تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
5 مشترك
صفحة 2 من اصل 4
صفحة 2 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
الملك يعدد وسائله و مقاماته في طاعته و منا صحته فقال له الرشيد : لولا إبقائي على بني هاشم لقتلتك و رده إلى محبسه .و كلمه عبد الله بن مالك فيه ، و شهد له بنصحه فقال : أطلقه إذاً ، قال : أما في هذا القرب فلا و لكن سهل حبسه ففعل .و أجرى عليه مؤنه حتى مات الرشيد و أطلقه الأمين .و عظم حقده على البرامكة بسبب ذلك ، فضيق عليهم و بعث إلى يحيى يلومه فيما ستر عنه من أمر عبد الملك . فقال : يا أمير المؤمنين كيف يطلعني عبد الملك على ذلك و أنا كنت صاحب الدولة ، و هل إذا فعلت ذلك يجازيني بأكثر من فعلك ؟ أعيذك بالله أن تظن هذا الظن إلا أنه كان رجلاً متجملاً يسرني أن يكون في بيتك مثله ، فوليته و لا خصصته . فعاد إليه الرسول يقول : إن لم تقر قتلت الفضل ابنك . فقال : أنت مسلط علينا فافعل ما أردت .و جذب الرسول الفضل و أخرجه فودع أباه و سأله في الرضا عنه فقال : رضي الله عنك ، و فرق بينهما ثلاثة أيام ولم يجد عندهما شيئاً فجمعهما و احتفظ إبراهيم بن عثمان بن نهيك لقتل جعفر فكان يبكيه و يبكي قومه حزناً عليهم . ثم انتهى به إلى طلب الثأر بهم فكان يشرب النبيذ مع جواريه و يأخذ سيفه و ينادي و اجعفراه و اسيداه و الله لأثأرن بك و لأقتلن قاتلك ، فجاء ابنه و حفص كان مولاه إلى الرشيد فأطلعاه على أمره ، فأحضر إبراهيم و أظهر له الندم على قتله جعفراً و الأسف عليه ، فبكى إبراهيم و قال : و الله ياسيدي لقد أخطأت في قتله فانتهزه الرشيد و أقامه . ثم دخل عليه ابنه بعد ليال قلائل فقتله يقال بأمر الرشيد . و كان يحيى بن خالد محبوساً بالكوفة ولم يزل بها ذلك إلى أن مات سنة تسعين و مائة و مات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث و تسعين .و كانت البرامكة من محاسن العالم و دولتهم من أعظم الدول و هم كانوا نكتة محاسن الملة و عنوان دولتها .
الصوائف و فتوحاتها
كان الرشيد على ما نقله الطبري و غيره يغزو عاماً و يحج عاماً ، و يصلي كل يوم مائة ركعة و يتصدق بألف درهم ، و إذا حج حمل معه مائة من الفقهاء ينفق عليهم ، و إذا لم يحج أنفق على ثلثمائة حاج نفقة شائعة . و كان يتحذى بآثار المنصور إلا في بذل المال فلم ير خليفة قبله أبذل منه للمال .و كان إذا لم يغزو غزا بالصائفة كبار أهل بيته و قواده ، فغزا بالصائفة سنة سبعين سليمان بن عبد الله البكائي ، و قيل غزا بنفسه .و غزا بالصائفة سنة اثنتين و سبعين إسحق بن سليمان بن علي فأثخن في بلاد الروم و غنم و سبى . و غزا في سنة أربع و سبعين بالصائفة عبد الملك بن صالح و قيل أبوه عبد الملك فبلغ في نكاية الروم ما شاء ، و أصحابهم برد سديد سقطت منه أيدي الجند . ثم غزا بالصائفة سنة سبع و سبعين عبد الرزاق بن عبد الحميد الثعلبي .و في سنة ثمان و سبعين زفر بن عاصم و غزا سنة إحدى و ثمانين بنفسه فافتتح حصن الصفصاف و أغزى عبد الملك بن صالح فبلغ أنقرة و افتتح مطمورة . و كان الفداء بين المسلمين و الروم و هو أول فداء في دولة بني العباس ، و تولاه القاسم بن الرشيد و أخرج له من طرسوس الخادم الوالي عليها ، و هو أبو سليمان فرج المدامس على اثني عشر فرسخاً ، و حضر العلماء و الأعيان و خلق من أهل الثغور و ثلاثون ألفاً من الجند المرتزقة فحضروا هناك و جاء الروم بالأسرى ففودي بهم من كان لهم من الأسرى ، و كان أسرى المسلمين ثلاثة آلاف و سبعمائة . و غزا بالصائفة سنة اثنتين و ثمانين عبد الرحمن ابن عبد الملك بن صالح دقشوسوس مدينة أصحاب الكهف .و بلغهم أن الروم سلوا ملكهم قسطنطين بن أليون و ملكوا أمه ربى و تلقب عطشة ، فأثخنوا في البلاد و رجعوا . و في سنة ثلاث و ثمانين حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل ابن يحيى فماتت ببردعة ، و رجع من كان معه فأخبروا أباها أنها قتلت غيلة ، و فتجهز إلى بلاد الإسلام ، و خرج من باب الأبواب و سبى أكثر من مائة ألف فارس و فعلوا ما لم يسمع بمثله . فولى الرشيد يزيد بن مزيد أمر أرمينية مضافة إلى أذربيجان و أمره بالنهوض إليهم و أنزل خزيمة بن خازم بنصيبين ردءاً لهم . و قيل إن سبب خروجهم أن سعيد بن مسلم قتل الهجيم السلمى فدخل ابنه إلى الخزر مستجيشاً بهم على سعيد ، و دخلوا أرمينية و هرب سعيد و الخزر و رجعوا .و في سنة سبع و ثمانين غزا بالصائفة القاسم بن الرشيد و جعله قرباناً لله و ولاه العواصم ، فأناخ على قرة و ضيق عليها و بعث عليها ابن جعفر بن الأشعث فحاصر حصن سنان حتى جهد أهله و فادى الروم بثلثمائة و عشرين أسيراً من المسلمين على أن يرحل عنهم ، فأجابهم و تم بينهم الصلح و رحل عنهم ، و كان ملك الروم يومئذ ابن زيني و قد تقدم ذكره فخلعه الروم و ملكوا يقفور و كان على ديوان خراجهم و مات زيني بعد خمسة أشهر . و لما ملك يقفور كتب الرشيد بما استفزه فسار إلى بلاد الروم غازياً ، و نزل هرقل و أثخن في بلادهم حتى سأل يقفور الصلح ، ثم نقض العهد و كان البرد شديد الكلب و ظن يقفور أن ذلك يمنعه من الرجوع ، فلم يمنعه و رجع حتى أثخن في بلاده ثم خرج من أرضهم . و غزا بالصائفة سنة ثمان و ثمانين إبراهيم بن جبريل و دخل من درب الصفصاف فخرج إليه يقفور ملك الروم و انهزم و قتل من عسكره نحواً أربعين ألفاً . و في هذه السنة رابط القاسم بن الرشيد أبق و في سنة تسع و ثمانين كتب الرشيد و هو بالري كتب الأمان لشروين أبي قارن ، و نداهرمز جدمازيار ، مرزبان خستان صاحب الديلم . و بعث بالكتب مع حسين الخادم إلى طبرستان فقدم خستان و ونداهرمز فأكرمهما الرشيد و أحسن إليهما و ضمن و نداهرمز و شروين صاحبي طبرستان و ذكرا كيف توجه الهادي لهما و حاصرهما . و في سنة ست ثمانين كان فداء بين المسلمين حتى لم يبق بأرض الروم مسلم إلا فودي . و في سنة تسعين سار الرشيد إلى بلاد الروم بسبب ما قدمناه من غدر يقفور في مائة و خمسة و ثلاثين ألفاً من المرتزقة ، سوى الأتباع و المتطوعة و من ليس له ذكر في الديوان ، و استخلف المأمون بالرقة و فوض إليه الأمور ، و كتب إلى الآفاق بذلك ،فنزل على هرقل فحاصرها ثلاثين يوماً و افتتحها و سبى أهلها و غنم ما فيها . و بعث داود بن عيسى بن موسى في سبعين ألفاً غازياً في أرضهم ففتح الله عليه و خرب و نهب ما شاء . و فتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة و ديسة و افتتح يزيد بن مخلد حصن الصفصاف و قونية ، و أناخ عبد الله بن مالك على حصن ذي الكلاع و استعمل الرشيد حميد بن معيوب على الأساطيل ممن بسواحل الشام و مصر إلى قبرس ، فهزم و حرق و سبى من أهلها نحواً من سبعة ألفاً و جاء بهم إلى الواقعة فبايعوا بها و بلغ فداء أسقف قبرس ألفي دينار . ثم سار الرشيد إلى حلوانة فنزل بها و حاصرها ، ثم رحل عنها و خلف عليها عقبة بن جعفر و بعث يقفور بالخراج و الجزية عن رأسه أربعة دنانير ، و عن ابنه دينارين و عن بطارقته كذلك ، و بعث يقفور في جارية من بني هرقلة و كان خطبها ابنه فبعث بها إليه . و نقض في هذه السنة قبرس فغزاهم معيوب بن يحيى فأثخن فيهم و سباهم و لما رجع الرشيد من غزاتة خرجت الروم إلى عين زربة و الكنيسة السوداء و أغاروا و رجعوا فاستنفد أهل المصيصة ما حملوه من الغنائم . و فيها غزا يزيد بن مخلد الهبيري أرض الروم في عشرة آلاف فأخذت الروم عليه المضايق فانهزم ، و قتل في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس . و استعمل الرشيد على الصائفة هرثمة بن أعين قبل أن يوليه خراسان و ضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان ، و أخرجه إلى الصائفة و سار بالعساكر الإسلامية في أثره و رتب بدرب الحرث عبد الله بن مالك و بمرعش سعيد بن مسلم بن قتيبة ، و أغارت الروم عليه فأصابوا من المسلمين و انصرفوا و لم يتحرك من مكانه . و بعث الرشيد محمد بن زيد بن مزيد إلى طرسوس و أقام هو بدرب الحرث و أمر قواده بهدم الكنائس في جميع الثغور و أخذ أهل الذمة بمخالفة زي المسلمين في ملبوسهم و أمر هرثمة ببناء هرطوس و تولى ذلك ، فخرج الخادم بأمر الرشيد و بعث إليها جنداً من خراسان ثلاثة أيام ، و أشخص ألفاً من أهل المصيصة و ألفاً من أنطاكية فتم بناؤها سنة اثنتين و تسعين . و في هذه السنة تحركت الخرمية بناحية أذربيجان فبعث إليهم عبد الله بن مالك في عشرة آلاف فقتل و سبى و أسر ، و وافاه بقرملين فأمره بقتل الأسرى و بيع السبي . و فيها استعمل الرشيد على الثغور ثابت بن مالك الخزاعي فافتتح مطمورة و كان الفداء على يدية بالبرذون . ثم كان الفداء الثاني و كان عدة أسرى المسلمين فيه ألفين و خمسمائة .
الولاية على النواحي
كان على أفريقية مزيد بن حاتم كما قدمناه و مات سنة احدى و سبعين بعد أن استخلف ابنه داود فبعث الرشيد على أفريقية أخاه روح بن حاتم فاستقدمه من فلسطين و بعثه إلى أفريقية . و عزل أبا هريرة محمد بن فروج عن الجزيرة و قتله و ولى مكانه و في سنة ست و سبعين ولى الرشيد على الموصل الحكم بن سليمان ، و قد كان خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين و غنم و سار إلى داريا و آمدوا رزق و خلاط فقفل لذلك و رجع إلى نصيبين ، فأتى الموصل و خرج إليه الفضل في عساكرها فهزهم على الزاب . ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل و أصحابه . و في سنة ست و سبعين مات روح بن حاتم بأفريقية و استخلف حبيب بن نصر المهلبي فسار الفضل إلى الرشيد فولاه على أفريقية ، و عاد إليها فاضطرب عليه الخراسانية من جند أفريقية و لم يرضوه ، فولى مكانه هرثمة بن أعين و بعث في العساكر فسكن الاضطراب ، و رأى ما بأفريقية من الاختلاف فاستعفى االرشيد من ولايتها فأعفاه ، و قدم إلى العراق بعد سنتين و نصف من مغيبه . و في هذه ولى الفضل بن يحيى على مصر مكان أخيه جعفر مضافاً إلى ما بيده من الري و سجستان و غيرهما . ثم عزله عن مصر و ولى عليها إسحق بن سليمان فثارت به الجوقية من مصر و هم جموع من قيس و قضاعة فأمده بهرثمة بن أعين فأذعنوا و ولاه عليهم شهراً ، ثم عزله و ولى عبد الملك بن صالح مكانه ، و فيها أمر دولته إلى يحيى بن خالد . و في سنة ثمانين بعث جعفر ابن يحيى إلى الشام في القواد و العساكر و معه السلاح و الأموال و العصبية التي كانت بها فسكنت الفتنة و رجع ، فولاه خراسان و سجستان فاستعمل عليها عيسى بن جعفر ، و ولى جعفر بن يحيى المريس و قدم هرثمة بن أعين من أفريقية فاستخلفه جعفر على الحرد و عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان و الرويان و ولاها عبد الله بن حازم ، و ولى على الجزيرة سعيد بن مسلم و ولى على الموصل يحيى بن سعيد الحريشي فأساء السيرة و طالبهم بخراج سنين ماضية ، فانجلا أكثر أهل البلد ، و عزله الرشيد و ولى عليها يحيى بن خالد . و في سنة إحدى و ثمانين ولى على أفريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي و كان أبوه من قواد الشيعة و محمد رضيع الرشيد و تلاده فلما استعفى هرثمة ولاه مكانه ، و اضطربت عليه أفريقية ، و كان إبراهيم بن الأغلب بها والياً على الزاب ، و كان جند أفريقية يرجعون إليه فأعانه و حمل الناس على طاعته بعد أن أخرجوه فكرهوا ولاية محمد بن مقاتل و حملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب ولاية أفريقية على أن يترك المائة ألف دينار التي كانت تحمل من مصر معونة إلى والي أفريقية و يحمل هو كل سنة أربعين ألف دينار فاستشار الرشيد بطانته فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب ، و ولاه الرشيد في محرم سنة أربعة و ثمانين ، فضبط الأمور و قبض على المؤمنين و بعث بهم إلى الرشيد فسكنت البلاد . و ابتنى مدينة بقرب القيروان و سماها العباسية و انتقل إليها بأهله و خاصته و حشمه ، و صار ملك أفريقية في عقبة كما يذكر في أخبارها إلى أن غلبهم عليها الشيعة العبيديون . و كان يزيد بن مزيد على أذزبيجان فولاه الرشيد سنة ثمان و ثمانين على أرمينية مضافة إليها ، و ولى خزيمة بن خازم على نصيبين . و ولى الرشيد سنة أربع و ثمانين على اليمن و مكة حماداً البربري و على السند داود بن يزيد حاتم و على الجبل يحيى الحريشي ، و على طبرستان مهروية الزاي ، و قتله أهل طبرستان سنة خمس و ثمانين ، فولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشي . و فيها مكانه ابنه أسد بن يزيد بن حاتم . و في سنة تسع و ثمانين سار الرشيد إلى الري و ولى على طبرستان و الري و دنباوند و قوس و همذان عبد الملك بن مالك . و في سنة تسعين ولى على الموصل خالد بن يزيد بن حاتم و قد تقدم لنا ولاية هرثمة على سليمان و نكبة علي بن عيسى . في سنة احدى و تسعين ظفر حماد البربري بهيصيم اليماني و جاء به إلى الرشيد فقتله ، و ولى في هذه السنة على الموصل محمد بن الفضل ابن سليمان و كان على مكة الفضل بن العباس أخي المنصور و السفاح .
خلع رافع محمد الليث بما وراء النهر
كان رافع بن نصر بن سيار من عظماء الجند فيما وراء النهر و كان يحيى بن الأشعث قد تزوج ببعض النساء المشهورات الجمال و تسرى عليها و أكثر ضرارها و تشوقت إلى التخلص منه ، فدس إليها رافع بن الليث بأن تحاول من يشهد عليها بالكفر لتخلص منه و تحل للأزواج ثم ترجع و تتوب ، فكان و تزوجها و شكا يحيى بن الأشعث إلى الرشيد و أطلعه على جل الأمر ، فكتب إلى علي بن عيسى أن يفرق بينهما و يقيم الحد ىعلى رافع و يطوف به في سمر قند مقيداً على حمار ليكون عظة لغيره ، ففعل ذلك و لم يجده رافع و حبس بسمرقند فهرب من الحبس و لحق بعلي بن عيسى في بلخ فهم بضرب عنقه ، فشفع فيه ابنه عيسى فأمره بالإنصراف إلى سمر قند فرجع إليها و وثب بعاملها فقتله و ملكها و ذلك سنة تسعين . فبعث علي لحربه ابنه عيسى فلقيه رافع و هزمه و قتله ، فخرج علي بن عيسى لقتله و سار من بلخ إلى مرو مخافة عليها من رافع ابن الليث . ثم كانت نكبة علي بن عيسى و ولاية هرثمة بن أعين على خراسان و كان مع رافع بن الليث جماعة من القواد ففارقوه إلى هرثمة منهم عجيف بن عنبسة و غيره . و حاصر هرثمة رافع بن الليث في سمرقند و ضايقه ، و استقدم طاهر ابن الحسين من خراسان فحضر عنده و عاث حمزة الخارجي في نواحي خراسان لخلائها من الجند ، و حمل إليه عمال هراة و سجستان الأموال . ثم خرج عبد الرحمن إلى نيسابور سنة أربع و تسعين و جمع نحواً من عشرين ألفاً ، و سار إلى حمزة فهزمه و قتل من أصحابه خلقاً و أتبعه إلى هراة حتى كتب المأمون إليه و رده عن ذلك . و كانت سنة ثلاث و تسعين بين هرثمة و بين أصحاب رافع وقعة كان الظفر فيها لهرثمة و أسر بشراً أخا رافع و بعث به إلى الرشيد و افتتح بخاري . و كان الرشيد قد سار من الرقة بعد مرجعه من الصائفة التي بنى فيها طرسوس على اعتزام خراسان لشأن رافع ، و كان قد
الصوائف و فتوحاتها
كان الرشيد على ما نقله الطبري و غيره يغزو عاماً و يحج عاماً ، و يصلي كل يوم مائة ركعة و يتصدق بألف درهم ، و إذا حج حمل معه مائة من الفقهاء ينفق عليهم ، و إذا لم يحج أنفق على ثلثمائة حاج نفقة شائعة . و كان يتحذى بآثار المنصور إلا في بذل المال فلم ير خليفة قبله أبذل منه للمال .و كان إذا لم يغزو غزا بالصائفة كبار أهل بيته و قواده ، فغزا بالصائفة سنة سبعين سليمان بن عبد الله البكائي ، و قيل غزا بنفسه .و غزا بالصائفة سنة اثنتين و سبعين إسحق بن سليمان بن علي فأثخن في بلاد الروم و غنم و سبى . و غزا في سنة أربع و سبعين بالصائفة عبد الملك بن صالح و قيل أبوه عبد الملك فبلغ في نكاية الروم ما شاء ، و أصحابهم برد سديد سقطت منه أيدي الجند . ثم غزا بالصائفة سنة سبع و سبعين عبد الرزاق بن عبد الحميد الثعلبي .و في سنة ثمان و سبعين زفر بن عاصم و غزا سنة إحدى و ثمانين بنفسه فافتتح حصن الصفصاف و أغزى عبد الملك بن صالح فبلغ أنقرة و افتتح مطمورة . و كان الفداء بين المسلمين و الروم و هو أول فداء في دولة بني العباس ، و تولاه القاسم بن الرشيد و أخرج له من طرسوس الخادم الوالي عليها ، و هو أبو سليمان فرج المدامس على اثني عشر فرسخاً ، و حضر العلماء و الأعيان و خلق من أهل الثغور و ثلاثون ألفاً من الجند المرتزقة فحضروا هناك و جاء الروم بالأسرى ففودي بهم من كان لهم من الأسرى ، و كان أسرى المسلمين ثلاثة آلاف و سبعمائة . و غزا بالصائفة سنة اثنتين و ثمانين عبد الرحمن ابن عبد الملك بن صالح دقشوسوس مدينة أصحاب الكهف .و بلغهم أن الروم سلوا ملكهم قسطنطين بن أليون و ملكوا أمه ربى و تلقب عطشة ، فأثخنوا في البلاد و رجعوا . و في سنة ثلاث و ثمانين حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل ابن يحيى فماتت ببردعة ، و رجع من كان معه فأخبروا أباها أنها قتلت غيلة ، و فتجهز إلى بلاد الإسلام ، و خرج من باب الأبواب و سبى أكثر من مائة ألف فارس و فعلوا ما لم يسمع بمثله . فولى الرشيد يزيد بن مزيد أمر أرمينية مضافة إلى أذربيجان و أمره بالنهوض إليهم و أنزل خزيمة بن خازم بنصيبين ردءاً لهم . و قيل إن سبب خروجهم أن سعيد بن مسلم قتل الهجيم السلمى فدخل ابنه إلى الخزر مستجيشاً بهم على سعيد ، و دخلوا أرمينية و هرب سعيد و الخزر و رجعوا .و في سنة سبع و ثمانين غزا بالصائفة القاسم بن الرشيد و جعله قرباناً لله و ولاه العواصم ، فأناخ على قرة و ضيق عليها و بعث عليها ابن جعفر بن الأشعث فحاصر حصن سنان حتى جهد أهله و فادى الروم بثلثمائة و عشرين أسيراً من المسلمين على أن يرحل عنهم ، فأجابهم و تم بينهم الصلح و رحل عنهم ، و كان ملك الروم يومئذ ابن زيني و قد تقدم ذكره فخلعه الروم و ملكوا يقفور و كان على ديوان خراجهم و مات زيني بعد خمسة أشهر . و لما ملك يقفور كتب الرشيد بما استفزه فسار إلى بلاد الروم غازياً ، و نزل هرقل و أثخن في بلادهم حتى سأل يقفور الصلح ، ثم نقض العهد و كان البرد شديد الكلب و ظن يقفور أن ذلك يمنعه من الرجوع ، فلم يمنعه و رجع حتى أثخن في بلاده ثم خرج من أرضهم . و غزا بالصائفة سنة ثمان و ثمانين إبراهيم بن جبريل و دخل من درب الصفصاف فخرج إليه يقفور ملك الروم و انهزم و قتل من عسكره نحواً أربعين ألفاً . و في هذه السنة رابط القاسم بن الرشيد أبق و في سنة تسع و ثمانين كتب الرشيد و هو بالري كتب الأمان لشروين أبي قارن ، و نداهرمز جدمازيار ، مرزبان خستان صاحب الديلم . و بعث بالكتب مع حسين الخادم إلى طبرستان فقدم خستان و ونداهرمز فأكرمهما الرشيد و أحسن إليهما و ضمن و نداهرمز و شروين صاحبي طبرستان و ذكرا كيف توجه الهادي لهما و حاصرهما . و في سنة ست ثمانين كان فداء بين المسلمين حتى لم يبق بأرض الروم مسلم إلا فودي . و في سنة تسعين سار الرشيد إلى بلاد الروم بسبب ما قدمناه من غدر يقفور في مائة و خمسة و ثلاثين ألفاً من المرتزقة ، سوى الأتباع و المتطوعة و من ليس له ذكر في الديوان ، و استخلف المأمون بالرقة و فوض إليه الأمور ، و كتب إلى الآفاق بذلك ،فنزل على هرقل فحاصرها ثلاثين يوماً و افتتحها و سبى أهلها و غنم ما فيها . و بعث داود بن عيسى بن موسى في سبعين ألفاً غازياً في أرضهم ففتح الله عليه و خرب و نهب ما شاء . و فتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة و ديسة و افتتح يزيد بن مخلد حصن الصفصاف و قونية ، و أناخ عبد الله بن مالك على حصن ذي الكلاع و استعمل الرشيد حميد بن معيوب على الأساطيل ممن بسواحل الشام و مصر إلى قبرس ، فهزم و حرق و سبى من أهلها نحواً من سبعة ألفاً و جاء بهم إلى الواقعة فبايعوا بها و بلغ فداء أسقف قبرس ألفي دينار . ثم سار الرشيد إلى حلوانة فنزل بها و حاصرها ، ثم رحل عنها و خلف عليها عقبة بن جعفر و بعث يقفور بالخراج و الجزية عن رأسه أربعة دنانير ، و عن ابنه دينارين و عن بطارقته كذلك ، و بعث يقفور في جارية من بني هرقلة و كان خطبها ابنه فبعث بها إليه . و نقض في هذه السنة قبرس فغزاهم معيوب بن يحيى فأثخن فيهم و سباهم و لما رجع الرشيد من غزاتة خرجت الروم إلى عين زربة و الكنيسة السوداء و أغاروا و رجعوا فاستنفد أهل المصيصة ما حملوه من الغنائم . و فيها غزا يزيد بن مخلد الهبيري أرض الروم في عشرة آلاف فأخذت الروم عليه المضايق فانهزم ، و قتل في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس . و استعمل الرشيد على الصائفة هرثمة بن أعين قبل أن يوليه خراسان و ضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان ، و أخرجه إلى الصائفة و سار بالعساكر الإسلامية في أثره و رتب بدرب الحرث عبد الله بن مالك و بمرعش سعيد بن مسلم بن قتيبة ، و أغارت الروم عليه فأصابوا من المسلمين و انصرفوا و لم يتحرك من مكانه . و بعث الرشيد محمد بن زيد بن مزيد إلى طرسوس و أقام هو بدرب الحرث و أمر قواده بهدم الكنائس في جميع الثغور و أخذ أهل الذمة بمخالفة زي المسلمين في ملبوسهم و أمر هرثمة ببناء هرطوس و تولى ذلك ، فخرج الخادم بأمر الرشيد و بعث إليها جنداً من خراسان ثلاثة أيام ، و أشخص ألفاً من أهل المصيصة و ألفاً من أنطاكية فتم بناؤها سنة اثنتين و تسعين . و في هذه السنة تحركت الخرمية بناحية أذربيجان فبعث إليهم عبد الله بن مالك في عشرة آلاف فقتل و سبى و أسر ، و وافاه بقرملين فأمره بقتل الأسرى و بيع السبي . و فيها استعمل الرشيد على الثغور ثابت بن مالك الخزاعي فافتتح مطمورة و كان الفداء على يدية بالبرذون . ثم كان الفداء الثاني و كان عدة أسرى المسلمين فيه ألفين و خمسمائة .
الولاية على النواحي
كان على أفريقية مزيد بن حاتم كما قدمناه و مات سنة احدى و سبعين بعد أن استخلف ابنه داود فبعث الرشيد على أفريقية أخاه روح بن حاتم فاستقدمه من فلسطين و بعثه إلى أفريقية . و عزل أبا هريرة محمد بن فروج عن الجزيرة و قتله و ولى مكانه و في سنة ست و سبعين ولى الرشيد على الموصل الحكم بن سليمان ، و قد كان خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين و غنم و سار إلى داريا و آمدوا رزق و خلاط فقفل لذلك و رجع إلى نصيبين ، فأتى الموصل و خرج إليه الفضل في عساكرها فهزهم على الزاب . ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل و أصحابه . و في سنة ست و سبعين مات روح بن حاتم بأفريقية و استخلف حبيب بن نصر المهلبي فسار الفضل إلى الرشيد فولاه على أفريقية ، و عاد إليها فاضطرب عليه الخراسانية من جند أفريقية و لم يرضوه ، فولى مكانه هرثمة بن أعين و بعث في العساكر فسكن الاضطراب ، و رأى ما بأفريقية من الاختلاف فاستعفى االرشيد من ولايتها فأعفاه ، و قدم إلى العراق بعد سنتين و نصف من مغيبه . و في هذه ولى الفضل بن يحيى على مصر مكان أخيه جعفر مضافاً إلى ما بيده من الري و سجستان و غيرهما . ثم عزله عن مصر و ولى عليها إسحق بن سليمان فثارت به الجوقية من مصر و هم جموع من قيس و قضاعة فأمده بهرثمة بن أعين فأذعنوا و ولاه عليهم شهراً ، ثم عزله و ولى عبد الملك بن صالح مكانه ، و فيها أمر دولته إلى يحيى بن خالد . و في سنة ثمانين بعث جعفر ابن يحيى إلى الشام في القواد و العساكر و معه السلاح و الأموال و العصبية التي كانت بها فسكنت الفتنة و رجع ، فولاه خراسان و سجستان فاستعمل عليها عيسى بن جعفر ، و ولى جعفر بن يحيى المريس و قدم هرثمة بن أعين من أفريقية فاستخلفه جعفر على الحرد و عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان و الرويان و ولاها عبد الله بن حازم ، و ولى على الجزيرة سعيد بن مسلم و ولى على الموصل يحيى بن سعيد الحريشي فأساء السيرة و طالبهم بخراج سنين ماضية ، فانجلا أكثر أهل البلد ، و عزله الرشيد و ولى عليها يحيى بن خالد . و في سنة إحدى و ثمانين ولى على أفريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي و كان أبوه من قواد الشيعة و محمد رضيع الرشيد و تلاده فلما استعفى هرثمة ولاه مكانه ، و اضطربت عليه أفريقية ، و كان إبراهيم بن الأغلب بها والياً على الزاب ، و كان جند أفريقية يرجعون إليه فأعانه و حمل الناس على طاعته بعد أن أخرجوه فكرهوا ولاية محمد بن مقاتل و حملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب ولاية أفريقية على أن يترك المائة ألف دينار التي كانت تحمل من مصر معونة إلى والي أفريقية و يحمل هو كل سنة أربعين ألف دينار فاستشار الرشيد بطانته فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب ، و ولاه الرشيد في محرم سنة أربعة و ثمانين ، فضبط الأمور و قبض على المؤمنين و بعث بهم إلى الرشيد فسكنت البلاد . و ابتنى مدينة بقرب القيروان و سماها العباسية و انتقل إليها بأهله و خاصته و حشمه ، و صار ملك أفريقية في عقبة كما يذكر في أخبارها إلى أن غلبهم عليها الشيعة العبيديون . و كان يزيد بن مزيد على أذزبيجان فولاه الرشيد سنة ثمان و ثمانين على أرمينية مضافة إليها ، و ولى خزيمة بن خازم على نصيبين . و ولى الرشيد سنة أربع و ثمانين على اليمن و مكة حماداً البربري و على السند داود بن يزيد حاتم و على الجبل يحيى الحريشي ، و على طبرستان مهروية الزاي ، و قتله أهل طبرستان سنة خمس و ثمانين ، فولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشي . و فيها مكانه ابنه أسد بن يزيد بن حاتم . و في سنة تسع و ثمانين سار الرشيد إلى الري و ولى على طبرستان و الري و دنباوند و قوس و همذان عبد الملك بن مالك . و في سنة تسعين ولى على الموصل خالد بن يزيد بن حاتم و قد تقدم لنا ولاية هرثمة على سليمان و نكبة علي بن عيسى . في سنة احدى و تسعين ظفر حماد البربري بهيصيم اليماني و جاء به إلى الرشيد فقتله ، و ولى في هذه السنة على الموصل محمد بن الفضل ابن سليمان و كان على مكة الفضل بن العباس أخي المنصور و السفاح .
خلع رافع محمد الليث بما وراء النهر
كان رافع بن نصر بن سيار من عظماء الجند فيما وراء النهر و كان يحيى بن الأشعث قد تزوج ببعض النساء المشهورات الجمال و تسرى عليها و أكثر ضرارها و تشوقت إلى التخلص منه ، فدس إليها رافع بن الليث بأن تحاول من يشهد عليها بالكفر لتخلص منه و تحل للأزواج ثم ترجع و تتوب ، فكان و تزوجها و شكا يحيى بن الأشعث إلى الرشيد و أطلعه على جل الأمر ، فكتب إلى علي بن عيسى أن يفرق بينهما و يقيم الحد ىعلى رافع و يطوف به في سمر قند مقيداً على حمار ليكون عظة لغيره ، ففعل ذلك و لم يجده رافع و حبس بسمرقند فهرب من الحبس و لحق بعلي بن عيسى في بلخ فهم بضرب عنقه ، فشفع فيه ابنه عيسى فأمره بالإنصراف إلى سمر قند فرجع إليها و وثب بعاملها فقتله و ملكها و ذلك سنة تسعين . فبعث علي لحربه ابنه عيسى فلقيه رافع و هزمه و قتله ، فخرج علي بن عيسى لقتله و سار من بلخ إلى مرو مخافة عليها من رافع ابن الليث . ثم كانت نكبة علي بن عيسى و ولاية هرثمة بن أعين على خراسان و كان مع رافع بن الليث جماعة من القواد ففارقوه إلى هرثمة منهم عجيف بن عنبسة و غيره . و حاصر هرثمة رافع بن الليث في سمرقند و ضايقه ، و استقدم طاهر ابن الحسين من خراسان فحضر عنده و عاث حمزة الخارجي في نواحي خراسان لخلائها من الجند ، و حمل إليه عمال هراة و سجستان الأموال . ثم خرج عبد الرحمن إلى نيسابور سنة أربع و تسعين و جمع نحواً من عشرين ألفاً ، و سار إلى حمزة فهزمه و قتل من أصحابه خلقاً و أتبعه إلى هراة حتى كتب المأمون إليه و رده عن ذلك . و كانت سنة ثلاث و تسعين بين هرثمة و بين أصحاب رافع وقعة كان الظفر فيها لهرثمة و أسر بشراً أخا رافع و بعث به إلى الرشيد و افتتح بخاري . و كان الرشيد قد سار من الرقة بعد مرجعه من الصائفة التي بنى فيها طرسوس على اعتزام خراسان لشأن رافع ، و كان قد
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
أصابه المرض ، فاستخلف على الرقة ابنه القاسم و ضم إليه خزيمة بن خازم ، و جاء إلى بغداد . ثم سار منها إلى خراسان في شعبان سنة اثنتين و تسعين و استخلف عليها ابنه الأمين ، و أمر المأمون بالمقام معه فأشار عليه الفضل بن سهل بأن يطلب المسير مع الرشيد ، و حذره البقاء من الأمين فأسعفه الرشيد بذلك و سار معه .
وفاة الرشيد و بيعة الأمين
و لما سار عن بغداد إلى خراسان بلغ جرجان في سفر سنة ثلاث و تسعين و قد اشتدت عليه ، فبعث ابنه المأمون إلى مرو جماعة من القواد عبد الله بن مالك و يحيى بن معاذ و أسد بن خزيمة و العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث و السدي و الحريشي و نعيم بن خازم ، ثم سار الرشيد إلى موسى و اشتد به الوجع و ضعف عن الحركة و ثقل فأرجف الناس بموته ، و بلغه ذلك فأراد الركوب ليراه الناس فلم يطق النهوض فقال : ردوني . و وصل إليه و هو بطوس بشير أخو رافع أسيراً بعث به هرثمة بن أعين فأحضره و قال : لولم يبق من أجلي إلاحركة شفتي بكلمة لقلت اقتلوه . ثم أمر قصاباً ففصل أعضاءه ثم أغمي عليه و افترق الناس . و لما يئس من نفسه أمر بقبره فحفر في الدار التي كان فيها و أنزل فيه قوماً قرؤا فيه القرآن حتى ختموه و هو في محفة على شفيره إليه و ينادي واسو أتاه من رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم مات و صلى عليه ابنه صالح و حضر وفاته الفضل بن الربيع و إسمعيل بن صبيح و مسرور و حسين و رشيد . و كانت خلافته ثلاثاً و عشرين سنة أو تزيد و ترك في بيت المال تسعمائة ألف ألف دينار . و لما مات الرشيد بويع الأمين في العسكر صبيحة يومه ، و المأمون يومئذ بمرو و كتب حموية مولى المهدي صاحب البريد إلى نائبه ببغداد و هو سلام أبو مسلم يعلمه بوفاة الرشيد و هنأه بالخلافة فكان أول من فعل ذلك . و كتب صالح إلى أخيه الأمين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد ، و بعث معه بالخاتم و البردة و القضيب ، فانتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة و صلى بالناس الجمعة و خطب ثم نعى الرشيد و عزى نفسه و الناس ، و بايعته جملة أهله و وكل سليمان بن المنصور و هو عم أبيه و أمه بأخذ البيعة على القواد و غيرهم . و وكل السندي بأخذ البيعة على الناس سواهم ، و فرق في الجند ببغداد رزق سنين . و قدمت أمه زبيدة من الرقة فلقيها الأمين بالأنبار في جمع من بغداد من الوجوه ، و كان معها خزائن الرشيد ، و كان قد كتب إلى معسكر الرشيد و هو حي مع بكر بن المعتمر لما اشتدت علة الرشيد و إلى المأمون بأخذ البيعة لهم و للمؤتمن أخيهما ، و إلى أخيه صالح بالقدوم بالعسكر و الخزائن و الأموال برأي الفضل . و إلى الفضل بالاحتفاظ على ما معه من الحرم و الأموال ، و أقر كل واحد على عمله كصاحب الشرطة و الحرس و الحجابة . و كان الرشيد قد سمع بوصول بكر بالكتاب فدعاه ليستخرجها سنة فجحدها فضربه و حبسه . ثم مات الرشيد و أحضره الفضل فدفعها إليه و لما قرؤا الكتاب تشاوروا في اللحاق بالأمين و ارتحل الفضل بالناس لهواهم في وطنهم تركوا عهود المأمون . فجمع المأمون من كان عنده من قواد أبيه و هم عبد الله بن مالك و يحيى بن معاذ و شبيب بن حميد بن قحطبة و العلاء مولى الرشيد و كان على حجابته و العباس بن المسيب بن زهير و كان على شرطته و أيوب بن أبي سمير و هو على كتابته و عبد الرحمن بن عبد الملك ابن صالح و ذو الرياستين الفضل بن سهل و هو أخصهم به و أحظاهم عنده ، فأشار بعضهم أن يركب في أثرهم و يردوهم و منعه الفضل من ذلك و قال : أخشى عليك منهم و لكن تكتب و ترسل رسولك إليهم تذكرهم البيعة و الوفاء ، و تحذرهم الحنث ، فبعث سهل بن صاعد و نوفلاً الخادم بكتابه إليهم بنيسابور فقرأ الفضل كتابة و قال : أنا واحد من الجند . و شد عبد الرحمن برجليه على سهل ليطعنه بالرمح و قال : رلم كان صاحبك حاضراً لوضعته فيه و سب المأمون و انصرفوا ، و رجع سهل و نوفل بالخبر إلى المأمون فقال له الفضل بن سهل . هؤلاء أعداء استرحت منهم و أنت بخراسان ، و قد خرج بها المقنع و بعده يوسف البر فتضعضعت لهما الدولة ببغداد ، و أنت رأيت عند خرج رافع بن الليث كيف كان الحال ، و أنت اليوم نازل في أخوالك و بيعتك في أعناقهم ، فاصبر و أنا أضمن لك الخلافة . فقال المأمون : قد فعلت و جعلت الأمر إليك فقال : إن عبد الله بن مالك و القواد أنفع مني لشهرتهم و قوتهم و أنا خادم لمن يقوم بأمرك منهم حتى ترى رأيك . و جاءهم الفضل في منازلهم و عرض عليهم البيعة للمأمون ، فمنهم من امتنع منهم من طرده ، فرجع
إلى المأمون و أخبره فقال أنت بالأمر و أشار عليه الفضل أن يبعث على الفقهاء و يدعوهم إلى الحق و العمل به و إحياء السنة و رد المظالم و يعقد على الصفوف ففعل جميع ذلك ، و أكرم القواد . و كان يقول للتميمي نقيمك مقام موسى ابن كعب و للربعي مكان أبي داود و خالد بن إبراهيم ، و لليماني مكان قحطبة و مالك بن الهيثم ، و كل هؤلاء نقباء الدولة . و وضع عن خراسان ربع الخراج فاغتبط به أهلها و قالوا : ابن أختنا و ابن عم نبينا . و أقام المأمون يتولى ما كان بيده من خراسان و الري و أهدى إلى الأمين و كتب إليه و عظمه . ثم إن الأمين عزل لأول ولايته أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة و استعمل عليها خزيمة بن خازم و أقر المؤتمن على قنسرين و العواصم . و كان على مكة داود بن عيسى بن موسى ابن محمد ، و على حمص إسحق بن سليمان فخالف عليه أهل حمص و انتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين و ولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشي ، فقتل عدة منهم و حبس عدة ، و اضرم النار في نواحيها ، و سألوا الأمان فأجابهم ، ثم انتقضوا فقتل عدة منهم ثم ولى عليهم إبراهيم بن العباس .
أخبار رافع و ملوك الروم
و في سنة ثلاث و تسعين دخل هرثمة بن أعين سمرقند و ملكها و قام بها و معه طاهر ابن الحسين فاستجاش رافع بالترك فأتوه بهم . ثم انصرفوا و ضعف أمره ، و بلغه الحسن سيرة المأمون فطلب الأمان و حضر عند المأمون فأكرمه . ثم قدم هرثمة على المأمون فولاه الحرس و أنكر الأمين ذلك كله . و في هذه السنة قتل يقفور ملك الروم في حرب برجان لسبع سنين من ملكه ، و ملك بعده ابنه استبراق و كان جرياً فمات لشهرين و ملك بعده صهره على أخته ميخاييل بن جرجيس ، و وثب عليه الروم سنة أربع و تسعين بعد اثنتين من ملكه فهرب و ترهب و ولوا بعده إليوق القائد .
الفتنة بين الأمين و المأمون
و لما قدم الفضل بن الربيع على الأمين و نكث عهد المأمون خشي غائلته ، فأجمع قطع علائقه من الأمور و أغرى الأمين بخلعه و البيعة للعهد لابنه موسى ، و وافقه في ذلك علي بن عيسى بن ماهان و السندي و غيرهما ممن يخشى المأمون . و خالفهم خزيمة بن خازم و أخوه عبد الله و ناشدوا الأمين في الكف عن ذلك و أن لا يحمل الناس على نكث العهود فيطرقهم لنكث عهده . ولج الأمين في ذلك ، و بلغه أن المأمون عزل العباس بن عبد الله بن مالك عن الري و أنه ولى هرثمة بن أعين على الحرس و أن رافع بن الليث أستأمن له فآمنه و سار في جملته فكتب إلى العمال بالدعاء لموسى ابنه بعد الدعاء للمأمون و المؤتمن ، فبلغ ذلك المأمون فأسقط اسم الأمين من الطرد و قطع البريد عنه . و أرسل الأمين إليه العباس بن موسى بن عيسى و خاله عيسى بن جعفر بن المنصور و صالحا الموصل ، و محمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد و يستقدمه . فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا : إنما بيعتنا لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد و أعلمهم بامتناعه مما جاؤا فيه . و استعمل الفضل بن سهل العباس بن موسى ليكون عيناً لهم عند الأمين ففعل ، و كانت كتبه تأتيهم بالأخبار . و لما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان و أن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه ، فامتنع المأمون من ذلك و أوعد إلى قعوده بالري و نواحيها يضبط الطرق و ينقذها من غوائل الكتب و العيون ، وهو مع ذلك يتخوف عاقبة الخلاف . و كان خاقان ملك التبت قد التوى عليه و جيفونة فارق الطاعة ، و ملوك الترك منعوا الضريبة ، فخشي المأمون ذلك و حفظ عليه الأمر بأن يولى خاقان و جيفونة بلادهما ، و يوادع ملك كابل ،و يترك الضربية لملوك الترك الآخرين . و قال له بعد ذلك ثم أضرب الخيل بالخيل و الرجال بالرجال فإن ظفرت و إلا لحقت بخاقان مستجيراً فقبل إشارته و فعلها ، و كتب إلى الأمين يخادعه بأنه عامله على هذا الثغر الذي أمره الرشيد بلزومه و أن مقامه به أشد غناء و يطلب إعفاء من الشخوص إليه ، فعلم الأمين أنه لا يتابعه على مراده فخلعه و بايع لولده في أوئل سنة خمس و تسعين و سماه الناطق بالحق ، و قطع ذكر المأمون و المؤتمن من المنابر و جعل ولده موسى في حجر علي بن عيسى و على شرطته محمد بن عيسى بن نهيك و على حرسه أخوه عيسى ، و على رسائله صاحب القتلى . و كان يدعى له على المنابر و لابنه الآخر عبد الله و لقبه القائم بالحق ، و أرسل إلى الكعبة من جاء بكتابي العهد للأمين و المأمون اللذين وضعهما الرشيد هنالك ، و سارت الكتب من ذلك إلى المأمون ببغداد من عيونه بها ، فقال المأمون : هذه أمور أخبر الرائي عنها و كفاني أنا أن أكون مع الحق و بعث الفضل بن سهل إلى جند الري بالأقوات و الإحسان ، و جمع إليهم من كان بأطرافهم . ثم بعث على الري طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق أسعد الخزاعي أبا العباس أميراً و ضم إليه القواد و الأجناد فنزلها و وضع المسالح و المراصد ، و بعث الأمين عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل ، و أمره أن يقيم بهمذان و يبعث مقدمته إلى ساوة .
خروج ابن ماهان لحرب طاهر و مقتله
ثم جهز الأمين علي بن ماهان إلى خراسان لحرب المأمون ، يقال دس بذلك الفضل ابن سهل العين له عند الفضل بن الربيع ، فأشار به عليهم لما في نفوس أهل خراسان من النفرة عن ابن ماهان فجدوا في حربه . و يقال حرض أهل خراسان على الكتب إلى ابن ماهان و مخادعته إن جاء . فأمره الأمين بالمسير و أقطعه نهاوند و همذان و قم و أصبهان و سائر كور الجبل حرباً و خراجاً ، و حكمه في الخزائن و أعطاه الأموال و جهز معه خمسين ألف فارس . و كتب إلى أبي دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي و هلال بن عبد الله الحضرمي في الإنضمام ، و ركب إلى باب زبيدة ليودعها فأوصته بالمأمون بغاية ما يكون أن يوصى به ، و أنه بمنزلة ابنها في الشفقة و الموصلة و ناولته قيداً من فضة و قالت له : إن سار إليك فقيده به مع المبالغة في البرد و الأدب معه . ثم سار علي بن عيسى من بغداد في شعبان و ركب الأمين يشيعه في القواد و الجنود ولم ير عسكر مثل عسكره . و لقي السفر بالسابلة فأخبروه أن طاهرا بالري يعرض أصحابه ، و هو مستعد للقتال . و كتب إلى ملوك الديلم و طبرستان يعدهم و يمنيهم ، و أهدى لهم التيجان و الأسورة على أن يقطعوا الطريق عن خراسان فأجابوا ، و نزل أول بلاد الري فأشار عليه أصحابه باذكاء العيون و الطلائع ، و التحصن بالخندق فقال : مثل طاهر لا يستعد له ، و هو إما أن يتحصن بالري فيثب إليه أهلها ، و إما أن يفر إذا قربت منه خيلنا . و لما كان من الري على عشرة فراسخ استشار أصحاب طاهر في لقائه فمالوا إلى التحصن بالري فقال : أخاف أن يثب بنا أهلها . و خرج فعسكر على خمسة فراسخ منها في أقل من أربعة آلاف فارس . و أشار عليه أحمد بن هشام كبير جند خراسان أن ينادي بخلع الأمين و بيعة المأمون لئلا يخادعه علي بن عيسى بطاعة الأمين و أنه عامله ففعل ، و قال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليل و لا يصبرون على حد السيوف و طعن الرماح ، و أحكم تعبية جنده و قدم بين يديه عشر رايات مع كل راية ألف رجل ، و بين كل رايتين غلوة سهم ليقتاتلوا نوباً . و عبى طاهر أصحابه كراديس و حرضهم و أوصاهم ، و هرب من أصحابه طاهر جماعة فجلدهم علي و أهانهم ، فأقصر الباقون و جدوا في قتاله . و أشار أحمد بن هشام على طاهر بأن يرفع كتاب البيعة على رمح و يذكر علي بن عيسى بها نكثه . ثم اشتد القتال و حملت ميمنة علي فانهزمت ميسرة طاهر و كذلك ميسرته على ميمنة طاهر فأزالوها ، و اعتمد طاهر القلب فهزموهم و رجعت المجنبتان منهزمة و انتهت الهزيمة إلى علي و هو ينادي بأصحابه فرماه رجل من أصحابه طاهر بسهم فقتله و جاء برأسه إلى طاهر ، و حمل شلوه على خشبة و ألقي في بئر بأمر طاهر . و اعتق طاهر جميع غلمانه شكراً لله و تمت الهزيمة . و اتبعهم أصحاب طاهر فرسخين واقفوهم فيها اثنتين عشرة مرة يقتلونهم في كلها و يأسرونهم حتى جن الليل بينهم . و رجع طاهر إلى الري و كتب إلى الفضل : كتابي إلى أمير المؤمنين و رأس علي بين يدي و خاتمه في إصبعي ، و جنده متصرفون تحت أمري و السلام . و ورد الكتاب على البريد في ثلاثة أيام فدخل الفضل على المأمون و هنأه بالفتح و دخل الناس فسلموا عليه بالخلافة و وصل رأس علي بعدها بيومين و طيف به خراسان ، و وصل الخبر إلى الأمين بمقتل علي هزيمة العسكر فأحضر الفضل بن الربيع وكيل المأمون ببغداد و هو نوفل الخادم فقبض ما بيده من ضياعه و غلاته و خمسين ألف ألف درهم كان الرشيد وصاه بها و ندم الأمين على فعله ، و سعت الجند و القواد في طلب الأرزاق فهم عبد الله بن حاتم بقتالهم فمنعه الأمين و فرق فيهم أموالاً .
مسير ابن جبلة غلى طاهر و مقتله
و لما قتل علي بن عيسى بعث الأمين عبد الرحمن بن الأنباري في عشرين ألف فارس إلى همذان ، و ولاه عليها و على كل ما يفتحه من بلاد خراسان و أمده بالمال ، فسار إلى همذان و حصنها و جاءه طاهر فبرز إليه و لقيه ، فهزمه إلى البلد . ثم خرج عبد الرحمن ثانية فانهزم إلى المدينة و حاصره طاهر حتى ضجر منه أهل المدينة و طلب الأمان من طاهر و خرج من همذان . و كان طاهر عند نزوله عليها قد خشى من صاحب قزوين أن يأتيه من ورائه فجهز العسكر على همذان و سار إلى قزوين في ألف فارس ففر عاملها و ملكها ثم ملك
وفاة الرشيد و بيعة الأمين
و لما سار عن بغداد إلى خراسان بلغ جرجان في سفر سنة ثلاث و تسعين و قد اشتدت عليه ، فبعث ابنه المأمون إلى مرو جماعة من القواد عبد الله بن مالك و يحيى بن معاذ و أسد بن خزيمة و العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث و السدي و الحريشي و نعيم بن خازم ، ثم سار الرشيد إلى موسى و اشتد به الوجع و ضعف عن الحركة و ثقل فأرجف الناس بموته ، و بلغه ذلك فأراد الركوب ليراه الناس فلم يطق النهوض فقال : ردوني . و وصل إليه و هو بطوس بشير أخو رافع أسيراً بعث به هرثمة بن أعين فأحضره و قال : لولم يبق من أجلي إلاحركة شفتي بكلمة لقلت اقتلوه . ثم أمر قصاباً ففصل أعضاءه ثم أغمي عليه و افترق الناس . و لما يئس من نفسه أمر بقبره فحفر في الدار التي كان فيها و أنزل فيه قوماً قرؤا فيه القرآن حتى ختموه و هو في محفة على شفيره إليه و ينادي واسو أتاه من رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم مات و صلى عليه ابنه صالح و حضر وفاته الفضل بن الربيع و إسمعيل بن صبيح و مسرور و حسين و رشيد . و كانت خلافته ثلاثاً و عشرين سنة أو تزيد و ترك في بيت المال تسعمائة ألف ألف دينار . و لما مات الرشيد بويع الأمين في العسكر صبيحة يومه ، و المأمون يومئذ بمرو و كتب حموية مولى المهدي صاحب البريد إلى نائبه ببغداد و هو سلام أبو مسلم يعلمه بوفاة الرشيد و هنأه بالخلافة فكان أول من فعل ذلك . و كتب صالح إلى أخيه الأمين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد ، و بعث معه بالخاتم و البردة و القضيب ، فانتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة و صلى بالناس الجمعة و خطب ثم نعى الرشيد و عزى نفسه و الناس ، و بايعته جملة أهله و وكل سليمان بن المنصور و هو عم أبيه و أمه بأخذ البيعة على القواد و غيرهم . و وكل السندي بأخذ البيعة على الناس سواهم ، و فرق في الجند ببغداد رزق سنين . و قدمت أمه زبيدة من الرقة فلقيها الأمين بالأنبار في جمع من بغداد من الوجوه ، و كان معها خزائن الرشيد ، و كان قد كتب إلى معسكر الرشيد و هو حي مع بكر بن المعتمر لما اشتدت علة الرشيد و إلى المأمون بأخذ البيعة لهم و للمؤتمن أخيهما ، و إلى أخيه صالح بالقدوم بالعسكر و الخزائن و الأموال برأي الفضل . و إلى الفضل بالاحتفاظ على ما معه من الحرم و الأموال ، و أقر كل واحد على عمله كصاحب الشرطة و الحرس و الحجابة . و كان الرشيد قد سمع بوصول بكر بالكتاب فدعاه ليستخرجها سنة فجحدها فضربه و حبسه . ثم مات الرشيد و أحضره الفضل فدفعها إليه و لما قرؤا الكتاب تشاوروا في اللحاق بالأمين و ارتحل الفضل بالناس لهواهم في وطنهم تركوا عهود المأمون . فجمع المأمون من كان عنده من قواد أبيه و هم عبد الله بن مالك و يحيى بن معاذ و شبيب بن حميد بن قحطبة و العلاء مولى الرشيد و كان على حجابته و العباس بن المسيب بن زهير و كان على شرطته و أيوب بن أبي سمير و هو على كتابته و عبد الرحمن بن عبد الملك ابن صالح و ذو الرياستين الفضل بن سهل و هو أخصهم به و أحظاهم عنده ، فأشار بعضهم أن يركب في أثرهم و يردوهم و منعه الفضل من ذلك و قال : أخشى عليك منهم و لكن تكتب و ترسل رسولك إليهم تذكرهم البيعة و الوفاء ، و تحذرهم الحنث ، فبعث سهل بن صاعد و نوفلاً الخادم بكتابه إليهم بنيسابور فقرأ الفضل كتابة و قال : أنا واحد من الجند . و شد عبد الرحمن برجليه على سهل ليطعنه بالرمح و قال : رلم كان صاحبك حاضراً لوضعته فيه و سب المأمون و انصرفوا ، و رجع سهل و نوفل بالخبر إلى المأمون فقال له الفضل بن سهل . هؤلاء أعداء استرحت منهم و أنت بخراسان ، و قد خرج بها المقنع و بعده يوسف البر فتضعضعت لهما الدولة ببغداد ، و أنت رأيت عند خرج رافع بن الليث كيف كان الحال ، و أنت اليوم نازل في أخوالك و بيعتك في أعناقهم ، فاصبر و أنا أضمن لك الخلافة . فقال المأمون : قد فعلت و جعلت الأمر إليك فقال : إن عبد الله بن مالك و القواد أنفع مني لشهرتهم و قوتهم و أنا خادم لمن يقوم بأمرك منهم حتى ترى رأيك . و جاءهم الفضل في منازلهم و عرض عليهم البيعة للمأمون ، فمنهم من امتنع منهم من طرده ، فرجع
إلى المأمون و أخبره فقال أنت بالأمر و أشار عليه الفضل أن يبعث على الفقهاء و يدعوهم إلى الحق و العمل به و إحياء السنة و رد المظالم و يعقد على الصفوف ففعل جميع ذلك ، و أكرم القواد . و كان يقول للتميمي نقيمك مقام موسى ابن كعب و للربعي مكان أبي داود و خالد بن إبراهيم ، و لليماني مكان قحطبة و مالك بن الهيثم ، و كل هؤلاء نقباء الدولة . و وضع عن خراسان ربع الخراج فاغتبط به أهلها و قالوا : ابن أختنا و ابن عم نبينا . و أقام المأمون يتولى ما كان بيده من خراسان و الري و أهدى إلى الأمين و كتب إليه و عظمه . ثم إن الأمين عزل لأول ولايته أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة و استعمل عليها خزيمة بن خازم و أقر المؤتمن على قنسرين و العواصم . و كان على مكة داود بن عيسى بن موسى ابن محمد ، و على حمص إسحق بن سليمان فخالف عليه أهل حمص و انتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين و ولى مكانه عبد الله بن سعيد الحريشي ، فقتل عدة منهم و حبس عدة ، و اضرم النار في نواحيها ، و سألوا الأمان فأجابهم ، ثم انتقضوا فقتل عدة منهم ثم ولى عليهم إبراهيم بن العباس .
أخبار رافع و ملوك الروم
و في سنة ثلاث و تسعين دخل هرثمة بن أعين سمرقند و ملكها و قام بها و معه طاهر ابن الحسين فاستجاش رافع بالترك فأتوه بهم . ثم انصرفوا و ضعف أمره ، و بلغه الحسن سيرة المأمون فطلب الأمان و حضر عند المأمون فأكرمه . ثم قدم هرثمة على المأمون فولاه الحرس و أنكر الأمين ذلك كله . و في هذه السنة قتل يقفور ملك الروم في حرب برجان لسبع سنين من ملكه ، و ملك بعده ابنه استبراق و كان جرياً فمات لشهرين و ملك بعده صهره على أخته ميخاييل بن جرجيس ، و وثب عليه الروم سنة أربع و تسعين بعد اثنتين من ملكه فهرب و ترهب و ولوا بعده إليوق القائد .
الفتنة بين الأمين و المأمون
و لما قدم الفضل بن الربيع على الأمين و نكث عهد المأمون خشي غائلته ، فأجمع قطع علائقه من الأمور و أغرى الأمين بخلعه و البيعة للعهد لابنه موسى ، و وافقه في ذلك علي بن عيسى بن ماهان و السندي و غيرهما ممن يخشى المأمون . و خالفهم خزيمة بن خازم و أخوه عبد الله و ناشدوا الأمين في الكف عن ذلك و أن لا يحمل الناس على نكث العهود فيطرقهم لنكث عهده . ولج الأمين في ذلك ، و بلغه أن المأمون عزل العباس بن عبد الله بن مالك عن الري و أنه ولى هرثمة بن أعين على الحرس و أن رافع بن الليث أستأمن له فآمنه و سار في جملته فكتب إلى العمال بالدعاء لموسى ابنه بعد الدعاء للمأمون و المؤتمن ، فبلغ ذلك المأمون فأسقط اسم الأمين من الطرد و قطع البريد عنه . و أرسل الأمين إليه العباس بن موسى بن عيسى و خاله عيسى بن جعفر بن المنصور و صالحا الموصل ، و محمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد و يستقدمه . فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا : إنما بيعتنا لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد و أعلمهم بامتناعه مما جاؤا فيه . و استعمل الفضل بن سهل العباس بن موسى ليكون عيناً لهم عند الأمين ففعل ، و كانت كتبه تأتيهم بالأخبار . و لما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان و أن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه ، فامتنع المأمون من ذلك و أوعد إلى قعوده بالري و نواحيها يضبط الطرق و ينقذها من غوائل الكتب و العيون ، وهو مع ذلك يتخوف عاقبة الخلاف . و كان خاقان ملك التبت قد التوى عليه و جيفونة فارق الطاعة ، و ملوك الترك منعوا الضريبة ، فخشي المأمون ذلك و حفظ عليه الأمر بأن يولى خاقان و جيفونة بلادهما ، و يوادع ملك كابل ،و يترك الضربية لملوك الترك الآخرين . و قال له بعد ذلك ثم أضرب الخيل بالخيل و الرجال بالرجال فإن ظفرت و إلا لحقت بخاقان مستجيراً فقبل إشارته و فعلها ، و كتب إلى الأمين يخادعه بأنه عامله على هذا الثغر الذي أمره الرشيد بلزومه و أن مقامه به أشد غناء و يطلب إعفاء من الشخوص إليه ، فعلم الأمين أنه لا يتابعه على مراده فخلعه و بايع لولده في أوئل سنة خمس و تسعين و سماه الناطق بالحق ، و قطع ذكر المأمون و المؤتمن من المنابر و جعل ولده موسى في حجر علي بن عيسى و على شرطته محمد بن عيسى بن نهيك و على حرسه أخوه عيسى ، و على رسائله صاحب القتلى . و كان يدعى له على المنابر و لابنه الآخر عبد الله و لقبه القائم بالحق ، و أرسل إلى الكعبة من جاء بكتابي العهد للأمين و المأمون اللذين وضعهما الرشيد هنالك ، و سارت الكتب من ذلك إلى المأمون ببغداد من عيونه بها ، فقال المأمون : هذه أمور أخبر الرائي عنها و كفاني أنا أن أكون مع الحق و بعث الفضل بن سهل إلى جند الري بالأقوات و الإحسان ، و جمع إليهم من كان بأطرافهم . ثم بعث على الري طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق أسعد الخزاعي أبا العباس أميراً و ضم إليه القواد و الأجناد فنزلها و وضع المسالح و المراصد ، و بعث الأمين عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل ، و أمره أن يقيم بهمذان و يبعث مقدمته إلى ساوة .
خروج ابن ماهان لحرب طاهر و مقتله
ثم جهز الأمين علي بن ماهان إلى خراسان لحرب المأمون ، يقال دس بذلك الفضل ابن سهل العين له عند الفضل بن الربيع ، فأشار به عليهم لما في نفوس أهل خراسان من النفرة عن ابن ماهان فجدوا في حربه . و يقال حرض أهل خراسان على الكتب إلى ابن ماهان و مخادعته إن جاء . فأمره الأمين بالمسير و أقطعه نهاوند و همذان و قم و أصبهان و سائر كور الجبل حرباً و خراجاً ، و حكمه في الخزائن و أعطاه الأموال و جهز معه خمسين ألف فارس . و كتب إلى أبي دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي و هلال بن عبد الله الحضرمي في الإنضمام ، و ركب إلى باب زبيدة ليودعها فأوصته بالمأمون بغاية ما يكون أن يوصى به ، و أنه بمنزلة ابنها في الشفقة و الموصلة و ناولته قيداً من فضة و قالت له : إن سار إليك فقيده به مع المبالغة في البرد و الأدب معه . ثم سار علي بن عيسى من بغداد في شعبان و ركب الأمين يشيعه في القواد و الجنود ولم ير عسكر مثل عسكره . و لقي السفر بالسابلة فأخبروه أن طاهرا بالري يعرض أصحابه ، و هو مستعد للقتال . و كتب إلى ملوك الديلم و طبرستان يعدهم و يمنيهم ، و أهدى لهم التيجان و الأسورة على أن يقطعوا الطريق عن خراسان فأجابوا ، و نزل أول بلاد الري فأشار عليه أصحابه باذكاء العيون و الطلائع ، و التحصن بالخندق فقال : مثل طاهر لا يستعد له ، و هو إما أن يتحصن بالري فيثب إليه أهلها ، و إما أن يفر إذا قربت منه خيلنا . و لما كان من الري على عشرة فراسخ استشار أصحاب طاهر في لقائه فمالوا إلى التحصن بالري فقال : أخاف أن يثب بنا أهلها . و خرج فعسكر على خمسة فراسخ منها في أقل من أربعة آلاف فارس . و أشار عليه أحمد بن هشام كبير جند خراسان أن ينادي بخلع الأمين و بيعة المأمون لئلا يخادعه علي بن عيسى بطاعة الأمين و أنه عامله ففعل ، و قال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليل و لا يصبرون على حد السيوف و طعن الرماح ، و أحكم تعبية جنده و قدم بين يديه عشر رايات مع كل راية ألف رجل ، و بين كل رايتين غلوة سهم ليقتاتلوا نوباً . و عبى طاهر أصحابه كراديس و حرضهم و أوصاهم ، و هرب من أصحابه طاهر جماعة فجلدهم علي و أهانهم ، فأقصر الباقون و جدوا في قتاله . و أشار أحمد بن هشام على طاهر بأن يرفع كتاب البيعة على رمح و يذكر علي بن عيسى بها نكثه . ثم اشتد القتال و حملت ميمنة علي فانهزمت ميسرة طاهر و كذلك ميسرته على ميمنة طاهر فأزالوها ، و اعتمد طاهر القلب فهزموهم و رجعت المجنبتان منهزمة و انتهت الهزيمة إلى علي و هو ينادي بأصحابه فرماه رجل من أصحابه طاهر بسهم فقتله و جاء برأسه إلى طاهر ، و حمل شلوه على خشبة و ألقي في بئر بأمر طاهر . و اعتق طاهر جميع غلمانه شكراً لله و تمت الهزيمة . و اتبعهم أصحاب طاهر فرسخين واقفوهم فيها اثنتين عشرة مرة يقتلونهم في كلها و يأسرونهم حتى جن الليل بينهم . و رجع طاهر إلى الري و كتب إلى الفضل : كتابي إلى أمير المؤمنين و رأس علي بين يدي و خاتمه في إصبعي ، و جنده متصرفون تحت أمري و السلام . و ورد الكتاب على البريد في ثلاثة أيام فدخل الفضل على المأمون و هنأه بالفتح و دخل الناس فسلموا عليه بالخلافة و وصل رأس علي بعدها بيومين و طيف به خراسان ، و وصل الخبر إلى الأمين بمقتل علي هزيمة العسكر فأحضر الفضل بن الربيع وكيل المأمون ببغداد و هو نوفل الخادم فقبض ما بيده من ضياعه و غلاته و خمسين ألف ألف درهم كان الرشيد وصاه بها و ندم الأمين على فعله ، و سعت الجند و القواد في طلب الأرزاق فهم عبد الله بن حاتم بقتالهم فمنعه الأمين و فرق فيهم أموالاً .
مسير ابن جبلة غلى طاهر و مقتله
و لما قتل علي بن عيسى بعث الأمين عبد الرحمن بن الأنباري في عشرين ألف فارس إلى همذان ، و ولاه عليها و على كل ما يفتحه من بلاد خراسان و أمده بالمال ، فسار إلى همذان و حصنها و جاءه طاهر فبرز إليه و لقيه ، فهزمه إلى البلد . ثم خرج عبد الرحمن ثانية فانهزم إلى المدينة و حاصره طاهر حتى ضجر منه أهل المدينة و طلب الأمان من طاهر و خرج من همذان . و كان طاهر عند نزوله عليها قد خشى من صاحب قزوين أن يأتيه من ورائه فجهز العسكر على همذان و سار إلى قزوين في ألف فارس ففر عاملها و ملكها ثم ملك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
همذان و سار أعمال الجبل و أقام عبد الرحمن بن جبلة في أمانه . ثم أصاب منه بعض الأيام غرة فركب و هجم عليه في عسكر فقاتله طاهر أشد القتال حتى انهزم أصحابه و قتل و لحق فلهم بعبد الله و أحمد ابني الحريشي في عسكر عظيم بعثهما الأمين مدداً لعبد الرحمن فانهزموا جميعاً إلى بغداد . و أقبل طاهر نحو البلاد و حده و أخذه إلى حلوان فخندق بها و جمع أصحابه .
بيعة المأمون
و أمر المأمون عندها بأن يخطب له على المنابر و يخاطب بأمير المؤمنين و عقد للفضل بن سهل على المشرق كله من جبل همذان إلى البيت طولاً و من بحر فارس إلى بحر الديلم و جرجان عرضاً و حمل له عماله ثلاثة آلاف ألف درهم . و عقد له لواء ذا شعبتين و لقبه ذا الرياستين يعني الحرب و العلم ، و حمل اللواء علي بن هشام ، و حمل العلم نعيم بن حازم و ولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج .
ظهور السفياني
هو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية و يلقب أبا العميطر لأنه زعم أنها كنية الحردون فلقبوه بها ، و كانت أمه نفيسه بنت عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب و كان يقول أنا ابن شيخي صفين يعني علياً و معاوية ، و كان من بقايا بني أمية بالشام و كان من أهل العلم و الرواية فادعى لنفسه بالخلافة آخر سنة خمس و تسعين و أعانه الخطاب بن وجه العلس مولى بني أمية ، كان متغلباً على صيدا فملك دمشق من يد سليمان بن المنصور ، و كان أكثر أصحابه من كلب . و كتب إلى محمد بن صالح بن بيهس يدعوه و يتهدده فأعرض عنه و قصد السفياني القيسية فاستجاشوا بمحمد بن صالح فجاءهم في ثلثمائة فارس من الصبات و مواليه . و بعث السفياني يزيد بن هشام للقائهم في اثنتي عشر ألفاً فانهزم يزيد و قتل من أصحابه ألفان و أسر ثلاثة آلاف أطلقهم ابن بيهس و حلقهم . ثم جمع جمعاً مع ابنه القاسم و خرجوا إلى ابن بيهس فانهزموا و قتل القاسم و بعث برأسه إلى الأمين . ثم جمع جمعاً آخر و خرجوا مع مولاه المعتمر فانهزموا و قتل المعتمر فوهن أمر السفياني و طمعت فيه قيس . ثم إن ابن بيهس مرض فجمع رؤساء بني نمير و أوصاهم بيعة مسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعد بن مسلمة عبد الملك بالخلافة . و قال لهم : تولوه و كيدوا به السفياني فإنكم لا تتقون بأهل بيته . و عاد ابن بيهس إلى حوران و اجتمعت نمير على مسلمة فبايعوه فقتل منهم و جمع مواليه و دخل على السفياني فقيده و حبس رؤساء بني أمية ، و أدنى القيسية و جعلهم بطانة . و أفاق ابن بيهس من مرضه فجاء إلى دمشق و حاصرها و سلمها له القيسية في محرم سنة ثمان و تسعين و هرب مسلمة و السفياني إلى المزة و ملك ابن بيهس دمشق إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق و سار إلى مصر ثم عاد إليها فاحتمل ابن بيهس معه إلى العراق و مات بها .
مسير الجيوش إلى طاهر و رجوعهم بلا قتال
و لما قتل عبد الرحمن بن جبلة أرسل الفضل بن الربيع إلى أسد بن يزيد بن مزيد و دعاه لحرب طاهر بعد أن ولي الأمين الخلافة ، و شكر لأسد فضل الطاعة و النصيحة و شدة البأس و يمن التقية ، و طلب منه أرزاق الجند من المال لسنة ، و ألف فرس تحمل من معه بعد إزاحته عللهم بالأموال ، و أن لا يطلب بحسبان ما يفتتح . فقال قد أشططت و لا بد من مناظرة أمير المؤمنين ثم ركب و دخل على الأمين فأمره بحبسه ، و قيل إنه طلب ولدي المأمون كانا عند أمهما ابنه الهادي ببغداد بحملهما معه ، فإن أطاعه المأمون و إلا قتلهما . فغضب الأمين لذلك و حبسه ، و استدعى عبد الله بن حميد بن قحطبة فاشتط و كذلك فاستدعى أحمد بن مزيد و اعتذر له عبس أسد و بعثه لحرب طاهر ، و أمر الفضل بأن يجهز له عشرين ألف فارس و شفع في أسد ابن أخيه فأطلقه . ثم سار و سار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين الفاً أخرى ، و انتهوا إلى حلوان و أقاموا و طاهر بموضعه و دس المرجفين في عسكرهم بأن العطاء و المنع ببغداد و الجند و يقبضون أرزاقهم . حتى مشى الجند بعضهم إلى بعض ، و اختلفوا و اقتتلوا و رجعوا من غير لقاء . و تقدم طاهر فنزل حلوان و جاءه هرثمة في جيش من عند المأمون و معه كتاب بأن يسلم إلى هرثمة ما ملكه من المدن و يتقدم إلى الأهواز ففعل ذلك .
أمر عبد الملك بن صالح و موته
قد تقدم لنا حبس عبد الملك بن صالح إلى أن مات الرشيد و أخرجه الأمين ، و لما كان أمر طاهر جاء عبد الملك إلى الأمين و أشار عليه بأن يقدم أهل الشام لحربه ، فهم أجرأ من أهل العراق و أعظم نكاية في العدو ، و ضمن طاعتهم بذلك ، فولاه الأمين أهل الشام و الجزيرة و قر له بالمال و الرجال و استحثه ، فسار إلى الرقة و كاتب أهل الشام فتسالموا إليه فأكرمهم و خلع عليهم و كثرت جموعه . ثم مرض و اشتد مرضه و وقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين و أهل الشام بسبب دابة أخذت لبعضهم في وقعة سليمان بن أبي جعفر و عرفها عند أهل الشام ، فقتتلوا و أرسل إليهم عبد الملك بالقتل فلم يقتلوا ، و كثر القتل و أظهر عبد الملك النضرة للشاميين و انتقض الحسين ابن علي للخراسانيين ، و تنادى الناس بالرجوع إلى بلادهم فمضى أهل حمص و قبائل كلب فانهزم أهل الشام و أقام عبد الملك بن صالح بالرقة ، توفي بها .
خلع الأمين و أعادته
و لما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن علي في الجند بالرحيل إلى بغداد و قدمها فلقيه القواد و وجوه الناس و دخل منزله و استدعاه الأمين من جوف الليل فامتنع و أصبح ، فوافى باب الجسر و أغراهم بخلع الأمين و حذرهم من نكثة ثم أمرهم بعبور الجسر فعبروا و لقيه أصحاب الأمين فانهزموا ، ذلك منتصف رجب سنة ست ، و أخذ البيعة للمأمون من الغد و وثب العباس بن عيسى بن موسى بالأمين فأخرجه من قصر الخلد و حبسه بقصر المنصور و معه أمه زبيدة ، فلما كان من الغد طلب الناس أرزاقهم من الحسين و ماج بعضهم في بعض ، و قام محمد بن أبي خالد فنكر استداد الحسين بخلع الأمين و ليس بذي منزلة و لا حسب و لا نسب و لا غنائم . و قال أسد الحربي قد ذهب أقوام بخلع الأمين فاذهبوا أنتم بفكه يا معشر الحربية ، فرجع الناس على أنفسهم باللائمة و قالوا ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف . ثم نهضوا إلى الحسين و تبعهم أهل الأرض فقاتلوه قتالاً شديداً و أسروه و دخل أسد الحربي إلى الأمين و كسر قيوده و أجلسه على أريكته ، و أمرهم الأمين بلبس السلاح فانتهبه الغوغاء و جيء بالحسين إليه أسيراً ، فاعتذر إليه و أطلقهم و أمره بجمع الجند و المسير إلى طاهر و خلع عليه ما وراء بابه و وقف الناس يهنئونه بباب الجسر حتى إذا خف عنه الناس قطع الجسر و هرب . و ركب الجند في طلبه و أدركوه على فرسخ من بغداد و قتلوه و جاؤا برأسه إلى الأمين و اختفى الفضل بن الربيع عند ذلك فلم يوقف له على خبر .
استلاء طاهر على البلاد
و لما جاء كتاب المأمون بالمسير إلى الأهواز قدم إليها الحسين بن عمر الرستمي و سار في أثره و أتته عيونه بأن محمد بن يزيد بن حاتم قد توجه من قبل الأمين في جند ليحمي الأهواز من أصحابه طاهر ، فبعث من أصحابه محمد بن طالوت و محمد بن العلاء و العباس بن بخارا خذاه مدداً للرستمي . ثم أمدهم بقريش بن شبل ثم سار بنفسه حتى كان قريباً منهم و أشرفوا على محمد بن يزيد مكرم و قد أشار إليه أصحابه بالرجوع إلى الأهواز و التحصن بها حتى تأتيه قومه الأزد من البصرة ، فرجع طاهر قريش شبل باتباعه قبل أن يتحصن بالأهواز ، فخرج لذلك وفاته محمد بن يزيد إلى الأهواز و جاء على أثره فاقتتلوا قتالاً شديداً ، و فر أصحاب محمد و استمات هو و مواليه حتى قتلوا . و ملك طاهر الأهواز و ولى على اليمامة و البحرين و عمان ثم سار إلى واسط و بها السندي بن يحيى الحريشي و الهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن حازم ، فهربا عنها و ملكها طاهر و بعث قائداً من قواده إلى الكوفة و بها العباس بن الهادي ، فخلع الأمين و بايع للمأمون و كتب بذلك إلى طاهر فعل المنصور بن المهدي بالبصرة و المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل ، و أقرهم طاهر على أعمالهم . و بعث الحرث بن هشام و داود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة و أقام بجرجابا و لما بلغ الخبر بذلك إلى الأمين بعث محمد بن سليمان القائد و محمد بن حماد البربري إلى قصر ابن هبيرة فقاتلهم الحرث و داود قتالاً شديداً و هزموهم إلى بغداد . و بعث الأمين أيضاً الفضل بن موسى على الكوفة ، فبعث إليه طاهر بن العلاء في جيش فلقيه في طريقه فأراد مسالمته بطاعة المأمون كياداً ثم قاتله فانهزم إلى بغداد . ثم سار طاهر إلى المدائن و عليها البرمكي و المدد متصل له كل يوم . فقدم قريش بن شبل ، فلما أشرف عليهم و أخذ البرمكي في التعبية فكانت لا يتم له ، فأطلق سبيل الناس و ركب بعضهم بعضاً نحو بغداد ، و ملك طاهر لمدائن و نواحيها ثم نزل صرصر و عقد بها جسراً .
بيعة الحجاز للمأمون
و لما أخذ الأمين كتب العهد من مكة و أمر داود بن عيسى ، و كان على مكة و المدينة بخلع المأمون قام في الناس و نكر نقض العهد ، و ذكرهم ماأخذ الرشيد عليهم من الميثاق لابنيه في المسجد الحرام أن يكونوا على الظالم ، و أن محمداً بدأ بالظلم و النكث و خلع أخويه و بايع لطفل صغير رضيع ، و أخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظلماً ثم دعا إلى خلعه و البيعة للمأمون فأجابوه ، نادى بذلك في شعاب مكة و خطبهم . و كتب إلى ابنه سليمان بالمدينة بمثل ذلك ففعله ، و ذلك في رجب سنة ست و تسعين . و سار من مكة على البصرة و فارس و كرمان إلى المأمون و أخبره فسر بذلك و ولاه مكانه و أضاف إليه ولاية عك و أعطاه خمسمائة ألف درهم و سير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى على الموسم و يزيد بن جرير بن مزيد بن خالد القسري في جند كثيف عاملاً على اليمن و مروا بطاهر و هو محاصر بغداد فأكرمهم و أقام يريد اليمن فبايعوه للمأمون و أطاعوه .
حصار بغداد و استلاء طاهر عليها و مقتل الأمين
و لما اتصلت بالأمين هذه الأحوال و قتل الحسين بن علي بن عيسى ، شمر لحرب طاهر و استعد له و عقد في شعبان سنة ست و تسعين و أربعمائة شتى و أمر عليهم علي بن محمد بن عهيسى نهيك ، و أمرهم بالمسير إلى هرثمة فساروا إليه و التقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا و أسر قائدهم علي بن محمد فبعث به هرثمة إلى المأمون و ترك النهروان ، و أقام طاهر بصرصر و الجيوش تتعاقب من قبل الأمين فيهزمها . ثم بذل الأمين الأموال ليستفسد بها عساكرهم فسار إليه من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف ففرق فيهم الأموال و قود جماعة من الحربية و دس إلى رؤساء الجند في عسكر طاهر و رغبهم فشغبوا على طاهر و سار كثير منهم إلى الأمين ، و انضموا إلى قواد الحربية و قواد بغداد و ساورا إلى صرصر . فعبى أصحابه كراديس و حرضهم و وعدهم . ثم تقدم فقاتلهم ملياً من النهار و انهزم أصحاب الأمين ، و غنم أصحاب طاهر عسكرهم . و لما وصلوا إلى الأمين فرق فيهم الأموال و قود منهم جماعة ولم يعط المنهزمين شيئاً و دس إليهم طاهر و استمالهم فشغبوا على الأمين فأمر هؤلاء المحدثين بقتالهم و طاهر يراسلهم و قد أخذ رهائنهم على الطاعة ، و أعطاهم الأموال . فسار فنزل باب الأنبار بقواده و أصحابه و استأمن إليه كثير من جند الأمين ، و ثارت العامة و فتقت السجون ، و وثب الشطار على الأخيار و نزل زهير مسيب الضبي من ناحية و نصب المجانيق و العرادات ، و حفر الخنادق و نزل هرثمة بناحية أخرى و فعل مثل ذلك . و نزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية و نزل طاهر بباب الأنبار فضيق على الأمين بمنزلة و نفد ما كان بيد الأمين من الأموال ، و أمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة و ضرب آنية الذهب و الفضة لفرقها في الجند ، و أحرق الحديثة فمات بها خلق ، و استأمن سعيد ابن مالك بن قادم إلى طاهر فولاه الأسواق و شاطئ دجلة ، و أمره بحفر الخنادق و بناء الحيطان و كل ما غلب عليه من الدروب ، و أمده بالرجال و الأموال . و وكل الأمين بقصر صالح و قصر سليمان بن المنصور إلى دجلة بعض قواده فألح في إحراق الدور و الرمي بالمجانيق و فعل طاهر مثل ذلك . و كثر الخراب ببغداد و صار طاهر يخندق على ما يمكنه من النواحي و يقاتل من لم يجبه ، و قبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم و القواد و عجز الأجناد عن القتال .و قام به الباعة و العيارون و كانوا ينهون أموال الناس .و استأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنه و سلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الأخيرة من سنة سبع . و استأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الأمين . و اجتمع العيارون و الباعة و الأجناد و قاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح ، و قتلوا منهم خلقاً و كاتب طاهر القواد بالأمان و بيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم و يحيى بن علي بن ماهان و محمد بن أبي العباس الطائي و غيرهم . و فشل الأمين و فوض الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك و إلى الحسن الهرش ، و معهم الغوغاء يتولون أمر تلك الفتنة . و أجفل الناس من بغداد و افترقوا في البلاد . و لما وقع بطاهر في قصر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني و تخريبها ثم قطع الميرة عنهم و صرف السفن التي تحمل فيها إلى الفرات . فغلت الأسعار و ضاق الحصار و اشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله بن الوضاح و غلبوه على الشماسية . و جاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضاً و أسروه ثم خلصه
بيعة المأمون
و أمر المأمون عندها بأن يخطب له على المنابر و يخاطب بأمير المؤمنين و عقد للفضل بن سهل على المشرق كله من جبل همذان إلى البيت طولاً و من بحر فارس إلى بحر الديلم و جرجان عرضاً و حمل له عماله ثلاثة آلاف ألف درهم . و عقد له لواء ذا شعبتين و لقبه ذا الرياستين يعني الحرب و العلم ، و حمل اللواء علي بن هشام ، و حمل العلم نعيم بن حازم و ولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج .
ظهور السفياني
هو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية و يلقب أبا العميطر لأنه زعم أنها كنية الحردون فلقبوه بها ، و كانت أمه نفيسه بنت عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب و كان يقول أنا ابن شيخي صفين يعني علياً و معاوية ، و كان من بقايا بني أمية بالشام و كان من أهل العلم و الرواية فادعى لنفسه بالخلافة آخر سنة خمس و تسعين و أعانه الخطاب بن وجه العلس مولى بني أمية ، كان متغلباً على صيدا فملك دمشق من يد سليمان بن المنصور ، و كان أكثر أصحابه من كلب . و كتب إلى محمد بن صالح بن بيهس يدعوه و يتهدده فأعرض عنه و قصد السفياني القيسية فاستجاشوا بمحمد بن صالح فجاءهم في ثلثمائة فارس من الصبات و مواليه . و بعث السفياني يزيد بن هشام للقائهم في اثنتي عشر ألفاً فانهزم يزيد و قتل من أصحابه ألفان و أسر ثلاثة آلاف أطلقهم ابن بيهس و حلقهم . ثم جمع جمعاً مع ابنه القاسم و خرجوا إلى ابن بيهس فانهزموا و قتل القاسم و بعث برأسه إلى الأمين . ثم جمع جمعاً آخر و خرجوا مع مولاه المعتمر فانهزموا و قتل المعتمر فوهن أمر السفياني و طمعت فيه قيس . ثم إن ابن بيهس مرض فجمع رؤساء بني نمير و أوصاهم بيعة مسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعد بن مسلمة عبد الملك بالخلافة . و قال لهم : تولوه و كيدوا به السفياني فإنكم لا تتقون بأهل بيته . و عاد ابن بيهس إلى حوران و اجتمعت نمير على مسلمة فبايعوه فقتل منهم و جمع مواليه و دخل على السفياني فقيده و حبس رؤساء بني أمية ، و أدنى القيسية و جعلهم بطانة . و أفاق ابن بيهس من مرضه فجاء إلى دمشق و حاصرها و سلمها له القيسية في محرم سنة ثمان و تسعين و هرب مسلمة و السفياني إلى المزة و ملك ابن بيهس دمشق إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق و سار إلى مصر ثم عاد إليها فاحتمل ابن بيهس معه إلى العراق و مات بها .
مسير الجيوش إلى طاهر و رجوعهم بلا قتال
و لما قتل عبد الرحمن بن جبلة أرسل الفضل بن الربيع إلى أسد بن يزيد بن مزيد و دعاه لحرب طاهر بعد أن ولي الأمين الخلافة ، و شكر لأسد فضل الطاعة و النصيحة و شدة البأس و يمن التقية ، و طلب منه أرزاق الجند من المال لسنة ، و ألف فرس تحمل من معه بعد إزاحته عللهم بالأموال ، و أن لا يطلب بحسبان ما يفتتح . فقال قد أشططت و لا بد من مناظرة أمير المؤمنين ثم ركب و دخل على الأمين فأمره بحبسه ، و قيل إنه طلب ولدي المأمون كانا عند أمهما ابنه الهادي ببغداد بحملهما معه ، فإن أطاعه المأمون و إلا قتلهما . فغضب الأمين لذلك و حبسه ، و استدعى عبد الله بن حميد بن قحطبة فاشتط و كذلك فاستدعى أحمد بن مزيد و اعتذر له عبس أسد و بعثه لحرب طاهر ، و أمر الفضل بأن يجهز له عشرين ألف فارس و شفع في أسد ابن أخيه فأطلقه . ثم سار و سار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين الفاً أخرى ، و انتهوا إلى حلوان و أقاموا و طاهر بموضعه و دس المرجفين في عسكرهم بأن العطاء و المنع ببغداد و الجند و يقبضون أرزاقهم . حتى مشى الجند بعضهم إلى بعض ، و اختلفوا و اقتتلوا و رجعوا من غير لقاء . و تقدم طاهر فنزل حلوان و جاءه هرثمة في جيش من عند المأمون و معه كتاب بأن يسلم إلى هرثمة ما ملكه من المدن و يتقدم إلى الأهواز ففعل ذلك .
أمر عبد الملك بن صالح و موته
قد تقدم لنا حبس عبد الملك بن صالح إلى أن مات الرشيد و أخرجه الأمين ، و لما كان أمر طاهر جاء عبد الملك إلى الأمين و أشار عليه بأن يقدم أهل الشام لحربه ، فهم أجرأ من أهل العراق و أعظم نكاية في العدو ، و ضمن طاعتهم بذلك ، فولاه الأمين أهل الشام و الجزيرة و قر له بالمال و الرجال و استحثه ، فسار إلى الرقة و كاتب أهل الشام فتسالموا إليه فأكرمهم و خلع عليهم و كثرت جموعه . ثم مرض و اشتد مرضه و وقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين و أهل الشام بسبب دابة أخذت لبعضهم في وقعة سليمان بن أبي جعفر و عرفها عند أهل الشام ، فقتتلوا و أرسل إليهم عبد الملك بالقتل فلم يقتلوا ، و كثر القتل و أظهر عبد الملك النضرة للشاميين و انتقض الحسين ابن علي للخراسانيين ، و تنادى الناس بالرجوع إلى بلادهم فمضى أهل حمص و قبائل كلب فانهزم أهل الشام و أقام عبد الملك بن صالح بالرقة ، توفي بها .
خلع الأمين و أعادته
و لما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن علي في الجند بالرحيل إلى بغداد و قدمها فلقيه القواد و وجوه الناس و دخل منزله و استدعاه الأمين من جوف الليل فامتنع و أصبح ، فوافى باب الجسر و أغراهم بخلع الأمين و حذرهم من نكثة ثم أمرهم بعبور الجسر فعبروا و لقيه أصحاب الأمين فانهزموا ، ذلك منتصف رجب سنة ست ، و أخذ البيعة للمأمون من الغد و وثب العباس بن عيسى بن موسى بالأمين فأخرجه من قصر الخلد و حبسه بقصر المنصور و معه أمه زبيدة ، فلما كان من الغد طلب الناس أرزاقهم من الحسين و ماج بعضهم في بعض ، و قام محمد بن أبي خالد فنكر استداد الحسين بخلع الأمين و ليس بذي منزلة و لا حسب و لا نسب و لا غنائم . و قال أسد الحربي قد ذهب أقوام بخلع الأمين فاذهبوا أنتم بفكه يا معشر الحربية ، فرجع الناس على أنفسهم باللائمة و قالوا ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف . ثم نهضوا إلى الحسين و تبعهم أهل الأرض فقاتلوه قتالاً شديداً و أسروه و دخل أسد الحربي إلى الأمين و كسر قيوده و أجلسه على أريكته ، و أمرهم الأمين بلبس السلاح فانتهبه الغوغاء و جيء بالحسين إليه أسيراً ، فاعتذر إليه و أطلقهم و أمره بجمع الجند و المسير إلى طاهر و خلع عليه ما وراء بابه و وقف الناس يهنئونه بباب الجسر حتى إذا خف عنه الناس قطع الجسر و هرب . و ركب الجند في طلبه و أدركوه على فرسخ من بغداد و قتلوه و جاؤا برأسه إلى الأمين و اختفى الفضل بن الربيع عند ذلك فلم يوقف له على خبر .
استلاء طاهر على البلاد
و لما جاء كتاب المأمون بالمسير إلى الأهواز قدم إليها الحسين بن عمر الرستمي و سار في أثره و أتته عيونه بأن محمد بن يزيد بن حاتم قد توجه من قبل الأمين في جند ليحمي الأهواز من أصحابه طاهر ، فبعث من أصحابه محمد بن طالوت و محمد بن العلاء و العباس بن بخارا خذاه مدداً للرستمي . ثم أمدهم بقريش بن شبل ثم سار بنفسه حتى كان قريباً منهم و أشرفوا على محمد بن يزيد مكرم و قد أشار إليه أصحابه بالرجوع إلى الأهواز و التحصن بها حتى تأتيه قومه الأزد من البصرة ، فرجع طاهر قريش شبل باتباعه قبل أن يتحصن بالأهواز ، فخرج لذلك وفاته محمد بن يزيد إلى الأهواز و جاء على أثره فاقتتلوا قتالاً شديداً ، و فر أصحاب محمد و استمات هو و مواليه حتى قتلوا . و ملك طاهر الأهواز و ولى على اليمامة و البحرين و عمان ثم سار إلى واسط و بها السندي بن يحيى الحريشي و الهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن حازم ، فهربا عنها و ملكها طاهر و بعث قائداً من قواده إلى الكوفة و بها العباس بن الهادي ، فخلع الأمين و بايع للمأمون و كتب بذلك إلى طاهر فعل المنصور بن المهدي بالبصرة و المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل ، و أقرهم طاهر على أعمالهم . و بعث الحرث بن هشام و داود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة و أقام بجرجابا و لما بلغ الخبر بذلك إلى الأمين بعث محمد بن سليمان القائد و محمد بن حماد البربري إلى قصر ابن هبيرة فقاتلهم الحرث و داود قتالاً شديداً و هزموهم إلى بغداد . و بعث الأمين أيضاً الفضل بن موسى على الكوفة ، فبعث إليه طاهر بن العلاء في جيش فلقيه في طريقه فأراد مسالمته بطاعة المأمون كياداً ثم قاتله فانهزم إلى بغداد . ثم سار طاهر إلى المدائن و عليها البرمكي و المدد متصل له كل يوم . فقدم قريش بن شبل ، فلما أشرف عليهم و أخذ البرمكي في التعبية فكانت لا يتم له ، فأطلق سبيل الناس و ركب بعضهم بعضاً نحو بغداد ، و ملك طاهر لمدائن و نواحيها ثم نزل صرصر و عقد بها جسراً .
بيعة الحجاز للمأمون
و لما أخذ الأمين كتب العهد من مكة و أمر داود بن عيسى ، و كان على مكة و المدينة بخلع المأمون قام في الناس و نكر نقض العهد ، و ذكرهم ماأخذ الرشيد عليهم من الميثاق لابنيه في المسجد الحرام أن يكونوا على الظالم ، و أن محمداً بدأ بالظلم و النكث و خلع أخويه و بايع لطفل صغير رضيع ، و أخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظلماً ثم دعا إلى خلعه و البيعة للمأمون فأجابوه ، نادى بذلك في شعاب مكة و خطبهم . و كتب إلى ابنه سليمان بالمدينة بمثل ذلك ففعله ، و ذلك في رجب سنة ست و تسعين . و سار من مكة على البصرة و فارس و كرمان إلى المأمون و أخبره فسر بذلك و ولاه مكانه و أضاف إليه ولاية عك و أعطاه خمسمائة ألف درهم و سير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى على الموسم و يزيد بن جرير بن مزيد بن خالد القسري في جند كثيف عاملاً على اليمن و مروا بطاهر و هو محاصر بغداد فأكرمهم و أقام يريد اليمن فبايعوه للمأمون و أطاعوه .
حصار بغداد و استلاء طاهر عليها و مقتل الأمين
و لما اتصلت بالأمين هذه الأحوال و قتل الحسين بن علي بن عيسى ، شمر لحرب طاهر و استعد له و عقد في شعبان سنة ست و تسعين و أربعمائة شتى و أمر عليهم علي بن محمد بن عهيسى نهيك ، و أمرهم بالمسير إلى هرثمة فساروا إليه و التقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا و أسر قائدهم علي بن محمد فبعث به هرثمة إلى المأمون و ترك النهروان ، و أقام طاهر بصرصر و الجيوش تتعاقب من قبل الأمين فيهزمها . ثم بذل الأمين الأموال ليستفسد بها عساكرهم فسار إليه من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف ففرق فيهم الأموال و قود جماعة من الحربية و دس إلى رؤساء الجند في عسكر طاهر و رغبهم فشغبوا على طاهر و سار كثير منهم إلى الأمين ، و انضموا إلى قواد الحربية و قواد بغداد و ساورا إلى صرصر . فعبى أصحابه كراديس و حرضهم و وعدهم . ثم تقدم فقاتلهم ملياً من النهار و انهزم أصحاب الأمين ، و غنم أصحاب طاهر عسكرهم . و لما وصلوا إلى الأمين فرق فيهم الأموال و قود منهم جماعة ولم يعط المنهزمين شيئاً و دس إليهم طاهر و استمالهم فشغبوا على الأمين فأمر هؤلاء المحدثين بقتالهم و طاهر يراسلهم و قد أخذ رهائنهم على الطاعة ، و أعطاهم الأموال . فسار فنزل باب الأنبار بقواده و أصحابه و استأمن إليه كثير من جند الأمين ، و ثارت العامة و فتقت السجون ، و وثب الشطار على الأخيار و نزل زهير مسيب الضبي من ناحية و نصب المجانيق و العرادات ، و حفر الخنادق و نزل هرثمة بناحية أخرى و فعل مثل ذلك . و نزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية و نزل طاهر بباب الأنبار فضيق على الأمين بمنزلة و نفد ما كان بيد الأمين من الأموال ، و أمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة و ضرب آنية الذهب و الفضة لفرقها في الجند ، و أحرق الحديثة فمات بها خلق ، و استأمن سعيد ابن مالك بن قادم إلى طاهر فولاه الأسواق و شاطئ دجلة ، و أمره بحفر الخنادق و بناء الحيطان و كل ما غلب عليه من الدروب ، و أمده بالرجال و الأموال . و وكل الأمين بقصر صالح و قصر سليمان بن المنصور إلى دجلة بعض قواده فألح في إحراق الدور و الرمي بالمجانيق و فعل طاهر مثل ذلك . و كثر الخراب ببغداد و صار طاهر يخندق على ما يمكنه من النواحي و يقاتل من لم يجبه ، و قبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم و القواد و عجز الأجناد عن القتال .و قام به الباعة و العيارون و كانوا ينهون أموال الناس .و استأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنه و سلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الأخيرة من سنة سبع . و استأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الأمين . و اجتمع العيارون و الباعة و الأجناد و قاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح ، و قتلوا منهم خلقاً و كاتب طاهر القواد بالأمان و بيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم و يحيى بن علي بن ماهان و محمد بن أبي العباس الطائي و غيرهم . و فشل الأمين و فوض الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك و إلى الحسن الهرش ، و معهم الغوغاء يتولون أمر تلك الفتنة . و أجفل الناس من بغداد و افترقوا في البلاد . و لما وقع بطاهر في قصر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني و تخريبها ثم قطع الميرة عنهم و صرف السفن التي تحمل فيها إلى الفرات . فغلت الأسعار و ضاق الحصار و اشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله بن الوضاح و غلبوه على الشماسية . و جاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضاً و أسروه ثم خلصه
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
أصحابه .و عقد طاهر جسراً فوق الشماسية و عبر إليهم و قاتلهم أشد قتال فردهم على أعقابهم ، و قاتل منهم بشراً كثيراً و عاد ابن الوضاح إلى مركزه و أحرق منازل الأمين بالخيزرانية ، و كانت النفقة فيها بلغت عشرين ألف درهم . و أيقن الأمين بالهلاك و فر منه عبد الله بن حازم ابن خزيمة إلى المدائن لأنه اتهمه و حمل عليه السفلة و الغوغاء . و يقال بل كاتبه طاهر و قبض ضياعه فخرج عن الأمين و قصد الهرش و من معه جزيرة العباس من نواحي بغداد فقاتلهم بعض أصحاب طاهر و هزموهم و غرق منهم خلق كثير و ضجر الأمين و ضعف أمره و سار المؤتمن بن الرشيد إلى المأمون فولاه جرجان و كاتب طاهر خزيمة بن حازم و محمد بن علي بن موسى بن ماهان و أدخلهما في خلع الأمين فأجاباه و وثبا آخر محرم من سنة ثمان و تسعين فقطعا جسر دجلة و خلع الأمين و بعث إلى هرثمة و كان بازائهما فسار من ناحيته و دخل عسكر المهدي و ملكه و قدم طاهر من الغد إلى المدينة و الكرخ فقاتلهم و هزمهم و ملكها عنوة و نادى بالأمان و وضع الجند بسوق الكرخ و قصر الوضاح و أحاط بمدينة المنصور و قصر زبيدة و قصر الخلد من باب الجسر إلى باب البصرة و شاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة و نصب عليها المجانيق . و اعتصم الأمين في أمه و ولده بمدينة المنصور ، اشتد عليه الحصار و ثبت معه حاتم بن الصقر و الحريشي و الأفارقة . و افترق عامة الجنود و الخصيان و الجواري في الطريق و جاء محمد بن حاتم بن الصقر و محمد بن إبراهيم بن الأغلب الأفريقي إلى الأمين و قالا له بقي من خيلك سبعة آلاف فرس نختار سبعة آلاف فنجعلهم عليها و نخرج على بعض الأبواب و لا يشعر بنا أحد و نلحق بالجزيرة و الشام فيكون ملك جديد ، و ربما مال إليك الناس و يحدث الله أمراً فاعتزم على ذلك و بلغ الخبر إلى طاهر فكتب إلى سليمان بن المنصور و محمد بن عيسى بن نهيك و السندي بن شاهك يتهددهم إن لم يصرفوه عن ذلك الرأي . فدخلوا على الأمين و حذروه من ابن الصقر و ابن الأغلب أن يجعل نفسه في أيديهم فيتقربوا به إلى طاهر و أشاروا عليه بطلب الأمان على يد هرثمة بن أعين و الخروج إليه و خالفهم إليه ابن الصقر و ابن الأغلب .و قالوا له إذا ملت إلى الخوارج فطاهر خير لك من هرثمة فأبى و تطير من طاهر و أرسل إلى هرثمة يستأمنه . فأجابه أنه يقاتل في أمانة المأمون فمن دونه و بلغ ذلك طاهراً فعظم عليه أن يكون الفتح لهرثمة و اجتمع هو و قواده لهرثمة و قواده في منزل خزيمة بن حازم ، و حضر سليمان و السندي و ابن نهيك و أخبروا طاهراً أنه لا يخرج إليه أبداً و أنه يخرج إلى هرثمة و يدفع إليك الخاتم و القضيب و البردة و هو الخلافة فرضي . ثم جاء الهرش و أسر إليه أنهم يخادعونه و أنهم يحملونها مع الأمين إلى هرثمة فغضب و أعد رجالاً حول قصور الأمين ، و بعث إليه هرثمة لخمسة بقين من محرم سنة ثمان و تسعين بأن يتربص ليلة لأنه رأى أولئك الرجال بالشط فقال : قد افترق عني الناس و لا يمكنني المقام لئلا يدخل علي طاهر فيقتلني . ثم ودع ابنيه و بكى و خرج إلى الشط و ركب حراقة هرثمة . و جعل هرثمة يقبل يديه و رجليه و أمر بالحراقة أن تدفع و إذا بأصحاب طاهر في الزواريق فشدوا عليها و نقبوها و رموهم بالآجر و النشاب فلم يرجعوا و دخل الماء إلى الحراقة فغرقت . قال أحمد بن سالم صاحب المظالم : فسقط الأمين و هرثمة و سقطنا فتعلق الملاح بشعر هرثمة و أخرجه و شق الأمين ثيابه . قال : و خرجت إلى الشط فحملت إلى طاهر فسألني عن نفسي فانتسبت و عن الأمين فقلت غرق فحملت إلى بيت و حبست فيه حتى أعطيتهم مالاً فاديتهم به على نفسي . فبعد ساعة من الليل فتحوا علي الباب و أدخلوا علي الأمين عريان في سراويل و عمامة و على كتفه خرقة فاسترجعت و بكيت . ثم عرفني فقال : ضمني إليك فإني أجد وحشة شديدة ، فضممته و قلبه يخفق فقال : يا أحمد ما فعل أخي ؟ فقلت : حي قال : قبح الله بريدهم كان يقول قد مات ، يريد بذلك العذر عن محاربته فقلت : بل قبح الله وزراءك ، فقال : تراهم يفون لي بالأمان ؟ قلت : نعم إن شاء الله. ثم دخل محمد بن حميد الطاهر فاستثبتنا حتى عرفه و انصرف ، ثم دخل علينا منتصف الليل قوم من العجم منتضين سيوفهم فدافع عن نفسه قليلاً ثم ذبحوه و مضوا برأسه إلى طاهر ثم جاؤا من السحر فأخذوا جثته . و نصب طاهر الرأس حتى رآه الناس ثم بعث به إلى المأمون مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب و معه الخاتم و البردة و القضيب و كتب معه بالفتح فلما رآه المأمون سجد . و لما قتل الأمين نادى طاهر بالأمان و دخل المدينة يوم الجمعة فصلى بالناس و خطب للمأمون و ذم الأمين ، و وكل بحفظ القصور الخلافية ، و أخرج زبيدة أم الأمين و ابنيه موسى و عبد الله إلى بلاد الزاب الأعلى . ثم أمر بحمل الولدين إلى المأمون و ندم الجند على قتله و طالبوا طاهر بالأموال فارتاب بجند بغداد و بجنده أنهم توطؤا عليه و ثاورا به لخمس من قتل الأمين . فهرب إلى عقرقوبا و معه جماعة من القواد ثم تعبى لقتالهم فجاؤا و اعتذروا و أحالوا على السفهاء و الأحداث فصفح عنهم و توعدهم أن يعودوا لمثلها ، و أعطاهم أربعة أشهر . و حلفوا أنهم لم يدخلوا الجند في شيء من ذلك ، فقبل منهم و وضعت أهل الحرب أوزارها و استوسق لأمر للمأمون في سائر الأعمال و الممالك . ثم خرج الحسن الهرش في جماعة من السفلة و اتبعه كثير من بوادي الأعراب و دعا إلى الرضا من آل محمد و أتى النيل فجبى الأموال و نهب القرى و ولى المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على ما افتتحه طاهر من كور الجبل و العراق و فارس الأهواز و الحجاز و اليمن ، فقدم سنة تسع و تسعين و فرق العمال و ولى طاهراً على الجزيرة و الموصل و الشام و المغرب و أمره أن يسير إلى قتل نصر بن شبيب ، و أمره هرثمة بالمسير إلى خراسان و كان نصر بن شبيب من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر في كيسوم شمالي حلب ، و كان له ميل إلى الأمين . فلما قتل أظهر الوفاء له بالبيعة و غلب على ما جاوره من البلاد ، و ملك سميساط و اجتمع عليه خلق كثير من الأعراب و عبر إلى شرقي العراق و حصر حران . و سأل منه شيعة الطالبيين أن يبايعوا لبعض آل علي لما رأوه من بني العباس و رجالهم و أهل دولتهم و قال : و الله لا أبايع أولاد السوداوات ، فيقول : إنه خلقني و رزقني . قالوا فبعض بني أمية قال قد أدبر أمرهم و المدبر لا يقبل و لو سلم على رجل مدبر لأعداني بإدباره ، و إنما هو أي في بني العباس ، و إنما حاربتهم لتقديمهم العجم على العرب .و لما سار إليه طاهر نزل الرقة و أقام بها و كتب إليه يدعوه إلى الطاعة و ترك الخلاف فلم يجبه و جاء الخبر إلى طاهر في الرقة وفاة أبيه الحسين بن زريق بن مصعب بخراسان و أن المأمون حضر جنازته ، و نزل الفضل قبره و جاءه كتاب المأمون يعزيه فيه . و بعد قتل الأمين كانت الواقعة بالموصل بين اليمانية و النزارية و كان علي بن الحسن الهمداني متغلباً على الموصل فعسف بالنزارية و سار عثمان بن نعيم البرجمي إلى ديار مصر و شكا إلى أحيائهم و استنفرهم فسار معه من مصر عشرون ألفاً و أرسل إليهم علي بن الحن بالرجوع إلى مايريدون ، فأبى عثمان فخرج علي في أربعة آلاف فهزمهم و أثخن فيهم و عادا إلى البلد .
ظهور ابن طباطبا العلوي
لما بعث المأمون الحسن بن سهل إلى العراق و ولاه على ما كان افتتحه طاهر من البلاد و الأعمال تحدث الناس أن الفضل بن سهل غلب على المأمون و استبد عليه و حجبه عن أهل بيته و قواده ، فغضب بنو هاشم و وجوه الناس و اجترؤا على الحسن بن سهل و هاجت الفتنة و كان أبو السرايا السري بن منصور يذكر أنه من بني شيبان من ولد هاني بن قبيصة بن هانئ بن مسعود ، و قيل من بني تميم بالجزيرة و طلب فعبر إلى شرقي الفرات و أقام هنالك يخيف السابلة ، ثم لحق بيزيد بن مزيد بأرمينية في ثلاثين فارساً فقوده و قاتل معه الحرمية و أسر منهم غلامه أبا الشوك . و مات يزيد بن مزيد فكان مع ابنه أسد و عزل أسد فسار إلى أحمد بن مزيد . و لما بعث الأمين أحمد بن مزيد لحرب هرثمة بعثه طليعة إلى عسكره ، فاستماله هرثمة فمال إليه و لحق به و قصد بني شيبان مع الجزيرة و استخرج لهم الأرزاق من هرثمة و اجتمع إليه أزيد من ألفي فارس . فلما قتل الأمين تعصى هرثمة عن أرزاقهم فغضب و استأذن في الحج فأذن له و أعطاه عشرين ألف درهم ففرقها في أصحابه و مضى و أوصاهم باتياعه ، فاجتمع له منهم نحو مائتين و سار إلى عين التمر فأخذوا عاملها و قسموا ماله و لقوا عاملاً آخر بمال موقور على ثلاثة أنفار فاقتسموه و أرسل هرثمة عسكرا خلفه فهزمهم و دخل البرية و لحق به من تخلف من أصحابه فكثر جمعه و سار نحو دقوقا و عليها أبو ضرغامة في سبعمائة فارس فخرج و قاتله فهزمه و رجع إلى القصر فحاصره أبو السرايا حتى نزل على الأمان و أخذ أمواله . و سار إلى الأنبار و عليها إبراهيم الشروي مولى المنصور فقتله و أخذ ما فيها و عاد إليها عند إدراك الغلال فافتتحها . ثم قصد الرقة و مر بطوق بن مالك الثعلبي فاستجاشه على قيس فأقام عنده أربع أشهر يقاتل قيساً بعصبية ربيعة حتى انقادت قيس إلى طوق . و سار أبو السرايا إلى الرقة فلقي محمد بن إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي و تلقب أبوه إبراهيم طباطبا فدعاه إلى الخروج ، و أنفذ إلى الكوفة فدخلاها و بايعهم أهلها على بيعة الرضا من آل محمد ، نهب أبو السرايا قصر العباس بن موسى بن عيسى ، و أخذ ما فيه من الأموال و الجواهر ما لا يحصى ، و ذلك منتصف جمادى الأخيرة سنة تسعة و تسعين ، و قيل إن أبا السرايا مطله هرثمة بأرزاق أصحابه فغضب و مضى إلى الكوفة فبايع اين طباطبا . و لما ملك الكوفة هرع إليه الناس و الأعراب من النواحي فبايعوه ، و كان عليها سليمان بن المنصور من قبل الحسن بن سهل فبعث إليه زهير بن المسيب الضبي في عشرة آلاف و خرج إليه ابن طباطبا و أبو السرايا فهزموه و استباحوا عسكره و أصبح محمد بن طباطبا من الغد ميتاً فنصب أبو السريا مكانه غلاماً من العلوية ، و هو محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين و استبد عليه . و رجع زهير إلى قصر ابن هبيرة فأقام به و بعث الحسن بن سهل عبدوس ابن محمد بن خالد المروزوذي في أربعة آلاف فلقيه أبو السرايا منتصف رجب و قتل و لم يفلت من أصحابه أحد كانوا بين قتيل و أسير ، و ضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة و بعث جيوشاً إلى البصرة و واسط ، و ولى على البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري ، و على مكة الحسين الأفطس بن الحسبن بن علي زين العابدين و جعل إليه الموسم . و على اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق ، و على فارس إسمعيل بن موسى بن جعفر الصادق ، و على الأهواز زيد بن موسى الصادق ، فسار إلى البصرة و أخرج عنها العباس بن محمد بن داود بن الحسن المثنى إلى المدائن و أمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي ففعل . و كان بواسط عبد الله بن سعد الخرشي من قبل الحسن بن سهل ففر أمامهم و بعث الحسن بن سهل إلى هرثمة يستدعيه لحرب أبي السرايا ، و كان قد سار إلى خراسان مغاضباً له ، فرجع بعد امتناع ، و سار إلى الكوفة في شعبان و بعث الحسن إلى المدائن و واسط علي بن أبي سعيد و أبلغ الخبر أبا السرايا و هو بقصر ابن هبيرة فوجه جيشاً إلى المدائن فملكوها في رمضان . و تقدم فنزل نهر صرصر و عسكر هرثمة بازائه غدوة . و سار علي بن أبي سعيد في سؤال المدائن فحاصر بها أصحاب أبي السرايا ، و رجع هو من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة و هرثمة و أتباعه ، ثم حصره و قتل جماعة من أصحابه فانجاز إلى الكوفة و وثب الطالبيون على دور بني العباس و شيعتهم فنهبوها و خربوها و أخرجوهم و استخرجوا ودائعهم عند الناس ، و كان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، فلما بلغه قدوم حسين الأفطس جمع شيعة بني العباس . و كان مسرور الكبير قد حج في مائة فارس فتعبى للحرب و دعا داود إلى حربهم فقال : لا أستحل ذلك في الحرم و خرج إلى العراق و تبعه مسرور و كان حسين الأفطس بسرف يخاف دخول مكة فبلغة الخبر أن مكة قد خلت من بني العباس عنها فدخل في عشرة أنفس و طاف و سعى و وقف بعرفه ليلاً و أتم الحج . و أقام هرثمة بنواحي الكوفة يحاصرها ، و استدعى منصور بن المهدي و كاتب رؤساء الكوفة و سار علي بن سعيد من المدائن إلى واسط فملكها ، ثم توجه إلى البصرة و اشتد الحصار على أبي السرايا بالكوفة فهرب عنها في ثمانمائة فارس و معه صاحبه الذي نصبه و هو محمد بن جعفر بن محمد و دخلها هرثمة منتصف محرم فأقام بها يوماً و ولى عليها غسان صاحب الحرس بخراسان و عاد و قصد أبو السرايا القادسية و سار منها إلى السوس و لقي بخراسان مالاً حمل من الأهواز فقسمه في أصحابه . و كان على الأهواز الحسن بن علي المأموني ، فخرج إليه فقاتله فهزمه و افترق أصحابه و جاء إلى منزله برأس عين من جلولاء و معه صاحبه محمد و غلامه أبو الشوك فظفر بهم حماد الكند غوش و جاء بهم إلى الحسن بن سهل في النهروان فقتل أبا السرايا و بعث برأسه إلى المأمون ، و بصاحبه محمد معه ، و نصب شلوه على جسر بغداد . و سار علي بن أبي سعيد إلى البصرة فملكها من يد زيد بن موسى بن جعفر الصادق ، و كان يسمى زيد النار لكثرة ما أحرق من دور العباسيين و شيعتهم فاستأمن إليه زيد فأمنه و أخذه ، و بعث الجيوش إلى مكة و المدينة و اليمن لقتال من بها من العلويين ، و كان إبراهيم بن موسى بن جعفر بمكة فلما بلغه خبر أبي السرايا و مقتله ولى و سار إلى اليمن و بها إسحق بن موسى فهرب إلى مكة ، و استولى إبراهيم على اليمن و كان يسمى الجزار لكثرة قتله فتكه . ثم بعث رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب إلى مكة ليحج بالناس و قد جاء لذلك أبو الحسن المعتصم في جماعة من القواد فيهم حدوية بن علي بن عيسى بن ماهان ، و الياً على اليمن من قبل الحسن بن سهل ، فخام العقيلي عن لقائهم و اعترض قافلة الكسوة فأخذها و نهب أموال التجار و دخل الحجاج إلى مكة عراة فبعث الخلودي من القواد فصبحهم و هزمهم و أسر منهم و تفقد أموال التجار و كسوة الكعبة و طيبها و ضرب الأسراء عشرة أسواط لكل واحد و أطلقهم و حج المعتصم بالناس .
بيعة محمد بن جعفر بمكة
هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين و يلقب الديباجة ، و كان عالماً زاهداً و يروي عن أبيه و كان الناس يكتبون عنه . و لما ملك الحسين الأفطس مكة كما ذكرناه عاث فيها و نزع كسوة الكعبة و كساها بأخرى من الغد أنفذها أبو السرايا من الكوفة و
ظهور ابن طباطبا العلوي
لما بعث المأمون الحسن بن سهل إلى العراق و ولاه على ما كان افتتحه طاهر من البلاد و الأعمال تحدث الناس أن الفضل بن سهل غلب على المأمون و استبد عليه و حجبه عن أهل بيته و قواده ، فغضب بنو هاشم و وجوه الناس و اجترؤا على الحسن بن سهل و هاجت الفتنة و كان أبو السرايا السري بن منصور يذكر أنه من بني شيبان من ولد هاني بن قبيصة بن هانئ بن مسعود ، و قيل من بني تميم بالجزيرة و طلب فعبر إلى شرقي الفرات و أقام هنالك يخيف السابلة ، ثم لحق بيزيد بن مزيد بأرمينية في ثلاثين فارساً فقوده و قاتل معه الحرمية و أسر منهم غلامه أبا الشوك . و مات يزيد بن مزيد فكان مع ابنه أسد و عزل أسد فسار إلى أحمد بن مزيد . و لما بعث الأمين أحمد بن مزيد لحرب هرثمة بعثه طليعة إلى عسكره ، فاستماله هرثمة فمال إليه و لحق به و قصد بني شيبان مع الجزيرة و استخرج لهم الأرزاق من هرثمة و اجتمع إليه أزيد من ألفي فارس . فلما قتل الأمين تعصى هرثمة عن أرزاقهم فغضب و استأذن في الحج فأذن له و أعطاه عشرين ألف درهم ففرقها في أصحابه و مضى و أوصاهم باتياعه ، فاجتمع له منهم نحو مائتين و سار إلى عين التمر فأخذوا عاملها و قسموا ماله و لقوا عاملاً آخر بمال موقور على ثلاثة أنفار فاقتسموه و أرسل هرثمة عسكرا خلفه فهزمهم و دخل البرية و لحق به من تخلف من أصحابه فكثر جمعه و سار نحو دقوقا و عليها أبو ضرغامة في سبعمائة فارس فخرج و قاتله فهزمه و رجع إلى القصر فحاصره أبو السرايا حتى نزل على الأمان و أخذ أمواله . و سار إلى الأنبار و عليها إبراهيم الشروي مولى المنصور فقتله و أخذ ما فيها و عاد إليها عند إدراك الغلال فافتتحها . ثم قصد الرقة و مر بطوق بن مالك الثعلبي فاستجاشه على قيس فأقام عنده أربع أشهر يقاتل قيساً بعصبية ربيعة حتى انقادت قيس إلى طوق . و سار أبو السرايا إلى الرقة فلقي محمد بن إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي و تلقب أبوه إبراهيم طباطبا فدعاه إلى الخروج ، و أنفذ إلى الكوفة فدخلاها و بايعهم أهلها على بيعة الرضا من آل محمد ، نهب أبو السرايا قصر العباس بن موسى بن عيسى ، و أخذ ما فيه من الأموال و الجواهر ما لا يحصى ، و ذلك منتصف جمادى الأخيرة سنة تسعة و تسعين ، و قيل إن أبا السرايا مطله هرثمة بأرزاق أصحابه فغضب و مضى إلى الكوفة فبايع اين طباطبا . و لما ملك الكوفة هرع إليه الناس و الأعراب من النواحي فبايعوه ، و كان عليها سليمان بن المنصور من قبل الحسن بن سهل فبعث إليه زهير بن المسيب الضبي في عشرة آلاف و خرج إليه ابن طباطبا و أبو السرايا فهزموه و استباحوا عسكره و أصبح محمد بن طباطبا من الغد ميتاً فنصب أبو السريا مكانه غلاماً من العلوية ، و هو محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين و استبد عليه . و رجع زهير إلى قصر ابن هبيرة فأقام به و بعث الحسن بن سهل عبدوس ابن محمد بن خالد المروزوذي في أربعة آلاف فلقيه أبو السرايا منتصف رجب و قتل و لم يفلت من أصحابه أحد كانوا بين قتيل و أسير ، و ضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة و بعث جيوشاً إلى البصرة و واسط ، و ولى على البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري ، و على مكة الحسين الأفطس بن الحسبن بن علي زين العابدين و جعل إليه الموسم . و على اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق ، و على فارس إسمعيل بن موسى بن جعفر الصادق ، و على الأهواز زيد بن موسى الصادق ، فسار إلى البصرة و أخرج عنها العباس بن محمد بن داود بن الحسن المثنى إلى المدائن و أمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي ففعل . و كان بواسط عبد الله بن سعد الخرشي من قبل الحسن بن سهل ففر أمامهم و بعث الحسن بن سهل إلى هرثمة يستدعيه لحرب أبي السرايا ، و كان قد سار إلى خراسان مغاضباً له ، فرجع بعد امتناع ، و سار إلى الكوفة في شعبان و بعث الحسن إلى المدائن و واسط علي بن أبي سعيد و أبلغ الخبر أبا السرايا و هو بقصر ابن هبيرة فوجه جيشاً إلى المدائن فملكوها في رمضان . و تقدم فنزل نهر صرصر و عسكر هرثمة بازائه غدوة . و سار علي بن أبي سعيد في سؤال المدائن فحاصر بها أصحاب أبي السرايا ، و رجع هو من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة و هرثمة و أتباعه ، ثم حصره و قتل جماعة من أصحابه فانجاز إلى الكوفة و وثب الطالبيون على دور بني العباس و شيعتهم فنهبوها و خربوها و أخرجوهم و استخرجوا ودائعهم عند الناس ، و كان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، فلما بلغه قدوم حسين الأفطس جمع شيعة بني العباس . و كان مسرور الكبير قد حج في مائة فارس فتعبى للحرب و دعا داود إلى حربهم فقال : لا أستحل ذلك في الحرم و خرج إلى العراق و تبعه مسرور و كان حسين الأفطس بسرف يخاف دخول مكة فبلغة الخبر أن مكة قد خلت من بني العباس عنها فدخل في عشرة أنفس و طاف و سعى و وقف بعرفه ليلاً و أتم الحج . و أقام هرثمة بنواحي الكوفة يحاصرها ، و استدعى منصور بن المهدي و كاتب رؤساء الكوفة و سار علي بن سعيد من المدائن إلى واسط فملكها ، ثم توجه إلى البصرة و اشتد الحصار على أبي السرايا بالكوفة فهرب عنها في ثمانمائة فارس و معه صاحبه الذي نصبه و هو محمد بن جعفر بن محمد و دخلها هرثمة منتصف محرم فأقام بها يوماً و ولى عليها غسان صاحب الحرس بخراسان و عاد و قصد أبو السرايا القادسية و سار منها إلى السوس و لقي بخراسان مالاً حمل من الأهواز فقسمه في أصحابه . و كان على الأهواز الحسن بن علي المأموني ، فخرج إليه فقاتله فهزمه و افترق أصحابه و جاء إلى منزله برأس عين من جلولاء و معه صاحبه محمد و غلامه أبو الشوك فظفر بهم حماد الكند غوش و جاء بهم إلى الحسن بن سهل في النهروان فقتل أبا السرايا و بعث برأسه إلى المأمون ، و بصاحبه محمد معه ، و نصب شلوه على جسر بغداد . و سار علي بن أبي سعيد إلى البصرة فملكها من يد زيد بن موسى بن جعفر الصادق ، و كان يسمى زيد النار لكثرة ما أحرق من دور العباسيين و شيعتهم فاستأمن إليه زيد فأمنه و أخذه ، و بعث الجيوش إلى مكة و المدينة و اليمن لقتال من بها من العلويين ، و كان إبراهيم بن موسى بن جعفر بمكة فلما بلغه خبر أبي السرايا و مقتله ولى و سار إلى اليمن و بها إسحق بن موسى فهرب إلى مكة ، و استولى إبراهيم على اليمن و كان يسمى الجزار لكثرة قتله فتكه . ثم بعث رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب إلى مكة ليحج بالناس و قد جاء لذلك أبو الحسن المعتصم في جماعة من القواد فيهم حدوية بن علي بن عيسى بن ماهان ، و الياً على اليمن من قبل الحسن بن سهل ، فخام العقيلي عن لقائهم و اعترض قافلة الكسوة فأخذها و نهب أموال التجار و دخل الحجاج إلى مكة عراة فبعث الخلودي من القواد فصبحهم و هزمهم و أسر منهم و تفقد أموال التجار و كسوة الكعبة و طيبها و ضرب الأسراء عشرة أسواط لكل واحد و أطلقهم و حج المعتصم بالناس .
بيعة محمد بن جعفر بمكة
هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين و يلقب الديباجة ، و كان عالماً زاهداً و يروي عن أبيه و كان الناس يكتبون عنه . و لما ملك الحسين الأفطس مكة كما ذكرناه عاث فيها و نزع كسوة الكعبة و كساها بأخرى من الغد أنفذها أبو السرايا من الكوفة و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
تتبع ودائع بني العباس و جعلها ذريعة لأخذ أموال الناس فخرجوا من مكة . و قلع أصحابه شبابيك الحرم و قلع ما على الأساطين من الذهب و استخرج ما كان في الكعبة من المال فقسمه في أصحابه و ساء أثره في الناس . فلما قتل أبو السرايا تنكروا له فخشى على نفسه فجاء إلى محمد بن جعفر ليبايع له بالخلافة فلم يزل به هو و ابنه حسن و استعانا عليه بابنه علي حتى بايعوه و دعوه بأمير المؤمنين . و استبد عليه ابنه علي و ابن الأفطس بأسوا مما كان قبل ، و أفحشوا في الزنا و اللواط و اغتصاب النساء و الصبيان ، فاجتمع الناس على خلع محمد بن جعفر أو يرد إليهم ابن القاضي كان مغتصباً ببيت ابنه علي ، فاستأمنهم حتى ركب إلى بيت ابنه و سلم إليهم الغلام و جاء إسحق بن موسى بن عيسى من اليمن فاجتمع الناس و خندقوا مكة و قاتلهم إسحق و امتنعوا عليه فسار نحو العراق و لقي الجند الذين بعثهم هرثمة إلى مكة مع الجلودي و رجاء بن جميل ، و هو ابن عم الحسين بن سهل . فرجع بهم و قاتل الطالبيين فهزمهم و افترقوا ، و استأمن إليه محمد بن جعفر فأمنه و ملك مكة و سار محمد ابن جعفر إلى الجحفة ، ثم إلى بلاد جهينة فجمع و قاتل هرون بن المسيب والي المدينة ، فانهزم محمد و فقئت عينه و قتل خلق من أصحابه و رجع إلى موضعه . و لما انقضى الموسم استأمن الجلودي و رجاء بن جميل فأمناه و دخل مكة و خطب و اعتذار عما فعله بأنه بلغه موت المأمون ثم صح أنه حي ، و خلع نفسه و سار إلى الحسن والي المأمون بمرو فلم يزل عنده إلى أن سار المأمون إلى العراق فمات بجرجان في طريقه .
مقتل هرثمة
لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع ، و كان الحسن بن سهل بالمدائن فلم يعرج عليه و سار على عقرقوبا إلى النهروان قاصداً خراسان ، و لقيته كتب المأمون متلاحقة أن يرجع إلى الشام و الحجاز ، فأبى إلا لقاءه دالة عليه بما سبق له من نصحه له و لآبائه و كان قصد أن يطلع المأمون على حال الفضل بن سهل في طيه لأخبار عنه و ما عند الناس من القلق بذلك ، و باستبداده عليه و مقامه بخراسان و علم الفضل بذلك فأغرى به المأمون و ألقي إليه أنه سلط أبا السرايا و هو من جنده و قد خالف كتبك و جاء معانداً سيئ القالة ، و إن سومح في ذلك اجترأ غيره فسخطه المأمون و بقي في انتظاره ، و لما بلغ مرو قرع طبوله يسمعها لئلا يطوى خبره عن المأمون ، و سأل المأمون عنها فقيل هرثمة أقبل يرعد و يبرق ، فاستدعاه و قال هرثمة مالأت العلويين و أبا السرايا و لو شئت أهلاكهم جميعاً لفعلت ، فذهب يعتذر فلم يمهله و أمر فربس بطنه و شدخ أنفه و سحب إلى السجن ثم دس إليه من قتله .
انتقاض بغداد على الحسن بن سهل
و لما بلغ خبر هرثمة إلى العراق كتب الحسن بن سهل إلى علي بن هشام والي بغداد من قبله أن يتعلل على الجند الحربية و البغداديين في أرزاقهم ، لأنه كان بلغه عنهم قبل مسير هرثمة أنهم عازمون على خلعه و طرد عماله ، و ولوا عليهم إسحق بن الهادي خليفة المأمون . فلم يزل الحسين يتلطف إليهم و يكاتبهم حتى اختلفوا فأنزل علي بن هشام و محمد ابن أبي خالد جانبيها ، و زهير بن المسيب في الجانب الآخر و قاتلوا الحربية ثلاثة أيام ، ثم صالحهم على العطاء و شرع فيه . و كان زيد بن موسى ابن جعفر قد أخذه علي بن أبي سعيد من البصرة و حبسه كما ذكرناه قبل ، فهرب من محبسه و خرج بناحية الأنبار و معه أخ لأبي السرايا . ثم تلاشى أمره و أخذوا إلى علي بن هشام ثم جاء خبر هرثمة و قد انتقض محمد بن أبي خالد على علي بن هشام بما كان يستحق به ، و غضب يوماً مع زهير بن المسيب فقنعه بالسوط ، فسار إلى الحربية و نصب لهم الحرب ، انهزم علي بن هشام إلى صرصر . و قيل إن ابن هشام أقام الحد على عبد الله بن علي بن عيسى فغضب الحربية و أخرجوه . و اتصل ذلك بالحسن بن سهل و هو بالمدائن كما قلناه فانهزم إلى واسط أول سنة احدى و مائتين ، و الفضل بن الربيع و قد ظهر من اختفائه من لدن الأمين . و جاء عيسى بن محمد بن أبي خالد من الرقة من عند طاهر ، فاجتمع هو و أبوه على قتال الحسن و هزموا كل من تعرض للقائهم من أصحابه . و كان زهير بن المسيب عاملا للحسن على جوخى من السواد و كان يكاتب بغداد فركب إليه محمد بن أبي خالد و أخذه أسيراً و انتهب ماله و حبسه ببغداد عند ابنه جعفر . ثم تقدم إلى واسط و بعثه ابنه هرون إلى النيل فهزم نائب الحسن بها إلى الكوفة فلحق بواسط و رجع هرون إلى أبيه و تقدم نحو واسط فسار الحسن عنها . و أقام الفضل بن الربيع مختفياً بها و استأمن لمحمد و بعثه إلى بغداد . و سار إلى الحسن على البقية عساكر الحسن و قواده ، و انهزم محمد و أصحابه و تبعهم الحسن إلى تمام الصلح ، ثم لحقوا بجرجايا . و وجه محمد ابن ابنه هرون إلى فأقام بها و سار محمد ابن ابنه أبورتيل و هو جريح إلى بغداد فمات بها و دفن في داره سراً . و محمد أبو رتيل إلى زهير بن المسيب فقتله من ليلته . و قام خزيمة بن خازم بأمر بغداد ، و بعث إلى عيسى بن محمد بأن يتولى حرب الحسن مكان أبيه ، و بلغ الحسن موت محمد فبعث عسكره إلى هرون بالنيل فغلبوا و انتهبوها ، و لحق هرون بالمدائن . ثم اجتمع أهل بغداد و أرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد و العراق انحرافاً عن الحسن ابن سهل . و قيل إن الحسن لما ساعد أهل بغداد عيسى بن محمد بن أبي خالد على حربه خام عنه فلاطفه و وعده بالمصاهرة و مائة ألف دينار و الأمان له و لأهل بيته و لأهل بغداد و ولاية النواحي ، فقبل و طلب المأمون بذلك ، و كتب إلى أهل بغداد إني شغلت بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلاً من بني هاشم ، فولوا المنصور بن المهدي و أحصى عيسى أهل عسكره فكانوا مائةألف و خمسة و عشرين ألفاً . و بعث منصور غسان بن الفرج إلى ناحية الكوفة فغزاه حميد الطوسي من قواد الحسن بن سهل و أخذ أسيراً و نزل النيل . فبعث منصور بن محمد يقطين في العساكر إلى حميد فلقيه حميد بكونا فهزمه و قتل من أصحابه و نهب ما حول كوثا و رجع إلى النيل و أقام ابن يقطين بصرصر .
أمر المطوعة
و لما كثر الهرج ببغداد و امتدت أيدي الدعاوى باذايه الناس في أموالهم و أفشى المناكير فيهم و تعذر ذلك ، فخرجوا إلى القرى فانتهوها . و استعدى الناس أهل الأمر فلم يغدوا عليهم فتمشى الصلحاء من عمل ريظ و كل بينهم و رأوا أنهم في كل درب قليلون بالنسبة إلى خيارهم فاعتزموا على مدافعتهم و اشتد خالد المدريوش من أهل ، بغداد فدعا جيرانه و أهل محلته إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من غير أن يغيروا على السلطان . فشد على من كان عندهم من أدعار و حبسهم و رفعهم إلى السلطان و تعدى ذلك إلى غير محلته . ثم قام بعده سهل بن سلامة الأنصاري من الحريشية من أهل خراسان و يكنى أبا حاتم فدعا إلى مثل ذلك و إلى العمل بالكتاب و السنة و علق في عنقه مصحفاً و عبر على العامة و على أهل الدولة فبايعوه على ذلك و على قتال من خالف . و بلغ خبرهما إلى منصور بن المهدي و عيسى بن محمد بن أبي خالد فنكروا ذلك لأن أكثر الدعار كانوا يشايعونهم على أمرهم ، فدخلوا بغداد بعد أن عقد عليه الصلح مع الحسن بن سهل على الأمان له و لأهل بغداد ، و انتظروا كتاب المأمون و رضي أهل البلد بذلك ، فسهل عليهم أمر المدريوش و سهل .
العهد لعلي الرضا و البيعة لإبراهيم بن مهدي
و لما بلغ أهل بغداد أن المأمون قد بايع بالعهد لعلي بن موسى الكاظم و لقبه الرضا من آل محمد ، و أمر الجند بطرح السواد و لبس الخضرة ، و كتب بذلك إلى الآفاق ، و كتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد ببغداد يعلمه بذلك في رمضان من سنة احدى و مائتين ، و أمره أن يأخذ من عنده من الجند و بني هاشم بذلك ، فأجاب بعض و امتنع بعض ، و كبر عليهم إخراج الخلافة من بني العباس . و تولى كبر ذلك منصور و إبراهيم ابنا المهدي و شايعهم عليه المطلب بن عبد الله بن مالك و السدي و نصر الوصيف و صالح صاحب المصلى و منعوا يوم الجمعة من نادى في الناس بخلع المأمون و البيعة لإبراهيم بن المهدي و من بعده لإسحق بن الهادي . ثم بايعوه في المحرم سنة اثنتين و مائتين و لقبوه المبارك و وعد الجند بأرزاق ستة أشهر ، و استولى على الكوفة و السواد ، و خرج فعسكر بالمدائن و ولى بها على الجانب الغربي العباس بن الهادي ، و على الجانب الشرقي إسحق بن الهادي . و كان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملاً للحسن بن سهل ، و معه القواد سعيد بن الساحور و أبو البط و غسان بن الفرج و محمد بن إبراهيم بن الأغلب كانوا منحرفين عن حميد فداخلوا إبراهيم بن الهادي في أن يهلكوه في قصر ابن هبيرة و شعر بذلك الحسن بن سهل فاستقدم حميداً و خلا لهم الجو منه فبعث إبراهيم بن المهدي عيسى ابن محمد بن أبي خالد و ملك قصر ابن هبيرة و انتهب عسكر حميد و لحق به ابنه بجوارية . ثم عاد إلى الكوفة فاستعمل عليها العباس بن موسى الكاظم و أمره أن يدعو لأخيه فامتنع غلاة الشيعة من إجابته و قالوا : لا حاجة لنا بذكر المأمون و قعدوا عنه و بعث إبراهيم بن المهدي من القواد سعيداً و أبا البط لقتاله ، فسرح إليهم العباس بن عمه و هو علي بن محمد الديباجة فانهزم ، و نزل سعيد و أبو البط الحيرة ثم تقدموا لقتال أهل الكوفة ، و قاتلهم شيعة بني العباس و مواليهم . ثم سألوا الأمان للعباس و خرجوا من داره . ثم قاتل أصحابه أصحاب سعيد فهزموهم و أحرقوا دور عيسى بن موسى ، و بلغ الخبر إلى سعيد بالحيرة بأن العباس قد نقض و رجع عن الأمان فركب و جاء إلى الكوفة و قتل من ظفر به و لقيه أهل فاعتذروا إليه بأن هذا فعل الغوغاء ، و أن العباس باق على عهده . و دخل سعيد و أبو البط و نادوا بالأمان و ولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي ، ثم عزلوه و ولوا مكانه غسان بن الفرج فقتل أخا السرايا . ثم عزلوه و ولوا الهول ابن أخي سعيد القائد و قدم حميد بن عبد الحميد لحربهم بالكوفة ، فهرب الهول و بعث إبراهيم بن المهدي بن عيسى بن محمد بن أبي خالد لحصار الحسن بواسط على طريق النيل و كان الحسن متحصناً بالمدينة ، فسرح أصحابه لقتالهم فانهزموا و غنم عسكرهم ، و رجع عيسى إلى بغداد فقاتل سهل بن سلامة المطوع حتى غلبه على منزله فاختفى في غمار النظار و أخذوه بعد ليال و أتوا به إسحق فقال : كل ما كنت أدعو إليه باطل فقالوا : أخرج فأعلم الناس بذلك فخرج و قال : قد كنت أدعوكم إلى الكتاب و السنة و لم أزل على ذلك فضربوه و قيدوه و بعثوا به إلى إبراهيم المهدي فضربه و حبسه ، و ظهر أنه قتل في محبسه خفية لسنة من قيامه . ثم أطلقه فاختفى إلى أن انقرض أمر إبراهيم . و زحف حميد بن عبد الحميد سنة ثلاث و مائتين إلى قتال إبراهيم بن المهدي و أصحابه و كان عيسى بن محمد بن أبي خالد هو المتولى بأمر إبراهيم ، فداخلهم في الغدر بإبراهيم و صار يتعلل عليه في المدافعة عنه ، و نمي ذلك إلى إبراهيم بن هرون أخي عيسى فتنكر له ، و نادى عيسى في الناس بمسالمة حميد فاستدعاه إبراهيم و عاتبه بذلك فأنكر و اعتذر ، فأمر به فضرب و حبس عدة من قواده و أفلت العباس خليفته ، فمشى بعض الناس إلى بعض و وافقوا العباس على خلع إبراهيم و طردوا عامله من الجسر و الكرخ . و ثار الرعاع و الغوغاء . و كتب العباس إلى حميد يستقدمه ليسلم إليه بغداد و نزل صرصر و خرج إليه العباس و القواد و تواعدوا لخلع إبراهيم على أن يدفع لهم العطاء . و بلغ الخبر إلى إبراهيم فأخرج عيسى و إخوته ، و سأله قتال حميد فامتنع .و دخل حميد فصلى الجمعة و خطب للمأمون و شرع في العطاء ثم قطعه عنهم فغضب الجند . و عاود إبراهيم سؤال عيسى في قتال حميد فقاتل قليلاً ، ثم استأسر لهم و انفض العسكر راجعين إلى إبراهيم . و ارتحل حميد فنزل في وسط المدينة و تسلل أصحاب إبراهيم إلى المدائن فملكوها و قاتل بقيتهم حميد ، و كان الفضل بن الربيع مع إبراهيم فتحول إلى حميد و كاتب المطلب بن عبد الله بن مالك بأن يسلموه إليه . و كان سعيد بن الساحور و البط و غيرهم من القواد يكاتبون علي بن هشام بمثل ذلك . و لما علم إبراهيم بما اجتمعوا عليه أقبل على مداراتهم إلى أن جن الليل . ثم تسرب في البلد و اختفى منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث ، و بلغ الخبر إلى حميد و علي بن هشام ، فأقبلوا إلى دار إبراهيم فلم يجدوه ، و ذلك لسنتين من بيعته . و أقام علي بن هشام على شرقي بغداد و حميد على غربيها و أظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقربه حميد و وصله .
قدوم المأمون إلى العراق
لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل و نفور الناس من اسبداده و أخيه على المأمون ثم من العهد لعلي الرضا بن موسى الكاظم و إخراج الخلافة من بني العباس ، و كان الفضل بن سهل يطوي ذلك عن المأمون و يبالغ في إخفائه حذراً من أن يتغير رأي المأمون فيه و في أخيه . و لما جاء هرثمة للمأمون و علم أنه يخبره بذلك و أن المأمون يثق بقوله ، أحكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغير له فقتله ولم يصغ إلى كلامه ، فازدادت نفرة الشيعة و أهل بغداد و كثرت الفتن و تحدث و القواد في في عسكر المأمون بذلك ، ولم يقدروا على إبلاغه ، فجاؤا إلى عين الرضا و سألوه إنهاء ذلك إلى المأمون ، فأخبره بما في العراق من الفتنة و القتال ، و أنهم بايعوا إبراهيم بن المهدي فقال المأمون : إنما جعلوه أميراً يقوم بأمرهم ! فقال : ليس كذلك و إن الحرب الآن قائمة بين ابن سهل و بينه ، و إن الناس ينقمون عليك مكان الفضل و الحسن و مكاني و عهدك لي ، فقال له المأمون : و من يعلم هذا غيرك ؟ فقال يحيى بن معاذ و عبد العزيز ابن عمران و غيرهما من وجوه قوادك . فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا ، و أن الناس بالعراق يتهمونه بالرفض لعهده لعلي الرضا و أن طاهر ابن الحسين مع علم أمير المؤمنين ببلائه قد دفع إلى الرقة و ضعف أمره ، و البلاد تفتقت من كل جانب ، و إن لم يتدارك الأمر ذهبت الخلافة منهم . فاستيقن المأمون ذلك و أمر بالرحيل و استحلف على خراسان غسان بن عباد و هو ابن عم الفضل بن سهل ، و علم الفضل بن سهل بذلك فشرع في عقاب أولئك القواد فلم يغنه . و لما نزل المأمون شرحبيل وثب بالفضل أربعة نفر فقتلوه في الحمام و هربوا ، و جعل
مقتل هرثمة
لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع ، و كان الحسن بن سهل بالمدائن فلم يعرج عليه و سار على عقرقوبا إلى النهروان قاصداً خراسان ، و لقيته كتب المأمون متلاحقة أن يرجع إلى الشام و الحجاز ، فأبى إلا لقاءه دالة عليه بما سبق له من نصحه له و لآبائه و كان قصد أن يطلع المأمون على حال الفضل بن سهل في طيه لأخبار عنه و ما عند الناس من القلق بذلك ، و باستبداده عليه و مقامه بخراسان و علم الفضل بذلك فأغرى به المأمون و ألقي إليه أنه سلط أبا السرايا و هو من جنده و قد خالف كتبك و جاء معانداً سيئ القالة ، و إن سومح في ذلك اجترأ غيره فسخطه المأمون و بقي في انتظاره ، و لما بلغ مرو قرع طبوله يسمعها لئلا يطوى خبره عن المأمون ، و سأل المأمون عنها فقيل هرثمة أقبل يرعد و يبرق ، فاستدعاه و قال هرثمة مالأت العلويين و أبا السرايا و لو شئت أهلاكهم جميعاً لفعلت ، فذهب يعتذر فلم يمهله و أمر فربس بطنه و شدخ أنفه و سحب إلى السجن ثم دس إليه من قتله .
انتقاض بغداد على الحسن بن سهل
و لما بلغ خبر هرثمة إلى العراق كتب الحسن بن سهل إلى علي بن هشام والي بغداد من قبله أن يتعلل على الجند الحربية و البغداديين في أرزاقهم ، لأنه كان بلغه عنهم قبل مسير هرثمة أنهم عازمون على خلعه و طرد عماله ، و ولوا عليهم إسحق بن الهادي خليفة المأمون . فلم يزل الحسين يتلطف إليهم و يكاتبهم حتى اختلفوا فأنزل علي بن هشام و محمد ابن أبي خالد جانبيها ، و زهير بن المسيب في الجانب الآخر و قاتلوا الحربية ثلاثة أيام ، ثم صالحهم على العطاء و شرع فيه . و كان زيد بن موسى ابن جعفر قد أخذه علي بن أبي سعيد من البصرة و حبسه كما ذكرناه قبل ، فهرب من محبسه و خرج بناحية الأنبار و معه أخ لأبي السرايا . ثم تلاشى أمره و أخذوا إلى علي بن هشام ثم جاء خبر هرثمة و قد انتقض محمد بن أبي خالد على علي بن هشام بما كان يستحق به ، و غضب يوماً مع زهير بن المسيب فقنعه بالسوط ، فسار إلى الحربية و نصب لهم الحرب ، انهزم علي بن هشام إلى صرصر . و قيل إن ابن هشام أقام الحد على عبد الله بن علي بن عيسى فغضب الحربية و أخرجوه . و اتصل ذلك بالحسن بن سهل و هو بالمدائن كما قلناه فانهزم إلى واسط أول سنة احدى و مائتين ، و الفضل بن الربيع و قد ظهر من اختفائه من لدن الأمين . و جاء عيسى بن محمد بن أبي خالد من الرقة من عند طاهر ، فاجتمع هو و أبوه على قتال الحسن و هزموا كل من تعرض للقائهم من أصحابه . و كان زهير بن المسيب عاملا للحسن على جوخى من السواد و كان يكاتب بغداد فركب إليه محمد بن أبي خالد و أخذه أسيراً و انتهب ماله و حبسه ببغداد عند ابنه جعفر . ثم تقدم إلى واسط و بعثه ابنه هرون إلى النيل فهزم نائب الحسن بها إلى الكوفة فلحق بواسط و رجع هرون إلى أبيه و تقدم نحو واسط فسار الحسن عنها . و أقام الفضل بن الربيع مختفياً بها و استأمن لمحمد و بعثه إلى بغداد . و سار إلى الحسن على البقية عساكر الحسن و قواده ، و انهزم محمد و أصحابه و تبعهم الحسن إلى تمام الصلح ، ثم لحقوا بجرجايا . و وجه محمد ابن ابنه هرون إلى فأقام بها و سار محمد ابن ابنه أبورتيل و هو جريح إلى بغداد فمات بها و دفن في داره سراً . و محمد أبو رتيل إلى زهير بن المسيب فقتله من ليلته . و قام خزيمة بن خازم بأمر بغداد ، و بعث إلى عيسى بن محمد بأن يتولى حرب الحسن مكان أبيه ، و بلغ الحسن موت محمد فبعث عسكره إلى هرون بالنيل فغلبوا و انتهبوها ، و لحق هرون بالمدائن . ثم اجتمع أهل بغداد و أرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد و العراق انحرافاً عن الحسن ابن سهل . و قيل إن الحسن لما ساعد أهل بغداد عيسى بن محمد بن أبي خالد على حربه خام عنه فلاطفه و وعده بالمصاهرة و مائة ألف دينار و الأمان له و لأهل بيته و لأهل بغداد و ولاية النواحي ، فقبل و طلب المأمون بذلك ، و كتب إلى أهل بغداد إني شغلت بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلاً من بني هاشم ، فولوا المنصور بن المهدي و أحصى عيسى أهل عسكره فكانوا مائةألف و خمسة و عشرين ألفاً . و بعث منصور غسان بن الفرج إلى ناحية الكوفة فغزاه حميد الطوسي من قواد الحسن بن سهل و أخذ أسيراً و نزل النيل . فبعث منصور بن محمد يقطين في العساكر إلى حميد فلقيه حميد بكونا فهزمه و قتل من أصحابه و نهب ما حول كوثا و رجع إلى النيل و أقام ابن يقطين بصرصر .
أمر المطوعة
و لما كثر الهرج ببغداد و امتدت أيدي الدعاوى باذايه الناس في أموالهم و أفشى المناكير فيهم و تعذر ذلك ، فخرجوا إلى القرى فانتهوها . و استعدى الناس أهل الأمر فلم يغدوا عليهم فتمشى الصلحاء من عمل ريظ و كل بينهم و رأوا أنهم في كل درب قليلون بالنسبة إلى خيارهم فاعتزموا على مدافعتهم و اشتد خالد المدريوش من أهل ، بغداد فدعا جيرانه و أهل محلته إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من غير أن يغيروا على السلطان . فشد على من كان عندهم من أدعار و حبسهم و رفعهم إلى السلطان و تعدى ذلك إلى غير محلته . ثم قام بعده سهل بن سلامة الأنصاري من الحريشية من أهل خراسان و يكنى أبا حاتم فدعا إلى مثل ذلك و إلى العمل بالكتاب و السنة و علق في عنقه مصحفاً و عبر على العامة و على أهل الدولة فبايعوه على ذلك و على قتال من خالف . و بلغ خبرهما إلى منصور بن المهدي و عيسى بن محمد بن أبي خالد فنكروا ذلك لأن أكثر الدعار كانوا يشايعونهم على أمرهم ، فدخلوا بغداد بعد أن عقد عليه الصلح مع الحسن بن سهل على الأمان له و لأهل بغداد ، و انتظروا كتاب المأمون و رضي أهل البلد بذلك ، فسهل عليهم أمر المدريوش و سهل .
العهد لعلي الرضا و البيعة لإبراهيم بن مهدي
و لما بلغ أهل بغداد أن المأمون قد بايع بالعهد لعلي بن موسى الكاظم و لقبه الرضا من آل محمد ، و أمر الجند بطرح السواد و لبس الخضرة ، و كتب بذلك إلى الآفاق ، و كتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد ببغداد يعلمه بذلك في رمضان من سنة احدى و مائتين ، و أمره أن يأخذ من عنده من الجند و بني هاشم بذلك ، فأجاب بعض و امتنع بعض ، و كبر عليهم إخراج الخلافة من بني العباس . و تولى كبر ذلك منصور و إبراهيم ابنا المهدي و شايعهم عليه المطلب بن عبد الله بن مالك و السدي و نصر الوصيف و صالح صاحب المصلى و منعوا يوم الجمعة من نادى في الناس بخلع المأمون و البيعة لإبراهيم بن المهدي و من بعده لإسحق بن الهادي . ثم بايعوه في المحرم سنة اثنتين و مائتين و لقبوه المبارك و وعد الجند بأرزاق ستة أشهر ، و استولى على الكوفة و السواد ، و خرج فعسكر بالمدائن و ولى بها على الجانب الغربي العباس بن الهادي ، و على الجانب الشرقي إسحق بن الهادي . و كان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملاً للحسن بن سهل ، و معه القواد سعيد بن الساحور و أبو البط و غسان بن الفرج و محمد بن إبراهيم بن الأغلب كانوا منحرفين عن حميد فداخلوا إبراهيم بن الهادي في أن يهلكوه في قصر ابن هبيرة و شعر بذلك الحسن بن سهل فاستقدم حميداً و خلا لهم الجو منه فبعث إبراهيم بن المهدي عيسى ابن محمد بن أبي خالد و ملك قصر ابن هبيرة و انتهب عسكر حميد و لحق به ابنه بجوارية . ثم عاد إلى الكوفة فاستعمل عليها العباس بن موسى الكاظم و أمره أن يدعو لأخيه فامتنع غلاة الشيعة من إجابته و قالوا : لا حاجة لنا بذكر المأمون و قعدوا عنه و بعث إبراهيم بن المهدي من القواد سعيداً و أبا البط لقتاله ، فسرح إليهم العباس بن عمه و هو علي بن محمد الديباجة فانهزم ، و نزل سعيد و أبو البط الحيرة ثم تقدموا لقتال أهل الكوفة ، و قاتلهم شيعة بني العباس و مواليهم . ثم سألوا الأمان للعباس و خرجوا من داره . ثم قاتل أصحابه أصحاب سعيد فهزموهم و أحرقوا دور عيسى بن موسى ، و بلغ الخبر إلى سعيد بالحيرة بأن العباس قد نقض و رجع عن الأمان فركب و جاء إلى الكوفة و قتل من ظفر به و لقيه أهل فاعتذروا إليه بأن هذا فعل الغوغاء ، و أن العباس باق على عهده . و دخل سعيد و أبو البط و نادوا بالأمان و ولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي ، ثم عزلوه و ولوا مكانه غسان بن الفرج فقتل أخا السرايا . ثم عزلوه و ولوا الهول ابن أخي سعيد القائد و قدم حميد بن عبد الحميد لحربهم بالكوفة ، فهرب الهول و بعث إبراهيم بن المهدي بن عيسى بن محمد بن أبي خالد لحصار الحسن بواسط على طريق النيل و كان الحسن متحصناً بالمدينة ، فسرح أصحابه لقتالهم فانهزموا و غنم عسكرهم ، و رجع عيسى إلى بغداد فقاتل سهل بن سلامة المطوع حتى غلبه على منزله فاختفى في غمار النظار و أخذوه بعد ليال و أتوا به إسحق فقال : كل ما كنت أدعو إليه باطل فقالوا : أخرج فأعلم الناس بذلك فخرج و قال : قد كنت أدعوكم إلى الكتاب و السنة و لم أزل على ذلك فضربوه و قيدوه و بعثوا به إلى إبراهيم المهدي فضربه و حبسه ، و ظهر أنه قتل في محبسه خفية لسنة من قيامه . ثم أطلقه فاختفى إلى أن انقرض أمر إبراهيم . و زحف حميد بن عبد الحميد سنة ثلاث و مائتين إلى قتال إبراهيم بن المهدي و أصحابه و كان عيسى بن محمد بن أبي خالد هو المتولى بأمر إبراهيم ، فداخلهم في الغدر بإبراهيم و صار يتعلل عليه في المدافعة عنه ، و نمي ذلك إلى إبراهيم بن هرون أخي عيسى فتنكر له ، و نادى عيسى في الناس بمسالمة حميد فاستدعاه إبراهيم و عاتبه بذلك فأنكر و اعتذر ، فأمر به فضرب و حبس عدة من قواده و أفلت العباس خليفته ، فمشى بعض الناس إلى بعض و وافقوا العباس على خلع إبراهيم و طردوا عامله من الجسر و الكرخ . و ثار الرعاع و الغوغاء . و كتب العباس إلى حميد يستقدمه ليسلم إليه بغداد و نزل صرصر و خرج إليه العباس و القواد و تواعدوا لخلع إبراهيم على أن يدفع لهم العطاء . و بلغ الخبر إلى إبراهيم فأخرج عيسى و إخوته ، و سأله قتال حميد فامتنع .و دخل حميد فصلى الجمعة و خطب للمأمون و شرع في العطاء ثم قطعه عنهم فغضب الجند . و عاود إبراهيم سؤال عيسى في قتال حميد فقاتل قليلاً ، ثم استأسر لهم و انفض العسكر راجعين إلى إبراهيم . و ارتحل حميد فنزل في وسط المدينة و تسلل أصحاب إبراهيم إلى المدائن فملكوها و قاتل بقيتهم حميد ، و كان الفضل بن الربيع مع إبراهيم فتحول إلى حميد و كاتب المطلب بن عبد الله بن مالك بأن يسلموه إليه . و كان سعيد بن الساحور و البط و غيرهم من القواد يكاتبون علي بن هشام بمثل ذلك . و لما علم إبراهيم بما اجتمعوا عليه أقبل على مداراتهم إلى أن جن الليل . ثم تسرب في البلد و اختفى منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث ، و بلغ الخبر إلى حميد و علي بن هشام ، فأقبلوا إلى دار إبراهيم فلم يجدوه ، و ذلك لسنتين من بيعته . و أقام علي بن هشام على شرقي بغداد و حميد على غربيها و أظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقربه حميد و وصله .
قدوم المأمون إلى العراق
لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل و نفور الناس من اسبداده و أخيه على المأمون ثم من العهد لعلي الرضا بن موسى الكاظم و إخراج الخلافة من بني العباس ، و كان الفضل بن سهل يطوي ذلك عن المأمون و يبالغ في إخفائه حذراً من أن يتغير رأي المأمون فيه و في أخيه . و لما جاء هرثمة للمأمون و علم أنه يخبره بذلك و أن المأمون يثق بقوله ، أحكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغير له فقتله ولم يصغ إلى كلامه ، فازدادت نفرة الشيعة و أهل بغداد و كثرت الفتن و تحدث و القواد في في عسكر المأمون بذلك ، ولم يقدروا على إبلاغه ، فجاؤا إلى عين الرضا و سألوه إنهاء ذلك إلى المأمون ، فأخبره بما في العراق من الفتنة و القتال ، و أنهم بايعوا إبراهيم بن المهدي فقال المأمون : إنما جعلوه أميراً يقوم بأمرهم ! فقال : ليس كذلك و إن الحرب الآن قائمة بين ابن سهل و بينه ، و إن الناس ينقمون عليك مكان الفضل و الحسن و مكاني و عهدك لي ، فقال له المأمون : و من يعلم هذا غيرك ؟ فقال يحيى بن معاذ و عبد العزيز ابن عمران و غيرهما من وجوه قوادك . فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا ، و أن الناس بالعراق يتهمونه بالرفض لعهده لعلي الرضا و أن طاهر ابن الحسين مع علم أمير المؤمنين ببلائه قد دفع إلى الرقة و ضعف أمره ، و البلاد تفتقت من كل جانب ، و إن لم يتدارك الأمر ذهبت الخلافة منهم . فاستيقن المأمون ذلك و أمر بالرحيل و استحلف على خراسان غسان بن عباد و هو ابن عم الفضل بن سهل ، و علم الفضل بن سهل بذلك فشرع في عقاب أولئك القواد فلم يغنه . و لما نزل المأمون شرحبيل وثب بالفضل أربعة نفر فقتلوه في الحمام و هربوا ، و جعل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
المأمون جعلاً لمن جاء بهم ، فجاء بهم العباس بن الهيثم الدينوري . فلما حضروا عند المأمون قالوا له : أنت أمرتنا بقتله ! و قيل بل اختلفوا في القول فقال بعضهم : أمرنا بقتله ابن أخيه ، و قال آخرون بل عبد العزيز بن عمران من القواد و علي و موسى و غيرهم ، و أنكر آخرون . فأمر المأمون بقتلهم و قتل من أقروا عليه من القواد ، و بعث إلى الحسن بن سهل و سار إلى العراق . و جاءه الخبر بأن الحسن بن سهل أصابته الماليخوليا و اختلط فبعث ديناراً مولاه و وكله بأمور العسكر و كان إبراهيم بن المهدي و عيسى بالمدائن و أبو البط و سعيد بالنيل و الحرب متصلة بينهم . و المطلب بن عبد الله بن مالك قد اعتل بالمدائن فرجع إلى بغداد و جعل يدعو إلى المأمون سراً و إلى خلع إبراهيم و أن يكون منصور بن المهدي خليفة للمأمون و دخله في ذلك خزيمة بن خازم و غيره من القواد . و كتب إلى علي بن هشام و حميد أن يتقدما فنزل حميد نهر صرصر و علي النهروان ، و عاد إبراهيم بن المهدي من المدائن إلى بغداد منتصف صفر ، و قبض على منصور و خزيمة و منع المطلب مواليه ، فأمر إبراهيم بنهب داره ولم يظفر ، و نزل حميد و علي بن هشام المدائن و أقاما بها . و زوج المأمون في طريقه إبنته من علي الرضا و بعث أخاه إبراهيم بن موسى الكاظم على الموسم ، و ولاه اليمن و كان به حمدوية بن علي ابن عيسى بن ماهان قد غلب عليه . و لما نزل المأمون مدينة طوس مات علي الرضا فجأة آخر صفر من سنة ثلاث من عنب أكله ، و بعث المأمون إلى الحسن بن سهل بذلك ، و إلى أهل بغداد و شيعتة يعتذر من عهده إليه ، و أنه قد مات و يدعوهم إلى الرجوع لطاعته . ثم سار إلى جرجان و أقام بها أشهراً و عقد على جرجان لرجاء بن أبي الضحاك قاعداً وراء النهر ، ثم عزله سنة أربع و عقد لغسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل على خراسان و جرجان و طبرستان و سجستان و كرمان و روبان و دهارير ، ثم عزله بطاهر كما نذكره . ثم سار إلى النهروان فلقيه أهل بيته و شيعته و القواد و وجوه الناس و كان قد كتب إلى طاهر أن يوافيه بها ، فجاء من الرقة و لقيه هنالك . و سار المأمون فدخل بغداد منتصف صفر من سنة أربعة فنزل الرصافة ثم نزل قصره بشاطيء دجلة ، و بقي القواد في العسكر و انقطعت الفتن و بقي الشيعة يتكلمون في لبس الخضرة ، و كان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأل حوائجه فأول شيء سأل لبس السواد فأجابه ، و قعد للناس و خلع عليه و عليهم الثياب السود و استقامت الأمور كانت الفتنة قد وقعت بالموصل بين بني شامة و بني ثعلبة و كان علي بن الحسن الهمداني متغلباً عليها في قومه فاستجارت ثعلبة بأخيه محمد فأمرهم بالخروج إلى البرية ففعلوا ، و تبعهم بنو شامة في ألف رجل و حاصروهم بالقوجاء و معهم بنو ثعلب ،و بعث علي و محمد إليهم بالمدد فقتلوا جماعة من بني شامة و أسروا منهم ، و من بني ثعلب ، فجاء أحمد بن عمر بن الخطاب الثعلبي إلى علي فوادعه و سكنت الفتنة . ثم إن علي بن الحسين سطا بمن كان في الموصل من الأزد عسفاً في الحكم عليهم ، و قال لهم يوماً : ألحقوا بعمان . فاجتمعت الأزد إلى السيد بن أنس كبيرهم و قاتلوه . و كان في تلك النواحي مهدي بن علوان من الخوارج فادخله علي ابن الحسين و بايعه و صلى بالناس ، و اشتدت الحرب . ثم كانت اصراً على علي و أصحابه و أخرجهم الأزد عن البلد إلى الحديثة ثم اتبعوهم فقتلوا علياً و أخاه أحمد في جماعة ، و لجأ محمد إلى بغداد و ملك السيد بن أنس و الأزد الموصل و خطب للمأمون . و لما قدم المأمون بغداد وفد عليه السيد بن أنس فشكاه محمد بن الحسين بن صالح و استعداءه عليه بقتل أخويه و قومه ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين ! أدخلوا الخارجي بلدك و أقاموه على منبرك و أبطلوا دعوتك فأهدر المأمون دماءهم .
ولاية طاهر على خراسان و وفاته
كان المأمون بعد وصوله إلى العراق قد ولى طاهر بن الحسين الجزيرة و الشرطة بجانبي بغداد و السواد ، و دخل عليه يوماً في خلوته فأذن له بالجلوس و بكى ففداه . فقال المأمون أبكي لأمر ذكره ذل و ستره حزن ، و لن يخلو أحد من شجن ، و قضى طاهر حديثه و انصرف . و كان حسين الخادم فدس إليه على يد كاتبه محمد بن هرون أن يسأل المأمون عن مكاتبته على ألف درهم و مثلها للكاتب ، و خلا حسين بالمأمون و سأله ففطن و قال له : إن الثناء مني ليس برخيص ، و المعروف عندي ليس بضائع فعيبي عن غير المأمون . فأجابه و ركب إلى المأمون و فاوضه في أمر خراسان و أنه يخشى عليها من الترك و أن غسان بن عباد ليس بكفء لها . فقال : لقد فكرت في ذلك فمن ترى يصلح لها ؟ قال : طاهر بن الحسين قال : هو خالع ، قال : أنا ضامنه . فاستدعاه و عقد له من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق من حلوان إلى خراسان ، و عسكر من يومه خارج بغداد و أقام شهراً تحمل إليه كل يوم عشرة آلاف ألف درهم عادة صاحب خراسان . و ولى المأمون مكانه بالجزيرة ابنه عبد الله ، و كان ينوب عن أبيه بالشرطة ، فحملها إلى ابن عمه إسحق بن إبراهيم بن مصعب و خرج إلى عمله و نزل الرقة لقتال نصر بن شيث . ثم سار طاهر إلى خراسان آخر ذي القعدة سنة خمس و مائتين . و قيل في سبب ولاية طاهر خراسان أن عبد الرحمن المطوع جمع جموعاً كثيرة بنيسابور لقتال الحرورية ، و لم يستأذن غسان بن عباد و هو الوالي على خراسان ، فخشي أن يكون ذلك من المأمون فاضطرب و تعصب له الحسن بن سهل . و خشي المأمون على خراسان فولى طاهراً و سار إلى خراسان فأقام بها إلى سنة سبع ، ثم اعتزم على الخلاف و خطب يوماً فأمسك عن الدعاء للمأمون و دعا بصلاح الأمة ، و كتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون بخلعه ، فدعا بأحمد بن أبي خالد فقال : أنت ضمنته ! فسر و ائتني به ثم جاء من الغد الخبر بموته فقال المأمون للبريد و نعم الحمدلله الذي قدمه و أخرنا ، و ولى طلحة من قبله و بعث إليه المأمون أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد إلى ما وراء النهر و افتتح أشر و سنة و أسر كاووس بن خالد حدد و ابنه الفضل ، و بعث بهما إلى المأمون و وهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم و عروضاً بألف و لمكاتبته خمسمائة ألف درهم . ثم خالف الحسين بن الحسين بن مصعب بكرمان فسار إليه أحمد بن أبي خالد و أتى به إلى المأمون فعفا عنه .
ولاية عبد الله بن طاهر الرقة و مصر و محاربته نصر بن شيث
و في سنة ست و مائتين بلغ الخبر بوفاة يحيى بن معاذ عامل الجزيرة ، و أنه استحلف ابنه أحمد ، فولى المأمون عبد الله بن طاهر مكانه و جعل له ما بين الرقة و مصر ، فأمره بحرب نصر بن شيث و قيل ولاه سنة خمس ، و قيل سنة سبع ، و استحلف على الشرطة ببغداد إسحق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب و هو ابن عمه ، و كتب إليه أبو طاهر كتاباً بالوصية جمع فيه محاسن الآداب و السياسة و مكارم الأخلاق ، و قد ذكرناه في مقدمة كتابنا ، فسار عبد الله بن طاهر لذلك و بعث الجيوش لحصار نصر ابن شيث بكيسوم في نواحي جانب ، ثم سار إليه بنفسه سنة تسع و مائتين ، و أخذ بمخنقه . فتوقف المأمون محمد بن جعفر العامري يدعوه إلى الطاعة ، فأجاب على شرط أن لا يحضر عنده . فتوقف المأمون و قال : ما باله ينفر مني ؟ فقال أبو جعفر : لما تقدم من ذنبه . فقال : أفتراه أعظم ذنباً من الفضل بن الربيع و قد أخذ جميع ما أوصى له به الرشيد من الأموال و السلاح و ذهب مع القواد إلى أخي ، و أسلمني و أفسد علي حتى كان ما كان ، و من عيسى بن أبي خالد و قد خالف علي ببلدي و أخرب داري ، بايع لإبراهيم دوني فقال اين جعفر : يا أمير المؤمنين هؤلاء لهم سوابق و دالة يبقون بها ، و نصر ليست له في دولتكم سابقة و إنما كان من جند بني أمية ، و أنا لا أجيب إلى هذا الشرط ، ولح نصر في الخلاف حتى جهده الحصار و استأمن فأمنه عبد الله بن طاهر و خرج إليه سنة عشرة و بعث به إلى المأمون و أخرب حصن كيسوم لخمس سنين من حصاره و رجع عبد الله بن طاهر إلى الرقة ثم قدم بغداد سنة احدى عشرة فتلقاه العباس بن المأمون و المعتصم و سائر الناس .
الظفر بابن عائشة و بإبراهيم بن المهدي
كان إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام و يعرف باب عائشة ممن تولى كبر البيعة لإبراهيم بن المهدي و معه إبراهيم بن الأغلب و مالك بن شاهين و كانوا قد اختفوا عند قدوم المأمون في نواحي بغداد . و لما وصل نصر بن شيث و خرجت النظارة أنفذوا للخروج في ذلك اليوم ثم غلبهم بعض الناس فأخذوا في صفر من سنة عشرة ، ثم ضربوا حتى أقروا على من كان معهم في الأمر فلم يعرض لهم المأمون و حبسهم فضاق عليهم المحبس و أرادوا أن ينقبوه ، فركب المأمون بنفسه و قتلهم و صلب ابن عائشة ثم صلى عليه و دفنه . ثم أخذ في هذه السنة إبراهيم بن المهدي و هو متنقب في زي إمرأة يمشي بين إمرأتين و استراب به بعض العسس و قال أين تردون في هذا الوقت ؟ فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت في يده فازداد ريبة و رفعهن إلى صاحب المسلحة ، و جاء بهن إلى صاحب الجسر فذهب به إلى المأمون ، و أحضره و الغل في عنقه و الملحبة على صدره ليراه بنو هاشم و الناس . ثم حبسه عند أحمد بن أبي خالد ، ثم أخرجه معه عندما سار الحسن بن سهل ليغنم الصلح ، فشفع فيه الحسن و قيل ابنته بوران ، و قيل إن إبراهيم لما أخذ حمل إلى دار المعتصم و كان عند المأمون فأدخله عليه و أنبه فيما كان منه . و اعتذر بمنظوم من الكلام و منثور أتى فيه من وراء الغاية و هو منقول في كتب التاريخ فلا نطيل بنقله .
انتقاض مصر و الإسكندرية
كان السري بن محمد بن الحكم والياً على مصر و توفي سنة خمس و مائتين ، و بقي ابنه عبد الله ، فانتقض و خلع الطاعة و أنزل بالإسكندرية جالية من الأندلس أخرجهم الحكم بن هشام من ربضي قرطبة و غر بهم إلى المشرق . و لما نزلوا بالإسكندرية ثاروا و ملكوها و ولوا عليهم أبا حفص عمر البلوطي . و فشل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شيث ، فلما فرغ منه ثار من الشام إليهم ، و قدم قائداً من قواده و لقيه ابن السري و قاتله و أغذ ابن طاهر المسير فلحقهم و هم في القتال ، و انهزم ابن السري إلى مصر و حاصره عبد الله بن طاهر حتى نزل على الأمان ، و ذلك سنة عشرة . ثم بعث إلى الجالية الذين ملكوا الإسكندرية بالحرب ، فسألوه الأمان على أن يرتحلوا إلى بعض الجزائر في بحر الروم مما يلي الإسكندرية ففعل . نزلوا جزيرة أقريطش و استوطنوها و أقامت في مملكة المسلمين من أعقابهم دهراً إلى أن غلب عليها الإفرنجة .
العمال بالنواحي
لما استقر المأمون ببغداد و سكن الهيج و ذلك سنة أربع ، ولى على الكوفة أخاه أبا عيسى ، و على البصرة أخاه صالحاً ، و على الحرمين عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، و على الموصل السيد بن أنس الأزدي ، و ولى على الشرطة ببغداد و معاون السواد طاهر بن الحسن استقدمه من الرقة ، و كان الحسن بن سهل ولاه عليها فقدم و استخلف ابنه عبد الله عليها . ثم ولاه المأمون سنة خمس خراسان و أعمال المشرق كلها و استقدم ابنه عبد الله فجعله على الشرطة ببغداد مكان أبيه . و ولى يحيى بن معاذ على الجزيرة و عيسى بن محمد بن أبي خالد على أرمينية و أذربيجان و محاربة بابك .و مات عامل مصر السري بن محمد بن الحكم فولى ابنه عبيد الله مكانه . و مات داود بن يزيد عامل السند فولى بشر بن داود مكانه على أن يحمل ألف ألف درهم كل سنة . ثم مات يحيى بن معاذ سنة و استخلف ابنه أحمد فعزله المأمون و ولى مكانه عبد الله بن طاهر و ضاف إليه مصر ، و سيره لمحاربة نصر بن شيث و ولى عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزط سنة خمس ، ثم عزله سنة ست و ولى داود بن منحور مع أعمال البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين ، و ولى في سنة سبع محمد بن حفص على طبرستان و الرويان و دنباوند . و فيها أوقع السيد بن أنس بجماعة من عرب بني شيبان و وديعة بما فشا من إفسادهم في البلاد ، فكبسهم بالدسكرة و استباحهم بالقتل و النهب . و في سنة تسع ولى صدقة بن علي و يعرف بزريق على أرمينية و أذربيجان و أمره بمحاربة بابك ، و قام بأمره أحمد بن الجنيد الاسكافي فأسره بابك ، فولى إبراهيم بن الليث بن الفضل أذربيجان . و كان على جبال طبرستان شهريار بن شروين فمات سنة عشر و قام مكانه ابنه سابور ، فقتله مازيار بن قارن في حرب أسره فيها و ملك جبال طبرستان و في سنة احدى عشرة قتل زريق بن علي بن صدقة الأزدي السيد بن أنس صاحب الموصل ، و قد كان زريق تغلب على الجبال ما بين الموصل و أذربيجان و ولاه المأمون عليها ، فجمع و قصد الموصل لحرب السيد فخرج إليه أربعة آلاف فاشتد القتال بينهم و قتل السيد في المعركة فغضب المأمون لقتله ، و ولى محمد بن حميد الطوسي على الموصل و أمره بحرب زريق و بابك الخرمي فسار إلى الموصل و استولى عليها سنة اثنتي عشرة . و مات موسى بن حفص عامل طبرستان فولى المأمون مكانه ابنه ، و ولى حاجب بن صالح على الهند فوقعت بينه و بين بشر بن داود صاحب السند حرب . و انهزم بشر إلى كرمان ثم قتل محمد بن حميد الطوسي سنة أربع عشرة قتله بابك الخرمي و ذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين بالموصل سار إلى بابك في العساكر الكاملة الحشد و تجاوز إليه المضايق و وكل بحفظها حتى انتهى إلى الجبل ، فصعد و قد أكمن بابك الرجال في الشعراء فلما جال ثلاثة فراسخ خرجت عليهم الكمائن فانهزموا و ثبت محمد بن حميد حتى إذا لم يبق معه إلا رجل واحد فتسلل يطلب النجاة فعثر في جماعة من الحربية يقاتلون طائفة من أصحابه فقصدوه و قتلوه ، و عظم ذلك على المأمون و استعمل عبد الله بن طاهر على خراسان لأنه كان بلغه أن أخاه طلحة بن طاهر مات و قام علي أخوه مكانه خليفة لعبد الله ، و عبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك فولى على نيسابور محمد بن حميد فكثر عيث الخوارج بخراسان فأمره المأمون بالمسير إليها فسار و نزل نيسابور و سأل عن سيرة محمد بن حميد فسكتوا فعزله لسكوتهم و في سنة اثنتي عشرة خلع أحمد بن محمد العمري ، يعرف بالأحمر العين باليمن ، فولى المأمون ابنه العباس على الجزيرة و الثغور و العواصم و أخاه أبا إسحق
ولاية طاهر على خراسان و وفاته
كان المأمون بعد وصوله إلى العراق قد ولى طاهر بن الحسين الجزيرة و الشرطة بجانبي بغداد و السواد ، و دخل عليه يوماً في خلوته فأذن له بالجلوس و بكى ففداه . فقال المأمون أبكي لأمر ذكره ذل و ستره حزن ، و لن يخلو أحد من شجن ، و قضى طاهر حديثه و انصرف . و كان حسين الخادم فدس إليه على يد كاتبه محمد بن هرون أن يسأل المأمون عن مكاتبته على ألف درهم و مثلها للكاتب ، و خلا حسين بالمأمون و سأله ففطن و قال له : إن الثناء مني ليس برخيص ، و المعروف عندي ليس بضائع فعيبي عن غير المأمون . فأجابه و ركب إلى المأمون و فاوضه في أمر خراسان و أنه يخشى عليها من الترك و أن غسان بن عباد ليس بكفء لها . فقال : لقد فكرت في ذلك فمن ترى يصلح لها ؟ قال : طاهر بن الحسين قال : هو خالع ، قال : أنا ضامنه . فاستدعاه و عقد له من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق من حلوان إلى خراسان ، و عسكر من يومه خارج بغداد و أقام شهراً تحمل إليه كل يوم عشرة آلاف ألف درهم عادة صاحب خراسان . و ولى المأمون مكانه بالجزيرة ابنه عبد الله ، و كان ينوب عن أبيه بالشرطة ، فحملها إلى ابن عمه إسحق بن إبراهيم بن مصعب و خرج إلى عمله و نزل الرقة لقتال نصر بن شيث . ثم سار طاهر إلى خراسان آخر ذي القعدة سنة خمس و مائتين . و قيل في سبب ولاية طاهر خراسان أن عبد الرحمن المطوع جمع جموعاً كثيرة بنيسابور لقتال الحرورية ، و لم يستأذن غسان بن عباد و هو الوالي على خراسان ، فخشي أن يكون ذلك من المأمون فاضطرب و تعصب له الحسن بن سهل . و خشي المأمون على خراسان فولى طاهراً و سار إلى خراسان فأقام بها إلى سنة سبع ، ثم اعتزم على الخلاف و خطب يوماً فأمسك عن الدعاء للمأمون و دعا بصلاح الأمة ، و كتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون بخلعه ، فدعا بأحمد بن أبي خالد فقال : أنت ضمنته ! فسر و ائتني به ثم جاء من الغد الخبر بموته فقال المأمون للبريد و نعم الحمدلله الذي قدمه و أخرنا ، و ولى طلحة من قبله و بعث إليه المأمون أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد إلى ما وراء النهر و افتتح أشر و سنة و أسر كاووس بن خالد حدد و ابنه الفضل ، و بعث بهما إلى المأمون و وهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم و عروضاً بألف و لمكاتبته خمسمائة ألف درهم . ثم خالف الحسين بن الحسين بن مصعب بكرمان فسار إليه أحمد بن أبي خالد و أتى به إلى المأمون فعفا عنه .
ولاية عبد الله بن طاهر الرقة و مصر و محاربته نصر بن شيث
و في سنة ست و مائتين بلغ الخبر بوفاة يحيى بن معاذ عامل الجزيرة ، و أنه استحلف ابنه أحمد ، فولى المأمون عبد الله بن طاهر مكانه و جعل له ما بين الرقة و مصر ، فأمره بحرب نصر بن شيث و قيل ولاه سنة خمس ، و قيل سنة سبع ، و استحلف على الشرطة ببغداد إسحق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب و هو ابن عمه ، و كتب إليه أبو طاهر كتاباً بالوصية جمع فيه محاسن الآداب و السياسة و مكارم الأخلاق ، و قد ذكرناه في مقدمة كتابنا ، فسار عبد الله بن طاهر لذلك و بعث الجيوش لحصار نصر ابن شيث بكيسوم في نواحي جانب ، ثم سار إليه بنفسه سنة تسع و مائتين ، و أخذ بمخنقه . فتوقف المأمون محمد بن جعفر العامري يدعوه إلى الطاعة ، فأجاب على شرط أن لا يحضر عنده . فتوقف المأمون و قال : ما باله ينفر مني ؟ فقال أبو جعفر : لما تقدم من ذنبه . فقال : أفتراه أعظم ذنباً من الفضل بن الربيع و قد أخذ جميع ما أوصى له به الرشيد من الأموال و السلاح و ذهب مع القواد إلى أخي ، و أسلمني و أفسد علي حتى كان ما كان ، و من عيسى بن أبي خالد و قد خالف علي ببلدي و أخرب داري ، بايع لإبراهيم دوني فقال اين جعفر : يا أمير المؤمنين هؤلاء لهم سوابق و دالة يبقون بها ، و نصر ليست له في دولتكم سابقة و إنما كان من جند بني أمية ، و أنا لا أجيب إلى هذا الشرط ، ولح نصر في الخلاف حتى جهده الحصار و استأمن فأمنه عبد الله بن طاهر و خرج إليه سنة عشرة و بعث به إلى المأمون و أخرب حصن كيسوم لخمس سنين من حصاره و رجع عبد الله بن طاهر إلى الرقة ثم قدم بغداد سنة احدى عشرة فتلقاه العباس بن المأمون و المعتصم و سائر الناس .
الظفر بابن عائشة و بإبراهيم بن المهدي
كان إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام و يعرف باب عائشة ممن تولى كبر البيعة لإبراهيم بن المهدي و معه إبراهيم بن الأغلب و مالك بن شاهين و كانوا قد اختفوا عند قدوم المأمون في نواحي بغداد . و لما وصل نصر بن شيث و خرجت النظارة أنفذوا للخروج في ذلك اليوم ثم غلبهم بعض الناس فأخذوا في صفر من سنة عشرة ، ثم ضربوا حتى أقروا على من كان معهم في الأمر فلم يعرض لهم المأمون و حبسهم فضاق عليهم المحبس و أرادوا أن ينقبوه ، فركب المأمون بنفسه و قتلهم و صلب ابن عائشة ثم صلى عليه و دفنه . ثم أخذ في هذه السنة إبراهيم بن المهدي و هو متنقب في زي إمرأة يمشي بين إمرأتين و استراب به بعض العسس و قال أين تردون في هذا الوقت ؟ فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت في يده فازداد ريبة و رفعهن إلى صاحب المسلحة ، و جاء بهن إلى صاحب الجسر فذهب به إلى المأمون ، و أحضره و الغل في عنقه و الملحبة على صدره ليراه بنو هاشم و الناس . ثم حبسه عند أحمد بن أبي خالد ، ثم أخرجه معه عندما سار الحسن بن سهل ليغنم الصلح ، فشفع فيه الحسن و قيل ابنته بوران ، و قيل إن إبراهيم لما أخذ حمل إلى دار المعتصم و كان عند المأمون فأدخله عليه و أنبه فيما كان منه . و اعتذر بمنظوم من الكلام و منثور أتى فيه من وراء الغاية و هو منقول في كتب التاريخ فلا نطيل بنقله .
انتقاض مصر و الإسكندرية
كان السري بن محمد بن الحكم والياً على مصر و توفي سنة خمس و مائتين ، و بقي ابنه عبد الله ، فانتقض و خلع الطاعة و أنزل بالإسكندرية جالية من الأندلس أخرجهم الحكم بن هشام من ربضي قرطبة و غر بهم إلى المشرق . و لما نزلوا بالإسكندرية ثاروا و ملكوها و ولوا عليهم أبا حفص عمر البلوطي . و فشل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شيث ، فلما فرغ منه ثار من الشام إليهم ، و قدم قائداً من قواده و لقيه ابن السري و قاتله و أغذ ابن طاهر المسير فلحقهم و هم في القتال ، و انهزم ابن السري إلى مصر و حاصره عبد الله بن طاهر حتى نزل على الأمان ، و ذلك سنة عشرة . ثم بعث إلى الجالية الذين ملكوا الإسكندرية بالحرب ، فسألوه الأمان على أن يرتحلوا إلى بعض الجزائر في بحر الروم مما يلي الإسكندرية ففعل . نزلوا جزيرة أقريطش و استوطنوها و أقامت في مملكة المسلمين من أعقابهم دهراً إلى أن غلب عليها الإفرنجة .
العمال بالنواحي
لما استقر المأمون ببغداد و سكن الهيج و ذلك سنة أربع ، ولى على الكوفة أخاه أبا عيسى ، و على البصرة أخاه صالحاً ، و على الحرمين عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، و على الموصل السيد بن أنس الأزدي ، و ولى على الشرطة ببغداد و معاون السواد طاهر بن الحسن استقدمه من الرقة ، و كان الحسن بن سهل ولاه عليها فقدم و استخلف ابنه عبد الله عليها . ثم ولاه المأمون سنة خمس خراسان و أعمال المشرق كلها و استقدم ابنه عبد الله فجعله على الشرطة ببغداد مكان أبيه . و ولى يحيى بن معاذ على الجزيرة و عيسى بن محمد بن أبي خالد على أرمينية و أذربيجان و محاربة بابك .و مات عامل مصر السري بن محمد بن الحكم فولى ابنه عبيد الله مكانه . و مات داود بن يزيد عامل السند فولى بشر بن داود مكانه على أن يحمل ألف ألف درهم كل سنة . ثم مات يحيى بن معاذ سنة و استخلف ابنه أحمد فعزله المأمون و ولى مكانه عبد الله بن طاهر و ضاف إليه مصر ، و سيره لمحاربة نصر بن شيث و ولى عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزط سنة خمس ، ثم عزله سنة ست و ولى داود بن منحور مع أعمال البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين ، و ولى في سنة سبع محمد بن حفص على طبرستان و الرويان و دنباوند . و فيها أوقع السيد بن أنس بجماعة من عرب بني شيبان و وديعة بما فشا من إفسادهم في البلاد ، فكبسهم بالدسكرة و استباحهم بالقتل و النهب . و في سنة تسع ولى صدقة بن علي و يعرف بزريق على أرمينية و أذربيجان و أمره بمحاربة بابك ، و قام بأمره أحمد بن الجنيد الاسكافي فأسره بابك ، فولى إبراهيم بن الليث بن الفضل أذربيجان . و كان على جبال طبرستان شهريار بن شروين فمات سنة عشر و قام مكانه ابنه سابور ، فقتله مازيار بن قارن في حرب أسره فيها و ملك جبال طبرستان و في سنة احدى عشرة قتل زريق بن علي بن صدقة الأزدي السيد بن أنس صاحب الموصل ، و قد كان زريق تغلب على الجبال ما بين الموصل و أذربيجان و ولاه المأمون عليها ، فجمع و قصد الموصل لحرب السيد فخرج إليه أربعة آلاف فاشتد القتال بينهم و قتل السيد في المعركة فغضب المأمون لقتله ، و ولى محمد بن حميد الطوسي على الموصل و أمره بحرب زريق و بابك الخرمي فسار إلى الموصل و استولى عليها سنة اثنتي عشرة . و مات موسى بن حفص عامل طبرستان فولى المأمون مكانه ابنه ، و ولى حاجب بن صالح على الهند فوقعت بينه و بين بشر بن داود صاحب السند حرب . و انهزم بشر إلى كرمان ثم قتل محمد بن حميد الطوسي سنة أربع عشرة قتله بابك الخرمي و ذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين بالموصل سار إلى بابك في العساكر الكاملة الحشد و تجاوز إليه المضايق و وكل بحفظها حتى انتهى إلى الجبل ، فصعد و قد أكمن بابك الرجال في الشعراء فلما جال ثلاثة فراسخ خرجت عليهم الكمائن فانهزموا و ثبت محمد بن حميد حتى إذا لم يبق معه إلا رجل واحد فتسلل يطلب النجاة فعثر في جماعة من الحربية يقاتلون طائفة من أصحابه فقصدوه و قتلوه ، و عظم ذلك على المأمون و استعمل عبد الله بن طاهر على خراسان لأنه كان بلغه أن أخاه طلحة بن طاهر مات و قام علي أخوه مكانه خليفة لعبد الله ، و عبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك فولى على نيسابور محمد بن حميد فكثر عيث الخوارج بخراسان فأمره المأمون بالمسير إليها فسار و نزل نيسابور و سأل عن سيرة محمد بن حميد فسكتوا فعزله لسكوتهم و في سنة اثنتي عشرة خلع أحمد بن محمد العمري ، يعرف بالأحمر العين باليمن ، فولى المأمون ابنه العباس على الجزيرة و الثغور و العواصم و أخاه أبا إسحق
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
المعتصم على الشام و مصر و سير عبد الله بن طاهر إلى خراسان و أعطى لكل واحد منهم خمسمائة ألف درهم ، و بعث المعتصم أبا عميرة الباذغيسى عاملاً على مصر فوثب به جماعة من القيسية و اليمانية فقتلوه سنة أربع عشرة ، فسار المعتصم إلى مصر فقاتلهم و افتتح مصر و ولى عليها و استقامت الأمور . و في سنة ثلاث عشرة ولي المأمون غسان بن عباس على السند لما بلغته خلاف بشر بن داود . و في سنة أربع عشرة استقدم المأمون أبا دلف و كان بالكرخ من نواحي همدان منذ سار مع عيسى بن ماهان لحرب طاهر ، و قتل عيسى فعاد إلى همذان و راسله طاهر يدعوه إلى البيعة فامتنع . و قال له و لا أكون مع أحد و أقام بالكرخ . فلما خرج المأمون إلى الري أرسل إليه يدعوه فسار نحوه وجلاً بعد أن أغرى عليه أصحابه الإمتناع . و في سنة أربع عشرة قتل باليمن . و فيها ولى المأمون علي بن هشام الجبل و قم و أصبهان و أذربيجان و خلع أهل قم و كانوا سألوا الحطيطة من خراجهم و هو ألف ألف درهم لأن المأمون لما جاء من العراق أقام بالري أياماً و خفف عنهم من الخراج فطمع أهل قم في مثلها فأبى فامتنعوا من الاداء فسرح إليهم علي بن هشام و عجيف بن عنبسة و ظفروا بهم و قتلوا يحيى بن عمران و هدموا سورها و جبوها على سبعة آلاف ألف . و في سنة ست عشرة ظهر عبدوس الفهري بمصر و قتل بعض عمال المعتصم ، فسار المأمون إلى مصر و أصلحها و أتى بعبدوس فقتله و قدم من برقة و أقام بمصر و فيها غضب المأمون على علي بن هشام و وجه عجيفاً و أحمد بن هشام لقبض أمواله و سلامه لما بلغه من عسفه و ظلمه و أراد قتل عجيف و اللحاق ببابك فلم يقدر و ظفر به عجيف و جاء به إلى المأمون فأمر بقتله و طيف برأسه في الشام و العراق و خراسان و مصر ثم ألقي في البحر . و قدم غسان بن عباد من السند و معه بشر بن داود مستأمناً ، فولى على السند عمران بن موسى العكي و هرب جعفر بن داود القمي إلى قم فخلع و كان محبوساً بمصر منذ عزله المأمون عن قم فهرب الآن و خلع فغلبه علي بن عيسى القمي و بعث به إلى المأمون فقتل .
الصوائف
و في سنة مائتين قتل الروم ملكهم إليون لسبع سنين و نصف من ملكه ، و أعادوا ميخاييل بن جرجس المخلوع ، و بقي عليهم تسع سنين . ثم مات سنة خمس عشرة و ملك ابنه نوفل و فتح عبد الله بن حرداويه والي طبرستان البلاد و السيرن من بلاد الديلم و افتتح جبال طبرستان ، و أنزل شهريار بن شروين عنها و أشخص مازيار بن قارن إلى المأمون و أسرا باليل ملك الديلم و ذلك سنة احدى و مائتين . و فيها ظهر بابك الخرمي في الجاوندانية أصحاب جاوندان سهل ، و تفسيره الدائم الباقي و تفسير خرم فرح ، و كانوا يعتقدون مذاهب المجوس ، و في سنة أربع عشرة خرج أبو بلال الصابي الشاري ، فسرح إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد و قتلوه . و في سنة خمس عشرة دخل المأمون بلاد الروم بالصائفة و سار عن بغداد في المحرم و استخلف عليها إسحق بن إبراهيم بن مصعب و هو ابن عم طاهر ، و ولاه السواد و حلوان و كور دجلة ، و لما وصل تكريت لقيه محمد بن علي الرضا فأجازه و زف إليه ابنته أم الفضل ، و سار إلى المدينة فأقام بها و سار المأمون على الموصل إلى منبج ثم دابق ، ثم أنطاكية ثم المصيصة و طرطوس . و دخل من هناك فافتتح حصن قرة عنوة و هدمه . و قيل بل فتحه على الأمان ، و فتح حصن ماجد كذلك . و بعثه أشناس إلى حصن سدس ، و دخل ابنه العباس ملطية و وجه المأمون عجيفاً و جعفر الخياط إلى حصن سنان فأطاع . و عاد المعتصم من مصر فلقي المأمون قبل الموصل ، و لقيه العباس ابنه برأس عين . و جاء المأمون منصرفه من العراق إلى دمشق ، ثم بلغه أن الروم أغاروا على طرطوس و المصيصة و أثخوا فيهم بالقتل . و كتب إليه ملك الروم فيه بنفسه فرجع إليهم و افتتح كثيراً من معاقلهم و أناخ على هرقلة حتى استأمنوا و صالحوه ، و بعث المعتصم فافتتح ثلاثين حصناً منها مطمورة ، و بعث يحيى بن أكثم فأثخن في البلاد و قتل و حرق و سبى . ثم رجع المأمون إلى كيسوم فأقام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق . و في سنة سبع عشرة رجع المأمون إلى بلاد الروم فأناخ على لؤلؤة فحاصرها مائة يوم ، ثم رحل عنها و خلف عجيفاً على حصارها . و جاء نوفل ملك الروم فأحاط به فبعث إليه المأمون بالمدد فارتحل نوفل و استأمن أهل لؤلؤة إلى عجيف ، و بعث نوفل في المهادنة و المأمون على سلوين فلم يجبه . ثم رجع المأمون سنة ثمان عشرة و بعث ابنه العباس إلى بناء طوانة فبنى بها ميلاً في ميل و دورها أربعة فراسخ ، و جعل لها أربعة أبواب و نقل إليها الناس من البلدان .
وفاة المأمون و بيعة المعتصم
ثم مرض المأمون على نهر البربرون و اشتد مرضه و دخل العراق و هو مريض فمات بطرسوس و صلى عليه المعتصم و ذلك لعشرين سنة من خلافته ، و عهد لابنه المعتصم و هو أبو إسحق محمد فبويع له بعد موته ، و ذلك منتصف رجب من سنة ثمان عشرة و مائتين . و شغب الجند و هتفوا باسم العباس بن المأمون فأحضره و بايع فسكتوا و خرب لوقته ما كان بناه من مدينة طوانة و أعاد الناس إلى بلادهم و حمل ما أطاق حمله من الآلة و أحرق الباقي .
ظهور صاحب الطالقان
و هو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين العابدين بن الحسين ، كان ملازماً للمسجد بالمدينة فلزمه شيطان من أهل خراسان و زين له أنه أحق بالأمامة ، و صار يأتيه بحجاج خراسان يبايعونه . ثم خرج به إلى الجوزجان و أخفاه و أقبل على الدعاء له ، ثم حمله على إظهار الدعوة للرضا من آل محمد على عادة الشيعة في هذا الإبهام كما قدمناه . و واقعة قواد عبد الله بن طاهر بخراسان المرة بعد المرة فهزموه و أصحابه ، و أخرج ناجياً بنفسه ومر بنسا ، فوشي به إلى العامل فقبض عليه و بعثه إلى عبد الله بن طاهر ، فبعثه إلى المعتصم منتصف ربيع أول سنة تسع عشرة ، فحبسه عند الخادم مسرور الكبير ، و وكل بحفظه فهرب من محبسه ليلة الفطر من سنته ولم يوقف له على خبر .
حرب الزط
و هم قوم من أخلاط الناس غلبوا على طريق البصرة و عاثوا فيها و أفسدوا البلاد و ولوا عليهم رجلاً منهم اسمه محمد بن عثمان ، و قام بأمره آخر منهم اسمه سماق . و بعث المعتصم لحربهم في هذه السنة عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة فسار إلى واسط و حاربهم ، فقتل منهم في معركة ثلثمائة و أسر خمسمائة ، ثم قتلهم و بعث برؤوسهم إلى باب المعتصم و أقام قبالتهم سبعة أشهر . ثم استأمنوا إليه في ذي الحجة آخر السنة و جاؤوا بأجمعهم في سبعة و عشرين ألفاً ، المقاتلة منهم اثنا عشر ألفاً فعباهم عجيف في السفن على هيئتهم في الحرب و دخل بهم بغداد في عاشوراء سنة عشرين ، و ركب المعتصم إلى الشماسة في سفينة حتى رآهم ، ثم غربهم إلى عين زربة فأغارت عليهم الروم فلم يفلت منهم أحد .
بناء سامرا
كان المعتصم قد اصطنع قوماً من أهل الحرف بمصر و سماهم المطاربة و قوماً من سمرقند و أشر و سنة و فرغاونة و سماهم الفرغانة و أكثر من صبيانهم ، و كانوا يركضون الدواب في الطرق و يختلفون بها ركضاً ، فيصدمون النساء و الصبيان فتتأذى العامة بهم ، و ربما انفرد بعضهم فقتلوه و تأذى الناس و نكروه و ربما اسمعوا النكير للمعتصم ، فعمد إلى بناء القاطون ، و كانت مدينة بناها الرشيد و لم يستتمها و خربت ، فجددها المعتصم و بناها سنة عشرين و سماها سر من رأى فرخمها الناس سامرا و سارت داراً لملكهم من لدن المعتصم و من بعده واستخلف ببغداد حتى انتقل إليها ابنه الواثق .
نكبة الفضل بن مروان
كان للمعتصم في ولاية أخيه كاتب يعرف بيحيى الجرمقابي ، و اتصل به الفضل بن مروان و هو من البردان ، و كان حسن الخط . فلما هلك الجرمقابي استكتبه المعتصم و سار معه إلى الشام فأثرى . و لما استخلف المعتصم استولى على هواه و استتبع الدواوين و احتجر الأموال ثم صار يرد أوامر المعتصم في العطايا و لا ينفذها ، و اختلفت فيه السعايات عند المعتصم و دسوا عليه عنده من ملأ مجلسه و مساخره من يعير المعتصم باستبداده عليه ورد أوامره فحقد له ذلك . ثم نكبه سنة عشرين و صادره و جميع أهل بيته ، و جعل مكانه محمد بن عبد الملك بن الزيات و غرب الفضل إلى بعض قرى الموصل قد تقدم لنا حديث بابك الخرمي محاربة بابك الخرمي و ظهوره سنة اثنتين و مائتين بدعوة جاوندان بن سهل ، و اتخذ مدينة البر لامتناعه و ولى المأمون حروبه ، فهزم عساكره و قتل جماعة من قواده و خرب الحصون فيما بين أردبيل و زنجان ، فلما ولي المعتصم بعث أبا سعيد محمد بن يوسف فبنى الحصون التي خربها و شحنها بالرجال و الأقوات ، و حفظ السابلة لجلب الميرة . و بينما هو في ذلك أغارت بعض سرايا بابك بتلك النواحي فخرج في طلبهم و استنفد ما أخذوه ، و قتل كثيراً و أسر أكثر ، و بعث بالرؤوس و الأسرى إلى المعتصم . و كان ابن البعيث أيضا في قلعة له حصينة من كور أذربيجان ملكها من يد ابن الرواد ، و كان يصانع بابك و يضيف سراياه إذا مروا به . و مر به في هذه الأيام قائده عصمة ، و أضافه على العادة ، ثم قبض عليه و قتل أصحابه و بعث به إلى المعتصم ، فسأله عن عورات بلاد بابك فدله عليها . ثم حبسه و عقد لقائده الأفشين حيدر بن كاوس على الجبال ، و وجهه لحرب بابك ، فسار إليها و نزل بساحتها و ضبط الطرقات ما بينه و بين أردبيل ، و أنزل قواده في العساكر مابينه و بين أردبيل يتلقون الميرو من أردبيل من واحد إلى الآخر حتى تصل عسكر الأفشين .و كان إذا وقع بيده أحد من جواسيس بابك يسأله عن إحسان بابك إليه فيضاعفه و يطلقه . ثم إن المعتصم بعث بغا الكبير بمدد الأفشين بالنفقات و سمع بابك فاعتزم على اعتراضه و أخبر الأفشين بذلك بعض جواسيسهم ، فكتب إلى بغا أن يرتحل من حصن النهر قيلاً ثم رجع إلى أردبيل ففعل ذلك . و جاءت الأخبار إلى بابك و ركب الأفشين في يوم مواعدته لبغا و اغذ المسير ، خرجت سرية بابك فلقيت قافلة النهر ولم يصادفوا بغا فيها فقتلوا من وجدوا فيها من الجند وفاتهم المال . و لقوا في طريقهم الهيثم من قواد الأفشين فهزموه و امتنع بحصنه ، و نزل بابك عليه يحاصره و إذا بالأفشين قد وصل ، فأوقع بهم و قتل الكثير من جنده ، نجا بابك إلى موقان و أرسل إلى عسكره في البر فلحقت به ، و خرج معهم من موقان إلى البذ . و لما رجع الأفشين إلى عسكره استمر على حصار بابك و انقطعت عنه الميرة من سائر النواحي ،و وجه صاحب مراغة إليه ميرة فلقيتها سرية من سرايا بابك فأخذوها ، ثم خلص إليه بغا بما معه من المال ففرقه في العساكر ، و أمر الأفشين قواده فتقدموا ليضيقوا الحصار على بابك في حصن البذ ، نزل على ستة أميال منه . و سار بغا الكبير حتى أحاط بقرية البذ و قاتلهم و قتلوا منهم جماعة فتأخر إلى خندق محمد بن حميد من القواد ، و بعث إلى الأفشين في المدد ، فبعث إليه أخاه الفضل و أحمد بن الخليل بن هشام و أبا خوس و صاحب شرطة الحسن بن سهل ، و أمره بمناجرتهم إلى حرب في يوم عينه له ، فركبوا في ذلك اليوم ، و قصدوا البذ و أصابهم برد شديد و مطر ، و قاتل الأفشين فغلب من بازائه من أصحاب بابك و اشتد عليهم المطر فنزلوا و اتخذ بغا دليلاً أشرف به على جبل يطل منه على الأفشين و نزل عليهم الثلج و الضباب فنزلوا منازلهم . و عمد بابك إلى الأفشين ففض معسكره و ضجر أصحاب بغا من مقامهم في رأس الجبل فارتحل بهم و لا يعلم ما تم على الأفشين ، و قصد حصن البذ فتعرف خبر الأفشين و رجع على غير الطريق الذي دخلوا منه لكثرة مضايقة و عقباته و تبعته طلائع بابك فلم يلتفت إليهم مسابقة للمضايق أمامه . و أجنهم الليل و خافوا على أثقالهم و أموالهم فعسكر بهم بغا من رأس جبل و قد تعبوا و فنيت أزوادهم و بيتهم بابك ففضهم و نهبوا ما كان معهم من المال و السلاح و نجوا إلى خندقهم الأول في أسفل الجبل و أقام بغا هنالك . و كان طرخان كبير قواد بابك قد استأذنه أن يشتوا بقرية في ناحية مراغة ، فأرسل الأفشين إلى بعض قواده بمراغة فأسرى إليه و قتله وبعث برأسه . و دخلت سنة اثنتين وعشرين فبعث المعتصم جعفر الخياط بالعساكر مدداً للأفشين ، و بعث إيتاخ بثلاثين ألف ألف درهم لنفقات الجند فأرسلها وعاد ، و رحل الأفشين لأول فصل الربيع ، و دنا من الحصن و خندق على نفسه . و جاءه الخبر بأن قائد بابك و اسمه أدين قد عسكر بازائه و بعث عياله إلى بعض حصون الجبل ، فبعث الأفشين بعض قوداه لاعتراضهم فسلكوا مضايق و تملقوا و أغاروا إلى أن لقوا العيال فأخذوهم و انصرفوا ، و بلغ الخبر أدين فركب لاعتراضهم و حاربهم و استنفذ بعض النساء . و علم بشأنهم الأفشين من علامات كان أمرهم بها إن رأى بهم ريباً فركب إليهم فلما أحسوا به فرجوا عن المضيق و نجا القوم ، و تقدم الأفشين قليلاً قليلاً إلى حصن البذ و كان يأمر الناس بالركوب ليلاً للحراسة خوف البيات فضجر الناس من التعب و ارتاد في رؤوس تلك الجبال أماكن يتحصن فيها الرجالة فوجد ثلاثة فأنزل فيها الرجالة بأزوادهم و سد الطرق إليها بالحجارة و أقام يحاصرهم . و كان يصلي الصبح بغلس ، ثم يسير زحفاً و يضرب الطبول الناس لزحفه في الجبال و الأودية على مصافهم ، و إذا أمسك وقفوا و كان إذا أراد ان يتقدم المضيق الذي أتى منه عام أول خلف به عسكراً على رأس العقبة يحفظونه لئلا يأخذه الحرسة منه عليهم . و كان بابك متى زحفوا عليه كمن عسكراً تحت تلك العقبة ، و اجتهد الأفشين أن يعرف مكان الكمين فلم يطق و كان يأمر أبا سعيد و جعفراً لخياط و أحمد بن الخليل بن هشام فيتقدمون إلى الوادي في ثلاثة كراديس ، و يجلس على تلك ينظر إليهم و إلى قصر بابك و يقف بابك قبالته في عسكر قليل و قد أكمن
الصوائف
و في سنة مائتين قتل الروم ملكهم إليون لسبع سنين و نصف من ملكه ، و أعادوا ميخاييل بن جرجس المخلوع ، و بقي عليهم تسع سنين . ثم مات سنة خمس عشرة و ملك ابنه نوفل و فتح عبد الله بن حرداويه والي طبرستان البلاد و السيرن من بلاد الديلم و افتتح جبال طبرستان ، و أنزل شهريار بن شروين عنها و أشخص مازيار بن قارن إلى المأمون و أسرا باليل ملك الديلم و ذلك سنة احدى و مائتين . و فيها ظهر بابك الخرمي في الجاوندانية أصحاب جاوندان سهل ، و تفسيره الدائم الباقي و تفسير خرم فرح ، و كانوا يعتقدون مذاهب المجوس ، و في سنة أربع عشرة خرج أبو بلال الصابي الشاري ، فسرح إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد و قتلوه . و في سنة خمس عشرة دخل المأمون بلاد الروم بالصائفة و سار عن بغداد في المحرم و استخلف عليها إسحق بن إبراهيم بن مصعب و هو ابن عم طاهر ، و ولاه السواد و حلوان و كور دجلة ، و لما وصل تكريت لقيه محمد بن علي الرضا فأجازه و زف إليه ابنته أم الفضل ، و سار إلى المدينة فأقام بها و سار المأمون على الموصل إلى منبج ثم دابق ، ثم أنطاكية ثم المصيصة و طرطوس . و دخل من هناك فافتتح حصن قرة عنوة و هدمه . و قيل بل فتحه على الأمان ، و فتح حصن ماجد كذلك . و بعثه أشناس إلى حصن سدس ، و دخل ابنه العباس ملطية و وجه المأمون عجيفاً و جعفر الخياط إلى حصن سنان فأطاع . و عاد المعتصم من مصر فلقي المأمون قبل الموصل ، و لقيه العباس ابنه برأس عين . و جاء المأمون منصرفه من العراق إلى دمشق ، ثم بلغه أن الروم أغاروا على طرطوس و المصيصة و أثخوا فيهم بالقتل . و كتب إليه ملك الروم فيه بنفسه فرجع إليهم و افتتح كثيراً من معاقلهم و أناخ على هرقلة حتى استأمنوا و صالحوه ، و بعث المعتصم فافتتح ثلاثين حصناً منها مطمورة ، و بعث يحيى بن أكثم فأثخن في البلاد و قتل و حرق و سبى . ثم رجع المأمون إلى كيسوم فأقام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق . و في سنة سبع عشرة رجع المأمون إلى بلاد الروم فأناخ على لؤلؤة فحاصرها مائة يوم ، ثم رحل عنها و خلف عجيفاً على حصارها . و جاء نوفل ملك الروم فأحاط به فبعث إليه المأمون بالمدد فارتحل نوفل و استأمن أهل لؤلؤة إلى عجيف ، و بعث نوفل في المهادنة و المأمون على سلوين فلم يجبه . ثم رجع المأمون سنة ثمان عشرة و بعث ابنه العباس إلى بناء طوانة فبنى بها ميلاً في ميل و دورها أربعة فراسخ ، و جعل لها أربعة أبواب و نقل إليها الناس من البلدان .
وفاة المأمون و بيعة المعتصم
ثم مرض المأمون على نهر البربرون و اشتد مرضه و دخل العراق و هو مريض فمات بطرسوس و صلى عليه المعتصم و ذلك لعشرين سنة من خلافته ، و عهد لابنه المعتصم و هو أبو إسحق محمد فبويع له بعد موته ، و ذلك منتصف رجب من سنة ثمان عشرة و مائتين . و شغب الجند و هتفوا باسم العباس بن المأمون فأحضره و بايع فسكتوا و خرب لوقته ما كان بناه من مدينة طوانة و أعاد الناس إلى بلادهم و حمل ما أطاق حمله من الآلة و أحرق الباقي .
ظهور صاحب الطالقان
و هو محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي زين العابدين بن الحسين ، كان ملازماً للمسجد بالمدينة فلزمه شيطان من أهل خراسان و زين له أنه أحق بالأمامة ، و صار يأتيه بحجاج خراسان يبايعونه . ثم خرج به إلى الجوزجان و أخفاه و أقبل على الدعاء له ، ثم حمله على إظهار الدعوة للرضا من آل محمد على عادة الشيعة في هذا الإبهام كما قدمناه . و واقعة قواد عبد الله بن طاهر بخراسان المرة بعد المرة فهزموه و أصحابه ، و أخرج ناجياً بنفسه ومر بنسا ، فوشي به إلى العامل فقبض عليه و بعثه إلى عبد الله بن طاهر ، فبعثه إلى المعتصم منتصف ربيع أول سنة تسع عشرة ، فحبسه عند الخادم مسرور الكبير ، و وكل بحفظه فهرب من محبسه ليلة الفطر من سنته ولم يوقف له على خبر .
حرب الزط
و هم قوم من أخلاط الناس غلبوا على طريق البصرة و عاثوا فيها و أفسدوا البلاد و ولوا عليهم رجلاً منهم اسمه محمد بن عثمان ، و قام بأمره آخر منهم اسمه سماق . و بعث المعتصم لحربهم في هذه السنة عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة فسار إلى واسط و حاربهم ، فقتل منهم في معركة ثلثمائة و أسر خمسمائة ، ثم قتلهم و بعث برؤوسهم إلى باب المعتصم و أقام قبالتهم سبعة أشهر . ثم استأمنوا إليه في ذي الحجة آخر السنة و جاؤوا بأجمعهم في سبعة و عشرين ألفاً ، المقاتلة منهم اثنا عشر ألفاً فعباهم عجيف في السفن على هيئتهم في الحرب و دخل بهم بغداد في عاشوراء سنة عشرين ، و ركب المعتصم إلى الشماسة في سفينة حتى رآهم ، ثم غربهم إلى عين زربة فأغارت عليهم الروم فلم يفلت منهم أحد .
بناء سامرا
كان المعتصم قد اصطنع قوماً من أهل الحرف بمصر و سماهم المطاربة و قوماً من سمرقند و أشر و سنة و فرغاونة و سماهم الفرغانة و أكثر من صبيانهم ، و كانوا يركضون الدواب في الطرق و يختلفون بها ركضاً ، فيصدمون النساء و الصبيان فتتأذى العامة بهم ، و ربما انفرد بعضهم فقتلوه و تأذى الناس و نكروه و ربما اسمعوا النكير للمعتصم ، فعمد إلى بناء القاطون ، و كانت مدينة بناها الرشيد و لم يستتمها و خربت ، فجددها المعتصم و بناها سنة عشرين و سماها سر من رأى فرخمها الناس سامرا و سارت داراً لملكهم من لدن المعتصم و من بعده واستخلف ببغداد حتى انتقل إليها ابنه الواثق .
نكبة الفضل بن مروان
كان للمعتصم في ولاية أخيه كاتب يعرف بيحيى الجرمقابي ، و اتصل به الفضل بن مروان و هو من البردان ، و كان حسن الخط . فلما هلك الجرمقابي استكتبه المعتصم و سار معه إلى الشام فأثرى . و لما استخلف المعتصم استولى على هواه و استتبع الدواوين و احتجر الأموال ثم صار يرد أوامر المعتصم في العطايا و لا ينفذها ، و اختلفت فيه السعايات عند المعتصم و دسوا عليه عنده من ملأ مجلسه و مساخره من يعير المعتصم باستبداده عليه ورد أوامره فحقد له ذلك . ثم نكبه سنة عشرين و صادره و جميع أهل بيته ، و جعل مكانه محمد بن عبد الملك بن الزيات و غرب الفضل إلى بعض قرى الموصل قد تقدم لنا حديث بابك الخرمي محاربة بابك الخرمي و ظهوره سنة اثنتين و مائتين بدعوة جاوندان بن سهل ، و اتخذ مدينة البر لامتناعه و ولى المأمون حروبه ، فهزم عساكره و قتل جماعة من قواده و خرب الحصون فيما بين أردبيل و زنجان ، فلما ولي المعتصم بعث أبا سعيد محمد بن يوسف فبنى الحصون التي خربها و شحنها بالرجال و الأقوات ، و حفظ السابلة لجلب الميرة . و بينما هو في ذلك أغارت بعض سرايا بابك بتلك النواحي فخرج في طلبهم و استنفد ما أخذوه ، و قتل كثيراً و أسر أكثر ، و بعث بالرؤوس و الأسرى إلى المعتصم . و كان ابن البعيث أيضا في قلعة له حصينة من كور أذربيجان ملكها من يد ابن الرواد ، و كان يصانع بابك و يضيف سراياه إذا مروا به . و مر به في هذه الأيام قائده عصمة ، و أضافه على العادة ، ثم قبض عليه و قتل أصحابه و بعث به إلى المعتصم ، فسأله عن عورات بلاد بابك فدله عليها . ثم حبسه و عقد لقائده الأفشين حيدر بن كاوس على الجبال ، و وجهه لحرب بابك ، فسار إليها و نزل بساحتها و ضبط الطرقات ما بينه و بين أردبيل ، و أنزل قواده في العساكر مابينه و بين أردبيل يتلقون الميرو من أردبيل من واحد إلى الآخر حتى تصل عسكر الأفشين .و كان إذا وقع بيده أحد من جواسيس بابك يسأله عن إحسان بابك إليه فيضاعفه و يطلقه . ثم إن المعتصم بعث بغا الكبير بمدد الأفشين بالنفقات و سمع بابك فاعتزم على اعتراضه و أخبر الأفشين بذلك بعض جواسيسهم ، فكتب إلى بغا أن يرتحل من حصن النهر قيلاً ثم رجع إلى أردبيل ففعل ذلك . و جاءت الأخبار إلى بابك و ركب الأفشين في يوم مواعدته لبغا و اغذ المسير ، خرجت سرية بابك فلقيت قافلة النهر ولم يصادفوا بغا فيها فقتلوا من وجدوا فيها من الجند وفاتهم المال . و لقوا في طريقهم الهيثم من قواد الأفشين فهزموه و امتنع بحصنه ، و نزل بابك عليه يحاصره و إذا بالأفشين قد وصل ، فأوقع بهم و قتل الكثير من جنده ، نجا بابك إلى موقان و أرسل إلى عسكره في البر فلحقت به ، و خرج معهم من موقان إلى البذ . و لما رجع الأفشين إلى عسكره استمر على حصار بابك و انقطعت عنه الميرة من سائر النواحي ،و وجه صاحب مراغة إليه ميرة فلقيتها سرية من سرايا بابك فأخذوها ، ثم خلص إليه بغا بما معه من المال ففرقه في العساكر ، و أمر الأفشين قواده فتقدموا ليضيقوا الحصار على بابك في حصن البذ ، نزل على ستة أميال منه . و سار بغا الكبير حتى أحاط بقرية البذ و قاتلهم و قتلوا منهم جماعة فتأخر إلى خندق محمد بن حميد من القواد ، و بعث إلى الأفشين في المدد ، فبعث إليه أخاه الفضل و أحمد بن الخليل بن هشام و أبا خوس و صاحب شرطة الحسن بن سهل ، و أمره بمناجرتهم إلى حرب في يوم عينه له ، فركبوا في ذلك اليوم ، و قصدوا البذ و أصابهم برد شديد و مطر ، و قاتل الأفشين فغلب من بازائه من أصحاب بابك و اشتد عليهم المطر فنزلوا و اتخذ بغا دليلاً أشرف به على جبل يطل منه على الأفشين و نزل عليهم الثلج و الضباب فنزلوا منازلهم . و عمد بابك إلى الأفشين ففض معسكره و ضجر أصحاب بغا من مقامهم في رأس الجبل فارتحل بهم و لا يعلم ما تم على الأفشين ، و قصد حصن البذ فتعرف خبر الأفشين و رجع على غير الطريق الذي دخلوا منه لكثرة مضايقة و عقباته و تبعته طلائع بابك فلم يلتفت إليهم مسابقة للمضايق أمامه . و أجنهم الليل و خافوا على أثقالهم و أموالهم فعسكر بهم بغا من رأس جبل و قد تعبوا و فنيت أزوادهم و بيتهم بابك ففضهم و نهبوا ما كان معهم من المال و السلاح و نجوا إلى خندقهم الأول في أسفل الجبل و أقام بغا هنالك . و كان طرخان كبير قواد بابك قد استأذنه أن يشتوا بقرية في ناحية مراغة ، فأرسل الأفشين إلى بعض قواده بمراغة فأسرى إليه و قتله وبعث برأسه . و دخلت سنة اثنتين وعشرين فبعث المعتصم جعفر الخياط بالعساكر مدداً للأفشين ، و بعث إيتاخ بثلاثين ألف ألف درهم لنفقات الجند فأرسلها وعاد ، و رحل الأفشين لأول فصل الربيع ، و دنا من الحصن و خندق على نفسه . و جاءه الخبر بأن قائد بابك و اسمه أدين قد عسكر بازائه و بعث عياله إلى بعض حصون الجبل ، فبعث الأفشين بعض قوداه لاعتراضهم فسلكوا مضايق و تملقوا و أغاروا إلى أن لقوا العيال فأخذوهم و انصرفوا ، و بلغ الخبر أدين فركب لاعتراضهم و حاربهم و استنفذ بعض النساء . و علم بشأنهم الأفشين من علامات كان أمرهم بها إن رأى بهم ريباً فركب إليهم فلما أحسوا به فرجوا عن المضيق و نجا القوم ، و تقدم الأفشين قليلاً قليلاً إلى حصن البذ و كان يأمر الناس بالركوب ليلاً للحراسة خوف البيات فضجر الناس من التعب و ارتاد في رؤوس تلك الجبال أماكن يتحصن فيها الرجالة فوجد ثلاثة فأنزل فيها الرجالة بأزوادهم و سد الطرق إليها بالحجارة و أقام يحاصرهم . و كان يصلي الصبح بغلس ، ثم يسير زحفاً و يضرب الطبول الناس لزحفه في الجبال و الأودية على مصافهم ، و إذا أمسك وقفوا و كان إذا أراد ان يتقدم المضيق الذي أتى منه عام أول خلف به عسكراً على رأس العقبة يحفظونه لئلا يأخذه الحرسة منه عليهم . و كان بابك متى زحفوا عليه كمن عسكراً تحت تلك العقبة ، و اجتهد الأفشين أن يعرف مكان الكمين فلم يطق و كان يأمر أبا سعيد و جعفراً لخياط و أحمد بن الخليل بن هشام فيتقدمون إلى الوادي في ثلاثة كراديس ، و يجلس على تلك ينظر إليهم و إلى قصر بابك و يقف بابك قبالته في عسكر قليل و قد أكمن
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
بقية العسكر فيشربون الخمر و يلعبون بالسرياني ، فإذا صلى الأفشين الظهر رجع إلى خندقه بروذ الروز مصافاً بعد مصاف ، الأقرب إلى العدو ثم الذي يليه ، و آخرين ترجع العسكر الذي عقبه المضيق حتى ضجرت الخرمية من المطاولة ، و انصرف بعض الأيام و تأخر جعفر فخرج الخرمية من البذ على أصحابه فردهم جعفر على أعقابهم ، و ارتفع الصياح و رجع الأفشن و قد نشبت الحرب . و كان مع أبي دلف من أصحاب جعفر قوم من المطوع فضيقوا على أصحاب بابك و كانوا يصدعون البذ ، و بعث إلى الأفشين يستمده خمسمائة راجل من الناشبة فأتى له و أمره بالتحيل في الإنصراف ، و تعلق أولئك المطوعة بالبذ و ارتفع الصياح و خرج الكمناء من تحت العقبة ، و تبين الأفشين أماكنهم و أطلع على خدعتهم . و انصرف جعفر إلى الأفشين و عاتبه فاعتذر إليه يستأمن الكمين و أراه مكانه ، فانصرف عن عتابه و علم أن الرأي معه . و شكا المطوعة ضيق العلوفة و الزاد فأذن لهم في الإنصراف و تناولوه بألسنتهم ، ثم طلبوه في المناهضة لهم و وداعهم ليوم معلوم ، و جهز و حمل المال و الزاد و الماء و المحامل لجرجان ، و تقدم إلى مكانه بالأمس و جهز العسكر على العقبة على عادته ، و أمر جعفراً بالتقدم بالمطوعة و ان يأتوا من أسهل الوجوه و أطلق يده بمن يريده من الناشبة و النفاطين ، و تقدم جعفر إلى مكانه بالأمس و المتطوعة معه ، فقاتلوا و تعلقوا بسور البذ حتى ضرب جمعهم ما به و جاء الفعلة بالفؤس و طيف عليهم بالمياه و الأزودة ثم جاء الخزمية من الباب و كسروا على المطوعة و طرحوهم على السور و رموهم بالحجارة فنالت منهم و ضعفوا عن الحرب ، ثم تحاجزوا آخر يومهم و أمرهم الأفشين بالأنصراف و داخلهم اليأس من الفتح تلك السنة ، و انصرف أكثر المطوعة . ثم عاود الأفشين الحرب بعد أسبوعين و بعث من جوف الليل ألفاً من الناشبة إلى الجبل الذي وراء البذ حتى يعاينوا الأفشين من هذه الناحية فيرمون على الخرمية . و بعث عسكراً آخر كميناً تحت ذلك الجبل الذي وراء البذ ، و ركب هو من الغداة إلى المكان الذي يقف فيه على عادته . و تقدم جعفر الخياط و القواد حتى صاروا جميعاً حول ذلك الجبل ، فوثب بابك من أسفل الجبل بالعسكر الذي جاء إليه لما فضحهم الصبح ، و انحدر الناشبة من الجبل و قد ركبوا الأعلام على رماحهم ، و قصدوا جميعاً أدين قائد بابك في جفلة ، فانحدر إلى الوادي ، فحمل عليه جماعة من أصحاب القواد فرمى عليهم الصخور من الجبل و تحدرت إليهم و لما رأى ذلك بابك استأمن للأفشين على أن يحمل عياله من البذ ، و بينما هم في ذلك إذ جاء الخبر إلى الأفشين بدخول البذ ، و أن الناس صعدوا بالأعلام فوق قصور بابك حتى دخل وادياً هنالك و أحرق الأفشين قصور بابك و قتل الخرمية عن آخرهم ، و أخذ أمواله و عياله ، و رجع إلى معسكره عند المساء ، و خالفه بابك إلى الحصن فحمل ما أمكنه من المال و الطعام و جاء الأفشين من الغد فهدم القصور و أحرقها و كتب إلى ملوك أرمينية و بطارقتهم بإذكاء العيون عليه في نواحيهم حتى يأتوه به ، ثم عثر على بابك بعض العيون في واد كثير الغياض يمر من أذربيجان إلى أرمينية فبعث من يأتي به فلم يعثروا عليه لكثرة الغياض و الشجر . و جاء كتاب المعتصم بأمانه فبعث به الأفشين بعض المستأمنة من أصحاب بابك فامتنع من قبوله . و قتل بعضهم ، ثم خرج من ذلك الوادي هو و أخوه عبد الله و معاوية و أمه يريدون أرمينية ، و رآهم الحرس الذين جاؤا لأخذه و كان أبو السفاح هو المقدم عليهم فمروا قي اتباعهم و أدركوهم على بعض المياه ، فركب و نجا و أخذ أبو السفاح معاوية و أم بابك و بعث بهم إلى الأفشين و سار بابك في جبال أرمينية مختفياً و قد أذكوا عليه العيون حتى إذا مسه الجوع بعث بعض أصحابه بدنانير لشراء قوتهم فعثر به بعض المسلحة . و بعث إلى سهل بن ساباط فجاء و اجتمع بصاحب بابك الذي كانت حراسة الطريق عليه ، و دله على بابك فأتاه و خادعه حتى سار إلى حصنه و بعث بالخبر إلى الأفشين فبعث إليه بقائدين من قبله و أمرهما بطاعة ابن ساباط ، فأكمنهما في بعض نواحي الحصن و أغرى بابك بالصيد و خرج معه فخرج القائدان من الكمين فأخذاه و جاء به إلى الأفشين و معهما معاوية بن سهل بن ساباط فحبسه و وكل بحفظه و أعطى معاوية ألف درهم ، و آتى سهلاً ألف ألف درهم و منطقة مفرقة بالجواهر . و بعث إلى عيسى بن يوسف أسطقانوس ملك البيلقان يطلب منه عبد الله أخا بابك ، و قد كان لجأ إلى حصنه عندما أحاط به ابن ساباط فأنفذه إليه ، و حبسه الأفشين مع أخيه . و كتب إلى المعتصم فأمره بالقدوم بهما و ذلك في شوال من سنة اثنتين و عشرين ، و سار الأفشين بهما إلى سامرا فكان يلقاه في كل رحلة رسول من المعتصم بخلعة و فرس . و لما قرب من سامرا تلقاه الواثق و كبر لقدومه و أنزل الأفشين و بابك عنده بالمطيرة و توج الأفشين و ألبسه وشاحين و وصله بعشرين ألف ألف درهم و عشرة آلاف ألف درهم يفرقها في عسكره ، و ذلك في صفر سنة ثلاث و عشرين . و جاء أحمد ابن أبي داود إلى بابك متنكراً و كلمه ، ثم جاء المعتصم أيضاً متنكراً فرآه . ثم عقد من الغد و اصطف النظارة سماطين و جيء ببابك راكباً على فيل ، فلما وصل أمر المعتصم بقطع أطرافع ثم بذبحه ، و أنفذ رأسه إلى خراسان ، و صلب شلوه بسامرا و بعث بأخيه عبد الله إلى إسحق بن إبراهيم ببغداد ليفعل به مثل ذلك ففعل . و كان الذي أنفق الأفشين في مدة حصاره لبابك سوى الأرزاق و الأنزال و المعاون عشرة آلاف ألف درهم يوم ركوبه لمحاربته ، و خمسة آلاف يوم قعوده . و جميع من قتل بابك في عشرين سنة أيام قتيبة مائة ألف و خمسة و خمسين ألف و هزم من القواد يحيى بن معاذ و عيسى بن محمد بن أبي خالد و أحمد ابن الجنيد و زريق بن علي بن صدقة و محمد بن حميد الطوسي و إبراهيم بن الليث . و كان الذين أسروا مع بابك ثلاثة آلاف و ثلثمائة و الذي استنفده من يديه من المسلمات و أولادهن سبعة آلاف و ستمائة إنسان جعلوا في حظيرة ، فمن أتى من أوليائهم و أقام بينة على أحد منهم أخذه ، و الذي صار في يد الأفشين من بني بابك و عياله سبعة عشر رجلاً و عشرين امرأة .
فتح عمورية
و في سنة ثلاث و عشرين خرج نوفل بن ميخاييل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة ، لأن بابك لما أشرف على الهلاك كتب إليه أن المعتصم قد وجه عساكره حتى خياطة يعني جعفر بن دينار و طباخه يعنى إيتاخ ولم يبق عنده أحد ، فانتهز الفرصة ثلاثاً أو دونها . و ظن بابك أن ذلك يدعو المعتصم إلى إنفاذ العساكر لحرب الروم ، فيخف عنه ما هو فيه ، فخرج نوفل في مائة ألف و فيهم من المجمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال و هزمهم إسحق بن إبراهيم بن مصعب فلحق بالروم ، و بلغ زبطرة فاستباحها قتلاً و سبياً و أعاد على ملطية و غيرها ، و مثل بالأسرى . و بلغ الخبر إلى المعتصم فاستعظمه و بلغه أن هاشمية صاحت و هي في أيدي الروم : و امعتصماه ! فأجاب و هو على سريره لبيك ، لبيك ! و نادى بالنفير و نهض من ساعته فركب دابته و احتقب شكالاً من حديد فيها رداؤه . و جمع العساكر و أحضر قاضي بغداد عبد الرحمن بن إسحق و معه ابن سهل في ثلثمائة و ثلاثين من العدول فأشهدهم بما وقف من الضياع ، ثلثاً لولده و ثلثاً لمواليه ، و ثلثاً لوجه الله . و سار فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الأولى و بعث عجيف بن عنبسة و عمر الفرغاني و جماعة من القواد مدداً لأهل زبطرة ، فوجدوا الروم قد ارتحلوا عنها فأقاموا حتى تراجع الناس و اطمأنوا . و لما ظفر ببابك أي بلاد الروم أعظم عندهم فقيل له عمورية ، فتجهز إليها بما لا يماثله أحد قبله من السلاح و الآلة و العدد ، و حياض الأدم و القرب و الروايا و جعل مقدمته أشناس ، و بعده محمد بن إبراهيم بن مصعب و على الميمنة إيتاخ ، و على الميسرة جعفر بن دينار الخياط ، و على القلب عجيف بن عنبسة و جاء إلى بلاد الروم فأقام بسلوقية على نهر السن قريباً من البحر ، و على مسيرة يوم طرطوس و بعث الأفشين إلى سروج و أمره بالدخول من درب الحرث و بعث أشناس من درب و أمره بانتظاره بالصفصاف ، و قدم وصيفاً في أثر أشناس و واعدهم يوم اللقاء . و رحل المعتصم لست بقين من رجب . و بلغه الخبر أن ملك الروم عازم على كبس مقدمته فبعث إلى أشناس بذلك و أن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به . ثم كتب إليه أن يبعث إليه من قواده من يأتيه بخبر الروم و ملكهم فبعث عمر الفرغاني في مائتي فارس ، فطاف في البلاد و أحضر جماعة عند أشناس أخبروه بأن ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها إذ جاءه الخبر بأن العساكر دخلت من جهة أرمينية يعني عسكر الأفشين ، فاستخلف ابن خاله على عسكره و سار إلى تلك الناحية فوجه أشناس بهم إلى المعتصم . و كتب المعتصم إلى الأفشين بالمقام حذراً عليه و جعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم ، و أوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب . و كتب المعتصم إلى أشناس بأن يتقدم و المعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر أشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم ، و قال لهم شيخ منهم : أنا أدلك على قوم هربوا من أنقرة معهم الطعام و الشعيرة فبعث معه مالك بن كرد في خمسمائة فارس فدل بهم إلى مكان أهل أنقرة فغنموا منهم و وجدوا فيهم جرحى قد حضروا وقعة ملك الروم مع الأفشين ، و قالوا : لما استخلف على عسكره سار إلى ناحية أرمينية فلقينا المسلمين صلاة الغداة فهزمناهم و قتلنا رجالهم و افترقت عساكرنا في طلبهم ، ثم رجعوا بعد الظهر فقاتلونا و حرقوا عسكرنا و فقدنا الملك و انهزمنا ، و رجعنا إلى العسكر فوجدناه قد انتقض و جاء الملك من الغد فقتل نائبه الذي استخلفه ، و كتب إلى بلاده بعقاب المنهزمين و مواعدتهم بمكان كذا ليلقى المسلمين بها . و وجه خصياً له إلى أنقرة ليحفظها فوجد أهلها قد أجلوا فأمره الملك بالمسير إلى عمورية ، فوعى مالك ابن كرد خبرهم و رجع بالغنيمة و الأسرى إلى أشناس و أطلق الأمير الذي دله . و كتب أشناس بذلك إلى المعتصم ثم جاء البشير من ناحية الأفشين بالسلامة ، و أن الوقعة كانت لخمس بقين من شعبان . و قدم الأفشين على المعتصم بأنقرة و رحل بعد ثلاث و الأفشين في ميمنتة و أشناس في ميسرته و هو في القلب ، و بين كل عسكر و عسكر فرسخان ، و أمرهم بالتخريب و التحريق و ما بين أنقرة و عمورية . ثم وافى عمورية و قسمها على قواده ، و خرج إليه رجل من المنتصرة فدله على عورية من السور بني ظاهره و أخل باطنه فضرب المعتصم خيمته قبالته و نصبت عليه المجانيق ، فتصدع السور . و كتب بطريقها باطيس و الخصي إلى الملك يعلمانه بشأنهما في السور و غيره ، فوقه في يد المسلمين مع رجلين . و في الكتاب أن باطيس عازم على أن يخرج ليلاً و يمر بعسكر المسلمين و يلحق بالملك فنادى المعتصم حرسه ، ثم انثملت فوهة من السور بين برجين و قد كان الخندق طم بأوعية الجلود المملوأة تراباً ثم ضرب بالذبالات عليها فدحرجها الرجال إلى السور فنشبت في تلك الأوعية و خلص من فيها بعد الجهد . و لما جاء من الغد بالسلالم و المنجنيقات فقاتلوهم على تلك الثلمة و حارب و بدر بالحرب أشناس و جمعت المنجنيقات على تلك الثلمة و حارب في اليوم الثاني الأفشين و المعتصم راكب ازاء الثملة ، و أشناس و أفشين و خواص الخدام معه . ثم كانت الحرب في اليوم الثالث على المعتصم و تقدم إيتاخ بالمغاوبة و الأتراك و اشتد القتال على الروم إلى الليل و فشت فيهم الجراحات ، و مشى بطريق تلك الناحية إلى رؤساء الروم ، و شكا إليهم و استمدهم فأبوا . فبعث إلى المعتصم يستأمن فأمنه و خرج من الغد إلى المعتصم و كان اسمه وبدوا فبينما هو و المعتصم يحادثه أومأ عبد الوهاب ابن علي من بين يديه إلى المسلمين بالدخول فافتتحوا من الثلمة ورآهم وبدوا فخاف فقال له المعتصم : كل شيء تريده هو لك . و دخل المسلمون المدينة و امتنع الروم بكنيستهم وسطها فأحرقها المسلمون عليهم . و امتنع باطيس البطريق في بعض أبراجها حتى استنزله المعتصم بالأمان ، و جاء الناس بالأسرى و السبي من كل جانب ، و اصطفى الأشراف و قتل من سواهم و بيعت مغانمهم في خمسة أيام و أحرق الباقي . و وثب الناس على المغانم في بعض الأيام ينهبونها فركب المعتصم و سار نحوهم فكفؤا بعمورية فهدمت و أحرقت و حاصرها خمسة و خمسين يوماً من سادس رمضان إلى آخر شوال ، و فرق الأسرى على القواد و رجع نحو طرطوس . ولم يزل نوفل مملكاً على الروم إلى أن هلك سنة تسع و عشرين و مائتين في ولاية الواثق و نصبا ابنه ميخاييل في كفالة أمه ندورة فأقامت عليهم ست سنين ثم اتهمها ابنها ميخاييل بقمط من أقماطها عليها و ألزمها بيتها سنة ثلاث و ثلاثين .
حبس العباس بن المأمون و مهلكه
كان المعتصم يقدم الأفشين على عجيف بن عنبسة و لما بعثه إلى زبطرةلم يطلق يده في النفقات كما أطلق للأفشين و كان بستقصر شأن عجيف و أفعاله ، فطوى عجيف على النكث و لقي العباس بن المأمون فعذله على قعوده عند وفاة المأمون عن الأمر حتى بويع المعتصم و أغراه قبلاً في ذلك فقبل العباس منه ، و دس رجلاً من بطانته يقال له السمرقندي قرابة عبد الله بن الوضاح و كان له أدب و مداراة فاستأمن له جماعة من القواد و من خواص المعتصم فبايعوه و واعد كل واحد منهم أن يثب بالقائد الذي معه فيقتله من أصحاب المعتصم و الأفشين و أشناس بالرجوع إلى بغداد فأبى من ذلك و قال : لا أفسد العراق . فلما فتحت عمورية و صعب التدبير بعض الشيء أشار عجيف بأن يضع من ينهب الغنائم فإذا ركب المعتصم وثبوا به ففعلوا مثل ما ذكرنا . و ركب فلم يتجاسروا عليه . و كان للفرغاني قرابة غلام أمرد في جملة المعتصم فجلس مع ندمان الفرغاني تلك الليلة و قص عليهم ركوب المعتصم فأشفق الفرغاني و قال يابني أقلل من المقام عند أمير المؤمنين و الزم خيمتك ، و إن سمعت هيعة فلا تخرج فأنت غلام غر . ثم ارتحل المعتصم إلى الثغور و تغير أشناس على عمر الفرغاني و أحمد بن الخليل و أساء عليهما فطلبا من المعتصم أن يضمهما إلى من شاء و شكيا من أشناس فقال له المعتصم أحسن أدبهما فحبسهما و حملهما على بغل ، فلما صار بالصفصاف حدث الغلام ما سمع من قريبة عمر الفرغاني فأمر بغا أن يأخذه من عند أشناس و يسأله عن تأويل مقالته فأنكر و قال إنه كان سكران ، فدفعه إلى إتياخ . ثم دفع أحمد بن الخليل إلى أشناس عنده نصيحة للمعتصم و أخبره العباس بن المأمون و القواد و الحرث السمرقندي فأنفذ أشناس إلى الحرث و قيده و بعث به إلى المعتصم ، و كان في المقدمة فأخبر الحرث المعتصم بجلية الأثر فأطلقه و خلع عليه ، ولم يصدقه على القواد لكثرتهم . ثم حضر العباس بن المأمون و استحلفه أن لا يكتم عنه شيئاً فشرح له القصة فحبسه عند الأفشين و تتبع القواد
فتح عمورية
و في سنة ثلاث و عشرين خرج نوفل بن ميخاييل ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة ، لأن بابك لما أشرف على الهلاك كتب إليه أن المعتصم قد وجه عساكره حتى خياطة يعني جعفر بن دينار و طباخه يعنى إيتاخ ولم يبق عنده أحد ، فانتهز الفرصة ثلاثاً أو دونها . و ظن بابك أن ذلك يدعو المعتصم إلى إنفاذ العساكر لحرب الروم ، فيخف عنه ما هو فيه ، فخرج نوفل في مائة ألف و فيهم من المجمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال و هزمهم إسحق بن إبراهيم بن مصعب فلحق بالروم ، و بلغ زبطرة فاستباحها قتلاً و سبياً و أعاد على ملطية و غيرها ، و مثل بالأسرى . و بلغ الخبر إلى المعتصم فاستعظمه و بلغه أن هاشمية صاحت و هي في أيدي الروم : و امعتصماه ! فأجاب و هو على سريره لبيك ، لبيك ! و نادى بالنفير و نهض من ساعته فركب دابته و احتقب شكالاً من حديد فيها رداؤه . و جمع العساكر و أحضر قاضي بغداد عبد الرحمن بن إسحق و معه ابن سهل في ثلثمائة و ثلاثين من العدول فأشهدهم بما وقف من الضياع ، ثلثاً لولده و ثلثاً لمواليه ، و ثلثاً لوجه الله . و سار فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الأولى و بعث عجيف بن عنبسة و عمر الفرغاني و جماعة من القواد مدداً لأهل زبطرة ، فوجدوا الروم قد ارتحلوا عنها فأقاموا حتى تراجع الناس و اطمأنوا . و لما ظفر ببابك أي بلاد الروم أعظم عندهم فقيل له عمورية ، فتجهز إليها بما لا يماثله أحد قبله من السلاح و الآلة و العدد ، و حياض الأدم و القرب و الروايا و جعل مقدمته أشناس ، و بعده محمد بن إبراهيم بن مصعب و على الميمنة إيتاخ ، و على الميسرة جعفر بن دينار الخياط ، و على القلب عجيف بن عنبسة و جاء إلى بلاد الروم فأقام بسلوقية على نهر السن قريباً من البحر ، و على مسيرة يوم طرطوس و بعث الأفشين إلى سروج و أمره بالدخول من درب الحرث و بعث أشناس من درب و أمره بانتظاره بالصفصاف ، و قدم وصيفاً في أثر أشناس و واعدهم يوم اللقاء . و رحل المعتصم لست بقين من رجب . و بلغه الخبر أن ملك الروم عازم على كبس مقدمته فبعث إلى أشناس بذلك و أن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به . ثم كتب إليه أن يبعث إليه من قواده من يأتيه بخبر الروم و ملكهم فبعث عمر الفرغاني في مائتي فارس ، فطاف في البلاد و أحضر جماعة عند أشناس أخبروه بأن ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها إذ جاءه الخبر بأن العساكر دخلت من جهة أرمينية يعني عسكر الأفشين ، فاستخلف ابن خاله على عسكره و سار إلى تلك الناحية فوجه أشناس بهم إلى المعتصم . و كتب المعتصم إلى الأفشين بالمقام حذراً عليه و جعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم ، و أوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب . و كتب المعتصم إلى أشناس بأن يتقدم و المعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر أشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم ، و قال لهم شيخ منهم : أنا أدلك على قوم هربوا من أنقرة معهم الطعام و الشعيرة فبعث معه مالك بن كرد في خمسمائة فارس فدل بهم إلى مكان أهل أنقرة فغنموا منهم و وجدوا فيهم جرحى قد حضروا وقعة ملك الروم مع الأفشين ، و قالوا : لما استخلف على عسكره سار إلى ناحية أرمينية فلقينا المسلمين صلاة الغداة فهزمناهم و قتلنا رجالهم و افترقت عساكرنا في طلبهم ، ثم رجعوا بعد الظهر فقاتلونا و حرقوا عسكرنا و فقدنا الملك و انهزمنا ، و رجعنا إلى العسكر فوجدناه قد انتقض و جاء الملك من الغد فقتل نائبه الذي استخلفه ، و كتب إلى بلاده بعقاب المنهزمين و مواعدتهم بمكان كذا ليلقى المسلمين بها . و وجه خصياً له إلى أنقرة ليحفظها فوجد أهلها قد أجلوا فأمره الملك بالمسير إلى عمورية ، فوعى مالك ابن كرد خبرهم و رجع بالغنيمة و الأسرى إلى أشناس و أطلق الأمير الذي دله . و كتب أشناس بذلك إلى المعتصم ثم جاء البشير من ناحية الأفشين بالسلامة ، و أن الوقعة كانت لخمس بقين من شعبان . و قدم الأفشين على المعتصم بأنقرة و رحل بعد ثلاث و الأفشين في ميمنتة و أشناس في ميسرته و هو في القلب ، و بين كل عسكر و عسكر فرسخان ، و أمرهم بالتخريب و التحريق و ما بين أنقرة و عمورية . ثم وافى عمورية و قسمها على قواده ، و خرج إليه رجل من المنتصرة فدله على عورية من السور بني ظاهره و أخل باطنه فضرب المعتصم خيمته قبالته و نصبت عليه المجانيق ، فتصدع السور . و كتب بطريقها باطيس و الخصي إلى الملك يعلمانه بشأنهما في السور و غيره ، فوقه في يد المسلمين مع رجلين . و في الكتاب أن باطيس عازم على أن يخرج ليلاً و يمر بعسكر المسلمين و يلحق بالملك فنادى المعتصم حرسه ، ثم انثملت فوهة من السور بين برجين و قد كان الخندق طم بأوعية الجلود المملوأة تراباً ثم ضرب بالذبالات عليها فدحرجها الرجال إلى السور فنشبت في تلك الأوعية و خلص من فيها بعد الجهد . و لما جاء من الغد بالسلالم و المنجنيقات فقاتلوهم على تلك الثلمة و حارب و بدر بالحرب أشناس و جمعت المنجنيقات على تلك الثلمة و حارب في اليوم الثاني الأفشين و المعتصم راكب ازاء الثملة ، و أشناس و أفشين و خواص الخدام معه . ثم كانت الحرب في اليوم الثالث على المعتصم و تقدم إيتاخ بالمغاوبة و الأتراك و اشتد القتال على الروم إلى الليل و فشت فيهم الجراحات ، و مشى بطريق تلك الناحية إلى رؤساء الروم ، و شكا إليهم و استمدهم فأبوا . فبعث إلى المعتصم يستأمن فأمنه و خرج من الغد إلى المعتصم و كان اسمه وبدوا فبينما هو و المعتصم يحادثه أومأ عبد الوهاب ابن علي من بين يديه إلى المسلمين بالدخول فافتتحوا من الثلمة ورآهم وبدوا فخاف فقال له المعتصم : كل شيء تريده هو لك . و دخل المسلمون المدينة و امتنع الروم بكنيستهم وسطها فأحرقها المسلمون عليهم . و امتنع باطيس البطريق في بعض أبراجها حتى استنزله المعتصم بالأمان ، و جاء الناس بالأسرى و السبي من كل جانب ، و اصطفى الأشراف و قتل من سواهم و بيعت مغانمهم في خمسة أيام و أحرق الباقي . و وثب الناس على المغانم في بعض الأيام ينهبونها فركب المعتصم و سار نحوهم فكفؤا بعمورية فهدمت و أحرقت و حاصرها خمسة و خمسين يوماً من سادس رمضان إلى آخر شوال ، و فرق الأسرى على القواد و رجع نحو طرطوس . ولم يزل نوفل مملكاً على الروم إلى أن هلك سنة تسع و عشرين و مائتين في ولاية الواثق و نصبا ابنه ميخاييل في كفالة أمه ندورة فأقامت عليهم ست سنين ثم اتهمها ابنها ميخاييل بقمط من أقماطها عليها و ألزمها بيتها سنة ثلاث و ثلاثين .
حبس العباس بن المأمون و مهلكه
كان المعتصم يقدم الأفشين على عجيف بن عنبسة و لما بعثه إلى زبطرةلم يطلق يده في النفقات كما أطلق للأفشين و كان بستقصر شأن عجيف و أفعاله ، فطوى عجيف على النكث و لقي العباس بن المأمون فعذله على قعوده عند وفاة المأمون عن الأمر حتى بويع المعتصم و أغراه قبلاً في ذلك فقبل العباس منه ، و دس رجلاً من بطانته يقال له السمرقندي قرابة عبد الله بن الوضاح و كان له أدب و مداراة فاستأمن له جماعة من القواد و من خواص المعتصم فبايعوه و واعد كل واحد منهم أن يثب بالقائد الذي معه فيقتله من أصحاب المعتصم و الأفشين و أشناس بالرجوع إلى بغداد فأبى من ذلك و قال : لا أفسد العراق . فلما فتحت عمورية و صعب التدبير بعض الشيء أشار عجيف بأن يضع من ينهب الغنائم فإذا ركب المعتصم وثبوا به ففعلوا مثل ما ذكرنا . و ركب فلم يتجاسروا عليه . و كان للفرغاني قرابة غلام أمرد في جملة المعتصم فجلس مع ندمان الفرغاني تلك الليلة و قص عليهم ركوب المعتصم فأشفق الفرغاني و قال يابني أقلل من المقام عند أمير المؤمنين و الزم خيمتك ، و إن سمعت هيعة فلا تخرج فأنت غلام غر . ثم ارتحل المعتصم إلى الثغور و تغير أشناس على عمر الفرغاني و أحمد بن الخليل و أساء عليهما فطلبا من المعتصم أن يضمهما إلى من شاء و شكيا من أشناس فقال له المعتصم أحسن أدبهما فحبسهما و حملهما على بغل ، فلما صار بالصفصاف حدث الغلام ما سمع من قريبة عمر الفرغاني فأمر بغا أن يأخذه من عند أشناس و يسأله عن تأويل مقالته فأنكر و قال إنه كان سكران ، فدفعه إلى إتياخ . ثم دفع أحمد بن الخليل إلى أشناس عنده نصيحة للمعتصم و أخبره العباس بن المأمون و القواد و الحرث السمرقندي فأنفذ أشناس إلى الحرث و قيده و بعث به إلى المعتصم ، و كان في المقدمة فأخبر الحرث المعتصم بجلية الأثر فأطلقه و خلع عليه ، ولم يصدقه على القواد لكثرتهم . ثم حضر العباس بن المأمون و استحلفه أن لا يكتم عنه شيئاً فشرح له القصة فحبسه عند الأفشين و تتبع القواد
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
بالحبس و التنكيل و قتل منهم المشاء بن سهيل ثم دفع العباس للأفشين ، فلما نزل منبج طلب الطعام فأطعم و منع الماء . ثم أدرج في نبج فمات . و لما وصل المعتصم إلى نصيبين احتفر لعمر الفرغاني بئراً و طمت عليه ، و لما دخلوا بلاد الموصل قتل عجيف بمثل ما قتل به العباس و استلحم جميع القواد في تلك الأيام و سموا العباس اللعين . و لما وصل إلى سامرا جلس أولاد المأمون في داره حتى ماتوا .
انتقاض مازيار و قتله
كان مازيار بن قارن بن وندا هرمز صاحب طبرستان و كان منافراً لعبد الله بن طاهر فلا يحمل إليه الخراج و قال : لا أحمله إلا للمعتصم فيبعث المعتصم من يقبضه من أصحابه و يدفعه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان . و عظمت الفتنة بين مازيار و عبد الله و عظمت سعاية عبد الله في مازيار عند المعتصم حتى استوحش منه . و لما ظفر الأفشين ببابك و عظم محله عند المعتصم وطمع في ولاية خراسان ظن أن انتقاض مازيار وسيلة لذلك فجعل يستميل مازيار و يحرضه على عداوة ابن طاهر و إن أدت إلى الخلاف لبيعته المعتصم لحربه فيكون ذلك وسيلة له إلى استيلائه على خراسان ظناً بأن ابن طاهر لا ينهض لمحاربته . فانتفض مازيار و حمل الناس على بيعته كرهاً و أخذ رهائنهم و عجل جباية الخراج فأستكثر منه و خرب سور آمد و سور سابة و فتل أهلها إلى جبل يعرف بهرمازا باروني و سرخاشان سور طمس منها إلى البحر على ثلاثة أميال و هي على حد جرجان و كانت تبنيه سداً بين الترك و طبرستان و جعل عليه خندقاً و من أهل جرجان إلى نيسابور ، و أنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين في جيش كثيف لحفظ جرجان ، فعسكر على الخندق ، ثم بعث مولاه حيان جبلة إلى قومس فعسكر على جبال شروين ، و بعث المعتصم من بغداد محمد بن إبراهيم بن مصعب و بعث منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري ، و بعث أبا الساج إلى دنباوند و أحاطت العساكر بحياله من كل ناحية ، و داخل أصحاب الحسن بن الحسين أصحاب سرخاشان في تسليم سورهم و ليس بينهما إلا عرض الخندق ، فكلموه و سار الآخرون إليه على حين غفلة من القائدين ، و ركب الحسن بن الحسين و قد ملك أصحابه السور و دخلوا منه فهرب سرخاشان و قبضوا على أخيه شهريار فقتل . ثم قبض على سرخاشان على خمسة فراسخ من معسكره و جيء به إلى الحسن بن الحسين فقتله أيضاً . ثم وقعت بين حيان بن جبلة و بين فارق بن شهريار و هو ابن أخي مازيار و من قواده ، مداخلة استمالت حيان ، فأجاب أن يسلم مدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكوه جبال آبائه ، و بعث حيان إلى ابن طاهر فسجل لقارن بما سأل ، و كان قارن في جملة عبد الله بن قارن أخي مازيار و من قواده فأحضر جميعهم لطعامه و قبض عليهم ، و بعث بهم إلى حيان فدخل جبال قارن في جموعه و اعتصم لذلك مازيار ، و أشار عليه أخوه القوهيار أن يخلي سبيل من عنده من أصحاب ينزلون من الجبل إلى مواطنهم لئلا يؤتى من قبلهم ، فصرف صاحب شرطته و خراجه و كاتبه حميدة ، فلحقوا بالسهل و وثب أهل سارية بعامله عليهم مهرستان بن شهرين فهرب و دخل حيان سارية . ثم بعث قوهيار أخو مازيار محمد بن موسى بن حفص عامل طبرستان و كانوا قد حبسوه عند انتقاضهم ، فبعثه إلى حيان ليأخذ له الأمان و ولاية جبال آبائه على أن يسلم إليه مازيار ، و عذل قوهيار بعض أصحابه في عدو له بالأستئمان عن الحسن إلى حيان فرجع إليهم و كتبوا إلى الحسن يستدعونه قوهيار من أخيه مازيار فركب من معسكره بطمس و جاء لموعدهم و لقي حيان على فرسخ فرده إلى جبال شروين التي افتتحها ، و وبخه على غيبته عنها فرجع إلى سارية و توفي ، و بعث عبد الله مكانه بن الحسين بن مصعب و عهد إليه أن لا يمنع قارن ما يريده ، و لما وصل الحسن إلى خرماباذ وسط جبال مازيار لقيه هنالك ، و استوثق كل منهما من صاحبه ، و كاتب محمد بن إبراهيم ابن مصعب من قواده المعتصم قوهيار بمثل ذلك ، فركب قاصداً إليه ، و بلغ الحسن خبره فركب في العسكر و حازم يسابق محمد بن إبراهيم إلى قوهيار فسبقه و لقي قوهيار و قد جاء بأخيه مازيار فقبض عليه و بعثه مع إثنين من قواده إلى خرماباذ و منها إلى مدينة سارية . ثم ركب و استقبل محمد بن إبراهيم بن مصعب و قال : أين تريد ؟ فقال : إلى المازيار فقال هو بسارية ، ثم حبس الحسن أخوي المازيار و رجع إلى مدينة سارية فقيد المازيار بالقيد الذي قيد به محمد بن محمد بن موسى بن حفص ، و جاء كتاب عبد الله بن طاهر بأن يدفع المازيار و أخويه و أهل بيته إلى محمد بن إبراهيم يحملهم إلى المعتصم . و سأل الحسن المازيار عن أمواله فذكر أنها عند قوم من وجوه سارية سماهم و أمر الحسن القوهيار بحمل هذه الأموال ، و سار إلى الجبل ليحملها ، فوثب به مماليك المازيار من الديلم و كانوا ألفاً و مائتين فقتلوه بثأر أخيه و هربوا إلى الديلم ، فاعترضهم جيوش محمد بن إبراهيم و أخذوهم فبعث بهم إلى مدينة سارية . و قيل إن الذي غدر بالمازيار ابن عم له كان يتوارث جبال طبرستان و المازيار يتوارث سهلها ، و كانت جبال طبرستان ثلاثة أجبل فلما انتقض و احتاج إلى الرجال دعا ابن عمه من السهل و ولاه على أصعبها و ظن أنه قد توثق به فكاتب هو الحسن و أطلعه على مكاتبة الأفشين لمازيار و داخله في الفتك على أن يوليه ما كان لآبائه ، و أن المازيار لما ولاه الحسن بن سهل طبرستان انتزع الجبل من يده فأفضى له الحسن كتاب ابن طاهر و توثق له فيه ، و أوعده ليوم معلوم ركب فيه الحسن إلى الجبل فأدخله ابن عم مازيار و حاصروه حتى نزل على حكمه . و يقال أخذه أسيراً في الصيد . و مضى الحسن به ولم يشعر صاحب الجبل الآخر و أقام في قتاله لمن كان بازائه فلم يشعر إلا و العساكر من ورائه فانهزم ، و مضى إلى بلاد الديلم فأتبعوه و قتلوه . و لما صار المازيار في يده طلبت منه كتب الأفشين فأحضرها ، و أمر ابن طاهر أن يبعث بها معه إلى المعتصم ، فلما وصل إلى المعتصم ضربه حتى مات و صلبه إلى جانب بابك و ذلك سنة أربع و عشرين .
ولاية ابن السيد على الموصل
و في سنة أربع و عشرين ولى المعتصم على الموصل عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي و كان سبب ولايته أن رجلا من مقدمي الأكراد يعرف بجعفر بن فهرجس كان قد عصى بأعمال الموصل ، و تبعه خلق كثير من الأكراد و غيرهم ، و أفسدوا البلاد فبعث المعتصم لحربه عبد الله بن السيد بن أنس فقاتله و غلبه و أخرجه منها بعد أن كان استولى عليها و لحق بجبل دانس و امتنع بأعاليه ، و قاتله عبد الله و توغل في مضايق ذلك الجبل ، فهزمه الأكراد و أثخنوا في أصحابه بالقتل ، و قتل إسحق بن أنس عم عبد الله فبعث المعتصم مولاه إتياخ في العساكر إلى الموصل سنة خمس و عشرين و قصد جبل داسن فقاتل جعفراً و قتله و افترق أصحابه ، و أوقع بالأكراد و استباحهم و فروا أمامه إلى تكريت .
نكبة الأفشين و مقتله
كان الأفشين من أهل اشروسنة تبوأها ببغداد عند المعتصم و عظم محله عنده و لما حاصر بابك كان يبعث إلى أشروسنة بجميع أمواله ، فيكتب ابن طاهر بذلك إلى المعتصم ، فيأمره المعتصم بأن يجعل عيونه في ذلك . و عثر مرة ابن طاهر على تلك الأموال فأخذها و صرفها في العطاء ، و قال له حاملوها : هذا مال الأفشين فقال : كذبتم لو كان ذلك لأعلمني أخي أفشين به ، و إنما أنتم لصوص ، و كتب إلى الأفشين بذلك بأنه دفع المال إلى الجند ليوجههم إلى الترك فكتب إليه الأفشين مالي و مال أمير المؤمنين واحد ، و سأله في إطلاق القوم فأطلقهم و استحكمت الوحشة بينهما و تتابعت السعاية فيه من طاهر ، و ربما فهم الأفشين أن المعتصم يعزله عن خراسان فطمع في ولايتها ، و كان مازيار يحسن له الخلافة ليدعو المعتصم ذلك إلى عزله و ولاية الأفشين لحرب مازيار . فكان من أمر مازيار ما ذكرناه و سيق إلى بغداد مقيداً ، و ولى المعتصم الأفشين على أذربيجيان فولى عليها من قبله منكجور من بعض قرابته فاستولى على مال عظيم لبابك . و كتب به صاحب البريد إلى المعتصم فكذبه منكجور و هم بقتله ، فمنعه أهل أردبيل فقاتلهم ، و سمع ذلك المعتصم فأمر الأفشين بعزل منكجور و بعث قائداً في عسكره مكانه ، فخلع منكجور و خرج من أردبيل فهزمه القائد ببعض حصون أذربيجان كان بابك خربه ، فأصلحه و تحصن فيه شهراً ثم وثب أصحاب و أسلموه إلى القائد ، فقدم به إلى سامرا فحبسه المعتصم و اتهم الأفشين في أمره و ذلك سنة خمس و عشرين و مائتين بأن القائد كان بغا الكبير و أنه خرج إليه بالأمان و لما أحسن الأفشين بتغير المعتصم أجمع أمره على الفرار و اللحاق بأرمينية ، و كانت في ولايته و يخرج منها إلى بلاد الخزر و يرجع إلى بلاد أشروسنة ، و صعب عليه ذلك بمباشرة المعتصم أمره فأراد ان يتخذ لهم صنيعاً يشغلهم فيه نهارهم ، ثم يسير من أول الليل . و عرض له في أثناء ذلك غضب على بعض مواليه و كان سيء الملكة فأيقن مولاه بالهلكة ، و جاء إلى إتياخ فأحضره إلى المعتصم و خبره الخبر فأمره بإحضاره و حبسه بالجوسق ، و كان ابنه الحسن عاملاً على بعض ما وراء النهر فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال عليه ، و كان يشكو من نوح بن أسد صاحب بخارى . فكتب ابن طاهر إلى الحسن بولاية بخارى و كتب إلى نوح بذلك و أن يستوثق منه إذا وصل إليه و يبعث به ، ثم يبعث به إلى ابن طاهر ، ثم إلى المعتصم . ثم أمر المعتصم بإحضار الأفشين و مناظرته فيما قيل عنه ، فأحضر عند الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات و عنده القاضي أحمد بن أبي داود و إسحق بن إبراهيم و جماعة القواد و الأعيان ، و أحضر المازيار من محبسه المؤيد و المرزبان بن تركش أحد ملوك الصغد ، و رجلان من أهل الصغد يدعيان أن الأفشين ضربهما و هما إمام و مؤذن بمسجد . فكشفا عن ظهورهما و هما عاريان من اللحم ، فقال اين الزيات للأفشين : ما بال هذين ؟ قال : عهدا إلى معاهدين فوثبا على بيت أصنافهم فكسراها ، و اتخذ البيت مسجداً فعاقبتهما على ذلك . و قال ابن الزيات : ما بال الكتاب المحلى بالذهب و الجواهر عندك و فيه الكفر ؟ و قال : كتاب ورثته من آبائي و أوصوني بما فيه من آدابهم فكنت آخذها منه و أترك كفرهم ، ولم أحتج إلى نزع حلبته ، و ما ظننت أن مثل هذا يخرج عن الإسلام . ثم قال المؤيد أنه يأكل لحم المنخنقة و يحملني على أكلها و يقول : هو أرطب من لحم المذبوحة ! و لقد قال لي يوماً حملت على كل مكروه لي حتى أكلت الزيت و ركبت الجمل و لبست النعل ، و إلى هذه الغاية لم أختتن ولم تسقط عني شعرة العانة . فقال الأفشين : أثقة هذا عندكم في دينه ؟ و كان مجوسياً قالوا : لا ! قال : فكيف تقبلونه علي ؟ ثم قال للمؤيد : أنت ذكرت أني أسررت إليك ذلك ، فلست بثقة في دينك و لا بكريم في عهدك ثم قال له المرزبان : كيف يكاتبك أهل أشروسنة ؟ قال : ما أدري ! قال : أليس يكاتبونك بما تفسره بالعربي إلى إله الآلهة من عبده فلان ؟ قال : بلى ! فقال ابن الزيات : فمات أبقيت لفرعون ؟ قال هذه عادة منهم لأبي وجدي ولي قبل الإسلام ، و لو منعتهم لفسدت علي طاعتهم . ثم قال له : أنت كاتبت هذا و أشار إلى المازيار . كتب أخوه إلى أخي قوهيار أنه لن ينصر هذا الدين غيري و غيرك و غير بابك ، فأما بابك فقد قتل نفسه بجمعه ، و لقد عهدت أن أمنعه فأبى إلا خنقه ، و أنت إن خالفت لم يرمك القوم بغيري و معي أهل النجدة ، و إن توجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب و المغاربة و الترك ، و العربي كلب تناوله لقمة و تضرب رأسه ، و المغاربة أكله رأس ، و الأتراك لهم صدمة ثم تجول الخيل جولة فتأتي عليهم ، و يعود هذا الدين إلى ما كان عليه أيام العجم . فقل الأفشين : هذا يدعى أن أخي كتب إلى أخيه فما يجب علي ؟ و لو كتب فأنا أستميله مكراً به لأحظى عند الخليفة كما حظي به اين طاهر ، فزجره ابن أبي دؤاد فقال له الأفشين : ترفع طيلسانك فلا تضعه حتى تقتل جماعة فقال : أمتطهر أنت ؟ قال : لا ! قال : فما يمنعك و هو شعار الإسلام ؟ قال : خشيت على نفسي من قطعة ! قال : فكيف و أنت تلقى الرماح و السيوف ؟ قال تلك ضرورة أصبر عليها و هذا أستجلبه . فقال ابن أبي دؤاد لبغا الكبير : قد بان لكم أمره يا بغا عليك به . فدفعه بيديه و رده إلى محبسه ، و ضرب مازيار أربعمائة سوط فمات منها ، و طلب أفشين من المعتصم أن ينفذ إليه من يثق به ، فبعث حمدون بن إسمعيل فاعتذر له عن جميع ما قيل فيه و حمل إلى دار إيتاخ فقتل بها و صلب على باب العامة ، ثم أحرق و ذلك في شعبان من سنة ست و عشرين ، و قيل قطع عنه الطعام و الشراب حتى مات .
ظهور المبرقع
كان هذا المبرقع يعرف بأبي حرب اليماني و كان بفلسطين و أراد بعض الجند النزول في داره فمنعه بعض النساء فضربها الجندي ، و جاء فشكت إليه بفعل الجندي ، فسار إليه و قتله ، ثم هرب إلى جبال الأردن فأقام به و اختفى ببرقع على و جهه و صار يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يعيب الخليفة و يزعم أنه أموي ، و اجتمع له قوم من تلك الناحية و قالوا : هو السفياني ثم أجابه جماعة من رؤساء اليمانية منهم ابن بهيس و كان مطاعاً في قومه و غيره فاجتمع له مائة ألف ، و سرح المعتصم رجاء بن أيوب في ألف من الجند فخام عن لقائهم لكثرة من معه ، و عسكر قبالته ينتظرون أوان الزراعة و انصراف الناس عنه لأعمالهم . و بينما هم في الإنصراف توفي المعتصم و ثارت الفتنة بدمشق ، فأمره الواثق بقتل من آثار الفتنة و العود إلى المبرقع ، ففعل و قاتله فأخذه أسيراً و ابن بهيس معه ، و قتل من أصحابه عشرين ألفاً و حمله و ذلك سنة سبع و عشرين و مائتين .
وفاة المعتصم و بيعة الواثق
و توفي المعتصم أبو إسحق محمد بن المأمون بن الرشيد منتصف ربيع الأول سنة سبع و عشرين لثمان سنين و ثمانية أشهر من خلافته و بويع ابنه هرون الواثق صبيحته و تكنى أبا جعفر . فثار أهل دمشق بأميرهم و حاصروه و عسكرهم بمرج واسط و كان رجاء بن أيوب بالرملة في قتال المبرقع ، فرجع إليهم بأمر الواثق فقاتلهم و هزمهم و أثخن فيهم ، و قتل منهم نحو ألف و خمسمائة و من أصحابه نحو ثلثمائة ، و صلح أمر دمشق ، و رجع رجاء إلى
انتقاض مازيار و قتله
كان مازيار بن قارن بن وندا هرمز صاحب طبرستان و كان منافراً لعبد الله بن طاهر فلا يحمل إليه الخراج و قال : لا أحمله إلا للمعتصم فيبعث المعتصم من يقبضه من أصحابه و يدفعه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان . و عظمت الفتنة بين مازيار و عبد الله و عظمت سعاية عبد الله في مازيار عند المعتصم حتى استوحش منه . و لما ظفر الأفشين ببابك و عظم محله عند المعتصم وطمع في ولاية خراسان ظن أن انتقاض مازيار وسيلة لذلك فجعل يستميل مازيار و يحرضه على عداوة ابن طاهر و إن أدت إلى الخلاف لبيعته المعتصم لحربه فيكون ذلك وسيلة له إلى استيلائه على خراسان ظناً بأن ابن طاهر لا ينهض لمحاربته . فانتفض مازيار و حمل الناس على بيعته كرهاً و أخذ رهائنهم و عجل جباية الخراج فأستكثر منه و خرب سور آمد و سور سابة و فتل أهلها إلى جبل يعرف بهرمازا باروني و سرخاشان سور طمس منها إلى البحر على ثلاثة أميال و هي على حد جرجان و كانت تبنيه سداً بين الترك و طبرستان و جعل عليه خندقاً و من أهل جرجان إلى نيسابور ، و أنفذ عبد الله بن طاهر عمه الحسن بن الحسين في جيش كثيف لحفظ جرجان ، فعسكر على الخندق ، ثم بعث مولاه حيان جبلة إلى قومس فعسكر على جبال شروين ، و بعث المعتصم من بغداد محمد بن إبراهيم بن مصعب و بعث منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري ، و بعث أبا الساج إلى دنباوند و أحاطت العساكر بحياله من كل ناحية ، و داخل أصحاب الحسن بن الحسين أصحاب سرخاشان في تسليم سورهم و ليس بينهما إلا عرض الخندق ، فكلموه و سار الآخرون إليه على حين غفلة من القائدين ، و ركب الحسن بن الحسين و قد ملك أصحابه السور و دخلوا منه فهرب سرخاشان و قبضوا على أخيه شهريار فقتل . ثم قبض على سرخاشان على خمسة فراسخ من معسكره و جيء به إلى الحسن بن الحسين فقتله أيضاً . ثم وقعت بين حيان بن جبلة و بين فارق بن شهريار و هو ابن أخي مازيار و من قواده ، مداخلة استمالت حيان ، فأجاب أن يسلم مدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكوه جبال آبائه ، و بعث حيان إلى ابن طاهر فسجل لقارن بما سأل ، و كان قارن في جملة عبد الله بن قارن أخي مازيار و من قواده فأحضر جميعهم لطعامه و قبض عليهم ، و بعث بهم إلى حيان فدخل جبال قارن في جموعه و اعتصم لذلك مازيار ، و أشار عليه أخوه القوهيار أن يخلي سبيل من عنده من أصحاب ينزلون من الجبل إلى مواطنهم لئلا يؤتى من قبلهم ، فصرف صاحب شرطته و خراجه و كاتبه حميدة ، فلحقوا بالسهل و وثب أهل سارية بعامله عليهم مهرستان بن شهرين فهرب و دخل حيان سارية . ثم بعث قوهيار أخو مازيار محمد بن موسى بن حفص عامل طبرستان و كانوا قد حبسوه عند انتقاضهم ، فبعثه إلى حيان ليأخذ له الأمان و ولاية جبال آبائه على أن يسلم إليه مازيار ، و عذل قوهيار بعض أصحابه في عدو له بالأستئمان عن الحسن إلى حيان فرجع إليهم و كتبوا إلى الحسن يستدعونه قوهيار من أخيه مازيار فركب من معسكره بطمس و جاء لموعدهم و لقي حيان على فرسخ فرده إلى جبال شروين التي افتتحها ، و وبخه على غيبته عنها فرجع إلى سارية و توفي ، و بعث عبد الله مكانه بن الحسين بن مصعب و عهد إليه أن لا يمنع قارن ما يريده ، و لما وصل الحسن إلى خرماباذ وسط جبال مازيار لقيه هنالك ، و استوثق كل منهما من صاحبه ، و كاتب محمد بن إبراهيم ابن مصعب من قواده المعتصم قوهيار بمثل ذلك ، فركب قاصداً إليه ، و بلغ الحسن خبره فركب في العسكر و حازم يسابق محمد بن إبراهيم إلى قوهيار فسبقه و لقي قوهيار و قد جاء بأخيه مازيار فقبض عليه و بعثه مع إثنين من قواده إلى خرماباذ و منها إلى مدينة سارية . ثم ركب و استقبل محمد بن إبراهيم بن مصعب و قال : أين تريد ؟ فقال : إلى المازيار فقال هو بسارية ، ثم حبس الحسن أخوي المازيار و رجع إلى مدينة سارية فقيد المازيار بالقيد الذي قيد به محمد بن محمد بن موسى بن حفص ، و جاء كتاب عبد الله بن طاهر بأن يدفع المازيار و أخويه و أهل بيته إلى محمد بن إبراهيم يحملهم إلى المعتصم . و سأل الحسن المازيار عن أمواله فذكر أنها عند قوم من وجوه سارية سماهم و أمر الحسن القوهيار بحمل هذه الأموال ، و سار إلى الجبل ليحملها ، فوثب به مماليك المازيار من الديلم و كانوا ألفاً و مائتين فقتلوه بثأر أخيه و هربوا إلى الديلم ، فاعترضهم جيوش محمد بن إبراهيم و أخذوهم فبعث بهم إلى مدينة سارية . و قيل إن الذي غدر بالمازيار ابن عم له كان يتوارث جبال طبرستان و المازيار يتوارث سهلها ، و كانت جبال طبرستان ثلاثة أجبل فلما انتقض و احتاج إلى الرجال دعا ابن عمه من السهل و ولاه على أصعبها و ظن أنه قد توثق به فكاتب هو الحسن و أطلعه على مكاتبة الأفشين لمازيار و داخله في الفتك على أن يوليه ما كان لآبائه ، و أن المازيار لما ولاه الحسن بن سهل طبرستان انتزع الجبل من يده فأفضى له الحسن كتاب ابن طاهر و توثق له فيه ، و أوعده ليوم معلوم ركب فيه الحسن إلى الجبل فأدخله ابن عم مازيار و حاصروه حتى نزل على حكمه . و يقال أخذه أسيراً في الصيد . و مضى الحسن به ولم يشعر صاحب الجبل الآخر و أقام في قتاله لمن كان بازائه فلم يشعر إلا و العساكر من ورائه فانهزم ، و مضى إلى بلاد الديلم فأتبعوه و قتلوه . و لما صار المازيار في يده طلبت منه كتب الأفشين فأحضرها ، و أمر ابن طاهر أن يبعث بها معه إلى المعتصم ، فلما وصل إلى المعتصم ضربه حتى مات و صلبه إلى جانب بابك و ذلك سنة أربع و عشرين .
ولاية ابن السيد على الموصل
و في سنة أربع و عشرين ولى المعتصم على الموصل عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي و كان سبب ولايته أن رجلا من مقدمي الأكراد يعرف بجعفر بن فهرجس كان قد عصى بأعمال الموصل ، و تبعه خلق كثير من الأكراد و غيرهم ، و أفسدوا البلاد فبعث المعتصم لحربه عبد الله بن السيد بن أنس فقاتله و غلبه و أخرجه منها بعد أن كان استولى عليها و لحق بجبل دانس و امتنع بأعاليه ، و قاتله عبد الله و توغل في مضايق ذلك الجبل ، فهزمه الأكراد و أثخنوا في أصحابه بالقتل ، و قتل إسحق بن أنس عم عبد الله فبعث المعتصم مولاه إتياخ في العساكر إلى الموصل سنة خمس و عشرين و قصد جبل داسن فقاتل جعفراً و قتله و افترق أصحابه ، و أوقع بالأكراد و استباحهم و فروا أمامه إلى تكريت .
نكبة الأفشين و مقتله
كان الأفشين من أهل اشروسنة تبوأها ببغداد عند المعتصم و عظم محله عنده و لما حاصر بابك كان يبعث إلى أشروسنة بجميع أمواله ، فيكتب ابن طاهر بذلك إلى المعتصم ، فيأمره المعتصم بأن يجعل عيونه في ذلك . و عثر مرة ابن طاهر على تلك الأموال فأخذها و صرفها في العطاء ، و قال له حاملوها : هذا مال الأفشين فقال : كذبتم لو كان ذلك لأعلمني أخي أفشين به ، و إنما أنتم لصوص ، و كتب إلى الأفشين بذلك بأنه دفع المال إلى الجند ليوجههم إلى الترك فكتب إليه الأفشين مالي و مال أمير المؤمنين واحد ، و سأله في إطلاق القوم فأطلقهم و استحكمت الوحشة بينهما و تتابعت السعاية فيه من طاهر ، و ربما فهم الأفشين أن المعتصم يعزله عن خراسان فطمع في ولايتها ، و كان مازيار يحسن له الخلافة ليدعو المعتصم ذلك إلى عزله و ولاية الأفشين لحرب مازيار . فكان من أمر مازيار ما ذكرناه و سيق إلى بغداد مقيداً ، و ولى المعتصم الأفشين على أذربيجيان فولى عليها من قبله منكجور من بعض قرابته فاستولى على مال عظيم لبابك . و كتب به صاحب البريد إلى المعتصم فكذبه منكجور و هم بقتله ، فمنعه أهل أردبيل فقاتلهم ، و سمع ذلك المعتصم فأمر الأفشين بعزل منكجور و بعث قائداً في عسكره مكانه ، فخلع منكجور و خرج من أردبيل فهزمه القائد ببعض حصون أذربيجان كان بابك خربه ، فأصلحه و تحصن فيه شهراً ثم وثب أصحاب و أسلموه إلى القائد ، فقدم به إلى سامرا فحبسه المعتصم و اتهم الأفشين في أمره و ذلك سنة خمس و عشرين و مائتين بأن القائد كان بغا الكبير و أنه خرج إليه بالأمان و لما أحسن الأفشين بتغير المعتصم أجمع أمره على الفرار و اللحاق بأرمينية ، و كانت في ولايته و يخرج منها إلى بلاد الخزر و يرجع إلى بلاد أشروسنة ، و صعب عليه ذلك بمباشرة المعتصم أمره فأراد ان يتخذ لهم صنيعاً يشغلهم فيه نهارهم ، ثم يسير من أول الليل . و عرض له في أثناء ذلك غضب على بعض مواليه و كان سيء الملكة فأيقن مولاه بالهلكة ، و جاء إلى إتياخ فأحضره إلى المعتصم و خبره الخبر فأمره بإحضاره و حبسه بالجوسق ، و كان ابنه الحسن عاملاً على بعض ما وراء النهر فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال عليه ، و كان يشكو من نوح بن أسد صاحب بخارى . فكتب ابن طاهر إلى الحسن بولاية بخارى و كتب إلى نوح بذلك و أن يستوثق منه إذا وصل إليه و يبعث به ، ثم يبعث به إلى ابن طاهر ، ثم إلى المعتصم . ثم أمر المعتصم بإحضار الأفشين و مناظرته فيما قيل عنه ، فأحضر عند الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات و عنده القاضي أحمد بن أبي داود و إسحق بن إبراهيم و جماعة القواد و الأعيان ، و أحضر المازيار من محبسه المؤيد و المرزبان بن تركش أحد ملوك الصغد ، و رجلان من أهل الصغد يدعيان أن الأفشين ضربهما و هما إمام و مؤذن بمسجد . فكشفا عن ظهورهما و هما عاريان من اللحم ، فقال اين الزيات للأفشين : ما بال هذين ؟ قال : عهدا إلى معاهدين فوثبا على بيت أصنافهم فكسراها ، و اتخذ البيت مسجداً فعاقبتهما على ذلك . و قال ابن الزيات : ما بال الكتاب المحلى بالذهب و الجواهر عندك و فيه الكفر ؟ و قال : كتاب ورثته من آبائي و أوصوني بما فيه من آدابهم فكنت آخذها منه و أترك كفرهم ، ولم أحتج إلى نزع حلبته ، و ما ظننت أن مثل هذا يخرج عن الإسلام . ثم قال المؤيد أنه يأكل لحم المنخنقة و يحملني على أكلها و يقول : هو أرطب من لحم المذبوحة ! و لقد قال لي يوماً حملت على كل مكروه لي حتى أكلت الزيت و ركبت الجمل و لبست النعل ، و إلى هذه الغاية لم أختتن ولم تسقط عني شعرة العانة . فقال الأفشين : أثقة هذا عندكم في دينه ؟ و كان مجوسياً قالوا : لا ! قال : فكيف تقبلونه علي ؟ ثم قال للمؤيد : أنت ذكرت أني أسررت إليك ذلك ، فلست بثقة في دينك و لا بكريم في عهدك ثم قال له المرزبان : كيف يكاتبك أهل أشروسنة ؟ قال : ما أدري ! قال : أليس يكاتبونك بما تفسره بالعربي إلى إله الآلهة من عبده فلان ؟ قال : بلى ! فقال ابن الزيات : فمات أبقيت لفرعون ؟ قال هذه عادة منهم لأبي وجدي ولي قبل الإسلام ، و لو منعتهم لفسدت علي طاعتهم . ثم قال له : أنت كاتبت هذا و أشار إلى المازيار . كتب أخوه إلى أخي قوهيار أنه لن ينصر هذا الدين غيري و غيرك و غير بابك ، فأما بابك فقد قتل نفسه بجمعه ، و لقد عهدت أن أمنعه فأبى إلا خنقه ، و أنت إن خالفت لم يرمك القوم بغيري و معي أهل النجدة ، و إن توجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب و المغاربة و الترك ، و العربي كلب تناوله لقمة و تضرب رأسه ، و المغاربة أكله رأس ، و الأتراك لهم صدمة ثم تجول الخيل جولة فتأتي عليهم ، و يعود هذا الدين إلى ما كان عليه أيام العجم . فقل الأفشين : هذا يدعى أن أخي كتب إلى أخيه فما يجب علي ؟ و لو كتب فأنا أستميله مكراً به لأحظى عند الخليفة كما حظي به اين طاهر ، فزجره ابن أبي دؤاد فقال له الأفشين : ترفع طيلسانك فلا تضعه حتى تقتل جماعة فقال : أمتطهر أنت ؟ قال : لا ! قال : فما يمنعك و هو شعار الإسلام ؟ قال : خشيت على نفسي من قطعة ! قال : فكيف و أنت تلقى الرماح و السيوف ؟ قال تلك ضرورة أصبر عليها و هذا أستجلبه . فقال ابن أبي دؤاد لبغا الكبير : قد بان لكم أمره يا بغا عليك به . فدفعه بيديه و رده إلى محبسه ، و ضرب مازيار أربعمائة سوط فمات منها ، و طلب أفشين من المعتصم أن ينفذ إليه من يثق به ، فبعث حمدون بن إسمعيل فاعتذر له عن جميع ما قيل فيه و حمل إلى دار إيتاخ فقتل بها و صلب على باب العامة ، ثم أحرق و ذلك في شعبان من سنة ست و عشرين ، و قيل قطع عنه الطعام و الشراب حتى مات .
ظهور المبرقع
كان هذا المبرقع يعرف بأبي حرب اليماني و كان بفلسطين و أراد بعض الجند النزول في داره فمنعه بعض النساء فضربها الجندي ، و جاء فشكت إليه بفعل الجندي ، فسار إليه و قتله ، ثم هرب إلى جبال الأردن فأقام به و اختفى ببرقع على و جهه و صار يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ، و يعيب الخليفة و يزعم أنه أموي ، و اجتمع له قوم من تلك الناحية و قالوا : هو السفياني ثم أجابه جماعة من رؤساء اليمانية منهم ابن بهيس و كان مطاعاً في قومه و غيره فاجتمع له مائة ألف ، و سرح المعتصم رجاء بن أيوب في ألف من الجند فخام عن لقائهم لكثرة من معه ، و عسكر قبالته ينتظرون أوان الزراعة و انصراف الناس عنه لأعمالهم . و بينما هم في الإنصراف توفي المعتصم و ثارت الفتنة بدمشق ، فأمره الواثق بقتل من آثار الفتنة و العود إلى المبرقع ، ففعل و قاتله فأخذه أسيراً و ابن بهيس معه ، و قتل من أصحابه عشرين ألفاً و حمله و ذلك سنة سبع و عشرين و مائتين .
وفاة المعتصم و بيعة الواثق
و توفي المعتصم أبو إسحق محمد بن المأمون بن الرشيد منتصف ربيع الأول سنة سبع و عشرين لثمان سنين و ثمانية أشهر من خلافته و بويع ابنه هرون الواثق صبيحته و تكنى أبا جعفر . فثار أهل دمشق بأميرهم و حاصروه و عسكرهم بمرج واسط و كان رجاء بن أيوب بالرملة في قتال المبرقع ، فرجع إليهم بأمر الواثق فقاتلهم و هزمهم و أثخن فيهم ، و قتل منهم نحو ألف و خمسمائة و من أصحابه نحو ثلثمائة ، و صلح أمر دمشق ، و رجع رجاء إلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
قتال المبرقع حتى جاء به أسيراً بيعة الواثق توجه أشناس و وشحه و كان للواثق سمر يجلسون عنده و يفيضون في الأخبار حتى أخبروه عن شأن البرامكة و استبدادهم على الرشيد و احتجابهم الأموال فأغراه ذلك بمصادرة الكتاب فحبسهم و ألزمهم الأموال . فأخذ من أحمد بن إسرئيل ثمانين ألف دينار ، بعد أن ضربه ، و من سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربعمائة ألف ، و من الحسن بن وهب أربعة عشر ألفاً ، و من إبراهيم بن رباح و كاتبه مائة ألف ، و من أبي الوزر مائة و أربعين ألفاً و كان على اليمن إتياخ و ولاه عليها المعتصم بعدها عزل جعفر بن دينار ، و سخطه و حبسه ثم رضي عنه و أطلقه ، فلما ولي الواثق إيتاخ على اليمن من قبله سار بأميان ، فسار إليها و كان الحرس إسحق بن يحيى بن معاذ ولاه المعتصم بعد عزل الأفشين ، و ولى الواثق على المدينة سنة احدى و عشرين محمد بن صالح بن العباس و بقي محمد بن داود على مكة ، توفي عبد الله بن طاهر سنة ثلاثين و كان على خراسان و كرمان و طبرستان و الري و كان له الحرب و الشرطة و السواد فولى الواثق على أعماله كلها ابنه طاهراً .
وقعة بغافى الأعراب
كان بنو سليم يفسدون بنواحي المدينة و يتسلطون على الناس في أموالهم و أوقعوا بناس من كنانة و باهلة ، و بعث محمد بن صالح إليهم مسلحة المدينة و معهم متطوعة من قريش و الأنصار فهزمهم بنو سليم و قتلوا عامتهم و أحرقوا لباسهم و سلاحهم و كراعهم و نهبوا القرى مابين مكة و المدينة و انقطع الطريق ، فبعث الواثق بغا الكبير ، و قدم المدينة في شعبان فقاتلهم و هزمهم و قتل منهم خمسين رجلاً و أسر مثلها ، و استأمنوا له على حكم الواثق ، فقبض على ألف منهم ممن يعرف بالفساد فحبسهم بالمدينة و ذلك سنة ثلاثين . ثم حج و سار إلى ذات عرق و عرض على بني هلال مثل بني سليم فأخذ من المفسدين منهم نحو ثلثمائة رجل و حبسهم بالمدينة و أطلق الباقين . ثم خرج بغا إلى بني مرة فنقب أولئك الأسرى الحبس و قتلوا الموكلين ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ليلاً و منعوهم من الخروج فقاتلوهم إلى الصبح ثم قتلوهم ، و شق ذلك على بغا و كان سبب غيبته أن فزارة و بني مرة تغلبوا على فدك ، فخرج إليهم و قدم رجلاً من قواده يعرض عليهم الأمان ، فهربوا من سطوته إلى الشام و اتبعهم إلى تخوم الحجاز من الشام ، و أقام أربعين ليلة ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر منهم . و جاءه قوم من بطون غفار و فزارة و أشجع و ثعلبة فاستخلفهم على الطاعة ثم سار إلى بني كلاب فأتوه في ثلاثة آلاف رجل فحبس أهل الفساد منهم ألفاً بالمدينة و أطلق الباقين ، و أمره الواثق سنة اثنين و ثلاثين بالمسير إلى بني نمير باليمامة و ما قرب منها لقطع فسادهم ، فسار إليهم و لقي جماعة منهم فحاربهم و قتل منهم خمسين و أسر أربعين . ثم سار إلى مرة و بعث إليهم الطاعة فامتنعوا و سار إلى جبال السند و طف اليمامة و بعث سراياهم فأوقع بهم في كل ناحية ثم سار إليهم في ألف رجل فلقيهم قريباً من أضاخ فكشفوا مقدمته و ميسرته و أثخنوا في عسكره بالقتل و النهب . ثم ساروا تحت الليل و هو في اتباعهم يدعوهم إلى الطاعة و بعث طائفة من جنده يدعوه بعضهم و أصبح و هو في قلة ، فحملوا عليه و هزموه إلى معسكره ، و إذا بالطائفة الذين بعثهم قد جاؤا من وجهتهم فلما رآهم بنو نمير من خلفهم و لوا منهزمين و أسلموا رجالهم و أموالهم و نجوا على خيلهم و لم يفلت من رجالتهم أحد ، و قتل منهم نحو ألف و خمسمائة ، و أقام بمكان الوقعة و استأمن له أمراؤهم فقيدهم و حبسهم بالبصرة . و قدم عليه واجن الأشروسني في سبعمائة مقاتل مدداً فبعثه إلى اتباعهم إلى أن بلغ تبالة من أعمال اليمن و رجع ، و سار بغا إلى بغداد بمن معه منهم و كانوا نحو ألفي رجل و مائتي رجل ، و كتب إلى صالح أمير المدينة أن يوافيه ببغداد من عنده منهم فجاء بهم و سلموا جميعاً .
مقتل أحمد بن نصر
و هو أحمد بن مالك و هو أحد النقباء كما تقدم و كان أحمد هذا نسيبة لأهل الحديث و يغشاه جماعة منهم مثل ابن حصين و ابن الدورقي و أبي زهير ،و لقن منهم النكير على الواثق بقوله بخلق القرآن . ثم تعدى ذلك إلى الشتم و كان ينعته بالخنزير و الكافر ، و فشا ذلك عنه و انتدب رجلان ممن كان يغشاه هما أبو هرون السراج و طالب و غيرهما فدعوا الناس له و بايعه خلق على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و فرقوا الأموال في الناس ديناراً لكل رجل ، و أنفذوا لثلاث تمضي من شعبان من سنة احدى و ثلاثين يظهرون فيها دعوتهم . و اتفق أن رجالاً ممن بايعهم من بني الأشرس جاؤا قبل الموعد بليلة و قد نال منهم السكر فضربوا الطبل و صاحب الشرطة إسحق بن إبراهيم غائب ، فارتاع خليفة محمد أخوه فأرسل من يسأل عن ذلك فلم يوجد أحد ، و أتوه برجل أعور اسمه عيسى وجدوه في الحمام فدلهم على بني الأشرس و على أحمد بن نصر و على أبي هرون و طالب ، ثم سيق خادم أحمد بن نصر فذكر القصة ، فقبض عليه و بعث بهم جميعاً إلى الواثق بسامرا مقيدين ، و جلس لهم مجلساً عاماً و حضر فيه أحمد بن أبي دؤاد ، ولم يسأله الواثق عن خروجه و إنما سأله عن خلق القرآن فقال : هو كلام الله . ثم سأله عن الرؤية فقال : جاءت بها الأخبار الصحيحة و نصيحتي أن لا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم سأل الواثق العلماء حوله عن أمره ، فقال عبد الرحمن بن إسحق قاضي الجانب الغربي : هو حلال الدم ! و قال ابن أبي دؤاد : هو كافر يستتاب . فدعا الواثق بالصمصامة فانتضاها و مشى إليه فضربه على حبل عاتقه ثم على رأسه ، ثم وخزه في بطنه ، ثم أجهز سيما الدمشقي عليه و حزوا لرأسه و نصب ببغداد و صلب شلوه عنده بابها .
الفداء و الصائفة
و في سنة احدى و ثلاثين عقد الواثق لأحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة على الثغور و العواصم ، و أمره بحضور الفداء هو و جانمان الخادم ، و أمرهما أن تمتحن الأسرى باعتقاد القرآن و الرؤية . و جاء الروم بأسراهم و المسلمون كذلك و التقوا على نهر اللامس على مرحلة من طرطوس و كان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف و أربعة و ستين و النساء و الصبيان ثمانمائة و أهل الذمة مائة . فلما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن مسلم شاتياً و أصاب الناس ثلج و مطر و هلك منهم مائة نفس ، و أسر منهم نحوها و خرق بالنيل قرون خلق ، و لقيه بطريق من الروم فخام عن لقائه ثم غنم و رجع ، فعزله الواثق و ولى مكانه نصر بن حمزة الخزاعي .
وفاة الواثق و بيعة المتوكل
و توفي الواثق أبو جعفر هرون بن المعتصم محمد لست بقين من سنة اثنتين و ثلاثين ، و كانت علته الاستسقاء و أدخل في تنور مسجر فلقي خفة ، ثم عاوده في اليوم الثاني أكثر من الأول فأخرج في محفة فمات فيها ، ولم يشعروا به . و قيل إن ابن أبي دؤاد غمضه و مات لخمس سنين و تسعة أشهر و خلافته ، و حضر في الداد أحمد بن أبي دؤاد و إتياخ و وصيف و عمر بن فرح و ابن الزيات ، و أراد البيعة لمحمد بن واثق و هو غلام إمر فألبسوه ، فإذا هو قصير فقال وصيف : أما تتقون الله تولون الخلافة مثل هذا ! ثم تناظروا فيمن يولونه و أحضروا المتوكل فألبسه ابن أبي دؤاد الطويلة و عممه و سلم عليه بإمارة المؤمنين و لقبه المتوكل ، و صلى على الواثق و دفنه . ثم وضع العطاء للجند لثمانية أشهر ، و ولى على بلاد فارس إبراهيم بن محمد بن مصعب ، و كان على الموصل غانم بن محمد الطويس فأقره و عزل ابن العباس محمد بن وصول عن ديوان النفقات و عقد لابنه المنتصر على الحرمين و اليمن و الطائف .
نكبة الوزير ابن الزيات و مهلكه
كان محمد بن عبد الملك بن الزيات قد استوزره الواثق فاستمكن من دولته و غلب على هؤلاء ، و كان لا يحفل بالمتوكل و لا يوجب حقه ، و غضب الواثق عليه مرة فجاء إلى ابن الزيات ليستنزله فأساء معاملته في التحية و الملاقاة فقال : اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك . و قام عنه حزيناً فجاء إلى القاضي أحمد بن دؤاد فلم يدع شيئاً من البر إلا فعله و حياه و فداه ، و خطب حاجته فقال : أحب أن ترضى عني أمير المؤمنين فقال : أفعل و نعمة عين ! و لم يزل بالواثق حتى رضي عنه . و كان ابن الزيات كتب إلى الواثق عندما خرج عنه المتوكل أن جعفراً أتاني فسأل الرضا عنه و له وفرة شبه زي المخنثين ، فأمره الواثق أن يحضره من شعر قفاه فاستحضره فجاء يظن الرضا عنه و أمر حجاماً أخذ من شعره و ضرب به وجهه فحقد له ذلك و أساء له . و لما ولي الخلافة بقي شهراً ثم أمر إيتاخ أن يقبض عليه و يقيده بداره و يصادره ، و ذلك في صفر سنة ثلاث و ثلاثين ، فصادره و استصفى أمواله و أملاكه و سلط عليه أنواع العذاب ، ثم جعله في تنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة و تزعج من فيه لضيقه ، ثم مات منتصف ربيع الأول ، و قيل إنه مات من الضرب و كان لا يزيد على التشهد و ذكر الله . و كان عمر بن الفرح الرحجي يعامل المتوكل بمثل ذلك فحقد له ، و لما استخلف قبض عليه في رمضان و استصفى أمواله ثم صودر على أحد عشرة ألف ألف .
نكبة إتياخ و مقتله
كان إتياخ مولى السلام الأبرص و كان عنده ناخورياً طباخاً ، و كان شجاعاً فاشتراه المعتصم منه سنة تسع و تسعين و ارتفع في دولته و دولة الواثق ابنه و كان له المؤنة بسامرا مع إسحق بن إبراهيم بن مصعب . و كانت نكبة العظماء في الدولة على يديه و حبسهم بداره ، مثل أولاد المأمون و ابن الزيات و صالح و عجيف و عمر بن الفرح و ابن الجنيد و أمثالهم ، و كان له البريد و الحجابة و الجيش و المغاربة و الأتراك . و شرب ذات ليلة مع المتوكل فعربد على إتياخ و هم إتياخ بقتله ، ثم غدا عليه فاعتذر له و دس عليه من زين له الحج فأستأذن المتوكل فأذن له و خلع عليه و جعله أمير كل بلد يمر به . و سار لذلك في ذي القعدة سنة أربع و ثلاثين أو ثلاث و ثلاثين ، و سار العسكر بين يديه و جعلت الحجابة إلى وصيف الخادم و لما عاد إتياخ من الحج بعث إليه المتوكل بالهدايا و الالطاف ، و كتب إلى إسحق بن إبراهيم بن مصعب يأمره بحبسه . فلما قارب بغداد كتب إليه إسحق بأن المتوكل أمر أن يدخل بغداد و أن تلقاه بنو هاشم و وجوه الناس و أن يقعد بدار خزيمة بن خازم فيأمر للناس بالجوائز على قدر طبقاتهم ففعل ذلك ، و وقف إسحق على باب الدار فمنع أصحابه من الدخول إليه و وكل بالأبواب ثم قبض على ولديه منصور و مظفر و كاتبيه سليمان بن وهب و قدامة بن زياد ، و بعث إيتاخ إليه يسأله الرفق بالولدين ففعل ، ولم يزل إيتاخ مقيداً بالسجن إلى أن مات فقيل إنهم منعوه الماء و بقي ابناه محبوسين إلى أن أطلقهما المنتصر بعد المتوكل .
شأن ابن البغيث
كان محمد بن البغيث بن الحليس ممتنعاً في حصونه بأذربيجان و أعظمها مرند ، و استنزل من حصنه أيام المتوكل و حبس بسامرا فهرب من حبسه و لحق بمرند ، و قيل إنه في حبس إسحق بن إبراهيم بن مصعب و شفع فيه بغا الشرابي ، فأطلقه إسحق في كفالة محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني ، و كان يتردد إلى سامرا حتى مرض المتوكل ففر و لحق بمرند و شحنها بالأقوات ، و جاءه أهل الفتنة من ربيعة و غيرهم فاجتمع له نحو ألفين و مائتي رجل ، و الوالي بأذربيجان يومئذ محمد بن حاتم ابن هرثمة فلم يقامعه فعزله المتوكل و ولى حمدوية بن علي بن الفضل السعدي ، فسار إليه و حاصره بمرند مدة و بعث إليه المتوكل بالمدد ، و طال الحصار فلم يقن فيه ، فبعث بغا الشرابي في ألفى فارس فجاء لحصاره . و بعث إليه عيسى ابن الشيخ بن السلسل بالأمان له و لوجوه أصحابه أن ينزلوا على حكم المتوكل ، فنزل الكثير منهم و انقض جمعه و لحق ببغا و خرج هو هارباً ، و نهبت منازله و أسرت نساؤه و بناته . ثم أدرك بطريقة و أتي به أسيراً و بأخويه صقر و خالد و أبنائه حليس و صقر و البغيث ، و جاء بهم بغا إلى بغداد و حملهم على الحجال يوم قدومه حتى رآهم الناس و حبسوا . و مات البغيث لشهر من وصوله سنة خمس و ثلاثين و جعل بنوه في الشاكرية مع عبد الله بن يحيى خاقان .
بيعة العهد
و في سنة خمس و ثلاثين و مائتين عقد المتوكل البيعة و العهد و كانوا ثلاثة محمداً و طلحة و إبراهيم ، و يقال في طلحة ابن الزبير و جعل محمداً أولهم و لقبه المستنصر و أقطعه أفريقية و المغرب و قنسرين و الثغور و الشامية و الخزرية ، و ديار مضر و ديار ربيعة ، و هيت و الموصل و غانة و الخابور ، و كور دجلة و السواد و الخرمين و حضرموت و الحرمين و السند و مكران و قندابيل و كور الأهواز و المستغلات بسامر و ماء الكوفة و ماء البصرة .و جعل طلحة ثانيهم و لقبه المعتز و أقطعه أعمال خراسان و طبرستان و الري و أرمينية و أذربيجان و أعمال فارس ، ثم أضاف إليه سنة أربعين خزن الأموال و دور الضرب في جميع الآفاق و أمر أن يرسم اسمه في السكة .و جعل الثالث إبراهيم و أقطعه حمص و دمشق و فلسطين و سائر الأعمال الشامية و في هذه السنة أمر الجند بتغيير الزي فلبسوا الطيالسة العسلية و شدوا الزنانير في أوساطهم و جعلوا الطراز في لباس المماليك و منع من لباس المناطق و أمر بهدم البيع المحدثة لأهل الذمة و نهى أن يستغاث بهم في
وقعة بغافى الأعراب
كان بنو سليم يفسدون بنواحي المدينة و يتسلطون على الناس في أموالهم و أوقعوا بناس من كنانة و باهلة ، و بعث محمد بن صالح إليهم مسلحة المدينة و معهم متطوعة من قريش و الأنصار فهزمهم بنو سليم و قتلوا عامتهم و أحرقوا لباسهم و سلاحهم و كراعهم و نهبوا القرى مابين مكة و المدينة و انقطع الطريق ، فبعث الواثق بغا الكبير ، و قدم المدينة في شعبان فقاتلهم و هزمهم و قتل منهم خمسين رجلاً و أسر مثلها ، و استأمنوا له على حكم الواثق ، فقبض على ألف منهم ممن يعرف بالفساد فحبسهم بالمدينة و ذلك سنة ثلاثين . ثم حج و سار إلى ذات عرق و عرض على بني هلال مثل بني سليم فأخذ من المفسدين منهم نحو ثلثمائة رجل و حبسهم بالمدينة و أطلق الباقين . ثم خرج بغا إلى بني مرة فنقب أولئك الأسرى الحبس و قتلوا الموكلين ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ليلاً و منعوهم من الخروج فقاتلوهم إلى الصبح ثم قتلوهم ، و شق ذلك على بغا و كان سبب غيبته أن فزارة و بني مرة تغلبوا على فدك ، فخرج إليهم و قدم رجلاً من قواده يعرض عليهم الأمان ، فهربوا من سطوته إلى الشام و اتبعهم إلى تخوم الحجاز من الشام ، و أقام أربعين ليلة ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر منهم . و جاءه قوم من بطون غفار و فزارة و أشجع و ثعلبة فاستخلفهم على الطاعة ثم سار إلى بني كلاب فأتوه في ثلاثة آلاف رجل فحبس أهل الفساد منهم ألفاً بالمدينة و أطلق الباقين ، و أمره الواثق سنة اثنين و ثلاثين بالمسير إلى بني نمير باليمامة و ما قرب منها لقطع فسادهم ، فسار إليهم و لقي جماعة منهم فحاربهم و قتل منهم خمسين و أسر أربعين . ثم سار إلى مرة و بعث إليهم الطاعة فامتنعوا و سار إلى جبال السند و طف اليمامة و بعث سراياهم فأوقع بهم في كل ناحية ثم سار إليهم في ألف رجل فلقيهم قريباً من أضاخ فكشفوا مقدمته و ميسرته و أثخنوا في عسكره بالقتل و النهب . ثم ساروا تحت الليل و هو في اتباعهم يدعوهم إلى الطاعة و بعث طائفة من جنده يدعوه بعضهم و أصبح و هو في قلة ، فحملوا عليه و هزموه إلى معسكره ، و إذا بالطائفة الذين بعثهم قد جاؤا من وجهتهم فلما رآهم بنو نمير من خلفهم و لوا منهزمين و أسلموا رجالهم و أموالهم و نجوا على خيلهم و لم يفلت من رجالتهم أحد ، و قتل منهم نحو ألف و خمسمائة ، و أقام بمكان الوقعة و استأمن له أمراؤهم فقيدهم و حبسهم بالبصرة . و قدم عليه واجن الأشروسني في سبعمائة مقاتل مدداً فبعثه إلى اتباعهم إلى أن بلغ تبالة من أعمال اليمن و رجع ، و سار بغا إلى بغداد بمن معه منهم و كانوا نحو ألفي رجل و مائتي رجل ، و كتب إلى صالح أمير المدينة أن يوافيه ببغداد من عنده منهم فجاء بهم و سلموا جميعاً .
مقتل أحمد بن نصر
و هو أحمد بن مالك و هو أحد النقباء كما تقدم و كان أحمد هذا نسيبة لأهل الحديث و يغشاه جماعة منهم مثل ابن حصين و ابن الدورقي و أبي زهير ،و لقن منهم النكير على الواثق بقوله بخلق القرآن . ثم تعدى ذلك إلى الشتم و كان ينعته بالخنزير و الكافر ، و فشا ذلك عنه و انتدب رجلان ممن كان يغشاه هما أبو هرون السراج و طالب و غيرهما فدعوا الناس له و بايعه خلق على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و فرقوا الأموال في الناس ديناراً لكل رجل ، و أنفذوا لثلاث تمضي من شعبان من سنة احدى و ثلاثين يظهرون فيها دعوتهم . و اتفق أن رجالاً ممن بايعهم من بني الأشرس جاؤا قبل الموعد بليلة و قد نال منهم السكر فضربوا الطبل و صاحب الشرطة إسحق بن إبراهيم غائب ، فارتاع خليفة محمد أخوه فأرسل من يسأل عن ذلك فلم يوجد أحد ، و أتوه برجل أعور اسمه عيسى وجدوه في الحمام فدلهم على بني الأشرس و على أحمد بن نصر و على أبي هرون و طالب ، ثم سيق خادم أحمد بن نصر فذكر القصة ، فقبض عليه و بعث بهم جميعاً إلى الواثق بسامرا مقيدين ، و جلس لهم مجلساً عاماً و حضر فيه أحمد بن أبي دؤاد ، ولم يسأله الواثق عن خروجه و إنما سأله عن خلق القرآن فقال : هو كلام الله . ثم سأله عن الرؤية فقال : جاءت بها الأخبار الصحيحة و نصيحتي أن لا يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم سأل الواثق العلماء حوله عن أمره ، فقال عبد الرحمن بن إسحق قاضي الجانب الغربي : هو حلال الدم ! و قال ابن أبي دؤاد : هو كافر يستتاب . فدعا الواثق بالصمصامة فانتضاها و مشى إليه فضربه على حبل عاتقه ثم على رأسه ، ثم وخزه في بطنه ، ثم أجهز سيما الدمشقي عليه و حزوا لرأسه و نصب ببغداد و صلب شلوه عنده بابها .
الفداء و الصائفة
و في سنة احدى و ثلاثين عقد الواثق لأحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة على الثغور و العواصم ، و أمره بحضور الفداء هو و جانمان الخادم ، و أمرهما أن تمتحن الأسرى باعتقاد القرآن و الرؤية . و جاء الروم بأسراهم و المسلمون كذلك و التقوا على نهر اللامس على مرحلة من طرطوس و كان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف و أربعة و ستين و النساء و الصبيان ثمانمائة و أهل الذمة مائة . فلما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن مسلم شاتياً و أصاب الناس ثلج و مطر و هلك منهم مائة نفس ، و أسر منهم نحوها و خرق بالنيل قرون خلق ، و لقيه بطريق من الروم فخام عن لقائه ثم غنم و رجع ، فعزله الواثق و ولى مكانه نصر بن حمزة الخزاعي .
وفاة الواثق و بيعة المتوكل
و توفي الواثق أبو جعفر هرون بن المعتصم محمد لست بقين من سنة اثنتين و ثلاثين ، و كانت علته الاستسقاء و أدخل في تنور مسجر فلقي خفة ، ثم عاوده في اليوم الثاني أكثر من الأول فأخرج في محفة فمات فيها ، ولم يشعروا به . و قيل إن ابن أبي دؤاد غمضه و مات لخمس سنين و تسعة أشهر و خلافته ، و حضر في الداد أحمد بن أبي دؤاد و إتياخ و وصيف و عمر بن فرح و ابن الزيات ، و أراد البيعة لمحمد بن واثق و هو غلام إمر فألبسوه ، فإذا هو قصير فقال وصيف : أما تتقون الله تولون الخلافة مثل هذا ! ثم تناظروا فيمن يولونه و أحضروا المتوكل فألبسه ابن أبي دؤاد الطويلة و عممه و سلم عليه بإمارة المؤمنين و لقبه المتوكل ، و صلى على الواثق و دفنه . ثم وضع العطاء للجند لثمانية أشهر ، و ولى على بلاد فارس إبراهيم بن محمد بن مصعب ، و كان على الموصل غانم بن محمد الطويس فأقره و عزل ابن العباس محمد بن وصول عن ديوان النفقات و عقد لابنه المنتصر على الحرمين و اليمن و الطائف .
نكبة الوزير ابن الزيات و مهلكه
كان محمد بن عبد الملك بن الزيات قد استوزره الواثق فاستمكن من دولته و غلب على هؤلاء ، و كان لا يحفل بالمتوكل و لا يوجب حقه ، و غضب الواثق عليه مرة فجاء إلى ابن الزيات ليستنزله فأساء معاملته في التحية و الملاقاة فقال : اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك . و قام عنه حزيناً فجاء إلى القاضي أحمد بن دؤاد فلم يدع شيئاً من البر إلا فعله و حياه و فداه ، و خطب حاجته فقال : أحب أن ترضى عني أمير المؤمنين فقال : أفعل و نعمة عين ! و لم يزل بالواثق حتى رضي عنه . و كان ابن الزيات كتب إلى الواثق عندما خرج عنه المتوكل أن جعفراً أتاني فسأل الرضا عنه و له وفرة شبه زي المخنثين ، فأمره الواثق أن يحضره من شعر قفاه فاستحضره فجاء يظن الرضا عنه و أمر حجاماً أخذ من شعره و ضرب به وجهه فحقد له ذلك و أساء له . و لما ولي الخلافة بقي شهراً ثم أمر إيتاخ أن يقبض عليه و يقيده بداره و يصادره ، و ذلك في صفر سنة ثلاث و ثلاثين ، فصادره و استصفى أمواله و أملاكه و سلط عليه أنواع العذاب ، ثم جعله في تنور خشب في داخله مسامير تمنع من الحركة و تزعج من فيه لضيقه ، ثم مات منتصف ربيع الأول ، و قيل إنه مات من الضرب و كان لا يزيد على التشهد و ذكر الله . و كان عمر بن الفرح الرحجي يعامل المتوكل بمثل ذلك فحقد له ، و لما استخلف قبض عليه في رمضان و استصفى أمواله ثم صودر على أحد عشرة ألف ألف .
نكبة إتياخ و مقتله
كان إتياخ مولى السلام الأبرص و كان عنده ناخورياً طباخاً ، و كان شجاعاً فاشتراه المعتصم منه سنة تسع و تسعين و ارتفع في دولته و دولة الواثق ابنه و كان له المؤنة بسامرا مع إسحق بن إبراهيم بن مصعب . و كانت نكبة العظماء في الدولة على يديه و حبسهم بداره ، مثل أولاد المأمون و ابن الزيات و صالح و عجيف و عمر بن الفرح و ابن الجنيد و أمثالهم ، و كان له البريد و الحجابة و الجيش و المغاربة و الأتراك . و شرب ذات ليلة مع المتوكل فعربد على إتياخ و هم إتياخ بقتله ، ثم غدا عليه فاعتذر له و دس عليه من زين له الحج فأستأذن المتوكل فأذن له و خلع عليه و جعله أمير كل بلد يمر به . و سار لذلك في ذي القعدة سنة أربع و ثلاثين أو ثلاث و ثلاثين ، و سار العسكر بين يديه و جعلت الحجابة إلى وصيف الخادم و لما عاد إتياخ من الحج بعث إليه المتوكل بالهدايا و الالطاف ، و كتب إلى إسحق بن إبراهيم بن مصعب يأمره بحبسه . فلما قارب بغداد كتب إليه إسحق بأن المتوكل أمر أن يدخل بغداد و أن تلقاه بنو هاشم و وجوه الناس و أن يقعد بدار خزيمة بن خازم فيأمر للناس بالجوائز على قدر طبقاتهم ففعل ذلك ، و وقف إسحق على باب الدار فمنع أصحابه من الدخول إليه و وكل بالأبواب ثم قبض على ولديه منصور و مظفر و كاتبيه سليمان بن وهب و قدامة بن زياد ، و بعث إيتاخ إليه يسأله الرفق بالولدين ففعل ، ولم يزل إيتاخ مقيداً بالسجن إلى أن مات فقيل إنهم منعوه الماء و بقي ابناه محبوسين إلى أن أطلقهما المنتصر بعد المتوكل .
شأن ابن البغيث
كان محمد بن البغيث بن الحليس ممتنعاً في حصونه بأذربيجان و أعظمها مرند ، و استنزل من حصنه أيام المتوكل و حبس بسامرا فهرب من حبسه و لحق بمرند ، و قيل إنه في حبس إسحق بن إبراهيم بن مصعب و شفع فيه بغا الشرابي ، فأطلقه إسحق في كفالة محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني ، و كان يتردد إلى سامرا حتى مرض المتوكل ففر و لحق بمرند و شحنها بالأقوات ، و جاءه أهل الفتنة من ربيعة و غيرهم فاجتمع له نحو ألفين و مائتي رجل ، و الوالي بأذربيجان يومئذ محمد بن حاتم ابن هرثمة فلم يقامعه فعزله المتوكل و ولى حمدوية بن علي بن الفضل السعدي ، فسار إليه و حاصره بمرند مدة و بعث إليه المتوكل بالمدد ، و طال الحصار فلم يقن فيه ، فبعث بغا الشرابي في ألفى فارس فجاء لحصاره . و بعث إليه عيسى ابن الشيخ بن السلسل بالأمان له و لوجوه أصحابه أن ينزلوا على حكم المتوكل ، فنزل الكثير منهم و انقض جمعه و لحق ببغا و خرج هو هارباً ، و نهبت منازله و أسرت نساؤه و بناته . ثم أدرك بطريقة و أتي به أسيراً و بأخويه صقر و خالد و أبنائه حليس و صقر و البغيث ، و جاء بهم بغا إلى بغداد و حملهم على الحجال يوم قدومه حتى رآهم الناس و حبسوا . و مات البغيث لشهر من وصوله سنة خمس و ثلاثين و جعل بنوه في الشاكرية مع عبد الله بن يحيى خاقان .
بيعة العهد
و في سنة خمس و ثلاثين و مائتين عقد المتوكل البيعة و العهد و كانوا ثلاثة محمداً و طلحة و إبراهيم ، و يقال في طلحة ابن الزبير و جعل محمداً أولهم و لقبه المستنصر و أقطعه أفريقية و المغرب و قنسرين و الثغور و الشامية و الخزرية ، و ديار مضر و ديار ربيعة ، و هيت و الموصل و غانة و الخابور ، و كور دجلة و السواد و الخرمين و حضرموت و الحرمين و السند و مكران و قندابيل و كور الأهواز و المستغلات بسامر و ماء الكوفة و ماء البصرة .و جعل طلحة ثانيهم و لقبه المعتز و أقطعه أعمال خراسان و طبرستان و الري و أرمينية و أذربيجان و أعمال فارس ، ثم أضاف إليه سنة أربعين خزن الأموال و دور الضرب في جميع الآفاق و أمر أن يرسم اسمه في السكة .و جعل الثالث إبراهيم و أقطعه حمص و دمشق و فلسطين و سائر الأعمال الشامية و في هذه السنة أمر الجند بتغيير الزي فلبسوا الطيالسة العسلية و شدوا الزنانير في أوساطهم و جعلوا الطراز في لباس المماليك و منع من لباس المناطق و أمر بهدم البيع المحدثة لأهل الذمة و نهى أن يستغاث بهم في
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
الأعمال و أن يظهروا في شعابهم الصلبان و أمر أن يجعل على أبوابهم صور شياطين من الخشب .
ملك محمد بن إبراهيم
كان محمد بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب على بلاد فارس ، و هو ابن أخي طاهر و كان أخوه إسحق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد منذ أيام المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل ، و كان ابنه محمد بباب الخليفة بسامرا نائباً عنه . فلما مات إسحق سنة خمس و ثلاثين ولاه المتوكل و ضم إليه أعمال أبيه ، و استخلفه المعتز على اليمامة و البحرين و مكة و حمل إلى المتوكل و بنيه من الجواهر و الذخائر كثيراً ، و بلغ ذلك محمد بن إبراهيم فتنكر للخليفة و لمحمد بن أخيه ، و شكا ذلك محمد إلى المتوكل فسرحه إلى فارس و ولاه مكان عمه محمد فسار و عزل عمه محمداً و ولى مكانه ابن عمه الحسين بن إسمعيل بن مصعب ، و أمره بقتل عمه محمد فأطعمه و منعه الشراب فمات .
انتقاض أهل أرمينية
كان على أرمينية يوسف بن محمد فجاءه البطريق بقرط بن أسواط و هو بطريق البطارقة يستأمن فقبض عليه و على ابنه و بعث بهما إلى المتوكل ، فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخيه و صهره موسى بن زرارة و تحالفوا على قتله و حاصروه بمدينة طرون في رمضان سنة سبع و ثلاثين ، و خرج لقتالهم فقتلوه و من كان معه . فسرح المتوكل بغا الكبير فسار على الموصل و الجزيرة و أناخ على أردن حتى أخذها و حمل موسى و إخوته إلى المتوكل و قتل منهم ثلاثين ألفاً و سبى خلقاً و سار مدينة دبيل فأقام بها شهراً ثم سار إلى تفليس فحاصرها ، و بعث في مقدمته ربزك التركي و كان بتفليس إسحق بن إسمعيل بن إسحق مولى بني أمية فخرج و قاتلهم ، و كانت المدينة مشيدة من خشب الصنوبر ، فأمر بغا أن يرمى عليها بالنفط فاضطرمت النار في الخشب ، و احترقت قصور إسحق و جواريه و خمسون ألف إنسان و أسر الباقون ، و أحاطت الأتراك و المغاربة بإسحق فأسروه و قتله بغا لوقته ، و نجا أهل إسحق بأمواله إلى صعدنيل مدينة حذاء تفليس على نهر الكرمن من شرقيه بناها أنو شروان و حصنها إسحق و جعل أمواله فيها فاستباحها بغا ، ثم بعث الجند إلى قلعة أخرى بين بردعة و تفليس ففتحوها و أسروا بطريقها . ثم سار إلى عيسى بن يوسف في قلعة كيس من كور البيلقان ففتحها و أسره و حمل معه جماعة من البطارقة و ذلك سنة ثمان و ثلاثين و مائتين .
عزل ابن أبي دؤاد و ولاية ابن أكثم
و في سنة سبع و ثلاثين غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد و قبض ضياعه و حبس أولاده ، فحمل أبو الوليد منهم مائة و عشرين ألف دينار و جواهر تساوي عشرين ألفاً ، ثم صولح عن ستة عشر ألف ألف درهم و أشهد عليهم ببيع أملاكهم و فلح أحمد ، فأحضر المتوكل يحيى بن أكثم و ولاه قضاء القضاة ، و ولى أبا الوليد بن أبي دؤاد المظالم ثم عزله . و ولى أبا الربيع محمد بن يعقوب ثم عزله ، و ولى يحيى بن أكثم على المظالم ثم عزله سنة أربعين ، و صارده على خمسة و سبعين ألف دينار و أربعة آلاف حربو ، و ولى مكانه جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي . و توفي في هذه السنة أحمد بن أبي دؤاد بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوماً و كان معتزليا أخذ مذهبهم عن بشر المريسي و أخذه بشر عن جهم بن صفوان و أخذه جهم عن الجعد بن دهم معلم مروان .
انتفاض أهل حمص
و في سنة سبع و ثلاثين وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي بسبب أنه قتل بعض رؤسائهم فأخرجوه و قتلوا من أصحابه ، فولى مكانه محمد بن عبدويه الأنباري فأساء إليهم و عسف فيهم فوثبوا به ، و أمره المتوكل بجند من دمشق و الرملة فظفر بهم و قتل منهم جماعة ، و أخرج النصارى منها و هدم كنائسهم و أدخل منها بيعة في الجامع كانت تجاوره .
إغارة البجاة على مصر
كانت الهدنة بين أهل مصر و البجاة من لدن الفتح ، و كان في بلادهم معادن الذهب يؤدون منها الخمس إلى أهل مصر ، فامتنعوا أيام المتوكل و قتلوا من وجدوه من المسلمين بالمعادن ، و كتب صاحب البريد بذلك إلى المتوكل فشاور الناس في غزوهم فأخبروه أنهم أهل إبل و شاء و أن بين بلادهم و بلاد المسلمين مسيرة شهر و لا بد فيها من الزاد ، و إن فنيت الأزواد هلك العسكر فأمسك عنهم . و خاف أهل الصغد من شرهم ، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي على أسوان و قفط و الأقصر و أستا و أرمنت ، و أمره بحرب البجاة . و كتب إلى عنبسة بن إسحق الضبي عامل مصر بتجهيز العساكر معه و أزاحه عليهم فسار في عشرين ألفاً من الجند و المتطوعة ، و حملت المراكب من القلزم و التمر و الأدم إلى سواحل بلاد البجاة و انتهى إلى حصونهم و قلاعهم . و زحف إليه ملكهم و اسمه علي بابا في أضعاف عساكرهم على المهاري ، و طاولهم علي بابا رجاء أن تفنى أزوادهم فجاءت المراكب و فرقها القمي في أصحابه ، فناجزهم البجاة الحرب و كانت إبلهم نفورة ، فأمر القمي جنده باتخاذ الأجراس بخيلهم . ثم حملوا عليهم فانهزموا و أثخن فيهم قتلاً و أسراً حتى أستأمنوا على أداء الخراج لما سلف و لما يأتي و أن يرد إلى مملكته ، و سار مع القمي إلى المتوكل و استخلف ابنه ، فخلع القمي عليه و على أصحابه ، و كسا أرجلهم الجلال المديحة و ولاهم طريق ما بين مصر و مكة ، و ولى عليهم سعداً الإتياخي الخادم فولى سعد محمد القمي فرجع معهم و استقامت ناحيتهم .
الصوائف
و في سنة ثمان و ثلاثين ورد على دمياط اسطول الروم في مائة مركب فكبسوها و كانت المسلحة الذين بها قد ذهبوا إلى مصر باستدعاء صاحب المعونة عنسبة بن إسحق الضبي فانتهزوا الفرصة في مغيبهم و انتهبوا دمياط و أحرقوا الجامع بها و أوقروا سفنهم سبياً و متاعاً ، و ذهبوا إلى تنيس ففعلوا فيها ذلك و أقطعوا . و غزا بالصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأرميني صاحب الصوائف . و في سنة احدى و أربعين كان الفداء بين الروم و بين المسلمين و كانت تدورة ملكة الروم قد حملت أسرى المسلمين على التنصر فتنصر الكثير منهم . ثم طلبت المفاداة فيمن بقي فبعث المتوكل سيفاً الخادم بالفداء و معه قاضي بغداد جعفر بن عبد الواحد و استخلف على القضاء ابن أبي الشوارب و كان الفداء على نهر اللامس ثم أغارت الروم بعد ذلك روبة فأسروا من كان هنالك من الزط و سبوا نساءهم و أولادهم و لما رجع علي بن يحيى الأرميني من الصائفة خرجت الروم في ناحية سمسياط فانتهوا إلى آمد و اكتسحوا نواحي الثغور و الخزرية نهبا و أسروا نحوا من عشرة آلاف و رجعوا و اتبعهم قرشاس و عمر بن عبد الأقطع و قم من المتطوعة فلم يدركوهم و أمر المتوكل علي بن يحيى ان يدخل بالثانية في تلك السنة ففعل . و في سنة أربع و أربعين جاء المتوكل من بغداد إلى دمشق و قد اجتمع نزولها و نقل الكرسي إليها فأقام بها شهرين ، ثم استوبأها و رجع بعد أن بعث بغا الكبير في العساكر للصائفة فدخل بلاد الروم فدوخها و اكتسحها من سائر النواحي و رجع . و في سنة خمس و أربعين أغارت الروم على سميساط فغنموا و غزا علي بن يحيى الأرميني بالصائفة كركرة و انتقض أهلها على بطريقهم فقبضوا عليه و سلموه إلى بعض موالي المتوكل ، فأطلق الروم في فداء البطريق ألف أسير من المسلمين و في سنة ست و أربعين غزا عمر بن عبيد الله الأقطع بالصائفة فجاؤا بأربعة آلاف رأس ، و غزا قرشاس فجاء بخمسة آلاف رأس ، و غزا الفضل بن قاران في الأسطول بعشرين مركباً فافتتح حصن انطاكية و غزا ملكها دورهم و سبا ، و غزا علي بن يحيى فجاء بخمسة آلاف رأس و من الظهر بعشرة آلاف و كان على يده في تلك السنة الفداء في ألفين و ثلثمائة من الأسرى .
الولاية في النواحي
ولى المتوكل سنة اثنتين على بلاد فارس محمد بن إبراهيم بن مصعب و كان على الوصل غانم بن حميد الطوسي ، و استوزر لأول خلافته محمد بن عبد الله بن الزيات . و ولى على ديوان الخراج يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزد و عزل الفضل بن مروان . و ولى على ديوان النفقات إبراهيم بن محمد بن حتول . و ولى سنة ثلاث و ثلاثين على الحرمين و اليمن و الطائف ابنه المستنصر ، و عزل محمد بن عيسى . و ولى على حجابة بابه وصيفاً الخادم عندما سار إيتاخ للحج . و في سنة خمس و ثلاثين عهد لأولاده كما مر ، و ولى على الشرطة ببغداد إسحق بن إبراهيم بن الحسين ابن مصعب مكان ابنه إبراهيم عندما توفي ، و كانت وفاته و وفاة الحسن بن سهل في سنة واحدة . و في سنة ست و ثلاثين استكتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان ثم استوزره بعد ذلك ، و ولى على أرمينية و أذربيجان حرباً و خراجاً يوسف بن أبي سعيد محمد بن يوسف المروذوذي عندما توفي أبوه فجاءه فسار إليها وضبطها ، و أساء إلى البطارقة بالناحية فوثبوا به كما مر و قتلوه . و بعث المتوكل بغا الكبير في العساكر فأخذ ثأره منهم ، و ولى معادن السواد عبد الله بن إسحق بن إبراهيم . و في سنة تسع و ثلاثين عزل ابن أبي دؤاد عن القضاء و صادره ، و ولى مكانه يحيى بن أكثم . و قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان فولاه الشرطة و الجزية و أعمال السواد ، و كان على مكة علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور فحج بالناس ، ثم ولى مكانه في السنة القابلة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى . و ولى على الأحداث بطريق و المواسم جعفر بن دينار ، و كان على حمص أبوا المغيب موسى بن إبراهيم الرافقي و ثبوا به سنة تسع و ثلاثين ، فولى مكانه محمد بن عبدويه .و في سنة تسع و ثلاثين عزل يحيى بن أكثم عن القضاء ، و ولى مكانه جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان و في سنة اثنتين و أربعين ولى على مكة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ، و ولى على ديوان النفقات الحسن بن مخلد بن الجراح عندما توفي إبراهيم بن العباس الصولي و كان خليفته فيها من قبل . و في سنة خمس و أربعين اختط المتوكل مدينته و أنزلها القواد و الأولياء و أنفق عليها ألف ألف دينار ، و بنى فيها قصر اللؤلؤة لم ير مثله في علوه و أجرى له الماء في نهر احتفره و سماه المتوكلية و تسمى الجعفري و الماخورة و فيها ولى على طريق مكة أبا الساج مكان جعفر بن دينار لوفاته تلك السنة . و ولى على ديوان الضياع و التوقيع نجاح بن سلمة و كانت له صولة على العمال ، فكان ينام المتوكل فسعى عنده في الحسن بن مخلد و كان معه ديوان االضياع ولى موسى بن عقبة عبد الملك و كان على ديوان الخراج ، و ضمن للمتوكل في مصادرتهما أربعين ألفاً . و أذن المتوكل و كانا منقطعين إلى عبيد الله بن خاقان ، فتلطف عند نجاح و خادعه حتى كتب على الرقعتين ، و أشار إليه بأخذ ما فيها معاً و بدأ بنجاح فكتبه و قبض منه مائة و أربعين ألف دينار سوى الغلات و الفرش و الضياع ، ثم ضرب فمات و صودر أولاده في جميع البلاد على أموال جمة .
مقتل المتوكل و بيعة المنتصر ابنه
كان المتوكل قد عهد إلى ابنه المنتصر ثم ندم و أبغضه لما كان يتوهم فيه من استعجاله الأمر لنفسه ، و كان يسميه المنتصر و المستعجل لذلك . و كان المنتصر تنكر عليه إنحرافه عن سنن سلفه فيما ذهبوا إليه من مذهب الاعتزال و التشيع لعلي ، و ربما كان الندمان في مجلس المتوكل يفيضون في ثلث علي فينكر المنتصر ذلك و يتهددهم و يقول للمتوكل : إن علياً هو كبير بيننا و شيخ بني هاشم ، فإن كنت لا بد ثالبه فتول ذلك بنفسك و لاتجعل لهؤلاء الصفاغين سبيلاً إلى ذلك فيستخف به و يشتمه ، و يأمر وزيره عبيد الله بصفعه و يتهدده بالقتل و يصرح بخلعه . و ربما استخلف ابنه الحبر في الصلاة و الخطبة مراراً و تركه فطوى من ذلك على النكث . و كان المتوكل قد استفسد إلى بغا و وصيف الكبير و وصيف الصغير و دواجن ، فأفسدوا عليه الموالي . و كان المتوكل قد أخرج بغا الكبير من الدار و أمره بالمقام بسميساط لتعهد الصوائف ، فسار لذلك و استخلف مكانه ابنه موسى في الدار و كان ابن خالة المتوكل ، و استخلف على الستر بغا الشرابي الصغير . ثم تغير المتوكل لوصيف و قبض ضياعه بأصبهان و الجبل و أقطعها الفتح بن خاقان ، فتغير وصيف لذلك و داخل المنتصر في قتل المتوكل ، و أعد لذلك جماعة من الموالي بعثهم مع ولده صالح و أحمد و عبد الله و نصر ، و جاؤا في الليلة اتعدوا فيها . و حضر المنتصر ثم انصرف على عادته ، و أخذ زرافة الخادم معه ، و أمر بغا الشرابي الندمان بالانصراف حتى لم يبق إلا الفتح و أربعة من الخاصة ، و أغلق الأبواب إلا باب دجلة فأدخل منه الرجال و أحسن المتوكل و أصحابه بهم فخافوا على أنفسهم ، و استماتوا و ابتدروا إليه فقتلوه . و ألقى الفتح نفسه عليهم ليقيه فقتلوه . و بعث إلى المنتصر و هو ببيت زرافة فأخبره و أوصى بقتل زرافة فمنعه المنتصر ، و بايع له زرافة و ركب إلى الدار فبايعه من حضر و بعث إلى وصيف إن الفتح قتل أبي فقتلته ، فحضر و بايع . و بعث عن أخويه المعتز و المؤيد فحضرا و بايعا له . و انتهى الخبر إلى عبيد الله بن يحيى فركب من ليله و قصد منزل المعتز فلم يجده و اجتمع عليه آلاف من الأزد و الأرمن و الزواقيل ، و أغروه بالحملة على المنتصر و أصحابه فأبى و خام عن ذلك ، و أصبح المنتصر فأمر بدفن المتوكل و الفتح ، و ذلك لأربع خلون من شوال سنة سبع و أربعين و مائتين . و شاع الخبر بقتل المتوكل فثار الجند و تبعهم و ركب بعضهم بعضاً ، و قصدوا باب السلطان فخرج إليهم بعض الأولياء فأسمعوه ، و رجع فخرج المنتصر بنفسه و بين المغاربة فشردوهم عن الأبواب فتفرقوا بعد أن قتل منهم ستة أنفس .
ملك محمد بن إبراهيم
كان محمد بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب على بلاد فارس ، و هو ابن أخي طاهر و كان أخوه إسحق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد منذ أيام المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل ، و كان ابنه محمد بباب الخليفة بسامرا نائباً عنه . فلما مات إسحق سنة خمس و ثلاثين ولاه المتوكل و ضم إليه أعمال أبيه ، و استخلفه المعتز على اليمامة و البحرين و مكة و حمل إلى المتوكل و بنيه من الجواهر و الذخائر كثيراً ، و بلغ ذلك محمد بن إبراهيم فتنكر للخليفة و لمحمد بن أخيه ، و شكا ذلك محمد إلى المتوكل فسرحه إلى فارس و ولاه مكان عمه محمد فسار و عزل عمه محمداً و ولى مكانه ابن عمه الحسين بن إسمعيل بن مصعب ، و أمره بقتل عمه محمد فأطعمه و منعه الشراب فمات .
انتقاض أهل أرمينية
كان على أرمينية يوسف بن محمد فجاءه البطريق بقرط بن أسواط و هو بطريق البطارقة يستأمن فقبض عليه و على ابنه و بعث بهما إلى المتوكل ، فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخيه و صهره موسى بن زرارة و تحالفوا على قتله و حاصروه بمدينة طرون في رمضان سنة سبع و ثلاثين ، و خرج لقتالهم فقتلوه و من كان معه . فسرح المتوكل بغا الكبير فسار على الموصل و الجزيرة و أناخ على أردن حتى أخذها و حمل موسى و إخوته إلى المتوكل و قتل منهم ثلاثين ألفاً و سبى خلقاً و سار مدينة دبيل فأقام بها شهراً ثم سار إلى تفليس فحاصرها ، و بعث في مقدمته ربزك التركي و كان بتفليس إسحق بن إسمعيل بن إسحق مولى بني أمية فخرج و قاتلهم ، و كانت المدينة مشيدة من خشب الصنوبر ، فأمر بغا أن يرمى عليها بالنفط فاضطرمت النار في الخشب ، و احترقت قصور إسحق و جواريه و خمسون ألف إنسان و أسر الباقون ، و أحاطت الأتراك و المغاربة بإسحق فأسروه و قتله بغا لوقته ، و نجا أهل إسحق بأمواله إلى صعدنيل مدينة حذاء تفليس على نهر الكرمن من شرقيه بناها أنو شروان و حصنها إسحق و جعل أمواله فيها فاستباحها بغا ، ثم بعث الجند إلى قلعة أخرى بين بردعة و تفليس ففتحوها و أسروا بطريقها . ثم سار إلى عيسى بن يوسف في قلعة كيس من كور البيلقان ففتحها و أسره و حمل معه جماعة من البطارقة و ذلك سنة ثمان و ثلاثين و مائتين .
عزل ابن أبي دؤاد و ولاية ابن أكثم
و في سنة سبع و ثلاثين غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد و قبض ضياعه و حبس أولاده ، فحمل أبو الوليد منهم مائة و عشرين ألف دينار و جواهر تساوي عشرين ألفاً ، ثم صولح عن ستة عشر ألف ألف درهم و أشهد عليهم ببيع أملاكهم و فلح أحمد ، فأحضر المتوكل يحيى بن أكثم و ولاه قضاء القضاة ، و ولى أبا الوليد بن أبي دؤاد المظالم ثم عزله . و ولى أبا الربيع محمد بن يعقوب ثم عزله ، و ولى يحيى بن أكثم على المظالم ثم عزله سنة أربعين ، و صارده على خمسة و سبعين ألف دينار و أربعة آلاف حربو ، و ولى مكانه جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي . و توفي في هذه السنة أحمد بن أبي دؤاد بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوماً و كان معتزليا أخذ مذهبهم عن بشر المريسي و أخذه بشر عن جهم بن صفوان و أخذه جهم عن الجعد بن دهم معلم مروان .
انتفاض أهل حمص
و في سنة سبع و ثلاثين وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي بسبب أنه قتل بعض رؤسائهم فأخرجوه و قتلوا من أصحابه ، فولى مكانه محمد بن عبدويه الأنباري فأساء إليهم و عسف فيهم فوثبوا به ، و أمره المتوكل بجند من دمشق و الرملة فظفر بهم و قتل منهم جماعة ، و أخرج النصارى منها و هدم كنائسهم و أدخل منها بيعة في الجامع كانت تجاوره .
إغارة البجاة على مصر
كانت الهدنة بين أهل مصر و البجاة من لدن الفتح ، و كان في بلادهم معادن الذهب يؤدون منها الخمس إلى أهل مصر ، فامتنعوا أيام المتوكل و قتلوا من وجدوه من المسلمين بالمعادن ، و كتب صاحب البريد بذلك إلى المتوكل فشاور الناس في غزوهم فأخبروه أنهم أهل إبل و شاء و أن بين بلادهم و بلاد المسلمين مسيرة شهر و لا بد فيها من الزاد ، و إن فنيت الأزواد هلك العسكر فأمسك عنهم . و خاف أهل الصغد من شرهم ، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي على أسوان و قفط و الأقصر و أستا و أرمنت ، و أمره بحرب البجاة . و كتب إلى عنبسة بن إسحق الضبي عامل مصر بتجهيز العساكر معه و أزاحه عليهم فسار في عشرين ألفاً من الجند و المتطوعة ، و حملت المراكب من القلزم و التمر و الأدم إلى سواحل بلاد البجاة و انتهى إلى حصونهم و قلاعهم . و زحف إليه ملكهم و اسمه علي بابا في أضعاف عساكرهم على المهاري ، و طاولهم علي بابا رجاء أن تفنى أزوادهم فجاءت المراكب و فرقها القمي في أصحابه ، فناجزهم البجاة الحرب و كانت إبلهم نفورة ، فأمر القمي جنده باتخاذ الأجراس بخيلهم . ثم حملوا عليهم فانهزموا و أثخن فيهم قتلاً و أسراً حتى أستأمنوا على أداء الخراج لما سلف و لما يأتي و أن يرد إلى مملكته ، و سار مع القمي إلى المتوكل و استخلف ابنه ، فخلع القمي عليه و على أصحابه ، و كسا أرجلهم الجلال المديحة و ولاهم طريق ما بين مصر و مكة ، و ولى عليهم سعداً الإتياخي الخادم فولى سعد محمد القمي فرجع معهم و استقامت ناحيتهم .
الصوائف
و في سنة ثمان و ثلاثين ورد على دمياط اسطول الروم في مائة مركب فكبسوها و كانت المسلحة الذين بها قد ذهبوا إلى مصر باستدعاء صاحب المعونة عنسبة بن إسحق الضبي فانتهزوا الفرصة في مغيبهم و انتهبوا دمياط و أحرقوا الجامع بها و أوقروا سفنهم سبياً و متاعاً ، و ذهبوا إلى تنيس ففعلوا فيها ذلك و أقطعوا . و غزا بالصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأرميني صاحب الصوائف . و في سنة احدى و أربعين كان الفداء بين الروم و بين المسلمين و كانت تدورة ملكة الروم قد حملت أسرى المسلمين على التنصر فتنصر الكثير منهم . ثم طلبت المفاداة فيمن بقي فبعث المتوكل سيفاً الخادم بالفداء و معه قاضي بغداد جعفر بن عبد الواحد و استخلف على القضاء ابن أبي الشوارب و كان الفداء على نهر اللامس ثم أغارت الروم بعد ذلك روبة فأسروا من كان هنالك من الزط و سبوا نساءهم و أولادهم و لما رجع علي بن يحيى الأرميني من الصائفة خرجت الروم في ناحية سمسياط فانتهوا إلى آمد و اكتسحوا نواحي الثغور و الخزرية نهبا و أسروا نحوا من عشرة آلاف و رجعوا و اتبعهم قرشاس و عمر بن عبد الأقطع و قم من المتطوعة فلم يدركوهم و أمر المتوكل علي بن يحيى ان يدخل بالثانية في تلك السنة ففعل . و في سنة أربع و أربعين جاء المتوكل من بغداد إلى دمشق و قد اجتمع نزولها و نقل الكرسي إليها فأقام بها شهرين ، ثم استوبأها و رجع بعد أن بعث بغا الكبير في العساكر للصائفة فدخل بلاد الروم فدوخها و اكتسحها من سائر النواحي و رجع . و في سنة خمس و أربعين أغارت الروم على سميساط فغنموا و غزا علي بن يحيى الأرميني بالصائفة كركرة و انتقض أهلها على بطريقهم فقبضوا عليه و سلموه إلى بعض موالي المتوكل ، فأطلق الروم في فداء البطريق ألف أسير من المسلمين و في سنة ست و أربعين غزا عمر بن عبيد الله الأقطع بالصائفة فجاؤا بأربعة آلاف رأس ، و غزا قرشاس فجاء بخمسة آلاف رأس ، و غزا الفضل بن قاران في الأسطول بعشرين مركباً فافتتح حصن انطاكية و غزا ملكها دورهم و سبا ، و غزا علي بن يحيى فجاء بخمسة آلاف رأس و من الظهر بعشرة آلاف و كان على يده في تلك السنة الفداء في ألفين و ثلثمائة من الأسرى .
الولاية في النواحي
ولى المتوكل سنة اثنتين على بلاد فارس محمد بن إبراهيم بن مصعب و كان على الوصل غانم بن حميد الطوسي ، و استوزر لأول خلافته محمد بن عبد الله بن الزيات . و ولى على ديوان الخراج يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزد و عزل الفضل بن مروان . و ولى على ديوان النفقات إبراهيم بن محمد بن حتول . و ولى سنة ثلاث و ثلاثين على الحرمين و اليمن و الطائف ابنه المستنصر ، و عزل محمد بن عيسى . و ولى على حجابة بابه وصيفاً الخادم عندما سار إيتاخ للحج . و في سنة خمس و ثلاثين عهد لأولاده كما مر ، و ولى على الشرطة ببغداد إسحق بن إبراهيم بن الحسين ابن مصعب مكان ابنه إبراهيم عندما توفي ، و كانت وفاته و وفاة الحسن بن سهل في سنة واحدة . و في سنة ست و ثلاثين استكتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان ثم استوزره بعد ذلك ، و ولى على أرمينية و أذربيجان حرباً و خراجاً يوسف بن أبي سعيد محمد بن يوسف المروذوذي عندما توفي أبوه فجاءه فسار إليها وضبطها ، و أساء إلى البطارقة بالناحية فوثبوا به كما مر و قتلوه . و بعث المتوكل بغا الكبير في العساكر فأخذ ثأره منهم ، و ولى معادن السواد عبد الله بن إسحق بن إبراهيم . و في سنة تسع و ثلاثين عزل ابن أبي دؤاد عن القضاء و صادره ، و ولى مكانه يحيى بن أكثم . و قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان فولاه الشرطة و الجزية و أعمال السواد ، و كان على مكة علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور فحج بالناس ، ثم ولى مكانه في السنة القابلة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى . و ولى على الأحداث بطريق و المواسم جعفر بن دينار ، و كان على حمص أبوا المغيب موسى بن إبراهيم الرافقي و ثبوا به سنة تسع و ثلاثين ، فولى مكانه محمد بن عبدويه .و في سنة تسع و ثلاثين عزل يحيى بن أكثم عن القضاء ، و ولى مكانه جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان و في سنة اثنتين و أربعين ولى على مكة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ، و ولى على ديوان النفقات الحسن بن مخلد بن الجراح عندما توفي إبراهيم بن العباس الصولي و كان خليفته فيها من قبل . و في سنة خمس و أربعين اختط المتوكل مدينته و أنزلها القواد و الأولياء و أنفق عليها ألف ألف دينار ، و بنى فيها قصر اللؤلؤة لم ير مثله في علوه و أجرى له الماء في نهر احتفره و سماه المتوكلية و تسمى الجعفري و الماخورة و فيها ولى على طريق مكة أبا الساج مكان جعفر بن دينار لوفاته تلك السنة . و ولى على ديوان الضياع و التوقيع نجاح بن سلمة و كانت له صولة على العمال ، فكان ينام المتوكل فسعى عنده في الحسن بن مخلد و كان معه ديوان االضياع ولى موسى بن عقبة عبد الملك و كان على ديوان الخراج ، و ضمن للمتوكل في مصادرتهما أربعين ألفاً . و أذن المتوكل و كانا منقطعين إلى عبيد الله بن خاقان ، فتلطف عند نجاح و خادعه حتى كتب على الرقعتين ، و أشار إليه بأخذ ما فيها معاً و بدأ بنجاح فكتبه و قبض منه مائة و أربعين ألف دينار سوى الغلات و الفرش و الضياع ، ثم ضرب فمات و صودر أولاده في جميع البلاد على أموال جمة .
مقتل المتوكل و بيعة المنتصر ابنه
كان المتوكل قد عهد إلى ابنه المنتصر ثم ندم و أبغضه لما كان يتوهم فيه من استعجاله الأمر لنفسه ، و كان يسميه المنتصر و المستعجل لذلك . و كان المنتصر تنكر عليه إنحرافه عن سنن سلفه فيما ذهبوا إليه من مذهب الاعتزال و التشيع لعلي ، و ربما كان الندمان في مجلس المتوكل يفيضون في ثلث علي فينكر المنتصر ذلك و يتهددهم و يقول للمتوكل : إن علياً هو كبير بيننا و شيخ بني هاشم ، فإن كنت لا بد ثالبه فتول ذلك بنفسك و لاتجعل لهؤلاء الصفاغين سبيلاً إلى ذلك فيستخف به و يشتمه ، و يأمر وزيره عبيد الله بصفعه و يتهدده بالقتل و يصرح بخلعه . و ربما استخلف ابنه الحبر في الصلاة و الخطبة مراراً و تركه فطوى من ذلك على النكث . و كان المتوكل قد استفسد إلى بغا و وصيف الكبير و وصيف الصغير و دواجن ، فأفسدوا عليه الموالي . و كان المتوكل قد أخرج بغا الكبير من الدار و أمره بالمقام بسميساط لتعهد الصوائف ، فسار لذلك و استخلف مكانه ابنه موسى في الدار و كان ابن خالة المتوكل ، و استخلف على الستر بغا الشرابي الصغير . ثم تغير المتوكل لوصيف و قبض ضياعه بأصبهان و الجبل و أقطعها الفتح بن خاقان ، فتغير وصيف لذلك و داخل المنتصر في قتل المتوكل ، و أعد لذلك جماعة من الموالي بعثهم مع ولده صالح و أحمد و عبد الله و نصر ، و جاؤا في الليلة اتعدوا فيها . و حضر المنتصر ثم انصرف على عادته ، و أخذ زرافة الخادم معه ، و أمر بغا الشرابي الندمان بالانصراف حتى لم يبق إلا الفتح و أربعة من الخاصة ، و أغلق الأبواب إلا باب دجلة فأدخل منه الرجال و أحسن المتوكل و أصحابه بهم فخافوا على أنفسهم ، و استماتوا و ابتدروا إليه فقتلوه . و ألقى الفتح نفسه عليهم ليقيه فقتلوه . و بعث إلى المنتصر و هو ببيت زرافة فأخبره و أوصى بقتل زرافة فمنعه المنتصر ، و بايع له زرافة و ركب إلى الدار فبايعه من حضر و بعث إلى وصيف إن الفتح قتل أبي فقتلته ، فحضر و بايع . و بعث عن أخويه المعتز و المؤيد فحضرا و بايعا له . و انتهى الخبر إلى عبيد الله بن يحيى فركب من ليله و قصد منزل المعتز فلم يجده و اجتمع عليه آلاف من الأزد و الأرمن و الزواقيل ، و أغروه بالحملة على المنتصر و أصحابه فأبى و خام عن ذلك ، و أصبح المنتصر فأمر بدفن المتوكل و الفتح ، و ذلك لأربع خلون من شوال سنة سبع و أربعين و مائتين . و شاع الخبر بقتل المتوكل فثار الجند و تبعهم و ركب بعضهم بعضاً ، و قصدوا باب السلطان فخرج إليهم بعض الأولياء فأسمعوه ، و رجع فخرج المنتصر بنفسه و بين المغاربة فشردوهم عن الأبواب فتفرقوا بعد أن قتل منهم ستة أنفس .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
الخبر عن الخلفاء من بني العباس أيام الفتنة و تغلب الأولياء و تضايق نطاق الدولة باستبداد الولاة في النواحي من لدن المنتصر إلى أيام المستكفي
كان بنو العباس حين ولوا الخلافة قد امتدت إيالتهم على جميع ممالك الإسلام ، كما كان بنو أمية من قبلهم . ثم لحق بالأندلس من فل بني أمية من ولدها هاشم بن عبد الملك حافده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ، و نجا من تلك الهلكة فأجاز البحر و دخل الأندلس فملكها من يد عبد الرحمن بن يوسف الفهري ، و خطب للسفاح فيها حولاً ثم لحق به أهل بيته من المشرق فعزلوه في ذلك فقطع الدعوة عنهم و بقيت بلاد الأندلس مقتطعة من الدولة الإسلامية عن بني العباس . ثم لما كانت وقعة فتح أيام الهادي علي بن الحسن بن علي سنة تسع و تسعين و مائة ، و قتل داعيتهم يومئذ حسين ابن علي بن حسن المثنى و جماعة من أهل بيته و نجا آخرون ، و خلص منهم إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب الأقصى و قام بدعوته البرابرة هنالك ، فاقتطع المغرب عن بني العباس فاستحدثوا هنالك دولة لأنفسهم . ثم ضعفت الدولة العباسية بعد الاستحفال ، و تغلب على الخليفة فيها الأولياء و القرابة و المصطنعون ، و صار تحت حجرهم من حين قتل المتوكل و حدثت الفتن ببغداد ، و صار العلوية إلى النواحي مظهرين لدعوتهم ، فدعا عبد الله الشيعي سنة ست و ثمانين و مائتين بأفريقية في طامة لعبيد الله المهدي بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسمعيل بن جعفر الصادق و بايع له ، و انتزع أفريقية من يد بني الأغلب استولى عليها و على المغرب الأقصى و مصر و الشام و اقتطعوا سائر هذه الأعمال عن بني العباس و استحدثوا له دولة أقامت مائتين و سبعين سنة كما يذكر في أخبارهم . ثم ظهر بطبرستان من العلوية الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط و يعرف بالداعي ، خرج سنة خمسين و مائتين أيام المستعين و لحق بالديلم فأسلموا على يديه و ملك طبرستان و نواحيها ، و صار هنالك دولة أخذها من يد أخيه سنة احدى و ثلثمائة الأطروش من بني الحسين ، ثم من بني على عمر داعي الطالقان أيام المعتصم و قد مر خبره و اسم هذه الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر و كانت لهم دولة و انقرضت أيام الحسين ، و استولى عليها الديلم و صارت لهم دولة أخرى .و ظهر باليمن الرئيس و هو ابن إبراهيم طباطبا بن إسمعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى فأظهر هنالك دعوة الزيدية ، و ملك صعدة و صنعاء و بلاد اليمن ، و كانت لهم هنالك دولة و لم تزل حتى الآن . و أول من ظهر منهم يحيى بن الحسين بن القاسم سنة تسعين ومائتين ، ثم ظهر أيام الفتنة من دعاة العلوية صاحب الزنج أدعى أنه أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد و ذلك سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهتدي ، و طعن الناس في نسبه فأدعى أنه من ولد يحيى بن زيد قتيل الجوزجان ، و قيل إنه انتسب إلى طاهر بن الحسين بن علي و الذي ثبت عند المحقيقين أنه علي بن عبد الرحيم بن عبد القيس ، فكانت له و لبنيه دولة بنواحي البصرة أيام الفتنة قام بها الزنج إلى أن انقرضت على يد المعتضد أيام السبعين و مائتين . ثم ظهر القرظ بنواحي البحرين و عمان فسار إليها من الكوفة سنة تسع و سبعين أيام المعتضد ، و انتسب إلى بني إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق دعوى كاذبة ، و كان من أصحابه الحسن الجمالي و زكرونة القاشاني فقاموا من بعده بالدعوة و دعوا لعبد الله المهدي و غلبوا على البصرة و الكوفة ، ثم انقطعوا عنها إلى البحرين و عمان ، و كانت لهم هنالك دولة انقرضت آخر المائة الرابعة ، و تغلب عليهم العرب من بني سليم و بني عقيل . و في خلال ذلك استبد بنو سامان بما وراء النهر آخر الستين و مائتين و أقاموا على الدعوة إلا أنهم لا ينفذون أوامر الخلفاء و أقامت دولتهم إلى آخر المائة الرابعة . ثم اتصلت دولة في مواليهم بغزنة إلى منتصف المائة السادسة ، و كانت للأغالبة بالقيروان و أفريقية دولة أخرى بمصر و الشام بالاستبداد من لدن الخمسين و المائتين أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بني طفج إلى الستين و الثلثمائة . و في خلال هذا كله تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحي السواد و الجزيرة فقط ، إلا أنهم قائمون ببغداد على أمرهم . ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحي و ملكوا الأعمال ثم ساروا إلى بغداد و ملكوها و صيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفي أعوام الثلاثين و الثلثمائة ، و كانت من أعظم الدول . ثم أخذها من أيديهم السلجوقية من الغز إحدى شعوب الترك ، فلم تزل دولتهم من لدن القائم سنة أربعين و أربعمائة إلى آخر المائة السادسة ، و كانت دولتهم من أعظم الدول في العالم . و تشعبت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء من بني العباس آخراً في هذا النطاق الضيق ما بين دجلة و الفرات و أعمال السواد و بعض أعمال فارس ، إلى أن خرج التتار من مفازة الصين و زحفوا إلى الدولة السلجوقية و هم على دين المجوسية ، و زحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم ، و انقرض أمر الخلافة و ذلك سنة ست و خمسين و ستمائة . ثم أسلموا بعد ذلك و كانت لهم دولة عظيمة ، و تشعبت عنها دول لهم و لأشياعهم في النوحي و هي باقية لهذا العهد آخذه في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه .
دولة المنتصر
و لما بويع المنتصر كما ذكرناه ولى المظالم أبا عمر و أحمد بن سعيد ، و على دمشق عيسى بن محمد النوشري و كان على وزارته أحمد بن الخصيب ، و استقامت أموره و تفاوض و صيف و بغا و أحمد بن الخطيب في شأن المعتز و المؤيد لما توقعوا من سطوتهما بسبب قتل المتوكل ، فحملوا المنتصر على خلعهما الأربعين يوماً من خلافته و بعث إليهما بذلك فأجاب المؤيد و امتنع المعتز فأغلظوا عليه و أوهموه القتل فخلا به المؤيد و تلطف به حتى أجاب و خلع نفسه و كتبا ذلك بخطهما . ثم دخلا على المنتصر فأجلسهما و اعتذر لهما بسمع من الأمراء بأنهم الذين حملوه على خلعهما فأجبتهم إلى ذلك خشية عليكما منهم ، فقبلا يده و شكرا له و شهد عليهما القضاة و بنو هاشم و القواد و وجوه الناس ، و كتب بذلك المنتصر إلى الآفاق و إلى محمد بن طاهر ببغداد . ثم إن أحمد بن الخصيب أخا المنتصر أمر بإخراج وصيف للصائفة و إبعاده عن الدولة لما بينهما من الشحناء ، فأحضر المنتصر و قال له : قد أتانا من طاغية الروم أنه أفسد الثغر فلا بد من مسيرك أو مسيري ، فقال بل أنا أشخص يا أمير المؤمنين ! فأمر أحمد بن الخصيب أن يجهزه و يزيح علل العسكر معه ، و أمره أن يوافي ثغر ملطية فسارو على مقدمته مزاحم بن خاقان أخو الفتح ، و على نفقات العساكر و المغانم و المقاسم أبو الوليد القروالي أن أن يأتيه رأيه .
وفاة المنتصر و بيعة المستعين
ثم أصابت المنتصر علة الذبحة فهلك لخمس بقين من ربيع الأول من سنة ثمان و أربعين و مائتين لستة أشهر من ولايته ، و قيل بل أكثر من ذلك فجعل السم في مشرطة الطبيب فاجتمع الموالي في القصر و فيهم بغا الصغير و بغا الكبير و أتامش و غيرهم فاستحلفوا قواد الأتراك و المغاربة و الأشروسية على الرضا بمن يرضونه لهم ، ثم خلصوا للمشورة و معهم أحمد بن الخصيب فعدلوا عن ولد المتوكل خوفاً منهم و نظروا في ولد المعتصم فبايعوه و استكتب أحمد بن الخصيب و استوزر أتامش و غدا على دار العامة في زي الخلافة ، و إبراهيم بن إسحق يحمل بين يديه الحربة ، وصفت الممالك و الأشروسية صفين بترتيب دواجن ، و حضر أصحاب المراتب من العباسيين و الطالبيين ، و ثار جماعة من الجند و قصدوا الدار يذكرون أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر و الغوغاء فشهروا السلاح و هتفوا باسم المعتز و شدوا على أصحاب دواجن فتضعضعوا ، ثم جاءت المبيضة و الشاكرية ، و حمل عليهم المغاربةو الأشروسية فنشبت الحرب و انتهبت الدروع و السلاح من الخزائن بدار العامة و جاء بغا الصغير فدفعهم عنها و قتل منهم عدة و فتقت السجون و تمت بيعة الأتراك للمستعين ، و وضع العطاء على البيعة و بعث إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبايع له هو و الناس ببغداد . ثم جاء الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان و هلك عمه الحسين بن طاهر بمرو فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر مكانه و عقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر على خراسان سنة ثمان و أربعين و مائتين ، و ولى عمه طلحة على نيسابور ، و ابنه منصور بن طلحة على مرو و سرخس و خوارزم ، و عمه الحسين بن عبد الله على هراة و أعمالها ، و عمه سليمان بن عبد الله على طبرستان ، و العباس ابن عمه على الجوزجان و الطالقان . و مات بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله كلها و بعث أناجور من قواد الترك إلى العمرط الثعلبي فقتله . و استأذنه عبد الله بن يحيى بن خان في الحج فأذن له ، ثم بعث خلفه من نفاه إلى برقة ، و حبس المعتز و المؤيد في حجره بالجوسق بعد أن أراد قواد الأتراك قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب من ذلك . ثم قبض على أحمد بن الخصيب فاستصفى ماله و مال ولده و نفاه إلى قرطيش و استوزر أتامش و عقد له على مصر و المغرب و
عقد لبغا الصغير على حلوان و ما سيدان و مهرجا تعرف ، و جعل شاهك الخادم على داره و كراعه و حرمه و خاصة أموره رخادمه ، و أشناس على جميع الناس . و عزل علي بن يحيى الأرمني عن الثغور الشامية و عقد له على أرمينية و أذربيجان . و كان على حمص كندر فوثب به أهلها فأخرجوه فبعث المستعن الفضل بن قارن و هو أخو مازيار فاستباحهم و حمل أعيانهم إلى سامرا و بعث المستعين إلى وصيف و هو بالثغر الشامي بأن يغزو بالصائفة ، فدخل بلاد الروم و افتتح حصن قرورية ثم غزا بالصائفة سنة تسع و أربعين جعفر بن دينار و افتتح مطامير و استأذنه عمر بن عبد الله الأقطع في تدويخ بلاد الروم فأذن له دخل في جماعة من أهل ملطية و لقي ملك الروم ، فخرج الأسقف في خمسين ألفاً احاطوا به و قتل عمر في ألفين من المسلمين . و كان على الثغور الجزرية فأغار عليها الروم و بلغ ذلك علي بن يحيى و هو قابل من أرمينية إلى ميافارقين و معه جماعة من أهلها فنفر إليهم و هو في نحو أربعمائة فقتلوا و قتل .
فتنة بغداد و سامرا
و لما اتصل الخبر ببغداد و سامرا بقتل عمر بن عبد الله و علي بن يحيى شق ذلك الناس لما كانوا عليه من عظم الغناء في الجهاد ، و اشتد نكيرهم على الترك في غفلتهم عن المصالح و تذكروا قتل المتوكل و استيلاءهم على الأمور فاجتمعت العامة و تنادوا بالنفير إلى الجهاد . و انضم إليهم الشاكرية يطلبون أرزاقهم ثم فتقوا السجون و قطعوا الجسور و انتهبوا دور كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر . ثم أخرج أهل اليسار من بغداد الأموال ففرقوها في المجاهدين و جاءت العامة من الجبال و فارس والأهواز فنفروا للغزو ، و لم يظهر للمستعين و لا لأهل الدولة في ذلك أثر . ثم وثب العامة بسامرا و فتقوا السجون و خرج من كان فيها و جاء من الموالي في طلبهم فوثب العامة بهم و هزموهم و ركب بغا و وصيف و أتامش في الترك فقتلوا من العامة خلقاً و انتهوا منازلهم و سكنت الفتنة .
مقتل أتامش
كان المستعين لما ولي أطلق يد أمه و أتامش و شاهك الخادم في الأموال و ما فضل عنهم فلنفقات العباس بن المستعين ، و كان في حجر أتامش فبعث ذلك عليه بغا و وصيف و ضاق حال الأتراك و الفراغنة و دسهم عليهم بغا و وصيف فخرج منهم أهل الكرخ و الدور و قصدوه في الجوسق مع المستعين و أراد الهرب فلم يطق ، و استجار بالمستعين فلم يجره و حاصروه يومين ، ثم افتتحوا عليه الجوسق و قتلوه و كاتبه شجاع بن القاسم و نهبت أموالهم و استوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن علي على الأهواز و لبغا الصغير على فلسطين . ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح فهرب إلى بغداد و استوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني و ولى على ديوان الرسائل سعيد بن حميد .
ظهور يحيى بن عمر و مقتله
كان على الطالبيين بالكوفة يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد الشهيد و يكنى أبا الحسين و أمه من ولد عبد الله بن جعفر و كان من سراتهم ووجوههم و كان عمر بن فرج يتولى أمر الطالبيين أيام المتوكل ، فعرض له أبو الحسين عند مقدمة من خراسان يسأله صلة لدين لزمه فأغلظ له عمر القول و حبسه حتى أخذ عليه الكفلاء و انطلق إلى بغداد . ثم جاء إلى سامرا و قد أملق فتعرض لوصيف في رزق يجري له ، فأساءه عليه وإليها فرجع إلى الكوفة و عاملها يومئذ أيوب بن الحسين بن موسى بن جعفر بن سليمان بن علي من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر ، فاعتزم على الخروج و التف عليه جمع من الأعراب و أهل الكوفة ، و دعا للرضى من آل محمد ففتق السجون و نهبه و طرد العمال ، و أخذ من بيت المال ألفي دينار و سبعين ألف درهم ، و كان صاحب البريد قد طير بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فكتب إلى عامله بالسواد عبد الله بن محمود السرخسي و أن يصير مدداً إلى الكوفة فلقيه و قاتله فهزمهم يحيى و انتهب ما معهم ، و خرج إلى سواد الكوفة و اتبعه خلق من الزيدية ، و انتهى إلى ناحية واسط و كثرت جموعه .لا و سرح محمد بن عبد الله بن طاهر إلى محاربة الحسين بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في العساكر فسار إليه . و قد كان يحيى قصد الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس فهزمه يحيى إلى ناحية شاهي و دخل الكوفة و اجتمعت عليه الزيدية ، و اشتمل عليه عامة أهل الكوفة و أمداد الزيدية من بغداد ، و جاء الحسين بن إسمعيل و انضم إليه عبد الرحمن بن الخطاب و خرج يحيى من الكوفة ليعاجلهم الحرب فأسرى ليلته و صبح العساكر فساروا إليه فهزموه و وضعوا السيف في أصحابه ، و أسروا الكثير من اتباعه ، و كان منهم الهيصم العجلي و غيره ، و انجلت الحرب عن يحيى بن عمر قتيلاً فبعثوا برأسه إلى محمد عبد الله بن طاهر فبعث به إلى
كان بنو العباس حين ولوا الخلافة قد امتدت إيالتهم على جميع ممالك الإسلام ، كما كان بنو أمية من قبلهم . ثم لحق بالأندلس من فل بني أمية من ولدها هاشم بن عبد الملك حافده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ، و نجا من تلك الهلكة فأجاز البحر و دخل الأندلس فملكها من يد عبد الرحمن بن يوسف الفهري ، و خطب للسفاح فيها حولاً ثم لحق به أهل بيته من المشرق فعزلوه في ذلك فقطع الدعوة عنهم و بقيت بلاد الأندلس مقتطعة من الدولة الإسلامية عن بني العباس . ثم لما كانت وقعة فتح أيام الهادي علي بن الحسن بن علي سنة تسع و تسعين و مائة ، و قتل داعيتهم يومئذ حسين ابن علي بن حسن المثنى و جماعة من أهل بيته و نجا آخرون ، و خلص منهم إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب الأقصى و قام بدعوته البرابرة هنالك ، فاقتطع المغرب عن بني العباس فاستحدثوا هنالك دولة لأنفسهم . ثم ضعفت الدولة العباسية بعد الاستحفال ، و تغلب على الخليفة فيها الأولياء و القرابة و المصطنعون ، و صار تحت حجرهم من حين قتل المتوكل و حدثت الفتن ببغداد ، و صار العلوية إلى النواحي مظهرين لدعوتهم ، فدعا عبد الله الشيعي سنة ست و ثمانين و مائتين بأفريقية في طامة لعبيد الله المهدي بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسمعيل بن جعفر الصادق و بايع له ، و انتزع أفريقية من يد بني الأغلب استولى عليها و على المغرب الأقصى و مصر و الشام و اقتطعوا سائر هذه الأعمال عن بني العباس و استحدثوا له دولة أقامت مائتين و سبعين سنة كما يذكر في أخبارهم . ثم ظهر بطبرستان من العلوية الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط و يعرف بالداعي ، خرج سنة خمسين و مائتين أيام المستعين و لحق بالديلم فأسلموا على يديه و ملك طبرستان و نواحيها ، و صار هنالك دولة أخذها من يد أخيه سنة احدى و ثلثمائة الأطروش من بني الحسين ، ثم من بني على عمر داعي الطالقان أيام المعتصم و قد مر خبره و اسم هذه الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر و كانت لهم دولة و انقرضت أيام الحسين ، و استولى عليها الديلم و صارت لهم دولة أخرى .و ظهر باليمن الرئيس و هو ابن إبراهيم طباطبا بن إسمعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى فأظهر هنالك دعوة الزيدية ، و ملك صعدة و صنعاء و بلاد اليمن ، و كانت لهم هنالك دولة و لم تزل حتى الآن . و أول من ظهر منهم يحيى بن الحسين بن القاسم سنة تسعين ومائتين ، ثم ظهر أيام الفتنة من دعاة العلوية صاحب الزنج أدعى أنه أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد و ذلك سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهتدي ، و طعن الناس في نسبه فأدعى أنه من ولد يحيى بن زيد قتيل الجوزجان ، و قيل إنه انتسب إلى طاهر بن الحسين بن علي و الذي ثبت عند المحقيقين أنه علي بن عبد الرحيم بن عبد القيس ، فكانت له و لبنيه دولة بنواحي البصرة أيام الفتنة قام بها الزنج إلى أن انقرضت على يد المعتضد أيام السبعين و مائتين . ثم ظهر القرظ بنواحي البحرين و عمان فسار إليها من الكوفة سنة تسع و سبعين أيام المعتضد ، و انتسب إلى بني إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق دعوى كاذبة ، و كان من أصحابه الحسن الجمالي و زكرونة القاشاني فقاموا من بعده بالدعوة و دعوا لعبد الله المهدي و غلبوا على البصرة و الكوفة ، ثم انقطعوا عنها إلى البحرين و عمان ، و كانت لهم هنالك دولة انقرضت آخر المائة الرابعة ، و تغلب عليهم العرب من بني سليم و بني عقيل . و في خلال ذلك استبد بنو سامان بما وراء النهر آخر الستين و مائتين و أقاموا على الدعوة إلا أنهم لا ينفذون أوامر الخلفاء و أقامت دولتهم إلى آخر المائة الرابعة . ثم اتصلت دولة في مواليهم بغزنة إلى منتصف المائة السادسة ، و كانت للأغالبة بالقيروان و أفريقية دولة أخرى بمصر و الشام بالاستبداد من لدن الخمسين و المائتين أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بني طفج إلى الستين و الثلثمائة . و في خلال هذا كله تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحي السواد و الجزيرة فقط ، إلا أنهم قائمون ببغداد على أمرهم . ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحي و ملكوا الأعمال ثم ساروا إلى بغداد و ملكوها و صيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفي أعوام الثلاثين و الثلثمائة ، و كانت من أعظم الدول . ثم أخذها من أيديهم السلجوقية من الغز إحدى شعوب الترك ، فلم تزل دولتهم من لدن القائم سنة أربعين و أربعمائة إلى آخر المائة السادسة ، و كانت دولتهم من أعظم الدول في العالم . و تشعبت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء من بني العباس آخراً في هذا النطاق الضيق ما بين دجلة و الفرات و أعمال السواد و بعض أعمال فارس ، إلى أن خرج التتار من مفازة الصين و زحفوا إلى الدولة السلجوقية و هم على دين المجوسية ، و زحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم ، و انقرض أمر الخلافة و ذلك سنة ست و خمسين و ستمائة . ثم أسلموا بعد ذلك و كانت لهم دولة عظيمة ، و تشعبت عنها دول لهم و لأشياعهم في النوحي و هي باقية لهذا العهد آخذه في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه .
دولة المنتصر
و لما بويع المنتصر كما ذكرناه ولى المظالم أبا عمر و أحمد بن سعيد ، و على دمشق عيسى بن محمد النوشري و كان على وزارته أحمد بن الخصيب ، و استقامت أموره و تفاوض و صيف و بغا و أحمد بن الخطيب في شأن المعتز و المؤيد لما توقعوا من سطوتهما بسبب قتل المتوكل ، فحملوا المنتصر على خلعهما الأربعين يوماً من خلافته و بعث إليهما بذلك فأجاب المؤيد و امتنع المعتز فأغلظوا عليه و أوهموه القتل فخلا به المؤيد و تلطف به حتى أجاب و خلع نفسه و كتبا ذلك بخطهما . ثم دخلا على المنتصر فأجلسهما و اعتذر لهما بسمع من الأمراء بأنهم الذين حملوه على خلعهما فأجبتهم إلى ذلك خشية عليكما منهم ، فقبلا يده و شكرا له و شهد عليهما القضاة و بنو هاشم و القواد و وجوه الناس ، و كتب بذلك المنتصر إلى الآفاق و إلى محمد بن طاهر ببغداد . ثم إن أحمد بن الخصيب أخا المنتصر أمر بإخراج وصيف للصائفة و إبعاده عن الدولة لما بينهما من الشحناء ، فأحضر المنتصر و قال له : قد أتانا من طاغية الروم أنه أفسد الثغر فلا بد من مسيرك أو مسيري ، فقال بل أنا أشخص يا أمير المؤمنين ! فأمر أحمد بن الخصيب أن يجهزه و يزيح علل العسكر معه ، و أمره أن يوافي ثغر ملطية فسارو على مقدمته مزاحم بن خاقان أخو الفتح ، و على نفقات العساكر و المغانم و المقاسم أبو الوليد القروالي أن أن يأتيه رأيه .
وفاة المنتصر و بيعة المستعين
ثم أصابت المنتصر علة الذبحة فهلك لخمس بقين من ربيع الأول من سنة ثمان و أربعين و مائتين لستة أشهر من ولايته ، و قيل بل أكثر من ذلك فجعل السم في مشرطة الطبيب فاجتمع الموالي في القصر و فيهم بغا الصغير و بغا الكبير و أتامش و غيرهم فاستحلفوا قواد الأتراك و المغاربة و الأشروسية على الرضا بمن يرضونه لهم ، ثم خلصوا للمشورة و معهم أحمد بن الخصيب فعدلوا عن ولد المتوكل خوفاً منهم و نظروا في ولد المعتصم فبايعوه و استكتب أحمد بن الخصيب و استوزر أتامش و غدا على دار العامة في زي الخلافة ، و إبراهيم بن إسحق يحمل بين يديه الحربة ، وصفت الممالك و الأشروسية صفين بترتيب دواجن ، و حضر أصحاب المراتب من العباسيين و الطالبيين ، و ثار جماعة من الجند و قصدوا الدار يذكرون أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر و الغوغاء فشهروا السلاح و هتفوا باسم المعتز و شدوا على أصحاب دواجن فتضعضعوا ، ثم جاءت المبيضة و الشاكرية ، و حمل عليهم المغاربةو الأشروسية فنشبت الحرب و انتهبت الدروع و السلاح من الخزائن بدار العامة و جاء بغا الصغير فدفعهم عنها و قتل منهم عدة و فتقت السجون و تمت بيعة الأتراك للمستعين ، و وضع العطاء على البيعة و بعث إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فبايع له هو و الناس ببغداد . ثم جاء الخبر بوفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان و هلك عمه الحسين بن طاهر بمرو فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر مكانه و عقد لمحمد بن عبد الله بن طاهر على خراسان سنة ثمان و أربعين و مائتين ، و ولى عمه طلحة على نيسابور ، و ابنه منصور بن طلحة على مرو و سرخس و خوارزم ، و عمه الحسين بن عبد الله على هراة و أعمالها ، و عمه سليمان بن عبد الله على طبرستان ، و العباس ابن عمه على الجوزجان و الطالقان . و مات بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله كلها و بعث أناجور من قواد الترك إلى العمرط الثعلبي فقتله . و استأذنه عبد الله بن يحيى بن خان في الحج فأذن له ، ثم بعث خلفه من نفاه إلى برقة ، و حبس المعتز و المؤيد في حجره بالجوسق بعد أن أراد قواد الأتراك قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب من ذلك . ثم قبض على أحمد بن الخصيب فاستصفى ماله و مال ولده و نفاه إلى قرطيش و استوزر أتامش و عقد له على مصر و المغرب و
عقد لبغا الصغير على حلوان و ما سيدان و مهرجا تعرف ، و جعل شاهك الخادم على داره و كراعه و حرمه و خاصة أموره رخادمه ، و أشناس على جميع الناس . و عزل علي بن يحيى الأرمني عن الثغور الشامية و عقد له على أرمينية و أذربيجان . و كان على حمص كندر فوثب به أهلها فأخرجوه فبعث المستعن الفضل بن قارن و هو أخو مازيار فاستباحهم و حمل أعيانهم إلى سامرا و بعث المستعين إلى وصيف و هو بالثغر الشامي بأن يغزو بالصائفة ، فدخل بلاد الروم و افتتح حصن قرورية ثم غزا بالصائفة سنة تسع و أربعين جعفر بن دينار و افتتح مطامير و استأذنه عمر بن عبد الله الأقطع في تدويخ بلاد الروم فأذن له دخل في جماعة من أهل ملطية و لقي ملك الروم ، فخرج الأسقف في خمسين ألفاً احاطوا به و قتل عمر في ألفين من المسلمين . و كان على الثغور الجزرية فأغار عليها الروم و بلغ ذلك علي بن يحيى و هو قابل من أرمينية إلى ميافارقين و معه جماعة من أهلها فنفر إليهم و هو في نحو أربعمائة فقتلوا و قتل .
فتنة بغداد و سامرا
و لما اتصل الخبر ببغداد و سامرا بقتل عمر بن عبد الله و علي بن يحيى شق ذلك الناس لما كانوا عليه من عظم الغناء في الجهاد ، و اشتد نكيرهم على الترك في غفلتهم عن المصالح و تذكروا قتل المتوكل و استيلاءهم على الأمور فاجتمعت العامة و تنادوا بالنفير إلى الجهاد . و انضم إليهم الشاكرية يطلبون أرزاقهم ثم فتقوا السجون و قطعوا الجسور و انتهبوا دور كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر . ثم أخرج أهل اليسار من بغداد الأموال ففرقوها في المجاهدين و جاءت العامة من الجبال و فارس والأهواز فنفروا للغزو ، و لم يظهر للمستعين و لا لأهل الدولة في ذلك أثر . ثم وثب العامة بسامرا و فتقوا السجون و خرج من كان فيها و جاء من الموالي في طلبهم فوثب العامة بهم و هزموهم و ركب بغا و وصيف و أتامش في الترك فقتلوا من العامة خلقاً و انتهوا منازلهم و سكنت الفتنة .
مقتل أتامش
كان المستعين لما ولي أطلق يد أمه و أتامش و شاهك الخادم في الأموال و ما فضل عنهم فلنفقات العباس بن المستعين ، و كان في حجر أتامش فبعث ذلك عليه بغا و وصيف و ضاق حال الأتراك و الفراغنة و دسهم عليهم بغا و وصيف فخرج منهم أهل الكرخ و الدور و قصدوه في الجوسق مع المستعين و أراد الهرب فلم يطق ، و استجار بالمستعين فلم يجره و حاصروه يومين ، ثم افتتحوا عليه الجوسق و قتلوه و كاتبه شجاع بن القاسم و نهبت أموالهم و استوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن علي على الأهواز و لبغا الصغير على فلسطين . ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح فهرب إلى بغداد و استوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني و ولى على ديوان الرسائل سعيد بن حميد .
ظهور يحيى بن عمر و مقتله
كان على الطالبيين بالكوفة يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد الشهيد و يكنى أبا الحسين و أمه من ولد عبد الله بن جعفر و كان من سراتهم ووجوههم و كان عمر بن فرج يتولى أمر الطالبيين أيام المتوكل ، فعرض له أبو الحسين عند مقدمة من خراسان يسأله صلة لدين لزمه فأغلظ له عمر القول و حبسه حتى أخذ عليه الكفلاء و انطلق إلى بغداد . ثم جاء إلى سامرا و قد أملق فتعرض لوصيف في رزق يجري له ، فأساءه عليه وإليها فرجع إلى الكوفة و عاملها يومئذ أيوب بن الحسين بن موسى بن جعفر بن سليمان بن علي من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر ، فاعتزم على الخروج و التف عليه جمع من الأعراب و أهل الكوفة ، و دعا للرضى من آل محمد ففتق السجون و نهبه و طرد العمال ، و أخذ من بيت المال ألفي دينار و سبعين ألف درهم ، و كان صاحب البريد قد طير بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فكتب إلى عامله بالسواد عبد الله بن محمود السرخسي و أن يصير مدداً إلى الكوفة فلقيه و قاتله فهزمهم يحيى و انتهب ما معهم ، و خرج إلى سواد الكوفة و اتبعه خلق من الزيدية ، و انتهى إلى ناحية واسط و كثرت جموعه .لا و سرح محمد بن عبد الله بن طاهر إلى محاربة الحسين بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في العساكر فسار إليه . و قد كان يحيى قصد الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس فهزمه يحيى إلى ناحية شاهي و دخل الكوفة و اجتمعت عليه الزيدية ، و اشتمل عليه عامة أهل الكوفة و أمداد الزيدية من بغداد ، و جاء الحسين بن إسمعيل و انضم إليه عبد الرحمن بن الخطاب و خرج يحيى من الكوفة ليعاجلهم الحرب فأسرى ليلته و صبح العساكر فساروا إليه فهزموه و وضعوا السيف في أصحابه ، و أسروا الكثير من اتباعه ، و كان منهم الهيصم العجلي و غيره ، و انجلت الحرب عن يحيى بن عمر قتيلاً فبعثوا برأسه إلى محمد عبد الله بن طاهر فبعث به إلى
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
المستعين و جعل في صندوق في بيت السلاح و جيء بالأسرى فحبسوا و كان ذلك منتصف رجب سنة خمس و مائتين .
ابتداء الدولة العلوية بطبرستان
لما ظهر محمد بن عبد الله بن طاهر بيحيى بن عمر و كان له من الغناء في حربه ما قدمناه ، أقطعه المستعين قطائع من صوافي السلطان بطبرستان كانت منها قطعة بقرب ثغر الديلم تسمى روسالوس و فيها أرض موات ذات غياض و أشجار وكلاً ، و مباحة لمصالح الناس من الاحتطاب و الرعي ، و كان عامل طبرستان يومئذ من قبل محمد بن طاهر صاحب خراسان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر و هو أخو محمد صاحب القطائع ، و كان سليمان مكفولاً لأمة و قد حظي عندها و تقدم و فرق أولاده في أعمال طبرستان و أساؤا السيرة في الرعايا و دخل محمد بن أوس بلاد الديلم و هم مسالمون فسبى منهم و انحرفوا لذلك . و جاء نائب محمد بن عبد الله لقبض القطائع فحاز فيها تلك الأرض الموات المرصدة لمرافق الناس ، فنكر ذلك الناظر على تلك الأرض و هما محمد و جعفر ابنا رستم و استنهضا من أطاعهما من أهل تلك الناحية لمنعه من ذلك ، فخافهما النائب بسليمان صاحب طبرستان . و بعث ابنا رستم إلى الديلم يستنجدانهم على حرب سليمان ، و بعثا إلى محمد بن إبراهيم من العلويين بطبرستان يدعوانه إلى القيام بأمره ، فامتنع و دلهما على كبير العلوية بالري الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، فشخص إليهما و قد اجتمع أهل كلاروسالوس و مقدمهم ابنا رستم و أهل الريان و معهم الديلم بأسرهم ، فبايعوه جميعاً و طردوا عمال سليمان و ابن أوس . ثم انضم إليهم جبال طبرستان و زحف الحسن بمن معه إلى مدينة آمد ، و خرج ابن أوس من سارية لمدافعتة فانهزم و لحق بسليمان في سارية فخرج سليمان لحرب الحسن . و لما التقى الجمعان بعث الحسن بعض قواده خلف سليمان إلى سارية و سمع بذلك سليمان فانهزم ، و ملك الحسن سارية ، و بعث بعيال سليمان و أولاده في البحر إلى جرجان . و قيل إن سليمان انهزم اختياراً لما كان بنو طاهر يتهمون به من التشييع ثم بعث الحسن إلى الري ابن عمه و هو القاسم ابن علي بن إسمعيل و يقال محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقي بن الحسين بن علي بن زين العابدين فملكها ، و بعث المستعين جنداً إلى همدان ليمنعها . و لما ملك محمد بن جعفر قائد الحسن بن زيد الري أساء السيرة ، و بعث محمد بن طاهر قائد محمد بن ميكال أخو الشاه فغلبه على الري ، و انتزعها منه و أسره ، فبعث إليه الحسن بن زيد قائده دواجن فهزم ابن ميكال و قتله و استرجع الري ثم رجع سليمان بن طاهر من جرجان إلى طبرستان فملكها و لحق الحسين بالديلم و سار سليمان إلى سارية و آمد ، و معهم أبناء قارن بن شهرزاد فصفح عنهم و نهى أصحابه عن الفتك و الأذى . ثم جاء موسى بن بغا بالعساكر فملك الري من يدي أبي دلف و بعث مصلحاً إلى طبرستان فحارب الحسن بن زيد و هزمه و استولى على طبرستان و لحق الحسن بالديلم و دخل مفلح آمد و خرب منازل الحسن و رجع إلى موسى بالري .
مقتل باغر
و كان باغر هذا من قواد الترك و من جملة بغا الصغير ، و لما قتل المتوكل زيد في أرزاقة و أقطعوه قرى بسواد الكوفة و ضمنها له بعض أهل باروسما بألفي دينار فطلبه ابن مارمة و كيل باغر ، و حبسه ثم تخلص و سار إلى سامرا ، و كانت له ذمة من نصراني عند بغا الصغير فأجاره النصراني من كيد بغا و أغراه عليه فغضب لذلك باغر و شكى إلى بغا فأغلظ له القول ، و قال : إني مستبدل من النصراني و أفعل فيه بعد ذلك ما تريد ، و دس إلى النصراني بالحذر من باغر و أظهر عزله ، و بقي باغر يتهدده و قد انقطع عن المستعين ، و قد منعه بغا في يوم نوبته عن الحضور بدار السلطان فسأل المستعين وصيفاً عن أعمال إيتاخ و قلدها لباغر ، فعذل وصيفاً في الشأن فحلف له أنه ما علم قصد الخليفة . و تنكر بغا لباغر فجمع أصحابه الذين بايعوه على المتوكل و جدد عليهم العهد في قتل المستعين و بغا و وصيف ، و أن ينصبوا ابن المعتصم أو ابن الواثق و يكون الأمر لهم . و نما الخبر على الترك إلى المستعين فأحضر بغا و وصيفاً و أعلمهما بالخبر ، فحلفا له على العلم و أمروا بحبس باغر و رجلين معه من الأتراك فسخطوا ذلك ، و ثاروا فانتهبوا الإصطبل و حضروا الجوثق و أمر بغا و وصيف و شاهك الخادم و كاتبه أحمد بن صالح ابن شيزاده و نزل على محمد بن طاهر في بيته في المحرم سنة إحدى و خمسين و لحق به القواد و الكتاب و العمال و بنو هاشم و تخلف جعفر الخياط و سليمان بن يحيى بن معاذ فندم الأتراك ، و ركب جماعة من قوادهم إلى المستعين و أصحابه ليردوهم فأبوا و رجعوا آيسين منه و تفاوضوا في بيعة المعتز .
بيعة المعتز و حصار المستعين
كان قواد الأتراك لما جاؤا إلى المستعين ببغداد يعتذرون من فعلهم و يتطارحون في الرضا عنهم و الرجوع إلى دار مكة و هو يوبخهم و يعدد عليهم إحسانه و إساءتهم و لم يزالوا به حتى صرح لهم بالرضا ، فقال بعضهم : فإن كنت رضيت فقم و راكب معنا إلى سامرا فكلمه ابن طاهر لسوء خطابهم ، و ضحك المستعين لعجمتهم و جهلهم بآداب الخطاب ، و أمر باستمرار أرزاقهم و وعدهم بالرجوع ، فانصرفوا حاقدين ما كان من ابن طاهر ، و أخرجوا المعتز من محبسه و بايعوا له بالخلافة ، و أعطى للناس شهرين . و حضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد فامتنع منها و قال : قد خلعت نفسك ! فقال : أكرهت ، فقال : ما علمنا ذلك و لا مخلص لنا في إيماننا فتركه . و ولوا على الشرطة إبراهيم البربرح و أضيفت له الكتابة و الدواوين و بيت المال ، و هرب عتاب ابن عتاب من القواد إلى بغداد و قال محمد بن عبد الله بن طاهر بالأحتشاد و استقدم مالك بن طوق في أهل بيته و جنده ، و أمر حوبة بن قيس و هو على الأنبار و بالأحتشاد و كتب إلى سليمان بن عمران صاحب الموصل بمنع الميرة عن سامرا ، و شرع في تحصين بغداد و أدار عليها الأسوار و الخنادق من الجانبين و جعل على كل باب قائداً ، و نصب على الأبواب المجانيق و العدادات ، و شحن الأسوار بالرماة و المقاتلة و بلغت النفقة في ذلك ثلثمائة و ثلاثين ألف دينار و فوض للعيارين الرزق و اغدق عليهم ، و أنفذ كتب المستعين إلى العمال بالنواحي تحمل الخراج إلى بغداد . و كتب المستعين إلى الأتراك يأمرهم بالرجوع عما فعلوا و كتب المعتز إلى محمد يدعوه إلى بيعته ، و طالت المرجعات في ذلك و كان موسى بن بغا قد خرج لقتال أهل حمص ، فاختلفت إليه و هو بالشام كتب المستعين و المعتز يدعوه كل واحد منهما إلى نفسه ، فاختار المعتز و رجع إليه ، و هرب إليه عبد الله بن بغا الصغير من بغداد بعد أن هرب عنه فقتله . و هرب الحسن بن الأفشين إلى بغداد فخلع عليه المستعين و ضم إليه الأشروسية . ثم عقد المعتز لأخيه إلى أحمد الواثق عن حرب بغداد و ضم إليه الجنود مع باكليال من قوادهم ، فسار في خمسين ألفاً من الأتراك و الفراغنة و المغاربة ، و انتهبوا ما بين عكبرا و بغداد من القرى و الضياع و خربوها ، و هرب إليهم جماعة من أصحاب بغا الصغير و وصلوا إلى باب الشماسية . و ولى المستعين على باب الشماسية الحسين بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب ، و جعل القواد هنالك تحت يده و وافقت طلائع الأتراك إلى باب الشماسية فوقفوا بالقرب منه ، و أمده ابن طاهر بالشاة بن ميكال و بيدار الطبري . ثم ركب محمد بن عبد الله بن طاهر من الغد و معه بغا و وصيف و الفقهاء و القضاة ، و ذلك عاشر صفر ، و بعث إليهم يدعوهم إلى مراجعة الطاعة على المعتز ولي عهده فم يجيبوا ، فانصرفوا و بعث إليه القواد من الغد بأنهم زحفوا إلى باب الشماسية فنهاهم عن مناداتهم بالقتال . و قدم ذلك اليوم عبد الله بن سليمان خليفة بغا من مكة في ثلثمائة رجل . ثم جاء الأتراك من الغد فاقتتلوا مع القواد و انهزم القواد و بلغ ابن طاهر أن جماعة من الأتراك ساروا نحو النهروان ، فبعث قائداً من أصحابه إليهم فرجع منهزماً ، و استولى الأتراك على طريق خراسان و قطعوها عن بغداد . ثم بعث المعتز عسكراً آخر نحو أربعة آلاف فنزلوا في الجانب الغربي ، و بعث ابن طاهر إليهم الشاه ابن ميكال فهزمهم و أثخن فيهم ، و رجع إلى بغداد فخلع عليه و على سائر القواد أربع خلع و طوقاً و سواراً من ذهب لكل واحد . ثم أمر ابن طاهر بهدم الدور و الحوانيت إلى باب الشماسية ليتسع المجال للحرب ، و قدمت عليه أموال فارس و الأهواز مع مكحول الأشروسي و خرج الأتراك الاعتراضه و بعث ابن طاهر لحفظه فقدموا به بغداد ، و لم يظفر به الأتراك ، و مضوا نحو النهروان فأحرقوا سفن الجسر . و كان المستعين قد بعث محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد والياً على الثغور الجزرية ، و أقام ينتظر الجند و المال ، فلما بلغه خبر هذه الفتنة جاء على طريق الرقة إلىبغداد فخلع عليه ابن طاهر و بعثه في جيش كثيف لمحاربتهم ، و صار إلى ضبيعة بالسواد فأقام بها فقال ابن طاهر : لن يفلح أحد من العرب إلا أن يكون معه نبي ينصره الله به ! ثم ذهب الأتراك و قاتلوا و اتصل الحصار و اشتدت الحرب وانتهبت الأسواق ، و ورد الخبر من الثغور بأن بلكاجور حمل الناس على بيعة المعتز فقال ابن طاهر : لعله ظن موت المستعين فكان كذلك ، و وصل كتابه بأنه جدد البيعة ، و كان موسى بن بغا مع الأتراك كما قدمنا ، فأراد الرجوع على المستعين فامتنع أصحابه و قاتلوه فلم يتم له أمره وفر القعاطون من البصرة و رموا على الأتراك فأحرقوهم ، فبعث ابن طاهر إلى المدائن ليحفظها ، و أمده بثلاثة آلاف فارس ، بعث إلى الأنبار حوبة بن قيس فشق الماء إلى خندقها من الفرات ، و جاء إلى الإسحاقي من قبل المعتز فسبق المدد الذي جاء من قبل ابن طاهر ، و ملك الأنبار . و رجع حوبة إلى بغداد فأنفذ ابن طاهر الحسين بن إسمعيل في جماعة من القواد و الجند ، فاعترضه الأتراك و حاربوه ، و عاد الأنبار و تقدم و هو لينزل عليهما ، و بينما هو يحط الأثقال إذا بالأتراك فقاتلهم و هزمهم و أثخن فيهم ، و كانوا قد كمنوا له فخرج الكمين و انهزم الحسين و غرق كثير من أصحابه في الفرات ، و أخذ الأتراك عسكره ، و وصل إلى الياسرية آخر جمادى الآخرة و منع ابن طاهر المنهزمين من دخول بغداد و توعدهم على الرجوع إليه ، و أمده بجند آخر ، فدخل من الياسرية و بعث على المخاض الحسين بن علي بن يحيى الأرميني في مائتين مقاتل ليمنع الأتراك من العبور إليه من عدوة الفرات ، فوافوه و قاتلوه عليها فهزموه ، و ركب الحسين في زورق منحدراً و ترك عسكره و أثقاله ، فاستولى عليها الأتراك و وصل المنهزمون إلى بغداد من ليلتهم ، و لحق من عسكره جماعة من القواد و الكتاب بالمعتز و فيهم علي و محمد ابنا الواثق ، و ذلك أول رجب . ثم كانت بينهم عدة وقعات و قتل من الفريقين خلق و دخل الأتراك في كثير من الأيام بغداد و أخرجوا عنها ثم ساروا إلى المدائن و غلبوا عليها ابن أبي السفاح و ملكوها . و جاء الأتراك الذين بالأنبار إلى الجانب الغربي و انتهوا إلى صرصر و قصر ابن هبيرة و اتصل الحصار إلى شهر ذي القعدة و خرج ابن طاهر في بعض أيامه في جميع القواد و العساكر ، فقاتلهم و انهزموا و قتل منهم خلق و ارتقم الذين كانوا مع بغا و وصيف لذلك فلحقوا بالأتراك . ثم تراجع الأتراك و انهزم أهل بغداد . ثم خرج في ذي الحجة رشيد بن كاووس أخو الأفشين ساعياً في الصلح بين الفريقين ، و اتهم الناس ابن طاهر بالسعي في خلع المستعين . فلما جاء رشيد و أبلغهم سلام المعتز و أخيه أبي أحمد شتموه و شتموا ابن طاهر و عمدوا إلى دار رشيد ليهدموها ، و سأل ابن طاهر من المستعين أن يسكنهم ، فخرج إليهم و نهاهم و برأ ابن طاهر مما اتهموه به ، فانصرفوا ، و ترددت الرسل بين ابن طاهر و بين أبي أحمد فتجدد للعامة و الجند سوء الظن ، و طلب الجند أرزاقهم فوعدهم بشهرين و أمرهم بالنزول ، فأبوا إلا أن يعلمهم الصحيح من رأيه في المستعين . و خاف أن يدخلوا الأتراك كما عمل أهل المدائن و الأنبار ، فأصعد المستعين على سطح دار العامة حتى رآه الناس و بيده البردة و القضيب ، و أقسم عليهم فانصرفوا . و اعتزم ابن طاهر على التحول إلى المدائن ، فجاء وجوه الناس و اعتذروا له بالغوغاء فأقصروا بنقل المستعين عن دار ابن طاهر إلى دار رزق الخادم بالرصافة . و أمر القواد و بني هاشم بالكون مع ابن طاهر ، فركب في تعبية و حلف لهم على المستعين و على قصد الإصلاح فدعوا له ، و سار إلى المستعين و أغراه به و أمر بغا و وصيفاً بقتله فلم يفعلا. و جاءه أحمد بن اسرائيل و الحسين بن مخلد بمثل ذلك في المستعين ، فتغير له ابن طاهر . فلما كان يوم الأضحى و قد حضر الفقهاء و القضاة طالبه ابن طاهر بإمضاء الصلح ، فأجاب و خرج إلى باب الشماسية ، فجلسس هناك ابن طاهر إلى المستعين و أخبره بأنه عقد الأمر إلى أن يخلع نفسه ، و يبتذلوا خمسين ألف دينار ، و يعطوه غلة ثلاثين ألف دينار ، و يقيم بالحجاز متردداً بين الحرمين ، و يكون بغا والياً على الحجاز ، و وصيف على الجبل ، و يكون ثلث الجباية لابن طاهر و جند بغداد و الثلثان للموالي و الأتراك . فامتنع المستعين أولاً من الخلع ظناً منه أن وصيفاً و بغا معه . ثم تبين مواقفها عليه فأجاب و كتب بما أراد من الشروط و أدخل الفقهاء و اشهدهم بأنه قد صير أمره إلى ابن طاهر . ثم أحضر القواد و أخبرهم بأنه ما قصد بهذا الإصلاح إلا حقن الدماء و أخرجهم إلى المعتز ليوافقهم بخطه على كتاب الشرط و يشهدوا على إقراره ، فجاؤا بذلك لست خلون من المحرم سنة اثنتين و خمسين و مائتين .
خلع المستعين و مقتله و الفتن خلال ذلك
و لما تم ما عقده ابن طاهر و وافى القواد بخط المعتز على كتاب الشروط ، أخذ البيعة للمعتز على أهل بغداد ، و خطب له بها و بايع له المستعين و أشهد على نفسه بذلك ، و فنقله من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل و معه عياله و أهله ، و أخذ البردة و القضيب و الخاتم و منع من الخروج إلى مكة ، فطلب البصرة فمنع منها و بعث إلى واسط . فاستوزر المعتز أحمد بن أبي اسرائيل و رجع أخوه أبو أحمد إلى سامرا . و في آخر المحرم انصرف أبو الساج دبواز بن درموسب إلى بغداد فقلده ابن طاهر معاون السواد فبعث معه مؤنة إليها لطرد الأتراك و المغاربة عنها ، و سار هو إلى الكوفة . ثم كتب المعتز إلى ابن طاهر بإسقاط بغا و وصيف و من معهما من الدواوين و كان محمد أبو عون من قواد ابن طاهر قد تكفل لأبي
ابتداء الدولة العلوية بطبرستان
لما ظهر محمد بن عبد الله بن طاهر بيحيى بن عمر و كان له من الغناء في حربه ما قدمناه ، أقطعه المستعين قطائع من صوافي السلطان بطبرستان كانت منها قطعة بقرب ثغر الديلم تسمى روسالوس و فيها أرض موات ذات غياض و أشجار وكلاً ، و مباحة لمصالح الناس من الاحتطاب و الرعي ، و كان عامل طبرستان يومئذ من قبل محمد بن طاهر صاحب خراسان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر و هو أخو محمد صاحب القطائع ، و كان سليمان مكفولاً لأمة و قد حظي عندها و تقدم و فرق أولاده في أعمال طبرستان و أساؤا السيرة في الرعايا و دخل محمد بن أوس بلاد الديلم و هم مسالمون فسبى منهم و انحرفوا لذلك . و جاء نائب محمد بن عبد الله لقبض القطائع فحاز فيها تلك الأرض الموات المرصدة لمرافق الناس ، فنكر ذلك الناظر على تلك الأرض و هما محمد و جعفر ابنا رستم و استنهضا من أطاعهما من أهل تلك الناحية لمنعه من ذلك ، فخافهما النائب بسليمان صاحب طبرستان . و بعث ابنا رستم إلى الديلم يستنجدانهم على حرب سليمان ، و بعثا إلى محمد بن إبراهيم من العلويين بطبرستان يدعوانه إلى القيام بأمره ، فامتنع و دلهما على كبير العلوية بالري الحسن بن زيد بن محمد بن إسمعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، فشخص إليهما و قد اجتمع أهل كلاروسالوس و مقدمهم ابنا رستم و أهل الريان و معهم الديلم بأسرهم ، فبايعوه جميعاً و طردوا عمال سليمان و ابن أوس . ثم انضم إليهم جبال طبرستان و زحف الحسن بمن معه إلى مدينة آمد ، و خرج ابن أوس من سارية لمدافعتة فانهزم و لحق بسليمان في سارية فخرج سليمان لحرب الحسن . و لما التقى الجمعان بعث الحسن بعض قواده خلف سليمان إلى سارية و سمع بذلك سليمان فانهزم ، و ملك الحسن سارية ، و بعث بعيال سليمان و أولاده في البحر إلى جرجان . و قيل إن سليمان انهزم اختياراً لما كان بنو طاهر يتهمون به من التشييع ثم بعث الحسن إلى الري ابن عمه و هو القاسم ابن علي بن إسمعيل و يقال محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقي بن الحسين بن علي بن زين العابدين فملكها ، و بعث المستعين جنداً إلى همدان ليمنعها . و لما ملك محمد بن جعفر قائد الحسن بن زيد الري أساء السيرة ، و بعث محمد بن طاهر قائد محمد بن ميكال أخو الشاه فغلبه على الري ، و انتزعها منه و أسره ، فبعث إليه الحسن بن زيد قائده دواجن فهزم ابن ميكال و قتله و استرجع الري ثم رجع سليمان بن طاهر من جرجان إلى طبرستان فملكها و لحق الحسين بالديلم و سار سليمان إلى سارية و آمد ، و معهم أبناء قارن بن شهرزاد فصفح عنهم و نهى أصحابه عن الفتك و الأذى . ثم جاء موسى بن بغا بالعساكر فملك الري من يدي أبي دلف و بعث مصلحاً إلى طبرستان فحارب الحسن بن زيد و هزمه و استولى على طبرستان و لحق الحسن بالديلم و دخل مفلح آمد و خرب منازل الحسن و رجع إلى موسى بالري .
مقتل باغر
و كان باغر هذا من قواد الترك و من جملة بغا الصغير ، و لما قتل المتوكل زيد في أرزاقة و أقطعوه قرى بسواد الكوفة و ضمنها له بعض أهل باروسما بألفي دينار فطلبه ابن مارمة و كيل باغر ، و حبسه ثم تخلص و سار إلى سامرا ، و كانت له ذمة من نصراني عند بغا الصغير فأجاره النصراني من كيد بغا و أغراه عليه فغضب لذلك باغر و شكى إلى بغا فأغلظ له القول ، و قال : إني مستبدل من النصراني و أفعل فيه بعد ذلك ما تريد ، و دس إلى النصراني بالحذر من باغر و أظهر عزله ، و بقي باغر يتهدده و قد انقطع عن المستعين ، و قد منعه بغا في يوم نوبته عن الحضور بدار السلطان فسأل المستعين وصيفاً عن أعمال إيتاخ و قلدها لباغر ، فعذل وصيفاً في الشأن فحلف له أنه ما علم قصد الخليفة . و تنكر بغا لباغر فجمع أصحابه الذين بايعوه على المتوكل و جدد عليهم العهد في قتل المستعين و بغا و وصيف ، و أن ينصبوا ابن المعتصم أو ابن الواثق و يكون الأمر لهم . و نما الخبر على الترك إلى المستعين فأحضر بغا و وصيفاً و أعلمهما بالخبر ، فحلفا له على العلم و أمروا بحبس باغر و رجلين معه من الأتراك فسخطوا ذلك ، و ثاروا فانتهبوا الإصطبل و حضروا الجوثق و أمر بغا و وصيف و شاهك الخادم و كاتبه أحمد بن صالح ابن شيزاده و نزل على محمد بن طاهر في بيته في المحرم سنة إحدى و خمسين و لحق به القواد و الكتاب و العمال و بنو هاشم و تخلف جعفر الخياط و سليمان بن يحيى بن معاذ فندم الأتراك ، و ركب جماعة من قوادهم إلى المستعين و أصحابه ليردوهم فأبوا و رجعوا آيسين منه و تفاوضوا في بيعة المعتز .
بيعة المعتز و حصار المستعين
كان قواد الأتراك لما جاؤا إلى المستعين ببغداد يعتذرون من فعلهم و يتطارحون في الرضا عنهم و الرجوع إلى دار مكة و هو يوبخهم و يعدد عليهم إحسانه و إساءتهم و لم يزالوا به حتى صرح لهم بالرضا ، فقال بعضهم : فإن كنت رضيت فقم و راكب معنا إلى سامرا فكلمه ابن طاهر لسوء خطابهم ، و ضحك المستعين لعجمتهم و جهلهم بآداب الخطاب ، و أمر باستمرار أرزاقهم و وعدهم بالرجوع ، فانصرفوا حاقدين ما كان من ابن طاهر ، و أخرجوا المعتز من محبسه و بايعوا له بالخلافة ، و أعطى للناس شهرين . و حضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد فامتنع منها و قال : قد خلعت نفسك ! فقال : أكرهت ، فقال : ما علمنا ذلك و لا مخلص لنا في إيماننا فتركه . و ولوا على الشرطة إبراهيم البربرح و أضيفت له الكتابة و الدواوين و بيت المال ، و هرب عتاب ابن عتاب من القواد إلى بغداد و قال محمد بن عبد الله بن طاهر بالأحتشاد و استقدم مالك بن طوق في أهل بيته و جنده ، و أمر حوبة بن قيس و هو على الأنبار و بالأحتشاد و كتب إلى سليمان بن عمران صاحب الموصل بمنع الميرة عن سامرا ، و شرع في تحصين بغداد و أدار عليها الأسوار و الخنادق من الجانبين و جعل على كل باب قائداً ، و نصب على الأبواب المجانيق و العدادات ، و شحن الأسوار بالرماة و المقاتلة و بلغت النفقة في ذلك ثلثمائة و ثلاثين ألف دينار و فوض للعيارين الرزق و اغدق عليهم ، و أنفذ كتب المستعين إلى العمال بالنواحي تحمل الخراج إلى بغداد . و كتب المستعين إلى الأتراك يأمرهم بالرجوع عما فعلوا و كتب المعتز إلى محمد يدعوه إلى بيعته ، و طالت المرجعات في ذلك و كان موسى بن بغا قد خرج لقتال أهل حمص ، فاختلفت إليه و هو بالشام كتب المستعين و المعتز يدعوه كل واحد منهما إلى نفسه ، فاختار المعتز و رجع إليه ، و هرب إليه عبد الله بن بغا الصغير من بغداد بعد أن هرب عنه فقتله . و هرب الحسن بن الأفشين إلى بغداد فخلع عليه المستعين و ضم إليه الأشروسية . ثم عقد المعتز لأخيه إلى أحمد الواثق عن حرب بغداد و ضم إليه الجنود مع باكليال من قوادهم ، فسار في خمسين ألفاً من الأتراك و الفراغنة و المغاربة ، و انتهبوا ما بين عكبرا و بغداد من القرى و الضياع و خربوها ، و هرب إليهم جماعة من أصحاب بغا الصغير و وصلوا إلى باب الشماسية . و ولى المستعين على باب الشماسية الحسين بن إسمعيل بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب ، و جعل القواد هنالك تحت يده و وافقت طلائع الأتراك إلى باب الشماسية فوقفوا بالقرب منه ، و أمده ابن طاهر بالشاة بن ميكال و بيدار الطبري . ثم ركب محمد بن عبد الله بن طاهر من الغد و معه بغا و وصيف و الفقهاء و القضاة ، و ذلك عاشر صفر ، و بعث إليهم يدعوهم إلى مراجعة الطاعة على المعتز ولي عهده فم يجيبوا ، فانصرفوا و بعث إليه القواد من الغد بأنهم زحفوا إلى باب الشماسية فنهاهم عن مناداتهم بالقتال . و قدم ذلك اليوم عبد الله بن سليمان خليفة بغا من مكة في ثلثمائة رجل . ثم جاء الأتراك من الغد فاقتتلوا مع القواد و انهزم القواد و بلغ ابن طاهر أن جماعة من الأتراك ساروا نحو النهروان ، فبعث قائداً من أصحابه إليهم فرجع منهزماً ، و استولى الأتراك على طريق خراسان و قطعوها عن بغداد . ثم بعث المعتز عسكراً آخر نحو أربعة آلاف فنزلوا في الجانب الغربي ، و بعث ابن طاهر إليهم الشاه ابن ميكال فهزمهم و أثخن فيهم ، و رجع إلى بغداد فخلع عليه و على سائر القواد أربع خلع و طوقاً و سواراً من ذهب لكل واحد . ثم أمر ابن طاهر بهدم الدور و الحوانيت إلى باب الشماسية ليتسع المجال للحرب ، و قدمت عليه أموال فارس و الأهواز مع مكحول الأشروسي و خرج الأتراك الاعتراضه و بعث ابن طاهر لحفظه فقدموا به بغداد ، و لم يظفر به الأتراك ، و مضوا نحو النهروان فأحرقوا سفن الجسر . و كان المستعين قد بعث محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد والياً على الثغور الجزرية ، و أقام ينتظر الجند و المال ، فلما بلغه خبر هذه الفتنة جاء على طريق الرقة إلىبغداد فخلع عليه ابن طاهر و بعثه في جيش كثيف لمحاربتهم ، و صار إلى ضبيعة بالسواد فأقام بها فقال ابن طاهر : لن يفلح أحد من العرب إلا أن يكون معه نبي ينصره الله به ! ثم ذهب الأتراك و قاتلوا و اتصل الحصار و اشتدت الحرب وانتهبت الأسواق ، و ورد الخبر من الثغور بأن بلكاجور حمل الناس على بيعة المعتز فقال ابن طاهر : لعله ظن موت المستعين فكان كذلك ، و وصل كتابه بأنه جدد البيعة ، و كان موسى بن بغا مع الأتراك كما قدمنا ، فأراد الرجوع على المستعين فامتنع أصحابه و قاتلوه فلم يتم له أمره وفر القعاطون من البصرة و رموا على الأتراك فأحرقوهم ، فبعث ابن طاهر إلى المدائن ليحفظها ، و أمده بثلاثة آلاف فارس ، بعث إلى الأنبار حوبة بن قيس فشق الماء إلى خندقها من الفرات ، و جاء إلى الإسحاقي من قبل المعتز فسبق المدد الذي جاء من قبل ابن طاهر ، و ملك الأنبار . و رجع حوبة إلى بغداد فأنفذ ابن طاهر الحسين بن إسمعيل في جماعة من القواد و الجند ، فاعترضه الأتراك و حاربوه ، و عاد الأنبار و تقدم و هو لينزل عليهما ، و بينما هو يحط الأثقال إذا بالأتراك فقاتلهم و هزمهم و أثخن فيهم ، و كانوا قد كمنوا له فخرج الكمين و انهزم الحسين و غرق كثير من أصحابه في الفرات ، و أخذ الأتراك عسكره ، و وصل إلى الياسرية آخر جمادى الآخرة و منع ابن طاهر المنهزمين من دخول بغداد و توعدهم على الرجوع إليه ، و أمده بجند آخر ، فدخل من الياسرية و بعث على المخاض الحسين بن علي بن يحيى الأرميني في مائتين مقاتل ليمنع الأتراك من العبور إليه من عدوة الفرات ، فوافوه و قاتلوه عليها فهزموه ، و ركب الحسين في زورق منحدراً و ترك عسكره و أثقاله ، فاستولى عليها الأتراك و وصل المنهزمون إلى بغداد من ليلتهم ، و لحق من عسكره جماعة من القواد و الكتاب بالمعتز و فيهم علي و محمد ابنا الواثق ، و ذلك أول رجب . ثم كانت بينهم عدة وقعات و قتل من الفريقين خلق و دخل الأتراك في كثير من الأيام بغداد و أخرجوا عنها ثم ساروا إلى المدائن و غلبوا عليها ابن أبي السفاح و ملكوها . و جاء الأتراك الذين بالأنبار إلى الجانب الغربي و انتهوا إلى صرصر و قصر ابن هبيرة و اتصل الحصار إلى شهر ذي القعدة و خرج ابن طاهر في بعض أيامه في جميع القواد و العساكر ، فقاتلهم و انهزموا و قتل منهم خلق و ارتقم الذين كانوا مع بغا و وصيف لذلك فلحقوا بالأتراك . ثم تراجع الأتراك و انهزم أهل بغداد . ثم خرج في ذي الحجة رشيد بن كاووس أخو الأفشين ساعياً في الصلح بين الفريقين ، و اتهم الناس ابن طاهر بالسعي في خلع المستعين . فلما جاء رشيد و أبلغهم سلام المعتز و أخيه أبي أحمد شتموه و شتموا ابن طاهر و عمدوا إلى دار رشيد ليهدموها ، و سأل ابن طاهر من المستعين أن يسكنهم ، فخرج إليهم و نهاهم و برأ ابن طاهر مما اتهموه به ، فانصرفوا ، و ترددت الرسل بين ابن طاهر و بين أبي أحمد فتجدد للعامة و الجند سوء الظن ، و طلب الجند أرزاقهم فوعدهم بشهرين و أمرهم بالنزول ، فأبوا إلا أن يعلمهم الصحيح من رأيه في المستعين . و خاف أن يدخلوا الأتراك كما عمل أهل المدائن و الأنبار ، فأصعد المستعين على سطح دار العامة حتى رآه الناس و بيده البردة و القضيب ، و أقسم عليهم فانصرفوا . و اعتزم ابن طاهر على التحول إلى المدائن ، فجاء وجوه الناس و اعتذروا له بالغوغاء فأقصروا بنقل المستعين عن دار ابن طاهر إلى دار رزق الخادم بالرصافة . و أمر القواد و بني هاشم بالكون مع ابن طاهر ، فركب في تعبية و حلف لهم على المستعين و على قصد الإصلاح فدعوا له ، و سار إلى المستعين و أغراه به و أمر بغا و وصيفاً بقتله فلم يفعلا. و جاءه أحمد بن اسرائيل و الحسين بن مخلد بمثل ذلك في المستعين ، فتغير له ابن طاهر . فلما كان يوم الأضحى و قد حضر الفقهاء و القضاة طالبه ابن طاهر بإمضاء الصلح ، فأجاب و خرج إلى باب الشماسية ، فجلسس هناك ابن طاهر إلى المستعين و أخبره بأنه عقد الأمر إلى أن يخلع نفسه ، و يبتذلوا خمسين ألف دينار ، و يعطوه غلة ثلاثين ألف دينار ، و يقيم بالحجاز متردداً بين الحرمين ، و يكون بغا والياً على الحجاز ، و وصيف على الجبل ، و يكون ثلث الجباية لابن طاهر و جند بغداد و الثلثان للموالي و الأتراك . فامتنع المستعين أولاً من الخلع ظناً منه أن وصيفاً و بغا معه . ثم تبين مواقفها عليه فأجاب و كتب بما أراد من الشروط و أدخل الفقهاء و اشهدهم بأنه قد صير أمره إلى ابن طاهر . ثم أحضر القواد و أخبرهم بأنه ما قصد بهذا الإصلاح إلا حقن الدماء و أخرجهم إلى المعتز ليوافقهم بخطه على كتاب الشرط و يشهدوا على إقراره ، فجاؤا بذلك لست خلون من المحرم سنة اثنتين و خمسين و مائتين .
خلع المستعين و مقتله و الفتن خلال ذلك
و لما تم ما عقده ابن طاهر و وافى القواد بخط المعتز على كتاب الشروط ، أخذ البيعة للمعتز على أهل بغداد ، و خطب له بها و بايع له المستعين و أشهد على نفسه بذلك ، و فنقله من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل و معه عياله و أهله ، و أخذ البردة و القضيب و الخاتم و منع من الخروج إلى مكة ، فطلب البصرة فمنع منها و بعث إلى واسط . فاستوزر المعتز أحمد بن أبي اسرائيل و رجع أخوه أبو أحمد إلى سامرا . و في آخر المحرم انصرف أبو الساج دبواز بن درموسب إلى بغداد فقلده ابن طاهر معاون السواد فبعث معه مؤنة إليها لطرد الأتراك و المغاربة عنها ، و سار هو إلى الكوفة . ثم كتب المعتز إلى ابن طاهر بإسقاط بغا و وصيف و من معهما من الدواوين و كان محمد أبو عون من قواد ابن طاهر قد تكفل لأبي
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
إسحق بقتلهما ، و عقد له المعتز على اليمامة و البحرين و البصرة . و نمى الخبر إليهما بذلك فركبا إلى طاهر و أخبراه الخبر و أن القوم قد نقضوا العهد . ثم بعث وصيف أخته سعاد إلى المؤيد و كان في حجرها فاستوهن له الرضا من المعتز و كذا فعل أبو أحمد مع بغا و كتب لهما المعتز جميعاً بالرضا . ثم رغب الأتراك في إحضارهما بسامرا ، و فكتب بذلك و دس إلى ابن طاهر بمنعهما . فخرجا فيمن معهما و لم يقدر ابن طاهر على منعهما . و حضرا باسامرا فعقد إليهما المعتز على أعمالهما ، و رد البريد إلى موسى بن بغا الكبير . ثم كانت فتنة بين جند بغداد و ابن طاهر في شهر رمضان ، جاؤا إليه يطلبون أرزاقهم قال : كتبت إلى أمير المؤمنين في ذلك فكتب إلي إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم ، و إن كان لنا فلا حاجة لنا فيهم . فشغبوا ففرق فيهم ألفي دينار فسكنوا . ثم اجتمعوا ثانية و معه الأعلام و الطبول ، و ضربوا الخيام بباب الشماسية و بنوا البيوت من الأعواد و القصب .و جمع محمد بن إبراهيم أصحابه و شحن داره بالرجال ، و أرادوا يوم الجمعة أن يمنعوا الخطيب من الدعاء للمعتز فقعد و اعتذر بالمرض ، فخرجوا إلى الجسر ليقطعوه فقاتلهم أصحاب ابن طاهر و دفعوهم عنه . ثم دفعوا أصحاب ابن طاهر بإعانة أهل الجانب الشرقي ، و جاء العامة فجلس الشرطة فأمر ابن طاهر بإحراق الحوانيت إلى باب الجسر و مات أصحابه تعبية الحرب و جاء من دله على عورة الجند فسرح الشاه بن ميكال و عرض القواد فسار إلى ناحيتهم ، و افترقوا و قتل بينهم ابن الخليل . و حمل رئيسهم الآخر ابن القاسم عبدون بن الموفق إلى ابن طاهر و مات في خلال ذلك . و أخرج المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد ، و ذلك أن العلاء بن أحمد عامل أرمينية بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار فأخذها عيسى بن فرخانشاه ، فأغرى المؤيد بعيسى الأتراك و المغاربة فبعث المعتز إلى المؤيد و أبي أحمد و قتل المؤيد فأخذ خطه بخلع نفسه . ثم نمي إليه أن الأتراك يرومون إخراجه من الحبس ، فسأل عن ذلك موسى بن بغا فأنكر علم ذلك ، و أخرج المؤيد من الغد ميتاً و دفنته أمه . فيقال غطى على أنفه فمات ، و قيل أقعد في الثلج و وضع على رأسه . ثم نقل أخوه ابن أحمد إلى مجلسه . ثم اعتزم المعتز على قتل المستعين فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يسلمه إلى سيما الخادم ، و كتب محمد في ذلك إلى الموكلين به بواسط ، يقال بل أرسل بذلك أحمد بن طولون ، فسار به في القاطون و سلمه إلى سعيد بن صالح ، فضربه سعيد حتى مات و قيل ألقاه في دجلة بحجر في رجله ، و كانت معه دابته فقتلت معه و حمل رأسه إلى المعتز فأمره بدفنه ، و أمر لسعيد بخمسين ألف درهم و ولاه معونة البصرة . ثم وقعت فتنة بين الأتراك و المغاربة مستهل رجب ، بسبب أن الأتراك و ثبوا بعيسى بن فرخانشاه فضربوه و أخذوا دابته لما أمرهم المؤيد ، فامتعضت المغاربة له و نكروا على الأتراك و غلبوهم على الجوسق و أخذوا دوابهم و ركبوها و ملكوا بيت المال .و استجاش الأتراك بمن كان منهم في الكرخ و الدور و انضم الغوغاء و الشاكرية إلى المغاربة فضعفت الأتراك عن لقائهم و سعى بينهم جعفر بن عبد الواحد في الصلح فتوادعوا أياماً ثم اجتمع الأتراك على حين افتراق المغاربة فقصد محمد بن راشد و نصر ابن سعيد منزل محمد بن عون يختفيان عنده حتى تسكن الهيعة ، فدس للأتراك بخبرهما و جاؤا فقتلوهما في منزله و بلغ ذلك المعتز فهم بقتل ! ابن عون ثم نفاه .
أخبار مساور الخارجي
كان الوالى على الموصل عقبة بن محمد بن جعفر بن محمد بن الأشعث بن هاني الخزاعي ، و كان صاحب الشرطة بالحديثة من أعمالها حسين بن بكير ، و كان مساور ابن عبد الله بن مساور البجلي من الخوارج يسكن البواريخ . و حبس صاحب الشرطة حسين بن بكير بالحديثة ابناً للمساور هذا يسمى جوثرة و كان جميلاً ، فكتب إلى أبيه مساور بأن حسين بن بكير نال منه الفاحشة ، فغضب لذلك و خرج فقصد الحديثة ، فاختفى حسين و أخرج ابنه من الحبس . ثم كثر جمعه من الأكراد و الأعراب و قصد الموصل فقاتلها أياماً ، ثم رجع فكان تحت طريق خراسان ، و كانت لنظر بندأر و مظفر بن مشبك فسار إليه بندار في ثلثمائة مقاتل و الخوارج مع مساور في سبعمائة فهزموه و قتلوه ، و لم ينج منهم إلا نحو خمسين رجلاً و فر مظفر إلى بغداد . و جاء الخوارج إلى جلولاء و كانت فيهم حرب هلك فيها من الجانبين خلق . ثم سار خطرمش في العساكر فلقيهم بجلولاء و هزمه مساور ، ثم استولى مساور على أكثر أعمال الموصل ، ثم ولى الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي سنة أربع و خمسين ، فاستخلف عليها ابنه الحسن ، فجمع عسكراً كان فيهم حمدون الحرث بن لقمان جدا لأمراء من بني حمدان و محمد بن عبد الله بن السيد بن أنس ، و سار إلىمساور و عبر إليه نهر الزاب فتأخر عن موضعه . و سار الحسن في طلبه فالتقوا و اقتتلوا و انهزم عسكر الموصل و قتل محمد بن السيد الأزدي ، و نجا الحسن بن أيوب إلى أعمال اربل . ثم كانت الفتنة سنة خمس و خمسين خلع المعتز و بويع للمهتدي و ولى على الموصل عبد الله بن سليمان فزحف إليه مساور ، و خام عبد الله عن لقائه فملك مساور البلد و أقام بها جمعة و صلى و خطب ، ثم خرج منها إلى الحديثة و كانت دار هجرته . ثم انتقض عليه سنة ست و خمسين رجل من الخوارج اسمه عبيدة بن زهير العمري بسبب الخلاف في توبة الخاطيء و قال عبيدة : لا تقبل و اجتمع معه جماعة و خرج إليهم مساور من الحديثة و اقتتلوا قتالاً شديداً ثم قتل عبيدة و انهزم أصحابه و خرج إليه آخر من بني زهر اسمه طوق ، فجمع له الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي جمعاً كثيراً و حاربه فقاتله سنة خمس أو سبع ، و استولى مساور على أكثر العراق و منع الأموال ، فسار إليه موسى بن بغا بابكيال في العساكر فانتهوا إلى و بلغهم خبر الأتراك مع المهتدي فأقاموا ثم زحفوا بخلع المهتدي ، فلما ولي المعتمد سير مفلحاً إلى قتال مساور في عسكر كبير و خرج مساور عن الحديثة إلى جبلين حذاءها و قاتله مفلح في أتباعه ، و لحق الجبل فاعتصم به و أقام مفلح في حصاره ، فكانت بينهما وقعات و كثرت الجراحة في أصحاب مساور من لدن حربه مع عبيدة إلى هذه الحروب فسار عن الجبل و تركه و أصبح مفلح و قد فقدهم فسار إلى الموصل ثم إلى ديار ربيعة و سنجار و نصيبين و الخابور ، فأصلح أمورها و خرج من الموصل إلى الحديثة ففارقها عنه فرجع مساور في اتباعهم يتخطف من أعقابهم و يقاتلهم حتى وصل الحديثة فأقام بها أياماً ، ثم سار إلى بغداد في رمضان سنة ست و خمسين فرجع مساور الحديثة و استولى على البلاد و اشتدت شوكته ، ثم أوقع به مسرور البلخي سنة ثمان و خمسين ، و جهز العسكر بالحديثة مع جعلان من قواد الترك . ثم قتل سنة احدى و ستين يحيى بن جعفر من ولاه خراسان ، و سار مسرور في طلبه و تبعه الموفق فلم يدركاه .
مقتل وصيف ثم بغا
و في سنة ثلاث و خمسين أيام المعتز اجتمع الجند من الأتراك و الفراغنة و الأشروسية فطلبوا أرزاقهم منهم لأربعة أشهر و شغبوا ، فخرج إليهم بغا و وصيف و سيما الطويل ، و كلمهم وصيف و اعتذر بعدم المال و قال : خذوا الزاب في أرزاقكم . نزلوا بدار أشناس يتناظرون في ذلك ، و مضى بغا و سيما إلى المعتز يسألانه في أمرهم ، و بقي وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فقتله و قطعوا رأسه و نصبوه . ثم انفادوا و أهدر لهم ذلك ، و جعل المعتز لبغا الشرابي و ما كان لوصيف و ألبسه التاج و الوشاحين ، ثم تغير له المعتز لما عليه من الاستبداد على الدولة ، و خشى غائلته و مال باطناً إلى بابكيال و داخله في أمره و اعتده لذلك . ثم زوج بغا ابنته آمنة من صالح بن وصيف و شغل بجهازها ، فركب المعتز في تلك الغفلة و معه حمدان بن إسرائيل إلى بابكيال في كرخ سامرا و كانت بينه و بين بغا وحشة شديدة و بلغ ذلك فركب في خمسمائة من غلمانه و ولده و قواده ، و كان أكثرهم منحرفين عنه و لحق بالسن ، و أقام المعتز على وجل لا ينام إلا بسلاحه . ثم تعلل أصحاب بغا عليه فأعرض عنهم و ركب البحر راجعاً إلى بغداد ، و جاء الجسر ليلاً لئلا يفطن به الموكلون هنالك ، و بعثوا إلى المعتز بخبره فأمر بقتله و حمل إليه رأسه و نصب بسامرا و أحرقت المغاربة شلوه و كان قصد دار صالح بن وصيف ليثبوا على المعتز .
ابتداء دولة الصفار
كان يعقوب بن الليث عمر : الصفر بسجستان و كان صالح بن النضر الكناني من أهل البيت قد ظهر بتلك الناحية و قام يقاتل الخوارج و سمى أصحابه المتطوعة حتى قيل له صالح المطوعي و صحبه جماعة منهم درهم بن الحسن و يعقوب بن الليث هذا و غلبوا على سجستان ، ثم أخرجهم عنها طاهر بن عبد الله أمير خراسان . و هلك صالح إثر ذلك و قام بأمر المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه . و كان يعقوب بن الليث شهماً و كان درهم مضعفاً ، و احتال صاحب خراسان حتى ظفر به و حبس ببغداد فاجتمعت المتطوعة على يعقوب بن الليث ، و قام بقتال السراة و أتيح له الظفر عليهم و أثخن فيهم و خرب قراهم ، و كانت له شرية في أصحابه لم تكن لأحد قبله ، فحسنت طاعتهم له و عظم أمره و ملك سجستان مظهراً طاعة الخليفة و كاتبه و قلده حرب السراة ، فأحسن الغناء فيه و تجاوزه إلى سائر أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . ثم سار من سجستان إلى نواحي خراسان و عليها يومئذ محمد بن عبد الله بن طاهر ، و على هراة من قبلة محمد بن أوس الأنباري ، فجمع لمحاربة يعقوب و سار إليهم في التعبية ، فاقتتلوا و انهزم ابن أوس و ملك يعقوب هراة و بوشنج ، و عظم أمره و هابه صاحب خراسان و غيرها من الأطراف . و كان المعتز قد كتب له بولاية سجستان ، فكتب له الآن بولاية كرمان ، و كان على فارس علي بن الحسين بن شبل ، و أبطأ عامل الخراج و اعتذر ، فكتب له المعتز بولاية كرمان يريد إعداء كل منهما بصاحبه لأن طاعتهما مهوضة فأرسل علي ابن الحسين بفارس طوق بن الغلس خليفة على كرمان ، و سار يعقوب الصفار من سجستان فسبقه طوق و استولى عليها و أقام يعقوب بمكانه قريباً منها يترقب خروج طوق إليه . و بعد شهرين ارتحل إلى سجستان فوضع طوق أوزار الحرب و أقبل على اللهو ، و اتصل ذلك بيعقوب في طريقه ، فكر راجعاً و أغذ السير فصادفه بعد يومين ، و ركب أصحابه و قد أحيط بهم ففروا ناجين بأنفسهم ، و ملك يعقوب كرمان و حبس طوق . و بلغ الخبر إلى علي بن الحسين و هو على شيراز ، فجمع جيشه و نزل على مضيق شيراز و أقبل عليه يعقوب حتى نزل قبالته ، و المضيق متوعر بين جبل و نهر ضيق المسلك بينهما ، فاقتحم يعقوب النهر بينهما و أجاز إلى علي بن الحسين و أصحابه فانهزموا ، و أخذ علي أسيراً و استولى على جميع عسكره ، و دخل شيراز و ملكها و جبى الخراج و رجع إلى سجستان و ذلك سنة خمس و خمسين . و يقال بل وقع بينهما بعد عبور النهر حرب شديدة و انهزم آخرها علي و كان عسكره من خمسة عشر ألفاً من الموالي و الأكراد ، و رجعوا منهزمين إلى شيزار آخر يومهم و ازدحموا في الأبواب و افترقوا في نواحي فارس و انتهوا إلى الأهواز و بلغ القتلى منهم خمسة آلاف . و لما دخل يعقوب و ملك فارس امتحن علياً و أخذ منه ألف بردة و من الفرش و السلاح و الآلة ما لا يحد ، و كتب إلى الخليفة بطاعته و أهدى هدية جليلة يقال منها عشر بازات بيض و باز أبلق صيني و مائة نافجة من المسك و غير ذلك من الطرف و رجع إلى سجستان ، ثم استعاد الخليفة بعد ذلك فارس و بعث عماله إليها .
ابتداء دولة ابن طولون بمصر
كان بابكيال من أكابر قواد الأتراك مع بغا و وصيف و سيما الطويل ، و لما حدثت هذه الفتن و تغلبوا على الخلفاء أخذوا الأعمال و النواحي في اقطاعهم ، فاقطع المعتز بابكيال هذا أعمال مصر و بها يومئذ ابن مدبر ، و كان بابكيال مقيماً بالحفيدة فنظر فيمن يستخلفه عليها و كان أحمد بن طولون من أبناء الأتراك و أبوه من سبي فرغانة و ربي في دار الخلفاء ، و نشأ ابنه أحمد بها على طريقة مستقيمة لبابكيال خاله ، و أشير عليه بتوليته فبعثه على مصر فاستولى عليها أولا دون أعمالها و الاسكندرية ثم قتل المعتز بابكيال و صارت مصر في اقطاع بارجوع الترك و كان بينه و بين أحمد بن طولون مودة متأكدة فكتب إليه و استخلفه على مصر جميعها ، و رسخت قدمه فيها و أصارها تراثاً لبنيه فكانت لهم الدولة المعروفة .
استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد
قد تقدم لنا أن محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان على العراق و السواد ، و كانت لهم الشرطة و غيرها ، كان مقيماً ببغداد و كان في المدافعة عن المستعين لما لجأ إليه . ثم صلح مابينه و بين المعتز ، و استقل المعتز بالخلافة و الآثار المذكورة . ثم هلك آخر سنة ثلاث و ثمانين أيام المعتز و فوض ما كان بيده من الولاية إلى أخيه عبيد الله ، نازعه ابنه طاهر في الصلاة عليه و مالت العامة مع أصحابه طاهر و القواد مع عبيد الله لوصية أخيه . ثم أمضى المعتز عهد أخيه و خلع عليه ، و بذل لصاحب الخلع خمسين ألف درهم . ثم بعث المعتز عن سليمان بن عبد الله بن طاهر من خراسان ، و ولاه على العراق و الشرطة و غيرها مكان أخيه محمد ، و عزل أخاهما عبيد الله . فلما علم عبيد الله تقدم سليمان أخذ ما في بيت المال و انتقل إلى غربي دجلة ، و جاء سليمان و قائده محمد ابن أوس و معه جند من خراسان فأساؤا السيرة في أهل بغداد فحنق الناس عليهم و أعطى أرزاقهم مما بقي في بيت المال و قدمهم على جند بغداد و شاكريها ، فاتفق الجند على الثورة و فتقوا السجون ، و عبر ابن أوس إلى الجزيرة و اتبعه الجند و العامة ، فحاربهم و انهزم و أخرجوه من باب الشماسية ، ونهب من منزله قيمة ألفي ألف درهم ، و من الأمتعة ما لا يحصر و نهب منازل جنده . و رأى سليمان أن يسكن الثائرة فأمر بالخروج إلى خراسان ، ثم كانت الفتنة في خلع المعتز و ولاية المهدي كما يذكر ، و بعث المهتدي سلخ رجب من سنة خمس و خمسين إلى سليمان ليأخذ البيعة له ببغداد . و كان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد قد بعثه إليها المعتز ، فنقله سليمان إلى داره و
أخبار مساور الخارجي
كان الوالى على الموصل عقبة بن محمد بن جعفر بن محمد بن الأشعث بن هاني الخزاعي ، و كان صاحب الشرطة بالحديثة من أعمالها حسين بن بكير ، و كان مساور ابن عبد الله بن مساور البجلي من الخوارج يسكن البواريخ . و حبس صاحب الشرطة حسين بن بكير بالحديثة ابناً للمساور هذا يسمى جوثرة و كان جميلاً ، فكتب إلى أبيه مساور بأن حسين بن بكير نال منه الفاحشة ، فغضب لذلك و خرج فقصد الحديثة ، فاختفى حسين و أخرج ابنه من الحبس . ثم كثر جمعه من الأكراد و الأعراب و قصد الموصل فقاتلها أياماً ، ثم رجع فكان تحت طريق خراسان ، و كانت لنظر بندأر و مظفر بن مشبك فسار إليه بندار في ثلثمائة مقاتل و الخوارج مع مساور في سبعمائة فهزموه و قتلوه ، و لم ينج منهم إلا نحو خمسين رجلاً و فر مظفر إلى بغداد . و جاء الخوارج إلى جلولاء و كانت فيهم حرب هلك فيها من الجانبين خلق . ثم سار خطرمش في العساكر فلقيهم بجلولاء و هزمه مساور ، ثم استولى مساور على أكثر أعمال الموصل ، ثم ولى الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي سنة أربع و خمسين ، فاستخلف عليها ابنه الحسن ، فجمع عسكراً كان فيهم حمدون الحرث بن لقمان جدا لأمراء من بني حمدان و محمد بن عبد الله بن السيد بن أنس ، و سار إلىمساور و عبر إليه نهر الزاب فتأخر عن موضعه . و سار الحسن في طلبه فالتقوا و اقتتلوا و انهزم عسكر الموصل و قتل محمد بن السيد الأزدي ، و نجا الحسن بن أيوب إلى أعمال اربل . ثم كانت الفتنة سنة خمس و خمسين خلع المعتز و بويع للمهتدي و ولى على الموصل عبد الله بن سليمان فزحف إليه مساور ، و خام عبد الله عن لقائه فملك مساور البلد و أقام بها جمعة و صلى و خطب ، ثم خرج منها إلى الحديثة و كانت دار هجرته . ثم انتقض عليه سنة ست و خمسين رجل من الخوارج اسمه عبيدة بن زهير العمري بسبب الخلاف في توبة الخاطيء و قال عبيدة : لا تقبل و اجتمع معه جماعة و خرج إليهم مساور من الحديثة و اقتتلوا قتالاً شديداً ثم قتل عبيدة و انهزم أصحابه و خرج إليه آخر من بني زهر اسمه طوق ، فجمع له الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي جمعاً كثيراً و حاربه فقاتله سنة خمس أو سبع ، و استولى مساور على أكثر العراق و منع الأموال ، فسار إليه موسى بن بغا بابكيال في العساكر فانتهوا إلى و بلغهم خبر الأتراك مع المهتدي فأقاموا ثم زحفوا بخلع المهتدي ، فلما ولي المعتمد سير مفلحاً إلى قتال مساور في عسكر كبير و خرج مساور عن الحديثة إلى جبلين حذاءها و قاتله مفلح في أتباعه ، و لحق الجبل فاعتصم به و أقام مفلح في حصاره ، فكانت بينهما وقعات و كثرت الجراحة في أصحاب مساور من لدن حربه مع عبيدة إلى هذه الحروب فسار عن الجبل و تركه و أصبح مفلح و قد فقدهم فسار إلى الموصل ثم إلى ديار ربيعة و سنجار و نصيبين و الخابور ، فأصلح أمورها و خرج من الموصل إلى الحديثة ففارقها عنه فرجع مساور في اتباعهم يتخطف من أعقابهم و يقاتلهم حتى وصل الحديثة فأقام بها أياماً ، ثم سار إلى بغداد في رمضان سنة ست و خمسين فرجع مساور الحديثة و استولى على البلاد و اشتدت شوكته ، ثم أوقع به مسرور البلخي سنة ثمان و خمسين ، و جهز العسكر بالحديثة مع جعلان من قواد الترك . ثم قتل سنة احدى و ستين يحيى بن جعفر من ولاه خراسان ، و سار مسرور في طلبه و تبعه الموفق فلم يدركاه .
مقتل وصيف ثم بغا
و في سنة ثلاث و خمسين أيام المعتز اجتمع الجند من الأتراك و الفراغنة و الأشروسية فطلبوا أرزاقهم منهم لأربعة أشهر و شغبوا ، فخرج إليهم بغا و وصيف و سيما الطويل ، و كلمهم وصيف و اعتذر بعدم المال و قال : خذوا الزاب في أرزاقكم . نزلوا بدار أشناس يتناظرون في ذلك ، و مضى بغا و سيما إلى المعتز يسألانه في أمرهم ، و بقي وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فقتله و قطعوا رأسه و نصبوه . ثم انفادوا و أهدر لهم ذلك ، و جعل المعتز لبغا الشرابي و ما كان لوصيف و ألبسه التاج و الوشاحين ، ثم تغير له المعتز لما عليه من الاستبداد على الدولة ، و خشى غائلته و مال باطناً إلى بابكيال و داخله في أمره و اعتده لذلك . ثم زوج بغا ابنته آمنة من صالح بن وصيف و شغل بجهازها ، فركب المعتز في تلك الغفلة و معه حمدان بن إسرائيل إلى بابكيال في كرخ سامرا و كانت بينه و بين بغا وحشة شديدة و بلغ ذلك فركب في خمسمائة من غلمانه و ولده و قواده ، و كان أكثرهم منحرفين عنه و لحق بالسن ، و أقام المعتز على وجل لا ينام إلا بسلاحه . ثم تعلل أصحاب بغا عليه فأعرض عنهم و ركب البحر راجعاً إلى بغداد ، و جاء الجسر ليلاً لئلا يفطن به الموكلون هنالك ، و بعثوا إلى المعتز بخبره فأمر بقتله و حمل إليه رأسه و نصب بسامرا و أحرقت المغاربة شلوه و كان قصد دار صالح بن وصيف ليثبوا على المعتز .
ابتداء دولة الصفار
كان يعقوب بن الليث عمر : الصفر بسجستان و كان صالح بن النضر الكناني من أهل البيت قد ظهر بتلك الناحية و قام يقاتل الخوارج و سمى أصحابه المتطوعة حتى قيل له صالح المطوعي و صحبه جماعة منهم درهم بن الحسن و يعقوب بن الليث هذا و غلبوا على سجستان ، ثم أخرجهم عنها طاهر بن عبد الله أمير خراسان . و هلك صالح إثر ذلك و قام بأمر المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه . و كان يعقوب بن الليث شهماً و كان درهم مضعفاً ، و احتال صاحب خراسان حتى ظفر به و حبس ببغداد فاجتمعت المتطوعة على يعقوب بن الليث ، و قام بقتال السراة و أتيح له الظفر عليهم و أثخن فيهم و خرب قراهم ، و كانت له شرية في أصحابه لم تكن لأحد قبله ، فحسنت طاعتهم له و عظم أمره و ملك سجستان مظهراً طاعة الخليفة و كاتبه و قلده حرب السراة ، فأحسن الغناء فيه و تجاوزه إلى سائر أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . ثم سار من سجستان إلى نواحي خراسان و عليها يومئذ محمد بن عبد الله بن طاهر ، و على هراة من قبلة محمد بن أوس الأنباري ، فجمع لمحاربة يعقوب و سار إليهم في التعبية ، فاقتتلوا و انهزم ابن أوس و ملك يعقوب هراة و بوشنج ، و عظم أمره و هابه صاحب خراسان و غيرها من الأطراف . و كان المعتز قد كتب له بولاية سجستان ، فكتب له الآن بولاية كرمان ، و كان على فارس علي بن الحسين بن شبل ، و أبطأ عامل الخراج و اعتذر ، فكتب له المعتز بولاية كرمان يريد إعداء كل منهما بصاحبه لأن طاعتهما مهوضة فأرسل علي ابن الحسين بفارس طوق بن الغلس خليفة على كرمان ، و سار يعقوب الصفار من سجستان فسبقه طوق و استولى عليها و أقام يعقوب بمكانه قريباً منها يترقب خروج طوق إليه . و بعد شهرين ارتحل إلى سجستان فوضع طوق أوزار الحرب و أقبل على اللهو ، و اتصل ذلك بيعقوب في طريقه ، فكر راجعاً و أغذ السير فصادفه بعد يومين ، و ركب أصحابه و قد أحيط بهم ففروا ناجين بأنفسهم ، و ملك يعقوب كرمان و حبس طوق . و بلغ الخبر إلى علي بن الحسين و هو على شيراز ، فجمع جيشه و نزل على مضيق شيراز و أقبل عليه يعقوب حتى نزل قبالته ، و المضيق متوعر بين جبل و نهر ضيق المسلك بينهما ، فاقتحم يعقوب النهر بينهما و أجاز إلى علي بن الحسين و أصحابه فانهزموا ، و أخذ علي أسيراً و استولى على جميع عسكره ، و دخل شيراز و ملكها و جبى الخراج و رجع إلى سجستان و ذلك سنة خمس و خمسين . و يقال بل وقع بينهما بعد عبور النهر حرب شديدة و انهزم آخرها علي و كان عسكره من خمسة عشر ألفاً من الموالي و الأكراد ، و رجعوا منهزمين إلى شيزار آخر يومهم و ازدحموا في الأبواب و افترقوا في نواحي فارس و انتهوا إلى الأهواز و بلغ القتلى منهم خمسة آلاف . و لما دخل يعقوب و ملك فارس امتحن علياً و أخذ منه ألف بردة و من الفرش و السلاح و الآلة ما لا يحد ، و كتب إلى الخليفة بطاعته و أهدى هدية جليلة يقال منها عشر بازات بيض و باز أبلق صيني و مائة نافجة من المسك و غير ذلك من الطرف و رجع إلى سجستان ، ثم استعاد الخليفة بعد ذلك فارس و بعث عماله إليها .
ابتداء دولة ابن طولون بمصر
كان بابكيال من أكابر قواد الأتراك مع بغا و وصيف و سيما الطويل ، و لما حدثت هذه الفتن و تغلبوا على الخلفاء أخذوا الأعمال و النواحي في اقطاعهم ، فاقطع المعتز بابكيال هذا أعمال مصر و بها يومئذ ابن مدبر ، و كان بابكيال مقيماً بالحفيدة فنظر فيمن يستخلفه عليها و كان أحمد بن طولون من أبناء الأتراك و أبوه من سبي فرغانة و ربي في دار الخلفاء ، و نشأ ابنه أحمد بها على طريقة مستقيمة لبابكيال خاله ، و أشير عليه بتوليته فبعثه على مصر فاستولى عليها أولا دون أعمالها و الاسكندرية ثم قتل المعتز بابكيال و صارت مصر في اقطاع بارجوع الترك و كان بينه و بين أحمد بن طولون مودة متأكدة فكتب إليه و استخلفه على مصر جميعها ، و رسخت قدمه فيها و أصارها تراثاً لبنيه فكانت لهم الدولة المعروفة .
استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد
قد تقدم لنا أن محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان على العراق و السواد ، و كانت لهم الشرطة و غيرها ، كان مقيماً ببغداد و كان في المدافعة عن المستعين لما لجأ إليه . ثم صلح مابينه و بين المعتز ، و استقل المعتز بالخلافة و الآثار المذكورة . ثم هلك آخر سنة ثلاث و ثمانين أيام المعتز و فوض ما كان بيده من الولاية إلى أخيه عبيد الله ، نازعه ابنه طاهر في الصلاة عليه و مالت العامة مع أصحابه طاهر و القواد مع عبيد الله لوصية أخيه . ثم أمضى المعتز عهد أخيه و خلع عليه ، و بذل لصاحب الخلع خمسين ألف درهم . ثم بعث المعتز عن سليمان بن عبد الله بن طاهر من خراسان ، و ولاه على العراق و الشرطة و غيرها مكان أخيه محمد ، و عزل أخاهما عبيد الله . فلما علم عبيد الله تقدم سليمان أخذ ما في بيت المال و انتقل إلى غربي دجلة ، و جاء سليمان و قائده محمد ابن أوس و معه جند من خراسان فأساؤا السيرة في أهل بغداد فحنق الناس عليهم و أعطى أرزاقهم مما بقي في بيت المال و قدمهم على جند بغداد و شاكريها ، فاتفق الجند على الثورة و فتقوا السجون ، و عبر ابن أوس إلى الجزيرة و اتبعه الجند و العامة ، فحاربهم و انهزم و أخرجوه من باب الشماسية ، ونهب من منزله قيمة ألفي ألف درهم ، و من الأمتعة ما لا يحصر و نهب منازل جنده . و رأى سليمان أن يسكن الثائرة فأمر بالخروج إلى خراسان ، ثم كانت الفتنة في خلع المعتز و ولاية المهدي كما يذكر ، و بعث المهتدي سلخ رجب من سنة خمس و خمسين إلى سليمان ليأخذ البيعة له ببغداد . و كان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد قد بعثه إليها المعتز ، فنقله سليمان إلى داره و
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
وثب الجند و العامة لذلك و اجتمعوا بباب سليمان ، و قاتلهم أصحابه ملياً ، ثم انصرفوا و خطب من الغد للمعتز فسكنوا ثم ساروا و دعوا إلى بيعة أبي أحمد ، و طلبوا رؤيته فأظهره لهم و وعدهم بما طلبوا ، فافترقوا و وكل بحفظ أبي أحمد ثم بايع للمهتدي في شعبان من تلك السنة .
خبر كرخ اصبهان و أبي دلف
قد تقدم لنا شأن أبي دلف أيام المأمون و أنه كان مقيماً بكرخة و أن المأمون عفاله عما وقع منه في القعود عن نصره ، و أقام بتلك الناحية و هلك ، فقام ابنه عبد العزيز مكانه . و لما كانت أيام الفتنة تمسك بطاعة المستعين و ولى وصيف على الجبل و أصبهان ، فكتب إلى عبد العزيز باستخلافه عليها و بعث عليه بالخلع ، و عقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في شهر رجب من سنة ثلاث و خمسين على الجبل و أصبهان ، فسار لذلك و في مقدمته مفلح ، فلقيه عبد العزيز بن أبي دلف في عشرين ألفاً خارج همذان ، فتحاربا و انهزم عبد العزيز و قتل أصحابه . و سار مفلح إلى الكرخ ، فخرج إليه عبد العزيز و قاتله ثانية ، فانهزم و استولى مفلح على الكرخ . و مضى عبد العزيز إلى قلعة نهاوند فتحصن بها و أخذ مفلح أهله و أمه . ثم عقد له وصيف سنة اثنين و خمسين على أعمال الجبل ، ثم عقد لموسى بن بغا ، فسار و في مقدمته مفلح ، فقاتله عبد العزيز فانهزم و ملك مفلح الكرخ و أخذ ماله و عياله . ثم ملك عبد العزيز و قام مكانه ابنه دلف و قاتله القاسم بن صبهاه من أهالي أصبهان . ثم قتل القاسم أصحاب أبي دلف وولوا أخاه أحمد بن عبد العزيز سنة خمس و ستين . و ولاه عمر الصفار من قبله على أصبهان عندما ولاه عليها المعتمد سنة ست و ستين ، و حاربه كغليغ التركي سنة تسع و ستين ، فغلبه أحمد و أخرجه إلى الصميرة و بعث إليه عمر سنة ثمان و ستين في المال فبعث إليه . ثم سار الموفق سنة ست و سبعين يريد أحمد بأصبهان فشاغله أحمد عن البلد و ترك داره بفرشها لنزول الموفق . ثم مات أحمد سنة ثمانين و ولى أخوه عمر و أخوه بكير يرادفه و قاتلا رافع بن الليث بأمر المعتضد فهزمهما كما يأتي ذكره . ثم قلده المعتضد أصبهان و نهوند و الكرخ عمر بن عبد العزيز سنة احدى و ثمانين ثم راجعا الطاعة .
خلع المعتز و موته و بيعة المهتدي
كان صالح بن وصيف بن بغا متغلباً على المعتز ، و كان كاتبه أحمد بن إسرائيل ، و كانت أمه قبيحة و وزيرها الحسن بن مخلد ، و كان أبو نوح عيسى بن إبراهيم من كبار الكتاب و جباة الأموال . و طلب الأتراك أرزاقهم و شغبوا ، فقال صالح للمعتز : هذه الأموال قد ذهب بها الكتاب و الوزراء ، و ليس في بيت المال شيء فرد عليه أحمد بن إسرائيل و أفحش في رده و تفاوضا في الكلام فسقط صالح مغشياً عليه ، و بتادر أصحابه بالباب فدخلوا منتضين سيوفهم فدخل إلى قصره ، فأمر صالح بالوزراء الثلاثة فقيدوا و شفع المعتز في أمره وزيره فلم يقبل شفاعته ، و صادرهم على مال جليل حملوه فلم يسد شياً ، فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا من المصادرة إتهم الجند أنهم حملوا على مال و لم يكن ذلك ، فشفعوا في طلب أرزاقهم و ضمنوا للمعتز قتل صالح بن وصيف على خمسين ألفاً يبذلها لهم . و سألهم من أمه فاعتذرت فاتفقت كلمتهم على خلعه . و دخل إليه صالح بن وصيف و محمد بن بغا المعروف بأبي نصر و بابكيال و طلبوه في الخروج إليهم ، فاعتذر لهم و أذن لبعضعم في الدخول فدخلوا ، و جروه إلى الباب و ضربوه و أقاموه في الشمس في صحن الدار و كلما مر به أحد منهم لطمه . ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب في جماعة فأشهدهم على خلعه ، و على صالح بن وصيف بأمانه و أمان أمه و أخته و ولده . و فرت أمه قبيحة من سرب كانت اتخذته بالدار ، ثم عذبوا المعتز ثم جعلوه في سرب و طموا عليه ، و أشهدوا على موته بني هاشم و القواد ، و ذلك آخر رجب من سنة خمس و خمسين ، بايعو المحمد ابن عمه الواثق و لقبوه المهتدي بالله عندما خلع المعتز نفسه و أقر بالعجز و الرغبة في تسليمها إلى المهتدي ، و بايعه الخاصة و العامة . و كانت قبيحة أم المعتز لما فعل صالح بالكتاب ما فعل قد نفراً منهم على الفتك بذلك بصالح ، و نمي ذلك إليه ، فجمع الأتراك على الثوران ، و أيقنت قبيحة بالهلاك فأودعت ما في الخزائن من الأموال و الجواهر ، و حفرت سرباً في حجرتها هربت منه لما أحيط بالمعتز ، و لما قتل خشيت على نفسها فبعثت إلى صالح تستأمنه فأحضرها في رمضان و ظفر منها بخمسمائة ألف دينار ، و عذبها على خزائن تحت الأرض فيها ألف ألف دينار و ثلثمائة ألف دينار و مقدار مكوك من الزبرجد لم ير مثله و مقدار مكوك آخر من اللؤلؤ العظيم و جراب من الياقوت الأحمر القليل النظير ، و ذمها الناس بأنها عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار و معها هذا المال ، ثم سارت إلى مكة فأقامت هنالك ، و قبض صالح على أحمد بن إسرائيل و زيد بن المعتز و عذبه و صادره . ثم قبض على أبي نوح و فعل به مثله ، و قبض على الحسن بن مخلد كذلك و لم يمت . و بلغ المهتدي ذلك فنكره و قال : كان الحبس كافياً في العقوبة . و لأول ولاية المهتدي أخرج القيان و المغنين من سامرا و نفاهم عنها ، و أمر بقتل السباع التي كانت في دار السلطان و طرد الكلاب و رد المظالم و جلس للعامة ، و كانت الفتن قائمة ، والدولة مضطربة ، فشمر لإصلاحها لو أمهل و استوزر سليمان بن وهب و غلب على أمره صالح بن وصيف و قام بالدولة .
مسير موسى بن بغا إلى سامرا و مقتل صالح بن وصيف
كان موسى بن بغا غائباً بنواحي الري و أصبهان منذ ولاية المعتز عليها سنة ثلاث و خمسين ، و معه مفلح غلام أبي الساج ، و كانت قبيحة أم المعتز لما رأت اضطراب أموره كتبت إلى موسى قبل أن يفوت في أمره ، فجاءه كتابها ، و قد بعث مفلحاً لحرب الحسن بن زيد العلوي فحربه بطبرستان فغلبه ، و أحرق قصوره بآمد و خرج في اتباعه إلى الديلم ، فكتب إلىموسى بالرجوع لمداهمة من شاء و بينما هو في استقدامه و انتظاره قتل المعتز و بويع المهتدي ، و بلغ أصحابه ما حواه صالح من أموال المعتز و كتابه و أمه ، ، فشرهوا إلىمثل ذلك ، و أغروا موسى بالمسير إلىسامرا ، و رجع مفلح من بلاد الديلم إليه و هو بالري ، فسار نحو سامرا و سمع المهتدي بذلك فكتب إليه بالمقام و يحذره على ما وراءه من العلويين فلم يصغ لذلك ، و أفحش أصحابه في إساءة الرسل الواصلين بالكتب . فكتب بالاعتذار و احتج بما عاينه الرسل و أنه يخشى أن يقتله أصحابه إن عادوا إلى الري و صالح بن وصيف في خلال ذلك يغري به المهتدي و ينسبه إلى المعصية و الخلاف ، إلى أن قدم في المحرم سنة ست و خمسين و دخل في التبعية ، فاختفى صالح بن وصيف و مضى موسى إلى الجوسق و المهتدي جالس للمظالم فأعرض له عن الإذن ساعة ارتاب فيها هو و أصحابه و ظنوا أنه ينتظر قدوم صالح بالعساكر . ثم أذن لهم فدخلوا و قبضوا على المهتدي و أودعوه دار باجورة و انتهبوا ما كان في الجوسق . و استغاث المهتدي بموسى فعطف عليه ثم أخذ عليه العهود و الإيمان أن لا يوالي صالحاً و أن باطنه و ظاهره في موالاتهم سواء ، فجددوا له البيعة و استبد موسى بالأمر ، و بعث إلى صالح للمطالبة بما احتجبه من الأموال فلم يوقف له على أثر ، و أخذوا في البحث عنه . و في آخر المحرم أحضر المهتدي كتاباً رفعه إليه سيما الشرابي ، زعم ان امرأة دفعته إليه و غابت فلم يرها ، و حضر القواد و قرأه سليمان بن وهب عليهم و هو بخط صالح يذكر ما صار إليه من الأموال ، و أنه إنما استتر خشية على نفسه و حسماً للفتنة و إبقاء علىالموالي . و لما قرأ الكتاب حثهم المهتدي على الصلح و الاتفاق ، فإتهمه الأتراك بالميل إلى صالح و أنه مطلع على مكانه ، و طال الكلام بينهم بذلك ثم اجتمعوا من الغد بدار موسى بن بغا داخل الجوسق و اتفقوا على خلع المهتدي ، إلا أخا بابكيال فإنه أبى من ذلك و تهددهم بأنه مفارقهم إلى خراسان ، و اتصل الخبر بالمهتدي فاستدعاه إليه و قد نظف ثيابه و تطيب و تقلد فأرعد و أبرق و تهددهم بالاستماتة ، ثم حلف لا يعلم مكان صالح ، و قال لمحمد بن بغا و بابكيال قد حضرتما مع صالح في أمر المعتز و أموال الكتاب و أنتم شركاؤه في ذلك كله . و انتشر الخبر في العامة بأنهم أرهقوا و أرادوا خلعه فطفقوا يحاذرون على الدعاء في المساجد و الطرقات و يبغون على القواد بغيهم على الخليفة ، و يرمون الرقاع بذلك في الطرقات . ثم إن الموالي بالكرخ و الدور دسوا إلى المهتدي أن يبعثوا إليه أخاه أبا القاسم عبد الله بعد أن ركبوا و تحركوا فقالوا لأبي القاسم : بلغنا ما عليه موسى و بابكيال و أصحابهما و نحن شيعة للخليفة فيما يريده ، و شكوا مع ذلك تأخر أرزاقهم و ما صاروا من الاقطاع و االزيادات إلى قوادهم و ما أخذه النساء و الدخلاء حتى أصحب ذلك كله بالخراج و الضياع ، و كتبوا بذلك إلى المهتدي ، فأجابهم بالثناء على التشيع له و الطاعة و الوعد الجميل في الرزق ، و النظر الجميل في شأن الاقطاعات للقواد و النساء ، فأفاضوا في الدعاء و أجمعوا على منع الخليفة من الحجر الاستبداد عليه ، و أن ترجع الرسوم إلى عادتها أيام المستعين على كل عشرة عريف ، و على كل خمسين خليفة و على كل مائة قائد ، و أن تسقط النساء و الزيادة في الاقطاع و يوضع العطاء في كل شهرين . و كتبوا بذلك إلى المهتدي و أنهم صائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم ، و إن أحد اعترض عليه أخذوا رأسه و إن تعرض له أحد قتلوا موسى بن بغا و بابكيال و ما جور . فجاء أبو القاسم بالكتاب و قد قعد المهتدي للمظالم و عنده الفقهاء و القضاة و القواد قائمون في مراتبهم فقرأ كتابهم على القواد فاضطربوا و كتب جوابهم بما سألوا و طلب أبو القاسم من القواد أن يبعثوا معه رسولاً بالعذر عنهم ففعلوا ، و مضى أبو القاسم إليهم بكتاب الكتاب و برسل القواد و أعذارهم . فكتبوا إلى المهتدي يطلبون التوقيعات بخط الزيادات و رد الاقطاعات و إخراج الموالي البرانيين من الخاصة ، و رد الرسوم إلى عاداتها أيام المستعين ، و محاسبة موسى بن بغا و صالح بن وصيف على ما عندهم من الأموال و وضع العطاء على كل شهرين و صرف النظر في الجيش إلى بعض إخوته أو قرابته و إخراجه من الموالي ، و كتبوا بذلك إلى المهتدي و القواد فأجابهم إلى جميع ما سألوه . و كتب إليهم موسى بن بغا بالأجابة في شأن صالح و الإذن في ظهور فقرؤا الكتابين و وعدوا بالجواب ، فركب إليهم أبو القاسم و اتبعه موسى في ألف و خمسمائة فوقف في طريقهم و جاءهم أبو القاسم فاضطربوا في الجواب و لم يتفقوا فرجع ورد موسى بن بغا فأمرهم المهتدي بالرجوع و أن يتقدم إليهم محمد بن بغا مع أبي القاسم ، و يدفعوا إليهم كتاب الأمان لصالح بن وصيف ، و قد كان من طلبتهم أن يكون موسى في مرتبة أبيه و صالح كذلك و الجيش في يده ، و أن يظهر على الأمان فأجيبوا إلى ذلك . و افترق الناس إلى الكرخ و الدور و سامرا ، فلما كان من الغد ركب بنو وصيف في جماعة و لبسوا السلاح فنهبوا دواب العامة و عسكروا بسامرا و تعلقوا بأبي القاسم يطلبون صالحاً فأنكر المهتدي أن يكون علم بمكانه ، و قال : إن كان عندهم فليظهروه . ثم ركب ابن بغا في القواد و معه أربعة آلاف فارس و عسكر ، و افترق والأتراك و لم يظهر للكرخيين و لا لأهل الدور و سامرا في هذا اليوم حركة ، و جد موسى في طلب صالح و نادى عليه و عثر عليه بعض الغوغاء فجاء به إلى الجوسق و العامة في اتباعه فضربه بعض أصحاب مفلح فقتله و طيف برأسه على قناة و خرج موسى بن بغا لقتال السراة بناحية السن .
الصوائف منذ ولاية المنتصر إلى آخر أيام المهتدي
في سنة ثمان و أربعين أيام المستعين خرج بناحية الوصل محمد بن عمر الشاربي و حكم فسرح المنتصر إسحق بن ثابت الفرغاني فأسره في عدة من أصحابه و قتلوا و صلبوا و في هذه السنة غزا بالصائفة و أمره المنتصر بالمقام بملطية أربع سنين و يغزو في أوقات الغزو إلى أن يأتيه رأيه ، و كان مقيماً بالثغر الشامي فدخل بلاد الروم و افتتح حصن قدورية . و في سنة تسع و أربعين غزا بالصائفة جعفر بن دينار فافتتح مطامير و استأذنه عمر بن عبد الله الأقطع في الدخول إلى بلاد الروم فأذن له ، فدخل في جموع من أهل ملطية ، و لقي ملك الروم بمرج الأسقف في خمسين ألفاً فأحاطوا به و قيل في ألفين من المسلمين ، و خرج الروم إلى الثغور الخزرية فاستباحوها و بلغ ذلك علي ابن يحيى الأرمني و قد كان صرف عن الثغور الشامية و عقد له على أرمينية و أذربيجان . فلما سمع بخبرهم نفر إليهم و قاتلهم فانهزم و قتل في أربعمائة من المسلمين ، و في سنة ثلاث و خمسين أيام المعتز غزا محمد بن معاذ من ناحية ملطية فانهزم و أسر الولاة لما ولي المنتصر استوزر أحمد بن الخصيب و ولى على المظالم أبا عمر أحمد بن سعيد مولى بني هاشم . ثم ولي المستعين و مات طاهر بن عبد الله بخراسان فولى المستعين مكانه ابنه محمداً و ولى محمد بن عبد الله على العراق و جعل إليه الحرمين و الشرطة و معاون السواد ، و استخلف أخاه سليمان بن عبد الله على طبرستان . و توفي بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله و ضاف إليه ديوان البريد ، و شغب أهل حمص على عاملهم و أخرجوه ، فبعث عليهم المستعين الفضل بن قارن أخا مازيار فقتل منهم خلقاً و حمل مائة من أعيانهم إلى سامرا . و استوزر المستعين أتامش بعد أن عزل أحمد بن الخصيب ، و استصفى بقى إلى أقريطش ، و عقد لأتامش على مصر و المغرب ، و لبغا الشرابي على حلوان و ما سبذان و مهرجا بعده . ثم قتل أتامش فاستوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن داود و عزل الفضل بن مروان عن الديوان الخراج و ولاه عيسى بن فرخانشاه ، و ولى وصيفاً على الأهواز و بغا الصغير على فلسطين ، ثم غضب بغا على أبي صالح ففر إلى بغداد و استوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني ، و ولى ديوان الرسائل سعيد بن حميد و عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء و نفاه إلى البصرة ، و ولى جعفر بن محمد بن عمار البرجمي ، و في خمسين عقد لجعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف بساسان على مكة و وثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن فقتلوه فسرح إليهم المستعين موسى بن بغا و حاربوه فهزمهم ، و أفتتحت حمص و أثخن فيهم و أحرقها ، و فيها وثب الشاكرية و الجند بفارس بعبد الله بن إسحق فانتهبوا منزله ، و قتلوا محمد بن الحسن بن قارن و هرب عبد الله بن إسحق و فيها كان ظهور العلوية
خبر كرخ اصبهان و أبي دلف
قد تقدم لنا شأن أبي دلف أيام المأمون و أنه كان مقيماً بكرخة و أن المأمون عفاله عما وقع منه في القعود عن نصره ، و أقام بتلك الناحية و هلك ، فقام ابنه عبد العزيز مكانه . و لما كانت أيام الفتنة تمسك بطاعة المستعين و ولى وصيف على الجبل و أصبهان ، فكتب إلى عبد العزيز باستخلافه عليها و بعث عليه بالخلع ، و عقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في شهر رجب من سنة ثلاث و خمسين على الجبل و أصبهان ، فسار لذلك و في مقدمته مفلح ، فلقيه عبد العزيز بن أبي دلف في عشرين ألفاً خارج همذان ، فتحاربا و انهزم عبد العزيز و قتل أصحابه . و سار مفلح إلى الكرخ ، فخرج إليه عبد العزيز و قاتله ثانية ، فانهزم و استولى مفلح على الكرخ . و مضى عبد العزيز إلى قلعة نهاوند فتحصن بها و أخذ مفلح أهله و أمه . ثم عقد له وصيف سنة اثنين و خمسين على أعمال الجبل ، ثم عقد لموسى بن بغا ، فسار و في مقدمته مفلح ، فقاتله عبد العزيز فانهزم و ملك مفلح الكرخ و أخذ ماله و عياله . ثم ملك عبد العزيز و قام مكانه ابنه دلف و قاتله القاسم بن صبهاه من أهالي أصبهان . ثم قتل القاسم أصحاب أبي دلف وولوا أخاه أحمد بن عبد العزيز سنة خمس و ستين . و ولاه عمر الصفار من قبله على أصبهان عندما ولاه عليها المعتمد سنة ست و ستين ، و حاربه كغليغ التركي سنة تسع و ستين ، فغلبه أحمد و أخرجه إلى الصميرة و بعث إليه عمر سنة ثمان و ستين في المال فبعث إليه . ثم سار الموفق سنة ست و سبعين يريد أحمد بأصبهان فشاغله أحمد عن البلد و ترك داره بفرشها لنزول الموفق . ثم مات أحمد سنة ثمانين و ولى أخوه عمر و أخوه بكير يرادفه و قاتلا رافع بن الليث بأمر المعتضد فهزمهما كما يأتي ذكره . ثم قلده المعتضد أصبهان و نهوند و الكرخ عمر بن عبد العزيز سنة احدى و ثمانين ثم راجعا الطاعة .
خلع المعتز و موته و بيعة المهتدي
كان صالح بن وصيف بن بغا متغلباً على المعتز ، و كان كاتبه أحمد بن إسرائيل ، و كانت أمه قبيحة و وزيرها الحسن بن مخلد ، و كان أبو نوح عيسى بن إبراهيم من كبار الكتاب و جباة الأموال . و طلب الأتراك أرزاقهم و شغبوا ، فقال صالح للمعتز : هذه الأموال قد ذهب بها الكتاب و الوزراء ، و ليس في بيت المال شيء فرد عليه أحمد بن إسرائيل و أفحش في رده و تفاوضا في الكلام فسقط صالح مغشياً عليه ، و بتادر أصحابه بالباب فدخلوا منتضين سيوفهم فدخل إلى قصره ، فأمر صالح بالوزراء الثلاثة فقيدوا و شفع المعتز في أمره وزيره فلم يقبل شفاعته ، و صادرهم على مال جليل حملوه فلم يسد شياً ، فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا من المصادرة إتهم الجند أنهم حملوا على مال و لم يكن ذلك ، فشفعوا في طلب أرزاقهم و ضمنوا للمعتز قتل صالح بن وصيف على خمسين ألفاً يبذلها لهم . و سألهم من أمه فاعتذرت فاتفقت كلمتهم على خلعه . و دخل إليه صالح بن وصيف و محمد بن بغا المعروف بأبي نصر و بابكيال و طلبوه في الخروج إليهم ، فاعتذر لهم و أذن لبعضعم في الدخول فدخلوا ، و جروه إلى الباب و ضربوه و أقاموه في الشمس في صحن الدار و كلما مر به أحد منهم لطمه . ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب في جماعة فأشهدهم على خلعه ، و على صالح بن وصيف بأمانه و أمان أمه و أخته و ولده . و فرت أمه قبيحة من سرب كانت اتخذته بالدار ، ثم عذبوا المعتز ثم جعلوه في سرب و طموا عليه ، و أشهدوا على موته بني هاشم و القواد ، و ذلك آخر رجب من سنة خمس و خمسين ، بايعو المحمد ابن عمه الواثق و لقبوه المهتدي بالله عندما خلع المعتز نفسه و أقر بالعجز و الرغبة في تسليمها إلى المهتدي ، و بايعه الخاصة و العامة . و كانت قبيحة أم المعتز لما فعل صالح بالكتاب ما فعل قد نفراً منهم على الفتك بذلك بصالح ، و نمي ذلك إليه ، فجمع الأتراك على الثوران ، و أيقنت قبيحة بالهلاك فأودعت ما في الخزائن من الأموال و الجواهر ، و حفرت سرباً في حجرتها هربت منه لما أحيط بالمعتز ، و لما قتل خشيت على نفسها فبعثت إلى صالح تستأمنه فأحضرها في رمضان و ظفر منها بخمسمائة ألف دينار ، و عذبها على خزائن تحت الأرض فيها ألف ألف دينار و ثلثمائة ألف دينار و مقدار مكوك من الزبرجد لم ير مثله و مقدار مكوك آخر من اللؤلؤ العظيم و جراب من الياقوت الأحمر القليل النظير ، و ذمها الناس بأنها عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار و معها هذا المال ، ثم سارت إلى مكة فأقامت هنالك ، و قبض صالح على أحمد بن إسرائيل و زيد بن المعتز و عذبه و صادره . ثم قبض على أبي نوح و فعل به مثله ، و قبض على الحسن بن مخلد كذلك و لم يمت . و بلغ المهتدي ذلك فنكره و قال : كان الحبس كافياً في العقوبة . و لأول ولاية المهتدي أخرج القيان و المغنين من سامرا و نفاهم عنها ، و أمر بقتل السباع التي كانت في دار السلطان و طرد الكلاب و رد المظالم و جلس للعامة ، و كانت الفتن قائمة ، والدولة مضطربة ، فشمر لإصلاحها لو أمهل و استوزر سليمان بن وهب و غلب على أمره صالح بن وصيف و قام بالدولة .
مسير موسى بن بغا إلى سامرا و مقتل صالح بن وصيف
كان موسى بن بغا غائباً بنواحي الري و أصبهان منذ ولاية المعتز عليها سنة ثلاث و خمسين ، و معه مفلح غلام أبي الساج ، و كانت قبيحة أم المعتز لما رأت اضطراب أموره كتبت إلى موسى قبل أن يفوت في أمره ، فجاءه كتابها ، و قد بعث مفلحاً لحرب الحسن بن زيد العلوي فحربه بطبرستان فغلبه ، و أحرق قصوره بآمد و خرج في اتباعه إلى الديلم ، فكتب إلىموسى بالرجوع لمداهمة من شاء و بينما هو في استقدامه و انتظاره قتل المعتز و بويع المهتدي ، و بلغ أصحابه ما حواه صالح من أموال المعتز و كتابه و أمه ، ، فشرهوا إلىمثل ذلك ، و أغروا موسى بالمسير إلىسامرا ، و رجع مفلح من بلاد الديلم إليه و هو بالري ، فسار نحو سامرا و سمع المهتدي بذلك فكتب إليه بالمقام و يحذره على ما وراءه من العلويين فلم يصغ لذلك ، و أفحش أصحابه في إساءة الرسل الواصلين بالكتب . فكتب بالاعتذار و احتج بما عاينه الرسل و أنه يخشى أن يقتله أصحابه إن عادوا إلى الري و صالح بن وصيف في خلال ذلك يغري به المهتدي و ينسبه إلى المعصية و الخلاف ، إلى أن قدم في المحرم سنة ست و خمسين و دخل في التبعية ، فاختفى صالح بن وصيف و مضى موسى إلى الجوسق و المهتدي جالس للمظالم فأعرض له عن الإذن ساعة ارتاب فيها هو و أصحابه و ظنوا أنه ينتظر قدوم صالح بالعساكر . ثم أذن لهم فدخلوا و قبضوا على المهتدي و أودعوه دار باجورة و انتهبوا ما كان في الجوسق . و استغاث المهتدي بموسى فعطف عليه ثم أخذ عليه العهود و الإيمان أن لا يوالي صالحاً و أن باطنه و ظاهره في موالاتهم سواء ، فجددوا له البيعة و استبد موسى بالأمر ، و بعث إلى صالح للمطالبة بما احتجبه من الأموال فلم يوقف له على أثر ، و أخذوا في البحث عنه . و في آخر المحرم أحضر المهتدي كتاباً رفعه إليه سيما الشرابي ، زعم ان امرأة دفعته إليه و غابت فلم يرها ، و حضر القواد و قرأه سليمان بن وهب عليهم و هو بخط صالح يذكر ما صار إليه من الأموال ، و أنه إنما استتر خشية على نفسه و حسماً للفتنة و إبقاء علىالموالي . و لما قرأ الكتاب حثهم المهتدي على الصلح و الاتفاق ، فإتهمه الأتراك بالميل إلى صالح و أنه مطلع على مكانه ، و طال الكلام بينهم بذلك ثم اجتمعوا من الغد بدار موسى بن بغا داخل الجوسق و اتفقوا على خلع المهتدي ، إلا أخا بابكيال فإنه أبى من ذلك و تهددهم بأنه مفارقهم إلى خراسان ، و اتصل الخبر بالمهتدي فاستدعاه إليه و قد نظف ثيابه و تطيب و تقلد فأرعد و أبرق و تهددهم بالاستماتة ، ثم حلف لا يعلم مكان صالح ، و قال لمحمد بن بغا و بابكيال قد حضرتما مع صالح في أمر المعتز و أموال الكتاب و أنتم شركاؤه في ذلك كله . و انتشر الخبر في العامة بأنهم أرهقوا و أرادوا خلعه فطفقوا يحاذرون على الدعاء في المساجد و الطرقات و يبغون على القواد بغيهم على الخليفة ، و يرمون الرقاع بذلك في الطرقات . ثم إن الموالي بالكرخ و الدور دسوا إلى المهتدي أن يبعثوا إليه أخاه أبا القاسم عبد الله بعد أن ركبوا و تحركوا فقالوا لأبي القاسم : بلغنا ما عليه موسى و بابكيال و أصحابهما و نحن شيعة للخليفة فيما يريده ، و شكوا مع ذلك تأخر أرزاقهم و ما صاروا من الاقطاع و االزيادات إلى قوادهم و ما أخذه النساء و الدخلاء حتى أصحب ذلك كله بالخراج و الضياع ، و كتبوا بذلك إلى المهتدي ، فأجابهم بالثناء على التشيع له و الطاعة و الوعد الجميل في الرزق ، و النظر الجميل في شأن الاقطاعات للقواد و النساء ، فأفاضوا في الدعاء و أجمعوا على منع الخليفة من الحجر الاستبداد عليه ، و أن ترجع الرسوم إلى عادتها أيام المستعين على كل عشرة عريف ، و على كل خمسين خليفة و على كل مائة قائد ، و أن تسقط النساء و الزيادة في الاقطاع و يوضع العطاء في كل شهرين . و كتبوا بذلك إلى المهتدي و أنهم صائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم ، و إن أحد اعترض عليه أخذوا رأسه و إن تعرض له أحد قتلوا موسى بن بغا و بابكيال و ما جور . فجاء أبو القاسم بالكتاب و قد قعد المهتدي للمظالم و عنده الفقهاء و القضاة و القواد قائمون في مراتبهم فقرأ كتابهم على القواد فاضطربوا و كتب جوابهم بما سألوا و طلب أبو القاسم من القواد أن يبعثوا معه رسولاً بالعذر عنهم ففعلوا ، و مضى أبو القاسم إليهم بكتاب الكتاب و برسل القواد و أعذارهم . فكتبوا إلى المهتدي يطلبون التوقيعات بخط الزيادات و رد الاقطاعات و إخراج الموالي البرانيين من الخاصة ، و رد الرسوم إلى عاداتها أيام المستعين ، و محاسبة موسى بن بغا و صالح بن وصيف على ما عندهم من الأموال و وضع العطاء على كل شهرين و صرف النظر في الجيش إلى بعض إخوته أو قرابته و إخراجه من الموالي ، و كتبوا بذلك إلى المهتدي و القواد فأجابهم إلى جميع ما سألوه . و كتب إليهم موسى بن بغا بالأجابة في شأن صالح و الإذن في ظهور فقرؤا الكتابين و وعدوا بالجواب ، فركب إليهم أبو القاسم و اتبعه موسى في ألف و خمسمائة فوقف في طريقهم و جاءهم أبو القاسم فاضطربوا في الجواب و لم يتفقوا فرجع ورد موسى بن بغا فأمرهم المهتدي بالرجوع و أن يتقدم إليهم محمد بن بغا مع أبي القاسم ، و يدفعوا إليهم كتاب الأمان لصالح بن وصيف ، و قد كان من طلبتهم أن يكون موسى في مرتبة أبيه و صالح كذلك و الجيش في يده ، و أن يظهر على الأمان فأجيبوا إلى ذلك . و افترق الناس إلى الكرخ و الدور و سامرا ، فلما كان من الغد ركب بنو وصيف في جماعة و لبسوا السلاح فنهبوا دواب العامة و عسكروا بسامرا و تعلقوا بأبي القاسم يطلبون صالحاً فأنكر المهتدي أن يكون علم بمكانه ، و قال : إن كان عندهم فليظهروه . ثم ركب ابن بغا في القواد و معه أربعة آلاف فارس و عسكر ، و افترق والأتراك و لم يظهر للكرخيين و لا لأهل الدور و سامرا في هذا اليوم حركة ، و جد موسى في طلب صالح و نادى عليه و عثر عليه بعض الغوغاء فجاء به إلى الجوسق و العامة في اتباعه فضربه بعض أصحاب مفلح فقتله و طيف برأسه على قناة و خرج موسى بن بغا لقتال السراة بناحية السن .
الصوائف منذ ولاية المنتصر إلى آخر أيام المهتدي
في سنة ثمان و أربعين أيام المستعين خرج بناحية الوصل محمد بن عمر الشاربي و حكم فسرح المنتصر إسحق بن ثابت الفرغاني فأسره في عدة من أصحابه و قتلوا و صلبوا و في هذه السنة غزا بالصائفة و أمره المنتصر بالمقام بملطية أربع سنين و يغزو في أوقات الغزو إلى أن يأتيه رأيه ، و كان مقيماً بالثغر الشامي فدخل بلاد الروم و افتتح حصن قدورية . و في سنة تسع و أربعين غزا بالصائفة جعفر بن دينار فافتتح مطامير و استأذنه عمر بن عبد الله الأقطع في الدخول إلى بلاد الروم فأذن له ، فدخل في جموع من أهل ملطية ، و لقي ملك الروم بمرج الأسقف في خمسين ألفاً فأحاطوا به و قيل في ألفين من المسلمين ، و خرج الروم إلى الثغور الخزرية فاستباحوها و بلغ ذلك علي ابن يحيى الأرمني و قد كان صرف عن الثغور الشامية و عقد له على أرمينية و أذربيجان . فلما سمع بخبرهم نفر إليهم و قاتلهم فانهزم و قتل في أربعمائة من المسلمين ، و في سنة ثلاث و خمسين أيام المعتز غزا محمد بن معاذ من ناحية ملطية فانهزم و أسر الولاة لما ولي المنتصر استوزر أحمد بن الخصيب و ولى على المظالم أبا عمر أحمد بن سعيد مولى بني هاشم . ثم ولي المستعين و مات طاهر بن عبد الله بخراسان فولى المستعين مكانه ابنه محمداً و ولى محمد بن عبد الله على العراق و جعل إليه الحرمين و الشرطة و معاون السواد ، و استخلف أخاه سليمان بن عبد الله على طبرستان . و توفي بغا الكبير فولى ابنه موسى على أعماله و ضاف إليه ديوان البريد ، و شغب أهل حمص على عاملهم و أخرجوه ، فبعث عليهم المستعين الفضل بن قارن أخا مازيار فقتل منهم خلقاً و حمل مائة من أعيانهم إلى سامرا . و استوزر المستعين أتامش بعد أن عزل أحمد بن الخصيب ، و استصفى بقى إلى أقريطش ، و عقد لأتامش على مصر و المغرب ، و لبغا الشرابي على حلوان و ما سبذان و مهرجا بعده . ثم قتل أتامش فاستوزر المستعين مكانه أبا صالح عبد الله بن محمد بن داود و عزل الفضل بن مروان عن الديوان الخراج و ولاه عيسى بن فرخانشاه ، و ولى وصيفاً على الأهواز و بغا الصغير على فلسطين ، ثم غضب بغا على أبي صالح ففر إلى بغداد و استوزر المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجاني ، و ولى ديوان الرسائل سعيد بن حميد و عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء و نفاه إلى البصرة ، و ولى جعفر بن محمد بن عمار البرجمي ، و في خمسين عقد لجعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف بساسان على مكة و وثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن فقتلوه فسرح إليهم المستعين موسى بن بغا و حاربوه فهزمهم ، و أفتتحت حمص و أثخن فيهم و أحرقها ، و فيها وثب الشاكرية و الجند بفارس بعبد الله بن إسحق فانتهبوا منزله ، و قتلوا محمد بن الحسن بن قارن و هرب عبد الله بن إسحق و فيها كان ظهور العلوية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
بنواحي طبرستان . و في سنة احدى و خمسين عقد المعتز لبغا وصيف على أعمالها ، و رد البريد إلى موسى بن بغا الكبير ، و عقد محمد بن طاهر لأبي الساج و قدم بين يديه عبد الرحمن كما قلنا ، و أظهر أنه إنما جاء لحرب الأعراب و تلطف لأبي أحمد حتى خالطه و قيده و بعث به إلى بغداد في سنة اثنتين و خمسين . و ولى المعتز الحسين بن أبي الشوارب على القضاء و بعث محمد ابن عبد الله بن طاهر أبا الساج على طريق مكة ، و عقد المعتز لعيسى الشيخ بن السليل الشيباني من ولد جساس بن مرة على الرملة فاستولى على فلسطين و على دمشق و أعمالها ، و قطع ما كان يحمل من الشام . و كان إبراهيم بن المدبر على مصر فبعث إلى بغداد من المال بسبعمائة ألف دينار فاعترضها عيسى و أخذها ، و طولب بالمال فقال : الفتنة على الجند ! فولاه المعتمد على أرمينية يقيم بها دعواه . و بعث المعتمد إلى الشام ما جور على دمشق و أعمالها ، و بلغ الخبر إلى عيسى فبعث ابنه منصوراً في عشرين ألف مقاتل ، فانهزم و قتل و سار عيسى إلى أرمينية على طريق الساحل . و فيها عقد وصيف لعبد العزيز بن أبي دلف العجلي على أعمال الجبل . و في سنة ثلاث و خمسين عقد لموسى بن بغا على الجبل ، فسار وفي مقدمته مفلح مولى بني الساج ، و قاتله عبد العزيز بن أبي دلف فانهزم و لجأ إلى قلعة لهادر و ملك مفلح الكرخ ، و أخذ أهله و عياله ، و فيها مات ابن عبد الله بن طاهر ببغداد و ولى أخوه عبيد الله بعهده . ثم بعث المعتز عن أخيه سليمان بطبرستان فولاه مكانه ، و كان على الموصل سليمان بن عمران الأزدي ، و كانت بينه و بين الأزد حروب بنواحي الموصل . و فيها مات مزاحم بن خاقان بمصر . و فيها ملك يعقوب الصفار سجستان و فارس و هراة ، و كان ابتداء دولته ، و ولى بابكيال أحمد بن طولون على برمصر من قبله فكان ابتداء دولته . ثم أقطعها المعتمد سنة سبع و خمسين ليارجوج فولى عليها أحمد بن طولون من قبله و في سنة خمس و خمسين أيام المهتدي استولى مساور الخارجي على الموصل و فيها ظهر صاحب الزنج و كان ابتداء فتنته .
أخبار صاحب الزنج و ابتداء فتنته
كان أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم و ما بعده أكثرهم من الزيدية ، و كان من أثمتهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير و كان نازلاً بالبصرة ، و لما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمه علي بن محمد بن الحسين ، فقتل بغدك و لأيام من قتله خرج رجل بالري يدعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب و ذلك سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهتدي . و لما ملك البصرة لقي علياً هذا حياً معروف النسب ، فرجع عن ذلك و انتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخي عيسى المذكور . و نسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين و أظنه الحسين ابن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي ، لأن ابن حزم قال في الحسين السبط أنه لا عقب له إلا من علي بن الحسين ، و قال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر . و قال الطبري و ابن حزم و غيرهم من المحققين أنه من عبد القيس ، و اسمه علي بن عبد الرحيم من قرية من قرى الري ، و رأى كثرة خروج الزيدية فحدثته نفسه بالتوثب فانتحل هذا النسب ، و يشهد لذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج ، و لا يكون ذلك من أهل البيت . و سياقة خبره أنه كان اتصل بجماعة من حاشية المنتصر و مدحهم . ثم شخص من سامرا إلى البحرين سنة تسع و أربعين أدعى أنه من ولد العباس بن أبي طالب من ولد الحسن بن عبد الله بن العباس ، و دعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل حجر و غيرها ، و قاتلوا أصحاب السلطان بسببه و عظمت فتنته ، فتحول عنهم إلى الأحساء و نزل على بني الشماس من سعد بن تميم ، و صحبه جماعة من البحرين منهم يحيى بن محمد الأزرق و سليمان بن جامع ، فكانا قائدين له ، و قاتل أهل البحرين فانهزم و افترقت العرب عنه و اتبعه علي بن أبان و سار إلى البصرة و نزل في بني ضبيعة و عاملها يومئذ محمد بن رجاء ، و الفتنة فيها بين البلالية و السعدية ، و طلبه ابن رجاء فهرب و حبس ابنه و زوجته و جماعة من أصحابه ، فسار إلى بغداد و أقام بها حولاً و انتسب إلى محمد بن أبي أحمد بن عيسى كما قلناه ، و استمال بها جماعة منهم جعفر ابن محمد الصوحاني من ولد زيد بن ضوحان و مسروق و رفيق غلامان ليحيى بن عبد الرحمن و سمى مسروقاً حمزة و كناه أبا أحمد ، و سمى رفيقاً جعفراً و كناه أبا الفضل . ثم وثب رؤساء البلالية و السعدية بالبصرة و أخرجوا العامل محمد بن رجاء ، فبلغه ذلك و هو ببغداد ، و أن أهله خلعوه فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس و خمسين و يحيى بن محمد و سليمان بن جامع و مسروق و رفيق ، فنزل بقصر القرش و دعا الغلمان من الزنوج و وعدهم بالعتق فاجتمع له منهم خلق و خطبهم و وعدهم بالملك و رغبهم في الإحسان و حلف لهم و كتب لهم في خرقة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم الآية . و اتخذها راية و جاءه موالي الزنج في عبيدهم فأمر كل عبد أن يضرب مولاه و حبسهم ثم أطلقهم ، و لم يزل هذا رأيه و الزنوج في متابعته و الدخول في أمره و هو يخطبهم في كل وقت و يرغبهم . ثم عبر دجيلاً إلى نهر ميمون ، فأخرج عند الحميري و ملكه و سار إلى الأيلة و بها ابن أبي عون فخرج إليه في أربعة آلاف فهزمهم و نال منهم . ثم سار إلى القادسية فنهبها و كثر سلاحهم ، و خرج جماعة من أهل البصرة لقتاله ، فبعث إليهم يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فهزمهم و أخذ سلاحهم . ثم أخرى كذلك و أخرى ، و خرج قائدان من البصرة فهزمهما و قتل منهما ، و كانت معهما سفن ألقتها الريح إلى الشط فغنموا ما فيها و قتلوا و كثر عيثه و فساده . و جاء أبو هلال من قواد الأتراك في أربعة آلاف مقاتل فلقيه على نهر الريان فهزمه الزنج و استلحموا أكثر أصحابه ، ثم خرج أبو منصور أحد موالي الهاشمين في عسكر عظيم من المطوعة و البلالية و السعدية فسرح للقائهم علي بن أبان فلقي طائفة منهم فهزمهم ، ثم أرسل طائفة أخرى إلى مرفأ السفن و فيه نحو من ألفي سفينة فهرب عنها أهلها و نهبوها ، ثم جاءت عساكر أبي منصور و قعد الزنوج لهم بين النخل و عليهم علي بن أبان ، و محمد بن مسلم ، فهزموا العسكر و قتلوا منهم و أخذوا سلاحهم . ثم سار فنهب القرى حتى امتلأت أيديهم بالنهب . ثم سار يريد البصرة و لقيته عساكرها فهزمهم الزنج و أثخنوا فيهم . ثم سار من الغد نحو البصرة و خرج إليه أهلها و احتشدوا و زحفوا إليه براً و بحراً فلقيهم بالسد و انهزموا هزيمة شنعاء كثر فيها القتل . و وهن أهل البصرة و كتبوا إلى الخليفة فبعث إليهم جعلان التركي مدداً و ولى على الأبلة أبا الأحوص الباهلي و أمه بجند من الأتراك ، و قد بث صاحب الزنج أصحابه يميناً و شمالاً للغارة و النهب . و لما وصل جعلان إلى البصرة ، و نزل على فرسخ منهم و خندق عليه ، و أقام ستة أشهر يسرح لحربهم الزيني مع بني هاشم و مرجف . ثم بيته الزنج فقتلوا جماعة من أصحابه ، و تحول عن مكانه ثم انصرف عن حربهم و ظفر صاحب الزنج بعده من المراكب غنم فيها أمولاً عظيمة ، و قتل أهلها و ألح بالغارات على الأبلة إلى أن دخلها عنوة آخر رجب سنة ست وخمسين ، و قتل عاملها أبا الأخوص عبيد الله ابن حميد الطوسي و خلقاً من أهلها و استباحها و أحرقها و بلغ ذلك أهل عبادان فأستأمنوا له و ملكها ، و استولى على ما فيها من الأموال و العبيد و السلاح إلى الأهواز و بها إبراهيم بن المدبر على الخراج ، فهرب أهلها و دخلها الزنج و نهبوا و أسروا ابن المدبر فخاف أهل البصرة و افترق كثير منهم من البلدان . و بعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع و خمسين فهزمهم و أخذ ما معهم و اثخن فيهم و كان ابن المدبر أسيراً عندهم في بيت يحيى بن محمد البحراني و قد ضمن لهم مالاً كثيراً و وكل به رجلين فداخلهم حتى حفر سرباً من البيت و خرج منه و لحق بأهله .
خلع المهتدي و قتله و بيعة المعتمد
و في أول رجب من سنة ست و خمسين شعف الأتراك من الترك و الدور بطلب أرزاقهم و بعث المهتدي أخاه أبا القاسم و معه كفقا و غيره فسكنوهم و عادوا و بلع محمد بن بغا أن المهتدي قال للأتراك أن الأموال عند محمد و موسى ابني بغا ، فهرب إلى أخيه بالسند و هو مقاتلة موسى الشاربي فأمنه المهتدي و رجع و معه أخوه حنون و كيغلغ فكتب له المهتدي بالامان و رجع إلى أصحابه و حبسه و صادره على خمسة عشر ألف دينار . ثم قتله و بعث بابكيال بكتابه إلى موسى بن بغا بأن يتسلم العسكر و أوصاه بمحاربة الشاربي و قتل موسى بن بغا و مفلح ، فقرأ الكتاب على موسى و تواطؤا على أن يرجع بابكيال فيتدبر على قتل المهتدي ، فرجع و معه يارجوج و اساتكين و سيما الطويل ، و دخلوا دار الخلافة منتصف رجب فحبس بابكيال من بينهم و اجتمع أصحابه و معهم و الأتراك و شغبوا . و كان عند المهتدي صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فأشار بقتله و مناجزتهم ، فركب في المغاربة و الأتراك و الفراغنة على التعبية . و مشى و البلخي في الميمنة و يارجوج في الميسرة ، و وقف هو في القلب و معه أساتكين و غيره من القواد و بعث برأس بابكيال إليهم مع عتاب بن عتاب ، و لحق الأتراك من صفة باخوانهم الأتراك و انتقض الباقون على المهتدي و ولى منهزماً ينادي بالناس و لا يجيبه احد و سار إلى السجن فأطلق المحبوسين و دخل دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة و افتتحوا عليه و حملوه على بغل إلى الجوسق ، حبس عند أحمد ابن خاقان ، و أرادوه على الخلع فأبى فأجرجوا رقعة بخطه لموسى بن بغا و بابكيال و جماعة القواد أنه لا يغدر بهم و لا يقاتلهم و لايهم بذلك ، و متى فعل شيئاً من ذلك فقد جعل أمر الخلافة بأيديهم يولون من شاؤا فاستحلوا بذلك أمره و قتلوه . و قيل في سبب خلعه غير هذا و هو أن أهل الكرخ و الدور من الأتراك طلبوا الدخول على المهتدي ليكلموه فأذن لهم و خرج محمد بن بغا إلى المحمدية و دخلوا في أربعة آلاف ، فطلبوا أن يعزل عنهم قواده و يصادرهم و كتابهم على الأهواز ، و يصير الأمر إلى أخوته فوعدهم بالإجابة و أصبحوا من الغد يطلبون الوفاء بما وعدهم به ، فاعتذر لهم بالعجز عن ذلك إلا بسياسة و رفق فأبو إلا المعاجلة ، فاستخلفهم على القيام معه في ذلك بإيمان البيعة فحلفوا ، ثم كتبوا إلى محمد بن بغا عن المهتدي و عنهم يعذلونه في غيبته عن مجلسهم مع المهتدي ، و أنهم إنما جاؤا بشكوى حالهم و وجدوا الدار خالية فأقاموا و رجع محمد بن بغا فحبسوه في الأموال و كتبوا إلى موسى بن بغا و مفلح بالقدوم و تسليم العسكر إلى من ذكروه لهم ، و بعثوا من يقيدهما إن لم يأتمرا ذلك . و لما قرئت الكتب على موسى و أصحابه و امتنعوا لذلك و ساورا نحو سامرا ، و خرج المهتدي لقتالهم على التعبية ، و ترددت الرسل بطلب موسى أن يولى على ناحية ينصرف إليها ، و يطلب أصحاب المهتدي أن يحضر عندهم فيناظرهم على الأموال إلى أن انفض عنهم أصحابه و سار هو و مفلح على طريق خراسان ، و رجع بابكيال و جماعة من القواد إلىالمهتدي فقتل بابكيال ثم أنف الأتراك من مساواة الفراغنة و المغاربة لهم و أرادوا طردهم فأبى المهتدي ذلك ، فخرج الأتراك عن الدار بأجمعهم طالبين ثأر بابكيال فركب المهتدي على التعبية في ستة آلاف من الفراغنة و المغاربة و نحو ألف من الأتراك أصحاب صالح بن وصيف ، و اجتمع الأتاك للحرب في عشرة آلاف فانهزم المهتدي و كان ما ذكرناه من شأنه . ثم أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل و كان محبوساً بالجوسق فبايعه الناس . و كتب الأتراك إلى موسى بن بغا و هو غائب فحضر و كملت البيعة لأحمد بن المتوكل و لقب المعتمد على الله و استوزر عبيد الله بن خاقان فأصبح المهتدي ثاني يوم البيعة ميتاً منتصف رجب من سنة ست و خمسين على رأس سنة من ولايته . و لم يزل ابن خاقان في وزارته إلى أن هلك سنة ثلاث و ستين من سقطة بالميدان سال فيها دماغه من منخريه ، فاستوزر محمد بن مخلد ، ثم سخط عليه موسى بن بغا و اختلفا فاستوزر مكانه سليمان بن وهب ، ثم عزله و حبسه و ولى الحسن ابن مخلد و غضب الموفق لحبسه ابن وهب و عسكر بالجانب الغربي و ترددت الرسل بينهما فاتفقا و أطلقه و ذلك سنة أربع و ستين .
ظهور العلوية بمصر و الكوفة
و في سنة ست و خمسين ظهر بمصر إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن الحنفية و يعرف بالصومي يدعو إلى الرضا من آل محمد و ملك أشياء من بلاد الصعيد . و جاءه عسكر أحمد بن طولون من مصر فهزمهم و قتل قائدهم ، فجاء جيش آخر فانهزم أمامهم إلى أبو خات و جمع هنالك جموعاً و سار إلى الأشمومين فلقيه هنالك أبو عبد الرحمن العمري و هو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كان قد أخذ نفسه بحرب البجاة و غزوا بلادهم و لما كان منهم في غزو بلاد المسلمين ، فاشتد أمره في تلك الناحية و كثر اتباعه ، و بعث إليه ابن طولون عسكراً فقال لقائده أنا ألبث هناك لدفع الأذى عن بلاد المسلمين ، فشاور أحمد بن طولون فأبى القائد إلا من أجزته فهزمه العمري . و لما سمع ابن طولون خبره أنكر عليهم أن لا يكونوا بذكره ، فبقي على حال من الغارة على البجاة حتى أدوا الجزية . فلما جاء الصولي من الأشمونين لقيه العمري فهزمه ، و عاد العمري إلى أسوان و اشتد عيثه ، فبعث إليه ابن طولون العساكر فهرب إلى عيذاب و أجاز البحر إلى مكة و افترق أصحابه ، و قبض عليه والي مكة و بعث به إلى ابن طولون فحبسه مدة ثم أطلقه ، فرجع إلى المدينة و مات بها .
و في هذه السنة ظهر علي بن زيد ، و جاءه الشاه بن ميكال من قبل المعتمد في جيش كثيف فهزمه و أثخن في أصحابه . فسرح المعتمد إلى حربه كيجور التركي فخرج علي عن الكوفة إلى القادسية و ملك كيجور الكوفة أول شوال ، و أقام علي بن زيد ببلاد بني أسد . ثم غزا كيجور آخر ذي الحجة فأوقع به و قتل و أسر من أصحابه و رجع إلى الكوفة ، ثم إلى سر من رأى ، و بقى علي هنالك إلى أن بعث المعتمد سنة تسع عسكراً فقتلوه بعكبر و انقطع أمره و قيل سار إلى صاحب الزنج فقتله سنة ستين و في هذه السنة غلب الحسين بن زيد الطالبي على الري و سار موسى بن بغا إليه .
أخبار صاحب الزنج و ابتداء فتنته
كان أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم و ما بعده أكثرهم من الزيدية ، و كان من أثمتهم علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير و كان نازلاً بالبصرة ، و لما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمه علي بن محمد بن الحسين ، فقتل بغدك و لأيام من قتله خرج رجل بالري يدعى أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب و ذلك سنة خمس و خمسين و مائتين أيام المهتدي . و لما ملك البصرة لقي علياً هذا حياً معروف النسب ، فرجع عن ذلك و انتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخي عيسى المذكور . و نسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين و أظنه الحسين ابن طاهر بن يحيى المحدث بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي ، لأن ابن حزم قال في الحسين السبط أنه لا عقب له إلا من علي بن الحسين ، و قال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر . و قال الطبري و ابن حزم و غيرهم من المحققين أنه من عبد القيس ، و اسمه علي بن عبد الرحيم من قرية من قرى الري ، و رأى كثرة خروج الزيدية فحدثته نفسه بالتوثب فانتحل هذا النسب ، و يشهد لذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج ، و لا يكون ذلك من أهل البيت . و سياقة خبره أنه كان اتصل بجماعة من حاشية المنتصر و مدحهم . ثم شخص من سامرا إلى البحرين سنة تسع و أربعين أدعى أنه من ولد العباس بن أبي طالب من ولد الحسن بن عبد الله بن العباس ، و دعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل حجر و غيرها ، و قاتلوا أصحاب السلطان بسببه و عظمت فتنته ، فتحول عنهم إلى الأحساء و نزل على بني الشماس من سعد بن تميم ، و صحبه جماعة من البحرين منهم يحيى بن محمد الأزرق و سليمان بن جامع ، فكانا قائدين له ، و قاتل أهل البحرين فانهزم و افترقت العرب عنه و اتبعه علي بن أبان و سار إلى البصرة و نزل في بني ضبيعة و عاملها يومئذ محمد بن رجاء ، و الفتنة فيها بين البلالية و السعدية ، و طلبه ابن رجاء فهرب و حبس ابنه و زوجته و جماعة من أصحابه ، فسار إلى بغداد و أقام بها حولاً و انتسب إلى محمد بن أبي أحمد بن عيسى كما قلناه ، و استمال بها جماعة منهم جعفر ابن محمد الصوحاني من ولد زيد بن ضوحان و مسروق و رفيق غلامان ليحيى بن عبد الرحمن و سمى مسروقاً حمزة و كناه أبا أحمد ، و سمى رفيقاً جعفراً و كناه أبا الفضل . ثم وثب رؤساء البلالية و السعدية بالبصرة و أخرجوا العامل محمد بن رجاء ، فبلغه ذلك و هو ببغداد ، و أن أهله خلعوه فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس و خمسين و يحيى بن محمد و سليمان بن جامع و مسروق و رفيق ، فنزل بقصر القرش و دعا الغلمان من الزنوج و وعدهم بالعتق فاجتمع له منهم خلق و خطبهم و وعدهم بالملك و رغبهم في الإحسان و حلف لهم و كتب لهم في خرقة إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم الآية . و اتخذها راية و جاءه موالي الزنج في عبيدهم فأمر كل عبد أن يضرب مولاه و حبسهم ثم أطلقهم ، و لم يزل هذا رأيه و الزنوج في متابعته و الدخول في أمره و هو يخطبهم في كل وقت و يرغبهم . ثم عبر دجيلاً إلى نهر ميمون ، فأخرج عند الحميري و ملكه و سار إلى الأيلة و بها ابن أبي عون فخرج إليه في أربعة آلاف فهزمهم و نال منهم . ثم سار إلى القادسية فنهبها و كثر سلاحهم ، و خرج جماعة من أهل البصرة لقتاله ، فبعث إليهم يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فهزمهم و أخذ سلاحهم . ثم أخرى كذلك و أخرى ، و خرج قائدان من البصرة فهزمهما و قتل منهما ، و كانت معهما سفن ألقتها الريح إلى الشط فغنموا ما فيها و قتلوا و كثر عيثه و فساده . و جاء أبو هلال من قواد الأتراك في أربعة آلاف مقاتل فلقيه على نهر الريان فهزمه الزنج و استلحموا أكثر أصحابه ، ثم خرج أبو منصور أحد موالي الهاشمين في عسكر عظيم من المطوعة و البلالية و السعدية فسرح للقائهم علي بن أبان فلقي طائفة منهم فهزمهم ، ثم أرسل طائفة أخرى إلى مرفأ السفن و فيه نحو من ألفي سفينة فهرب عنها أهلها و نهبوها ، ثم جاءت عساكر أبي منصور و قعد الزنوج لهم بين النخل و عليهم علي بن أبان ، و محمد بن مسلم ، فهزموا العسكر و قتلوا منهم و أخذوا سلاحهم . ثم سار فنهب القرى حتى امتلأت أيديهم بالنهب . ثم سار يريد البصرة و لقيته عساكرها فهزمهم الزنج و أثخنوا فيهم . ثم سار من الغد نحو البصرة و خرج إليه أهلها و احتشدوا و زحفوا إليه براً و بحراً فلقيهم بالسد و انهزموا هزيمة شنعاء كثر فيها القتل . و وهن أهل البصرة و كتبوا إلى الخليفة فبعث إليهم جعلان التركي مدداً و ولى على الأبلة أبا الأحوص الباهلي و أمه بجند من الأتراك ، و قد بث صاحب الزنج أصحابه يميناً و شمالاً للغارة و النهب . و لما وصل جعلان إلى البصرة ، و نزل على فرسخ منهم و خندق عليه ، و أقام ستة أشهر يسرح لحربهم الزيني مع بني هاشم و مرجف . ثم بيته الزنج فقتلوا جماعة من أصحابه ، و تحول عن مكانه ثم انصرف عن حربهم و ظفر صاحب الزنج بعده من المراكب غنم فيها أمولاً عظيمة ، و قتل أهلها و ألح بالغارات على الأبلة إلى أن دخلها عنوة آخر رجب سنة ست وخمسين ، و قتل عاملها أبا الأخوص عبيد الله ابن حميد الطوسي و خلقاً من أهلها و استباحها و أحرقها و بلغ ذلك أهل عبادان فأستأمنوا له و ملكها ، و استولى على ما فيها من الأموال و العبيد و السلاح إلى الأهواز و بها إبراهيم بن المدبر على الخراج ، فهرب أهلها و دخلها الزنج و نهبوا و أسروا ابن المدبر فخاف أهل البصرة و افترق كثير منهم من البلدان . و بعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع و خمسين فهزمهم و أخذ ما معهم و اثخن فيهم و كان ابن المدبر أسيراً عندهم في بيت يحيى بن محمد البحراني و قد ضمن لهم مالاً كثيراً و وكل به رجلين فداخلهم حتى حفر سرباً من البيت و خرج منه و لحق بأهله .
خلع المهتدي و قتله و بيعة المعتمد
و في أول رجب من سنة ست و خمسين شعف الأتراك من الترك و الدور بطلب أرزاقهم و بعث المهتدي أخاه أبا القاسم و معه كفقا و غيره فسكنوهم و عادوا و بلع محمد بن بغا أن المهتدي قال للأتراك أن الأموال عند محمد و موسى ابني بغا ، فهرب إلى أخيه بالسند و هو مقاتلة موسى الشاربي فأمنه المهتدي و رجع و معه أخوه حنون و كيغلغ فكتب له المهتدي بالامان و رجع إلى أصحابه و حبسه و صادره على خمسة عشر ألف دينار . ثم قتله و بعث بابكيال بكتابه إلى موسى بن بغا بأن يتسلم العسكر و أوصاه بمحاربة الشاربي و قتل موسى بن بغا و مفلح ، فقرأ الكتاب على موسى و تواطؤا على أن يرجع بابكيال فيتدبر على قتل المهتدي ، فرجع و معه يارجوج و اساتكين و سيما الطويل ، و دخلوا دار الخلافة منتصف رجب فحبس بابكيال من بينهم و اجتمع أصحابه و معهم و الأتراك و شغبوا . و كان عند المهتدي صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فأشار بقتله و مناجزتهم ، فركب في المغاربة و الأتراك و الفراغنة على التعبية . و مشى و البلخي في الميمنة و يارجوج في الميسرة ، و وقف هو في القلب و معه أساتكين و غيره من القواد و بعث برأس بابكيال إليهم مع عتاب بن عتاب ، و لحق الأتراك من صفة باخوانهم الأتراك و انتقض الباقون على المهتدي و ولى منهزماً ينادي بالناس و لا يجيبه احد و سار إلى السجن فأطلق المحبوسين و دخل دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة و افتتحوا عليه و حملوه على بغل إلى الجوسق ، حبس عند أحمد ابن خاقان ، و أرادوه على الخلع فأبى فأجرجوا رقعة بخطه لموسى بن بغا و بابكيال و جماعة القواد أنه لا يغدر بهم و لا يقاتلهم و لايهم بذلك ، و متى فعل شيئاً من ذلك فقد جعل أمر الخلافة بأيديهم يولون من شاؤا فاستحلوا بذلك أمره و قتلوه . و قيل في سبب خلعه غير هذا و هو أن أهل الكرخ و الدور من الأتراك طلبوا الدخول على المهتدي ليكلموه فأذن لهم و خرج محمد بن بغا إلى المحمدية و دخلوا في أربعة آلاف ، فطلبوا أن يعزل عنهم قواده و يصادرهم و كتابهم على الأهواز ، و يصير الأمر إلى أخوته فوعدهم بالإجابة و أصبحوا من الغد يطلبون الوفاء بما وعدهم به ، فاعتذر لهم بالعجز عن ذلك إلا بسياسة و رفق فأبو إلا المعاجلة ، فاستخلفهم على القيام معه في ذلك بإيمان البيعة فحلفوا ، ثم كتبوا إلى محمد بن بغا عن المهتدي و عنهم يعذلونه في غيبته عن مجلسهم مع المهتدي ، و أنهم إنما جاؤا بشكوى حالهم و وجدوا الدار خالية فأقاموا و رجع محمد بن بغا فحبسوه في الأموال و كتبوا إلى موسى بن بغا و مفلح بالقدوم و تسليم العسكر إلى من ذكروه لهم ، و بعثوا من يقيدهما إن لم يأتمرا ذلك . و لما قرئت الكتب على موسى و أصحابه و امتنعوا لذلك و ساورا نحو سامرا ، و خرج المهتدي لقتالهم على التعبية ، و ترددت الرسل بطلب موسى أن يولى على ناحية ينصرف إليها ، و يطلب أصحاب المهتدي أن يحضر عندهم فيناظرهم على الأموال إلى أن انفض عنهم أصحابه و سار هو و مفلح على طريق خراسان ، و رجع بابكيال و جماعة من القواد إلىالمهتدي فقتل بابكيال ثم أنف الأتراك من مساواة الفراغنة و المغاربة لهم و أرادوا طردهم فأبى المهتدي ذلك ، فخرج الأتراك عن الدار بأجمعهم طالبين ثأر بابكيال فركب المهتدي على التعبية في ستة آلاف من الفراغنة و المغاربة و نحو ألف من الأتراك أصحاب صالح بن وصيف ، و اجتمع الأتاك للحرب في عشرة آلاف فانهزم المهتدي و كان ما ذكرناه من شأنه . ثم أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل و كان محبوساً بالجوسق فبايعه الناس . و كتب الأتراك إلى موسى بن بغا و هو غائب فحضر و كملت البيعة لأحمد بن المتوكل و لقب المعتمد على الله و استوزر عبيد الله بن خاقان فأصبح المهتدي ثاني يوم البيعة ميتاً منتصف رجب من سنة ست و خمسين على رأس سنة من ولايته . و لم يزل ابن خاقان في وزارته إلى أن هلك سنة ثلاث و ستين من سقطة بالميدان سال فيها دماغه من منخريه ، فاستوزر محمد بن مخلد ، ثم سخط عليه موسى بن بغا و اختلفا فاستوزر مكانه سليمان بن وهب ، ثم عزله و حبسه و ولى الحسن ابن مخلد و غضب الموفق لحبسه ابن وهب و عسكر بالجانب الغربي و ترددت الرسل بينهما فاتفقا و أطلقه و ذلك سنة أربع و ستين .
ظهور العلوية بمصر و الكوفة
و في سنة ست و خمسين ظهر بمصر إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن الحنفية و يعرف بالصومي يدعو إلى الرضا من آل محمد و ملك أشياء من بلاد الصعيد . و جاءه عسكر أحمد بن طولون من مصر فهزمهم و قتل قائدهم ، فجاء جيش آخر فانهزم أمامهم إلى أبو خات و جمع هنالك جموعاً و سار إلى الأشمومين فلقيه هنالك أبو عبد الرحمن العمري و هو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كان قد أخذ نفسه بحرب البجاة و غزوا بلادهم و لما كان منهم في غزو بلاد المسلمين ، فاشتد أمره في تلك الناحية و كثر اتباعه ، و بعث إليه ابن طولون عسكراً فقال لقائده أنا ألبث هناك لدفع الأذى عن بلاد المسلمين ، فشاور أحمد بن طولون فأبى القائد إلا من أجزته فهزمه العمري . و لما سمع ابن طولون خبره أنكر عليهم أن لا يكونوا بذكره ، فبقي على حال من الغارة على البجاة حتى أدوا الجزية . فلما جاء الصولي من الأشمونين لقيه العمري فهزمه ، و عاد العمري إلى أسوان و اشتد عيثه ، فبعث إليه ابن طولون العساكر فهرب إلى عيذاب و أجاز البحر إلى مكة و افترق أصحابه ، و قبض عليه والي مكة و بعث به إلى ابن طولون فحبسه مدة ثم أطلقه ، فرجع إلى المدينة و مات بها .
و في هذه السنة ظهر علي بن زيد ، و جاءه الشاه بن ميكال من قبل المعتمد في جيش كثيف فهزمه و أثخن في أصحابه . فسرح المعتمد إلى حربه كيجور التركي فخرج علي عن الكوفة إلى القادسية و ملك كيجور الكوفة أول شوال ، و أقام علي بن زيد ببلاد بني أسد . ثم غزا كيجور آخر ذي الحجة فأوقع به و قتل و أسر من أصحابه و رجع إلى الكوفة ، ثم إلى سر من رأى ، و بقى علي هنالك إلى أن بعث المعتمد سنة تسع عسكراً فقتلوه بعكبر و انقطع أمره و قيل سار إلى صاحب الزنج فقتله سنة ستين و في هذه السنة غلب الحسين بن زيد الطالبي على الري و سار موسى بن بغا إليه .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
بقية أخبار الزنج
قدم تقدم لنا أن المعتمد بعث سعيد بن صالح الحاجب لحربهم فأوقع بهم ، ثم عاودوه فأوقعوا به و قتلوا من أصاحبه و أحرقوا عسكره ، و رجع إلى سامرا فعقد المعتمد على حربهم لجعفر بن منصور الخياط فقطع عنهم ميرة السفن . ثم سار إليهم في البحر فهزموه إلى البحرين ، ثم بعث الخبيث علي بن أبان من قواده إلى أربل لقطع قنطرتها ، فلقي إبراهيم بن سيما منصرفاً من فارس ، فأوقع بهم إبراهيم و خرج علي بن أبان و سار إبراهيم إلى نهر جي و أمر كاتبه شاهين بن بسطام باتباعه و جاء الخبر إلى علي ابن أبان باقبال شاهين فسار و لقيه و هزمه أشد من الأول ، و انصرف إلى جي . و كان منصور بن جعفر الخياط منذ انهزم في البحر ، لم يعد لقتال الزنج و اقتصر على حفر الخنادق و إصلاح السفن ، فزحف علي بن أبان لحصاره بالبصرة ، و ضيق على أهل البلد و أشرف على دخولها ، و بعث لاحتشاد العرب ، فوافاه منهم خلق فدفعهم لقتال أهل البصرة و فرقهم على نواحيها فقاتلهم كذلك يومين ، ثم افتتحها علي بن أبان منتصف شوال و أفحش في القتل و التخريب ، و رجع ثم عاودهم ثانية و ثالثة حتىطلبوا الأمان فأمنهم و أحضرهم في بعض دور الإمارة فقتلهم أجمعين و حرق علي ابن أبان الجامع و مواضع من البصرة و اتسع الحريق من الجبل إلى الجبل و عم النهب و أقام كذلك أياماً ، ثم نادى بالأمان فلم يظهر أحد و انتهى الخبر إلى الخبيث فصرف علي بن أبان و ولى عليها يحيى بن محمد البحراني .
مسير المولد لحربهم
لما دخل الزنج البصرة و خربوها ، و أمر المعتمد محمداً المعروف بالمولد بالمسير إلى البصرة ، و سار إلى الأبلة ، ثم نزل البصرة و اجتمع إليه أهلها ، و أخرج الزنج عنها إلى نهر معقل ، ثم بعث الخبيث قائده يحيى بن محمد لحرب المولد فقاتله عشرة أيام و وطن المولد نفسه على المقام ، و بعث الخبيث إلى يحيى بن محمد أبا الليث الأصبهاني مدداً و أمرهم بتبييت المولد ، فبيتوه و قاتلوه تلك الليلة و الغد إلى المساء ، ثم هزموه و غنم الزنج عسكره و اتبعه البحراني إلى الجامدة و أوقع بأهلها ، نهب تلك القرى أجمع و عاث فيها و رجع إلى نهر معقل .
مقتل منصور الخياط
كان الزنج لما فرغوا من البصرة سار علي بن أبان إلى جي و على الأهواز يومئذ منصور ابن جعفر الخياط قد ولاه عليها المعتمد بعد مواقعته الزنج بالبحرين ، فسار إلى الأهواز و نزل جي و سار علي بن أبان قائد الزنج لحربه . و جاء أبو الليث الأصبهاني في البحر مدداً له و تقدم إلى منصور من غير أمر علي فظفر منصور و قتل الكثير ممن معه و أفلت منهزماً إلى الخبيث . ثم تواقع علي بن أبان مع منصور فهزمه و اتبعه الزنج فحمل عليهم و ألقى نفسه في النهر ليعبر إليهم فغرق ، و قيل تقدم إليه بعض الزنج لما رآه فقتله في الماء . ثم قتل أخوه خلف و غيره من العسكر و ولى يارجوج على عمل منصور اصطيخور من قواد الأتراك .
مسير الموفق لحرب الزنج
كان أبو أحمد الموفق و هو أخو المعتمد بمكة ، و كان المعتمد قد استقدمه عندما اشتد أمر الزنج و عقد له على الكوفة و الحرمين و طريق مكة و اليمن ، ثم عقد له على بغداد و السواد و واسط و كور دجلة و البصرة و الأهواز ، و أمره أن يعقد ليارجوج على البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين مكان سعيد بن صالح . و لما انهزم سعيد بن سعيد بن صالح عقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه على البصرة و كور دجلة و الأهواز ثم قتله كما قلناه فعقد المعتمد لأخيه أبي أحمد الموفق على مصر و قنسرين و العواصم و خلع على مفلح ، و ذلك في ربيع سنة ثمان و خمسين و سيرهما لحرب الزنج فساروا في عدة كاملة .و خرج المعتمد يشيع أخاه و كان علي بن أبان بجي و يحيى بن محمد البحراني بنهر العباس و الخبيث في قلة من الناس ، و أصحابه مترددون إلى البصرة لنقل ما نهبوه . فلما نزل الموفق نهر معقل أجفل الزنج إلى صاحبهم مرتاعين ، فأمر علي بن أبان بالمسير إليهم و لقي مفلحاً مقدمة الموفق فاقتتلوا و بينما هم يقتتلون إذ اصاب مفلحاً سهم غرب فقتل ، و انهزم أصحابه و أسر الكثير منهم . ثم رحل الموفق نحو الأبلة ليجمع العساكر و نزل نهر أبي الأسد و وقع الموتان في عسكره ، فرجع إلى بادرود ، و أقام لتجهيز الآلة و إزاحة العلل و إصلاح السفن ، ثم عاد إلى عسكر الخبيث فالتقوا و اشتد الحرب بينهم على نهر أبي الخصيب و قتل جماعة من الزنج ، و استنقذ كثير من النساء المسبيات و رجع إلى عسكره ببادرود فوقع الحريق في عسكره ، و رحل إلى واسط و افترق أصحابه فرجع إلى سامرا و استخلف على واسط .
مقتل البحراني قائد الزنج
كان اصطيخور لما ولي الأهواز بعد منصور الخياط بلغه مسير يحيى بن محمد قائد الزنج إلى نهر العباس عند مسير الموفق إليهم ، فخرج إليه اصطيخور فقاتله و عبر يحيى النهر و غنم سفن الميرة التي كانت عند اصطيخور ، و بعث طلائعه إلى دجلة فلقوا جيش الموفق فرجعوا هاربين ، و طلائع الموفق في اتباعهم و عبروا النهر منهزمين . و بقى يحيى فقاتل و انهزم و دخل في بعض السفن جريحاً و غنم طلائع الموفق غنائمهم و السفن و أحرقوا بعضها و عبروا المأخوره على يحيى فأنزلوه من سفنهم خشية على أنفسهم ، فسعى به طبيب كان يداوي جراحه و قبض عليه و حمل إلى سامرا و قطع ثم قتل . ثم أنفذ الخبيث علي بن أبان و سليمان بن موسى الشعراني من قواده إلى الأهواز ، و ضم إليهما الجيش الذي كان مع يحيى و محمد البحراني و ذلك سنة تسع و خمسين فلقيهما اصطيخور بدستميسان و انهزم أمامهما و غرق ، و هلك من أصحابه خلق و أسر الحسن بن هزيمة و الحسن بن جعفر و غيرهما و حبسوا و دخل الزنج الأهواز فأقاموا يفسدون في نواحيها و يغنمون إلى أن قدم موسى بن بغا .
مسير ابن بغا لحرب الزنج
و لما ملك الزنج الأهواز سنة تسع و خمسين سرح المعتمد لحربهم موسى بن بغا و عقد له على الأعمال ، فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح و إلى البصرة إسحق بن كنداجق و إلى بادرود إبراهيم بن سيما و أمرهم بمحاربة الزنج . فسار عبد الرحمن إلى علي بن أبان فهزمه أولا ثم كانت لعبد الرحمن الكرة ثانياً فأثخن فيهم و رجعوا إلى الخبيث و جاء عبد الرحمن إلى حصن نهدي فعسكر به و زحف إليه علي بن أبان فامتنع عليه ، فسار إلى إبراهيم بن سيما ببادرود فواقعه فانهزم أولا إبراهيم ، ثم كانت له الكرة ثانياً . و سار ابن أبان في الغياض فاضرموها هاربين و أسر منهم جماعة و سار عبد الرحمن إلى علي بن أبان و جاءه المدد من الخبيث في البحر فبينما عبد الرحمن في حربه إذ بعث جماعة من خلفه و شعر بهم ، فرجع القهقرى و لم يصب منهم شيء إلا بعض السفن البحرية . ثم راجع حرب علي بن أبان و في مقدمته طاشتمر فأوقعوا بعلي بن أبان بالخبيث صاحب الزنج ، و أقام عبد الرحمن بن مفلح و إبراهيم يتناوبان حرب الخبيث و يوقعان به ، و إسحق بن كنداجق بالبصرة يقطع عنه المدد ، وهو يبعث لكل منهما طائفة يقاتلونهم ، و أقاموا على ذلك سبعة عشر شهراً إلى أن صرف موسى بن بغا عن حربهم و وليها مسرور البلخي كما نذكر .
استيلاء الصفار على فارس و طبرستان
قد تقدم استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على فارس أيام المعتز من يد علي بن الحسين بن مقتل . ثم عادت فارس إلى الخلفاء ، و وليها الحرث بن سيما ، و كان بها من رجال العراق محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي فاتفق مع أحمد بن الليث من الأكراد الذين بنواحيها و وثبوا بن سيما فقتلوه ، و استولى ابن واصل على فارس سنة ست و خمسين ، و قام بدعوة المعتمد و بعث عليها المعتمد الحسن بن الفياض ، فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع و خمسين ، و بلغ ذلك المعتمد فكتب إليه بالنكير ، و بعث إليه الموفق بولاية بلخ و طخارستان فملكهما و قبض على رتبيل ، و بعث إلى المعتمد برسله و هداياه . ثم رجع إلى بست ، و اعتزم على العود إلىسجستان فعجل بعض قواده الرحيل قبله ، فغضب و أقام سنة ثم رجع إلى سجستان .
استيلاء الصفار على خراسان و انقراض أمر بني طاهر منها ثم استيلاؤه على طبرستان
ثم جاء إلى هراة و حاصر مدينة نيسابور حتى ملكها ثم سار إلى بوشنج و قبض الحسين بن علي بن طاهر بن الحسين ، و بعث إليه محمد بن طاهر بن عبد الله شافعاً فيه فأبى من إطلاقه ، ثم ولى على هراة و بوشنج و باذغيس و رجع إلى سجستان و كان بها عبد الله السخري ينازعه . فلما قوي عليه يعقوب فر منه إلى خراسان و حاصر محمد بن طاهر في نيسابور ، و رجع إليه الفقهاء فأصلحوا بينه و بيد ، و ولاه الطبسين و قهستان ، و أرسل يعقوب في طلبه فأجاره محمد فسار يعقوب إليه بنيسابور فلم يطق لقاءه ، و نزل يعقوب بظاهرها ، فبعث بعمومته و أهل بيته فتلقوه . ثم خرج إليه فوبخه على التفريط في عمله و قبض عليه و على أهل بيته و دخل نيسابور و استعمل عليها ، و ارسل إلى الخليفة بأن أهل خراسان استدعوه لتفريط ابن طاهر في أمره ، و غلبه العلوي على طبرستان فبعث إليه المعتمد بالنكير و الاقتصار على مابيده و إلا سلك به سبيل المخالفين و ذلك سنة تسع و خمسين .و قيل في ملكه نيسابور غير ذلك و هو أن محمد بن طاهر أصاب دولته العجز و الإدبار ، فكاتب بعض قرابته يعقوب بن الصفار و استدعوه ، فكتب يعقوب إلىمحمد بن طاهر بمجيئه إلى ناحية موريا بقصد الحسن ابن زيد في طبرستان ، و أن المعتمد أمره بذلك ، و أنه لا يعرض شيئاً من أعمال خراسان . و بعث بعض قواده عيناً عليه يمنعه من البراح عن نيسابور ، و جاء بعده و قدم أخاه عمرا إلى محمد بن طاهر فقبض عليه و عنفه على الأعمال و العجز ، و قبض على جميع أهل بيته نحو من مائة و ستين رجلاً ، و حملهم جميعاً إلى سجستان و استولى على خراسان ، و وثب نوابه في سائر أعمالها و ذلك لاحدى عشرة سنة و شهرين من ولاية محمد . و لما قبض يعقوب على ابن طاهر و استولى على خراسان هرب منازعه عبد الله السخري إلى الحسن بن زيد صاحب طبرستان فبعث إليه فأجاره ، و سار إلى يعقوب سنة ستين و حاربه فانهزم الحسن إلى أرض الديلم ، و ملك يعقوب سارية و آمل و مضى في اثر الحسين من عسكره نحو من أربعين الفاً من الرجل و الظهر و نجا بعد مشقة شديدة ، وكتب إلى المعتمد بذلك و كان عبد الله السخري قد هرب بعد هزيمة الحسن العلوي إلى الري ، فسار يعقوب في طلبه ، و كتب إلى عامل الري يؤذنه بالحرب إن لم يدفعه إليه ، فبعث به إليه و قتله و رجع إلى سجستان .
استيلاء الحسن بن زيد على جرجان
و لما هرب الحسن بن زيد أمام مفلح من طبرستان ، و رجع مفلح اعتزم الحسن على الرجوع إلى جرجان ، فبعث محمد بن طاهر إليها العساكر لحفظها فلم يغنوا عنها ، و جاء الحسن فملكها و ضعف أمر بن طاهر في خراسان ، و انتقض عليه كثير من أعمالها و ظهر المتغلبون في نواحيها و عاث السراة من الخوارج في أعمالها و لم يقدر على دفعهم ، و آل ذلك إلى تغلب الصفار على ابن طاهر و انتزاع خراسان من يده كما ذكرنا .
فتنة الموصل
كان المعتمد قد ولى على الموصل أساتكين من قواد الأتراك فبعث عليها هو ابنه اذكرتكين و سار إليها في جمادى سنة تسع و خمسين ، فأساء السيرة و أظهر المنكر و عسف بالناس في طلب الخوارج ، و تعرض الأيام رجل من حاشيته إلى إمرأة في الطريق و تخلصها من يده بعض الصالحين ، فأحضره أذكرتكين و ضربه ضرباً شديداً ، فاجتمع وجوه البلد و تآمروا في رفع أمرهم إلى المعتمد ، فركب إليهم ليوقع بهم فقاتلوه و أخرجوه و اجتمعوا على يحيى بن سليمان ، و ولوه أمرهم ، و لما كانت سنة احدى و ستين ولى أستاكين عليها الهيثم بن عبد الله بن العمد الثعلبي العدوى و أمره أن يزحف لحربهم ففعل ، و قاتلوه أياماً و كثرت القتلى بينهم ، و رجع عنهم الهيثم و و لى أستاكين مكانه إسحق بن أيوب الثعلبي جد بني حمدان و غيره ، و حاصرها مدة و مرض يحيى بن سليمان الأمير و في أثنائها ، فطمع إسحق في البلد وجد في الحصار ، و اقتحمها من بعض الجهات فأخرجوه ، و حملو يحيى بن سليمان في قبة و ألقوه أمام الصف ، و اشتد القتال و لم يزل إسحق يراسلهم و يعدهم حسن السيرة إلى أن أجابوه على أن يقيم بالربض فأقام اسبوعاً ، ثم حدثت ممن بايعه بعض الفعلات فوثبوا به و أخرجوه ، و استقر يحيى بن سليمان بالموصل .
حروب ابن واصل بفارس
قد تقدم لنا وثوب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي بالحرث بن سيما عامل فارس و تغلبه عليها سنة ست و خمسين ، فلما بلغ ذلك إلى المعتمد أضاف فارس إلى عبد الرحمن بن مفلح و بعثه إلى الأهواز و أمده بطاشتمر ، و زحفوا من الأهواز إلى ابن واصل سنة احدى و ستين ، فسار معهم من فارس و معه أبو داود العلوس و لقيهم برام هرمز فهزمهم و قتل طاشتمر و أسر ابن مفلح و غنم عسكرهم . و بعث إليه المتعمد في إطلاق ابن مفلح فقتله خفية ، و سار لحرب موسى بن بغا بوسط ، و انتهى إلى الأهواز و بها إبراهيم بن سيما في جموع كثيرة . و لما رأى موسى بن بغا اضطراب هذه الناحية استعفى المعتمد من ولايتها
قدم تقدم لنا أن المعتمد بعث سعيد بن صالح الحاجب لحربهم فأوقع بهم ، ثم عاودوه فأوقعوا به و قتلوا من أصاحبه و أحرقوا عسكره ، و رجع إلى سامرا فعقد المعتمد على حربهم لجعفر بن منصور الخياط فقطع عنهم ميرة السفن . ثم سار إليهم في البحر فهزموه إلى البحرين ، ثم بعث الخبيث علي بن أبان من قواده إلى أربل لقطع قنطرتها ، فلقي إبراهيم بن سيما منصرفاً من فارس ، فأوقع بهم إبراهيم و خرج علي بن أبان و سار إبراهيم إلى نهر جي و أمر كاتبه شاهين بن بسطام باتباعه و جاء الخبر إلى علي ابن أبان باقبال شاهين فسار و لقيه و هزمه أشد من الأول ، و انصرف إلى جي . و كان منصور بن جعفر الخياط منذ انهزم في البحر ، لم يعد لقتال الزنج و اقتصر على حفر الخنادق و إصلاح السفن ، فزحف علي بن أبان لحصاره بالبصرة ، و ضيق على أهل البلد و أشرف على دخولها ، و بعث لاحتشاد العرب ، فوافاه منهم خلق فدفعهم لقتال أهل البصرة و فرقهم على نواحيها فقاتلهم كذلك يومين ، ثم افتتحها علي بن أبان منتصف شوال و أفحش في القتل و التخريب ، و رجع ثم عاودهم ثانية و ثالثة حتىطلبوا الأمان فأمنهم و أحضرهم في بعض دور الإمارة فقتلهم أجمعين و حرق علي ابن أبان الجامع و مواضع من البصرة و اتسع الحريق من الجبل إلى الجبل و عم النهب و أقام كذلك أياماً ، ثم نادى بالأمان فلم يظهر أحد و انتهى الخبر إلى الخبيث فصرف علي بن أبان و ولى عليها يحيى بن محمد البحراني .
مسير المولد لحربهم
لما دخل الزنج البصرة و خربوها ، و أمر المعتمد محمداً المعروف بالمولد بالمسير إلى البصرة ، و سار إلى الأبلة ، ثم نزل البصرة و اجتمع إليه أهلها ، و أخرج الزنج عنها إلى نهر معقل ، ثم بعث الخبيث قائده يحيى بن محمد لحرب المولد فقاتله عشرة أيام و وطن المولد نفسه على المقام ، و بعث الخبيث إلى يحيى بن محمد أبا الليث الأصبهاني مدداً و أمرهم بتبييت المولد ، فبيتوه و قاتلوه تلك الليلة و الغد إلى المساء ، ثم هزموه و غنم الزنج عسكره و اتبعه البحراني إلى الجامدة و أوقع بأهلها ، نهب تلك القرى أجمع و عاث فيها و رجع إلى نهر معقل .
مقتل منصور الخياط
كان الزنج لما فرغوا من البصرة سار علي بن أبان إلى جي و على الأهواز يومئذ منصور ابن جعفر الخياط قد ولاه عليها المعتمد بعد مواقعته الزنج بالبحرين ، فسار إلى الأهواز و نزل جي و سار علي بن أبان قائد الزنج لحربه . و جاء أبو الليث الأصبهاني في البحر مدداً له و تقدم إلى منصور من غير أمر علي فظفر منصور و قتل الكثير ممن معه و أفلت منهزماً إلى الخبيث . ثم تواقع علي بن أبان مع منصور فهزمه و اتبعه الزنج فحمل عليهم و ألقى نفسه في النهر ليعبر إليهم فغرق ، و قيل تقدم إليه بعض الزنج لما رآه فقتله في الماء . ثم قتل أخوه خلف و غيره من العسكر و ولى يارجوج على عمل منصور اصطيخور من قواد الأتراك .
مسير الموفق لحرب الزنج
كان أبو أحمد الموفق و هو أخو المعتمد بمكة ، و كان المعتمد قد استقدمه عندما اشتد أمر الزنج و عقد له على الكوفة و الحرمين و طريق مكة و اليمن ، ثم عقد له على بغداد و السواد و واسط و كور دجلة و البصرة و الأهواز ، و أمره أن يعقد ليارجوج على البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين مكان سعيد بن صالح . و لما انهزم سعيد بن سعيد بن صالح عقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه على البصرة و كور دجلة و الأهواز ثم قتله كما قلناه فعقد المعتمد لأخيه أبي أحمد الموفق على مصر و قنسرين و العواصم و خلع على مفلح ، و ذلك في ربيع سنة ثمان و خمسين و سيرهما لحرب الزنج فساروا في عدة كاملة .و خرج المعتمد يشيع أخاه و كان علي بن أبان بجي و يحيى بن محمد البحراني بنهر العباس و الخبيث في قلة من الناس ، و أصحابه مترددون إلى البصرة لنقل ما نهبوه . فلما نزل الموفق نهر معقل أجفل الزنج إلى صاحبهم مرتاعين ، فأمر علي بن أبان بالمسير إليهم و لقي مفلحاً مقدمة الموفق فاقتتلوا و بينما هم يقتتلون إذ اصاب مفلحاً سهم غرب فقتل ، و انهزم أصحابه و أسر الكثير منهم . ثم رحل الموفق نحو الأبلة ليجمع العساكر و نزل نهر أبي الأسد و وقع الموتان في عسكره ، فرجع إلى بادرود ، و أقام لتجهيز الآلة و إزاحة العلل و إصلاح السفن ، ثم عاد إلى عسكر الخبيث فالتقوا و اشتد الحرب بينهم على نهر أبي الخصيب و قتل جماعة من الزنج ، و استنقذ كثير من النساء المسبيات و رجع إلى عسكره ببادرود فوقع الحريق في عسكره ، و رحل إلى واسط و افترق أصحابه فرجع إلى سامرا و استخلف على واسط .
مقتل البحراني قائد الزنج
كان اصطيخور لما ولي الأهواز بعد منصور الخياط بلغه مسير يحيى بن محمد قائد الزنج إلى نهر العباس عند مسير الموفق إليهم ، فخرج إليه اصطيخور فقاتله و عبر يحيى النهر و غنم سفن الميرة التي كانت عند اصطيخور ، و بعث طلائعه إلى دجلة فلقوا جيش الموفق فرجعوا هاربين ، و طلائع الموفق في اتباعهم و عبروا النهر منهزمين . و بقى يحيى فقاتل و انهزم و دخل في بعض السفن جريحاً و غنم طلائع الموفق غنائمهم و السفن و أحرقوا بعضها و عبروا المأخوره على يحيى فأنزلوه من سفنهم خشية على أنفسهم ، فسعى به طبيب كان يداوي جراحه و قبض عليه و حمل إلى سامرا و قطع ثم قتل . ثم أنفذ الخبيث علي بن أبان و سليمان بن موسى الشعراني من قواده إلى الأهواز ، و ضم إليهما الجيش الذي كان مع يحيى و محمد البحراني و ذلك سنة تسع و خمسين فلقيهما اصطيخور بدستميسان و انهزم أمامهما و غرق ، و هلك من أصحابه خلق و أسر الحسن بن هزيمة و الحسن بن جعفر و غيرهما و حبسوا و دخل الزنج الأهواز فأقاموا يفسدون في نواحيها و يغنمون إلى أن قدم موسى بن بغا .
مسير ابن بغا لحرب الزنج
و لما ملك الزنج الأهواز سنة تسع و خمسين سرح المعتمد لحربهم موسى بن بغا و عقد له على الأعمال ، فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح و إلى البصرة إسحق بن كنداجق و إلى بادرود إبراهيم بن سيما و أمرهم بمحاربة الزنج . فسار عبد الرحمن إلى علي بن أبان فهزمه أولا ثم كانت لعبد الرحمن الكرة ثانياً فأثخن فيهم و رجعوا إلى الخبيث و جاء عبد الرحمن إلى حصن نهدي فعسكر به و زحف إليه علي بن أبان فامتنع عليه ، فسار إلى إبراهيم بن سيما ببادرود فواقعه فانهزم أولا إبراهيم ، ثم كانت له الكرة ثانياً . و سار ابن أبان في الغياض فاضرموها هاربين و أسر منهم جماعة و سار عبد الرحمن إلى علي بن أبان و جاءه المدد من الخبيث في البحر فبينما عبد الرحمن في حربه إذ بعث جماعة من خلفه و شعر بهم ، فرجع القهقرى و لم يصب منهم شيء إلا بعض السفن البحرية . ثم راجع حرب علي بن أبان و في مقدمته طاشتمر فأوقعوا بعلي بن أبان بالخبيث صاحب الزنج ، و أقام عبد الرحمن بن مفلح و إبراهيم يتناوبان حرب الخبيث و يوقعان به ، و إسحق بن كنداجق بالبصرة يقطع عنه المدد ، وهو يبعث لكل منهما طائفة يقاتلونهم ، و أقاموا على ذلك سبعة عشر شهراً إلى أن صرف موسى بن بغا عن حربهم و وليها مسرور البلخي كما نذكر .
استيلاء الصفار على فارس و طبرستان
قد تقدم استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على فارس أيام المعتز من يد علي بن الحسين بن مقتل . ثم عادت فارس إلى الخلفاء ، و وليها الحرث بن سيما ، و كان بها من رجال العراق محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي فاتفق مع أحمد بن الليث من الأكراد الذين بنواحيها و وثبوا بن سيما فقتلوه ، و استولى ابن واصل على فارس سنة ست و خمسين ، و قام بدعوة المعتمد و بعث عليها المعتمد الحسن بن الفياض ، فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع و خمسين ، و بلغ ذلك المعتمد فكتب إليه بالنكير ، و بعث إليه الموفق بولاية بلخ و طخارستان فملكهما و قبض على رتبيل ، و بعث إلى المعتمد برسله و هداياه . ثم رجع إلى بست ، و اعتزم على العود إلىسجستان فعجل بعض قواده الرحيل قبله ، فغضب و أقام سنة ثم رجع إلى سجستان .
استيلاء الصفار على خراسان و انقراض أمر بني طاهر منها ثم استيلاؤه على طبرستان
ثم جاء إلى هراة و حاصر مدينة نيسابور حتى ملكها ثم سار إلى بوشنج و قبض الحسين بن علي بن طاهر بن الحسين ، و بعث إليه محمد بن طاهر بن عبد الله شافعاً فيه فأبى من إطلاقه ، ثم ولى على هراة و بوشنج و باذغيس و رجع إلى سجستان و كان بها عبد الله السخري ينازعه . فلما قوي عليه يعقوب فر منه إلى خراسان و حاصر محمد بن طاهر في نيسابور ، و رجع إليه الفقهاء فأصلحوا بينه و بيد ، و ولاه الطبسين و قهستان ، و أرسل يعقوب في طلبه فأجاره محمد فسار يعقوب إليه بنيسابور فلم يطق لقاءه ، و نزل يعقوب بظاهرها ، فبعث بعمومته و أهل بيته فتلقوه . ثم خرج إليه فوبخه على التفريط في عمله و قبض عليه و على أهل بيته و دخل نيسابور و استعمل عليها ، و ارسل إلى الخليفة بأن أهل خراسان استدعوه لتفريط ابن طاهر في أمره ، و غلبه العلوي على طبرستان فبعث إليه المعتمد بالنكير و الاقتصار على مابيده و إلا سلك به سبيل المخالفين و ذلك سنة تسع و خمسين .و قيل في ملكه نيسابور غير ذلك و هو أن محمد بن طاهر أصاب دولته العجز و الإدبار ، فكاتب بعض قرابته يعقوب بن الصفار و استدعوه ، فكتب يعقوب إلىمحمد بن طاهر بمجيئه إلى ناحية موريا بقصد الحسن ابن زيد في طبرستان ، و أن المعتمد أمره بذلك ، و أنه لا يعرض شيئاً من أعمال خراسان . و بعث بعض قواده عيناً عليه يمنعه من البراح عن نيسابور ، و جاء بعده و قدم أخاه عمرا إلى محمد بن طاهر فقبض عليه و عنفه على الأعمال و العجز ، و قبض على جميع أهل بيته نحو من مائة و ستين رجلاً ، و حملهم جميعاً إلى سجستان و استولى على خراسان ، و وثب نوابه في سائر أعمالها و ذلك لاحدى عشرة سنة و شهرين من ولاية محمد . و لما قبض يعقوب على ابن طاهر و استولى على خراسان هرب منازعه عبد الله السخري إلى الحسن بن زيد صاحب طبرستان فبعث إليه فأجاره ، و سار إلى يعقوب سنة ستين و حاربه فانهزم الحسن إلى أرض الديلم ، و ملك يعقوب سارية و آمل و مضى في اثر الحسين من عسكره نحو من أربعين الفاً من الرجل و الظهر و نجا بعد مشقة شديدة ، وكتب إلى المعتمد بذلك و كان عبد الله السخري قد هرب بعد هزيمة الحسن العلوي إلى الري ، فسار يعقوب في طلبه ، و كتب إلى عامل الري يؤذنه بالحرب إن لم يدفعه إليه ، فبعث به إليه و قتله و رجع إلى سجستان .
استيلاء الحسن بن زيد على جرجان
و لما هرب الحسن بن زيد أمام مفلح من طبرستان ، و رجع مفلح اعتزم الحسن على الرجوع إلى جرجان ، فبعث محمد بن طاهر إليها العساكر لحفظها فلم يغنوا عنها ، و جاء الحسن فملكها و ضعف أمر بن طاهر في خراسان ، و انتقض عليه كثير من أعمالها و ظهر المتغلبون في نواحيها و عاث السراة من الخوارج في أعمالها و لم يقدر على دفعهم ، و آل ذلك إلى تغلب الصفار على ابن طاهر و انتزاع خراسان من يده كما ذكرنا .
فتنة الموصل
كان المعتمد قد ولى على الموصل أساتكين من قواد الأتراك فبعث عليها هو ابنه اذكرتكين و سار إليها في جمادى سنة تسع و خمسين ، فأساء السيرة و أظهر المنكر و عسف بالناس في طلب الخوارج ، و تعرض الأيام رجل من حاشيته إلى إمرأة في الطريق و تخلصها من يده بعض الصالحين ، فأحضره أذكرتكين و ضربه ضرباً شديداً ، فاجتمع وجوه البلد و تآمروا في رفع أمرهم إلى المعتمد ، فركب إليهم ليوقع بهم فقاتلوه و أخرجوه و اجتمعوا على يحيى بن سليمان ، و ولوه أمرهم ، و لما كانت سنة احدى و ستين ولى أستاكين عليها الهيثم بن عبد الله بن العمد الثعلبي العدوى و أمره أن يزحف لحربهم ففعل ، و قاتلوه أياماً و كثرت القتلى بينهم ، و رجع عنهم الهيثم و و لى أستاكين مكانه إسحق بن أيوب الثعلبي جد بني حمدان و غيره ، و حاصرها مدة و مرض يحيى بن سليمان الأمير و في أثنائها ، فطمع إسحق في البلد وجد في الحصار ، و اقتحمها من بعض الجهات فأخرجوه ، و حملو يحيى بن سليمان في قبة و ألقوه أمام الصف ، و اشتد القتال و لم يزل إسحق يراسلهم و يعدهم حسن السيرة إلى أن أجابوه على أن يقيم بالربض فأقام اسبوعاً ، ثم حدثت ممن بايعه بعض الفعلات فوثبوا به و أخرجوه ، و استقر يحيى بن سليمان بالموصل .
حروب ابن واصل بفارس
قد تقدم لنا وثوب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي بالحرث بن سيما عامل فارس و تغلبه عليها سنة ست و خمسين ، فلما بلغ ذلك إلى المعتمد أضاف فارس إلى عبد الرحمن بن مفلح و بعثه إلى الأهواز و أمده بطاشتمر ، و زحفوا من الأهواز إلى ابن واصل سنة احدى و ستين ، فسار معهم من فارس و معه أبو داود العلوس و لقيهم برام هرمز فهزمهم و قتل طاشتمر و أسر ابن مفلح و غنم عسكرهم . و بعث إليه المتعمد في إطلاق ابن مفلح فقتله خفية ، و سار لحرب موسى بن بغا بوسط ، و انتهى إلى الأهواز و بها إبراهيم بن سيما في جموع كثيرة . و لما رأى موسى بن بغا اضطراب هذه الناحية استعفى المعتمد من ولايتها
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
فأعفاه ، و كان عند انصراف ابن مفلح عن الأهواز إلى فارس قد ولى مكانه بالساج و أمره بمحاربة الزنج ، فبعث صهره عبد الرحمن لذلك ، فلقيه علي بن أبان قائد الزنج ، فهزمه علي و قتله ، و انحاز أبو الساج إلى عسكر مكرم ، و ملك الزنج الأهواز قعاثوا فيها . ثم عزل أبو الساج عن ذلك و ولى مكانه إبراهيم بن سيما فلم يزل بها حتى انصرف موسى بن بغا عن الأعمال كلها ، و لما هزم إبراهيم بن سيما بن واصل عبد الرحمن بن مفلح و قتله طمع يعقوب الصفار في ملك فارس ، فسار من سجستان مجداً ، و رجع ابن واصل من الأهواز و ترك محاربة ابن سيما ، و أرسل خاله أبا بلال مرادس إلى الصفار ، و راجعه بالكتب و الرسل بحبس ابن واصل رسله ، و رحل بعد السير ليفجأه على بغتة ، وشعر به الصفار فقال لخاله مرادس : إن صاحبك قد غدر بنا ! و سار إليهم و قد أعيوا و تعبوا من شدة السير و مات أكثرهم عطشاً . فلما تراءى الجمعان انهزم ابن واصل دون قتال ، و غنم الصفار ما في عسكره و ما كان لابن مفلح ، و استولى على بلاد فارس و رتب بها العمال و أوقع بأهل زم لأعانتهم ابن واصل ، و طمع في الاستيلاء على الأهواز و غيرها .
مبدأ دولة بني سامان وراء النهر
كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان و بيوتها و ينتسبون في الفرس تارة و إلى سامة بن لؤي بن غالب أخرى ، و كان لأسد أربعة من الولد : نوح و أحمد و يحيى و إلياس . و تقدموا عند المأمون أيام ولايته خراسان و استعملهم ، و لما انصرف المأمون إلى العراق ولى على خراسان غسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل ، فولى نوحاً منهم على سمرقند و أحمد على فرغانة و يحيى على الشاش و أشروسنة و إلياس على هراة . فلما ولي طاهر بن الحسين بعده أقرهم على أعمالهم ثم مات نوح بن أسد فأقر إخوته يحيى و أحمد على عمله ، و كان حسن السيرة و مات إلياس بهراة ، فولى عبد الله ابن طاهر مكانه ابنه أبا إسحق محمد بن إلياس ، و كان لأحمد بن أسد من البنين سبعة : نصر و يعقوب و يحيى و إسمعيل و يحيى و إسمعيل و إسحق و أسد و كنيته أبو الأشعث و حميد و كنيته أبوغانم . فلما توفي أحمد استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند و ما إليها ، و أقام إلى انقراض أيام بني طاهر و بعدهم ، و كان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أيام بني طاهر . و استولى الصفار على خراسان فعقد المعتمد لنصر هذا على أعماله من قبله سنة احدى و ستين ، و لما ملك يعقوب الصفار خراسان كما قلنا بعث نصر جيوشه إلى شط جيحون مسلحة من الصفار ، فقتلوا مقدمهم و رجعوا إلى بخارى ، و خشيهم واليها على نفسه ففر عنها ، فولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا ، فبعث نصر أخاه إسمعيل لضبط بخارى . ثم ولي خراسان بعد ذلك رافع بن هرثمة بدعوة بني طاهر ، و غلب الصفار عليها ، و حصلت بينه و بين إسمعيل صاحب بخارى موالاة اتفقا فيها على التعاون و التعاضد ، و طلب منه إسمعيل أعمال خوارزم ، فولاه إياها ، و فسد ما بين إسمعيل و أخيه نصر ، و زحف نصر إليه سنة اثنتين و سبعين ، و استجاش إسمعيل برافع بن هرثمة فسار إليه بنفسه مدداً ، و وصل إلى بخارى ، ثم أوقع الصلح بينه و بين أخيه خوفاً على نفسه ، و انصرف رافع ثم انتقض ما بينهما و تحاربا سنة خمس و سبعين ، و ظفر إسمعيل بنصر . و لما حضر عنده ترجل له إسمعيل و قبل يده و رده إلى كرسي إمارته بسمرقند ، و أقام نائباً عنه ببخارى ، و كان إسمعيل خيراً مكرماً لأهل العلم و الدين .
مسير الموفق إلى البصرة لحرب الزنج و ولاية العهد
و لما استعفى موسى بن بغا من ولاية الناحية الشرقية عزم المعتمد على تجهيز أخيه أبي أحمد الموفق ، فجلس في دار العامة و أحضر الناس على طبقاتهم ، و ذلك في شوال من سنة احدى و ستين و عقد لابنه جعفر العهد من بعده ، و لقبه المفوض إلى الله ، و ضم إليه موسى بن بغا و ولاه أفريقية و مصر و الشام و الجزيرة و الموصل و أرمينية و طريق خراسان و نهر تصدق ، و عقد لأخيه أحمد العهد بعده و لقبه لدين الله الموفق ، و ولاه المشرق و بغداد و سواد الكوفة و طريق مكة و االيمن و كسكر و كور دجلة و الأهواز و فارس و أصبهان و الكرخ و الدينور و الري و زنجان و السند . و عقد لكل واحد منهما لواءين أبيض و أسود ، و شرط أنه إن مات و جعفر لم يبلغ بتقدم الموفق عليه ، و يكون هو بعده و أخذت البيعة بذلك على الناس ، و عقد جعفر لموسى بن بغا على أعمال العرب ، و استوزر صاعد بن مخلد ، ثم نكبه سنة اثنتين و سبعين ، و استصفاه و استكتب مكانه الصفر إسمعيل بن بابل ، و أمر المعتمد أخاه الموفق بالمسير لحرب الزنج ، فبعثه في مقدمته و اعتزم على المسير بعده .
وقعة الصفار و الموفق
لما كان يعقوب الصفار ملك فارس من يد واصل و خراسان من يد ابن طاهر و قبض عليه صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا فعل باذنه ، و بعث ذلك مع حاج خراسان و طبرستان . ثم سار إلى الأهواز يريد لقاء المعتمد ، و ذلك سنة اثنتين و سبعين فأرسل إليه المعتمد إسمعيل بن إسحق و فهواج من قواده الأتراك ليردوه على ذلك و بعث معهما من كان في حبسه من أصحابه الذين حبسوا عندما قبض على محمد بن طاهر ، و عاد إسمعيل من عند الصفار بعزمه على الموصل ، فتأخر الموفق لذلك عن المسير لحرب الزنج . و وصل مع إسمعيل من عند الصفار حاجبه درهم يطلب ولاية طبرستان و خراسان و جرجان و الري و فارس ، والشرطة ببغداد ، فولاه المعتمد ذلك كله مضافاً إلى ما بيده من سجستان و كرمان ، و أعاد حاجبه إليه بذلك و معه عمر بن سيما فكتب يقول : لا بد من الحضور بباب المعتمد . و ارتحل من عسكر مكرم حاما و سار إليه أبو الساج من الأهواز لدخوله تحت ولايته ، فأكرمه و وصله و سار إلى بغداد . و نهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية و أخاه مسرور البلخي ، فقاتله منتصف رجب و انهزمت ميسرة الموفق ، و قتل فيها إبراهيم بن سيما و غيره من القواد . ثم تراجعوا و اشتدت الحرب و جاء إلى الموفق محمد بن أوس و الدارني مدداً من المعتمد ، و فشل أصحاب الصفار لما رأوا مدد الخليفة فانهزموا ، و خرج الصفار و أتبعهم أصحاب الموفق و غنموا من عسكره نحواً من عشرة آلاف من الظهر ، و من الأموال ما يؤد حمله . و كان محمد بن طاهر معتقلاً معه في العسكر منذ قبض عليه بخراسان ، فتخلص ذلك اليوم و جاء إلى الموفق و خلع عليه و ولاه الشرطة ببغداد ، و سار الصفار إلى خوزستان فنزل جند يسابور ، و أرسله الزنج يحثه على الرجوع و يعده المساعدة ، فكتب إليه : " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " السورة . و كان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس و ملكها ، فكتب إليه المعتمد بولايتها ، و بعث الصفار إليه جيشاً مع عمر بن السري من قواده ، فأخرجه عنها و ولى على الأهواز محمد بن عبد الله بن طاهر . ثم رجع المعتمد إلى سامرا و الموفق إلى واسط و اعتزم الموفق على اتباع الصفار ، فقعد به المرض عن ذلك ، و عاد إلى بغداد و معه مسرور البلخي سار بعد موسى و أقطعه ما لأبي الساج من الضياع و المنازل ، و قدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد .
سياقة أخبار الزنج
قد ذكر أن مسروراً البلخي سار بعد موسى بن بغا لحرب الزنج ، ثم سار مسرور للقاء المعتمد و حضر الموفق حرب الصفار ، و بلغ صاحب الزنج جاؤا تلك النواحي من العساكر ، فبعث سراياه فيها للنهب و الحرق و التخريب في بعث سليمان بن جامع إلى البطيحة ، و سليمان بن موسى إلى القادسية . و جاء أبو التركي في السفن يريد عسكر الزنج ، فأخذ عليه سليمان بن موسى و قاتله شهراً حتى تخلص و انحاز إلى سليمان بن جامع ، و بعث إليهما الخبيث بالمدد ، و كان مسرور قد بعث قبل مسيره من واسط جنداً في البحر إلى سليمان فهزمهم و أوقع بهم و قتل أسراهم ، و نزل بقرة مروان قريباً من يعقوب متحصناً بالغياض و الأغوار . و زحف إليه قائدان من بغداد و هما أغرتمش و حشيش في العساكر براً و بحراً و أمر سليمان أصحابه بالإختفاء في تلك الغياض حتى يسمعوا أصوات الطبول . و أقبل أغرتمش و نهض شرذمة من الزنج فواقعوا أصحابه و شاغلوهم ، و سار سليمان من خلفهم و ضرب طبوله و عبروا إليهم في الماء ، فانهزم أصحاب أغرتمش و ظهر ما كان مختفياً ، و قتل حشيش ، و اتبعوهم إلى العسكر و غنموا منه ، و أخذوا من القطع البحرية ، ثم استردها أغرتمش من أيديهم ، و عاد سليمان ظافراً و بعث برأس حشيش إلى الخبيث صاحبه ، فبعث به إلى علي بن أبان في نواحي الأهواز . و كان مسرور البلخي قد بعث إلى كور الأهواز أحمد بن كيتونة ، فنزل السوس و كان صاحب الأهواز من قبل الصفار يكاتب صاحب الزنج و يداريه ، و يطلب له الولاية عنه ، فشرط عليه أن يكون خليفة لابن أبان ، واجتمعا بتستر . و لما رأى أحمد تظافرهما رجع إلى السوس ، و كان علي بن أبان يروم خطبة محمد له بعمله ، فلما اجتمعا بتستر خطب للمعتضد و الصفار و لم يذكر الخبيث ، فغضب علي و سار إلى الأهواز . و جاء أحمد بن كيتونة إلى تستر ، فأوقع بمحمد بن عبد الله و تحصن منه بتستر . و أقبل علي بن أبان إليه فاقتتلا و اشتد القتال بينهما ، وانهزم علي بن أبان و قتل جماعة من أصحابه ، و نجا بنفسه جريحاً في الساريات بالنهر ، و عاد إلى الأهواز . و سار منها إلى عسكر الخبيث ، و استخلف على عسكره بالأهواز حتى دواى جراحه و رجع . ثم بعث أخاه الخليل إلى أحمد بن كيتونة بعسكر مكرم فقاتله ، و قد أكمن لهم فانهزموا ، و قتل من الزنج خلق و رجع المنهزمون إلى علي بن أبان ، و بعث مسلحة إلى السرقان فاعترضهم جيش من أعيان فارس أصحاب أحمد بن كيتونة ، و قتلهم الزنج جميعاً فحظي عنده بذلك و بعث في أثر إبراهيم من قتله في سرخس . و لما أراد الصفار العود إلى سجستان ولى على نيسابور عزيز بن السري ، و على هراة أخاه عمرو بن الليث ، فاستخلف عمر و عليها طاهر بن حفص الباذغيسي و سار إلى سجستان سنة احدى و ستين ، فجاء الخبيث إلى أخيه علي و زين له أن يقيم نائباً عنه في أموره بخراسان ، و طلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له . و لما ارتحلوا جمع جمعاً و حارب علياً فأخرجه من بلده . ثم غلب عزيز بن السري على نيسابور و ملكها أول اثنتين و ستين ، و قام بدعوة بني طاهر . و استقدم رافع بن هرثمة من رجالاتهم فجعله صاحب جيشه ، و كتب إلى يعمر بن سركب و هو يحاصر بلخ يستقدمه ، فلم يثق إليه ، و سار إلى هراة فملكها من يد طاهر بن حفص ، و قتله و زحف إليه أحمد و كانت بينهما مواساة ، ثم داخل بعض قواد أحمد الخجستاني في الغدر بيعمر على أن يمكنه من أخيه أبي طلحة ، فكلف ذلك القائد به فتم ذلك ، و كبسهم أحمد و قبض على يعمر و بعثه إلى نائبه بنيسابور فقتله ، و قتل أبا طلحة القائد الذي غدر بأخيه . و سار إلى نيسابور في جماعة ، فلقي بها الحسن بن طاهر مردوداً من أصبهان طمعاً أن يدعو له أحمد الخجستاني كما كان يزعم حين أورد فلم يخطب ، فخطب له أبو طلحة و أقام معه بنيسابور ، فسار إليهما الخجستاني من هراة في اثنى عشر ألفا ، و قدم أخاه العباس فخرج إليه أبو طلحة و هزمه ، فرجع أحمد إلى هراة و لم يقف على خبر أخيه ، و انتدب رافع و هرثمة إلى استعلام خبره و استأمن إلى أبي طلحة فأمنه و وثق إليه ، و بعث إلى أحمد بخبر أخيه العباس ، ثم أنفذه طاهر إلى بيهق لجباية مالها ، و ضم معه قائدين لذلك ، فجبى المال و قبض على القائدين و انتقض . و سار إلى الخجستاني و نزل في طريقه بقرية و بها علي بن يحي الخارجي ، فنزل ناحية عنه ، و ركب ابن طاهر في أتباعه فأدركه بتلك القرية ، فأوقع بالخارجي يظنه رافعاً و نجا رافع إلى الخجستاني . و بعث ابن طاهر إسحق الشاربي إلى جرجان لمحاربة الحسن بن زيد و الديلم منتصف ثلاث و ستين فأثخن في الديلم ثم انتقض على ابن طاهر ، فسار إليه و كبسه إسحق في طريقه فانهزم إلى نيسابور ، و استضعفه أهلها فأخرجوه ، فأقام على فرسخ منها و جمع جمعاً و حاربهم ، ثم كتب على أهل نيسابور إلى إسحق باستدعائه و مساعدته على ابن طاهر و أبي طلحة ، و كتب إلى أهل نيسابور عن إسحق بالمواعدة . و سار إسحق أبو محمد في قلة من الجند ، فاعترضه أبو طلحة و قتله و حاصر نيسابور ، فاستقدموا الخجستاني من هراة و أدخلوه . و سار أبو طلحة إلى الحسن بن زيد مستنجداً فأنجده و لم يظفر ، و عاد إلى بلخ و حاصرها سنة خمس و ستين ، و خرج للخجستاني من نيسابور به ، و حاربه الحسن بن زيد لما عدته أبا طلحة . و جاء أهل جرجان مدداً للحسن ، فهزمهم الخجستاني و أغرمهم أربعة آلاف ألف درهم . ثم جاء عمرو بن الليث إلى هراة بعد وفاة أخيه يعقوب الصفار و عاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور ، و سار إليه عمرو من هراة فاقتتلا و انهزم عمرو و رجع إلى هراة ، و أقام أحمد بنيسابور . و كانت الفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرو لتولية السلطان إياه ، فأوقع الخجستاني بينهم الفتنة ليشغلهم بها ، ثم سار إلى هراة سنة سبع و ستين و حاصر عمرو بن الليث فلم يظفر منه بشيء ، فسار نحو سجستان و ترك نائبه بنيسابور ، فأساء السيرة و قوي أهل الفساد ، فوثب به أهل نيسابور و استعانوا بعمرو بن الليث و بعث إليهم جنداً يقبض على نائب الخجستاني و أقاموا بها ، و رجع من سجستان فأخرجهم و ملكها ، و أقام إلى تمام سبع و ستين ، و كاتب عمرو أبا طلحة و هو يحاصر بلخ فقدم عليه و أعطاه أموالاً و استخلفه بخراسان ، و سار إلى سجستان ، و سار أحمد إلى سرخس و لقبه أبو طلحة فهزمه أحمد و لحق بسجستان ، و أقام بطخارستان . ثم جاء أبو طلحة إلى نيسابور فقبض على أهل الخجستاني و عياله ، و جاء أحمد من طخارستان إلى نيسابور و أقام بها . ثم تبين لابن طاهر أن الخجستاني إنما يروم لنفسه و ليس على ما يدعيه من القيام بأمرهم و كان على خوارزم أحمد بن محمد بن طاهر فبعث قائده أبا العباس النوفلي إلى نيسابور في خمسة آلاف مقاتل ، و خرج أحمد أمامهم و أقام قريباً منهم و أفحش النوفلي في القتل و الضرب و التشويه ، و بعث إليه الخجستاني فنهاه عن مثل ذلك فضرب الرسل ، فلحق أهل نيسابور بالخجستاني و استدعوه و جاؤا به و قبض على النوفلي و قتله . ثم بلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن طاهر بمرو ، فسار إليه من أسورد في يوم و ليلة و قبض عيله و ولى عليها موسى البلخي ، ثم وافاها الحسين بن طاهر فأحسن فيهم السيرة و وصل
مبدأ دولة بني سامان وراء النهر
كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان و بيوتها و ينتسبون في الفرس تارة و إلى سامة بن لؤي بن غالب أخرى ، و كان لأسد أربعة من الولد : نوح و أحمد و يحيى و إلياس . و تقدموا عند المأمون أيام ولايته خراسان و استعملهم ، و لما انصرف المأمون إلى العراق ولى على خراسان غسان بن عباد من قرابة الفضل بن سهل ، فولى نوحاً منهم على سمرقند و أحمد على فرغانة و يحيى على الشاش و أشروسنة و إلياس على هراة . فلما ولي طاهر بن الحسين بعده أقرهم على أعمالهم ثم مات نوح بن أسد فأقر إخوته يحيى و أحمد على عمله ، و كان حسن السيرة و مات إلياس بهراة ، فولى عبد الله ابن طاهر مكانه ابنه أبا إسحق محمد بن إلياس ، و كان لأحمد بن أسد من البنين سبعة : نصر و يعقوب و يحيى و إسمعيل و يحيى و إسمعيل و إسحق و أسد و كنيته أبو الأشعث و حميد و كنيته أبوغانم . فلما توفي أحمد استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند و ما إليها ، و أقام إلى انقراض أيام بني طاهر و بعدهم ، و كان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أيام بني طاهر . و استولى الصفار على خراسان فعقد المعتمد لنصر هذا على أعماله من قبله سنة احدى و ستين ، و لما ملك يعقوب الصفار خراسان كما قلنا بعث نصر جيوشه إلى شط جيحون مسلحة من الصفار ، فقتلوا مقدمهم و رجعوا إلى بخارى ، و خشيهم واليها على نفسه ففر عنها ، فولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا ، فبعث نصر أخاه إسمعيل لضبط بخارى . ثم ولي خراسان بعد ذلك رافع بن هرثمة بدعوة بني طاهر ، و غلب الصفار عليها ، و حصلت بينه و بين إسمعيل صاحب بخارى موالاة اتفقا فيها على التعاون و التعاضد ، و طلب منه إسمعيل أعمال خوارزم ، فولاه إياها ، و فسد ما بين إسمعيل و أخيه نصر ، و زحف نصر إليه سنة اثنتين و سبعين ، و استجاش إسمعيل برافع بن هرثمة فسار إليه بنفسه مدداً ، و وصل إلى بخارى ، ثم أوقع الصلح بينه و بين أخيه خوفاً على نفسه ، و انصرف رافع ثم انتقض ما بينهما و تحاربا سنة خمس و سبعين ، و ظفر إسمعيل بنصر . و لما حضر عنده ترجل له إسمعيل و قبل يده و رده إلى كرسي إمارته بسمرقند ، و أقام نائباً عنه ببخارى ، و كان إسمعيل خيراً مكرماً لأهل العلم و الدين .
مسير الموفق إلى البصرة لحرب الزنج و ولاية العهد
و لما استعفى موسى بن بغا من ولاية الناحية الشرقية عزم المعتمد على تجهيز أخيه أبي أحمد الموفق ، فجلس في دار العامة و أحضر الناس على طبقاتهم ، و ذلك في شوال من سنة احدى و ستين و عقد لابنه جعفر العهد من بعده ، و لقبه المفوض إلى الله ، و ضم إليه موسى بن بغا و ولاه أفريقية و مصر و الشام و الجزيرة و الموصل و أرمينية و طريق خراسان و نهر تصدق ، و عقد لأخيه أحمد العهد بعده و لقبه لدين الله الموفق ، و ولاه المشرق و بغداد و سواد الكوفة و طريق مكة و االيمن و كسكر و كور دجلة و الأهواز و فارس و أصبهان و الكرخ و الدينور و الري و زنجان و السند . و عقد لكل واحد منهما لواءين أبيض و أسود ، و شرط أنه إن مات و جعفر لم يبلغ بتقدم الموفق عليه ، و يكون هو بعده و أخذت البيعة بذلك على الناس ، و عقد جعفر لموسى بن بغا على أعمال العرب ، و استوزر صاعد بن مخلد ، ثم نكبه سنة اثنتين و سبعين ، و استصفاه و استكتب مكانه الصفر إسمعيل بن بابل ، و أمر المعتمد أخاه الموفق بالمسير لحرب الزنج ، فبعثه في مقدمته و اعتزم على المسير بعده .
وقعة الصفار و الموفق
لما كان يعقوب الصفار ملك فارس من يد واصل و خراسان من يد ابن طاهر و قبض عليه صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا فعل باذنه ، و بعث ذلك مع حاج خراسان و طبرستان . ثم سار إلى الأهواز يريد لقاء المعتمد ، و ذلك سنة اثنتين و سبعين فأرسل إليه المعتمد إسمعيل بن إسحق و فهواج من قواده الأتراك ليردوه على ذلك و بعث معهما من كان في حبسه من أصحابه الذين حبسوا عندما قبض على محمد بن طاهر ، و عاد إسمعيل من عند الصفار بعزمه على الموصل ، فتأخر الموفق لذلك عن المسير لحرب الزنج . و وصل مع إسمعيل من عند الصفار حاجبه درهم يطلب ولاية طبرستان و خراسان و جرجان و الري و فارس ، والشرطة ببغداد ، فولاه المعتمد ذلك كله مضافاً إلى ما بيده من سجستان و كرمان ، و أعاد حاجبه إليه بذلك و معه عمر بن سيما فكتب يقول : لا بد من الحضور بباب المعتمد . و ارتحل من عسكر مكرم حاما و سار إليه أبو الساج من الأهواز لدخوله تحت ولايته ، فأكرمه و وصله و سار إلى بغداد . و نهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية و أخاه مسرور البلخي ، فقاتله منتصف رجب و انهزمت ميسرة الموفق ، و قتل فيها إبراهيم بن سيما و غيره من القواد . ثم تراجعوا و اشتدت الحرب و جاء إلى الموفق محمد بن أوس و الدارني مدداً من المعتمد ، و فشل أصحاب الصفار لما رأوا مدد الخليفة فانهزموا ، و خرج الصفار و أتبعهم أصحاب الموفق و غنموا من عسكره نحواً من عشرة آلاف من الظهر ، و من الأموال ما يؤد حمله . و كان محمد بن طاهر معتقلاً معه في العسكر منذ قبض عليه بخراسان ، فتخلص ذلك اليوم و جاء إلى الموفق و خلع عليه و ولاه الشرطة ببغداد ، و سار الصفار إلى خوزستان فنزل جند يسابور ، و أرسله الزنج يحثه على الرجوع و يعده المساعدة ، فكتب إليه : " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون " السورة . و كان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس و ملكها ، فكتب إليه المعتمد بولايتها ، و بعث الصفار إليه جيشاً مع عمر بن السري من قواده ، فأخرجه عنها و ولى على الأهواز محمد بن عبد الله بن طاهر . ثم رجع المعتمد إلى سامرا و الموفق إلى واسط و اعتزم الموفق على اتباع الصفار ، فقعد به المرض عن ذلك ، و عاد إلى بغداد و معه مسرور البلخي سار بعد موسى و أقطعه ما لأبي الساج من الضياع و المنازل ، و قدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد .
سياقة أخبار الزنج
قد ذكر أن مسروراً البلخي سار بعد موسى بن بغا لحرب الزنج ، ثم سار مسرور للقاء المعتمد و حضر الموفق حرب الصفار ، و بلغ صاحب الزنج جاؤا تلك النواحي من العساكر ، فبعث سراياه فيها للنهب و الحرق و التخريب في بعث سليمان بن جامع إلى البطيحة ، و سليمان بن موسى إلى القادسية . و جاء أبو التركي في السفن يريد عسكر الزنج ، فأخذ عليه سليمان بن موسى و قاتله شهراً حتى تخلص و انحاز إلى سليمان بن جامع ، و بعث إليهما الخبيث بالمدد ، و كان مسرور قد بعث قبل مسيره من واسط جنداً في البحر إلى سليمان فهزمهم و أوقع بهم و قتل أسراهم ، و نزل بقرة مروان قريباً من يعقوب متحصناً بالغياض و الأغوار . و زحف إليه قائدان من بغداد و هما أغرتمش و حشيش في العساكر براً و بحراً و أمر سليمان أصحابه بالإختفاء في تلك الغياض حتى يسمعوا أصوات الطبول . و أقبل أغرتمش و نهض شرذمة من الزنج فواقعوا أصحابه و شاغلوهم ، و سار سليمان من خلفهم و ضرب طبوله و عبروا إليهم في الماء ، فانهزم أصحاب أغرتمش و ظهر ما كان مختفياً ، و قتل حشيش ، و اتبعوهم إلى العسكر و غنموا منه ، و أخذوا من القطع البحرية ، ثم استردها أغرتمش من أيديهم ، و عاد سليمان ظافراً و بعث برأس حشيش إلى الخبيث صاحبه ، فبعث به إلى علي بن أبان في نواحي الأهواز . و كان مسرور البلخي قد بعث إلى كور الأهواز أحمد بن كيتونة ، فنزل السوس و كان صاحب الأهواز من قبل الصفار يكاتب صاحب الزنج و يداريه ، و يطلب له الولاية عنه ، فشرط عليه أن يكون خليفة لابن أبان ، واجتمعا بتستر . و لما رأى أحمد تظافرهما رجع إلى السوس ، و كان علي بن أبان يروم خطبة محمد له بعمله ، فلما اجتمعا بتستر خطب للمعتضد و الصفار و لم يذكر الخبيث ، فغضب علي و سار إلى الأهواز . و جاء أحمد بن كيتونة إلى تستر ، فأوقع بمحمد بن عبد الله و تحصن منه بتستر . و أقبل علي بن أبان إليه فاقتتلا و اشتد القتال بينهما ، وانهزم علي بن أبان و قتل جماعة من أصحابه ، و نجا بنفسه جريحاً في الساريات بالنهر ، و عاد إلى الأهواز . و سار منها إلى عسكر الخبيث ، و استخلف على عسكره بالأهواز حتى دواى جراحه و رجع . ثم بعث أخاه الخليل إلى أحمد بن كيتونة بعسكر مكرم فقاتله ، و قد أكمن لهم فانهزموا ، و قتل من الزنج خلق و رجع المنهزمون إلى علي بن أبان ، و بعث مسلحة إلى السرقان فاعترضهم جيش من أعيان فارس أصحاب أحمد بن كيتونة ، و قتلهم الزنج جميعاً فحظي عنده بذلك و بعث في أثر إبراهيم من قتله في سرخس . و لما أراد الصفار العود إلى سجستان ولى على نيسابور عزيز بن السري ، و على هراة أخاه عمرو بن الليث ، فاستخلف عمر و عليها طاهر بن حفص الباذغيسي و سار إلى سجستان سنة احدى و ستين ، فجاء الخبيث إلى أخيه علي و زين له أن يقيم نائباً عنه في أموره بخراسان ، و طلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له . و لما ارتحلوا جمع جمعاً و حارب علياً فأخرجه من بلده . ثم غلب عزيز بن السري على نيسابور و ملكها أول اثنتين و ستين ، و قام بدعوة بني طاهر . و استقدم رافع بن هرثمة من رجالاتهم فجعله صاحب جيشه ، و كتب إلى يعمر بن سركب و هو يحاصر بلخ يستقدمه ، فلم يثق إليه ، و سار إلى هراة فملكها من يد طاهر بن حفص ، و قتله و زحف إليه أحمد و كانت بينهما مواساة ، ثم داخل بعض قواد أحمد الخجستاني في الغدر بيعمر على أن يمكنه من أخيه أبي طلحة ، فكلف ذلك القائد به فتم ذلك ، و كبسهم أحمد و قبض على يعمر و بعثه إلى نائبه بنيسابور فقتله ، و قتل أبا طلحة القائد الذي غدر بأخيه . و سار إلى نيسابور في جماعة ، فلقي بها الحسن بن طاهر مردوداً من أصبهان طمعاً أن يدعو له أحمد الخجستاني كما كان يزعم حين أورد فلم يخطب ، فخطب له أبو طلحة و أقام معه بنيسابور ، فسار إليهما الخجستاني من هراة في اثنى عشر ألفا ، و قدم أخاه العباس فخرج إليه أبو طلحة و هزمه ، فرجع أحمد إلى هراة و لم يقف على خبر أخيه ، و انتدب رافع و هرثمة إلى استعلام خبره و استأمن إلى أبي طلحة فأمنه و وثق إليه ، و بعث إلى أحمد بخبر أخيه العباس ، ثم أنفذه طاهر إلى بيهق لجباية مالها ، و ضم معه قائدين لذلك ، فجبى المال و قبض على القائدين و انتقض . و سار إلى الخجستاني و نزل في طريقه بقرية و بها علي بن يحي الخارجي ، فنزل ناحية عنه ، و ركب ابن طاهر في أتباعه فأدركه بتلك القرية ، فأوقع بالخارجي يظنه رافعاً و نجا رافع إلى الخجستاني . و بعث ابن طاهر إسحق الشاربي إلى جرجان لمحاربة الحسن بن زيد و الديلم منتصف ثلاث و ستين فأثخن في الديلم ثم انتقض على ابن طاهر ، فسار إليه و كبسه إسحق في طريقه فانهزم إلى نيسابور ، و استضعفه أهلها فأخرجوه ، فأقام على فرسخ منها و جمع جمعاً و حاربهم ، ثم كتب على أهل نيسابور إلى إسحق باستدعائه و مساعدته على ابن طاهر و أبي طلحة ، و كتب إلى أهل نيسابور عن إسحق بالمواعدة . و سار إسحق أبو محمد في قلة من الجند ، فاعترضه أبو طلحة و قتله و حاصر نيسابور ، فاستقدموا الخجستاني من هراة و أدخلوه . و سار أبو طلحة إلى الحسن بن زيد مستنجداً فأنجده و لم يظفر ، و عاد إلى بلخ و حاصرها سنة خمس و ستين ، و خرج للخجستاني من نيسابور به ، و حاربه الحسن بن زيد لما عدته أبا طلحة . و جاء أهل جرجان مدداً للحسن ، فهزمهم الخجستاني و أغرمهم أربعة آلاف ألف درهم . ثم جاء عمرو بن الليث إلى هراة بعد وفاة أخيه يعقوب الصفار و عاد الخجستاني من جرجان إلى نيسابور ، و سار إليه عمرو من هراة فاقتتلا و انهزم عمرو و رجع إلى هراة ، و أقام أحمد بنيسابور . و كانت الفقهاء بنيسابور يميلون إلى عمرو لتولية السلطان إياه ، فأوقع الخجستاني بينهم الفتنة ليشغلهم بها ، ثم سار إلى هراة سنة سبع و ستين و حاصر عمرو بن الليث فلم يظفر منه بشيء ، فسار نحو سجستان و ترك نائبه بنيسابور ، فأساء السيرة و قوي أهل الفساد ، فوثب به أهل نيسابور و استعانوا بعمرو بن الليث و بعث إليهم جنداً يقبض على نائب الخجستاني و أقاموا بها ، و رجع من سجستان فأخرجهم و ملكها ، و أقام إلى تمام سبع و ستين ، و كاتب عمرو أبا طلحة و هو يحاصر بلخ فقدم عليه و أعطاه أموالاً و استخلفه بخراسان ، و سار إلى سجستان ، و سار أحمد إلى سرخس و لقبه أبو طلحة فهزمه أحمد و لحق بسجستان ، و أقام بطخارستان . ثم جاء أبو طلحة إلى نيسابور فقبض على أهل الخجستاني و عياله ، و جاء أحمد من طخارستان إلى نيسابور و أقام بها . ثم تبين لابن طاهر أن الخجستاني إنما يروم لنفسه و ليس على ما يدعيه من القيام بأمرهم و كان على خوارزم أحمد بن محمد بن طاهر فبعث قائده أبا العباس النوفلي إلى نيسابور في خمسة آلاف مقاتل ، و خرج أحمد أمامهم و أقام قريباً منهم و أفحش النوفلي في القتل و الضرب و التشويه ، و بعث إليه الخجستاني فنهاه عن مثل ذلك فضرب الرسل ، فلحق أهل نيسابور بالخجستاني و استدعوه و جاؤا به و قبض على النوفلي و قتله . ثم بلغه أن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن طاهر بمرو ، فسار إليه من أسورد في يوم و ليلة و قبض عيله و ولى عليها موسى البلخي ، ثم وافاها الحسين بن طاهر فأحسن فيهم السيرة و وصل
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
إليه نحو عشرين ألف درهم ، و كان الخجستاني لما بلغه أخذ والدته من نيسابور و هو بطخارستان سار مجداً ، فلما بلغ هراة أتاه غلام لأبي طلحة مستأمناً فأمنه و قربه ، فغص به و غلامه الخالصة عنده و الجنود ، و طلب الفرصة في قتل الخجستاني ، و كان قد غور ساقية قطلغ ، فاتفقا على قتله فقتلاه في شوال سنة ثمان و ستين . و أنفذ دامجور خاتمه إلى الإسطبل مع جماعة فركبوا الدواب و ساروا بالخبر إلى أبي طلحة ليستقدموه ، و أبطأ ظهوره على القواد فدخلوا فوجدوه قتيلاً ، و أخبرهم صاحب الإسطبل بخبر الخاتم و الدواب ، و طلبوا دامجور فلم يجدوه ، ثم عثروا عليه بعد أيام فقتلوه ، و اجتمعوا على رافع بن هرثمة و كان من خبره ما نذكره .
استيلاء الصفار على الأهواز
ثم سار يعقوب الصفار من فارس إلى الأهواز و أحمد بن كيتونة قائد مسرور البلخي على الأهواز مقيم على تستر فرحل عنها و نزل يعقوب جند سابور ، ففر كل من كان في تلك النواحي من عساكر السلطان ، و بعث إلى الأهواز من أصحابه الخضر بن المعير ، فأفرج عنها علي بن أبان و الزنج و نزلوا السدرة و دخل خضر الأهواز ، و أقام أصحاب الخضر و ابن أبان يغير بعضهم على بعض . ثم فر ابن أبان و سار إلىالأهواز فأوقع بالخضر و فتك في أصحابه و غنم ، و لحق الخضر بعسكر مكرم ، و استخرج ابن أبان ما كان بالأهواز و رجع إلى نهر السدرة . و بعث يعقوب إلى الخضر مدداً و أمره بالكف عن قتال الزنج و المقام بالأهواز ، فأبى ابن أبان من ذلك إلا أن ينقل طعاماً ما كان هناك فنقله و توادعوا .
استيلاء الزنج على واسط
قد تقدم لنا واقعة أغرتمش مع سليمان بن جامع ، و ظفر سليمان به فلما انقضى أمره سار سليمان إلى صاحب الخبيث و مر في طريقه بعسكر تكين البخاري و هو ببردود ، فلما حاذاه قريباً أشار عليه الجناني أن يغير على العسكر في البحر و يستطرد لهم لينتهزوا منهم الفرصة ففعل و جاء مستطردا و قد أكمنوا لهم الكمناء حتى أجازوا موضع الكمائن . و ركب سليمان إليهم و عطف الجناني على من في النهر و خرجت الكمائن من خلفهم فأثخنوا فيهم إلى معسكرهم ، ثم بيتوهم ليلاً فنالوا منهم ، و انكشف سليمان قليلاً ، ثم عبر أصحابه و أتاهم من وجوه عديدة براً و بحراً ، فانهزم تكين و غنم الزنج عسكره . ثم استخلف سليمان على عسكره الجناني و سار إلى صاحب الخبيث سنة ثلاث و ستين . و مضى الجناني بالعسكر لطلب الميرة فاعترضه جعلان من قواد السلطان و هزمه و أخذ سيفه . ثم زحف منجور و محمد بن علي بن حبيب من القواد و بلغ الحجاجية فرجع سليمان مجداً إلى طهثا يريد جعلان و في مقدمته الجناني . ثم كر إلى ابن خبيث فهزمه و قتل أخاه و غنم ما معه . ثم سار في شعبان إلى قرية حسان فأوقع بالقائد هنالك جيش ابن خمار تكين و هزمه و نهب القرية و أحرقها . ثم بعث العساكر في الجهات للنهب براً و بحراً ، و اعترض جعلان بعضهم فأوقع بهم ، ثم سار سليمان إلى الرصافة فأوقع بالقائد بها و استباحها و غنم ما فيها و رجع إلى منزله بمدينة الخبيث ، و جاء مطر إلى الحجاجية فعاث فيها و أسر جماعة منها كان منهم القاضي سليمان ، فحمله إلى واسط . ثم سار إلى طهثا و كتب الجناني بذلك إلى سليمان فوافاه لاثنتين من ذي الحجة ، و جاء أحمد بن كيتونة بعد أن كان سار إلى الكوفة و جبيل ، فعاد إلى البريدية و صرف جعلان و ضبط تلك الأعمال ، و أوقع تكين بسليمان و قتل جماعة من قواده . ثم ولى الموفق على مدينة واسط محمد بن الوليد و جاءه في العساكر و استمد سليمان صاحبه بالخليل بن أبان في ألف و خمسمائة مقاتل ، فزحف إلى ابن المولد و هزمه و اقتحم واسط بها منكجور البخاري فقاتله عامة يومه ، ثم قتل و نهب البلد و أحرقها و انصرف سليمان إلى جبيل و استدعوه في نواحيها تسعين ليلة .
استيلاء ابن طولون على الشام
كان على دمشق أيام المعتمد ماجور من قواد الأتراك ، فتوفي سنة أربع و ستين و قام ابنه علي مكانه . و تجهز أحمد بن طولون من مصر إلى دمشق و كتب إلى ابن ماجور بأن المعتمد أقطعه الشام و الثغور ، فأجاب بالطاعة ، و سار أحمد و استخلف على مصر ابنه العباس و لقيه ابن ماجور بالرملة فولاه عليها ، و سار إلى دمشق فملكها و أقر القواد على أقطاعهم . ثم سار حمص فملكها ثم حماة ثم حلب ، و كان على أنطاكية و طرسوس سيما الطويل من قواد الأتراك ، فبعث إليه ابن طولون بالطاعة و أن يقره على ولايته فامتنع ، فسار إليه و دلوه على عورة في سور البلد نصب عليها المجانيق ، و قاتله فملكها عنوة و قتل سيما في الحرب ، فسار ثم قصد طرسوس فدخلها و اعتزم على المقام بها و يريد الغزو . و شكا أهلها غلاء السعر و سألوه الرحيل فرحل عنهم إلى الشام ، و مضى إلى حران و بها محمد بن أتامش فحاربه و هزمه ، و استولى عليها . ثم جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس بمصر و أنه أخذ الأموال و سار إلى برقة فلم يكترث لذلك ، و أصلح أحوال الشام و أنزل بحران عسكراً ، و ولى مولاه لؤلؤاً على الرقة و أنزل معه عسكراً ، و بلغ موسى بن أتامش خبر أخيه محمد فجمع العساكر و سار نحو جرجان و بها أحمد بن جيفونة من قواد ابن طولون فأهمل مسيره و قال له بعض الأعراب و اسمه أبو الأعز : لا يهمك أمره فإنه طياش قلق و أنا آتيك به ! فقال : إفعل و زاده عشرين رجلاً ، و سار إلى عسكر موسى بن أتامش ، فأكمن بعض أصحابه و دخل العسكر بالباقي على زي الأعراب و قصد الخيل المرتبطة عند خيام ابن موسى فأطلقها و صاحوا فيها فنفرت و اهتاج العسكر و ركبوا و استطرد لهم أبو الأعز حتى جاوز الكمين و موسى في أوائلهم ، فخرج الكمين و انهزم أصحاب موسى من ورائه ، و عطف عليه أبو الأعز فأخذه أسيراً و جاء به إلى ابن جيفونة ، و بعث به إلى ابن طولون فاعتقله و عاد إلى مصر و ذلك سنة ست و ستين .
و من أخبار الزنج أن سليمان احتفر نهراً يمر إلى سواد الكوفة ليتهيأ له الغارة على تلك النواحي و كان أحمد بن كيتونة فكبسهم و هم يعلمون ، و قد جمروا عساكرهم لذلك فأوقع بهم و قتل منهم نحواً من أربعين قائداً و أحرق سفنهم ، و رجع سليمان مهزوماً إلىطهتا . ثم عدت عساكر الزنج النعمانية و استباحوها و صار أهلها إلى جرجرايا و أحفل أهل السواد إلى بغداد ، و زحف علي بن أبان بعسكر الزنج إلى تستر فحاصرها و أشرف على أخذها . و كان الموفق استعمل على كور الأهواز مسروراً البلخي فولى عليها تكين البخاري فسار إليها و وافاها أهل تستر في تلك الحال فأغزى علي ابن أبان و هزمه و قتل من الزنج خلقاً و نزل تستر . و بعث ابن أبان جماعة من قواد الزنج ليقيموا بقنطرة فارس ، و جاء عين بخبرهم إلى تكين فكبسهم و هزمهم و قتل منهم جماعة . و سار ابن أبان فانهزم أمامه ، و كتب ابن أبان إلى تكين يسأله الموادعة فوادعه بعض الشيء و اتهمه مسرور فسار و قبض عليه و حبسه عند عجلان بن أبان ، و فر منه أصحابه و طائفة إلى الزنج و طائفة إلى محمد بن عبد الله الكرخي ثم أمن الباقين فرجعوا إليه .
موت يعقوب الصفار و ولاية عمر و أخيه
و في سنة خمس و ستين أخريات شوال منها مات يعقوب الصفار و قد كان افتتح الرحج و قتل ملكها و أسلم أهلها على يده ، و كانت مملكة واسعة الحدود و افتتح زابلستان و هي غزنة ، و كان المعتمد قد استماله و قلده أعمال فارس ، و لما مات قام أخوه عمرو بن الليث و كتب إلى المعتمد بطاعته ، فولاه الموفق من قبله ما كان له من الأعمال ، خراسان و أصبهان و السند و سجستان و الشرطة ببغداد و سر من رأى و قبله عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، و خلع الموفق عمرو بن الليث و ولى على أصبهان من قبله أحمد بن عبد العزيز .
أخبار الزنج مع أغرتمش
قد كان تقدم لنا إيقاع سليمان بن جامع بأغرتمش و حربه بعد ذلك مع تكين و جعلان و مطر ابن جامع و أحمد بن كيتونة و استيلاؤه على مدينة واسط ، ثم ولي أغرتمش مكان تكين البخاري ما يتولاه من أعمال الأهواز فدخل تستر في رمضان و معه مطر محمد جامع . و قتل جماعة من أصحاب أبان مأسورين بها . ثم سار عسكر مكرم ، و وافاه هناك علي ابن أبان و الزنج ، فاقتتلوا ثم تجازوا لكثرة الزنج ، و رجع علي إلى الأهواز و سار أغرتمش إلى الخليل بن أبان ليعبروا إليه من قنطرة أربل و جاءه أخوه علي و خاف أصحابه المخلفون بالأهواز ، فارتحلوا إلى نهر السروة و تحارب علي و أغرتمش يوماً ثم رجع إلى الأهواز و لم يجد أصحابه ، فبعث من يردهم إليه فلم يرجعوا . و جاء أغرتمش و قتل مطر بن جامع في عدة من القواد . و جاء المدد لابن أبان من صاحبه الخبيث فوادعه أغرتمش و تركه . ثم بعث محمد بن عبيد الله إلى أبكلاى ابن الخبيث في أن يرفع عنه يد ابن أبان فزاد ذلك في غيظه ، و بعث يطالبه محمد بالخراج و دافعه فسار إليه ، و هرب محمد من رامهرمز إلى أقصى معاقله ، و دخل علي و الزنج رامهرمز و غنموا ما فيها . ثم صالحه محمد على مائتي ألف درهم ، و ترك أعماله . ثم استنجده بن عبيد الله على الأكراد على أن لعلي غنائمهم ، فاستخلف علي على ذلك مجلز و طلب منه الرهن فمطل و بعث إليه الجيش فزحف بهم إلىالأكراد . فلما نشب القتال انهزم أصحاب محمد فانهزم الزنج و أثخن الأكراد فيهم ، و بعث علي من يعترضهم فاستلبوهم و كتب علي إلى محمد يتهدده فاعتذر ورد عليهم كثيراً من أسلابهم ، و خشي من الخبيث و بعث إلى أصحابه مالاً ليسألوه في الرضا عنه ، فأجابهم إلى ذلك على أن يقيم دعوته في أعماله ففعل كذلك . ثم سار ابن أبان لحصار موتة و استكثر من آلات الحصار ، و علم بذلك مسرور البلخي و هو بكور الأهواز ، فسار إليه و وافاه عليها ، فانهزم ابن أبان و ترك ما كان حمله هناك ، و قتل من الزنج خلق و جاء الخبر بمسير الموفق إليهم .
استرجاع ابن الموفق ما غلب عليه الزنج من أعمال دجلة
لما دخل الزنج واسط و عاثوا فيها كما ذكرناه بعث الموفق ابنه أبا العباس ، و هو الذي ولي الخلافة بعد المعتمد و لقب المعتضد ، فبعثه أبوه بين يديه في ربيع سنة ست و ستين في عشرة آلاف من الخيل و الرجال . و ركب لتشييعه و بعث معه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصر ، فسار حتى وافى الخيل و الرجل و السفن النهرية ، و على مقدمته الجناني و أنهم نزلوا الجزيرة قريباً من بردرويا ، و جاءهم سليمان بن موسى الشعراني مدداً بمثل ذلك و أن الزنج اختلفوا في الاحتشاد ، و نزلوا من السفح إلى أسفل واسط ينتهزون الفرصة في ابن الموفق لما يظنون من قلة دراسيته بالحرب ، فركب أبو العباس لاستعلام أمرهم و وافى نصيراً ، فلقيهم جماعة من الزنج فاستطرد لهم أولا ، ثم كر في وجوههم و صاح بنصير فرجع ، و ركب أبو العباس السفن النهرية فهزم الزنج و أثخن فيهم و اتبعهم ستة فراسخ ، و غنم من سعيهم و كان ذلك أول الفتح . و رجع سليمان بن جامع إلى نهر الأمين و سليمان بن موسى الشعراني إلى سوق الخميس ، و أبو العباس على فرسخ من واسط يغاديهم القتال و يراوحهم . ثم احتشد سليمان و جاء من ثلاثة وجوه ، و ركب في السفن النهرية و برز إليه نصير في سفنه ، وركب معه أبو العباس في خاصته ، و أمر الجند بمحاذاته من الشط ، و نشب الحرب فوقعت الهزيمة على الزنج و غنمت سفنهم ، و أفلت سليمان و الجناني من الهلكة و بلغوا طهتا ، و رجع أبو العباس إلى معسكره و أمر بإصلاح السفن المغنومة ، وحفر الزنج في طريق الجبل الآبار و غطوها ، فوقع بعض الفرسان فيها ، فعدل جند السلطان عن ذلك الطريق . و أمر الخبيث أصحابه بالسفن في النهر و أغاروا على سفن أبي العباس و غنموا بعضها ، وركب في اتباعهم و استنقذ سفنهم و غنم من سفنهم نحواً من ثلاثين ، و جد في قتالهم و تحصن ابن جامع بطهتا ، و سمى مدينته المنصورة . و الشعراني بسوق الخميس و سمى مدينته المنيعة . و كان أبو العباس يغير على الميرة التي تأتيهم من سائر النواحي ، و ركب في بعض الأيام إلى مدينة الشعراتي التي سماها المنيعة ، و ركب نصير في النهر ، و افترقوا في مسيرهم و اعترضت أبا العباس جماعة من الزنج فمنعوه من طريق المدينة و قاتلوه مقدار نهاره ، و أشاعوا قتل نصير ، و خالفهم نصير إلى المدينة فأثخن فيها و أضرموا النار في بيوتها . و جاء الخبر بذلك إلى أبي العباس بسبرة . ثم جاء نصير و معه أسرى كثيرون فقاتلوا الزنج و هزموهم ، و رجع أبو العباس إلى عسكره و بعث الخبيث إلى ابن أبان و ابن جامع فأمرهما بالاجتماع على حرب أبي العباس .
وصول الموفق لحرب الزنج و فتح المنيعة و المنصورة
كان الموفق لما بعث ابنه أبا العباس لحرب الزنج تأخر لا مداده بالحشود و العدد و إزاحة علله و مسارقة أحواله ، فلما بلغه اجتماع ابن أبان و ابن جامع لحربه سار من بغداد إليه فوصل إلى واسط في ربيع الأول من سنة سبع و ستين ، و لقيه ابنه و أخبره بالأحوال ، و رجع إلى عسكره . و نزل الموفق على نهر شداد و نزل ابنه شرقي دجلة على موهة بن مساور فأقام يومين ثم رحل إلى المنيعة بسوق الخميس . و سار إليها في النهر و نادى بالمقامة ، ولقيه الزنج فحاربوه ، ثم جاء الموفق فانهزموا و اتبعهم أصحاب أبي العباس فاقتحموا عليهم المنيعة و قتلوا خلقاً و أسروا آخريين ، و هرب الشعراني ، واختفى في الآجام آخرون . و رجع الموفق إلى عسكره و قد استنقذ من المسلمات نحو خمس عشرة امرأة ، ثم غدا على المنيعة فأمر بنهبها و هدم سورها و طم خندقها و إحراق ما بقي من السفن فيها ، و ببعث الأقوات التي أخذت ، فكانت لا حد لها ، فصرفت في الجند . و كتب الخبيث إلى ابن جامع يحذره مثل ما نزل بالشعراني ، و جاءت العيون إلى الموفق أن ابن جامع بالجوانيت ، فسار إلى الضبية و أمر ابنه بالسير في النهر إلى الحوانيت ، فلم يلق ابن جامع بها ، و وجد قائدين من الزنج استخلفهم عليها بحفظ الغلات ، و لحق بمدينته المنصورة بطهتا ، فقاتل ذلك
استيلاء الصفار على الأهواز
ثم سار يعقوب الصفار من فارس إلى الأهواز و أحمد بن كيتونة قائد مسرور البلخي على الأهواز مقيم على تستر فرحل عنها و نزل يعقوب جند سابور ، ففر كل من كان في تلك النواحي من عساكر السلطان ، و بعث إلى الأهواز من أصحابه الخضر بن المعير ، فأفرج عنها علي بن أبان و الزنج و نزلوا السدرة و دخل خضر الأهواز ، و أقام أصحاب الخضر و ابن أبان يغير بعضهم على بعض . ثم فر ابن أبان و سار إلىالأهواز فأوقع بالخضر و فتك في أصحابه و غنم ، و لحق الخضر بعسكر مكرم ، و استخرج ابن أبان ما كان بالأهواز و رجع إلى نهر السدرة . و بعث يعقوب إلى الخضر مدداً و أمره بالكف عن قتال الزنج و المقام بالأهواز ، فأبى ابن أبان من ذلك إلا أن ينقل طعاماً ما كان هناك فنقله و توادعوا .
استيلاء الزنج على واسط
قد تقدم لنا واقعة أغرتمش مع سليمان بن جامع ، و ظفر سليمان به فلما انقضى أمره سار سليمان إلى صاحب الخبيث و مر في طريقه بعسكر تكين البخاري و هو ببردود ، فلما حاذاه قريباً أشار عليه الجناني أن يغير على العسكر في البحر و يستطرد لهم لينتهزوا منهم الفرصة ففعل و جاء مستطردا و قد أكمنوا لهم الكمناء حتى أجازوا موضع الكمائن . و ركب سليمان إليهم و عطف الجناني على من في النهر و خرجت الكمائن من خلفهم فأثخنوا فيهم إلى معسكرهم ، ثم بيتوهم ليلاً فنالوا منهم ، و انكشف سليمان قليلاً ، ثم عبر أصحابه و أتاهم من وجوه عديدة براً و بحراً ، فانهزم تكين و غنم الزنج عسكره . ثم استخلف سليمان على عسكره الجناني و سار إلى صاحب الخبيث سنة ثلاث و ستين . و مضى الجناني بالعسكر لطلب الميرة فاعترضه جعلان من قواد السلطان و هزمه و أخذ سيفه . ثم زحف منجور و محمد بن علي بن حبيب من القواد و بلغ الحجاجية فرجع سليمان مجداً إلى طهثا يريد جعلان و في مقدمته الجناني . ثم كر إلى ابن خبيث فهزمه و قتل أخاه و غنم ما معه . ثم سار في شعبان إلى قرية حسان فأوقع بالقائد هنالك جيش ابن خمار تكين و هزمه و نهب القرية و أحرقها . ثم بعث العساكر في الجهات للنهب براً و بحراً ، و اعترض جعلان بعضهم فأوقع بهم ، ثم سار سليمان إلى الرصافة فأوقع بالقائد بها و استباحها و غنم ما فيها و رجع إلى منزله بمدينة الخبيث ، و جاء مطر إلى الحجاجية فعاث فيها و أسر جماعة منها كان منهم القاضي سليمان ، فحمله إلى واسط . ثم سار إلى طهثا و كتب الجناني بذلك إلى سليمان فوافاه لاثنتين من ذي الحجة ، و جاء أحمد بن كيتونة بعد أن كان سار إلى الكوفة و جبيل ، فعاد إلى البريدية و صرف جعلان و ضبط تلك الأعمال ، و أوقع تكين بسليمان و قتل جماعة من قواده . ثم ولى الموفق على مدينة واسط محمد بن الوليد و جاءه في العساكر و استمد سليمان صاحبه بالخليل بن أبان في ألف و خمسمائة مقاتل ، فزحف إلى ابن المولد و هزمه و اقتحم واسط بها منكجور البخاري فقاتله عامة يومه ، ثم قتل و نهب البلد و أحرقها و انصرف سليمان إلى جبيل و استدعوه في نواحيها تسعين ليلة .
استيلاء ابن طولون على الشام
كان على دمشق أيام المعتمد ماجور من قواد الأتراك ، فتوفي سنة أربع و ستين و قام ابنه علي مكانه . و تجهز أحمد بن طولون من مصر إلى دمشق و كتب إلى ابن ماجور بأن المعتمد أقطعه الشام و الثغور ، فأجاب بالطاعة ، و سار أحمد و استخلف على مصر ابنه العباس و لقيه ابن ماجور بالرملة فولاه عليها ، و سار إلى دمشق فملكها و أقر القواد على أقطاعهم . ثم سار حمص فملكها ثم حماة ثم حلب ، و كان على أنطاكية و طرسوس سيما الطويل من قواد الأتراك ، فبعث إليه ابن طولون بالطاعة و أن يقره على ولايته فامتنع ، فسار إليه و دلوه على عورة في سور البلد نصب عليها المجانيق ، و قاتله فملكها عنوة و قتل سيما في الحرب ، فسار ثم قصد طرسوس فدخلها و اعتزم على المقام بها و يريد الغزو . و شكا أهلها غلاء السعر و سألوه الرحيل فرحل عنهم إلى الشام ، و مضى إلى حران و بها محمد بن أتامش فحاربه و هزمه ، و استولى عليها . ثم جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس بمصر و أنه أخذ الأموال و سار إلى برقة فلم يكترث لذلك ، و أصلح أحوال الشام و أنزل بحران عسكراً ، و ولى مولاه لؤلؤاً على الرقة و أنزل معه عسكراً ، و بلغ موسى بن أتامش خبر أخيه محمد فجمع العساكر و سار نحو جرجان و بها أحمد بن جيفونة من قواد ابن طولون فأهمل مسيره و قال له بعض الأعراب و اسمه أبو الأعز : لا يهمك أمره فإنه طياش قلق و أنا آتيك به ! فقال : إفعل و زاده عشرين رجلاً ، و سار إلى عسكر موسى بن أتامش ، فأكمن بعض أصحابه و دخل العسكر بالباقي على زي الأعراب و قصد الخيل المرتبطة عند خيام ابن موسى فأطلقها و صاحوا فيها فنفرت و اهتاج العسكر و ركبوا و استطرد لهم أبو الأعز حتى جاوز الكمين و موسى في أوائلهم ، فخرج الكمين و انهزم أصحاب موسى من ورائه ، و عطف عليه أبو الأعز فأخذه أسيراً و جاء به إلى ابن جيفونة ، و بعث به إلى ابن طولون فاعتقله و عاد إلى مصر و ذلك سنة ست و ستين .
و من أخبار الزنج أن سليمان احتفر نهراً يمر إلى سواد الكوفة ليتهيأ له الغارة على تلك النواحي و كان أحمد بن كيتونة فكبسهم و هم يعلمون ، و قد جمروا عساكرهم لذلك فأوقع بهم و قتل منهم نحواً من أربعين قائداً و أحرق سفنهم ، و رجع سليمان مهزوماً إلىطهتا . ثم عدت عساكر الزنج النعمانية و استباحوها و صار أهلها إلى جرجرايا و أحفل أهل السواد إلى بغداد ، و زحف علي بن أبان بعسكر الزنج إلى تستر فحاصرها و أشرف على أخذها . و كان الموفق استعمل على كور الأهواز مسروراً البلخي فولى عليها تكين البخاري فسار إليها و وافاها أهل تستر في تلك الحال فأغزى علي ابن أبان و هزمه و قتل من الزنج خلقاً و نزل تستر . و بعث ابن أبان جماعة من قواد الزنج ليقيموا بقنطرة فارس ، و جاء عين بخبرهم إلى تكين فكبسهم و هزمهم و قتل منهم جماعة . و سار ابن أبان فانهزم أمامه ، و كتب ابن أبان إلى تكين يسأله الموادعة فوادعه بعض الشيء و اتهمه مسرور فسار و قبض عليه و حبسه عند عجلان بن أبان ، و فر منه أصحابه و طائفة إلى الزنج و طائفة إلى محمد بن عبد الله الكرخي ثم أمن الباقين فرجعوا إليه .
موت يعقوب الصفار و ولاية عمر و أخيه
و في سنة خمس و ستين أخريات شوال منها مات يعقوب الصفار و قد كان افتتح الرحج و قتل ملكها و أسلم أهلها على يده ، و كانت مملكة واسعة الحدود و افتتح زابلستان و هي غزنة ، و كان المعتمد قد استماله و قلده أعمال فارس ، و لما مات قام أخوه عمرو بن الليث و كتب إلى المعتمد بطاعته ، فولاه الموفق من قبله ما كان له من الأعمال ، خراسان و أصبهان و السند و سجستان و الشرطة ببغداد و سر من رأى و قبله عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، و خلع الموفق عمرو بن الليث و ولى على أصبهان من قبله أحمد بن عبد العزيز .
أخبار الزنج مع أغرتمش
قد كان تقدم لنا إيقاع سليمان بن جامع بأغرتمش و حربه بعد ذلك مع تكين و جعلان و مطر ابن جامع و أحمد بن كيتونة و استيلاؤه على مدينة واسط ، ثم ولي أغرتمش مكان تكين البخاري ما يتولاه من أعمال الأهواز فدخل تستر في رمضان و معه مطر محمد جامع . و قتل جماعة من أصحاب أبان مأسورين بها . ثم سار عسكر مكرم ، و وافاه هناك علي ابن أبان و الزنج ، فاقتتلوا ثم تجازوا لكثرة الزنج ، و رجع علي إلى الأهواز و سار أغرتمش إلى الخليل بن أبان ليعبروا إليه من قنطرة أربل و جاءه أخوه علي و خاف أصحابه المخلفون بالأهواز ، فارتحلوا إلى نهر السروة و تحارب علي و أغرتمش يوماً ثم رجع إلى الأهواز و لم يجد أصحابه ، فبعث من يردهم إليه فلم يرجعوا . و جاء أغرتمش و قتل مطر بن جامع في عدة من القواد . و جاء المدد لابن أبان من صاحبه الخبيث فوادعه أغرتمش و تركه . ثم بعث محمد بن عبيد الله إلى أبكلاى ابن الخبيث في أن يرفع عنه يد ابن أبان فزاد ذلك في غيظه ، و بعث يطالبه محمد بالخراج و دافعه فسار إليه ، و هرب محمد من رامهرمز إلى أقصى معاقله ، و دخل علي و الزنج رامهرمز و غنموا ما فيها . ثم صالحه محمد على مائتي ألف درهم ، و ترك أعماله . ثم استنجده بن عبيد الله على الأكراد على أن لعلي غنائمهم ، فاستخلف علي على ذلك مجلز و طلب منه الرهن فمطل و بعث إليه الجيش فزحف بهم إلىالأكراد . فلما نشب القتال انهزم أصحاب محمد فانهزم الزنج و أثخن الأكراد فيهم ، و بعث علي من يعترضهم فاستلبوهم و كتب علي إلى محمد يتهدده فاعتذر ورد عليهم كثيراً من أسلابهم ، و خشي من الخبيث و بعث إلى أصحابه مالاً ليسألوه في الرضا عنه ، فأجابهم إلى ذلك على أن يقيم دعوته في أعماله ففعل كذلك . ثم سار ابن أبان لحصار موتة و استكثر من آلات الحصار ، و علم بذلك مسرور البلخي و هو بكور الأهواز ، فسار إليه و وافاه عليها ، فانهزم ابن أبان و ترك ما كان حمله هناك ، و قتل من الزنج خلق و جاء الخبر بمسير الموفق إليهم .
استرجاع ابن الموفق ما غلب عليه الزنج من أعمال دجلة
لما دخل الزنج واسط و عاثوا فيها كما ذكرناه بعث الموفق ابنه أبا العباس ، و هو الذي ولي الخلافة بعد المعتمد و لقب المعتضد ، فبعثه أبوه بين يديه في ربيع سنة ست و ستين في عشرة آلاف من الخيل و الرجال . و ركب لتشييعه و بعث معه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصر ، فسار حتى وافى الخيل و الرجل و السفن النهرية ، و على مقدمته الجناني و أنهم نزلوا الجزيرة قريباً من بردرويا ، و جاءهم سليمان بن موسى الشعراني مدداً بمثل ذلك و أن الزنج اختلفوا في الاحتشاد ، و نزلوا من السفح إلى أسفل واسط ينتهزون الفرصة في ابن الموفق لما يظنون من قلة دراسيته بالحرب ، فركب أبو العباس لاستعلام أمرهم و وافى نصيراً ، فلقيهم جماعة من الزنج فاستطرد لهم أولا ، ثم كر في وجوههم و صاح بنصير فرجع ، و ركب أبو العباس السفن النهرية فهزم الزنج و أثخن فيهم و اتبعهم ستة فراسخ ، و غنم من سعيهم و كان ذلك أول الفتح . و رجع سليمان بن جامع إلى نهر الأمين و سليمان بن موسى الشعراني إلى سوق الخميس ، و أبو العباس على فرسخ من واسط يغاديهم القتال و يراوحهم . ثم احتشد سليمان و جاء من ثلاثة وجوه ، و ركب في السفن النهرية و برز إليه نصير في سفنه ، وركب معه أبو العباس في خاصته ، و أمر الجند بمحاذاته من الشط ، و نشب الحرب فوقعت الهزيمة على الزنج و غنمت سفنهم ، و أفلت سليمان و الجناني من الهلكة و بلغوا طهتا ، و رجع أبو العباس إلى معسكره و أمر بإصلاح السفن المغنومة ، وحفر الزنج في طريق الجبل الآبار و غطوها ، فوقع بعض الفرسان فيها ، فعدل جند السلطان عن ذلك الطريق . و أمر الخبيث أصحابه بالسفن في النهر و أغاروا على سفن أبي العباس و غنموا بعضها ، وركب في اتباعهم و استنقذ سفنهم و غنم من سفنهم نحواً من ثلاثين ، و جد في قتالهم و تحصن ابن جامع بطهتا ، و سمى مدينته المنصورة . و الشعراني بسوق الخميس و سمى مدينته المنيعة . و كان أبو العباس يغير على الميرة التي تأتيهم من سائر النواحي ، و ركب في بعض الأيام إلى مدينة الشعراتي التي سماها المنيعة ، و ركب نصير في النهر ، و افترقوا في مسيرهم و اعترضت أبا العباس جماعة من الزنج فمنعوه من طريق المدينة و قاتلوه مقدار نهاره ، و أشاعوا قتل نصير ، و خالفهم نصير إلى المدينة فأثخن فيها و أضرموا النار في بيوتها . و جاء الخبر بذلك إلى أبي العباس بسبرة . ثم جاء نصير و معه أسرى كثيرون فقاتلوا الزنج و هزموهم ، و رجع أبو العباس إلى عسكره و بعث الخبيث إلى ابن أبان و ابن جامع فأمرهما بالاجتماع على حرب أبي العباس .
وصول الموفق لحرب الزنج و فتح المنيعة و المنصورة
كان الموفق لما بعث ابنه أبا العباس لحرب الزنج تأخر لا مداده بالحشود و العدد و إزاحة علله و مسارقة أحواله ، فلما بلغه اجتماع ابن أبان و ابن جامع لحربه سار من بغداد إليه فوصل إلى واسط في ربيع الأول من سنة سبع و ستين ، و لقيه ابنه و أخبره بالأحوال ، و رجع إلى عسكره . و نزل الموفق على نهر شداد و نزل ابنه شرقي دجلة على موهة بن مساور فأقام يومين ثم رحل إلى المنيعة بسوق الخميس . و سار إليها في النهر و نادى بالمقامة ، ولقيه الزنج فحاربوه ، ثم جاء الموفق فانهزموا و اتبعهم أصحاب أبي العباس فاقتحموا عليهم المنيعة و قتلوا خلقاً و أسروا آخريين ، و هرب الشعراني ، واختفى في الآجام آخرون . و رجع الموفق إلى عسكره و قد استنقذ من المسلمات نحو خمس عشرة امرأة ، ثم غدا على المنيعة فأمر بنهبها و هدم سورها و طم خندقها و إحراق ما بقي من السفن فيها ، و ببعث الأقوات التي أخذت ، فكانت لا حد لها ، فصرفت في الجند . و كتب الخبيث إلى ابن جامع يحذره مثل ما نزل بالشعراني ، و جاءت العيون إلى الموفق أن ابن جامع بالجوانيت ، فسار إلى الضبية و أمر ابنه بالسير في النهر إلى الحوانيت ، فلم يلق ابن جامع بها ، و وجد قائدين من الزنج استخلفهم عليها بحفظ الغلات ، و لحق بمدينته المنصورة بطهتا ، فقاتل ذلك
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
الجند و رجع إلى أبيه بالخير فأمره بالمسير إليه ، و سار على أثره براً و بحراً حتى نزلوا على ميلين من طهتا . و ركب لبيوني مقاعد القتال على المنصور فلقيه الزنج و قاتلوه و أسروا جماعة من غلمانه . و رمى أبو العباس بن الموفق أحمد بن مهدي الجناني فمات و وأوهن موته ، ثم ركب يوم السبت آخر ربيع من سنة سبع و عبى عسكره و بعث السفن في البحر االذي يصل إلى المنصورة ، ثم صلى و ابتهل بالدعاء ، و قدم ابنه أبا العباس إلى السور ، و اعترضه الجند فقاتلهم عليه و اقتحموا و ولوا منهزمين إلىالخنادق وراءه ، فقاتلوه عندها و اقتحمها عليهم كلها ، و دخلت السفن المدينة من النهر فقتلوا و أسروا ، و أجلوهم عن المدينة و ما اتصل بها ، و هو مقدار فرسخ و ملكه الموفق ، و أفلت ابن جامع في نفر من أصحابه ، و بلغ الطلاب في أثره إلى دجلة ، و كثر القتل في الزنج و الأسر و استنقذ العباس من نساء الكوفة و واسط و صبيانهم اكثر من عشرة آلاف و أعطى ما وجد في المنصورة من الذخائر و الأموال للأجناد ، و أسر من نساء سليمان و أولاده عدة . و لما جاء جماعة من الزنج إلى الآجام اختفوا ، فأمر بطلبهم و هدم سور المدينة و طم خنادقها و أقام سبعة عشر يوماً في ذلك ثم رجع إلى واسط .
حصار مدينة الخبيث المختارة و فتحها
ثم إن الموفق عرض عساكره و أزاح عللهم ، و سار و معه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث ، فأشرف عليها و رأى من حصانتها بالأسوار و الخنادق و وعر الطريق ، و ما أعد من الآلات للحصار و من كثرة المقاتلة ما استعظمه ، و لما عاين الزنج عساكره الموفق دهشوا . و قدم ابنه العباس في السفن حتى ألصقها بالأسوار فرموه بالحجارة في المجانيق و المقاليع و الأيدي ، و رأوا من صبره و أصحابه ما لم يحتسبوه . ثم رجعوا و تبعهم مستأمنة من المقاتلة و الملاحين نزعوا إلى الموفق ، فقبلهم و أحسن إليهم ، فتتابع المستأمنون في النهر فوكل الخبيث بفوهة النهر من معهم ، و تعبى أهل السفن للحرب مع بهبود قائد الخبيث ، فزحف إليه أبو العباس في السفن و هزمه ، و قتل الكثير من أصحابه و رجع فاستأمن إليه بعض تلك السفن النهرية و كثير من المقاتلة فأمنهم و أقام شهراً لم يقاتلهم . ثم عبى عساكره منتصف شعبان في البر و البحر و كانوا نحواً من خمسين ألفاً ، و كان الزنج في نحو ثلثمائة ألف مقاتل ، فأشرف عليهم و نادى بلأمان إلا للخبيث ، و رمى بالرفاع في السهام بالأمان ، فجاء كثير منهم و لم يكن حرب . ثم رحل من مكانه و نزل قريباً من المختارة ، و رتب المنازل من انشاء السفن ، و شرع في اختطاط مدينة لنزله سماها الموفقية . فأكمل بناءها و شيد جامعها و كتب بحمل الأموال و الميرة إليها و أغب الحرب شهراً فتتابعت الميرة إلى المدينة ، و رحل إليها التجار بصنوف البضائع ، و استجر فيها العمران و نفقت الأسواق و جلبت صنوف الأشياء . ثم أمر الموفق ابنه أبا العباس بقتال من كان من الزنج خارج المختارة فقاتلهم و أثخن فيهم ، فاستأمن إليه كثير منهم فأمنهم و وصلهم ، و أقام الموفق أياماً يحاصر المحاربين و يصل المستأمنين ، و اعترض الزنج بعض الوفاد الجائية بالميرة ، فأمر بترتيب السفن على مخارج الأنهار ، و وكل ابنه أبا العباس بحفظها ، و جاءت طائفة من الزنج بعض الأيام إلى عسكر نصير يريدون الإيقاع به ، فأوقع بهم و ظفر ببعض القواد منهم ، فقتل رشقاً بالسهام ، و تتابع المستأمنة فبلغوا إلى آخر رمضان خمسين ألفاً . ثم بعث الخبيث عسكراً من الزنج مع علي بن أبان ليأتوا من وراء الموفق إذا ناشبهم الحرب ، و نمي إليه الخبر فبعث ابنه أبا العباس فأوقع بهم و حملت الأسرى و الرؤس في السفن النهرية ليراها الخبيث و أصحابه ، و ظنوا أن ذلك تمويه فرميت الرؤوس في المجانيق حتى عرفوها ، فظهر منهم الجزع و تكررت الحرب في السفن بين أبي العباس و بين الزنج ، و هو يظهر عليهم في جميعها حتى انقطعت الميرة عنهم ، فاشتد الحصار عليهم و خرج كثير من وجوه أصحابه مستأمنين ، مثل محمد بن الحرث القمي و أحمد اليربوعي . و كان من أشجع رجاله القمي منهم موكلاً بحفظ السور فأمنهم الموفق و وصلهم ، و بعث الخبيث قائدين من أصحابه في عشرة آلاف ليأتوا البطيحة من ثلاثة وجوه ، فيعبروا من تلك النواحي و يقطعوا الميرة عن الموفق . و بلغ الموفق خبرهم فبعث إليهم عسكراً مع مولاه ، و نزل فأوقع بهم و قتل و أسر ، و أخذ منهم أربعمائة سفينة . و لما تتابع خروج المستأمنة وكل الخبيث من يحفظها ، و جهدهم الحصار فبعث جماعة من قواده إلى الموفق يستأمنون و أن يناشبهم الحرب ليجدوا السبيل إليه ، فأرسل ابنه أبا العباس إلى نهر الغربي و به علي بن أبان فاشتد الحرب و ظهر أبو العباس على بن أبان ، و أمده الخبيث بابن جامع و دامت الحرب عامة يومهم ، و كان الظفر لأبي العباس ، و سار إليه المستأمنة الذين واعدوه . و انصرف أبو العباس إلى مدينة الخبيث و قاتل بعض الزنج طمعاً فيهم فتكاثروا عليه ، ثم جاءه المدد من قبل أبيه فظهر عليهم . و كان ابن جامع قد صعد في النهر و أتى أبا العباس من ورائه ، و خفقت طبوله فانكشف أصحاب أبي العباس ، و رجع منهزمة الزنج فأجبت جماعة من غلمان الموفق و عدة من أعلامهم ، و حامى أبو العباس عن أصحابه حتى خلصوا ، وقوي الزنج بهذه الواقعة ، فأجمع الموفق العبور إلى مدينتهم بعسكره . فعبى الناس لذلك من الغداة آخر ذي الحجة و استكثر من المعابر و السفن و قصدوا حصن أو كان بالمدينة و فيها أنكلاي بن الخبيث و ابن جامع و ابن أبان و عليه المجانيق و الآلات ، فأمر غلمانه بالدنو منه فخافوا لاعتراض نهر الأتراك بينهم و بينه ، فصاح بهم فقطعوا النهر سبحاً ، و تناولوا الركن بالسلاح يهدمونه ، ثم صعدوا عليه و ملكوه و نصبوا به علم الموفق ، و أحرقوا ما كان عليه من الآلات و قتلوا من الزنج خلقاً عظيماً ، و كان أبو العباس يقاتلهم من الناحية الأخرى و ابن أبان قبالته فهزمه ، و وصل أصحاب أبي العباس إلى السور فثملوه و دخلوا ، و لقيهم ابن جامع فقاتلهم حتى ردهم إلى مواقفهم . ثم توافى الفعلة فثلموا السور في مواضع ، و نصبوا على الخندق جسراً عبر عليه المقاتلة ، فانهزم الزنج عن السور و اتبعهم أصحاب الموفق يقتلونهم إلى دير ابن سمعان ، فملكه أصحاب الموفق و أحرقوه ، و قاتلهم الزنج هناك انهزموا فبلغوا ميدان الخبيث ، فركب من هنالك و انهزم عنه أصحابه ، و أظلم الليل و رجع الموفق بالناس ، و تأخر أبو العباس لحمل بعض المستأمنين في السفن ، و اتبعه بعض الزنج و نالوا من آخر السفن . و كان بهبود بازاء مسرور البلخي فنال من أصحابه و استأمن بعض المنهزمين من الزنج و الأعراب بعثوا بذلك من عبادان و البصرة ، و كان منهم قائد ريحان أبو صالح المعري فأمنهم الموفق و أحسن إليهم و ضم ريحان إلى أبي العباس . و خرج في المحرم إلى الموفق من قواد الخبيث و ثقاته جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان فأحسن إليه الموفق و حمله في بعض السفن إلى قصر الخبيث ، فوقف وكلم الزنج في ذلك ، و أقام الموفق أياماً استجم فيها أصحابه ، فلما كان منتصف ربيع الثاني قصد مدينة ، و فرق القواد على جهاتها ومعهم النقابون للسور و من ورائهم الرماة يحمونهم . و تقدم إليهم أن لا يدخلوا بعد الهزم إلا بإذنه ، فوصلوا إلى السور و ثلموه و حاربوا الزنج من ورائه و هزموهم ، و بلغوا أبعد مما وصلوا إليه بالأمس . ثم تراجع الزنج و حاربوا من المكامن فرجع أصحاب الموفق نحو دجلة بعد أن نال منهم الزنج ، و رجع الموفق إلى مدينته ، و لام أصحابه على تقدمهم بغير إذنه ، ثم بلغ الموفق أن بعض الأعراب من بني تميم يجلبوه الميرة إلى الزنج فبعث إليهم عسكراً أثخنوا فيهم قتلاً و أسراً ، و جيء بالأسرى فقتلهم ، و أوعز إلى البصرة بقطع الميرة فانقطعت عن الزنج بالكلية ، و جهدهم الحصار و كثر المستأمنة و افترق كثير من الزنج في القرى و الأمصار البعيدة ، و بث الموفق دعاته فيهم و من أبى قتلوه و عرض المستأمنين و أحسن إليهم ليستميل غيرهم . و تابع الموفق وابنه قتال الزنج ، و قتل بهبود بن عبد الواحد من قواد الخبيث في تلك الحروب ، فكان قتله من أعظم الفتوح ، و كان قتله في السفن البحرية ينصب فيها أعلاماً كأعلام الموفق و يخايل أطراف العسكر فيصيب منهم . و أفلت في بعض الأيام من يد أبي العباس بعد أن كان حصل في قبضته ، ثم خيل أخرى لبعض السفن طامعاً فيها فحاربوه و طعنه بعض الغلمان منها فسقط في الماء ، و أخذه أصحابه فمات بين أيديهم . و خلع الموفق على الغلام الذي طعنه و على أهل السفينة . و لما هلك بهبود قبض الخبيث على بعض أصحابه و ضربهم على ماله ، فاستفسد قلوبهم ، و هرب كثير منهم إلى الموفق ، فوصلهم و نادى بالأمان لبقيتهم . ثم اعتزم على العبور إلى الزنج من الجانب الغربي و كانت طرقه ملتفة بالنخيل فأمر بقطعها ، و أدار الخنادق على معسكره حذراً من البيات . ثم صعب على الموفق القتال من الجانب الغربي لكثرة أوعاره و صعوبة مسالكه و ما يتوجه فيها على أصحابه من خيل الزنج لقلة خبرتهم بها ، فصرف قصده إلى هدم أسوارهم و توسعت الطرق فهدم طائفة من السور من ناحية نهر سلمى ، و باشر الحرب بنفسه ، و اشتد القتال و كثرت القتلى في الجانبين و فشت الجراح ، و كانت في النهر قنطرتان يعبر منهما الزنج عند القتال ، يأتون أصحاب الموفق من ورائهم فأمر بهدمهما فهدمتا ، ثم هدم طائفة من السور و دخلوا المدينة و انتهوا إلى دار ابن سمعان من خزائن الخبيث و دواوينه . ثم تقدموا إلى الجامع فخربوه و جاؤا بمنبره إلى الموفق بعد أن استمات الزنج دونه ، فلم يغنوا به . ثم اكثروا من هدم السور و ظهرت علامات الفتح ، ثم أصاب الموفق في ذلك اليوم سهم في صدره و ذلك لخمس بقين من جمادى سنة تسع و ستين ، فعاد إلى عسكره . ثم صابح الحرب تقوية لقلوب الناس . ثم لزم الفراش و اضطراب العسكر و أشير عليه بالذهاب إلى بغداد فأبى فاحتجب عن الناس ثلاثة أشهر حتى اندمل جرحه . ثم ركب إلىالحرب فوجد الزنج قد سددوا ما تثلم من الأسوار ، فأمر بهدمها كلها ، و اتصل القتال مما يلي نهر سلمى كما كان ، و الزنج يظنون أنهم لا يأتون إلا منها ، فركب يوماً لقتالهم و بعث السفن أسفل نهر أبي الخصيب ، فانتهوا إلى قصر من قصور الزنج فأحرقوه و انتهبوا ما فيه و استنقذوا كثيرا من الساكن فيه . و رجع الموفق آخر يومه ظافراً . ثم بكر لحربهم فوصلت المقدمات دار أنكلاي بن الخبيث و هي متصلة بدار أبيه ، و أشار ابن أبان باجراء المياه على الساج و حفر الخنادق بين يدي العساكر ، و أمر الموفق بطم الخنادق و الأنهار ، و رام إحراق قصره و قصده من دجلة فمنع من ذلك كثرة الحماة عنه ، فأمر أن تسقف السفن بالأخشاب ، و تطلى بالأدوية المانعة من الإحراق . و رتب فيها أنجاد أصحابه ، و باتوا على أهبة الزحف من الغد . و جاء كاتب الخبيث و هو محمد بن سمعان عشاء ذلك اليوم مستأمناً ، و بكروا إلى الحرب و أمر الموفق ابنه أبا العباس بإحراق منازل القواد المتصلة بقصر الخبيث ليشغلهم عن حمايته ، و قصدت السفن المطلية قصر الخبيث فأحرقوا الرواشن و الأبنية الخارجة و علت النار فيه و رموا بالنار على السفن فلم تؤثر فيها . ثم حصر الماء من النهر فزحفت السفن ، فلما جاء الدعاة إلى القصر أحرقوا بيوتاً كانت تشرع على دجلة ، و اشتعلت النار فيها و قويت و هرب الخبيث و أصحابه و تركوها و ما فيها . و استولى أصحابه الموفق على ذلك كله و استنقذوا جماعة من النساء ، و أحرق قصر أنكلاي ابنه ، و جرحا ، و عاد الموفق عشاء يومه مظفراً . ثم بكر من الغد للقتال و أمر نصيراً قائد السفن بقصد القنطرة التي كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب دون القنطرة التي كان اتخذها ، و فرق العسكر في الجهات فدخل نصير في أول المد و لصق بالقنطرة ، و اتصل الشد من ورائه فلم يقدر على الرجوع حتى حسر الماء عنها ، و فطن لها الزنج فقصدوها فألقى الملاحون أنفسهم في الماء و ألقى نصير نفسه و قاتل ابن جامع ذلك اليوم أشد قتال . ثم انهزم و سقط في الحريق فاحترق ، ثم خلص بعد الجهد . و انصرف الموفق سالماً و أصابه مرض المفاصل و اتصل به إلى شعبان من سنته فأمسك في هذه المدة عن الحرب حتى أبلى فأعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير و زاد فيها و أحكمها ، وجعل أمامها سكراً من الحجارة ليضيق المدخل على السفن ، فبعث الموفق طائفة من شرقي نهر أبي الخصيب ، و طائفة من بحرية و معهم الفعلة لقطع القنطرة ، و جعل أمامها سفناً مملوأة من القصب لتصيبها النار بالنفط فيحترق الجسر ، و فرق جنده على القتال و ساروا لما أمرهم عاشر شوال ، و تقدموا إلى الجسر و لقيهم أنكلاي بن الخبيث و ابن أبان و ابن جامع و حاموا عن القنطرة لعلمهم بما في قطعها من المضرة عليهم ، و دامت الحرب عليها إلى العشي ثم غلبهم أصحاب الموفق عليها ، و نقضها النجارون و نقضوا الأثقال التي دونها و أدخلوا السفن بالقصب ، و أضرموها ناراً و وافت القنطرة فأحرقتها و وصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا . و سهل سبيل السفن في النهر و قتل من الزنج خلق و استأمن آخرون ، و انتقل الخبيث بعد حرق قصوره و مساكن أصحابه إلى الجانب الشرقي من النهر أبي الخصيب ، و نقل أسواقه إليه و تبين ضعفه فانقطعت عنه الميرة و فقدت الأقوات و غلت حتى أكل بعضهم بعضاً ، و أجمع الموفق أن يحرق الجانب الشرقي كما أحرق الغربي فقصد دار الهمذان و كان حصيناً و عليه الآلات فلما انتهى إليها تعذر الصعود لعلو السور فرموا بالكلاليب و نشبت في أعلام الخبيث و جذبوها فتساقطت ، فانهزم المقاتلة و صعد النفاطون فأحرقوا ما كان عليها من الآلة ، و نهبوا الأثاث و المتاع . و اتصل الحريق بما حولها من الدور و استأمن للموفق جماعة من خاصة الخبيث فأمنهم و دلوه على سوق عظيمة متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة ، و بها التجار الذين بهم قوامهم ، فقصدها لإحراقها و حاربه الزنج عندها ، و اضرم أصحابه النار فيها فاتصلت و بقي التحريق عامة اليوم . ثم رجع الموفق ثم انتقل التجار بأمتعتهم و أموالهم إلى أعلى المدينة ، ثم فعل الخبيث في الجانب الشرقي بعد هذه من حفر الخنادق و تغوير الطرق مثل ما كان فعل في الجانب الغربي ، و احتفر خندقا عريضاً حصن به منازل أصحابه على النهر الغربي . ثم خرق الموفق باقي السور إلى النهر الغربي بعد حرب شديدة كانت عليه ، و كان للخبيث جمع من الزنج و هم أشجع أصحابه ، و قد تحصنوا بحصن منيع يخرجون على أصحاب الموفق عند الحرب فيعوقونهم فأجمع على تخريبه و جمع المقاتلة عليه براً و بحراً و فرقهم على سائر جهاته و جهات الخبيث ، و أمد الخبيث الحصن بالمهلبي و ابن جامع ، فلم يغنوا عنه و انهزموا ، و تركوا الحصن في يدي أصحاب الموفق و هزموه و قتلوا من الزنج خلقاً ، و خلصوا من الحصن كثيراً من النساء و الصبيان ، و رجع الموفق إلى عسكره ظافراً .
استيلاء الموفق على الجهة الغربية
حصار مدينة الخبيث المختارة و فتحها
ثم إن الموفق عرض عساكره و أزاح عللهم ، و سار و معه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث ، فأشرف عليها و رأى من حصانتها بالأسوار و الخنادق و وعر الطريق ، و ما أعد من الآلات للحصار و من كثرة المقاتلة ما استعظمه ، و لما عاين الزنج عساكره الموفق دهشوا . و قدم ابنه العباس في السفن حتى ألصقها بالأسوار فرموه بالحجارة في المجانيق و المقاليع و الأيدي ، و رأوا من صبره و أصحابه ما لم يحتسبوه . ثم رجعوا و تبعهم مستأمنة من المقاتلة و الملاحين نزعوا إلى الموفق ، فقبلهم و أحسن إليهم ، فتتابع المستأمنون في النهر فوكل الخبيث بفوهة النهر من معهم ، و تعبى أهل السفن للحرب مع بهبود قائد الخبيث ، فزحف إليه أبو العباس في السفن و هزمه ، و قتل الكثير من أصحابه و رجع فاستأمن إليه بعض تلك السفن النهرية و كثير من المقاتلة فأمنهم و أقام شهراً لم يقاتلهم . ثم عبى عساكره منتصف شعبان في البر و البحر و كانوا نحواً من خمسين ألفاً ، و كان الزنج في نحو ثلثمائة ألف مقاتل ، فأشرف عليهم و نادى بلأمان إلا للخبيث ، و رمى بالرفاع في السهام بالأمان ، فجاء كثير منهم و لم يكن حرب . ثم رحل من مكانه و نزل قريباً من المختارة ، و رتب المنازل من انشاء السفن ، و شرع في اختطاط مدينة لنزله سماها الموفقية . فأكمل بناءها و شيد جامعها و كتب بحمل الأموال و الميرة إليها و أغب الحرب شهراً فتتابعت الميرة إلى المدينة ، و رحل إليها التجار بصنوف البضائع ، و استجر فيها العمران و نفقت الأسواق و جلبت صنوف الأشياء . ثم أمر الموفق ابنه أبا العباس بقتال من كان من الزنج خارج المختارة فقاتلهم و أثخن فيهم ، فاستأمن إليه كثير منهم فأمنهم و وصلهم ، و أقام الموفق أياماً يحاصر المحاربين و يصل المستأمنين ، و اعترض الزنج بعض الوفاد الجائية بالميرة ، فأمر بترتيب السفن على مخارج الأنهار ، و وكل ابنه أبا العباس بحفظها ، و جاءت طائفة من الزنج بعض الأيام إلى عسكر نصير يريدون الإيقاع به ، فأوقع بهم و ظفر ببعض القواد منهم ، فقتل رشقاً بالسهام ، و تتابع المستأمنة فبلغوا إلى آخر رمضان خمسين ألفاً . ثم بعث الخبيث عسكراً من الزنج مع علي بن أبان ليأتوا من وراء الموفق إذا ناشبهم الحرب ، و نمي إليه الخبر فبعث ابنه أبا العباس فأوقع بهم و حملت الأسرى و الرؤس في السفن النهرية ليراها الخبيث و أصحابه ، و ظنوا أن ذلك تمويه فرميت الرؤوس في المجانيق حتى عرفوها ، فظهر منهم الجزع و تكررت الحرب في السفن بين أبي العباس و بين الزنج ، و هو يظهر عليهم في جميعها حتى انقطعت الميرة عنهم ، فاشتد الحصار عليهم و خرج كثير من وجوه أصحابه مستأمنين ، مثل محمد بن الحرث القمي و أحمد اليربوعي . و كان من أشجع رجاله القمي منهم موكلاً بحفظ السور فأمنهم الموفق و وصلهم ، و بعث الخبيث قائدين من أصحابه في عشرة آلاف ليأتوا البطيحة من ثلاثة وجوه ، فيعبروا من تلك النواحي و يقطعوا الميرة عن الموفق . و بلغ الموفق خبرهم فبعث إليهم عسكراً مع مولاه ، و نزل فأوقع بهم و قتل و أسر ، و أخذ منهم أربعمائة سفينة . و لما تتابع خروج المستأمنة وكل الخبيث من يحفظها ، و جهدهم الحصار فبعث جماعة من قواده إلى الموفق يستأمنون و أن يناشبهم الحرب ليجدوا السبيل إليه ، فأرسل ابنه أبا العباس إلى نهر الغربي و به علي بن أبان فاشتد الحرب و ظهر أبو العباس على بن أبان ، و أمده الخبيث بابن جامع و دامت الحرب عامة يومهم ، و كان الظفر لأبي العباس ، و سار إليه المستأمنة الذين واعدوه . و انصرف أبو العباس إلى مدينة الخبيث و قاتل بعض الزنج طمعاً فيهم فتكاثروا عليه ، ثم جاءه المدد من قبل أبيه فظهر عليهم . و كان ابن جامع قد صعد في النهر و أتى أبا العباس من ورائه ، و خفقت طبوله فانكشف أصحاب أبي العباس ، و رجع منهزمة الزنج فأجبت جماعة من غلمان الموفق و عدة من أعلامهم ، و حامى أبو العباس عن أصحابه حتى خلصوا ، وقوي الزنج بهذه الواقعة ، فأجمع الموفق العبور إلى مدينتهم بعسكره . فعبى الناس لذلك من الغداة آخر ذي الحجة و استكثر من المعابر و السفن و قصدوا حصن أو كان بالمدينة و فيها أنكلاي بن الخبيث و ابن جامع و ابن أبان و عليه المجانيق و الآلات ، فأمر غلمانه بالدنو منه فخافوا لاعتراض نهر الأتراك بينهم و بينه ، فصاح بهم فقطعوا النهر سبحاً ، و تناولوا الركن بالسلاح يهدمونه ، ثم صعدوا عليه و ملكوه و نصبوا به علم الموفق ، و أحرقوا ما كان عليه من الآلات و قتلوا من الزنج خلقاً عظيماً ، و كان أبو العباس يقاتلهم من الناحية الأخرى و ابن أبان قبالته فهزمه ، و وصل أصحاب أبي العباس إلى السور فثملوه و دخلوا ، و لقيهم ابن جامع فقاتلهم حتى ردهم إلى مواقفهم . ثم توافى الفعلة فثلموا السور في مواضع ، و نصبوا على الخندق جسراً عبر عليه المقاتلة ، فانهزم الزنج عن السور و اتبعهم أصحاب الموفق يقتلونهم إلى دير ابن سمعان ، فملكه أصحاب الموفق و أحرقوه ، و قاتلهم الزنج هناك انهزموا فبلغوا ميدان الخبيث ، فركب من هنالك و انهزم عنه أصحابه ، و أظلم الليل و رجع الموفق بالناس ، و تأخر أبو العباس لحمل بعض المستأمنين في السفن ، و اتبعه بعض الزنج و نالوا من آخر السفن . و كان بهبود بازاء مسرور البلخي فنال من أصحابه و استأمن بعض المنهزمين من الزنج و الأعراب بعثوا بذلك من عبادان و البصرة ، و كان منهم قائد ريحان أبو صالح المعري فأمنهم الموفق و أحسن إليهم و ضم ريحان إلى أبي العباس . و خرج في المحرم إلى الموفق من قواد الخبيث و ثقاته جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان فأحسن إليه الموفق و حمله في بعض السفن إلى قصر الخبيث ، فوقف وكلم الزنج في ذلك ، و أقام الموفق أياماً استجم فيها أصحابه ، فلما كان منتصف ربيع الثاني قصد مدينة ، و فرق القواد على جهاتها ومعهم النقابون للسور و من ورائهم الرماة يحمونهم . و تقدم إليهم أن لا يدخلوا بعد الهزم إلا بإذنه ، فوصلوا إلى السور و ثلموه و حاربوا الزنج من ورائه و هزموهم ، و بلغوا أبعد مما وصلوا إليه بالأمس . ثم تراجع الزنج و حاربوا من المكامن فرجع أصحاب الموفق نحو دجلة بعد أن نال منهم الزنج ، و رجع الموفق إلى مدينته ، و لام أصحابه على تقدمهم بغير إذنه ، ثم بلغ الموفق أن بعض الأعراب من بني تميم يجلبوه الميرة إلى الزنج فبعث إليهم عسكراً أثخنوا فيهم قتلاً و أسراً ، و جيء بالأسرى فقتلهم ، و أوعز إلى البصرة بقطع الميرة فانقطعت عن الزنج بالكلية ، و جهدهم الحصار و كثر المستأمنة و افترق كثير من الزنج في القرى و الأمصار البعيدة ، و بث الموفق دعاته فيهم و من أبى قتلوه و عرض المستأمنين و أحسن إليهم ليستميل غيرهم . و تابع الموفق وابنه قتال الزنج ، و قتل بهبود بن عبد الواحد من قواد الخبيث في تلك الحروب ، فكان قتله من أعظم الفتوح ، و كان قتله في السفن البحرية ينصب فيها أعلاماً كأعلام الموفق و يخايل أطراف العسكر فيصيب منهم . و أفلت في بعض الأيام من يد أبي العباس بعد أن كان حصل في قبضته ، ثم خيل أخرى لبعض السفن طامعاً فيها فحاربوه و طعنه بعض الغلمان منها فسقط في الماء ، و أخذه أصحابه فمات بين أيديهم . و خلع الموفق على الغلام الذي طعنه و على أهل السفينة . و لما هلك بهبود قبض الخبيث على بعض أصحابه و ضربهم على ماله ، فاستفسد قلوبهم ، و هرب كثير منهم إلى الموفق ، فوصلهم و نادى بالأمان لبقيتهم . ثم اعتزم على العبور إلى الزنج من الجانب الغربي و كانت طرقه ملتفة بالنخيل فأمر بقطعها ، و أدار الخنادق على معسكره حذراً من البيات . ثم صعب على الموفق القتال من الجانب الغربي لكثرة أوعاره و صعوبة مسالكه و ما يتوجه فيها على أصحابه من خيل الزنج لقلة خبرتهم بها ، فصرف قصده إلى هدم أسوارهم و توسعت الطرق فهدم طائفة من السور من ناحية نهر سلمى ، و باشر الحرب بنفسه ، و اشتد القتال و كثرت القتلى في الجانبين و فشت الجراح ، و كانت في النهر قنطرتان يعبر منهما الزنج عند القتال ، يأتون أصحاب الموفق من ورائهم فأمر بهدمهما فهدمتا ، ثم هدم طائفة من السور و دخلوا المدينة و انتهوا إلى دار ابن سمعان من خزائن الخبيث و دواوينه . ثم تقدموا إلى الجامع فخربوه و جاؤا بمنبره إلى الموفق بعد أن استمات الزنج دونه ، فلم يغنوا به . ثم اكثروا من هدم السور و ظهرت علامات الفتح ، ثم أصاب الموفق في ذلك اليوم سهم في صدره و ذلك لخمس بقين من جمادى سنة تسع و ستين ، فعاد إلى عسكره . ثم صابح الحرب تقوية لقلوب الناس . ثم لزم الفراش و اضطراب العسكر و أشير عليه بالذهاب إلى بغداد فأبى فاحتجب عن الناس ثلاثة أشهر حتى اندمل جرحه . ثم ركب إلىالحرب فوجد الزنج قد سددوا ما تثلم من الأسوار ، فأمر بهدمها كلها ، و اتصل القتال مما يلي نهر سلمى كما كان ، و الزنج يظنون أنهم لا يأتون إلا منها ، فركب يوماً لقتالهم و بعث السفن أسفل نهر أبي الخصيب ، فانتهوا إلى قصر من قصور الزنج فأحرقوه و انتهبوا ما فيه و استنقذوا كثيرا من الساكن فيه . و رجع الموفق آخر يومه ظافراً . ثم بكر لحربهم فوصلت المقدمات دار أنكلاي بن الخبيث و هي متصلة بدار أبيه ، و أشار ابن أبان باجراء المياه على الساج و حفر الخنادق بين يدي العساكر ، و أمر الموفق بطم الخنادق و الأنهار ، و رام إحراق قصره و قصده من دجلة فمنع من ذلك كثرة الحماة عنه ، فأمر أن تسقف السفن بالأخشاب ، و تطلى بالأدوية المانعة من الإحراق . و رتب فيها أنجاد أصحابه ، و باتوا على أهبة الزحف من الغد . و جاء كاتب الخبيث و هو محمد بن سمعان عشاء ذلك اليوم مستأمناً ، و بكروا إلى الحرب و أمر الموفق ابنه أبا العباس بإحراق منازل القواد المتصلة بقصر الخبيث ليشغلهم عن حمايته ، و قصدت السفن المطلية قصر الخبيث فأحرقوا الرواشن و الأبنية الخارجة و علت النار فيه و رموا بالنار على السفن فلم تؤثر فيها . ثم حصر الماء من النهر فزحفت السفن ، فلما جاء الدعاة إلى القصر أحرقوا بيوتاً كانت تشرع على دجلة ، و اشتعلت النار فيها و قويت و هرب الخبيث و أصحابه و تركوها و ما فيها . و استولى أصحابه الموفق على ذلك كله و استنقذوا جماعة من النساء ، و أحرق قصر أنكلاي ابنه ، و جرحا ، و عاد الموفق عشاء يومه مظفراً . ثم بكر من الغد للقتال و أمر نصيراً قائد السفن بقصد القنطرة التي كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب دون القنطرة التي كان اتخذها ، و فرق العسكر في الجهات فدخل نصير في أول المد و لصق بالقنطرة ، و اتصل الشد من ورائه فلم يقدر على الرجوع حتى حسر الماء عنها ، و فطن لها الزنج فقصدوها فألقى الملاحون أنفسهم في الماء و ألقى نصير نفسه و قاتل ابن جامع ذلك اليوم أشد قتال . ثم انهزم و سقط في الحريق فاحترق ، ثم خلص بعد الجهد . و انصرف الموفق سالماً و أصابه مرض المفاصل و اتصل به إلى شعبان من سنته فأمسك في هذه المدة عن الحرب حتى أبلى فأعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير و زاد فيها و أحكمها ، وجعل أمامها سكراً من الحجارة ليضيق المدخل على السفن ، فبعث الموفق طائفة من شرقي نهر أبي الخصيب ، و طائفة من بحرية و معهم الفعلة لقطع القنطرة ، و جعل أمامها سفناً مملوأة من القصب لتصيبها النار بالنفط فيحترق الجسر ، و فرق جنده على القتال و ساروا لما أمرهم عاشر شوال ، و تقدموا إلى الجسر و لقيهم أنكلاي بن الخبيث و ابن أبان و ابن جامع و حاموا عن القنطرة لعلمهم بما في قطعها من المضرة عليهم ، و دامت الحرب عليها إلى العشي ثم غلبهم أصحاب الموفق عليها ، و نقضها النجارون و نقضوا الأثقال التي دونها و أدخلوا السفن بالقصب ، و أضرموها ناراً و وافت القنطرة فأحرقتها و وصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا . و سهل سبيل السفن في النهر و قتل من الزنج خلق و استأمن آخرون ، و انتقل الخبيث بعد حرق قصوره و مساكن أصحابه إلى الجانب الشرقي من النهر أبي الخصيب ، و نقل أسواقه إليه و تبين ضعفه فانقطعت عنه الميرة و فقدت الأقوات و غلت حتى أكل بعضهم بعضاً ، و أجمع الموفق أن يحرق الجانب الشرقي كما أحرق الغربي فقصد دار الهمذان و كان حصيناً و عليه الآلات فلما انتهى إليها تعذر الصعود لعلو السور فرموا بالكلاليب و نشبت في أعلام الخبيث و جذبوها فتساقطت ، فانهزم المقاتلة و صعد النفاطون فأحرقوا ما كان عليها من الآلة ، و نهبوا الأثاث و المتاع . و اتصل الحريق بما حولها من الدور و استأمن للموفق جماعة من خاصة الخبيث فأمنهم و دلوه على سوق عظيمة متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة ، و بها التجار الذين بهم قوامهم ، فقصدها لإحراقها و حاربه الزنج عندها ، و اضرم أصحابه النار فيها فاتصلت و بقي التحريق عامة اليوم . ثم رجع الموفق ثم انتقل التجار بأمتعتهم و أموالهم إلى أعلى المدينة ، ثم فعل الخبيث في الجانب الشرقي بعد هذه من حفر الخنادق و تغوير الطرق مثل ما كان فعل في الجانب الغربي ، و احتفر خندقا عريضاً حصن به منازل أصحابه على النهر الغربي . ثم خرق الموفق باقي السور إلى النهر الغربي بعد حرب شديدة كانت عليه ، و كان للخبيث جمع من الزنج و هم أشجع أصحابه ، و قد تحصنوا بحصن منيع يخرجون على أصحاب الموفق عند الحرب فيعوقونهم فأجمع على تخريبه و جمع المقاتلة عليه براً و بحراً و فرقهم على سائر جهاته و جهات الخبيث ، و أمد الخبيث الحصن بالمهلبي و ابن جامع ، فلم يغنوا عنه و انهزموا ، و تركوا الحصن في يدي أصحاب الموفق و هزموه و قتلوا من الزنج خلقاً ، و خلصوا من الحصن كثيراً من النساء و الصبيان ، و رجع الموفق إلى عسكره ظافراً .
استيلاء الموفق على الجهة الغربية
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
و لما هدم الموفق سور دار الخبيث أمر بتوسعه الطريق للحرب ، و أحرق الجسر الأول الذي على نهر أبي الخصيب ليمنع من مدد بعضهم بعضاً ، فكان في إحراقه حرب عظيمة . و أعدت لذلك سفينة ملئت قصباً و جعل فيها النفط ، و أرسلت في قوة المدد فتبادر الزنج إليها و غرقوها فركب الموفق إلى فوهة نهر أبي الخصيب و قصدهم من غربي النهر و شرقيه إلى أن انتهوا إلى الجسر من غربيه و عليه أنكلاي بن الخبيث و ابن جامع فأحرقوه ، و فعل مثل ذلك من الجانب الشرقي ، فاحترق الجسر و الحظيرة التي كانت لإنشاء السفن ، و سجن كان هناك للخبيث . و انحاز هو و أصحابه من الجانب الغربي و استأمن كثير من قواده فأمنهم و أخرجوا أرسالاً و خرج قاضيه هارباً ، و وكل بالجسر الثاني من يحفظه و أمر الموفق ابنه أبا العباس بأن يتجهز لإحراقه فزحف في أنجاد غلمانه و معه الفعلة و الآلات . و كان في الجانب الغربي قبالة أبي العباس أنكلاي و ابن جامع ، و في الجانب الغربي قبالة أسد مولى الموفق الخبيث نفسه و المهلبي ، و جاءت السفن في النهر و قاتلوا حامية الجسر فانهزم ابن جامع و أنكلاي و أضرمت النار في الجسر ، و لما وافياه و هو مضطرم ناراً ألقيا أنفسهما في النهر فخلصا بعد أن غرق من أصحابهما خلق ، و احترق الجسر و اتصل الحريق بدورهم و قصورهم و أسواقهم ، و افترق الجيش في الجانبين و نهبت دار الخبيث و استنفذ من كان في حبسه من النسوة و الرجال . و أخرج ما كان في نهر أبي الخصيب من أصناف السفن إلى دجلة و نهبها أصحاب الموفق و استأمن أنكلاي بن الخبيث و علم أبوه فثناه عن ذلك . و استأمن سليمان بن موسى الشعراني من رؤساء قواده فأجيب بعد توقف . و لما خرج تبعه أصحاب الخبيث فقاتلهم ، و صل إلى الموفق فأحسن إليه و اقتفى أثره في ذلك شبل ابن سالم من قواده ، و عظم على الخبيث و أوليائه استئمان هؤلاء ، و صار شبل بن سالم يخرج في السرايا إلى عسكر الخبيث و يكثر النكاية فيهم .
استيلاء الموفق على الجهة الشرقية
و في خلال هذه الحروب و اتصالها مرن أصحاب الموفق على تخلل تلك المسالك و الشعاب مع تضايقها و و عرها ، و أجمع الموفق على قصد الجانب الشرقي في نهر أبي الخصيب ، و ندب لذلك قواد المستأمنة لخيرتهم بذلك دون غيرهم ، و وعدهم بالإحسان و الزيادة فأبوا و سألوه الإقالة فأبى لتتميز مناصحتهم . و جمع سفن دجلة من كل جانب ، و كان فيها عشرة آلاف ملاح من المرتزقة . و أمر ابنه أبا العباس بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتها ، فسار إلى دار المهلبي و هو في مائة و خمسين قطعة من السفن قد شحنها بأنجاد غلمانه ، و انتخب عشرة آلاف مقاتل و أمرهم بالمسير حفا في النهر يشاهد أحوالهم . و بكر الموفق لثمان خلون من ذي القعدة زاحفاً للحرب ، فاقتتلوا مليا و صبروا . ثم انهزم الزنج و قتل منهم خلق ، و أسر آخرون فقتلوا ، و قصد الموفق بجمعه دار الخبيث ، و قد جمع الخبيث أصحابه للمدافعة فلم يغنوا عنه و انهزموا و أسلموها فنهبها أصحاب الموفق ، و سبوا حريمه و بنيه و كانوا عشرين . و نجا إلى دار المهلبي و نهبها و اشتغل أصحابهم جميعاً بنقل الغنائم إلى السفن ، فأطمع ذلك الزنج فيهم و تراجعوا و ردوا الناس إلى مواقفهم . ثم صدق الموفق الحملة عشي النهار فهزم الزنج إلى دار الخبيث و رجع الناس إلى عسكره ، و وصله كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون يستأذنه في القدوم عليه فأخر القتال إلى حضوره .
مقتل صاحب الزنج
و لما وصل غلام ابن طولون في ثالث المحرم من سنة سبعين جاء في جيش عظيم ، فأحسن إليهم الموفق و أجرى لهم الأرزاق على مراتبهم ، و أمره بالتأهب لقتال الخبيث . و قد كان لما غلب على نهر أبي الخصيب و قطعت القناطر و الجسور التي عليه ، أحث فيه سكراً و ضيق جرية الماء ليمنع السفن من دخوله إذا حضر ، و يتعذر خروجها أمامه . و بقي جريه لا يتهيأ إلا بإزالة ذلك السكر ، فحاول ذلك مدة و الزنج يدافعون عنه ، و دفع الموفق لذلك لؤلؤاً في أصحابه ليتمرنوا على حرب الزنج في تلك المسالك و الطرق فأحسنوا البلاء فيها و وصلهم ، و ألح على العسكر ، و هو كل يوم يقتل مقاتلهم و يحرق مساكنهم و يقتل المستأمنة منهم . و قد كان بقي بالجهة الغربية بقية من أبنية و مزارع و بها جماعة يحفظونها ، فسار إليهم أبو العباس و أوقع بهم ، و لم يسلم منهم إلا الشريد . ثم غلبهم على السكر و أحرقه و اعتزم على لقاء الخبيث و قدم ابنه أبا العباس دار المهلب و أضاف المستأمنة إلى شبل بن سالم و أمرهم أن ينتظروا بالقتال نفخ البوق ، و نصب علمه الأسود على دار الكرماني . ثم صمد إليهم و زحف الناس في البر و النهر ، و نفخت الأبواق و ذلك لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين . و اشتد القتال و انهزم الزنج و مات منهم قتلاً و غرقاً ما لا يحصى ، و استولى الموفق على المدينة و استنقذوا الأسرى و أسروا الخليل و ابن أبان و أولادهما و عيال أخيهما ، و مضى الخبيث و معه ابنه أنكلاي و ابن جامع و قواد من الزنج إلى موضع بنهر السفياني كانوا أعدوه ملجأً إذا غلب على المدينة ، و اتبعه الموفق في السفن و لؤلؤ في البر . ثم اقتحم النهر بفرسه و اتبعه أصحابه فأوقعوا بالخبيث و من معه حتى عبروا نهر السامان و اعتصموا بحبل وراءه ، و رجع لؤلؤ عنهم و شكر له الموفق و رفع منزلته و استبشر الناس بالفتح . و جمع الموفق أصحابه فوبخهم على انقطاعهم عنه فاستعذروا بأنهم ظنوا انصرافه . ثم تحالفوا على الإقدام و الثبات حتى يظفروا و سألوه أن ترد المعابر التي يعبرون فيها ليستميت الناس في حرب عدوهم ، فوعدهم بذلك و أصبح ثالث صفر فعبى المراكب و بعثهم إلى المراكز ورد المعابر التي عبروا فيها و تقدم سرعان العسكر فأوقعوا بالخبيث و أصحابه ففضوا جماعة و أثخنوا فيهم قتلاً و أسراً ، و افترقوا كل ناحية . و ثبت مع الخبيث لمة من أصحابه فيهم المهلبي و ذهب ابنه أنكلاي و ابن جامع و اتبع كلاً منهم طائفة من العسكر بأمر أبي العباس ابن الموفق . ثم أسر إبراهيم بن جعفر الهمداني فاستوثقوا منه . ثم كر الخبيث و المنهزمون معه على من اتبعهم من أهل العسكر فأزالوهم عن مواقفهم . ثم رجعوا و مضى الموفق في اتباع الخبيث إلى آخر نهر أبي الخصيب فلقيه غلام من أصحاب لؤلؤ برأس الخبيث و سار أنكلاي نحو الديناري و معه المهلبي و بعث الموفق أصحابه في طلبهم فظفر بهم و بمن معهم ، و كانوا زهاء خمسة آلاف ، فاستوثق منهم ثم استأمن إليه و رمونة و كان عند البطيحة قد اعتصم بمغايض و آجام هنالك يخيف السابلة ، و يغير على تلك النواحي و على الواردين إلى مدينة الموفق . فلما علم بموت الخبيث سقط في يده و بعث يستأمن فأمنه الموفق فحسنت توبته ورد الغصوبات إلى أهلها ظاهراً ، و أمر الموفق بالنداء برجوع الزنج إلى موطنهم فرجعوا و أقام الموفق بمدينة الموفقية ليأمن الناس بمقامه ، و ولى على البصرة و الأبلة و كور دجلة محمد بن حماد و قدم ابنه أبا العباس إلى بغداد فدخلها منتصف جمادي من سنة سبعين و كان خروج صاحب الزنج آخر رمضان سنة خمس و خمسين و قتله أول صفر سنة سبعين لأربع عشرة سنة و أربعة أشهر من دولته .
ولاية ابن كنداج على الموصل
لما سار أحمد بن موسى بن بغا إلى الجزيرة و ولى موسى بن أتامش على ديار ربيعة فتغير لذلك إسحق بن كنداج و فارق عسكره و أوقع بالأكراد اليعقوبية و انتهب أموالهم ثم لقي ابن مساور الخارجي فقتله ، و سار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال ، و كان عليهم علي بن داود قائداً ، فدفعه و سار ابن كنداج إليه ، فخرج علي بن داود و اجتمع حمدان الثعلبي و إسحق بن عمر بن أيوب بن الخطاب الثعلبي العدوي ، فكانوا خمسة عشر ، و جاءهم علي بن داود فلقيهم إسحق في ثلاثة آلاف فهزمهم بدسيسة من أهل مسيرتهم ، و سار حمدان و علي بن داود إلى نيسابور ، و ابن أيوب إلى نصيبين ، و ابن كنداج في اتباعه ، فسار عنها و استجار بعيسى ابن الشيخ الشيباني و هو بآمد ، و أبي العز موسى بن زرارة و هو عامل أردن ، فأنجداه و بعث المعتمد إلى إسحق بن كنداج بولاية الموصل فدخلها ، و أرسل إليه ابن الشيخ و ابن زرارة مائة ألف دينار على أن يقرهم على أعمالهم فأبى ، فاجتمعوا على حربه ، فرجع إلى إجابتهم . ثم حاربوه سنة سبع و ستين . و اجتمع لحربه إسحق بن أيوب و عيسى ابن الشيخ و أبو العز بن حمدان بن حمدون في ربيعة و ثعلب و بكر و اليمن فهزمهم ابن كنداج إلى نصيبين ، ثم إلى آمد و حمر عسكراً لحصار ابن الشيخ بآمد و كانت بينهم حروب .
حروب الخوارج بالموصل
كان مساور الخارجي قد هلك في حروبه مع العساكر سنة ثلاث و ستين بالبوارسح و أراد أصحابه ولاية محمد بن حرداد بشهرزور فامتنع ، و بايعوا أيوب بن حيان المعروف بالغلام فقتل ، فبايعوا هرون بن عبد الله البجلي و كثر أتباعه و استولى على بلد الموصل ، و خرج عليه من أصحابه محمد بن حرداد ، و كان كثير العبادة و الزهد يجلس على الأرض و يلبس الصوف الغليظ و يركب البقر لئلا يفر في الحرب ، فنزل واسط و جاء وجوه أهل الموصل ، فسار إليهم و هرون غائب في الأحشاد ، فبادر إليه و اقتتلا ، و انهزم هرون و قتل من أصحابه نحو مائتين ، و قصد بني ثعلب مستنجداً بهم فأنجدوه و سار معه حمدان بن حمدون و دخل معه الموصل ، و دخل ابن حرداد ، و استمال هرون أصحابه ، و رجع إلى الحديثة ، و لم يبق مع ابن حرداد إلا قليل من الأكراد فمالوا إلى هرون بالموصل ، فخرج و أوقع بابن حرداد فقتله و أوقع بالأكراد الجلالية و كثر أتباعه ، و غلب على القرى و الرساتيق ، و جعل على دجلة من يأخذ الزكاة من الأموال المصعدة و المنحدرة ، و وضع في الرساتيق من يقبض اعتبار الغلات ، و استقام أمره . ثم جاء بنو ساسان لقتاله سنة ست و سبعين و استنجد بحمدان بن حمدون فجاءه بنفسه ، و سار إلى نهر الخازن و انهزمت طليعتهم ، و انهزموا بانهزامها ، و جاء بنو شيبان إلى فسا فانجفل أهلها و أقام هرون و أصحابه بالحديثة .
أخبار رافع بن هرثمة من بعد الخجستاني
لما قتل أحمد الخجستاني سنة ثمان و ستين كما قدمناه اجتمع أصحابه على رافع بن هرثمة من قواد محمد بن طاهر ، و كان رافع هذا لما استولى يعقوب الصفار على نيسابور ، و زال بنو طاهر ، صار رافع في جملته ، و صحبه إلى سجستان . ثم أقصاه عن خدمته و عاد إلى منزله بنواحي جي حتى استخدمه الخجستاني و جعله صاحب جيشه . فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش عليه بهراة و أمروه و سار إلى نيسابور فحاصر بها أبا طلحة بن شركب و قد كان وصل إليها من جرجان ، فضيق عليه المخنق ففارقها أبو طلحة إلى مرو ، و ولى على هراة ابن المهدي و خطب لمحمد بن طاهر بمرو و هراة و زحف إليه عمرو بن الليث فهزمه و غلبه على مابيده . و استخلف على مرو محمد بن سهل بن هاشم ، و خرج أبو طلحة إلى مكمد و استعان بإسمعيل بن أحمد الساماني ، فأمده بعسكر و أخرج محمد بن سهل ، و خطب بها لعمرو بن الليث سنة احدى و سبعين . ثم قلد الموفق تلك السنة أعمال خراسان لمحمد ابن طاهر ، و هو ببغداد ، فاستخلف عليها رافع بن الليث و أقر على ما وراء النهر نصر بن أحمد . و وردت كتب الموفق بعزل عمرو بن الليث و لعنه ، فسار رافع إلى هراة و قد كان بها محمد بن المهدي خليفة أبي طلحة ، فثار عليه يوسف بن معبد . فلما جاء رافع استأمن إليه فأمنه و استعمل على هراة مهدي بن محسن . ثم سار رافع إلى أبي طلحة بمرو بعد أن استمد إسمعيل بن أحمد و أمده بنفسه في أربعة آلاف فارس ، و استقدم علي بن محسن المروروزي فقدم عليه في عسكره ، و ساروا جميعاً إلى أبي طلحة بمرو سنة اثنتين و سبعين ، فهزموه و عاد إسمعيل إلى بخارى و لحق بأبي طلحة و بها مهدي ، فاجتمع معه على مخالفة رافع فهزمهما رافع ، و لحق أبو طلحة بعمرو بن الليث و قبض على مهدي سنة اثنتين و سبعين ثم خلى سبيله و سار رافع إلى خوارزم فجبى أموالها و رجع إلى نيسابور .
مغاضبة المعتمد للموفق و مسيرة ابن طولون و ما نشأ من الفتنة لأجل ذلك
كان الموفق حدثت بينه و بين ابن طولون و حشة و أراد عزله ، و بعث موسى بن بغا في العساكر إليه سنة اثنتين و ستين فأقام بالرقة عشرة أشهر ، و اختلف عليه العسكر فرجع ، و كان الموفق مستبدا على أخيه المعتمد منذ قيامه بأمر دولته مع ما كان من الكفاية و الغناء ، إلا أنه كان المعتمد يتأفف من الحجر ، و كتب إلى أحمد بن طولون في السر يشكو ذلك و أشار عليه باللحاق إليه بمصر لينصره ، و بعث عسكراً إلى الرقة في انتظاره ، و كان الموفق مشغولاً بحرب الزنج ، فسار المعتمد منتصف سنة تسع و ستين في القواد مظهراً أنه يتصيد ، ثم سار إلى أعمال الموصل و عليها يومئذ و على سائر الجزيرة أصحاب كنداج و كتب صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق إلى إسحق بردة عن طريقه ، و القبض على من معه من القواد . فلما وصل المعتمد إلى عمله أظهر إسحق طاعته ، فارتحل في خدمته إلى أول عمل ابن طولون . ثم اجتمع بالمعتمد و القواد و فيهم نيزك و أحمد بن خاقان و غيرهم فعذلهم في المسير إلى ابن طولون و المقام تحت يده ، و طال الكلام بينهم ملياً ثم دعاهم إلى خيمته للمناظرة في ذلك أدباً مع المعتمد ، و قيدهم و جاء إلى المعتمد فعذله في المسير عن دار خلافته و مغاضبة أخيه ، هو في دفاع عدوه و من يريد خراب ملكه ، و حمل الجميع إلى سامرا . و قطع ابن طولون الدعاء للموفق على منابره و أسقط اسمه من الطرز و غضب الموفق بسبب ذلك على أحمد بن طولون ، و حمل المعتمد على أن يشار بلعنه على المنابر . و ولى إسحق ابن كنداج على أعماله و فوض إليه من باب الشماسية إلى أفريقية ، و كان لؤلؤ مولى ابن طولون عاملاً على حمص و حلب و قنسرين و ديار مصر من الجزيرة . و كان منزله بالرقة فانتقض عليه في هذه السنة ، و سار إلى بالس فنهبها ، و كتب إلى الموفق فمر بقرقيسيا و بها ابن صفوان العقيلي فحاربه و غلبه عليها و سلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق . و وصل إلى الموفق في عسكر عظيم و هو يقاتل صاحب الزنج فأكرمه الموفق و أحسن هو الغناء في تلك الحرب . ثم بعث ابن طولون في تلك السنة جيشه إلى مكة
استيلاء الموفق على الجهة الشرقية
و في خلال هذه الحروب و اتصالها مرن أصحاب الموفق على تخلل تلك المسالك و الشعاب مع تضايقها و و عرها ، و أجمع الموفق على قصد الجانب الشرقي في نهر أبي الخصيب ، و ندب لذلك قواد المستأمنة لخيرتهم بذلك دون غيرهم ، و وعدهم بالإحسان و الزيادة فأبوا و سألوه الإقالة فأبى لتتميز مناصحتهم . و جمع سفن دجلة من كل جانب ، و كان فيها عشرة آلاف ملاح من المرتزقة . و أمر ابنه أبا العباس بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتها ، فسار إلى دار المهلبي و هو في مائة و خمسين قطعة من السفن قد شحنها بأنجاد غلمانه ، و انتخب عشرة آلاف مقاتل و أمرهم بالمسير حفا في النهر يشاهد أحوالهم . و بكر الموفق لثمان خلون من ذي القعدة زاحفاً للحرب ، فاقتتلوا مليا و صبروا . ثم انهزم الزنج و قتل منهم خلق ، و أسر آخرون فقتلوا ، و قصد الموفق بجمعه دار الخبيث ، و قد جمع الخبيث أصحابه للمدافعة فلم يغنوا عنه و انهزموا و أسلموها فنهبها أصحاب الموفق ، و سبوا حريمه و بنيه و كانوا عشرين . و نجا إلى دار المهلبي و نهبها و اشتغل أصحابهم جميعاً بنقل الغنائم إلى السفن ، فأطمع ذلك الزنج فيهم و تراجعوا و ردوا الناس إلى مواقفهم . ثم صدق الموفق الحملة عشي النهار فهزم الزنج إلى دار الخبيث و رجع الناس إلى عسكره ، و وصله كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون يستأذنه في القدوم عليه فأخر القتال إلى حضوره .
مقتل صاحب الزنج
و لما وصل غلام ابن طولون في ثالث المحرم من سنة سبعين جاء في جيش عظيم ، فأحسن إليهم الموفق و أجرى لهم الأرزاق على مراتبهم ، و أمره بالتأهب لقتال الخبيث . و قد كان لما غلب على نهر أبي الخصيب و قطعت القناطر و الجسور التي عليه ، أحث فيه سكراً و ضيق جرية الماء ليمنع السفن من دخوله إذا حضر ، و يتعذر خروجها أمامه . و بقي جريه لا يتهيأ إلا بإزالة ذلك السكر ، فحاول ذلك مدة و الزنج يدافعون عنه ، و دفع الموفق لذلك لؤلؤاً في أصحابه ليتمرنوا على حرب الزنج في تلك المسالك و الطرق فأحسنوا البلاء فيها و وصلهم ، و ألح على العسكر ، و هو كل يوم يقتل مقاتلهم و يحرق مساكنهم و يقتل المستأمنة منهم . و قد كان بقي بالجهة الغربية بقية من أبنية و مزارع و بها جماعة يحفظونها ، فسار إليهم أبو العباس و أوقع بهم ، و لم يسلم منهم إلا الشريد . ثم غلبهم على السكر و أحرقه و اعتزم على لقاء الخبيث و قدم ابنه أبا العباس دار المهلب و أضاف المستأمنة إلى شبل بن سالم و أمرهم أن ينتظروا بالقتال نفخ البوق ، و نصب علمه الأسود على دار الكرماني . ثم صمد إليهم و زحف الناس في البر و النهر ، و نفخت الأبواق و ذلك لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين . و اشتد القتال و انهزم الزنج و مات منهم قتلاً و غرقاً ما لا يحصى ، و استولى الموفق على المدينة و استنقذوا الأسرى و أسروا الخليل و ابن أبان و أولادهما و عيال أخيهما ، و مضى الخبيث و معه ابنه أنكلاي و ابن جامع و قواد من الزنج إلى موضع بنهر السفياني كانوا أعدوه ملجأً إذا غلب على المدينة ، و اتبعه الموفق في السفن و لؤلؤ في البر . ثم اقتحم النهر بفرسه و اتبعه أصحابه فأوقعوا بالخبيث و من معه حتى عبروا نهر السامان و اعتصموا بحبل وراءه ، و رجع لؤلؤ عنهم و شكر له الموفق و رفع منزلته و استبشر الناس بالفتح . و جمع الموفق أصحابه فوبخهم على انقطاعهم عنه فاستعذروا بأنهم ظنوا انصرافه . ثم تحالفوا على الإقدام و الثبات حتى يظفروا و سألوه أن ترد المعابر التي يعبرون فيها ليستميت الناس في حرب عدوهم ، فوعدهم بذلك و أصبح ثالث صفر فعبى المراكب و بعثهم إلى المراكز ورد المعابر التي عبروا فيها و تقدم سرعان العسكر فأوقعوا بالخبيث و أصحابه ففضوا جماعة و أثخنوا فيهم قتلاً و أسراً ، و افترقوا كل ناحية . و ثبت مع الخبيث لمة من أصحابه فيهم المهلبي و ذهب ابنه أنكلاي و ابن جامع و اتبع كلاً منهم طائفة من العسكر بأمر أبي العباس ابن الموفق . ثم أسر إبراهيم بن جعفر الهمداني فاستوثقوا منه . ثم كر الخبيث و المنهزمون معه على من اتبعهم من أهل العسكر فأزالوهم عن مواقفهم . ثم رجعوا و مضى الموفق في اتباع الخبيث إلى آخر نهر أبي الخصيب فلقيه غلام من أصحاب لؤلؤ برأس الخبيث و سار أنكلاي نحو الديناري و معه المهلبي و بعث الموفق أصحابه في طلبهم فظفر بهم و بمن معهم ، و كانوا زهاء خمسة آلاف ، فاستوثق منهم ثم استأمن إليه و رمونة و كان عند البطيحة قد اعتصم بمغايض و آجام هنالك يخيف السابلة ، و يغير على تلك النواحي و على الواردين إلى مدينة الموفق . فلما علم بموت الخبيث سقط في يده و بعث يستأمن فأمنه الموفق فحسنت توبته ورد الغصوبات إلى أهلها ظاهراً ، و أمر الموفق بالنداء برجوع الزنج إلى موطنهم فرجعوا و أقام الموفق بمدينة الموفقية ليأمن الناس بمقامه ، و ولى على البصرة و الأبلة و كور دجلة محمد بن حماد و قدم ابنه أبا العباس إلى بغداد فدخلها منتصف جمادي من سنة سبعين و كان خروج صاحب الزنج آخر رمضان سنة خمس و خمسين و قتله أول صفر سنة سبعين لأربع عشرة سنة و أربعة أشهر من دولته .
ولاية ابن كنداج على الموصل
لما سار أحمد بن موسى بن بغا إلى الجزيرة و ولى موسى بن أتامش على ديار ربيعة فتغير لذلك إسحق بن كنداج و فارق عسكره و أوقع بالأكراد اليعقوبية و انتهب أموالهم ثم لقي ابن مساور الخارجي فقتله ، و سار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال ، و كان عليهم علي بن داود قائداً ، فدفعه و سار ابن كنداج إليه ، فخرج علي بن داود و اجتمع حمدان الثعلبي و إسحق بن عمر بن أيوب بن الخطاب الثعلبي العدوي ، فكانوا خمسة عشر ، و جاءهم علي بن داود فلقيهم إسحق في ثلاثة آلاف فهزمهم بدسيسة من أهل مسيرتهم ، و سار حمدان و علي بن داود إلى نيسابور ، و ابن أيوب إلى نصيبين ، و ابن كنداج في اتباعه ، فسار عنها و استجار بعيسى ابن الشيخ الشيباني و هو بآمد ، و أبي العز موسى بن زرارة و هو عامل أردن ، فأنجداه و بعث المعتمد إلى إسحق بن كنداج بولاية الموصل فدخلها ، و أرسل إليه ابن الشيخ و ابن زرارة مائة ألف دينار على أن يقرهم على أعمالهم فأبى ، فاجتمعوا على حربه ، فرجع إلى إجابتهم . ثم حاربوه سنة سبع و ستين . و اجتمع لحربه إسحق بن أيوب و عيسى ابن الشيخ و أبو العز بن حمدان بن حمدون في ربيعة و ثعلب و بكر و اليمن فهزمهم ابن كنداج إلى نصيبين ، ثم إلى آمد و حمر عسكراً لحصار ابن الشيخ بآمد و كانت بينهم حروب .
حروب الخوارج بالموصل
كان مساور الخارجي قد هلك في حروبه مع العساكر سنة ثلاث و ستين بالبوارسح و أراد أصحابه ولاية محمد بن حرداد بشهرزور فامتنع ، و بايعوا أيوب بن حيان المعروف بالغلام فقتل ، فبايعوا هرون بن عبد الله البجلي و كثر أتباعه و استولى على بلد الموصل ، و خرج عليه من أصحابه محمد بن حرداد ، و كان كثير العبادة و الزهد يجلس على الأرض و يلبس الصوف الغليظ و يركب البقر لئلا يفر في الحرب ، فنزل واسط و جاء وجوه أهل الموصل ، فسار إليهم و هرون غائب في الأحشاد ، فبادر إليه و اقتتلا ، و انهزم هرون و قتل من أصحابه نحو مائتين ، و قصد بني ثعلب مستنجداً بهم فأنجدوه و سار معه حمدان بن حمدون و دخل معه الموصل ، و دخل ابن حرداد ، و استمال هرون أصحابه ، و رجع إلى الحديثة ، و لم يبق مع ابن حرداد إلا قليل من الأكراد فمالوا إلى هرون بالموصل ، فخرج و أوقع بابن حرداد فقتله و أوقع بالأكراد الجلالية و كثر أتباعه ، و غلب على القرى و الرساتيق ، و جعل على دجلة من يأخذ الزكاة من الأموال المصعدة و المنحدرة ، و وضع في الرساتيق من يقبض اعتبار الغلات ، و استقام أمره . ثم جاء بنو ساسان لقتاله سنة ست و سبعين و استنجد بحمدان بن حمدون فجاءه بنفسه ، و سار إلى نهر الخازن و انهزمت طليعتهم ، و انهزموا بانهزامها ، و جاء بنو شيبان إلى فسا فانجفل أهلها و أقام هرون و أصحابه بالحديثة .
أخبار رافع بن هرثمة من بعد الخجستاني
لما قتل أحمد الخجستاني سنة ثمان و ستين كما قدمناه اجتمع أصحابه على رافع بن هرثمة من قواد محمد بن طاهر ، و كان رافع هذا لما استولى يعقوب الصفار على نيسابور ، و زال بنو طاهر ، صار رافع في جملته ، و صحبه إلى سجستان . ثم أقصاه عن خدمته و عاد إلى منزله بنواحي جي حتى استخدمه الخجستاني و جعله صاحب جيشه . فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش عليه بهراة و أمروه و سار إلى نيسابور فحاصر بها أبا طلحة بن شركب و قد كان وصل إليها من جرجان ، فضيق عليه المخنق ففارقها أبو طلحة إلى مرو ، و ولى على هراة ابن المهدي و خطب لمحمد بن طاهر بمرو و هراة و زحف إليه عمرو بن الليث فهزمه و غلبه على مابيده . و استخلف على مرو محمد بن سهل بن هاشم ، و خرج أبو طلحة إلى مكمد و استعان بإسمعيل بن أحمد الساماني ، فأمده بعسكر و أخرج محمد بن سهل ، و خطب بها لعمرو بن الليث سنة احدى و سبعين . ثم قلد الموفق تلك السنة أعمال خراسان لمحمد ابن طاهر ، و هو ببغداد ، فاستخلف عليها رافع بن الليث و أقر على ما وراء النهر نصر بن أحمد . و وردت كتب الموفق بعزل عمرو بن الليث و لعنه ، فسار رافع إلى هراة و قد كان بها محمد بن المهدي خليفة أبي طلحة ، فثار عليه يوسف بن معبد . فلما جاء رافع استأمن إليه فأمنه و استعمل على هراة مهدي بن محسن . ثم سار رافع إلى أبي طلحة بمرو بعد أن استمد إسمعيل بن أحمد و أمده بنفسه في أربعة آلاف فارس ، و استقدم علي بن محسن المروروزي فقدم عليه في عسكره ، و ساروا جميعاً إلى أبي طلحة بمرو سنة اثنتين و سبعين ، فهزموه و عاد إسمعيل إلى بخارى و لحق بأبي طلحة و بها مهدي ، فاجتمع معه على مخالفة رافع فهزمهما رافع ، و لحق أبو طلحة بعمرو بن الليث و قبض على مهدي سنة اثنتين و سبعين ثم خلى سبيله و سار رافع إلى خوارزم فجبى أموالها و رجع إلى نيسابور .
مغاضبة المعتمد للموفق و مسيرة ابن طولون و ما نشأ من الفتنة لأجل ذلك
كان الموفق حدثت بينه و بين ابن طولون و حشة و أراد عزله ، و بعث موسى بن بغا في العساكر إليه سنة اثنتين و ستين فأقام بالرقة عشرة أشهر ، و اختلف عليه العسكر فرجع ، و كان الموفق مستبدا على أخيه المعتمد منذ قيامه بأمر دولته مع ما كان من الكفاية و الغناء ، إلا أنه كان المعتمد يتأفف من الحجر ، و كتب إلى أحمد بن طولون في السر يشكو ذلك و أشار عليه باللحاق إليه بمصر لينصره ، و بعث عسكراً إلى الرقة في انتظاره ، و كان الموفق مشغولاً بحرب الزنج ، فسار المعتمد منتصف سنة تسع و ستين في القواد مظهراً أنه يتصيد ، ثم سار إلى أعمال الموصل و عليها يومئذ و على سائر الجزيرة أصحاب كنداج و كتب صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق إلى إسحق بردة عن طريقه ، و القبض على من معه من القواد . فلما وصل المعتمد إلى عمله أظهر إسحق طاعته ، فارتحل في خدمته إلى أول عمل ابن طولون . ثم اجتمع بالمعتمد و القواد و فيهم نيزك و أحمد بن خاقان و غيرهم فعذلهم في المسير إلى ابن طولون و المقام تحت يده ، و طال الكلام بينهم ملياً ثم دعاهم إلى خيمته للمناظرة في ذلك أدباً مع المعتمد ، و قيدهم و جاء إلى المعتمد فعذله في المسير عن دار خلافته و مغاضبة أخيه ، هو في دفاع عدوه و من يريد خراب ملكه ، و حمل الجميع إلى سامرا . و قطع ابن طولون الدعاء للموفق على منابره و أسقط اسمه من الطرز و غضب الموفق بسبب ذلك على أحمد بن طولون ، و حمل المعتمد على أن يشار بلعنه على المنابر . و ولى إسحق ابن كنداج على أعماله و فوض إليه من باب الشماسية إلى أفريقية ، و كان لؤلؤ مولى ابن طولون عاملاً على حمص و حلب و قنسرين و ديار مصر من الجزيرة . و كان منزله بالرقة فانتقض عليه في هذه السنة ، و سار إلى بالس فنهبها ، و كتب إلى الموفق فمر بقرقيسيا و بها ابن صفوان العقيلي فحاربه و غلبه عليها و سلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق . و وصل إلى الموفق في عسكر عظيم و هو يقاتل صاحب الزنج فأكرمه الموفق و أحسن هو الغناء في تلك الحرب . ثم بعث ابن طولون في تلك السنة جيشه إلى مكة
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
لإقامة الموسم ، و عامل مكة هرون بن محمد ففارقها خوفاً منهم ، و بعث الموفق جعفراً في عسكر فقوي بهم هرون و لقوا أصحاب ابن طولون فهزموهم و صادروا القائد على ألف دينار . و قرئ الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون و انقلب أهل مصر إلى بلدهم آمنين . و لم يزل لؤلؤ في خدمة الموفق إلى أن قبض علية سنة ثلاث و سبعين و صادره على أربعمائة ألف و أدبر أمره ثم ، ثم عاد إلى مصر آخر أيام هرون بن حمادية .
وفاة ابن طولون و مسير ابن كنداج إلى الشام
و في سنة سبعين انتقض بازمان الخادم بطرسوس و قبض على نائبه ، و سار إليه أحمد بن طولون في العساكر و حاصروه فامتنع عليه ، فرجع إلى أنطاكية فمرض هنالك و مات لست و عشرين سنة من ولايته على مصر و ولي بعده ابنه خمارويه ، و انتقضت عليه دمشق فبعث إليها العساكر و عادت إلى طاعته . و كان يومئذ بالموصل و الجزيرة إسحق بن كنداج و على الأنبار و الرحبة و طريق الفرات محمد بن أبي الساج ، فكاتبا الموفق في المسير إلى الشام و استمداه ، فأذن لهما و وعدهما بالمدد ، فسارا و ملكا ما يجاورهما من بلاده ، و استولى إسحق على أنطاكية و حلب و حمص ، و كاتبه نائب دمشق و اجتمع الخلاف على خمارويه فسار إليه فهرب غلى شيزر و هي في طاعة خمارويه ، و دمشق . و جاء أبو العباس بن الموفق و هو المعتضد من بغداد بالعساكر فكبس شيزر و قتل من جند ابن طولون مقتله عظيمة ، و لحق فلهم بدمشق و أبو العباس في اتباعهم ، فجلوا عنها ، و ملكها في شعبان سنة احدى و سبعين . و رجعت عساكر خمارويه إلى الرملة فأقاموا بها . و زحف إسحق بن كنداج إلى الرقة و عليها و على الثغور و العواصم ابن دعاص من قبل خمارويه فقاتله و كان الظهور لإسحق . ثم زحف أبو العباس المعتضد من دمشق إلى الرملة ، و سار خمارويه من مصر و اجتمع بعساكره في الرملة على ماء الطواحين ، و كان المعتضد قد استفسد لابن كنداج و ابن أبي الساج و نسبهما إلى الجبن في انتظارهما إياه في محاربة خمارويه . و عبى المعتضد عساكره و لقي خمارويه و قد أكمن له ، فانهزم خمارويه أولاً و ملك المعتضد خيامه ، و شغل أصحابه بالنهب فخرج عليهم الكمين فانهزم المعتضد إلى دمشق ، فلم يفتح له أهلها ، فراح إلى طرسوس و أقام العسكران يقتتلان دون أمير ، و أقام أصحاب خمارويه عليهم أخاه سعداً مكانه ، و ذهبوا إلى الشام فملكوه أجمع ، و أذهبوا منه دعوة الموفق وابنه . و بلغ الخبر إلى خمارويه فسر و أطلق الأسرى الذين كانوا معه . ثم ثار أهل طرسوس بأبي العباس فأخرجوه ، و سار إلى بغداد و ولوا عليهم مازيار ، فاستبد بها ثم دعا لخمارويه بعد أن وصله بمال جليل يقال أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار و خمسمائة ثوب و خمسمائة مطرف و سلاحاً كثيراً ، فدعا له ثم بعث إليه بخمسين ألف دينار .
وفاة صاحب طبرستان و ولاية أخيه
ثم توفي الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين لعشرين سنة من ولايته و ولي مكانه أخوه و كان على قزوين أتكوتكين فسار إلى الري في أربعة آلاف فارس ، و سار إليه محمد بن زيد في عالم كثير من الديلم و الخراسانية ، و التقوا فانهزم محمد بن زيد و قتل من عسكره نحو من ستة آلاف و أسر ألفان ، و غنم أتكوتكين عسكراً و ملك الري و أغرم أهلها مائة ألف دينار ، و فرق عماله عليها ، و سار محمد بن زيد إلى جرجان ، ثم عزل عمرو بن الليث عن خراسان و ولى عليها محمد بن طاهر ، و استخلف محمد بن رافع بن هرثمة ، و سار سنة خمس و سبعين إلى جرجان و هرب عنها ليلاً إلى استرياد فحاصره رافع فيها سنتين حتى أجهده الحصار ، ففر عنها ليلاً إلى سارية ، فاتبعه عن طبرستان سنة سبع و سبعين ، و استأمن رستم بن قارن إلى رافع بطبرستان فأمنه ، و بعث إلى سالوس محمد بن هرون نائباً عنه و أتاه بها علي ابن كاني مستأمناً . ثم جاءه محمد و حاصرهما بسالوس ، و انقطعت أخبارهما عن نافع . ثم جاءه الخبر بحصارهما فسار إليهما فارتحل محمد بن زيد إلى أرض الديلم ، فدخل رافع خلفه و أثخن فيها نهباً و تخريباً إلى حدود قزوين ، و عاد إلى الري إلى أن توفي المعتمد سنة تسع و تسعين .
فتنة ابن كنداج و ابن أبي الساج و ابن طولون
كان ابن أبي الساج في أعماله بقنسرين و الفرات و الرحبة ينافس إسحق و هو على الجزيرة ، و يريد التقدم عليه ، فحدثت لذلك منهما فتنة . فخطب ابن أبي الساج لخمارويه بن طولون . و بعث ابنه ديواداد رهينة إليه ، فبعث إليه خمارويه أموالاً جمة و سار إلى الشام ، و اجتمع بابن أبي الساج ببالس ، ثم عبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة ، و هزم إسحق بن كنداج ، و استولى على أعماله . و عبر خمارويه و نزل الرقة و مضى إسحق إلى قلعة ماردين و حاصره ابن أبي الساج بها ، ثم أفرج عنها و سار إلى سنجار لقتال بعض الأعراب فسار ابن كنداج من ماردين إلى الموصل ، فاعترضه ابن أبي الساج ، و هزمه فعاد إلى ماردين ، و استولى ابن أبي الساج على الجزيرة و الموصل ، و خطب فيهما لخمارويه ثم لنفسه بعد ، و بعث غلامه فتحاً إلى أعمال الموصل لجباية الخراج . و كان اليعقوبية من السراة قريباً منه ، فهادنهم ، ثم غدر بهم فكسبهم ، و جاءهم أصحابهم من غير شعور ، فحملوا على أصحاب فتح فاستلحموهم . ثم انتقض ابن أبي الساج و استبيح عسكره . و كان له بحمص مخلف من أثقاله ، فقدم خمارويه طائفة من العسكر إليها ، فاستولوا على ما فيها ، و منعوا ابن أبي الساج من دخولها ، فسار إلى حلب ، ثم إلى الرقة و خمارويه في اتباعه ، فعبر الفرات إلى الموصل ، و جاء خمارويه إلى بلد و أقام بها و سار ابن أبي الساج إلى الحديثة و كان إسحق بن كنداج قد لحق بخمارويه من ماردين فبعث معه جيشاً و جماعة من القواد ، و سار في طلب ابن أبي الساج ، و قد عبر دجلة فجمع ابن كنداج السفن ليوطئ جسراً للعبور . و بينما هو في ذلك أسرى ابن أبي الساج من تكريت إلى الموصل ، فوصلها لرابعة و سار ابن كنداج في اتباعه ، فاقتتلوا بظاهر الموصل و اين أبي الساج في ألفين ، فصبر و اشتد القتال ، و انهزم ابن كنداج و هو في عشرين ألفاً . فخلص إلى الرقة و محمد بن أبي الساج في اتباعه . و كتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى بلاد خمارويه بالشام ، فأمره بالتوقف إلى وصول المدد من عنده ، و مضى ابن كنداج إلى جمارويه فجاء بجيوشه إلى الفرات ، و توافق مع ابن أبي الساج و الفرات بينهما . ثم عبرت طائفة من عسكر ابن كنداج فأوقعوا بطائفة من عسكر ابن أبي الساج فانهزموا إلى الرقة ، فسار ابن أبي الساج عن الرقة إلى بغداد سنة ست و سبعين في ربيع منها ، فأكرمه الموفق و وصله و استولى ابن كنداج على ديار ربيعة من أعمال الجزيرة ، و أقام بها و ولى الموفق بن أبي الساج على أذربيجان ، فسار إليها فخرج إليه عبد الله بن الحسين الهمذاني عامل مراغة ليصده فهزمه ابن أبي الساج فحاصره و أخذ منه مراغة سنة ثمان و سبعين و قتله . و استقر ابن أبي الساج في عمله بأذربيجان .
أخبار عمرو بن الليث
كان عمرو بن الليث بعد مهلك أخيه يعقوب قد ولاه الموفق خراسان و أصبهان و سجستان و السند و كرمان و الشرطة ببغداد كما كان أخوه ، و قد ذكرنا ذلك قبل . و كان عامله على فارس ابن الليث فانتقض عليه سنة ثمان و ستين فسار عمر و لحربه فهزمه و استباح عسكره و نهب أصطخر ثم ظفرت جيوشه بمحمد و أسره و حبسه بكرمان ، فأقام بها ثم بعث إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف و هو بأصبهان يطلبه بالمال . فبعث إليه بالأموال ، و بعث عمرو إلى الموفق بثلثمائة ألف دينار ، و بخمسين منا من المسك و مثلها من العنبر و مائتين من العود ، و ثلثمائة ثوب من الوشي و من آنية الذهب و الفضة و الدواب و الغلمان قيمة مائة ألف دينار . و استأذنه في غزو محمد ابن عبيد الكردي في رامهرمز فأذن له ، فبعث قائداً من جيشه إليه فأسره و جاء به إلى عمرو ، ثم عزل المعتمد سنة احدى و ستين عمرو بن الليث عما كان قلده من الأعمال ، و أدخل إليه الحاج من أهلها عند منصرفهم من مكة ، فأعلمهم بعزله ، و أنه قد ولى على خراسان محمد بن طاهر ، و أمر بلعن عمرو على المنابر . و جهز مخلد ابن صاعد إلى فارس لحرب عمرو ، و استخلف محمد بن طاهر على خراسان رافع بن هرثمة ، و كتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بقتاله ، و بعث إليه الجيوش فاقتتلوا مع عمرو ، و كان في خمسة عشر ألف مقاتل ، فانهزم عمرو و خرج قائده الديلمي و قتل مائة من أعيانهم و أسر ثلاثة آلاف ، فأستأمن منهم و غنموا من عسكره ما لا يحصى . ثم زحف الموفق سنة أربع و سبعين إلى فارس لحرب عمرو فأنفد عمرو ابنه محمدا إلى أرجان في العساكر ، و على مقدمته أبو طلحة بن شركب و عباس بن إسحق إلى سيراف ، و استأمن أبو طلحة إلى الموفق ففت ذلك في عضد عمرو ، و عاد إلى كرمان و استراب الموفق بأبي طلحة فقبض عليه قريباً من شيراز ، و جعل ماله لابنه أبي العباس المعتضد ، و سار في طلب عمرو ، فخرج من كرمان إلى سجستان و مات ابنه محمد بالمفازة ، و رجع عنه الموفق و سار رافع بن الليث من خراسان و غلب محمد بن زيد على طبرستان كما قدمناه ، و قدم عليه هنالك علي بن الليث هو و ابناه المعدل والليث بن حسن أخيه علي بكرمان ثم قتله رافع سنة ثمان و ستين .
مسير الموفق إلى أصبهان و الجبل
كان كاتب أتوتكين أنهى إلى المعتضد أن له مالاً عظيماً ببلاد الجبل فتوجه لذلك فلم يجد شيئاً ثم سار إلى الكرخ إلى أصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فتنحى أحمد عن البلد بعسكره ، و ترك داره بفرشها لنزل الموفق عند قدومه ، ثم رجع الموفق إلى بغداد .
قبض الموفق على ابنه أبي العباس المعتضد ثم وفاته و قيام ابنه أبي العباس بالامر بعده
كان الموفق بعد رجوعه من أصبهان نزل واسط ، ثم عاد إلى بغداد و ترك المعتمد بالمدائن ، و أمر ابنه أبا العباس و هو المعتضد بالمسير إلى بعض الوجوه فأبى ، فأمر بحبسه ، و وكل به . و ركب القواد من أصحابه و اضطربت بغداد فركب الموفق إلى الميدان و سكن الناس ، و قال : إني احتجت إلى تقويم ابني فقومته ، فانصرف الناس و ذلك سنة ست و سبعين . و كان عند منصرفه من الجبل قد اشتد به وجع النقرس و لم يقدر على الركوب ، فكان يحمل في المحفة ، و وصل إلى داره في صفر من سنة سبع ، و طال مرضه و بعث كاتبه أبا الصفر ابن بلبل إلى الميدان ، فجاء بالمعتمد و أولاده و أنزله بداره ، و لم يأت دار الموفق ، فارتاب الأولياء لذلك ، و عمد غلمان أبي العباس فكسروا الأقفال المغلقة عليه و أخرجوه و أقعدوه عند رأس أبيه وهو يجود بنفسه ، فلما فتح عينه قربه و أدناه و جمع أبو الصقر عنده القواد و الجند . ثم تسامع الناس أن الموفق حي ، فتسللوا عن أبي الصقر و أولهم محمد بن أبي الساج ، فلم يسع أبا الصقر إلا الحضور بدار الموفق ، فحضر هو و ابنه و أشاع أعداء أبي الصقر أنه هرب بمال الموفق إلى المعتمد ، فنهبوا داره ، و أخرجت نساؤه حفاة عراة ، و نهب ما يجاوره من الدور ، و فتقت السجون ، ثم خلع الموفق على ابنه أبي العباس و أبي الصقر ، و ركب إلى منزلهما و ولى أبو العباس غلامه بدار الشرطة . ثم مات لثمان بقين من صقر سنة ثمان و سبعين و دفن بالرصافة . و اجتمع القواد فبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بالله ، و اجتمع عليه أصحاب أبيه ، ثم قبض المعتضد على أبي الصقر ابن بلبل و أصحابه ، و انتهبت منازلهم ، و ولى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزارة و بعث محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه و صيفاً إلى بغداد فأبى وصيف و سار إلى السوس فأقام بها .
ابتداء أمر القرامطة
كان ابتداء أمرهم فيما زعموا أن رجلاً ظهر بسواد الكوفة سنة ثمان و سبعين و مائتين يتسم بالزهد ، و كان يدعى قرمط يقال لركوبه على ثور كان صاحبه يدعى كرميطة فعرب و قيل بل اسمه حمدان و لقبه قرمط . و يقال و زعم أنه داعية لأهل البيت للمنتظر منهم و اتبعه العباس فقبض عليه الهيصم عامل الكوفة و حبسه ، ففر من حبسه و زعم أن الإغلاق لا يمنعه . ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد ابن الحنفية ، و جاء بكتاب تناقله القرمطة فيه بعد البسملة : يقول الفرح بن عثمان من قرية نصرانه أنه داعية المسيح و هو عيسى ، و هو الكلمة ، و هو المهدي ، هو أحمد بن محمد بن الحنيفة ، و هو جبريل . و إن المسيح تصور له في جسم إنسان فقال له إنك الداعية و إنك الحجة و إنك الناقة و إنك الدابة و إنك يحيى بن زكريا و إنك روح القدس ، و عرفه أن الصلاة أربع ركعات قبل طلوع الشمس و ركعتان قبل غروبها ، و أن الأذان بالتكبير في افتتاحه و شهادة التوحيد مرتين ، ثم شهادة بالرسلة لآدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم عيسى ثم محمد صلوات الله عليهم ، ثم لأحمد بن محمد بن الحنيفة و يقرأ الاستفتاح في كل ركعة و هو من المنزل على أحمد بن محمد الحنيفة ، و القبلة بيت المقدس و الجمعة يوم الاثنين ، و لا يعمل فيه شيء . و السورة التي يقرأ فيها : الحمد لله بكلمته و تعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه ، قل إن الأهلة مواقيت للناس ، ظاهرها ليعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام ، و باطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي ، إتقوني يا أولى الألباب ، و أنا الذي لا أسأل عما أفعل و أنا العليم الحكيم ، و أنا الذي أبلو عبادي و أمتحن خلقي ، فمن صبر على بلائي و محنتي و اختباري ألقيته في جنتي و في نعمتي ، و من زال عن أمري و كذب رسلي أخلدته مهاناً في عذابي و أتممت أجلي و أظهرت على ألسنة رسلي . فأنا الذي لم يعل جبار إلا وضعته و أذللته . فبئس الذي أصر على أمره ، و دام على جهالته . و قال : لن نبرح عليه عاكفين و به موقنين أولئك هم الكافرون . ثم يركع و يقول في ركوعه : مرتين سبحان ربي و رب العزة و تعالى عما يصف الظالمون ، و في سجوده الله أعلى مرتين ، الله أعظم مره ، و الصوم مشروع يوم
وفاة ابن طولون و مسير ابن كنداج إلى الشام
و في سنة سبعين انتقض بازمان الخادم بطرسوس و قبض على نائبه ، و سار إليه أحمد بن طولون في العساكر و حاصروه فامتنع عليه ، فرجع إلى أنطاكية فمرض هنالك و مات لست و عشرين سنة من ولايته على مصر و ولي بعده ابنه خمارويه ، و انتقضت عليه دمشق فبعث إليها العساكر و عادت إلى طاعته . و كان يومئذ بالموصل و الجزيرة إسحق بن كنداج و على الأنبار و الرحبة و طريق الفرات محمد بن أبي الساج ، فكاتبا الموفق في المسير إلى الشام و استمداه ، فأذن لهما و وعدهما بالمدد ، فسارا و ملكا ما يجاورهما من بلاده ، و استولى إسحق على أنطاكية و حلب و حمص ، و كاتبه نائب دمشق و اجتمع الخلاف على خمارويه فسار إليه فهرب غلى شيزر و هي في طاعة خمارويه ، و دمشق . و جاء أبو العباس بن الموفق و هو المعتضد من بغداد بالعساكر فكبس شيزر و قتل من جند ابن طولون مقتله عظيمة ، و لحق فلهم بدمشق و أبو العباس في اتباعهم ، فجلوا عنها ، و ملكها في شعبان سنة احدى و سبعين . و رجعت عساكر خمارويه إلى الرملة فأقاموا بها . و زحف إسحق بن كنداج إلى الرقة و عليها و على الثغور و العواصم ابن دعاص من قبل خمارويه فقاتله و كان الظهور لإسحق . ثم زحف أبو العباس المعتضد من دمشق إلى الرملة ، و سار خمارويه من مصر و اجتمع بعساكره في الرملة على ماء الطواحين ، و كان المعتضد قد استفسد لابن كنداج و ابن أبي الساج و نسبهما إلى الجبن في انتظارهما إياه في محاربة خمارويه . و عبى المعتضد عساكره و لقي خمارويه و قد أكمن له ، فانهزم خمارويه أولاً و ملك المعتضد خيامه ، و شغل أصحابه بالنهب فخرج عليهم الكمين فانهزم المعتضد إلى دمشق ، فلم يفتح له أهلها ، فراح إلى طرسوس و أقام العسكران يقتتلان دون أمير ، و أقام أصحاب خمارويه عليهم أخاه سعداً مكانه ، و ذهبوا إلى الشام فملكوه أجمع ، و أذهبوا منه دعوة الموفق وابنه . و بلغ الخبر إلى خمارويه فسر و أطلق الأسرى الذين كانوا معه . ثم ثار أهل طرسوس بأبي العباس فأخرجوه ، و سار إلى بغداد و ولوا عليهم مازيار ، فاستبد بها ثم دعا لخمارويه بعد أن وصله بمال جليل يقال أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار و خمسمائة ثوب و خمسمائة مطرف و سلاحاً كثيراً ، فدعا له ثم بعث إليه بخمسين ألف دينار .
وفاة صاحب طبرستان و ولاية أخيه
ثم توفي الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان في رجب سنة سبعين لعشرين سنة من ولايته و ولي مكانه أخوه و كان على قزوين أتكوتكين فسار إلى الري في أربعة آلاف فارس ، و سار إليه محمد بن زيد في عالم كثير من الديلم و الخراسانية ، و التقوا فانهزم محمد بن زيد و قتل من عسكره نحو من ستة آلاف و أسر ألفان ، و غنم أتكوتكين عسكراً و ملك الري و أغرم أهلها مائة ألف دينار ، و فرق عماله عليها ، و سار محمد بن زيد إلى جرجان ، ثم عزل عمرو بن الليث عن خراسان و ولى عليها محمد بن طاهر ، و استخلف محمد بن رافع بن هرثمة ، و سار سنة خمس و سبعين إلى جرجان و هرب عنها ليلاً إلى استرياد فحاصره رافع فيها سنتين حتى أجهده الحصار ، ففر عنها ليلاً إلى سارية ، فاتبعه عن طبرستان سنة سبع و سبعين ، و استأمن رستم بن قارن إلى رافع بطبرستان فأمنه ، و بعث إلى سالوس محمد بن هرون نائباً عنه و أتاه بها علي ابن كاني مستأمناً . ثم جاءه محمد و حاصرهما بسالوس ، و انقطعت أخبارهما عن نافع . ثم جاءه الخبر بحصارهما فسار إليهما فارتحل محمد بن زيد إلى أرض الديلم ، فدخل رافع خلفه و أثخن فيها نهباً و تخريباً إلى حدود قزوين ، و عاد إلى الري إلى أن توفي المعتمد سنة تسع و تسعين .
فتنة ابن كنداج و ابن أبي الساج و ابن طولون
كان ابن أبي الساج في أعماله بقنسرين و الفرات و الرحبة ينافس إسحق و هو على الجزيرة ، و يريد التقدم عليه ، فحدثت لذلك منهما فتنة . فخطب ابن أبي الساج لخمارويه بن طولون . و بعث ابنه ديواداد رهينة إليه ، فبعث إليه خمارويه أموالاً جمة و سار إلى الشام ، و اجتمع بابن أبي الساج ببالس ، ثم عبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة ، و هزم إسحق بن كنداج ، و استولى على أعماله . و عبر خمارويه و نزل الرقة و مضى إسحق إلى قلعة ماردين و حاصره ابن أبي الساج بها ، ثم أفرج عنها و سار إلى سنجار لقتال بعض الأعراب فسار ابن كنداج من ماردين إلى الموصل ، فاعترضه ابن أبي الساج ، و هزمه فعاد إلى ماردين ، و استولى ابن أبي الساج على الجزيرة و الموصل ، و خطب فيهما لخمارويه ثم لنفسه بعد ، و بعث غلامه فتحاً إلى أعمال الموصل لجباية الخراج . و كان اليعقوبية من السراة قريباً منه ، فهادنهم ، ثم غدر بهم فكسبهم ، و جاءهم أصحابهم من غير شعور ، فحملوا على أصحاب فتح فاستلحموهم . ثم انتقض ابن أبي الساج و استبيح عسكره . و كان له بحمص مخلف من أثقاله ، فقدم خمارويه طائفة من العسكر إليها ، فاستولوا على ما فيها ، و منعوا ابن أبي الساج من دخولها ، فسار إلى حلب ، ثم إلى الرقة و خمارويه في اتباعه ، فعبر الفرات إلى الموصل ، و جاء خمارويه إلى بلد و أقام بها و سار ابن أبي الساج إلى الحديثة و كان إسحق بن كنداج قد لحق بخمارويه من ماردين فبعث معه جيشاً و جماعة من القواد ، و سار في طلب ابن أبي الساج ، و قد عبر دجلة فجمع ابن كنداج السفن ليوطئ جسراً للعبور . و بينما هو في ذلك أسرى ابن أبي الساج من تكريت إلى الموصل ، فوصلها لرابعة و سار ابن كنداج في اتباعه ، فاقتتلوا بظاهر الموصل و اين أبي الساج في ألفين ، فصبر و اشتد القتال ، و انهزم ابن كنداج و هو في عشرين ألفاً . فخلص إلى الرقة و محمد بن أبي الساج في اتباعه . و كتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى بلاد خمارويه بالشام ، فأمره بالتوقف إلى وصول المدد من عنده ، و مضى ابن كنداج إلى جمارويه فجاء بجيوشه إلى الفرات ، و توافق مع ابن أبي الساج و الفرات بينهما . ثم عبرت طائفة من عسكر ابن كنداج فأوقعوا بطائفة من عسكر ابن أبي الساج فانهزموا إلى الرقة ، فسار ابن أبي الساج عن الرقة إلى بغداد سنة ست و سبعين في ربيع منها ، فأكرمه الموفق و وصله و استولى ابن كنداج على ديار ربيعة من أعمال الجزيرة ، و أقام بها و ولى الموفق بن أبي الساج على أذربيجان ، فسار إليها فخرج إليه عبد الله بن الحسين الهمذاني عامل مراغة ليصده فهزمه ابن أبي الساج فحاصره و أخذ منه مراغة سنة ثمان و سبعين و قتله . و استقر ابن أبي الساج في عمله بأذربيجان .
أخبار عمرو بن الليث
كان عمرو بن الليث بعد مهلك أخيه يعقوب قد ولاه الموفق خراسان و أصبهان و سجستان و السند و كرمان و الشرطة ببغداد كما كان أخوه ، و قد ذكرنا ذلك قبل . و كان عامله على فارس ابن الليث فانتقض عليه سنة ثمان و ستين فسار عمر و لحربه فهزمه و استباح عسكره و نهب أصطخر ثم ظفرت جيوشه بمحمد و أسره و حبسه بكرمان ، فأقام بها ثم بعث إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف و هو بأصبهان يطلبه بالمال . فبعث إليه بالأموال ، و بعث عمرو إلى الموفق بثلثمائة ألف دينار ، و بخمسين منا من المسك و مثلها من العنبر و مائتين من العود ، و ثلثمائة ثوب من الوشي و من آنية الذهب و الفضة و الدواب و الغلمان قيمة مائة ألف دينار . و استأذنه في غزو محمد ابن عبيد الكردي في رامهرمز فأذن له ، فبعث قائداً من جيشه إليه فأسره و جاء به إلى عمرو ، ثم عزل المعتمد سنة احدى و ستين عمرو بن الليث عما كان قلده من الأعمال ، و أدخل إليه الحاج من أهلها عند منصرفهم من مكة ، فأعلمهم بعزله ، و أنه قد ولى على خراسان محمد بن طاهر ، و أمر بلعن عمرو على المنابر . و جهز مخلد ابن صاعد إلى فارس لحرب عمرو ، و استخلف محمد بن طاهر على خراسان رافع بن هرثمة ، و كتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف يأمره بقتاله ، و بعث إليه الجيوش فاقتتلوا مع عمرو ، و كان في خمسة عشر ألف مقاتل ، فانهزم عمرو و خرج قائده الديلمي و قتل مائة من أعيانهم و أسر ثلاثة آلاف ، فأستأمن منهم و غنموا من عسكره ما لا يحصى . ثم زحف الموفق سنة أربع و سبعين إلى فارس لحرب عمرو فأنفد عمرو ابنه محمدا إلى أرجان في العساكر ، و على مقدمته أبو طلحة بن شركب و عباس بن إسحق إلى سيراف ، و استأمن أبو طلحة إلى الموفق ففت ذلك في عضد عمرو ، و عاد إلى كرمان و استراب الموفق بأبي طلحة فقبض عليه قريباً من شيراز ، و جعل ماله لابنه أبي العباس المعتضد ، و سار في طلب عمرو ، فخرج من كرمان إلى سجستان و مات ابنه محمد بالمفازة ، و رجع عنه الموفق و سار رافع بن الليث من خراسان و غلب محمد بن زيد على طبرستان كما قدمناه ، و قدم عليه هنالك علي بن الليث هو و ابناه المعدل والليث بن حسن أخيه علي بكرمان ثم قتله رافع سنة ثمان و ستين .
مسير الموفق إلى أصبهان و الجبل
كان كاتب أتوتكين أنهى إلى المعتضد أن له مالاً عظيماً ببلاد الجبل فتوجه لذلك فلم يجد شيئاً ثم سار إلى الكرخ إلى أصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فتنحى أحمد عن البلد بعسكره ، و ترك داره بفرشها لنزل الموفق عند قدومه ، ثم رجع الموفق إلى بغداد .
قبض الموفق على ابنه أبي العباس المعتضد ثم وفاته و قيام ابنه أبي العباس بالامر بعده
كان الموفق بعد رجوعه من أصبهان نزل واسط ، ثم عاد إلى بغداد و ترك المعتمد بالمدائن ، و أمر ابنه أبا العباس و هو المعتضد بالمسير إلى بعض الوجوه فأبى ، فأمر بحبسه ، و وكل به . و ركب القواد من أصحابه و اضطربت بغداد فركب الموفق إلى الميدان و سكن الناس ، و قال : إني احتجت إلى تقويم ابني فقومته ، فانصرف الناس و ذلك سنة ست و سبعين . و كان عند منصرفه من الجبل قد اشتد به وجع النقرس و لم يقدر على الركوب ، فكان يحمل في المحفة ، و وصل إلى داره في صفر من سنة سبع ، و طال مرضه و بعث كاتبه أبا الصفر ابن بلبل إلى الميدان ، فجاء بالمعتمد و أولاده و أنزله بداره ، و لم يأت دار الموفق ، فارتاب الأولياء لذلك ، و عمد غلمان أبي العباس فكسروا الأقفال المغلقة عليه و أخرجوه و أقعدوه عند رأس أبيه وهو يجود بنفسه ، فلما فتح عينه قربه و أدناه و جمع أبو الصقر عنده القواد و الجند . ثم تسامع الناس أن الموفق حي ، فتسللوا عن أبي الصقر و أولهم محمد بن أبي الساج ، فلم يسع أبا الصقر إلا الحضور بدار الموفق ، فحضر هو و ابنه و أشاع أعداء أبي الصقر أنه هرب بمال الموفق إلى المعتمد ، فنهبوا داره ، و أخرجت نساؤه حفاة عراة ، و نهب ما يجاوره من الدور ، و فتقت السجون ، ثم خلع الموفق على ابنه أبي العباس و أبي الصقر ، و ركب إلى منزلهما و ولى أبو العباس غلامه بدار الشرطة . ثم مات لثمان بقين من صقر سنة ثمان و سبعين و دفن بالرصافة . و اجتمع القواد فبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بالله ، و اجتمع عليه أصحاب أبيه ، ثم قبض المعتضد على أبي الصقر ابن بلبل و أصحابه ، و انتهبت منازلهم ، و ولى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزارة و بعث محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه و صيفاً إلى بغداد فأبى وصيف و سار إلى السوس فأقام بها .
ابتداء أمر القرامطة
كان ابتداء أمرهم فيما زعموا أن رجلاً ظهر بسواد الكوفة سنة ثمان و سبعين و مائتين يتسم بالزهد ، و كان يدعى قرمط يقال لركوبه على ثور كان صاحبه يدعى كرميطة فعرب و قيل بل اسمه حمدان و لقبه قرمط . و يقال و زعم أنه داعية لأهل البيت للمنتظر منهم و اتبعه العباس فقبض عليه الهيصم عامل الكوفة و حبسه ، ففر من حبسه و زعم أن الإغلاق لا يمنعه . ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد ابن الحنفية ، و جاء بكتاب تناقله القرمطة فيه بعد البسملة : يقول الفرح بن عثمان من قرية نصرانه أنه داعية المسيح و هو عيسى ، و هو الكلمة ، و هو المهدي ، هو أحمد بن محمد بن الحنيفة ، و هو جبريل . و إن المسيح تصور له في جسم إنسان فقال له إنك الداعية و إنك الحجة و إنك الناقة و إنك الدابة و إنك يحيى بن زكريا و إنك روح القدس ، و عرفه أن الصلاة أربع ركعات قبل طلوع الشمس و ركعتان قبل غروبها ، و أن الأذان بالتكبير في افتتاحه و شهادة التوحيد مرتين ، ثم شهادة بالرسلة لآدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم عيسى ثم محمد صلوات الله عليهم ، ثم لأحمد بن محمد بن الحنيفة و يقرأ الاستفتاح في كل ركعة و هو من المنزل على أحمد بن محمد الحنيفة ، و القبلة بيت المقدس و الجمعة يوم الاثنين ، و لا يعمل فيه شيء . و السورة التي يقرأ فيها : الحمد لله بكلمته و تعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه ، قل إن الأهلة مواقيت للناس ، ظاهرها ليعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام ، و باطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي ، إتقوني يا أولى الألباب ، و أنا الذي لا أسأل عما أفعل و أنا العليم الحكيم ، و أنا الذي أبلو عبادي و أمتحن خلقي ، فمن صبر على بلائي و محنتي و اختباري ألقيته في جنتي و في نعمتي ، و من زال عن أمري و كذب رسلي أخلدته مهاناً في عذابي و أتممت أجلي و أظهرت على ألسنة رسلي . فأنا الذي لم يعل جبار إلا وضعته و أذللته . فبئس الذي أصر على أمره ، و دام على جهالته . و قال : لن نبرح عليه عاكفين و به موقنين أولئك هم الكافرون . ثم يركع و يقول في ركوعه : مرتين سبحان ربي و رب العزة و تعالى عما يصف الظالمون ، و في سجوده الله أعلى مرتين ، الله أعظم مره ، و الصوم مشروع يوم
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
المهرجان ، و النيروز . و النبيذ حرام و الخمر حلال ، و الغسل من الجنابة كالوضوء . و لا يؤكل ذوناب و لا ذو مخالب ، و من خالفهم و حارب وجب قتله ، و إن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضاً ، و تشهد عليهم بالكذب ، و هذا الفرح ابن يحيى الذي ذكر هذا أول الكتاب أنه داعية القرامطة يلقب عندهم ذكروية بن مهروية . و يقال إن الظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج ، و إنه سار إليه على الأمان ، و قال له : إن ورائي مائة سيف ، فتعال نتناظر فلعلنا نتفق و نتعاون . ثم تناظرا فاختلفا و انصرف قرمط عنه ، و كان يسمى نفسه القائم بالحق . و زعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج .
فتنة طرسوس
قد تقدم لنا انتقاض بازمان بطرسوس على مولاه أحمد بن طولون ، و أنه حاصره فامتنع عليه ، و أنه راجع بعد طاعة ابنه خمارويه مما حمل إليه من الأموال و الأمتعة و السلاح ، فاستقام أمره بطرسوس مدة ، و غزا سنة ثمان و سبعين بالصائفة مع أحمد الجعفي و حاصروا اسكندا فأصيب بحجر منجنيق ، فرجع و هلك في طريقه و دفن بطرسوس . و كان استخلف ابن عجيف فأقره خمارويه و أمده بالخيل و السلاح و المال ، ثم عزله و استعمل عليها ابن عمه ابن محمد بن موسى بن طولون . و لما توفي الموفق نزع خادم من خواصه اسمه راغب إلى الشك ، و طلب المقام بالثغر للجهاد ، فأذن له المعتضد ، فسار إلى طرسوس و حط أثقاله بها و سار إلى لقاء خمارويه بدمشق فأكرمه و استجلب أنسه ، فطال مقامه و ألهم أصحابه بطرسوس أنه قبض عليه ، فأوصلوا أهل البلد في ذلك ، فوثبوا بأميرهم محمد بن موسى حتى يطلق لهم راغب ، و بلغ الخبر إلى خماوريه فأطلقه فجاء إليهم و وبخهم على فعلهم ، فأطلقوا محمد بن موسى و سار عنهم إلى بيت المقدس فأعادوا ابن عجيف إلى ولايته .
فتنة أهل الموصل مع الخوارج
قد تقدم لنا هرون بن سليمان كان على الشراة من الخوارج ، و كان بنو شيبان يقاتلونهم و يغيرون على الموصل . فلما كانت سنة تسع و سبعين جاء بنو شيبان لذلك و أغاروا على نينوى و غيرها من الأعمال ، فاجتمع هرون الشاربي في الخوراج و حمدان ابن حمدون الثعلبي على مدافعتهم . و كان مع بني شيبان هرون بن سيما مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني ، بعثه محمد بن إسحق بن كنداجق والياً على الموصل عندما مات أبوه إسحق ، و ولى مكانه على أعماله بالموصل و ديار ربيعة فلم يرضه أهل الموصل و طردوه ، فسار إلى بني شيبان مستنجداً بهم ، فلما التقى الجمعان إنهزم بنو شيبان أولاً و اشتغل أصحاب حمدان و الخوارج بالنهب ، فكر عليهم بنو شيبان و ظفروا بهم . و كتب هرون بن سيما إلى محمد بن إسحق بن كنداجق يستمده فسار بنفسه ، و خشيه أهل الموصل فسار بعضهم إلى بغداد يطلبون عاملاً يكفيهم أمر ابن كنداجق ، و مروا في طريقهم بمحمد بن يحيى المجروج الموكل بحفظ الطريق فألفوه و قد وصل إليه بولاية العهد الموصل ، فبادر و ملكها ، و تواثق ابن كنداجق في مكانه ، و بعث إلى خمارويه بالهدية ، و يسأل إمارة الموصل كما كان من قبل ، فلم يجبه إلى ذلك ، ثم عزل المجروح و ولى بعده علي بن داود الكردي .
الصوائف أيام المعتمد
وصل الخبر في سنة سبع و خمسين بأن ملك الروم بالقسطنطينية ميخاييل بن روفيل و ثب عليه قريبه مسك ، و يعرف بالصقلي فقتله لأربع و عشرين سنة من ملكه ، و ملك مكانه . و في سنة تسع و خمسين خرجت عساكر الروم فنازلوا سميساط ثم نازلوا مليطة و قاتلهم أهلها فانهزموا ، و قتل بطريق من بطارقتهم . و في سنة ثلاث و ستين استولى الروم على قلعة الصقالبة ، و كانت ثغراً لطرسوس و تسمى قلعة كركرة فرد المعتمد ولاية ثغر طرسوس لابن طولون ، و كان أحمد بن طولون قد خطب ولايتها من الموفق يريد أن يجعلها ركابا لجهاده لخبرته بأحوالها . و كان يردد الغزو من طرسوس إلى بلاد الروم قبل ولاية مصر ، يجبه الموفق ، و ولى عليها الموفق محمد بن هرون الثعلبي ، و اعترضه الشراة أصحاب مساور و هو مسافر في دجلة فقتلوه ، فولى مكانه أماجور بن أولغ بن طرخان من الترك ، فسار إليها و كان غراً جاهلاً ، فأساء السيرة و منع أقران أهل كركرة ميرتهم ، و كتبوا إلى أهل طرسوس يشكون فجمعوا لهم خمسة عشر ألف دينار فأخذها أماجور لنفسه . و أبطأ على أهل القلعة شأنها . فنزلوا عنها و أعطوها الروم ، و كثر أسف أهل طرسوس لذلك بما كانت ثغرهم و عيناً لهم على العدو ، و بلغ ذلك المعتمد ، فكتب لأحمد بن طولون بولايتها و فوض إليه أمر الثغور ، فوليها و استعمل فيها من يحفظ الثغر و يقيم الجهاد ، و قارن ذلك وفاة أماجور عامل دمشق ، و ملك ابن طولون الشام جمعها كما ذكرناه قبل . و في سنة أربع و ستين غزا بالصائفة عبد الله بن رشيد بن كاوس في أربعين ألفاً من أهل الثغور الشامية ، فأثخن فيهم و غنم و رجع ، فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية ، و قرة كوكب و حرسية ، و أحاطوا بالمسلمين فاستمات المسلمون و استلحمهم الروم بالقتل ، و نجا فلهم إلى الثغر ، و أسر عبد الله بن كاوس و حمل إلى القسطنطينية و في سنة خمس و ستين خرج خمسة من بطارقة الروم إلى أذنه فقتلوا و أسروا والي الثغور أوخرد فعزل عنها و أقام مربطاً ، و بعث ملك الروم بعبد الله بن كاوس و من معه من الأسرى إلى أحمد بن طولون ، و أهدى إليه عدة مصاحف . و في سنة ست و ستين لقي أسطول المسلمين أسطول الروم عند صقيلة فظفر الروم بهم ، و لحق من سلم منهم بصقيلة ، و فيها خرجت الروم على ديار ربيعة ، و استنفر الناس ففروا و لم يطيقوا دخول الدرب لشدة البرد فيها . و غزا عامل ابن طولون على الثغور الشامية في ثلثمائة من أهل طرسوس و اعترضهم أربعة آلاف من الروم من بلاد هرقل ، فنال المسلمون منهم أعظم النيل . و في سنة ثمان و ستين خرج ملك الروم ، و فيها غزا بالصائفة خلف الفرغاني عامل ابن طولون على الثغور الشامية فأثخن و رجع . و في سنة سبعين زحف الروم في مائة ألف و نزلوا قلمية على ستة أميال من طرسوس ، فخرج إليهم بازيار فهزمهم و قتل منهم سبعين ألفاً و جماعة من البطارقة ، و قتل مقدمهم بطريق البطارقة ، و غنم منهم سبع صلبان ذهباً و فضة ، و كان أعظمها مكللاً بالجواهر . و غنم خمسة عشر ألف دابة ، و من السروج و السيوف مثل ذلك ، و أربع كراسي من ذهب ، و مائتين من فضة و عشرين علماً من الديباج و آنية كثيرة . و في سنة ثلاث و سبعين غزا بالصائفة بازيار و توغل في أرض الروم و غنم و أسر و سبى و عاد إلى طرسوس . و في سنة ثمان و سبعين دخل أحمد الجعفي طرسوس و غزا مع بازيار بالصائفة و نازلوا إسكندا فأصيب بازيار عليها بحجر منجنيق فرجع و مات في طريقه و دفن بطرسوس .
الولايات بالنواحي أيام المعتز
كانت الفتنة قد ملأت نواحي الدولة من أطرافها و أوساطها و استولى بنو سامان على ما وراء النهر ، و الصفار على سجستان و كرمان و ملك فارس من يد عمال الخليفة ، و انتزع خراسان من بني طاهر و كلهم مع ذلك يقيمون دعوة الخليفة .و غلب الحسن بن زيد على طبرستان و جرجان منازعاً بالدعوة و محارباً بالديلم لابن سامان و الصفار ، و عساكر الخليفة بأصبهان ، و استولى صاحب الزنج على البصرة و الأبلة إلى واسط و كور دجلة منازعاً للدعوة و مشاققاً ، و أضرم تلك النواحي فتنةً . و لم يزل الموفق في محاربته حتى حسم علته و قطع أثره و اضطرمت بلاد الموصل و الجزيرة فتنة بخوارج السراة و بالقرب من بني شيبان و تغلب بالأكراد و استولى ابن طولون على مصر و الشام مقيماً لدعوة الخلافة العباسية ، و ابن الأغلب بأفريقية كذلك . و أما المغرب الأقصى و الأندلس فاقتطعا عن المملكة العباسية منذ أزمان كما قلنا ، و لم يكن للمعتمد مدة خلافته كلها حكم و لا أمر و نهي ، و إنما كان مغلباً لأخيه الموفق و تحت استبداده ، و لم يكن لهما جميعاً كبير ولاية في النواحي باستيلاء من استولى عليها ممن ذكرناه إلا بعض الأجناس ، فلنذكر ما وصل إلينا من هذه الولايات أيام المعتمد ، فلأول ولايته استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان و بعث جعلان لحرب الزنج بالبصرة فكان أمره معهم كما مر . ثم ولى عيسى بن الشيخ من بني شيبان على دمشق فاستأثر بها و منع الخراج ، و جاءه حسين الخادم من بغداد يطلب المال فاعتذر بأنه أنفقه على الجند ، فكتب له المعتمد عهده في أرمينية ليقيم بها دعوته و قلد أماجور دمشق و أعمالها فسار إليها ، و أنفذ عيسى بن الشيخ ابنه منصوراً لقتال أماجور في عشرين ألفاً ، فانهزموا و قتل منصور و سار عيسى إلى أرمينية على طريق الساحل و دخل أماجور دمشق . و في سنة ست و خمسين سار موسى بن بغا لحرب مساور الخارجي فلقيه ساحة جائعين فنال الخوارج منهم ، و فيها كان وثوب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي على الحرث بن سيما عامل فارس ، فقتله و غلب عليها كما مر . و فيها غلب الحسن بن زيد الطالبي على الري فسار إليها موسى بن بغا و غلب على عساكر الحسن ، و ظهر علي بن زيد بالكوفة و ملكها ، و بعث المعتمد لمحاربته كيجور التركي فخرج عنها إلى القادسية ، ثم إلى ختان ثم إلى بلاد بني أسد . و غزاه كيجور من الكوفة فأوقع به و عاد إلى الكوفة ، ثم إلى سر من رأى . و في سنة سبع و خمسين عقد المعتمد لأخيه الموفق على الكوفة و الحرمين و اليمن ثم على بغداد و السواد إلى البصرة و الأهواز و أمره أن يعقد ليارجوج على البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين مكان سعيد الحاجب .و عقد يارجوج على ذلك لمنصور بن جعفر الخياط و نزل الأهواز ثم عقد المعتمد حرب الزنج بالبصرة لأحمد بن المولد ، فسار إليها و قاتل الزنج .و كان بالبطائح سعيد بن أحمد الباهلي متغلباً عليها فأخذه ابن المولد و بعث به إلى سامرا و فيها تغلب يعقوب الصفار على فارس و بعض أعمال خراسان ، و ولاه المعتمد ما غلب عليها و فيها غلب الحسن بن زيد على خراسان ، و انتقضت على ابن طاهر أعمال خراسان ، و فيها اقتطع المعتمد مصر و أعمالها ليارجوج التركي فولى عليها أحمد بن طولون ، و مات يارجوج لسنة بعدها فاستبد ابن طولون بها ، و كان عبد العزيز بن أبي دلف على الري ، فخرج عليها خوفاً من جيوش ابن زيد صاحب طبرستان ، فبعث الحسن من قرابته القاسم بن علي القاسم ، فأساء فيها السيرة . و في سنة ثمان و خمسين قتل منصور بن جعفر الخياط في حرب الزنج ، و ولي يارجوج على أعمال منصور ، فولى عليها أصطيخور ، و هلك في حرب الزنج ، و عقد المعتمد للموفق على ديار مصر و قنسرين و العواصم .و بعثه لحرب الزنج و معه مفلح فهلك في تلك الحرب .و عقد المعتمد على الموصل و الجزيرة لمسرور البلخي فكانت بينه و بين مساور الشيباني حروب و كذلك بين الأكراد و اليعقوبية ، و أوقع بهم كما مر . و فيها رجع أحمد بن واصل إلى طاعة السلطان و سلم فارس للحسن بن الفياض .و في سنة تسع و خمسين كان مهلك أصطيخور بالأهواز ، فأمر المعتمد موسى بن بغا بالمسير لحرب الزنج كما مر . و فيها ملك يعقوب الصفار خراسان و قبض على محمد بن طاهر ، و كان لمنكجور على الكوفة ، فسار عنها إلى سامرا بغير إذن ، و أمر بالرجوع فأبى ، فبعث المعتمد عدة من القواد فلقوه بعكبر فقتلوه و حملوا رأسه .و فيها غلب الحسن بن زيد على قومس و ملكها ، و كانت وقعة بين محمد بن الفضل بن نيسان و بين دهشودان ابن حسان الديلي فهزمه محمد ، و فيها غلب شركب الحمال على مرو و نواحيها . و في سنة ستين أقام يعقوب بن الصفار الحسن بن زيد فهزمه و ملك طبرستان كما مر . و أخرج أهل الموصل عاملهم أتكوتكين بن أساتكين ، فبعث عليهم أساتكين إسحق ابن أيوب في عشرين ألفاً و معه حمدان بن حمدون الثعلبي فامتنع أهل الموصل منهم و ولوا عليهم يحيى بن سليمان ، فاستولى عليها . و فيها قتلت الأعراب منحور والى حمص فولى بكتر ، و ولى على أذربيجان الرذيني عمر بن علي لما بلغه أن عاملها العلاء بن أحمد الأزدي فلج ، فلما أتى الرذيني حاربه العلاء فانهزم و قتل ، و استولى الرذيني على مخلفه قريباً من ألفي ألف و سبعمائة الف درهم . و فيها سار علي بن زيد القائد بالكوفة إلى صاحب الزنج فقتله .و في سنة احدى و ستين عقد المعتمد لموسى بن بغا على الأهواز و البصرة و البحرين و اليمامة ، مضافاً لما بيده . فولاها موسى عبد الرحمن بن مفلح و بعثه لحرب ابن واصل ، فهزمه ابن واصل و أسره كما مر ، و رأى موسى بن بغا اضطراب تلك الناحية ، فاستعفى منها و وليها أبو الساج ، و ملك الزنج الأهواز من يده ، فصرف عن ولايتها و وليها إبراهيم بن سيما و ولي محمد بن أوس البلخي طريق خراسان . ثم جاء الصفار إلى فارس ، فغلب عليها ابن واصل كما مر ، فجهز المعتمد أخاه الموفق إلى البصرة بعد أن ولاه المعتمد عهده بعد ابنه جعفر كما ذكرناه .و بعث الموفق ابنه أبا العباس لحرب الزنج فتقدما بين يديه ، و فيها فارق محمد بن زيد ولاية يعقوب الصفار ، و سار ابن أبي الساج إلى الأهواز و طلب أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى خراسان ، و فيها استبد نصر بن أحمد بن سامان بسمرقند و ما وراء النهر ، و ولى أخاه إسمعيل بخارى و فيها ولى المعتمد على الموصل الخضر بن أحمد بن عمر بن الخطاب ، و فيها رجع الحسين بن زيد إلى طبرستان و أخرج منها أصحاب الصفار ، و أحرق سالوس لممالأة أهلها الصفار و أقطع ضياعهم للديلم ، و فيها نادى المعتمد في حاج خراسان و الري و طبرستان و جرجان بالنكير على ما فعله الصفار في خراسان و ابن طاهر ، و إنه لم يكن عن أمره و لا ولاه . و فيها قتل مساور الشاربي يحيى ابن جعفر من ولاة خراسان ، فسار مسرور البلخي في طلبه و الموفق من ورائه . و في سنة اثنتين وستين كانت الحرب بين الموفق و الصفار ،و استولى الزنج على البطيحة و دسيميسان و ولى على الأهواز كما ذكرنا ، و بعث مسرور البلخي أحمد بن ليتونة لحربهم كما مر . و فيها ثار أحمد بن عبد الله الخجستاني في خراسان بدعوة بني طاهر ، و غلب عليها الصفار إلى أن قتل كما مر ذكره . و فيها وقعت مغاضبة بين الموفق و ابن طولون فبعث إليه الموفق موسى بن بغا فأقام بالقة حولاً ، و عجز عن المسير لقلة الأموال فرجع إلى العراق . و فيها انصرف عامل الموصل و هو القطان صاحب مفلح فقتله الأعراب بالبرية .و في سنة ثلاث و ستين استولى الصفار على الأهواز ، و مات مساور الشاربي و هو قاصد
فتنة طرسوس
قد تقدم لنا انتقاض بازمان بطرسوس على مولاه أحمد بن طولون ، و أنه حاصره فامتنع عليه ، و أنه راجع بعد طاعة ابنه خمارويه مما حمل إليه من الأموال و الأمتعة و السلاح ، فاستقام أمره بطرسوس مدة ، و غزا سنة ثمان و سبعين بالصائفة مع أحمد الجعفي و حاصروا اسكندا فأصيب بحجر منجنيق ، فرجع و هلك في طريقه و دفن بطرسوس . و كان استخلف ابن عجيف فأقره خمارويه و أمده بالخيل و السلاح و المال ، ثم عزله و استعمل عليها ابن عمه ابن محمد بن موسى بن طولون . و لما توفي الموفق نزع خادم من خواصه اسمه راغب إلى الشك ، و طلب المقام بالثغر للجهاد ، فأذن له المعتضد ، فسار إلى طرسوس و حط أثقاله بها و سار إلى لقاء خمارويه بدمشق فأكرمه و استجلب أنسه ، فطال مقامه و ألهم أصحابه بطرسوس أنه قبض عليه ، فأوصلوا أهل البلد في ذلك ، فوثبوا بأميرهم محمد بن موسى حتى يطلق لهم راغب ، و بلغ الخبر إلى خماوريه فأطلقه فجاء إليهم و وبخهم على فعلهم ، فأطلقوا محمد بن موسى و سار عنهم إلى بيت المقدس فأعادوا ابن عجيف إلى ولايته .
فتنة أهل الموصل مع الخوارج
قد تقدم لنا هرون بن سليمان كان على الشراة من الخوارج ، و كان بنو شيبان يقاتلونهم و يغيرون على الموصل . فلما كانت سنة تسع و سبعين جاء بنو شيبان لذلك و أغاروا على نينوى و غيرها من الأعمال ، فاجتمع هرون الشاربي في الخوراج و حمدان ابن حمدون الثعلبي على مدافعتهم . و كان مع بني شيبان هرون بن سيما مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني ، بعثه محمد بن إسحق بن كنداجق والياً على الموصل عندما مات أبوه إسحق ، و ولى مكانه على أعماله بالموصل و ديار ربيعة فلم يرضه أهل الموصل و طردوه ، فسار إلى بني شيبان مستنجداً بهم ، فلما التقى الجمعان إنهزم بنو شيبان أولاً و اشتغل أصحاب حمدان و الخوارج بالنهب ، فكر عليهم بنو شيبان و ظفروا بهم . و كتب هرون بن سيما إلى محمد بن إسحق بن كنداجق يستمده فسار بنفسه ، و خشيه أهل الموصل فسار بعضهم إلى بغداد يطلبون عاملاً يكفيهم أمر ابن كنداجق ، و مروا في طريقهم بمحمد بن يحيى المجروج الموكل بحفظ الطريق فألفوه و قد وصل إليه بولاية العهد الموصل ، فبادر و ملكها ، و تواثق ابن كنداجق في مكانه ، و بعث إلى خمارويه بالهدية ، و يسأل إمارة الموصل كما كان من قبل ، فلم يجبه إلى ذلك ، ثم عزل المجروح و ولى بعده علي بن داود الكردي .
الصوائف أيام المعتمد
وصل الخبر في سنة سبع و خمسين بأن ملك الروم بالقسطنطينية ميخاييل بن روفيل و ثب عليه قريبه مسك ، و يعرف بالصقلي فقتله لأربع و عشرين سنة من ملكه ، و ملك مكانه . و في سنة تسع و خمسين خرجت عساكر الروم فنازلوا سميساط ثم نازلوا مليطة و قاتلهم أهلها فانهزموا ، و قتل بطريق من بطارقتهم . و في سنة ثلاث و ستين استولى الروم على قلعة الصقالبة ، و كانت ثغراً لطرسوس و تسمى قلعة كركرة فرد المعتمد ولاية ثغر طرسوس لابن طولون ، و كان أحمد بن طولون قد خطب ولايتها من الموفق يريد أن يجعلها ركابا لجهاده لخبرته بأحوالها . و كان يردد الغزو من طرسوس إلى بلاد الروم قبل ولاية مصر ، يجبه الموفق ، و ولى عليها الموفق محمد بن هرون الثعلبي ، و اعترضه الشراة أصحاب مساور و هو مسافر في دجلة فقتلوه ، فولى مكانه أماجور بن أولغ بن طرخان من الترك ، فسار إليها و كان غراً جاهلاً ، فأساء السيرة و منع أقران أهل كركرة ميرتهم ، و كتبوا إلى أهل طرسوس يشكون فجمعوا لهم خمسة عشر ألف دينار فأخذها أماجور لنفسه . و أبطأ على أهل القلعة شأنها . فنزلوا عنها و أعطوها الروم ، و كثر أسف أهل طرسوس لذلك بما كانت ثغرهم و عيناً لهم على العدو ، و بلغ ذلك المعتمد ، فكتب لأحمد بن طولون بولايتها و فوض إليه أمر الثغور ، فوليها و استعمل فيها من يحفظ الثغر و يقيم الجهاد ، و قارن ذلك وفاة أماجور عامل دمشق ، و ملك ابن طولون الشام جمعها كما ذكرناه قبل . و في سنة أربع و ستين غزا بالصائفة عبد الله بن رشيد بن كاوس في أربعين ألفاً من أهل الثغور الشامية ، فأثخن فيهم و غنم و رجع ، فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية ، و قرة كوكب و حرسية ، و أحاطوا بالمسلمين فاستمات المسلمون و استلحمهم الروم بالقتل ، و نجا فلهم إلى الثغر ، و أسر عبد الله بن كاوس و حمل إلى القسطنطينية و في سنة خمس و ستين خرج خمسة من بطارقة الروم إلى أذنه فقتلوا و أسروا والي الثغور أوخرد فعزل عنها و أقام مربطاً ، و بعث ملك الروم بعبد الله بن كاوس و من معه من الأسرى إلى أحمد بن طولون ، و أهدى إليه عدة مصاحف . و في سنة ست و ستين لقي أسطول المسلمين أسطول الروم عند صقيلة فظفر الروم بهم ، و لحق من سلم منهم بصقيلة ، و فيها خرجت الروم على ديار ربيعة ، و استنفر الناس ففروا و لم يطيقوا دخول الدرب لشدة البرد فيها . و غزا عامل ابن طولون على الثغور الشامية في ثلثمائة من أهل طرسوس و اعترضهم أربعة آلاف من الروم من بلاد هرقل ، فنال المسلمون منهم أعظم النيل . و في سنة ثمان و ستين خرج ملك الروم ، و فيها غزا بالصائفة خلف الفرغاني عامل ابن طولون على الثغور الشامية فأثخن و رجع . و في سنة سبعين زحف الروم في مائة ألف و نزلوا قلمية على ستة أميال من طرسوس ، فخرج إليهم بازيار فهزمهم و قتل منهم سبعين ألفاً و جماعة من البطارقة ، و قتل مقدمهم بطريق البطارقة ، و غنم منهم سبع صلبان ذهباً و فضة ، و كان أعظمها مكللاً بالجواهر . و غنم خمسة عشر ألف دابة ، و من السروج و السيوف مثل ذلك ، و أربع كراسي من ذهب ، و مائتين من فضة و عشرين علماً من الديباج و آنية كثيرة . و في سنة ثلاث و سبعين غزا بالصائفة بازيار و توغل في أرض الروم و غنم و أسر و سبى و عاد إلى طرسوس . و في سنة ثمان و سبعين دخل أحمد الجعفي طرسوس و غزا مع بازيار بالصائفة و نازلوا إسكندا فأصيب بازيار عليها بحجر منجنيق فرجع و مات في طريقه و دفن بطرسوس .
الولايات بالنواحي أيام المعتز
كانت الفتنة قد ملأت نواحي الدولة من أطرافها و أوساطها و استولى بنو سامان على ما وراء النهر ، و الصفار على سجستان و كرمان و ملك فارس من يد عمال الخليفة ، و انتزع خراسان من بني طاهر و كلهم مع ذلك يقيمون دعوة الخليفة .و غلب الحسن بن زيد على طبرستان و جرجان منازعاً بالدعوة و محارباً بالديلم لابن سامان و الصفار ، و عساكر الخليفة بأصبهان ، و استولى صاحب الزنج على البصرة و الأبلة إلى واسط و كور دجلة منازعاً للدعوة و مشاققاً ، و أضرم تلك النواحي فتنةً . و لم يزل الموفق في محاربته حتى حسم علته و قطع أثره و اضطرمت بلاد الموصل و الجزيرة فتنة بخوارج السراة و بالقرب من بني شيبان و تغلب بالأكراد و استولى ابن طولون على مصر و الشام مقيماً لدعوة الخلافة العباسية ، و ابن الأغلب بأفريقية كذلك . و أما المغرب الأقصى و الأندلس فاقتطعا عن المملكة العباسية منذ أزمان كما قلنا ، و لم يكن للمعتمد مدة خلافته كلها حكم و لا أمر و نهي ، و إنما كان مغلباً لأخيه الموفق و تحت استبداده ، و لم يكن لهما جميعاً كبير ولاية في النواحي باستيلاء من استولى عليها ممن ذكرناه إلا بعض الأجناس ، فلنذكر ما وصل إلينا من هذه الولايات أيام المعتمد ، فلأول ولايته استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان و بعث جعلان لحرب الزنج بالبصرة فكان أمره معهم كما مر . ثم ولى عيسى بن الشيخ من بني شيبان على دمشق فاستأثر بها و منع الخراج ، و جاءه حسين الخادم من بغداد يطلب المال فاعتذر بأنه أنفقه على الجند ، فكتب له المعتمد عهده في أرمينية ليقيم بها دعوته و قلد أماجور دمشق و أعمالها فسار إليها ، و أنفذ عيسى بن الشيخ ابنه منصوراً لقتال أماجور في عشرين ألفاً ، فانهزموا و قتل منصور و سار عيسى إلى أرمينية على طريق الساحل و دخل أماجور دمشق . و في سنة ست و خمسين سار موسى بن بغا لحرب مساور الخارجي فلقيه ساحة جائعين فنال الخوارج منهم ، و فيها كان وثوب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي على الحرث بن سيما عامل فارس ، فقتله و غلب عليها كما مر . و فيها غلب الحسن بن زيد الطالبي على الري فسار إليها موسى بن بغا و غلب على عساكر الحسن ، و ظهر علي بن زيد بالكوفة و ملكها ، و بعث المعتمد لمحاربته كيجور التركي فخرج عنها إلى القادسية ، ثم إلى ختان ثم إلى بلاد بني أسد . و غزاه كيجور من الكوفة فأوقع به و عاد إلى الكوفة ، ثم إلى سر من رأى . و في سنة سبع و خمسين عقد المعتمد لأخيه الموفق على الكوفة و الحرمين و اليمن ثم على بغداد و السواد إلى البصرة و الأهواز و أمره أن يعقد ليارجوج على البصرة و كور دجلة و اليمامة و البحرين مكان سعيد الحاجب .و عقد يارجوج على ذلك لمنصور بن جعفر الخياط و نزل الأهواز ثم عقد المعتمد حرب الزنج بالبصرة لأحمد بن المولد ، فسار إليها و قاتل الزنج .و كان بالبطائح سعيد بن أحمد الباهلي متغلباً عليها فأخذه ابن المولد و بعث به إلى سامرا و فيها تغلب يعقوب الصفار على فارس و بعض أعمال خراسان ، و ولاه المعتمد ما غلب عليها و فيها غلب الحسن بن زيد على خراسان ، و انتقضت على ابن طاهر أعمال خراسان ، و فيها اقتطع المعتمد مصر و أعمالها ليارجوج التركي فولى عليها أحمد بن طولون ، و مات يارجوج لسنة بعدها فاستبد ابن طولون بها ، و كان عبد العزيز بن أبي دلف على الري ، فخرج عليها خوفاً من جيوش ابن زيد صاحب طبرستان ، فبعث الحسن من قرابته القاسم بن علي القاسم ، فأساء فيها السيرة . و في سنة ثمان و خمسين قتل منصور بن جعفر الخياط في حرب الزنج ، و ولي يارجوج على أعمال منصور ، فولى عليها أصطيخور ، و هلك في حرب الزنج ، و عقد المعتمد للموفق على ديار مصر و قنسرين و العواصم .و بعثه لحرب الزنج و معه مفلح فهلك في تلك الحرب .و عقد المعتمد على الموصل و الجزيرة لمسرور البلخي فكانت بينه و بين مساور الشيباني حروب و كذلك بين الأكراد و اليعقوبية ، و أوقع بهم كما مر . و فيها رجع أحمد بن واصل إلى طاعة السلطان و سلم فارس للحسن بن الفياض .و في سنة تسع و خمسين كان مهلك أصطيخور بالأهواز ، فأمر المعتمد موسى بن بغا بالمسير لحرب الزنج كما مر . و فيها ملك يعقوب الصفار خراسان و قبض على محمد بن طاهر ، و كان لمنكجور على الكوفة ، فسار عنها إلى سامرا بغير إذن ، و أمر بالرجوع فأبى ، فبعث المعتمد عدة من القواد فلقوه بعكبر فقتلوه و حملوا رأسه .و فيها غلب الحسن بن زيد على قومس و ملكها ، و كانت وقعة بين محمد بن الفضل بن نيسان و بين دهشودان ابن حسان الديلي فهزمه محمد ، و فيها غلب شركب الحمال على مرو و نواحيها . و في سنة ستين أقام يعقوب بن الصفار الحسن بن زيد فهزمه و ملك طبرستان كما مر . و أخرج أهل الموصل عاملهم أتكوتكين بن أساتكين ، فبعث عليهم أساتكين إسحق ابن أيوب في عشرين ألفاً و معه حمدان بن حمدون الثعلبي فامتنع أهل الموصل منهم و ولوا عليهم يحيى بن سليمان ، فاستولى عليها . و فيها قتلت الأعراب منحور والى حمص فولى بكتر ، و ولى على أذربيجان الرذيني عمر بن علي لما بلغه أن عاملها العلاء بن أحمد الأزدي فلج ، فلما أتى الرذيني حاربه العلاء فانهزم و قتل ، و استولى الرذيني على مخلفه قريباً من ألفي ألف و سبعمائة الف درهم . و فيها سار علي بن زيد القائد بالكوفة إلى صاحب الزنج فقتله .و في سنة احدى و ستين عقد المعتمد لموسى بن بغا على الأهواز و البصرة و البحرين و اليمامة ، مضافاً لما بيده . فولاها موسى عبد الرحمن بن مفلح و بعثه لحرب ابن واصل ، فهزمه ابن واصل و أسره كما مر ، و رأى موسى بن بغا اضطراب تلك الناحية ، فاستعفى منها و وليها أبو الساج ، و ملك الزنج الأهواز من يده ، فصرف عن ولايتها و وليها إبراهيم بن سيما و ولي محمد بن أوس البلخي طريق خراسان . ثم جاء الصفار إلى فارس ، فغلب عليها ابن واصل كما مر ، فجهز المعتمد أخاه الموفق إلى البصرة بعد أن ولاه المعتمد عهده بعد ابنه جعفر كما ذكرناه .و بعث الموفق ابنه أبا العباس لحرب الزنج فتقدما بين يديه ، و فيها فارق محمد بن زيد ولاية يعقوب الصفار ، و سار ابن أبي الساج إلى الأهواز و طلب أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد الله بن طاهر إلى خراسان ، و فيها استبد نصر بن أحمد بن سامان بسمرقند و ما وراء النهر ، و ولى أخاه إسمعيل بخارى و فيها ولى المعتمد على الموصل الخضر بن أحمد بن عمر بن الخطاب ، و فيها رجع الحسين بن زيد إلى طبرستان و أخرج منها أصحاب الصفار ، و أحرق سالوس لممالأة أهلها الصفار و أقطع ضياعهم للديلم ، و فيها نادى المعتمد في حاج خراسان و الري و طبرستان و جرجان بالنكير على ما فعله الصفار في خراسان و ابن طاهر ، و إنه لم يكن عن أمره و لا ولاه . و فيها قتل مساور الشاربي يحيى ابن جعفر من ولاة خراسان ، فسار مسرور البلخي في طلبه و الموفق من ورائه . و في سنة اثنتين وستين كانت الحرب بين الموفق و الصفار ،و استولى الزنج على البطيحة و دسيميسان و ولى على الأهواز كما ذكرنا ، و بعث مسرور البلخي أحمد بن ليتونة لحربهم كما مر . و فيها ثار أحمد بن عبد الله الخجستاني في خراسان بدعوة بني طاهر ، و غلب عليها الصفار إلى أن قتل كما مر ذكره . و فيها وقعت مغاضبة بين الموفق و ابن طولون فبعث إليه الموفق موسى بن بغا فأقام بالقة حولاً ، و عجز عن المسير لقلة الأموال فرجع إلى العراق . و فيها انصرف عامل الموصل و هو القطان صاحب مفلح فقتله الأعراب بالبرية .و في سنة ثلاث و ستين استولى الصفار على الأهواز ، و مات مساور الشاربي و هو قاصد
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
لقاء العساكر السلطانية بالتواريخ . فولى الخوارج مكانه هرون بن عبد الله البلخي ، فاستولى على الموصل . و فيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل . و فيها هزم ابن أوس من طريق خراسان و عاد إلى الموصل . و فيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل و أسروه ، و مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد فاستوزر مكانه الحسن بن مخلد ، و كان موسى بن بغا غائباً في غزو العرب ، فلما قدم خافه الحسين و تغيب ، فاستوزر مكانه سليمان بن وهب و فيها غلب أخو شركب الحمال على نيسابور و خرج عنها الحسين بن طاهر إلى مرو و بها خوارزم شاه يدعو لأخيه محمد . و فيها ملك صاحب الزنج مدينة واسط و قاتله دونها محمد بن المولد فهزمه و دخلها و استباحها .و فيها قبض المعتمد على وزيره سليمان بن وهب و ولى مكانه الحسن بن مخلد ، و جاء الموفق مع عبد الله بن سليمان شفيعاً فلم يشفعه ، فتحول إلى الجانب الغربي مغاضباً و اختلفت الرسل بينه و بين المعتمد ، و كان مع الموفق مسرور كيغلغ و أحمد بن موسى بن بغا . ثم أطلق سليمان و دعا إلى الجوسق و هرب محمد بن صالح ابن شيرزاده و القواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفاً من الموفق ، فوصلوا إلى الموصل و كتب الموفق لأحمد بن أبي الأصبغ في قبض أموالهم .و فيها مات أماجور عامل دمشق و ملك ابن طولون الشام و طرسوس و قتل عاملها سيما . و في سنة خمس و ستين ولي مسرور البلخي على الأهواز و هزم الزنج . و فيها مات يعقوب الصفار و قام بأمره أخوه عمر ، و لاه الموفق مكانه أخيه بخراسان و أصبهان و سجستان و السند و كرمان و الشرطة ببغداد .و فيها وثب القاسم بن مهان بدلف ابن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان ، فوثب جماعة من أصحاب دلف بالقاسم فقتلوه . فولي أصبهان أحمد بن عبد العزيز أخو دلف ، و فيها لحق محمد بن المولد بيعقوب الصفار و قبضت أمواله و عقاره ببغداد . و فيها حبس الموفق سليمان بن وهب و ابنه عبد الله و صادرهما على تسعمائة ألف دينار ، و فيها ذهب موسى بن أتامش و إسحق بن كنداجق و الفضل بن موسى بن بغا مغاضبين ، و بعث الموفق في أثرهم صاعد بن مخلد فردهم من صرصر و فيها استوزر الموفق أبا الصقر إسمعيل بن بلبل .و في سنة ست و ستين ملك الزنج رامهرمز و غلب أساتكين على الري و أخرج عنها عاملها فطلقت . ثم مضى إلى قزوين و بها أخوه كيغلغ فصالحه ملكها .و فيها ولي علي بن الليث على الشرطة ببغداد عبيد الله بن عبد الله طاهر ، و على أصبهان أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و على الحرمين و طريق مكة محمد بن أبي الساج ، و ولى الموفق على الجزيرة أحمد بن موسى بن بغا فولى من قبله على ديار ربيعة موسى بن أتامش ، فغضب لذلك إسحق ابن كنداجق و فارق عسكر موسى ، و سار إلى بلد ، و أوقع بالأكراد اليعقوبية ، ثم لقي ابن مساور الخارجي فقاتله و سار إلى الموصل ، و طلب من أهلها المال ، و خرج على ابن داود لقتاله مع إسحق بن أيوب و حمدان ، و كانت بينهم حروب أخرها المعتمد لإسحق بن كنداجق على الموصل ، و قد مر ذلك من قبل .و فيها قتل أهل حمص عاملها عيسى الكرخي . و فيها كانت بين لؤلؤ غلام ابن طولون و بين موسى بن أتامش وقعة برأس عين ، و أسره لؤلؤ و بعث به إلى الرقة ، ثم لقيه أحمد بن موسى فاقتتلوا ، و غلب أحمد أولاً ثم كر لؤلؤ فغلبهم و انتهوا إلى قرقيسيا . ثم ساروا إلى بغداد و سامرا .و فيها أوقع أحمد بن عبد العزيز ببكتم فانهزم و لحق ببغداد و أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان فلحق بآمد ، و ملك الخجساني جرجان و أقطعه من طبرستان و استخلف على سارية الحسن ابن محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقي بن حسين الأصفر بن زيد العابدين ، فلما انهزم الحسن بن زيد أظهر الحسن بن محمد أنه قتل ، و دعا لنفسه و حاربه الحسن بن زيد فظفر به و قتله . و فيها ملك الخجستاني نيسابور من يد عامل ابن عمرو بن الليث ، و فيها في صفر زحف الموفق لقتال صاحب الزنج ، فلم يزل يحاصره حتى اقتحم عليه مدينته و قتله منتصف سنة سبعين .و فيها كانت الحرب بالمدينة بين بني حسن و بني جعفر .و في سنة سبع و ستين كانت الفتنة بالموصل بين الخوارج .و فيها حبس السلطان بن عبد الله بن طاهر و جماعة من بيته ، و اتهمه عمرو بن الليث بممالأة الخجستاني و الحسين بن طاهر أخيه ، فكتب إلى المعتمد و حبسه .و فيها كانت بين كيقلغ التركي و أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و انهزم أحمد و ملك كيقلغ همذان ، فزحف إليه أحمد بن عبد العزيز فهزمه ، وملك همذان .و سار كيقلغ إلى الصحيرة .و فيها أزال الخجستاني ذكر محمد بن طاهر من المنابر و دعا لنفسه بعد المعتمد ، و ضرب السكة باسمه و جاء يريد العراق فانتهى إلى الري . ثم رجع و فيها أصحاب أبي الساج بالهيثم العجلي صاحب الكوفة ، و غنموا عسكره .و فيها أوقع أبو العباس بن الموفق بالأعراب الذين كانوا يجلبون الميرة بالزنج من بين تميم و غيرهم .و في سنة ثمان و ستين كان مقتل الخجستاني و أصحابه بعده على رافع بن هرثمة من قواد بني طاهر و ملك بلاد خراسان و خوارزم ، و فيها انتقض محمد بن الليث بفارس على أخيه عمرو ، فسار إليه و هزمه و استباح عسكره ، و ملك أصطيخور و شيراز و ظفر به ، فحبسه كما مر .و فيها كانت وقعة بين أتكوتكين بن أساتكين و بين أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف فهزمه أتكوتكين و غلبه على قم .و فيها بعث عمرو بن الليث عسكراً إلى محمد بن عبد الله الكردي . و فيها انتقض لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون ، و سار إلى الموفق و قاتل معه الزنج . و فيها سار المعتمد إلى ابن طولون بمصر مغاضباً لأخيه الموفق ، و كتب الموفق إلى إسحق بن كنداجق بالموصل بردة ، فسار معه إلى آخر عمله ، ثم قبض على القواد الذين معه ، و رده إلى سامرا . و فيها وثب العامة ببغداد بأميرهم الخلنجي و كان كاتب عبيد الله بن طاهر ، و قتل غلام له امرأة بسهم ، فلم يعدهم عليه ، فوثبوا به و قتلوا من أصحابه و نهبوا منزله و خرج هارباً فركب محمد بن عبد الله و استرد من العامة ما نهبوه . و فيها وثب بطرسوس خلق من أصحاب ابن طولون و عامله على الثغور الشامية ، فاستنفذ أهل طرسوس من يده ، و زحف إليهم ابن طولون فامتنعوا عليه ، و رجع إلى حمص ، ثم إلى دمشق .و فيها كانت وقعة بين العلويين و الجعفريين بالحجار ، فقتل ثمانية من الجعفريين و خلصوا عامل المدينة من أيديهم .و فيها عقد هرون بن الموفق لأبي الساج على الأنبار و الرحبة و طريق الفرات ، و ولى محمد بن أحمد على الكوفة و سوادها و دافعه عنها محمد بن الهيثم فهزمه محمد و دخلها .و فيها مات عيسى بن الشيخ الشيباني عامل أرمينية و ديار بكر . و فيها عظمت الفتنة بين الموفق و ابن طولون ، فحمل المعتمد على لعنة و عزله ، و ولى إسحق بن كنداجق على أعماله إلى أفريقية ، و على شرطة الخاصة . و قطع ابن طولون الخطبة للموفق و اسمه من الطرر و فيها ملك ابن طولون الرحبة بعد مقاتلة أهلها ، و هرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام ، ثم سار إلى ابن الشماخ بقرقيسيا .و في سنة سبعين كان مقتل صاحب الزنج و انقراض دعوته ، و وفاة الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان ، و قيام أخيه محمد بأمره ، و وفاة أحمد بن طولون صاحب مصر و ولاية ابنه خمارويه و مسير إسحق بن كنداجق بابن دعامس عامل الرقة و الثغور و العواصم لابن طولون . و في سنة إحدى و سبعين ثار بالمدينة محمد و علي ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم و قتلا جماعة من أهلها ، و نهبا أموال الناس ، و منعا الجمعة بمسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم شهراً .و فيها عزل المعتمد عمرو بن الليث من خراسان فقاتله أحمد بن عبد الله بن أبي دلف بأصبهان و هزمه .و فيها استعاد خمارويه الشام من يد أبي العباس بن الموفق ، و فر إلى طرسوس كما تقدم .و فيها عقد المعتمد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة و طريق مكة ، و كان يوسف محمد بن أبي الساج والي مكة .و جاء بدر غلام الطائي أميراً على الحاج فحاربه يوسف على باب المسجد الحرام و أسره ، فسار الجند و الحاج بيوسف و أطلقوا بدراً من يده و حملوا يوسف أميراً إلى بغداد .و في منتصف سنة اثنتين و سبعين غلب أتكوتكين على الري من يد محمد بن زيد العلوي . سار هو من قزوين في أربعة آلاف ، و محمد بن زيد من طبرستان في الديلم ، و أهل خراسان ، فانهزموا و قتل منهم ستة آلاف .و فيها ثار أهل طرسوس بأبي العباس بن الموفق و أخرجوه إلى بغداد و ولوا عليهم بازيار .و فيها توفي سليمان ابن وهب في حبس الموفق . و فيها دخل حمدان بن حمدون و هرون مدينة الموصل . و فيها قدم صاعد بن مخلد الوزير من فارس ، و قد كان بعثه الموفق إليها لحرب فرجع إلى واسط و ركب القواد لاستقباله فترجلوا إليه و قبلوا يده ، و لم يكلمهم . ثم قبض الموفق على جميع أصحابه و أهله و نهب منازلهم ، و كتب إلى بغداد بقبض ابنه أبي عيسى و صالح و أخيه عبدون و استكتب مكانه أبا الصقر إسمعيل بن بلبل ، و اقتصر به على الكتابة . و فيها جاء بنو شيبان إلى الموصل فعاثوا في نواحيها و أجمع هرون الشاربي و أصحابه على قصدهم ، و كتب إلى أحمد بن حمدون الثعلبي فجاءه و ساورا إلى الموصل و عبروا الجانب الشرقي من دجلة ، ثم ساورا إلى نهر الحارد فلما تراءى الجمعان انهزم هرون و أصحابه و انجلى سوى عنها .و في سنة ثلاث و سبعين وقعت الفتنة بين ابن كنداجق و بين ابن أبي الساج و سار ابن أبي الساج إلى ابن طولون و استولى على الجزيرة و الموصل ، و خطب له فيها .و قاتل الشراة كما ذكرنا . و فيها قبض الموفق على لؤلؤ غلام ابن طولون و صادره على أربعمائة ألف دينار و بقي في إدبار إلى أن عاد إلى مصر أيام هرون بن خمارويه .و في سنة أربع و سبعين سار الموفق إلى فارس فاستولى عليها من يد عمرو بن الليث و رجع عمرو إلى كرمان و سجستان . و عاد الموفق إلى بغداد .و في سنة خمس و سبعين نقض ابن أبي الساج طاعة خمارويه و قاتله خمارويه فهزمه ، و ملك الشام من يده و سار إلى الموصل ، و خمارويه في اتباعه إلى بغداد . و لحق ابن أبي الساج بالحديثة فأقام بها إلى أن رجع خمارويه .و كان إسحق ابن كنداج قد جاء إلى خمارويه فبعث معه جيشاً و قواد في طلب ابن أبي الساج . و اشتغل بعمل السفن للعبور إليه فسار ابن أبي الساج عنها إلى الموصل ، و اتبعه ابن كنداج و سار إلى الرقة فاتبعه ابن أبي الساج ، و كتب إلى الموفق يستأذنه في اتباعه إلى الشام . و جاء ابن كنداج بالعساكر من عند خمارويه و أقام على حدود الشام ثم هزم ابن أبي الساج فسار إلى الموفق و ملك ابن كنداج ديار ربيعة و ديار مضر ، و قد تقدم ذكر ذلك .و فيها خرج أحمد بن محمد الطائي من الكوفة لحرب فارس العبدي و كان يخيف السابلة فهزمه العبدي ، و كان الطائي على الكوفة و سوادها و طريق خراسان و سامرا و شرطة بغداد ، و خراج بادر دباد قطربل ، و فيها قبض الموفق على ابنه أبي العباس و حبسه .و فيها ملك رافع بن هرثمة جرجان من يد محمد بن زيد و حاصره في استراباذ نحواً من سنتين ، ثم فارقها الجيش لحربه فسار و عن سارية و عن طبرستان سنة سبع و سبعين .و استأمن رستم بن قارن إلى رافع و قدم عليه علي بن الليث من حبس أخيه بكرمان هو و ابناه العدل و الليث .و رافع على سالوس محمد بن هرون و جاء إليه علي بن كاني مستأمناً فحصرهما محمد بن زيد ، و سار إليه رافع ففر إلى أرض الديلم و رافع في اتباعه إلى حدود قزوين فسار فيها و أحرقها و عاد إلى الري . و في سنة ست و سبعين رضي المعتمد عن عمرو بن الليث و ولاه و كتب اسمه على الأعلام ، و ولى على الشرطة ببغداد من قبله عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر . ثم انتقض فأزيل . و فيها كان مسير الموفق إلى الجبل لأتكوتكين و محاربة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و قد تقدم ذلك .و فيها ولى الموفق ابن أبي الساج على أذربيجان فسار إليها و دافعه عبد الله ابن حسن الهمداني صاحب مراغة فهزمه ابن أبي الساج ، و استقر في عمله .و فيها زحف هرون الشاري من الحديثة إلى الموصل يريد حربها ، ثم صانعه أهل الموصل و رحل عنهم . و في سنة سبع و سبعين دعا مازيار بطرسوس لخمارويه بن أحمد بن طولون ، و كان أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار و خمسمائة ثوب و خمسمائة مطرف و سلاحاً كثيراً .و بعث إليه بعد الدعاء بخمسين ألف دينار . و في سنة ثمان و سبعين كانت وفاة الموفق و بيعة المعتضد بالعهد كما مر .و فيها كان ابتداء أمر القرامطة و قد تقدم .و في سنة تسع و سبعين خلع جعفر بن المعتمد و قدم عليه المعتضد و كانت الحرب بين الخوارج و أهل الموصل ، و بين بني شيبان و على بني شيبان هرون بن سيما من قبل محمد ابن إسحق بن كنداج ، ولاه عليها فطرده أهلها ، فزحف إليهم مع بني شيبان و دافع عن أهل الموصل هرون الشاري و حمدان بن حمدون فهزمهم بنو شيبان ، و خاف أهل الموصل من ابن سيما و بعثوا إلى بغداد يطلبون والياً ، فولى المعتمد عليهم محمد بن يحيى المجروح الموكل بحفظ الطريق ، و كان ينزل الحديثة فأقام بها أياماً ثم استبدل منه بعلي بن داود الكردي .
وفاة المعتمد و بيعة المعتضد
توفي المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن المتوكل لعشر بقين من رجب سنة تسع و سبعين و مائتين و عشرين سنة من ولايته ، و دفن بسامرا ، و هو أول من انتقل إلى بغداد و كان في خلافته مغلباً عاجزاً و كان أخوه الموفق مستبداً عليه ، و لم يكن له معه حكم في شيء . و لما مات الموفق سنة ثمان و سبعين كما قدمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد و حجر المعتمد كما كان أبوه يحجره ، و ولاه عهده كما كان أبوه . ثم قدمه في العهد على ابنه جعفر ، ثم هلك فبايع الناس للمعتضد بالخلافة صبيحة موته ، فولى غلامه بدراً الشرطة و عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ، و محمد بن الشاري بن ملك الحرس . و وفد عليه لأول خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا و سأل ولاية خراسان فعقد له عليها ، و بعث إليه بالخلع و اللواء ،و لأول خلافته مات نصر بن أحمد الساماني ملك ما وراء النهر ، و قام مكانه أخوه إسمعيل .
مقتل رافع بن الليث
كان رافع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالري ، و كتب إليه ا لمعتضد برفع يده عنها ، فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بإخراجه عن الري فقاتله و أخرجه ، و سار إلى جرجان و دخل نيسابور سنة ثلاث و ثمانين ، فوقعت بينه و بين عمرو حرب و انهزم رافع إلى أبيورد و خلص عمرو ابنى أخيه من حبسه ، و هما العدل و الليث ابنا علي بن لليث ، و قد تقدم خبرهما . ثم سار رافع إلى هراة و رصده عمرو بسرخس فشعر به و رجع إلى نيسابور في مسالك صعبة ، و طرق ضيقة ، و اتبعه عمرو فحاصره في نيسابور .
وفاة المعتمد و بيعة المعتضد
توفي المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن المتوكل لعشر بقين من رجب سنة تسع و سبعين و مائتين و عشرين سنة من ولايته ، و دفن بسامرا ، و هو أول من انتقل إلى بغداد و كان في خلافته مغلباً عاجزاً و كان أخوه الموفق مستبداً عليه ، و لم يكن له معه حكم في شيء . و لما مات الموفق سنة ثمان و سبعين كما قدمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد و حجر المعتمد كما كان أبوه يحجره ، و ولاه عهده كما كان أبوه . ثم قدمه في العهد على ابنه جعفر ، ثم هلك فبايع الناس للمعتضد بالخلافة صبيحة موته ، فولى غلامه بدراً الشرطة و عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ، و محمد بن الشاري بن ملك الحرس . و وفد عليه لأول خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا و سأل ولاية خراسان فعقد له عليها ، و بعث إليه بالخلع و اللواء ،و لأول خلافته مات نصر بن أحمد الساماني ملك ما وراء النهر ، و قام مكانه أخوه إسمعيل .
مقتل رافع بن الليث
كان رافع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالري ، و كتب إليه ا لمعتضد برفع يده عنها ، فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بإخراجه عن الري فقاتله و أخرجه ، و سار إلى جرجان و دخل نيسابور سنة ثلاث و ثمانين ، فوقعت بينه و بين عمرو حرب و انهزم رافع إلى أبيورد و خلص عمرو ابنى أخيه من حبسه ، و هما العدل و الليث ابنا علي بن لليث ، و قد تقدم خبرهما . ثم سار رافع إلى هراة و رصده عمرو بسرخس فشعر به و رجع إلى نيسابور في مسالك صعبة ، و طرق ضيقة ، و اتبعه عمرو فحاصره في نيسابور .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
لقاء العساكر السلطانية بالتواريخ . فولى الخوارج مكانه هرون بن عبد الله البلخي ، فاستولى على الموصل . و فيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل . و فيها هزم ابن أوس من طريق خراسان و عاد إلى الموصل . و فيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل و أسروه ، و مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المعتمد فاستوزر مكانه الحسن بن مخلد ، و كان موسى بن بغا غائباً في غزو العرب ، فلما قدم خافه الحسين و تغيب ، فاستوزر مكانه سليمان بن وهب و فيها غلب أخو شركب الحمال على نيسابور و خرج عنها الحسين بن طاهر إلى مرو و بها خوارزم شاه يدعو لأخيه محمد . و فيها ملك صاحب الزنج مدينة واسط و قاتله دونها محمد بن المولد فهزمه و دخلها و استباحها .و فيها قبض المعتمد على وزيره سليمان بن وهب و ولى مكانه الحسن بن مخلد ، و جاء الموفق مع عبد الله بن سليمان شفيعاً فلم يشفعه ، فتحول إلى الجانب الغربي مغاضباً و اختلفت الرسل بينه و بين المعتمد ، و كان مع الموفق مسرور كيغلغ و أحمد بن موسى بن بغا . ثم أطلق سليمان و دعا إلى الجوسق و هرب محمد بن صالح ابن شيرزاده و القواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفاً من الموفق ، فوصلوا إلى الموصل و كتب الموفق لأحمد بن أبي الأصبغ في قبض أموالهم .و فيها مات أماجور عامل دمشق و ملك ابن طولون الشام و طرسوس و قتل عاملها سيما . و في سنة خمس و ستين ولي مسرور البلخي على الأهواز و هزم الزنج . و فيها مات يعقوب الصفار و قام بأمره أخوه عمر ، و لاه الموفق مكانه أخيه بخراسان و أصبهان و سجستان و السند و كرمان و الشرطة ببغداد .و فيها وثب القاسم بن مهان بدلف ابن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان ، فوثب جماعة من أصحاب دلف بالقاسم فقتلوه . فولي أصبهان أحمد بن عبد العزيز أخو دلف ، و فيها لحق محمد بن المولد بيعقوب الصفار و قبضت أمواله و عقاره ببغداد . و فيها حبس الموفق سليمان بن وهب و ابنه عبد الله و صادرهما على تسعمائة ألف دينار ، و فيها ذهب موسى بن أتامش و إسحق بن كنداجق و الفضل بن موسى بن بغا مغاضبين ، و بعث الموفق في أثرهم صاعد بن مخلد فردهم من صرصر و فيها استوزر الموفق أبا الصقر إسمعيل بن بلبل .و في سنة ست و ستين ملك الزنج رامهرمز و غلب أساتكين على الري و أخرج عنها عاملها فطلقت . ثم مضى إلى قزوين و بها أخوه كيغلغ فصالحه ملكها .و فيها ولي علي بن الليث على الشرطة ببغداد عبيد الله بن عبد الله طاهر ، و على أصبهان أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و على الحرمين و طريق مكة محمد بن أبي الساج ، و ولى الموفق على الجزيرة أحمد بن موسى بن بغا فولى من قبله على ديار ربيعة موسى بن أتامش ، فغضب لذلك إسحق ابن كنداجق و فارق عسكر موسى ، و سار إلى بلد ، و أوقع بالأكراد اليعقوبية ، ثم لقي ابن مساور الخارجي فقاتله و سار إلى الموصل ، و طلب من أهلها المال ، و خرج على ابن داود لقتاله مع إسحق بن أيوب و حمدان ، و كانت بينهم حروب أخرها المعتمد لإسحق بن كنداجق على الموصل ، و قد مر ذلك من قبل .و فيها قتل أهل حمص عاملها عيسى الكرخي . و فيها كانت بين لؤلؤ غلام ابن طولون و بين موسى بن أتامش وقعة برأس عين ، و أسره لؤلؤ و بعث به إلى الرقة ، ثم لقيه أحمد بن موسى فاقتتلوا ، و غلب أحمد أولاً ثم كر لؤلؤ فغلبهم و انتهوا إلى قرقيسيا . ثم ساروا إلى بغداد و سامرا .و فيها أوقع أحمد بن عبد العزيز ببكتم فانهزم و لحق ببغداد و أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان فلحق بآمد ، و ملك الخجساني جرجان و أقطعه من طبرستان و استخلف على سارية الحسن ابن محمد بن جعفر بن عبد الله العقيقي بن حسين الأصفر بن زيد العابدين ، فلما انهزم الحسن بن زيد أظهر الحسن بن محمد أنه قتل ، و دعا لنفسه و حاربه الحسن بن زيد فظفر به و قتله . و فيها ملك الخجستاني نيسابور من يد عامل ابن عمرو بن الليث ، و فيها في صفر زحف الموفق لقتال صاحب الزنج ، فلم يزل يحاصره حتى اقتحم عليه مدينته و قتله منتصف سنة سبعين .و فيها كانت الحرب بالمدينة بين بني حسن و بني جعفر .و في سنة سبع و ستين كانت الفتنة بالموصل بين الخوارج .و فيها حبس السلطان بن عبد الله بن طاهر و جماعة من بيته ، و اتهمه عمرو بن الليث بممالأة الخجستاني و الحسين بن طاهر أخيه ، فكتب إلى المعتمد و حبسه .و فيها كانت بين كيقلغ التركي و أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و انهزم أحمد و ملك كيقلغ همذان ، فزحف إليه أحمد بن عبد العزيز فهزمه ، وملك همذان .و سار كيقلغ إلى الصحيرة .و فيها أزال الخجستاني ذكر محمد بن طاهر من المنابر و دعا لنفسه بعد المعتمد ، و ضرب السكة باسمه و جاء يريد العراق فانتهى إلى الري . ثم رجع و فيها أصحاب أبي الساج بالهيثم العجلي صاحب الكوفة ، و غنموا عسكره .و فيها أوقع أبو العباس بن الموفق بالأعراب الذين كانوا يجلبون الميرة بالزنج من بين تميم و غيرهم .و في سنة ثمان و ستين كان مقتل الخجستاني و أصحابه بعده على رافع بن هرثمة من قواد بني طاهر و ملك بلاد خراسان و خوارزم ، و فيها انتقض محمد بن الليث بفارس على أخيه عمرو ، فسار إليه و هزمه و استباح عسكره ، و ملك أصطيخور و شيراز و ظفر به ، فحبسه كما مر .و فيها كانت وقعة بين أتكوتكين بن أساتكين و بين أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف فهزمه أتكوتكين و غلبه على قم .و فيها بعث عمرو بن الليث عسكراً إلى محمد بن عبد الله الكردي . و فيها انتقض لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون ، و سار إلى الموفق و قاتل معه الزنج . و فيها سار المعتمد إلى ابن طولون بمصر مغاضباً لأخيه الموفق ، و كتب الموفق إلى إسحق بن كنداجق بالموصل بردة ، فسار معه إلى آخر عمله ، ثم قبض على القواد الذين معه ، و رده إلى سامرا . و فيها وثب العامة ببغداد بأميرهم الخلنجي و كان كاتب عبيد الله بن طاهر ، و قتل غلام له امرأة بسهم ، فلم يعدهم عليه ، فوثبوا به و قتلوا من أصحابه و نهبوا منزله و خرج هارباً فركب محمد بن عبد الله و استرد من العامة ما نهبوه . و فيها وثب بطرسوس خلق من أصحاب ابن طولون و عامله على الثغور الشامية ، فاستنفذ أهل طرسوس من يده ، و زحف إليهم ابن طولون فامتنعوا عليه ، و رجع إلى حمص ، ثم إلى دمشق .و فيها كانت وقعة بين العلويين و الجعفريين بالحجار ، فقتل ثمانية من الجعفريين و خلصوا عامل المدينة من أيديهم .و فيها عقد هرون بن الموفق لأبي الساج على الأنبار و الرحبة و طريق الفرات ، و ولى محمد بن أحمد على الكوفة و سوادها و دافعه عنها محمد بن الهيثم فهزمه محمد و دخلها .و فيها مات عيسى بن الشيخ الشيباني عامل أرمينية و ديار بكر . و فيها عظمت الفتنة بين الموفق و ابن طولون ، فحمل المعتمد على لعنة و عزله ، و ولى إسحق بن كنداجق على أعماله إلى أفريقية ، و على شرطة الخاصة . و قطع ابن طولون الخطبة للموفق و اسمه من الطرر و فيها ملك ابن طولون الرحبة بعد مقاتلة أهلها ، و هرب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام ، ثم سار إلى ابن الشماخ بقرقيسيا .و في سنة سبعين كان مقتل صاحب الزنج و انقراض دعوته ، و وفاة الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان ، و قيام أخيه محمد بأمره ، و وفاة أحمد بن طولون صاحب مصر و ولاية ابنه خمارويه و مسير إسحق بن كنداجق بابن دعامس عامل الرقة و الثغور و العواصم لابن طولون . و في سنة إحدى و سبعين ثار بالمدينة محمد و علي ابنا الحسن بن جعفر بن موسى الكاظم و قتلا جماعة من أهلها ، و نهبا أموال الناس ، و منعا الجمعة بمسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم شهراً .و فيها عزل المعتمد عمرو بن الليث من خراسان فقاتله أحمد بن عبد الله بن أبي دلف بأصبهان و هزمه .و فيها استعاد خمارويه الشام من يد أبي العباس بن الموفق ، و فر إلى طرسوس كما تقدم .و فيها عقد المعتمد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة و طريق مكة ، و كان يوسف محمد بن أبي الساج والي مكة .و جاء بدر غلام الطائي أميراً على الحاج فحاربه يوسف على باب المسجد الحرام و أسره ، فسار الجند و الحاج بيوسف و أطلقوا بدراً من يده و حملوا يوسف أميراً إلى بغداد .و في منتصف سنة اثنتين و سبعين غلب أتكوتكين على الري من يد محمد بن زيد العلوي . سار هو من قزوين في أربعة آلاف ، و محمد بن زيد من طبرستان في الديلم ، و أهل خراسان ، فانهزموا و قتل منهم ستة آلاف .و فيها ثار أهل طرسوس بأبي العباس بن الموفق و أخرجوه إلى بغداد و ولوا عليهم بازيار .و فيها توفي سليمان ابن وهب في حبس الموفق . و فيها دخل حمدان بن حمدون و هرون مدينة الموصل . و فيها قدم صاعد بن مخلد الوزير من فارس ، و قد كان بعثه الموفق إليها لحرب فرجع إلى واسط و ركب القواد لاستقباله فترجلوا إليه و قبلوا يده ، و لم يكلمهم . ثم قبض الموفق على جميع أصحابه و أهله و نهب منازلهم ، و كتب إلى بغداد بقبض ابنه أبي عيسى و صالح و أخيه عبدون و استكتب مكانه أبا الصقر إسمعيل بن بلبل ، و اقتصر به على الكتابة . و فيها جاء بنو شيبان إلى الموصل فعاثوا في نواحيها و أجمع هرون الشاربي و أصحابه على قصدهم ، و كتب إلى أحمد بن حمدون الثعلبي فجاءه و ساورا إلى الموصل و عبروا الجانب الشرقي من دجلة ، ثم ساورا إلى نهر الحارد فلما تراءى الجمعان انهزم هرون و أصحابه و انجلى سوى عنها .و في سنة ثلاث و سبعين وقعت الفتنة بين ابن كنداجق و بين ابن أبي الساج و سار ابن أبي الساج إلى ابن طولون و استولى على الجزيرة و الموصل ، و خطب له فيها .و قاتل الشراة كما ذكرنا . و فيها قبض الموفق على لؤلؤ غلام ابن طولون و صادره على أربعمائة ألف دينار و بقي في إدبار إلى أن عاد إلى مصر أيام هرون بن خمارويه .و في سنة أربع و سبعين سار الموفق إلى فارس فاستولى عليها من يد عمرو بن الليث و رجع عمرو إلى كرمان و سجستان . و عاد الموفق إلى بغداد .و في سنة خمس و سبعين نقض ابن أبي الساج طاعة خمارويه و قاتله خمارويه فهزمه ، و ملك الشام من يده و سار إلى الموصل ، و خمارويه في اتباعه إلى بغداد . و لحق ابن أبي الساج بالحديثة فأقام بها إلى أن رجع خمارويه .و كان إسحق ابن كنداج قد جاء إلى خمارويه فبعث معه جيشاً و قواد في طلب ابن أبي الساج . و اشتغل بعمل السفن للعبور إليه فسار ابن أبي الساج عنها إلى الموصل ، و اتبعه ابن كنداج و سار إلى الرقة فاتبعه ابن أبي الساج ، و كتب إلى الموفق يستأذنه في اتباعه إلى الشام . و جاء ابن كنداج بالعساكر من عند خمارويه و أقام على حدود الشام ثم هزم ابن أبي الساج فسار إلى الموفق و ملك ابن كنداج ديار ربيعة و ديار مضر ، و قد تقدم ذكر ذلك .و فيها خرج أحمد بن محمد الطائي من الكوفة لحرب فارس العبدي و كان يخيف السابلة فهزمه العبدي ، و كان الطائي على الكوفة و سوادها و طريق خراسان و سامرا و شرطة بغداد ، و خراج بادر دباد قطربل ، و فيها قبض الموفق على ابنه أبي العباس و حبسه .و فيها ملك رافع بن هرثمة جرجان من يد محمد بن زيد و حاصره في استراباذ نحواً من سنتين ، ثم فارقها الجيش لحربه فسار و عن سارية و عن طبرستان سنة سبع و سبعين .و استأمن رستم بن قارن إلى رافع و قدم عليه علي بن الليث من حبس أخيه بكرمان هو و ابناه العدل و الليث .و رافع على سالوس محمد بن هرون و جاء إليه علي بن كاني مستأمناً فحصرهما محمد بن زيد ، و سار إليه رافع ففر إلى أرض الديلم و رافع في اتباعه إلى حدود قزوين فسار فيها و أحرقها و عاد إلى الري . و في سنة ست و سبعين رضي المعتمد عن عمرو بن الليث و ولاه و كتب اسمه على الأعلام ، و ولى على الشرطة ببغداد من قبله عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر . ثم انتقض فأزيل . و فيها كان مسير الموفق إلى الجبل لأتكوتكين و محاربة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، و قد تقدم ذلك .و فيها ولى الموفق ابن أبي الساج على أذربيجان فسار إليها و دافعه عبد الله ابن حسن الهمداني صاحب مراغة فهزمه ابن أبي الساج ، و استقر في عمله .و فيها زحف هرون الشاري من الحديثة إلى الموصل يريد حربها ، ثم صانعه أهل الموصل و رحل عنهم . و في سنة سبع و سبعين دعا مازيار بطرسوس لخمارويه بن أحمد بن طولون ، و كان أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار و خمسمائة ثوب و خمسمائة مطرف و سلاحاً كثيراً .و بعث إليه بعد الدعاء بخمسين ألف دينار . و في سنة ثمان و سبعين كانت وفاة الموفق و بيعة المعتضد بالعهد كما مر .و فيها كان ابتداء أمر القرامطة و قد تقدم .و في سنة تسع و سبعين خلع جعفر بن المعتمد و قدم عليه المعتضد و كانت الحرب بين الخوارج و أهل الموصل ، و بين بني شيبان و على بني شيبان هرون بن سيما من قبل محمد ابن إسحق بن كنداج ، ولاه عليها فطرده أهلها ، فزحف إليهم مع بني شيبان و دافع عن أهل الموصل هرون الشاري و حمدان بن حمدون فهزمهم بنو شيبان ، و خاف أهل الموصل من ابن سيما و بعثوا إلى بغداد يطلبون والياً ، فولى المعتمد عليهم محمد بن يحيى المجروح الموكل بحفظ الطريق ، و كان ينزل الحديثة فأقام بها أياماً ثم استبدل منه بعلي بن داود الكردي .
وفاة المعتمد و بيعة المعتضد
توفي المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن المتوكل لعشر بقين من رجب سنة تسع و سبعين و مائتين و عشرين سنة من ولايته ، و دفن بسامرا ، و هو أول من انتقل إلى بغداد و كان في خلافته مغلباً عاجزاً و كان أخوه الموفق مستبداً عليه ، و لم يكن له معه حكم في شيء . و لما مات الموفق سنة ثمان و سبعين كما قدمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد و حجر المعتمد كما كان أبوه يحجره ، و ولاه عهده كما كان أبوه . ثم قدمه في العهد على ابنه جعفر ، ثم هلك فبايع الناس للمعتضد بالخلافة صبيحة موته ، فولى غلامه بدراً الشرطة و عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ، و محمد بن الشاري بن ملك الحرس . و وفد عليه لأول خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا و سأل ولاية خراسان فعقد له عليها ، و بعث إليه بالخلع و اللواء ،و لأول خلافته مات نصر بن أحمد الساماني ملك ما وراء النهر ، و قام مكانه أخوه إسمعيل .
مقتل رافع بن الليث
كان رافع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالري ، و كتب إليه ا لمعتضد برفع يده عنها ، فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بإخراجه عن الري فقاتله و أخرجه ، و سار إلى جرجان و دخل نيسابور سنة ثلاث و ثمانين ، فوقعت بينه و بين عمرو حرب و انهزم رافع إلى أبيورد و خلص عمرو ابنى أخيه من حبسه ، و هما العدل و الليث ابنا علي بن لليث ، و قد تقدم خبرهما . ثم سار رافع إلى هراة و رصده عمرو بسرخس فشعر به و رجع إلى نيسابور في مسالك صعبة ، و طرق ضيقة ، و اتبعه عمرو فحاصره في نيسابور .
وفاة المعتمد و بيعة المعتضد
توفي المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن المتوكل لعشر بقين من رجب سنة تسع و سبعين و مائتين و عشرين سنة من ولايته ، و دفن بسامرا ، و هو أول من انتقل إلى بغداد و كان في خلافته مغلباً عاجزاً و كان أخوه الموفق مستبداً عليه ، و لم يكن له معه حكم في شيء . و لما مات الموفق سنة ثمان و سبعين كما قدمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد و حجر المعتمد كما كان أبوه يحجره ، و ولاه عهده كما كان أبوه . ثم قدمه في العهد على ابنه جعفر ، ثم هلك فبايع الناس للمعتضد بالخلافة صبيحة موته ، فولى غلامه بدراً الشرطة و عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ، و محمد بن الشاري بن ملك الحرس . و وفد عليه لأول خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا و سأل ولاية خراسان فعقد له عليها ، و بعث إليه بالخلع و اللواء ،و لأول خلافته مات نصر بن أحمد الساماني ملك ما وراء النهر ، و قام مكانه أخوه إسمعيل .
مقتل رافع بن الليث
كان رافع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالري ، و كتب إليه ا لمعتضد برفع يده عنها ، فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بإخراجه عن الري فقاتله و أخرجه ، و سار إلى جرجان و دخل نيسابور سنة ثلاث و ثمانين ، فوقعت بينه و بين عمرو حرب و انهزم رافع إلى أبيورد و خلص عمرو ابنى أخيه من حبسه ، و هما العدل و الليث ابنا علي بن لليث ، و قد تقدم خبرهما . ثم سار رافع إلى هراة و رصده عمرو بسرخس فشعر به و رجع إلى نيسابور في مسالك صعبة ، و طرق ضيقة ، و اتبعه عمرو فحاصره في نيسابور .
أحمد بدوى- سوبر ستار المنتدى
- رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0
صفحة 2 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
مواضيع مماثلة
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم 0000
» تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثانى - جعلة الله مفيدا لنا ولكم
صفحة 2 من اصل 4
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى