكرَناه من الفَراش والنَّحل والزَّنابير، فمنها الشَّعْراء، وقال الراجز:
ذبّان شَعْرَاء وبيت ماذلِ
وللكلاب ذبابٌ على حِدَة يَتَخَلّق منها ولا يُريدُ سِواها، ومنها ذبّان الكلأ والرياض، وكلّ نوعٍ منها يألفُ ما خلقَ منه، قال أبو النَّجْم:
يقُلن للرَّائدِ أعشَبْت انزل مستَأسِد ذبَّانه في غَيْطلِ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
شعر ومثل في طنين الذباب
والعربُ تسمّي طَنينَ الذِّبَّانِ والبعوض غناءً، وقال الأخطلُ في صفة الثَّور:
غَنّى الغواةُ بِصَنْجٍ عِند أسْوارِ فَرداً تغنِّيه ذبَّان الرِّياض كما
وقالَ حَضْرميُّ بن عامرٍ في طنين الذباب:
شَتْمَ الصَّديقِ وكثْرَةَ الألقاب ما زال إهداءُ القَصائدِ بينَنَـا
في كلِّ مجمعَةٍ طنينُ ذُبَاب حتَّى تركت كأَنَّ أمْرك بينَهم
ويقال: ما قولي هذا عندك إلاّ طنينُ ذُباب.
والعربُ تسمّي طَنينَ الذِّبَّانِ والبعوض غناءً، وقال الأخطلُ في صفة الثَّور:
غَنّى الغواةُ بِصَنْجٍ عِند أسْوارِ فَرداً تغنِّيه ذبَّان الرِّياض كما
وقالَ حَضْرميُّ بن عامرٍ في طنين الذباب:
شَتْمَ الصَّديقِ وكثْرَةَ الألقاب ما زال إهداءُ القَصائدِ بينَنَـا
في كلِّ مجمعَةٍ طنينُ ذُبَاب حتَّى تركت كأَنَّ أمْرك بينَهم
ويقال: ما قولي هذا عندك إلاّ طنينُ ذُباب.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
سفاد الذباب وأعمارها
وللذُّباب وقتٌ تهيج فيهِ للسِّفاد مع قصر أعمارها، وفي الحديث: أنَّ عُمْرَ الذباب أربعون يوماً ولها أيضاً وقت هَيْجٍ في أكْلِ النّاس وعضّهم، وشُربِ دمائهم، وإنما يعرض هذا الذِّبَّان في البيوت عند قرب أيَّامها؛ فإنّ هلاكها يكون بعد ذلك وشيكاً، والذِّبَّان في وقتٍ من الأوقات من حتوف الإبل والدوابِّ.
وللذُّباب وقتٌ تهيج فيهِ للسِّفاد مع قصر أعمارها، وفي الحديث: أنَّ عُمْرَ الذباب أربعون يوماً ولها أيضاً وقت هَيْجٍ في أكْلِ النّاس وعضّهم، وشُربِ دمائهم، وإنما يعرض هذا الذِّبَّان في البيوت عند قرب أيَّامها؛ فإنّ هلاكها يكون بعد ذلك وشيكاً، والذِّبَّان في وقتٍ من الأوقات من حتوف الإبل والدوابِّ.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
علة شدة عض الذباب
والذُّباب والبَعوض من ذوات الخراطيم، ولذلك اشتدَّ عضُّها وقويتْ على خرْق الجلود الغلاظ، وقال الراجز في وصف البعوضة:
ركِّبَ في خرطومها سِكِّينُها مثل السُّفاةِ دائم طنـينُـهـا
والذُّباب والبَعوض من ذوات الخراطيم، ولذلك اشتدَّ عضُّها وقويتْ على خرْق الجلود الغلاظ، وقال الراجز في وصف البعوضة:
ركِّبَ في خرطومها سِكِّينُها مثل السُّفاةِ دائم طنـينُـهـا
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ذوات الخراطيم
وقالوا: ذوات الخراطيم من كلِّ شيء أقوى عضّاً ونَاباً وفكّاً؛ كالذيب والخنزير، والكلب، وأمّا الفيل فإنّ خرطومَه هو أنفه، كما أنَّ لكلِّ شيءٍ من الحيوان أنفاً، وهو يده، ومنه يُغَنِّي وفيه يجري الصَّوت، كما يُجري الزَّامرُ الصَّوتَ في القصَبةِ بالنّفخ، ومتى تضاغَطَ الهواءُ صوَّتَ علَى قدْر الضّغْطِ، أو على قدر الثّقب.
وقالوا: ذوات الخراطيم من كلِّ شيء أقوى عضّاً ونَاباً وفكّاً؛ كالذيب والخنزير، والكلب، وأمّا الفيل فإنّ خرطومَه هو أنفه، كما أنَّ لكلِّ شيءٍ من الحيوان أنفاً، وهو يده، ومنه يُغَنِّي وفيه يجري الصَّوت، كما يُجري الزَّامرُ الصَّوتَ في القصَبةِ بالنّفخ، ومتى تضاغَطَ الهواءُ صوَّتَ علَى قدْر الضّغْطِ، أو على قدر الثّقب.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
أمثال من الشعر في الذباب
والذباب: اسم الواحد، والذّبّان: اسم الجماعة، وإذا أرادوا التَّصغير والتقليلَ ضربوا بالذبَّان المثل، قال الشاعر:
حَسبتُ الخُبْزَ في جوِّ السَّحابِ رأيتُ الخبزَ عزَّ لدَيكَ حتَّـى
ولكنْ خِفْتَ مَرْزِية الذُّبـاب وما روّحْتنا لـتـذُبَّ عـنـا
وقال آخر:
وتعلَّقت هَمدان بالأسبـاب لما رأيت القصْر أُغْلِقَ بابهُ
لم يبق منها قِيسُ أيْرِ ذبابِ أيقنتُ أنّ إمَارة ابن مضارب
قال بعضهم: لم يذهب إلى مقدار أيْره وإنما ذهب إلى مثل قول ابن أحمر:
لو أنَّ معصيّاً لـه أمـرُ ما كنت عنْ قومي بمهتضم
أقصرت لا نُجْحٌ ولا عُذْرُ كلفّتني مُخَّ البَعوضِ فقـدْ
ما يَلَغُ من الحيوان وما لا يلَغ قال: وليس شيٌ مما يطير يلَغُ في الدّم، وإنما يلغ في الدماء من السِّباع ذواتُ الأربع، وأمّا الطّير فإنَّها تشربُ حَسواً، أو عبَّة بعد عَبّة، ونُغبةً بعد نغبة، وسباع الطّير قليلة الشُّرب للماء، والأُسد كذلك، قال أبو زُبَيد الطائي:
طيراً عكوفاً كزُوَّرِ العُرُسِ تذبُّ عنهُ كفٌّ بهـا رَمـقٌ
فهنَّ مِنْ والغٍ ومُنْتَـهِـسِ إذا ونى ونْيَة دَلَـفـنَ لـه
قال: والطّير لا تلغ، وإنما يلغَ الذباب، وجعله من الطّير، وهو وإن كان يطير فليس ذلك من أسمائه، فإذ قد جاز أن يستعير له اسم الطائر، جاز أن يستعير للطير ولْغ السِّباع فيجعَل حسْوها ولْغاً، وقال الشاعر:
وفي الحرب والهيجاء أُسْدٌ ضراغِمُ سراع إلى ولْغ الدماءِ رماحـهـم
والذباب: اسم الواحد، والذّبّان: اسم الجماعة، وإذا أرادوا التَّصغير والتقليلَ ضربوا بالذبَّان المثل، قال الشاعر:
حَسبتُ الخُبْزَ في جوِّ السَّحابِ رأيتُ الخبزَ عزَّ لدَيكَ حتَّـى
ولكنْ خِفْتَ مَرْزِية الذُّبـاب وما روّحْتنا لـتـذُبَّ عـنـا
وقال آخر:
وتعلَّقت هَمدان بالأسبـاب لما رأيت القصْر أُغْلِقَ بابهُ
لم يبق منها قِيسُ أيْرِ ذبابِ أيقنتُ أنّ إمَارة ابن مضارب
قال بعضهم: لم يذهب إلى مقدار أيْره وإنما ذهب إلى مثل قول ابن أحمر:
لو أنَّ معصيّاً لـه أمـرُ ما كنت عنْ قومي بمهتضم
أقصرت لا نُجْحٌ ولا عُذْرُ كلفّتني مُخَّ البَعوضِ فقـدْ
ما يَلَغُ من الحيوان وما لا يلَغ قال: وليس شيٌ مما يطير يلَغُ في الدّم، وإنما يلغ في الدماء من السِّباع ذواتُ الأربع، وأمّا الطّير فإنَّها تشربُ حَسواً، أو عبَّة بعد عَبّة، ونُغبةً بعد نغبة، وسباع الطّير قليلة الشُّرب للماء، والأُسد كذلك، قال أبو زُبَيد الطائي:
طيراً عكوفاً كزُوَّرِ العُرُسِ تذبُّ عنهُ كفٌّ بهـا رَمـقٌ
فهنَّ مِنْ والغٍ ومُنْتَـهِـسِ إذا ونى ونْيَة دَلَـفـنَ لـه
قال: والطّير لا تلغ، وإنما يلغَ الذباب، وجعله من الطّير، وهو وإن كان يطير فليس ذلك من أسمائه، فإذ قد جاز أن يستعير له اسم الطائر، جاز أن يستعير للطير ولْغ السِّباع فيجعَل حسْوها ولْغاً، وقال الشاعر:
وفي الحرب والهيجاء أُسْدٌ ضراغِمُ سراع إلى ولْغ الدماءِ رماحـهـم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
خصلتان محمودتان في الذباب
قال وفي الذباب خصلتان من الخصال المحمودة.
أمَّا إحداهما: فقُرب الحيلة لصرف أذاها ودفع مكروهها؛ فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينَهُ وبين أن يكونَ البيتُ على المقدارِ الأوّلِ من الضِّياء والكِنِّ بعد إخراجها مع السَّلامة من التأذي بالذبان - إلاّ أن يُغلقَ البابُ، فإنَّهُنَّ يتبادرن إلى الخروج، ويتسابَقْنَ في طَلبِ الضوء والهرَب من الظلمة، فإذا أُرخي السِّترُ وفتحَ البابُ عاد الضَّوءُ وسلِمَ أهلُه من مكروهِ الذباب، فإنْ كان في الباب شقّ، وإلاّ جَافى المغلقُ أحدَ البابَين عن صاحبه ولم يطبقه عليه إطباقاً، وربّما خرجْن من الفتْح الذي يكون بين أسفل الباب والعتبة، والحيلةُ في إخراجها والسَّلامةِ من أذاها يسيرة، وليس كذلك البعوض؛ لأنَّ البعوض إنما يشتدُّ أذاه، ويقوى سلطانُه، ويشتدُّ كَلَبه في الظلمةِ، كما يقوَى سلُطان الذبان في الضياء، وليس يمكنُ النّاسَ أنْ يُدخلوا منازلَهم من الضِّياء ما يمنعُ عمَلَ البعوض؛ لأنَّ ذلك لا يكون إلاّ بإدخال الشَّمسِ، والبعوض لا يكون إلاّ في الصيَّف، وشمسُ الصيُّفِ لا صبْرَ عليها، وليس في الأرضِ ضياءٌ انفصلَ من الشمس إلاّ ومَعه نصيبهُ من الحَرِّ، وقد يفارق الحرُّ الضياء في بعضِ المواضع، والضِّياءُ لا يفارِقُ الحَرَّ في مكانٍ من الأماكن.
فإمكان الحِيلة في الذباب يسير، وفي البَعوض عسير.
والفضيلة الأخرى: أنه لولا أن الذّبابة تأكل البَعُوضة و تطلبها وتلتمسها على وجوهِ حيطان البيوت، وفي الزوايا، لما كان لأَهلها فيها قَرار.
قال وفي الذباب خصلتان من الخصال المحمودة.
أمَّا إحداهما: فقُرب الحيلة لصرف أذاها ودفع مكروهها؛ فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينَهُ وبين أن يكونَ البيتُ على المقدارِ الأوّلِ من الضِّياء والكِنِّ بعد إخراجها مع السَّلامة من التأذي بالذبان - إلاّ أن يُغلقَ البابُ، فإنَّهُنَّ يتبادرن إلى الخروج، ويتسابَقْنَ في طَلبِ الضوء والهرَب من الظلمة، فإذا أُرخي السِّترُ وفتحَ البابُ عاد الضَّوءُ وسلِمَ أهلُه من مكروهِ الذباب، فإنْ كان في الباب شقّ، وإلاّ جَافى المغلقُ أحدَ البابَين عن صاحبه ولم يطبقه عليه إطباقاً، وربّما خرجْن من الفتْح الذي يكون بين أسفل الباب والعتبة، والحيلةُ في إخراجها والسَّلامةِ من أذاها يسيرة، وليس كذلك البعوض؛ لأنَّ البعوض إنما يشتدُّ أذاه، ويقوى سلطانُه، ويشتدُّ كَلَبه في الظلمةِ، كما يقوَى سلُطان الذبان في الضياء، وليس يمكنُ النّاسَ أنْ يُدخلوا منازلَهم من الضِّياء ما يمنعُ عمَلَ البعوض؛ لأنَّ ذلك لا يكون إلاّ بإدخال الشَّمسِ، والبعوض لا يكون إلاّ في الصيَّف، وشمسُ الصيُّفِ لا صبْرَ عليها، وليس في الأرضِ ضياءٌ انفصلَ من الشمس إلاّ ومَعه نصيبهُ من الحَرِّ، وقد يفارق الحرُّ الضياء في بعضِ المواضع، والضِّياءُ لا يفارِقُ الحَرَّ في مكانٍ من الأماكن.
فإمكان الحِيلة في الذباب يسير، وفي البَعوض عسير.
والفضيلة الأخرى: أنه لولا أن الذّبابة تأكل البَعُوضة و تطلبها وتلتمسها على وجوهِ حيطان البيوت، وفي الزوايا، لما كان لأَهلها فيها قَرار.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
الحكمة في الذباب
وذكَر محمد بن الجهم - فيما خبَّرني عَنْه بعضُ الثقات - أنه قال لهم ذاتَ يوم: هل تعْرفُون الحِكمة التي استفَدْناها في الذُّباب? قالوا: لا.
قال: بلى، إنّها تأكل البعوض وتصيده وتلقطه وتفنيه: وذلك أنّي كنت أرِيد القائلة، فأمرْت بإخراج الذُّباب وطَرْحِ السِّترِ وإغلاقِ الباب قبلَ ذلك بساعة، فإذا خرجن حصل في البيت البعوضُ، في سلطان البعوض وموضِعِ قوَّته، فكنتُ أدخلُ إلى القائلة فيأكلني البعوض أكلاً شديداً، فأتيتُ ذات يومٍ المنزِلَ في وقت القائلة، فإذا ذلك البيتُ مفتوحٌ، والسِّترُ مرفوع، وقد كان الغلمان أغفلوا ذلك في يومهم، فلما اضطجعَتُ للقائلة لم أجد من البعوض شيئاً وقد كان غضبي اشتدَّ على الغِلمان، فنمتُ في عافية، فما كان من الغد عادُوا إلى إغلاق الباب وإخراجِ الذّباب، فدخلتُ ألتمسُ القائلة، فإذا البعوضُ كثير، ثم أغفلوا إغلاق البابِ يوماً آخر، فلما رأيته مفتوحاً شتمتُهُمْ فلمَّا صرتُ إلى القائلة لم أجدْ بعوضةً واحدةً، فقلت في نفسي عند ذلك: أراني قد نمتُ في يَوْمَي الإغْفَالِ وَالتَّضْييع وامتَنعَ منِّي النَّومُ في أيَّام التحفُّظ والاحتراس، فِلمَ لا أجرِّبُ ترْك إغلاق الباب في يومي هذا، فإن نمتُ ثلاثة أيام لا ألقى من البَعوضِ أذًى مع فتح الباب، علمتُ أنَّ الصّواب في الجمع بين الذِّبان وبين البعوض؛ فإنَّ الذِّبّان هي التي تُفنيه، وأنَّ صلاحَ أمرنا في تقريبِ ما كُنَّا نباعد، ففعلتُ ذلك، فإذا الأمر قد تمّ، فصرنا إذا أردْنا إخراجَ الذِّبّانِ أخرجْناها بأيسرِ حيلة، وإذا أردنا إفناء البعوض أفنيناها على أيدي الذِّبّان بأيسر حيلة.
فهاتان خَصْلتان من مناقب الذِّبّان.
وذكَر محمد بن الجهم - فيما خبَّرني عَنْه بعضُ الثقات - أنه قال لهم ذاتَ يوم: هل تعْرفُون الحِكمة التي استفَدْناها في الذُّباب? قالوا: لا.
قال: بلى، إنّها تأكل البعوض وتصيده وتلقطه وتفنيه: وذلك أنّي كنت أرِيد القائلة، فأمرْت بإخراج الذُّباب وطَرْحِ السِّترِ وإغلاقِ الباب قبلَ ذلك بساعة، فإذا خرجن حصل في البيت البعوضُ، في سلطان البعوض وموضِعِ قوَّته، فكنتُ أدخلُ إلى القائلة فيأكلني البعوض أكلاً شديداً، فأتيتُ ذات يومٍ المنزِلَ في وقت القائلة، فإذا ذلك البيتُ مفتوحٌ، والسِّترُ مرفوع، وقد كان الغلمان أغفلوا ذلك في يومهم، فلما اضطجعَتُ للقائلة لم أجد من البعوض شيئاً وقد كان غضبي اشتدَّ على الغِلمان، فنمتُ في عافية، فما كان من الغد عادُوا إلى إغلاق الباب وإخراجِ الذّباب، فدخلتُ ألتمسُ القائلة، فإذا البعوضُ كثير، ثم أغفلوا إغلاق البابِ يوماً آخر، فلما رأيته مفتوحاً شتمتُهُمْ فلمَّا صرتُ إلى القائلة لم أجدْ بعوضةً واحدةً، فقلت في نفسي عند ذلك: أراني قد نمتُ في يَوْمَي الإغْفَالِ وَالتَّضْييع وامتَنعَ منِّي النَّومُ في أيَّام التحفُّظ والاحتراس، فِلمَ لا أجرِّبُ ترْك إغلاق الباب في يومي هذا، فإن نمتُ ثلاثة أيام لا ألقى من البَعوضِ أذًى مع فتح الباب، علمتُ أنَّ الصّواب في الجمع بين الذِّبان وبين البعوض؛ فإنَّ الذِّبّان هي التي تُفنيه، وأنَّ صلاحَ أمرنا في تقريبِ ما كُنَّا نباعد، ففعلتُ ذلك، فإذا الأمر قد تمّ، فصرنا إذا أردْنا إخراجَ الذِّبّانِ أخرجْناها بأيسرِ حيلة، وإذا أردنا إفناء البعوض أفنيناها على أيدي الذِّبّان بأيسر حيلة.
فهاتان خَصْلتان من مناقب الذِّبّان.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
قصّة في عمر الذُّباب
وقال لي المكِّيُّ مرَّة: إنما عمر الذبّان أربعونَ يوماً، قلت: هكذا جاء في الأثر، وكنّا يومئذ بواسط في أيَّام العسكر وليس بَعْدَ أرض الهنْد أكثرُ ذبَاباً من واسط، ولربّما رأيتَ الحائط وكَأنَّ عليهِ مِسْحاً شديدَ السَّواد من كثرة ما عليه من الذبّان، فقلت للمكّيِّ: أحسب الذبَّان يموت في كل أربعين يوماً، وإن شئت ففي أكثرَ، وإن شئت ففي أَقلَّ، ونحنُ كما ترى ندوسُها بأَرجلنا، ونحن ها هنا مقيمون من أكثر من أربعين يوماً، بل منذ أشهر وأشهر، وما رأينا ذباباً واحداً ميّتاً، فلو كان الأمر على ذلك لرأينا الموتى كما رأينا الأحياء، قال: إنَّ الذّبابة إذا أرادتْ أن تموت ذهبتْ إلى بعض الخرِبات، قلت: فإنَّا قد دخلنا كلَّ خَرِبةٍ في الدُّنْيا، مَا رأينَا فيها قط ذباباً ميّتاً.
للمَكِي وكان المكّيّ طيّباً طيّب الحُجَج، ظَرِيفَ الحِيَل، عجيبَ العلل وكان يدَّعي كلَّ شيءٍ على غاية الإحكام، ولم يُحْكِمْ شيئاً قطُّ، لا من الجليل ولا من الدَّقيق، وإذْ قد جرى ذِكره فسأحدِّثك ببعضِ
وقال لي المكِّيُّ مرَّة: إنما عمر الذبّان أربعونَ يوماً، قلت: هكذا جاء في الأثر، وكنّا يومئذ بواسط في أيَّام العسكر وليس بَعْدَ أرض الهنْد أكثرُ ذبَاباً من واسط، ولربّما رأيتَ الحائط وكَأنَّ عليهِ مِسْحاً شديدَ السَّواد من كثرة ما عليه من الذبّان، فقلت للمكّيِّ: أحسب الذبَّان يموت في كل أربعين يوماً، وإن شئت ففي أكثرَ، وإن شئت ففي أَقلَّ، ونحنُ كما ترى ندوسُها بأَرجلنا، ونحن ها هنا مقيمون من أكثر من أربعين يوماً، بل منذ أشهر وأشهر، وما رأينا ذباباً واحداً ميّتاً، فلو كان الأمر على ذلك لرأينا الموتى كما رأينا الأحياء، قال: إنَّ الذّبابة إذا أرادتْ أن تموت ذهبتْ إلى بعض الخرِبات، قلت: فإنَّا قد دخلنا كلَّ خَرِبةٍ في الدُّنْيا، مَا رأينَا فيها قط ذباباً ميّتاً.
للمَكِي وكان المكّيّ طيّباً طيّب الحُجَج، ظَرِيفَ الحِيَل، عجيبَ العلل وكان يدَّعي كلَّ شيءٍ على غاية الإحكام، ولم يُحْكِمْ شيئاً قطُّ، لا من الجليل ولا من الدَّقيق، وإذْ قد جرى ذِكره فسأحدِّثك ببعضِ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
أحاديِثه، وأخبرك عن بعض علله، لِتَلَهَّى بها ساعةً، ثم نعودَ إلى بقية ذكر الذِّبَّان.
نوادر للمكي ادّعى هذا المكّيُّ البَصَرَ بالبراذين، ونظرَ إلى برذون واقف، قد ألقى صاحبه في فيه اللِّجام، فرأى فأس اللِّجام وأين بلغَ منه، فقال لي: العجب كيف لا يذْرَعُه القيء، وأنا لو أدخلت إصبعي الصغرى في حلقي لما بَقِيَ في جوفي شيءٌُ إلاَّ خرج? قلت: الآنَ علمتُ أنَّك تُبْصر ثمَّ مكث البرذَون ساعةً يلوكُ لجامه، فأقبل عليَّ فقال لي: كيف لا يبرُدُ أسنانَه? قلت: إنما يكون علم هذا عند البصراءِ مثلِك ثمّ رأى البرذَونَ كلَّما لاك اللِّجام والحديدة سال لعابُه على الأرض فأقبل علَيَّ وقال: لولا أنَّ البِرذَون أََفسَدُ الخلق عقلاً لكان ذهنُه قد صفا قلت له: قد كنت أَشك في بَصرك بالدَّوابّ، فأمّا بعْدَ هذا فلستُ أَشكُّ فيه.
وقلت له مرّة ونحن في طريق بغداد: مَا بالُ الفرسَخ في هذه الطريق يكون فرسخين، والفرسخ يكون أَقلَّ من مقدار نصفِ فرسخ? ففكّر طويلاً ثمَّ قال: كان كِسرى يُقْطِعُ للنّاس الفراسخ، فإذا صانَعَ صاحبَ القطيعة زادوه، وإذا لم يصانع نقصوه.
وقلت له مَرَّة: علمتُ أنّ الشاري حدّثني أنَّ المخلوع بعث إلى المأمون بجرابٍ فيه سمسم؛ كأَنّه يخبِرُ أنَّ عندَّه من الجند بعددِ ذلك الحبّ وأنّ المأمون بعث إليه بديكٍ أعورَ، يريد أنَّ طاهر بن الحسين يقتُلُ هؤلاءِ كلَّهم، كما يلقط الدِّيك الحبَّ قال: فإنَّ هذا الحديث أنا ولَّدته، ولكن انظرْ كيفَ سار في الآفق? وأحاديثه وأعاجيبه كثيرة.
نوادر للمكي ادّعى هذا المكّيُّ البَصَرَ بالبراذين، ونظرَ إلى برذون واقف، قد ألقى صاحبه في فيه اللِّجام، فرأى فأس اللِّجام وأين بلغَ منه، فقال لي: العجب كيف لا يذْرَعُه القيء، وأنا لو أدخلت إصبعي الصغرى في حلقي لما بَقِيَ في جوفي شيءٌُ إلاَّ خرج? قلت: الآنَ علمتُ أنَّك تُبْصر ثمَّ مكث البرذَون ساعةً يلوكُ لجامه، فأقبل عليَّ فقال لي: كيف لا يبرُدُ أسنانَه? قلت: إنما يكون علم هذا عند البصراءِ مثلِك ثمّ رأى البرذَونَ كلَّما لاك اللِّجام والحديدة سال لعابُه على الأرض فأقبل علَيَّ وقال: لولا أنَّ البِرذَون أََفسَدُ الخلق عقلاً لكان ذهنُه قد صفا قلت له: قد كنت أَشك في بَصرك بالدَّوابّ، فأمّا بعْدَ هذا فلستُ أَشكُّ فيه.
وقلت له مرّة ونحن في طريق بغداد: مَا بالُ الفرسَخ في هذه الطريق يكون فرسخين، والفرسخ يكون أَقلَّ من مقدار نصفِ فرسخ? ففكّر طويلاً ثمَّ قال: كان كِسرى يُقْطِعُ للنّاس الفراسخ، فإذا صانَعَ صاحبَ القطيعة زادوه، وإذا لم يصانع نقصوه.
وقلت له مَرَّة: علمتُ أنّ الشاري حدّثني أنَّ المخلوع بعث إلى المأمون بجرابٍ فيه سمسم؛ كأَنّه يخبِرُ أنَّ عندَّه من الجند بعددِ ذلك الحبّ وأنّ المأمون بعث إليه بديكٍ أعورَ، يريد أنَّ طاهر بن الحسين يقتُلُ هؤلاءِ كلَّهم، كما يلقط الدِّيك الحبَّ قال: فإنَّ هذا الحديث أنا ولَّدته، ولكن انظرْ كيفَ سار في الآفق? وأحاديثه وأعاجيبه كثيرة.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
معارف في الذّباب
ثمَّ رجع بنا القول إلى صلة كلامِنا في الإخبار عن الذّبّان.
فأمَّا سكَّان بلاد الهند فإنّهم لايطبُخون قدراً، ولا يعملون حَلْوَى ولا يكادون يأكلون إلاَّ ليلاً؛ لِما يتهافت من الذِّبّان في طعامهم، وهذا يدلُ على عفَنِ التُّربة ولَخَن الهواء.
وللذِّبّانِ يعاسيبُ وجُحْلانٌ، ولكن ليس لها قائدٌ ولا أمير، ولو كانت هذه الأصناف التي يحرسُ بعضها بعضاً، وتتَّخذ رئيساً يدبِّرها ويحوطها، إنما أخرج ذلك منها العقْلُ دونَ الطّبع، وكالشيء يخصُّ به البعض دون الكلّ لكان الذرُّ وَالنَّمْلُ أَحقَّ بذلك من الكراكيِّ والغرانيق والثِّيران، ولكَان الفيلُ أحقَّ به من البعير؛ لأنه ليس للذّرِّ قَائدٌ ولا حارس، ولا يعسوبٌ يجمعها ويحميها بعض المواضع، ويوردها بعضاً.
وكلُّ قائدٍ فهو يعسوبُ ذلك الجنسِ المَقُود، وهذا الاسم مستعارٌ من فحل النَّحل وأمير العَسَّالات، وقال الشاعر وهو يعني الثَّور:
وما ذنْبُه إذ عافتِ الماءَ بـاقِـرُ كما ضُربَ اليعسوبُ إذ عاف باقِرٌ
ثمَّ رجع بنا القول إلى صلة كلامِنا في الإخبار عن الذّبّان.
فأمَّا سكَّان بلاد الهند فإنّهم لايطبُخون قدراً، ولا يعملون حَلْوَى ولا يكادون يأكلون إلاَّ ليلاً؛ لِما يتهافت من الذِّبّان في طعامهم، وهذا يدلُ على عفَنِ التُّربة ولَخَن الهواء.
وللذِّبّانِ يعاسيبُ وجُحْلانٌ، ولكن ليس لها قائدٌ ولا أمير، ولو كانت هذه الأصناف التي يحرسُ بعضها بعضاً، وتتَّخذ رئيساً يدبِّرها ويحوطها، إنما أخرج ذلك منها العقْلُ دونَ الطّبع، وكالشيء يخصُّ به البعض دون الكلّ لكان الذرُّ وَالنَّمْلُ أَحقَّ بذلك من الكراكيِّ والغرانيق والثِّيران، ولكَان الفيلُ أحقَّ به من البعير؛ لأنه ليس للذّرِّ قَائدٌ ولا حارس، ولا يعسوبٌ يجمعها ويحميها بعض المواضع، ويوردها بعضاً.
وكلُّ قائدٍ فهو يعسوبُ ذلك الجنسِ المَقُود، وهذا الاسم مستعارٌ من فحل النَّحل وأمير العَسَّالات، وقال الشاعر وهو يعني الثَّور:
وما ذنْبُه إذ عافتِ الماءَ بـاقِـرُ كما ضُربَ اليعسوبُ إذ عاف باقِرٌ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
وكما قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، في صلاح الزَّمان وفساده: فإذا كان ذلك ضَربَ يعسوبُ الدِّين بذَنَبِه.
وعلى ذلك المعنى قال حين مَرَّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد قتيلاً يوم الجمل: لهفي عليك يَعْسُوبَ قريش جدعْتَ أنْفِي وشفَيْتَ نفسي.
قالوا: وعلى هذا المعنى قيل: يعسوب الطُّفاوة.
أقذر الحيوان وزعم بعض الحكماء أنَّه لا ينبغي أن يكون في الأرض شيءٌ من الأشياء أنتنُ من العَذِرة، فكذلك لا شيء أقذَرُ من الذِّبان والقمل، وأمَّا العَذرة فلولا أنَّها كذلك لكان الإنسان مع طول رُؤيتِه لَها، وكثرِة شمِّه لها من نفسه في كلِّ يوم صباحاً ومساء، لقد كان ينبغي أن يكونَ قد ذهَب تقذُّرُهُ له على الأيَّام، أو تمَحَّق، أو دخله النَّقص، فثباتُها ستين عاماً وأكْثَرَ وَأقلّ على مقدار واحد من النتن في أنفِ الرَّجل ومنهم من وجدناه بعد مائة عام كذلك، وقد رأينا المِران والعاداتِ وصنيعَها في الطَّبائع، وكيف تهوِّن الشديدَ، وتقلّل الكثير، فلولا أنَّا فوق كلِّ شيءٍ من النَّتْنِ، لَما ثبَتَتْ هذا الثَّباتَ، ولعرض لها ما يعرِض لسائر النَّتْنِ، وبَعْد فلو كان إنَّما يشَمُّ شيئاً خرجَ من جوفِ غيره ولم يخرجْ من جوفِ نفسه، لكان
وعلى ذلك المعنى قال حين مَرَّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد قتيلاً يوم الجمل: لهفي عليك يَعْسُوبَ قريش جدعْتَ أنْفِي وشفَيْتَ نفسي.
قالوا: وعلى هذا المعنى قيل: يعسوب الطُّفاوة.
أقذر الحيوان وزعم بعض الحكماء أنَّه لا ينبغي أن يكون في الأرض شيءٌ من الأشياء أنتنُ من العَذِرة، فكذلك لا شيء أقذَرُ من الذِّبان والقمل، وأمَّا العَذرة فلولا أنَّها كذلك لكان الإنسان مع طول رُؤيتِه لَها، وكثرِة شمِّه لها من نفسه في كلِّ يوم صباحاً ومساء، لقد كان ينبغي أن يكونَ قد ذهَب تقذُّرُهُ له على الأيَّام، أو تمَحَّق، أو دخله النَّقص، فثباتُها ستين عاماً وأكْثَرَ وَأقلّ على مقدار واحد من النتن في أنفِ الرَّجل ومنهم من وجدناه بعد مائة عام كذلك، وقد رأينا المِران والعاداتِ وصنيعَها في الطَّبائع، وكيف تهوِّن الشديدَ، وتقلّل الكثير، فلولا أنَّا فوق كلِّ شيءٍ من النَّتْنِ، لَما ثبَتَتْ هذا الثَّباتَ، ولعرض لها ما يعرِض لسائر النَّتْنِ، وبَعْد فلو كان إنَّما يشَمُّ شيئاً خرجَ من جوفِ غيره ولم يخرجْ من جوفِ نفسه، لكان
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
ذلك أشْبَه، فإذ قد ثبت في أنفه على هذا المقْدار، وهو منه دونَ غيره، وحتَّى صار يجدُه أنْتن من رَجيع جميع الأجناس - فليس ذلك إلاّ لما قد خُصّ به من المكروه.
وكذلك القول في القمل الذي إنَّمَا يُخْلق من عَرَق الإنسان، ومن رائحته ووسَخِ جلده، وبخار بدنه، وكذلك الذِّبَّان المخالطة لهُمْ في جميع الحالات، والملابسَةُ لهم دُونَ جميع الهوامِّ والهمَج والطّير والبهائمِ والسِّباع حتَّى تكون ألزم من كلِّ ملازم، وأقربَ من كلِّ قريب؛ حتى ما يمتنع عليه شيء من بدن الإنسان، ولا من ثوبه، ولا من طعامِهِ، ولا مِن شرَابِهِ، حتَّى لزمه لزوماً لم يلزمه شيء قطُّ كلزومه، حتى إنّه يسافر السَّفَرَ البعيدَ من مواضع الخِصْب، فيقطع البراريَّ والقِفارَ التي ليس فيها ولا بقربها نباتٌ ولا ماءٌ ولا حيوان، ثم مع ذلك يتوخَّى عند الحاجة إلى الغائط في تلك البَرّيّة أن يفارق أصحابَه، فيتباعد في الأرض، وفي صحراء خلْقاء، فإذا تبرَّزَ فمتى وقع بصرُه على بِرازِهِ رأى الذِّبّان ساقطاً عليه، فقَبْلَ ذلك ما كان يَراه، فإن كان الذُّباب شيئاً يتخلَّق له في تلك الساعة فهذه أعجبُ مما رآه ومما أردنا وأكثرَ ممّا قلنا، وإن كان قد كان ساقطاً على الصُّخورِ المُلْسِ، والبِقاعِ الجُرْدِ، في اليوم القائظ، وفي الهاجرة التي تشْوي كلَّ شيء، وينتظرُ مجيئه - فهذا أعجبُ ممّا قلنا، وإن كانت قد تبعته من الأمصار، إمَّا طائرةً معه، وإمَّا ساقطةً عليه، فلما تبرَّزَ انتقلتُ عنه إلى بِرازه، فهذا تحقيقٌ لقولنا إنّه لايلزم الإنسانَ شيءٌ لزوم الذباب؛
وكذلك القول في القمل الذي إنَّمَا يُخْلق من عَرَق الإنسان، ومن رائحته ووسَخِ جلده، وبخار بدنه، وكذلك الذِّبَّان المخالطة لهُمْ في جميع الحالات، والملابسَةُ لهم دُونَ جميع الهوامِّ والهمَج والطّير والبهائمِ والسِّباع حتَّى تكون ألزم من كلِّ ملازم، وأقربَ من كلِّ قريب؛ حتى ما يمتنع عليه شيء من بدن الإنسان، ولا من ثوبه، ولا من طعامِهِ، ولا مِن شرَابِهِ، حتَّى لزمه لزوماً لم يلزمه شيء قطُّ كلزومه، حتى إنّه يسافر السَّفَرَ البعيدَ من مواضع الخِصْب، فيقطع البراريَّ والقِفارَ التي ليس فيها ولا بقربها نباتٌ ولا ماءٌ ولا حيوان، ثم مع ذلك يتوخَّى عند الحاجة إلى الغائط في تلك البَرّيّة أن يفارق أصحابَه، فيتباعد في الأرض، وفي صحراء خلْقاء، فإذا تبرَّزَ فمتى وقع بصرُه على بِرازِهِ رأى الذِّبّان ساقطاً عليه، فقَبْلَ ذلك ما كان يَراه، فإن كان الذُّباب شيئاً يتخلَّق له في تلك الساعة فهذه أعجبُ مما رآه ومما أردنا وأكثرَ ممّا قلنا، وإن كان قد كان ساقطاً على الصُّخورِ المُلْسِ، والبِقاعِ الجُرْدِ، في اليوم القائظ، وفي الهاجرة التي تشْوي كلَّ شيء، وينتظرُ مجيئه - فهذا أعجبُ ممّا قلنا، وإن كانت قد تبعته من الأمصار، إمَّا طائرةً معه، وإمَّا ساقطةً عليه، فلما تبرَّزَ انتقلتُ عنه إلى بِرازه، فهذا تحقيقٌ لقولنا إنّه لايلزم الإنسانَ شيءٌ لزوم الذباب؛
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
لأنَّ العصافيرَ، والخطاطيف، والزَّرازير، والسَّنانير، والكلابَ وكلَّ شيء يألف النّاسَ، فهو يقيمُ مع النَّاس، فإذا مضى الإنسانُ في سفره، فصار كالمستوحش، وكالنَّازل بالقفار، فكلُّ شيءٍ أهليٍّ يألف النَّاس فإنّما هو مقيمٌ على مثل ما كان من إلفه لهم، لا يتبعهم من دورِ النَّاسِ إلى منازل الوحش؛ إلاّ الذِّبَّان.
قال: فإذا كان الإنسانُ يستقذِرُ الذِّبَّان في مَرَقِه وفي طعامه هذا الاستقذار، ويستقذِرُ القَمْلَ مع محلِّه من القَرابةَ والنِّسبةِ هذا الاستقذار فمعلومٌ أنَّ ذلك لم يكن إلاّ لما خص به من القذر، وإلاّ فبدون هذه القرابة وهذه الملابسَةِ، تطيبُ الأنفس عن كثيرٍ من المحبوب.
إلحاح الذُّباب قال: وفي الذّّبّان خُبْرٌ آخَر: وذلك أنّهُنَّ ربَّما تعَوَّدْنَ المبيتَ على خُوصِ فَسيلةٍ وأقلابها من فسائل الدُّور، أو شجرةٍ، أو كِلَّةٍ، أوْ بابٍ، أو سقفِ بيت، فيُطْرَدْن إذا اجتمعن لوقتهنَّ عند المساء ليلتين أو ثلاث ليال، فيتفَرقْنَ أو يهجُرْن ذلك المكان في المُستَقْبَلِ، وَإنْ كانَ ذلك المكانُ قريباً، وهو لهنَّ معرَّض، ثمَّ لا يدعْنَ أن يلتمِِسْنَ مبيتاً غيرَه، ولا يعرض لهنَّ من اللَّجاجِ في مثل ذلك، مثلُ الذي يعرِض لهنّ من كثرة الرُّجوعِ إلى العينين والأنف بعدَ الذَّّبِّ والطّرْد، وبعدَ الاجتهادِ في ذلك.
أذى الذباب ونحوها وقال محمَّد بن حرب: ينبغي أن يكونَ الذِّبّانُ سُمّاً نَاقِعاً؛ لأنِّ كُلَّ شيءٍ يشتدُّ أذاه باللّمس من غيره، فهو بالمداخلة والملابسة أجْدُرُ أن يؤذيَ، وهذه الأفاعي والثعابينُ والجرَّارات قد تمسُّ
قال: فإذا كان الإنسانُ يستقذِرُ الذِّبَّان في مَرَقِه وفي طعامه هذا الاستقذار، ويستقذِرُ القَمْلَ مع محلِّه من القَرابةَ والنِّسبةِ هذا الاستقذار فمعلومٌ أنَّ ذلك لم يكن إلاّ لما خص به من القذر، وإلاّ فبدون هذه القرابة وهذه الملابسَةِ، تطيبُ الأنفس عن كثيرٍ من المحبوب.
إلحاح الذُّباب قال: وفي الذّّبّان خُبْرٌ آخَر: وذلك أنّهُنَّ ربَّما تعَوَّدْنَ المبيتَ على خُوصِ فَسيلةٍ وأقلابها من فسائل الدُّور، أو شجرةٍ، أو كِلَّةٍ، أوْ بابٍ، أو سقفِ بيت، فيُطْرَدْن إذا اجتمعن لوقتهنَّ عند المساء ليلتين أو ثلاث ليال، فيتفَرقْنَ أو يهجُرْن ذلك المكان في المُستَقْبَلِ، وَإنْ كانَ ذلك المكانُ قريباً، وهو لهنَّ معرَّض، ثمَّ لا يدعْنَ أن يلتمِِسْنَ مبيتاً غيرَه، ولا يعرض لهنَّ من اللَّجاجِ في مثل ذلك، مثلُ الذي يعرِض لهنّ من كثرة الرُّجوعِ إلى العينين والأنف بعدَ الذَّّبِّ والطّرْد، وبعدَ الاجتهادِ في ذلك.
أذى الذباب ونحوها وقال محمَّد بن حرب: ينبغي أن يكونَ الذِّبّانُ سُمّاً نَاقِعاً؛ لأنِّ كُلَّ شيءٍ يشتدُّ أذاه باللّمس من غيره، فهو بالمداخلة والملابسة أجْدُرُ أن يؤذيَ، وهذه الأفاعي والثعابينُ والجرَّارات قد تمسُّ
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
جلودَها ناسٌ فلا تضرُّهم إلاّ بأن تلابسَ إبرةُ العقربِ ونَابُ الأفعى الدَّم ونحن قد نجد الرَّجُلَ يدخُل في خَرْق أنفِه ذبَابٌ، فيجولُ في أوله من غير أنْ يجاوزَ ما حاذى روثَة أنفه وأرنبَته فيخرجه الإِنسانُ من جوفِ أنفه بالنّفخِ وشدَّة النَّفَس ولم يكن له هنالك لُبْثٌ، ولا كان منه عضّ، وليس إلا ما مسَّ بقوائِمه وأطراف جناحيه، فيقع في ذلك المكان من أنْفه، من الدَّغدغة والأُكال والحكَّة، ما لا يصنع الخَرْدَل وبَصَلُ النَّرجِس، ولبنُ التِّين، فليس يكون ذلك منه إلاَّ وفي طبعه من مضادَّةِ طباع الإنسان ما لا يبلغه مضادَّة شيءٍ وإن أفرط.
قال: وليس الشّأن في أنّه لم ينخُس، ولم يجرح، ولم يَخِزْ ولم يَعُضَّ، ولم يغمز، ولم يخدش، وإنَّما هو على قدْر منافرةِ الطِّباعِ للطباع، وعَلَى قدر القَرابةِ والمشاكلةِ.
قال: وليس الشّأن في أنّه لم ينخُس، ولم يجرح، ولم يَخِزْ ولم يَعُضَّ، ولم يغمز، ولم يخدش، وإنَّما هو على قدْر منافرةِ الطِّباعِ للطباع، وعَلَى قدر القَرابةِ والمشاكلةِ.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
الأصوات المكروهة
وقد نجدُ الإنسانَ يغتَمُّ بِتَنَقُّضِ الفتيلة وصوْتِها عندَ قربِ انطفاء النار، أوْ لبعض البلَل يكون قد خالط الفتيلة، ولا يكون الصَّوت بالشَّديد، ولكنَّ الاغتمامَ به، والتكَرُّه له ويكونُ في مقدارِ ما يعتريه من أشدِّ الأصوات، ومنْ ذلك المكروهُ الذي يدخلُ عَلَى الإنسان من غَطيط النَّائِم، وليست تلكَ الكراهةُ لعلَّةِ الشِّدّةِ والصَّلابة، ولكن من قِبَلِ الصُّورَةِ والمقدار، وإنْ لم يكن من قبل الجنس، وكذلك صوتُ احتكاك الآجُرِّ الجديدِ بعضِه ببعض، وكذلك شجر الآجَام عَلَى الأجراف؛ فإنَّ النّفسَ تكرهُه كما تكرهُ صوتَ الصَّاعقة، ولو كان عَلَى ثِقَةٍ من السَّلامة من الاحتراق، لَمَا احتفَل بالصَّاعقةِ ذلك الاحتفالَ، ولعلَّ ذلك الصَّوت وحدَه ألاّ يقتله.
فأَمَّا الذي نشاهدُ اليومَ الأمْرَ عليه، فإنّه متى قرُب منه قتله، ولعلَّ ذلك إنَّما هو لأنَّ الشّي إذا اشتدّ صَدْمُه فَسَخَ القوَّة أو لعلَّ الهواء الذي فيه الإنسانُ والمحيط به أن يحمَى ويستحيلَ ناراً للذي قَدْ شارك ذلك الصَّوتَ من النّار، وهم لم يجدوا الصَّوتَ شديداً جدّاً إلاَّ مَا خالَطَ منه النّار.
ما يقتاتُ بالذُّباب وقال ابن حرب: الذِّبّان قوتُ خلْقٍ كثيرٍ من خلق اللّه عزّ وجلّ، وهو قوتُ الفراريج، والخفافيش، والعنكبوت، والخُلْد، وضروبٍ كثيرةٍ من الهَمَج، همجِ الطير، وحشرات السّباع، فأَمّا الطّير والسُّودَانِيَّات، والحَصَانيّات، والشاهْمُرْكات، وغير ذلك من أصنافِ الطّير؛ وأمّا الضِّباع - فإنّها تأْكل الجيف، وتدع في أفواهها فُضُولاً، وتفتَحُ أفواهَها للذِّبَّان، فإذا احتشَتْ ضمَّت عليها، فهذه إنّما تصيد الذِّبَّانَ بنوعٍ واحدٍ، وهو الاختطافُ والاختلاس، وإعجالها عن الوثوب إذا تلقّطته بأطراف المناقير، أو كبعض ما ذكرنا من إطباق الفم عليها.
وقد نجدُ الإنسانَ يغتَمُّ بِتَنَقُّضِ الفتيلة وصوْتِها عندَ قربِ انطفاء النار، أوْ لبعض البلَل يكون قد خالط الفتيلة، ولا يكون الصَّوت بالشَّديد، ولكنَّ الاغتمامَ به، والتكَرُّه له ويكونُ في مقدارِ ما يعتريه من أشدِّ الأصوات، ومنْ ذلك المكروهُ الذي يدخلُ عَلَى الإنسان من غَطيط النَّائِم، وليست تلكَ الكراهةُ لعلَّةِ الشِّدّةِ والصَّلابة، ولكن من قِبَلِ الصُّورَةِ والمقدار، وإنْ لم يكن من قبل الجنس، وكذلك صوتُ احتكاك الآجُرِّ الجديدِ بعضِه ببعض، وكذلك شجر الآجَام عَلَى الأجراف؛ فإنَّ النّفسَ تكرهُه كما تكرهُ صوتَ الصَّاعقة، ولو كان عَلَى ثِقَةٍ من السَّلامة من الاحتراق، لَمَا احتفَل بالصَّاعقةِ ذلك الاحتفالَ، ولعلَّ ذلك الصَّوت وحدَه ألاّ يقتله.
فأَمَّا الذي نشاهدُ اليومَ الأمْرَ عليه، فإنّه متى قرُب منه قتله، ولعلَّ ذلك إنَّما هو لأنَّ الشّي إذا اشتدّ صَدْمُه فَسَخَ القوَّة أو لعلَّ الهواء الذي فيه الإنسانُ والمحيط به أن يحمَى ويستحيلَ ناراً للذي قَدْ شارك ذلك الصَّوتَ من النّار، وهم لم يجدوا الصَّوتَ شديداً جدّاً إلاَّ مَا خالَطَ منه النّار.
ما يقتاتُ بالذُّباب وقال ابن حرب: الذِّبّان قوتُ خلْقٍ كثيرٍ من خلق اللّه عزّ وجلّ، وهو قوتُ الفراريج، والخفافيش، والعنكبوت، والخُلْد، وضروبٍ كثيرةٍ من الهَمَج، همجِ الطير، وحشرات السّباع، فأَمّا الطّير والسُّودَانِيَّات، والحَصَانيّات، والشاهْمُرْكات، وغير ذلك من أصنافِ الطّير؛ وأمّا الضِّباع - فإنّها تأْكل الجيف، وتدع في أفواهها فُضُولاً، وتفتَحُ أفواهَها للذِّبَّان، فإذا احتشَتْ ضمَّت عليها، فهذه إنّما تصيد الذِّبَّانَ بنوعٍ واحدٍ، وهو الاختطافُ والاختلاس، وإعجالها عن الوثوب إذا تلقّطته بأطراف المناقير، أو كبعض ما ذكرنا من إطباق الفم عليها.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
فأمَّا الصَّيدُ الذي ليس للكلب، ولا لعَنَاق الأرض، ولا للفهد، ولا لشيءٍ من ذوات الأربع مثلُه في الحِذْق والخَتْل والمداراة، وفي صواب الوثْبةِ، وفي التسدُّدِ وسرعة الخطف، فليس مثل الذي يقال له الليث، وهو الصّنف المعروفُ من العناكب بصيد الذِّبّان؛ فإنَّك تجدُه إذا عاين الذِّبَّان ساقطاً، كيف يَلْطأ بالأرضِ، وكيف يسكِّن جميعَ جوارحِه للوثْبة، وكيفَ يؤخِّر ذلك إلى وقت الغِرَّة، وكيف يريها أنّه عنها لاهٍ؛ فإنّك ترى من ذلك شيئاً لم تر مثله من فهد قطُّ، وإن كان الفهدُ موصوفاً منعوتاً.
واعلم أنّه قد ينبغي ألاَّ يكونَ في الأرض شيءٌ أصيَدُ منه؛ لأنّه لا يطير، ولا يصيدُ إلاّ ما يطير ويصيدُ طائِراً شديدَ الحذر، ثم َّ يصيد صيَّاداً لأن الذّباب يصيد البعوض، وخديعتك للخدَّاع أعجبُ، ومكرُكَ بالماكِر أغرب فكذلك يكون صيدُ هذا الفن من العنكبوت.
وزعم الجرداني أنّ الوزغَ تخْتِلُ الذّبانَ، وتصيدُها صيداً حسناً شبيهاً بصيد اللَّيث.
قال: والزُّنبور حريصٌ على صيدِ الذّبَّان، ولكنه لا يطمع فيها إلاّ أن تكون ساقطةً على خَرْءٍ، دونَ كلِّ تمر وعسل؛ لشدَّة عجبها بالخُرْء، وتَشاغلها به فعند ذلك يطمَعُ فيه الزنبور ويصيده، وزعم الجرداني وتابعه كيسان: أنّ الفهدَ إنما أخَذ ذلِكَ عن اللَّيث، ومتى رآه الفهدُ يصيد الذّبّانَ حتى تَعلَّم منه? فظننت أنَّهما قلَّدَا في ذلك بعض مَنْ إذا مَدَحَ شيئاً أسرف فيه.
واعلم أنّه قد ينبغي ألاَّ يكونَ في الأرض شيءٌ أصيَدُ منه؛ لأنّه لا يطير، ولا يصيدُ إلاّ ما يطير ويصيدُ طائِراً شديدَ الحذر، ثم َّ يصيد صيَّاداً لأن الذّباب يصيد البعوض، وخديعتك للخدَّاع أعجبُ، ومكرُكَ بالماكِر أغرب فكذلك يكون صيدُ هذا الفن من العنكبوت.
وزعم الجرداني أنّ الوزغَ تخْتِلُ الذّبانَ، وتصيدُها صيداً حسناً شبيهاً بصيد اللَّيث.
قال: والزُّنبور حريصٌ على صيدِ الذّبَّان، ولكنه لا يطمع فيها إلاّ أن تكون ساقطةً على خَرْءٍ، دونَ كلِّ تمر وعسل؛ لشدَّة عجبها بالخُرْء، وتَشاغلها به فعند ذلك يطمَعُ فيه الزنبور ويصيده، وزعم الجرداني وتابعه كيسان: أنّ الفهدَ إنما أخَذ ذلِكَ عن اللَّيث، ومتى رآه الفهدُ يصيد الذّبّانَ حتى تَعلَّم منه? فظننت أنَّهما قلَّدَا في ذلك بعض مَنْ إذا مَدَحَ شيئاً أسرف فيه.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
تقليد الحيوان للحيوان
ويزعمون أنّ السّبع الصَّيُودَ إذا كان مع سبعٍ هو أصْيَدُ منه، تعلَّمَ منهُ وأخَذَ عنه، وهذا لم أحقّه، فأمّا الذي لا أشكُّ فيه فأنَّ الطائرَ الحَسَنَ الصَّوتِ الملحِّنَ، إذا كان مع نوائح الطَّيرِ ومغنِّياتها، فكان بقربِ الطَّائرِ من شِكله، وهو أحذق منه وأكرز وأمهر، جاوبَه وحكاه، وتعلَّم منه، أو صنَع شيئاً يقوم مقامَ التعلُّم.
ويزعمون أنّ السّبع الصَّيُودَ إذا كان مع سبعٍ هو أصْيَدُ منه، تعلَّمَ منهُ وأخَذَ عنه، وهذا لم أحقّه، فأمّا الذي لا أشكُّ فيه فأنَّ الطائرَ الحَسَنَ الصَّوتِ الملحِّنَ، إذا كان مع نوائح الطَّيرِ ومغنِّياتها، فكان بقربِ الطَّائرِ من شِكله، وهو أحذق منه وأكرز وأمهر، جاوبَه وحكاه، وتعلَّم منه، أو صنَع شيئاً يقوم مقامَ التعلُّم.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: كتاب الحيوان المجلد الثالث - للجاحظ
تعليم البراذين والطير
والبِرذَونُ يُراض فيعرِفُ ما يراد منه، فيعين على نفسه، وربَّما استأجروا للطّيرِ رجُلاً يعلِّمها، فأمّا الذي رأيتُه أنا في البلابل، فقد رأيتُ رجُلاً يُدْعَى لها فيطارِحُها من شكل أصواتها.
والبِرذَونُ يُراض فيعرِفُ ما يراد منه، فيعين على نفسه، وربَّما استأجروا للطّيرِ رجُلاً يعلِّمها، فأمّا الذي رأيتُه أنا في البلابل، فقد رأيتُ رجُلاً يُدْعَى لها فيطارِحُها من شكل أصواتها.
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45422
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 9 من اصل 13 • 1, 2, 3 ... 8, 9, 10, 11, 12, 13
مواضيع مماثلة
» كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» كتاب الزكاة - شرح الموطأ - المجلد الثالث
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ المجلد الأول
» كتاب الزكاة - شرح الموطأ - المجلد الثالث
» تابع كتاب الحيوان للجاحظ
صفحة 9 من اصل 13
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى