alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

5 مشترك

صفحة 4 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4

اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:50 pm

فانهزموا حتى نهبت خيامهم . ثم حملت ميمنة محمد على ميسرة بركيارق فانهزمت ، و حمل محمد معهم فانهزم بركيارق ، و رجع كوهرابين للمنهزمين فكبا به فرسه و قتل ، وافترقت عساكر بركيارق و أسر وزيره أبو المحاسن فأكرمه مؤيد الملك و أنزله و أعاده إلى بغداد ليخاطب المستظهر في إعادة الخطبة للسلطان محمد ففعل ، و خطب له ببغداد منتصف رجب سنة ثلاث و تسعين . و ابتداء أمر كوهرابين أنه كان لامرأة بخوزستان و صار خادماً للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة . و حظي عنده و كان يستعرض حوائج تلك المرأة و أصاب أهلها منه خيراً . و أرسله أبو كاليجار مع ولده أبي نصر إلى بغداد ، فلما قبض عليه السلطان طغرلبك مضى معه إلى محبسه بقلعة طبرك . و لما مات أبو نصر سار إلى خدمة السلطان ألب أرسلان فحظي عنده و أقطعه واسط و جعله شحنة بغداد ، وكان حاضراً معه يوم قتله يوسف الخوارزمي و وقاه بنفسه . ثم بعثه ابنه ملك شاه إلى بغداد لإحضار الخلع و التقليد ، و استقر شحنة ببغداد إلى أن قتل ، و رأى ما لم يره خادم قبله من نفوذ الكلمة و كمال القدرة و خدمة الأمراء و الأعيان و طاعتهم انتهى .

مصاف بركيارق مع أخيه سنجر
و لما انهزم السلطان بركيارق من أخيه محمد لحق بالري و استدعى شيعته و أنصاره من الأمراء فلحقوا به . ثم ساروا إلى أسفراين و كاتب الأمير داود حبشر بن التونطاق يستدعيه و هو صاحب خراسان و طبرستان و منزله بالدامغان ، فأشار عليه باللحاق بنيسابور حتى يأتيه . فدخل نيسابور و قبض على رؤسائها ، ثم أطلقهم و أساء التصرف . ثم أعاد الكتاب إلى داود حبشي بالاستدعاء فاعتذر بأن السلطان سنجر زحف إليه في عساكر بلخ . ثم سأل منه المدد فسار بركيارق إليه في ألف فارس و هو في عشرين ألفاً والتقوا بسنجر عند النوشجان و في ميمنة سنجر الأمير برغش و في ميسرته كوكر ، و معه في القلب رستم . فحمل بركيارق على رستم فقتله و انهزم أصحابه و نهب عسكرهم ، و كادت الهزيمة تتم عليهم . ثم حمل برغش و كوكر على عسكر بركيارق و هم مشتغلون بالنهب فانهزموا ، و انهزم بركيارق . و جاء بعض التركمان بالأمير داود حبشي أسيراً إلى برغش فقتله و لحق بركيارق بجرجان ثم بالدامغان ، و قطع البرية إلى أصبهان بمراسلة أهلها فسبقه أخوه محمد إليها فعاد أسيرهم انتهى .

عزل الوزير عميد الدولة بن جهير و وفاته
لقد ذكرنا أن وزير السلطان بركيارق و هو الأغر أبو المحاسن أسر في المصاف الأول بين بركيارق و محمد ، و أن مؤيد الملك بن نظام الملك وزير محمد أطلقه و اصطنعه و ضمنه عمارة بغداد ، و حمله طلب الخطبة لمحمد ببغداد من المستظهر فخطب له ، و كان فيما حمله للمستظهر عزل وزيره عميد الدولة بن جهير . و بلغ ذلك عميد الدولة فأرسل من يعترض الأغر و يقتله فامتنع بعقر باب . ثم صالحه ذلك الذي اعترضه و طلب لقاءه فلقيه ، و دس الأغر إلى أبي الغازي بن أرتق ، و كان وصل معه و سبقه إلى بغداد فرجع إليه ليلاً و يئس منه ذلك الذي اعترضه ، و وصل الأغر بغداد ، و بلغ إلى المستظهر رسالة مؤيد الدولة في عزل عميد الدولة فقبض عليه في رمضان من سنة ثلاث و تسعين ، و على إخوته ، وصودر على خمسة و عشرين ألف دينار ، و بقي محبوساً بدار الخلافة إلى أن هلك في محبسه .

المصاف الثاني بين بركيارق و أخيه محمد و مقتل مؤيد الملك و الخطبة لبركيارق
قد ذكرنا أن بركيارق لما انهزم أمام أخيه محمد في المصاف الأول سار إلى أصبهان ، و لم يدخلها فمضى إلى عسكر مكرم إلى خوزستان و جاءه الأميران زنكي و ألبكي ابنا برسق . ثم سار إلى همذان فكاتبه أياز من كبار أمراء محمد بما كان استوحش منه فجاءه في خمسة آلاف فارس و أغراه باللقاء فارتحل لذلك . ثم استأمن إليه سرخاب ابن كنخسرو صاحب آوة فاجتمع له خمسون ألفاً من المقاتلة ، و بقي أخوه في خمسة عشر ألفاً . ثم اقتتلوا أول جمادى الآخرة سنة أربع و تسعين ، و أصحاب محمد يغدون على محمد شيئاً فشيئاً مستأمنين . ثم انهزم آخر النهار و أسر وزيره مؤيد الملك ، و أحضره عند بركيارق غلام لمجد الملك البارسلاني ثار منه مولاه ، فلما حضر وبخه بركيارق و قتله و بعث الوزير أبو المحاسن من يسلم إليه أمواله ، و صادر عليها قرابته ، في بغداد و في غير بغداد من بلاد العجم . و يقال كان فيما أخذ له قطعة من البلخش زنة إحدى و أربعين مثقالاً . ثم سار بركيارق إلى الري و لقيه هناك كربوقا صاحب الموصل ، و نور الدولة دبيس بن صدقة بن مزيد ، و اجتمعت إليه نحو من مائة ألف فارس حتى ضاقت بهم البلاد ففرق العساكر . و عاد دبيس إلى أبيه و سار كربوقا إلى أذربيجان لقتال مودود بن إسمعيل بن ياقوتا ، كان خرج على السلطان هنالك و سار أياز إلى همذان ليقضي الصوم عند أهله و يعود ، فبقي بركيارق في خف من الجنود . و كان محمد أخوه لما انهزم لجهات همذان سار إلى شقيقه بخراسان فانتهى إلى جرجان ، و بعث يطلب منه المدد فأمده بالمال أولاً . ثم سار إليه بنفسه إلى جرجان و سار معه إلى الدامغان و خرب عسكر خراسان ما مروا به من البلاد ، و انتهوا إلى الري ، و اجتمعت إليهم النظامية و بلغهم افتراق العساكر عن بركيارق فأغذوا إليه السير فرحل إلى همذان فبلغه أن أياز راسل محمداً ، فقصد خوزستان و انتهى إلى تستر ، و استدعى بني برسق فقعدوا عنه لما بلغهم مراسلة أياز للسلطان ، فسار بركيارق نحو العراق ، و كان أياز راسل محمداً في الكون معه فلم يقبله فسار من همذان ، و لحق بركيارق إلى حلوان و سارو جميعاً إلى بغداد . و استولى محمد على مخلف أياز بهمذان و حلوان و كان شيئاً مما لا يعبر عنه . و صادر جماعة من أصحاب أياز من أهل همذان ، و وصل بركيارق إلى بغداد منتصف ذي القعدة سنة أربع و تسعين ، و بعث المستظهر لتلقيه أمين الدولة بن موصلايا في المراكب ، و كان بركيارق مريضاً فلزم بيته ، و بعث المستظهر في عيد الأضحى إلى داره منبراً خطب عليه باسمه ، و تخلف بركيارق عن شهود العيد لمرضه ، و ضاقت عليه الأموال فطلب الإعانة من المستظهر ، و حمل إليه خمسين ألف دينار بعد المراجعات ، و مد يده إلى أموال الناس و صادرهم فضجوا ، و ارتكب خطيئة شنعاء في قاضي جبلة و هو أبو محمد عبد الله بن منصور . و كان من خبره أن أباه منصوراً كان قاضياً بجبلة في ملكة الروم ، فلما ملكها المسلمون و صارت في يد أبي الحسن علي بن عمار صاحب طرابلس أقره على القضاء بها . و توفي فقام ابنه أبو محمد هذا مقامه و لبس شعار الجندية و كان شهماً ، فهم ابن عمار بالقبض عليه ، و شعر فانتقض و خطب للخلفاء العباسية . و كان ابن عمار يخطب للعلوية بمصر ، و طالت منازلة الفرنج بحصن جبلة إلى أن ضجر أبو محمد هذا ، و بعث إلى صاحب دمشق و هو يومئذ طغتكين الأتابك أن يسلم إليه البلد ، فبعث ابنه تاج الملوك موري و تسلم منه البلد ، و جاء به إلى دمشق و بذل لهم فيه ابن عمار ثلاثين ألف دينار دون أمواله ، فلم يرضوا بإخفار ذمتهم و سار عنهم إلى بغداد ، و لقي بها بركيارق فأحضره الوزير أبو المحاسن و طلبه في ثلاثين ألف دينار ، فأجاب و أحالهم على منزلة بالأنبار ، فبعث الوزير من أتاه بجميع ما فيه ، و كان لا يعبر فكانت من المنكرات التي أتاها بركيارق . ثم بعث الوزير إلى صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد صاحب حلب يطلب منه ألف ألف دينار متخلفة من مال الجباية ، و تهدده عليها فغضب و انتقض و خطب لمحمد ، و بعث إليه بركيارق الأمير أياز يستقدمه فلم يجب ، و بعث إلى الكوفة و طرد عنها نائب بركيارق و استضافها إليه .

استيلاء محمد على بغداد
قد ذكرنا استيلاء محمد على همذان في آخر ذي الحجة من سنة أربع و تسعين ، و معه أخوه سنجر . و ذهب بركيارق إلى بغداد فاستولى عليها و أساء السيرة بها ، و بلغ الخبر إلى محمد فسار من همذان في عشرة آلاف فارس ، و لقيه بحلوان أبو الغازي بن أرتق شحنته ببغداد في عساكره و أتباعه . و كان بركيارق في شدة من المرض ، قد أشرف على الهلاك فاضطرب أصحابه و عبروا به إلى الجانب الغربي حتى إذا وصل محمد بغداد و ترآى الجمعان من عدوتي دجلة ذهب بركيارق و أصحابه إلى واسط و دخل محمد بغداد ، و جاءه توقيع المستظهر بالانتقاض مما وقع به بركيارق ، و خطب له على منابر بغداد ، و جاءه صدقة بن منصور صاحب الحلة فأخرج الناس للقائه و نزل سنجر بدار كوهرابين ، و استوزر محمد بعد مؤيد الملك خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين ، فقدم إليه في المحرم سنة خمس و تسعين انتهى .

المصاف الثالث و الرابع و ما تخلل بينهما من الصلح و لم يتم
ثم ارتحل السلطان و أخوه سنجر عن بغداد منتصف المحرم من سنة خمس و تسعين ، و قصد سنجر خراسان و محمد همذان ، فاعترض بركيارق خاص الخليفة المستظهر ، و أبلغه القبيح فاستدعى المستظهر محمداً لقتال بركيارق فجاء إليه و قال : أنا أكفيكه . و رتب أبا المعالي شحنة ببغداد ، و كان بركيارق بواسط كما قلنا ، فلما أبل من مرضه عبر إلى الجانب الشرقي بعد جهد و صعوبة لفرار الناس من واسط لسوء سيرتهم . ثم سار إلى بلاد بني برسق حتى أطاعوا و استقاموا و ساروا معه فاتبع أخاه محمداً إلى نهاوند و تصافوا يومين و منعهما شدة البرد من القتال . ثم اجتمع أياز و الوزير الأغر من عسكر بركيارق و بلد أجى و غيرهم من الأمراء من عسكر محمد . تفاوضوا في شكوى ما نزل بهم من هذه الفتنة ، ثم اتفقوا على أن تكون السلطنة بالعراق لبركيارق و يكون لمحمد من البلاد الحيرة و أعمالها و أذربيجان و ديار بكر و الجزيرة و الموصل على أن يمده بركيارق بالعسكر متى احتاج إليه على من يمتنع عليه منها . و تحالفا على ذلك و افترقا في ربيع الأول سنة خمس و تسعين ، ثم سار بركيارق إلى ساوة و محمد إلى قزوين ، و بدا له في الصلح و اتهم الأمراء الذين سعوا فيه ، و أسر إلى رئيس قزوين أن يدعوهم إلى صنيع عنده ، و غدر بهم محمد فقتل بعضاً و سمل بعضاً و أظهر الفتنة . و كان الأمير ينال بن أنوش تكين قد فارق بركيارق ، و أقام مجاهداً للباطنية في الجبال و القلاع فلقي محمداً و سار معه إلى الري ، و بلغ الخبر إلى بركيارق فأغذ إليه السير في ثمان ليال و اصطفوا في التاسع و كلا الفريقين في عشرة آلاف مقاتل . و حمل سرخاب بن كنجسر و الديلمي صاحب آوة و من أصحاب بركيارق على ينال بن أنوش تكين فهزمه ، و انهزم معه عسكر محمد ، و افترقوا فلحق فريق بطبرستان و آخر بقزوين ، و لحق بأصبهان في سبعين فارساً ، و اتبعه أياز و ألبكي بن برسق فنجا إلى البلد و بها نوابه ، فلم ما تشعث من السور ، و كان من بناء علاء الدين بن كاكويه سنة تسع و عشرين لقتال طغرلبك و حفر الخنادق و أبعد مهواها و أجرى فيها المياه ، و نصب المجانيق ، و استعد للحصار . و جاء بركيارق في جمادى و معه خمسة عشر ألف فارس و مائة ألف من الرجل و الأتباع ، فحاصرها حتى جهدهم الحصار و عدمت الأقوات و العلوفة ، فخرج محمد عن البلد في عيد الأضحى من سنته في مائة و خمسين فارساً ، و معه ينال ، و نزل في الأمراء ، و بعث بركيارق في اتباعه الأمير أياز . و كانت خيل محمد ضامرة من الجوع ، فالتفت إلى أياز يذكره العهود فرجع عنه بعد أن نهب منه خيلاً و مالاً ، و أخذ علمه و جنده و عاد إلى بركيارق . ثم شد بركيارق في حصار أصبهان ، و زحف بالسلاليم و الذبابات ، و جمع الأيدي على الخندق فطمه ، و تعلق الناس بالسور فاستمات أهل البلد و دفعوهم . و علم بركيارق امتناعها فرحل عنها ثامن عشر ذي الحجة . و جمر عسكراً مع ابنه ملكشاه و ترشك الصوالي على البلد القديم الذي يسمى شهرستان ، و سار إلى همذان بعد أن كان قتل على أصبهان وزيره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني ، اعترضه في ركوبه من خيمته إلى خدمة السلطان متظلم فطعنه و أشواه ، و رجع إلى خيمته فمات ، و ذهب للتجار الذين كانوا يعاملونه أموال عظيمة لأن الجباية كانت ضاقت بالفتن ، فاحتاج إلى الاستدانة ، و نفر منه التجار لذلك . ثم عامله بعضهم فذهب ما لهم بموته ، و كان أخوه العميد المهذب أبو محمد قد سار إلى بغداد لينوب عنه حين عقد الأمراء الصلح بن بركيارق و محمد ، فقبض عليه الشحنة ببغداد أبو الغازي بن أرتق و كان على طاعة محمد .

الشحنة ببغداد و الخطبة لبركيارق
كان أبو الغازي بن أرتق شحنة ببغداد و ولاه عليها السلطان محمد عند استيلائه في المصاف الأول ، و كان طريق خراسان إليه فعاد بعض الأيام منها إلى بغداد ، و ضرب فارس من أصحابه بعض الملاحين بسهم في ملاحاة وقعت بينهم عند العبور فقتله فثارت بهم العامة و أمسكوا القاتل ، و جاؤا به إلى باب النوبة في دار الخلافة و لقيهم ولد أبي الغازي فاستنفذه من أيديهم فرجموه ، و جاء إلى أبيه مستغيثاً و ركب إلى محلة الملاحين فنهبها و عطف عليه العيارون فقتلوا من أصحابه ، و ركبوا السفين للنجاة فهرب الملاحون و تركوهم فغرقوا ، و جمع أبو الغازي التركماني لنهب الجانب الغربي ، فبعث إليه المستظهر قاضي القضاة و الكيا الهراسي مدرس النظامية بالامتناع من ذلك فاقتصر أبو الغازي أثناء ذلك متمسكاً بطاعة السلطان محمد . فلما انهزم محمد و انطلق من حصار أصبهان و استولى بركيارق على الري بعث في منتصف ربيع الأول من سنة ست و تسعين من همذان كمستكين القيصراني شحنة إلى بغداد . فلما سمع أبو الغازي بعث إلى أخيه سقمان بحصن كيفا يستدعيه للدفاع . و جاءه سقمان و مر بتكريت فنهبها ، و وصل كمستكين و لقيه شيعة بركيارق و أشاروا عليه بالمعاجلة ، و وصل إلى بغداد منتصف ربيع . و خرج أبو الغازي و أخوه سقمان إلى دجيل و نهبا بعض قراها ، و اتبعهما طائفة من عسكر كمستكين . ثم رجعوا عنهما و خطب للسلطان بركيارق ببغداد و بعث كمستكين إلى سيف الدولة صدقة بالحلة عنه و عن المستظهر بطاعة بركيارق فلم يجب ، و كشف القناع و سار إلى جسر صرصر فقطعت الخطبة على منابر بغداد فلم يذكر أحد عليها من السلاطين ، و اقتصر على الخليفة فقط . و بعث سيف الدولة صدقة إلى أبي الغازي و سقمان بأنه جاء لنصرتهما فعادوا إلى دجيل و عاثوا في البلاد ، و اجتمع لذلك حشد العرب و الأكراد مع سيف الدولة ، و بعث إليه المستظهر في الإصلاح ، و خيموا جميعاً بالرملة و قاتلهم العامة و بعث الخليفة قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني و تاج رؤساء الرياسة ابن الموصلايا إلى سيف الدولة بكف الأيدي عن الفساد ، فاشترطوا خروج كمستكين القيصراني شحنة بركيارق و إعادة الخطبة للسلطان محمد ، فتم الأمر على ذلك ، و عاد سيف الدولة إلى الحلة و عاد القيصراني إلى واسط ، و خطب بها لبركيارق فسار إليه صدقة و أبو الغازي ، و فارقها القيصراني فاتبعه سيف الدولة . ثم استأمن و رجع إليه فأكرمه و خطب للسلطان محمد بواسط ، و بعده لسيف الدولة و أبي الغازي و استناب كل واحد ولده ، و رجع أبو الغازي إلى بغداد و سيف الدولة إلى الحلة ، و بعث ولده منصورا إلى المستظهر يخطب رضاه بما كان منه في هذه الحادثة فأجيب إلى ذلك .

استيلاء ينال على الري بدعوة السلطان محمد و مسيره إلى العراق
كانت الخطبة بالري للسلطان بركيارق ، فلما خرج السلطان محمد من الحصار بأصبهان ، بعث ينال بن أنوش تكين الحسامي إلى الري ليقيم الخطبة له بها فسار و معه أخوه علي ، و عسف الرعايا . ثم بعث السلطان بركيارق إليه برسق بن برسق في العساكر فقاتله على الري ، و انهزم ينال و أخوه منتصف ربيع من سنة ست و تسعين ، و ذهب علي إلى قزوين و سلك ينال على الجبال إلى بغداد و تقطع أصحابه في الأوغار و قتلوا ، و وصل إلى بغداد في سبعمائة رجل ، و أكرمه المستظهر و اجتمع هو أبو الغازي و سقمان ابنا أرتق بمشهد أبي حنيفة ، فاستحلفوه على طاعة السلطان محمد ، وساروا إلى سيف الدولة صدقة و استحلفوه على ذلك . و استقر ينال ببغداد في طاعة السلطان محمد ، و تزوج أخت أبي الغازي كانت تحت تاج الدولة تتش . و عسف بالناس و صادر العمال و استطال أصحابه على العامة بالضرب و القتل . و بعث إليه المستظهر مع القاضي الدامغاني بالنهي عن ذلك و تقبيح فعله ، ثم مع إيلغازي فأجاب و حلف على كف أصحابه و منعهم . و استمر على قبح السيرة فبعث المستظهر إلى سيف الدولة صداقة يستدعيه لكف عدوانه ، فجاء إلى بغداد في شوال من سنة ست و تسعين ، و خيم بالمنجمي و دعا ينالاً للرحلة عن العراق على أن يدفع إليه . و عاد إلى الحلة و سار ينال مستهل ذي القعدة إلى أوانا ففعل من النهب و العسف أقبح مما فعل ببغداد ، فبعث المستظهر إلى صدقة في ذلك ، فأرسل ألف فارس ، و ساروا إليه مع جماعة من أصحاب المستظهر و أبي الغازي الشحنة ، و ذهب ينال أمامهم إلى أذربيجان قاصداً إلى السلطان محمد و رجع أبو الغازي و العساكر عنه .

المصاف الخامس بين السلطانين
كانت كنجة و بلاد أرزن للسلطان محمد و عسكره مقيم بها مع الأمير عزعلي ، فلما طال حصاره و بأصبهان جاؤوا لنصرته ، و معهم منصور بن نظام الملك و محمد بن أخيه مؤيد الملك ، و وصلوا إلى الري آخر ذي الحجة سنة خمس و تسعين ، و فارقه عسكر بركيارق . ثم خرج محمد من أصبهان فساروا إليه و لقوه بهمذان ، و معه ينال و علي ابنا أنوش تكين فاجتمعوا في ستة آلاف فارس . و سار ينال و أخوه على الري و أزعجتهم عنها عساكر بركيارق كما مر . ثم جاءهم الخبر في همذان بزحف بركيارق إليهم ، فسار محمد إلى بلاد شروان . و لما انتهى إلى أردبيل بعث إليه مودود بن إسمعيل ابن ياقوتي ، و كان أميراً على بيلقان من أذربيجان ، و كان أبوه إسمعيل خال بركيارق ، و انتقض عليه أول أمره فقتله فكان مودود يطالبه بثأر أبيه ، و كانت أخته تحت محمد فبعث إليه و جاءه إلى بيلقان . و توفي مودود أثر قدومه منتصف ربيع من سنة ست و تسعين ، فاجتمع عسكره على الطاعة لمحمد و فيهم سقمان القطبي صاحب خلاط و أرمينية و محمد بن غاغيسا ، كان أبوه صاحب أنطاكية . و كان ألب أرسلان ابن السبع الأحمر . و لما بلغ بركيارق إجتماعهم لحربه أغذ السير إليهم فوصل و قاتلهم على باب خوي من أذربيجان من المغرب إلى العشاء . ثم حمل أياز من أصحاب بركيارق على عسكر محمد فانهزموا ، و سار إلى خلاط و معه سقمان القطبي و لقيه الأمير علي صاحب أرزن الروم ، ثم سار إلى و بها منوجهر أخو فضلون الروادي . ثم سار إلى تبريز و لحق محمد بن مؤيد الملك بديار بكر ، و سار منها إلى بغداد و كان من خبره أنه كان مقيماً ببغداد مجاوراً للمدرسة النظامية فشكا الجيران منه إلى أبيه ، فكتب إلى كوهرابين بالقبض عليه فاستجار بدار الخلافة . ثم سار سنة اثنتين و تسعين إلى محمد الملك الباسلاني و أبوه حينئذ بكنجة عند السلطان محمد قبل أن يدعو لنفسه . ثم سار بعد أن قتل محمد الملك إلى والده مؤيد الملك ، و هو وزير السلطان محمد . ثم قتل أبوه و اتصل هو بالسلطان ، و حضر هذه الحروب كما ذكرنا . و أما السلطان بركيارق بعد هزيمة محمد فإنه نزل جبلاً بين مراغة و تبريز و أقام به حولاً ، و كان خليفة المستظهر سديد الملك أبو المعالي كما ذكرناه . ثم قبض عليه منتصف رجب سنة ست و تسعين و حبس بدار الخليفة مع أهله كانوا قد وردوا عليه من أصبهان . و سبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة لأنه كان يتصرف في أعمال السلاطين ، و ليست فيها هذه القوانين . و لما قبض عاد أمين الدولة أبو سعد ابن الموصلايا إلى النظر في الديوان و بعث المستظهر عن زعيم الرؤساء أبي القاسم بن جهير من الحلة ، و كان ذهب إليها في السنة قبلها مستجيراً بسيف الدولة صدقة لأن خاله أمين الدولة أبا سعد بن الموصلايا كان الوزير الأعز وزير بركيارق يشيع عنه أنه الذي يحمل المستظهر على موالاة السلطان محمد ، و الخطبة له دون بركيارق ، فاعتزل أمين
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:51 pm

الدولة الديوان و سار ابن أخته هذا أبو القاسم بن جهير مستجيراً بصاحب الحلة فاستقدمه الخليفة الآن . و خرج أرباب الدولة لاستقباله ، و خلع عليه للوزارة و لقيه قوام الدولة ، ثم عزله على رأس المائة الخامسة . و استجار سيف الدولة صدقة بن منصور ببغداد فأجاره وبعث عنه إلى الحلة و ذلك لثلاث سنين و نصف من وزارته ، و ناب في مكانه القاضي أبو الحسن بن الدامغاني أياماً . ثم استوزر مكانه أبا المعالي بن محمد بن المطلب في المحرم سنة إحدى و خمسمائة ، ثم عزله سنة اثنتين بإشارة السلطان محمد ، و أعاده بإذنه على شرطيه العدل و حسن السيرة ، و أن لا يستعمل أحداً من أهل الذمة . ثم عزل في رجب من سنة اثنتين و خمسين ، و استوزر أبا القاسم بن جهير سنة تسع و خمسين ، و استوزر بعده الربيع أبا منصور بن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير السلطان .

الصلح بين السلطانين بركيارق و محمد
و لما تطاولت الفتنة بين السلطانين ، و كثر النهب و الهرج و خربت القرى ، و استطال الأمر عليهم و كان السلطان بركيارق بالري و الخطبة له بها و بالجبل و طبرستان و خوزستان و فارس و ديار بكر و الجزيرة و الحرمين ، و كان السلطان محمد بأذربيجان و الخطبة له بها و ببلاد أران و أرمينية و أصبهان و العراق جميعه إلا تكريت . و أما البطائح فبعضها لهذا و بعضها لهذا ، و الخطبة بالبصرة لهما جميعاً و أما خراسان من جرجان إلى ما وراء النهر ، فكان يخطب فيها لسنجر بعد أخيه السلطان محمد . فلما استبصر بركيارق في ذلك ، و رأى تحكم الأمراء عليه ، و قلة المال ، جنح إلى الصلح و بعث القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي و أبا الفرج أحمد بن عبد الغفار الهمذاني ، المعروف بصاحب قراتكين إلى أخيه محمد في الصلح ، فوصلا إليه بمراغة و ذكراه و وعظاه فأجاب إلى الصلح على أن السلطان لبركيارق ، و لا يمنع محمداً من اتخاذ الآلة ، و لا يذكر أحد منهما مع صاحبه في الخطبة في البلاد التي صارت إليه و تكون المكاتبة من وزيريهما في الشؤن لا يكاتب أحدهما الآخر ، و لا يعارض أحد من العسكر في الذهاب إلى أيهما شاء ، و يكون للسلطان محمد من نهر استبدرو إلى الأبواب و ديار بكر و الجزيرة و الموصل و الشام ، و أن يدخل سيف الدولة صدقة بأعماله في خلفه و بلاده و السلطنة كلها ، و بقية الأعمال و البلاد كلها للسلطان بركيارق . و بعث محمد إلى أصحابه بأصبهان بالإفراج عنها لأصحاب أخيه ، و جاؤا بحريم محمد إليه بعد أن دعاهم السلطان بركيارق إلى خدمته فامتنعوا فأكرمهم ، و حمل حريم أخيه و زودهم بالأموال ، و بعث العساكر في خدمتهم . ثم بعث السلطان بركيارق إلى المستظهر بما استقر عليه الحال في الصلح بينهم ، و حضر أبو الغازي بالديوان و هو شحنة محمد و شيعته ، إلا أنه وقف مع الصلح ، فسأل الخطبة لبركيارق فأمر بها المستظهر ، و خطب له على منابر بغداد و واسط في جمادى سنة سبع و تسعين ، و نكر الأمير صدقة صاحب الحلة الخطبة لبركيارق و كان شيعة لمحمد . و كتب إلى الخليفة بالنكير على أبي الغازي و أنه سائر لإخراجه عن بغداد ، فجمع أبو الغازي التركمان ، و فارق بغداد إلى عقرقوبا و جاء سيف الدولة صدقة و نزل مقابل التاج و قبل الأرض و خيم بالجانب الغربي . و أرسل إليه أبو الغازي يعتذر عن طاعة بركيارق بالصلح الواقع ، و أن إقطاعه بحلوان في جملة بلاده التي وقع الصلح عليها و بغداد التي هو شحنه فيها قد صارت له فقبل و رضي ، و عاد إلى الحلة و بعث المستظهر في ذي القعدة من سنة سبع و تسعين الخلع للسلطان بركيارق و الأمير أياز و الخطير وزير بركيارق ، و بعث معهما العهد له بالسلطنة و استحلفه الرسل على طاعة المستظهر و رجعوا .

وفاة السلطان بركيارق و ملك ابنه ملك شاه
كان السلطان بركيارق بعد الصلح و انعقاده أقام بأصبهان أشهراً و طرقه المرض فسار إلى بغداد ، فلما بلغ بلد يزدجرد اشتد مرضه و أقام بها أربعين يوماً حتى أشفى على الموت ، فأحضر ولده ملك شاه و جماعة الأمراء ، و ولاه عهده في السلطنة ، و هو ابن خمس سنين و جعل الأمير أياز أتابكه ، و أوصاهم بالطاعة لهما و استحلفهم على ذلك ، و أمرهم بالمسير إلى بغداد و تخلف عنهم ليعود إلى أصبهان فتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان و تسعين . و بلغ الخبر إلى ابنه ملك شاه و الأمير أياز على إثني عشر فرسخاً من بلد يزدجرد فرجعوا ، و حضروا لتجهيزه و بعثوا به إلى أصبهان للدفن بها في تربة أعدها ، و أحضر أياز السرادقات و الخيام و الخفر و الشمسة ، و جميع آلات السلطنة فجعلها الملك شاه . و كان أبو الغازي شحنة ببغداد و قد حضر عند السلطان بركيارق بأصبهان في المحرم و حثه على المسير إلى بغداد ، فلما مات بركيارق سار مع ابنه ملك شاه و الأمير أياز و وصلوا بغداد منتصف ربيع الآخر في خمسة آلاف فارس ، و ركب الوزير أبو القاسم علي بن جهير لتلقيهم فلقيهم بديالى ، و أحضر أبو الغازي و الأمير طما يدل بالديوان و طلبوا الخطبة لملك شاه بن بركيارق فأجاب المستظهر إلى ذلك و خطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه و نثرت الدنانير عند الخطبة .

وصول السلطان محمد إلى بغداد و استبداده بالسلطنة و الخطبة و مقتل أياز
كان محمد بعد صلحه مع أخيه بركيارق قد اعتزم على المسير إلى الموصل ليتناولها من يد جكرمش لما كانت من البلاد التي عقد عليها و كان بتبريز ينتظر وصول أصحابه من أذربيجان ، فلما وصلوا استوزر سعد الملك أبا المحاسن لحسن أثره في حفظ أصبهان . ثم رحل في صفر سنة ثمان و تسعين يريد الموصل و سمع جكرمش فاستعد للحصار و أمر أهل السواد بدخول البلد . و جاء محمد فحاصره و بعث إليه كتب أخيه بأن الموصل و الجزيرة من قسمته ، و أراه إيمانه بذلك ، و وعده بأن يقره على ولايتها فقال جكرمش : قد جاءتني كتب بركيارق بعد الصلح بخلاف هذا فاشتد محمد في حصاره ، و قتل بين الفريقين خلق ، و نقب السور ليلة فأصبحوا و أعادوه ، و وصل الخبر إلى جكرمش بوفاة بركيارق عاشر جمادى فاستشار أصحابه و رأى المصلحة في طاعة السلطان محمد فأرسل إليه بالطاعة ، و أن يدخل إليه وزيره بعد الملك فدخل ، و أشار عليه بالحضور عند السلطان فحضر ، و أقبل السلطان عليه و رده لجيشه لما توقع من ارتياب أهل البلد بخروجه ، و أكثر من الهدايا و التحف للسلطان و لوزيره . و لما بلغ وفاة أخيه بركيارق سار إلى بغداد و معه سقمان القطبي نسبة إلى قطب الدولة إسمعيل بن ياقوتا بن داود ، و داود هو حقربيك و أبو ألب أرسلان ، و سار معه جكرمش و صاحب الموصل و غيرهما من الأمراء . و كان سيف الدولة صاحب الحلة قد جمع عسكراً خمسة عشر ألفاً من الفرسان و عشرة آلاف رجل ، و بعث ولديه بدران و دبيس إلى السلطان محمد يستحثه على بغداد . و لما سمع الأمير أياز بقدومه ، خرج هو و عسكره و خيموا خارج بغداد و استشار أصحابه فصمموا على الحرب ، و أشار وزيره أبو المحاسن بطاعة السلطان محمد و خوفه عاقبة خلافه و سفه آراءهم في حربه ، و أطمعه في زيادة الأقطاع ، و تردد أياز في أمره و جمع السفن عنده ، و ضبط المثار و وصل السلطان محمد آخر جمادى من سنة ثمان و تسعين ، و نزل بالجانب الغربي و خطب له هنالك ، و لملك شاه بالجانب الشرقي . و اقتصر خطيب جامع المنصور على الدعاء للمستظهر و لسلطان العالم فقط . و جمع أياز أصحابه لليمين فأبوا من المعاودة و قالوا لا فائدة فيها و الوفاء إنما يكون بواحدة فارتاب أياز بهم ، و بعث وزيره المصفى أبا المحاسن إلى السلطان محمد في الصلح ، و تسليم الأمر فلقي أولاً ويزره سعد الملك أبا المحاسن سعد بن محمد و أخبر فأحضره عند السلطان محمد و أدى رسالة أياز و العذر عما كان منه أيام بركيارق فقبله السلطان و أعتبه ، و أجابه إلى اليمين و حضر من الغد القاضي و النقيبان و استحلف الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي وزير أياز بمحضرهم لملك شاه و لأياز و للأمراء الذين معه ، فقال : أما ملك شاه فهو ابني و أما أياز و الأمراء فأحلف لهم إلا ينال بن أنوش ، و سار و استحلفه الكيا الهراسي مدرس النظامية بمحضر القاضي و النقيبين . ثم حضر أياز من الغد و وصل سيف الدولة صدقة و ركب السلطان للقائهما و أحسن إليهما ، و عمل أياز دعوة في داره و هي دار كوهرابين و حضر عنده السلطان و أتحفه بأشياء كثيرة منها حبل البلخش الذي كان أخذه من تركة مؤيد الملك بن نظام الملك . و حضر مع السلطان سيف الدولة صدقة بن مزيد . و كان أياز قد تقدم إلى غلمانه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان ، و حضر عندهم بعض الصفاعين فأخذوا معه في السخرية و ألبسوه درعاً تحت قميصه ، و جعلوا يتناولونه بأيديهم فهرب منهم إلى خواص السلطان ، و رآه السلطان متسلحاً فأمر بعض غلمانه فالتمسوه و قد وجدوا السلاح فارتاب و نهض من دار أياز . ثم استدعاه بعد أيام و معه جكرمش و سائر الأمراء فلما حضر وقف عليهم بعض قواده و قال لهم أن قليج أرسلان ابن سليمان بن قطلمش قصد ديار بكر ليملكها فأشيروا بمن نسير لقتاله ، فأشاروا جميعاً بالأمير أياز ، و طلب هو مسير سيف الدولة صدقة معه فاستدعى أياز و صدقة ليفاوضهم في ذلك فنهضوا إليه ، و قد أعد جماعة من خواصه لقتل أياز فلما دخلوا ضرب أياز فقطع رأسه و لف شلوه في مشلح و ألقي على الطريق . و ركب عسكره فنهبوا داره و أرسل السلطان لحمايتها فافترقوا و اختفى وزيره . ثم حمل إلى دار الوزير سعد الملك و قتل في رمضان من سنته . و كان من بيت رياسة بهمذان و كان أياز من مماليك السلطان ملك شاه ، و صار بعد موته في جملة أمير آخر فاتخذه ولداً ، و كان شجاعاً حسن الرأي في الحرب و استبد السلطان محمد بالسلطنة و أحسن السيرة ، و رفع الضرائب ، و كتب بها الألواح و نصبت في الأسواق و عظم فساد التركمان بطريق خراسان ، و هي من أعمال العراق فبعث أبو الغازي بن أرتق شحنة بغداد بدل ابن أخيه بهرام بن أرتق على ذلك البلد فحماه و كف الفساد منه . و سار إلى حصن من أعمال سرخاب بن بدر فحصره و ملكه . ثم ولى السلطان محمد سنقر البرسقي شحنة بالعراق و كان معه في حروبه و أقطع الأمير قاياز الكوفة و أمر صدقة صاحب الحلة أن يحمي أصحابه من خفاجة . و لما كان شهر رمضان من سنة ثمانية و تسعين عاد السلطان محمد إلى أصبهان و أحسن فيهم السيرة و كف عنهم الأيدي العادية .

الشحنة ببغداد
كان السلطان قد قبض سنة اثنتين و خمسين على أبي القاسم الحسين بن عبد الواحد صاحب المخزن ، و علي بن الفرج ابن رئيس الرؤساء و اعتقلهما و صادرهما على مال يحملانه ، و أرسل مجاهد الدين لقبض المال ، و أمره بعمارة دار الملك فاضطلع بعمارتها ، وأحسن السيرة في الناس و قدم السلطان أثر ذلك إلى بغداد فشكر سيرته ، و ولاه شحنة بالعراق و عاد إلى أصبهان .

وفاة السلطان محمد و ملك ابنه محمود
ثم توفي السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذي الحجة من سنة إحدى و خمسمائة ، و قد كان عهد لولده محمود و هو يومئذ غلام محتلم ، و أمره بالجلوس على التخت بالتاج و السوارين و ذلك لاثنتي عشرة سنة و نصف من استبداده بالملك و اجتماع الناس عليه بعد أخيه . و ولي بعده ابنه محمود و بايعه أمراء السلجوقية ، و دبر دولته الوزير الرسب أبو منصور ابن الوزير أبي شجاع محمد بن الحسين وزير أبيه ، و بعث إلى المستظهر في الخطبة فخطب له على منابر بغداد منتصف المحرم سنة إثنتي عشرة ، و كان أقسنقر البرسقي مقيماً بالرحبة استخلف بها ابنه مسعوداً ، و سار إلى السلطان محمد يطلب الزيادة في الأقطاع و الولاية و لقيه خبر وفاته قريباً من بغداد فمنعه بهروز الشحنة من دخولهما ، و سار إلى أصبهان فلقيه بحلوان توقيع السلطان محمود بأن يكون شحنة بغداد لسعى الأمراء له في ذلك تعصباً على مجاهد الدين بهروز و غيره منه لمكانه عند السلطان محمد . و لما رجع أقسنقر إلى بغداد هرب مجاهد الدين بهروز إلى تكريت و كانت من أعماله . ثم عزل السلطان محمود أقسنقر و ولى شحنة بغداد الأمير منكبرس حاكماً في دولته بأصبهان ، فبعث نائباً عنه ببغداد و العراق الأمير حسين بن أروبك أحد أمراء الأتراك . و رغب البرسقي من المستظهر بالعدة فلم يتوقف فسار أقسنقر إليه و قاتله و انهزم الأمير حسين و قتل أخوه و عاد إلى عسكر السلطان و ذلك في ربيع الأول من سنة إثنتي عشرة .

وفاة المستظهر و خلافة المسترشد
ثم توفي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله أبو القاسم عبد الله بن القائم بالله في منتصف ربيع الآخر سنة إثنتي عشرة و خمسمائة لأربع و عشرين سنة و ثلاثة أشهر من خلافته ، و بويع بعده ابنه المسترشد بالله الفضل ، و كان ولي عهده منذ ثلاث و عشرين سنة و بايعه أخوه عبد الله محمد و هو المقتدي ، و أبو طالب العباس و عمومته بنو المقتدي و غيرهم من الأمراء و القضاة و الأئمة و الأعيان . و تولى أخذ البيعة القاضي أبو الحسن الدامغاني ، و كان نائباً عن الوزارة فأقره المسترشد عليها ، و لم يأخذ البيعة قاض غير هذا للمسترشد ، و أحمد بن أبي داود للواثق و القاضي أبو علي إسمعيل بن إسحق للمعتضد . ثم عزل المسترشد قاضي القضاة عن نيابة الوزارة و استوزر أبا شجاع محمد بن الرسب أبي منصور ، خاطبه أبوه وزير السلطان محمود و ابنه محمد في شأنه فاستوزره ، ثم عزله سنة عشر و استوزر مكانه جلال الدين عميد الدولة أبا علي بن صدقة ، و هم عم جلال الدين أبي الرضى بن صدقة وزير الراشد .
و لما شغل الناس ببيعة المسترشد ركب أخوه الأمير أبو الحسن في السفن مع ثلاثة نفر و انحدر إلى المدائن ، و منها إلى الحلة فأكرمه دبيس ، و هم ذلك المسترشد و بعث إلى دبيس في إعادته مع النقيب علي بن طراد الرثيني فاعتذر بالذمام ، و أنه لا يكرهه فخطب النقيب أبا الحسن أخا الخليفة في الرجوع فاعتذر بالخوف ، و طلب الأمان . ثم حدث من البرسقي و دبيس ما نذكره فتأخر ذلك إلى صفر من سنته و هي سنة ثلاث عشرة ، فسار أبو الحسن بن المستظهر إلى واسط و ملكها ، فبادر المسترشد إلى ولاية العهد لابنه جعفر المنصور ابن اثنتي عشر سنة ، فخطب له و كتب إلى البلاد بذلك ، و كتب إلى دبيس بمعاجلة أخيه أبي الحسن فإنه فارق ذمامه فبعث دبيس العساكر إلى واسط فهرب منها ، و صادفوه عند الصبح فنهبوا أثقاله و هرب الأكراد و الأتراك عنه ، و قبض عليه بعض الفرق و جاؤوا به إلى دبيس فأكرمه المسترشد و أمنه و أنزله أحسن نزل .

انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود ثم مصالحته و استقرار جكرمش شحنة ببغداد
كان السلطان محمد قد أنزل ابنه مسعوداً بالحلة و جعل معه حيوس بك أتابك ، فلما ملك السلطان محمود بعد وفاة أبيه ، ثم ولي المسترشد الخلافة بعد أبيه ، و كان دبيس صاحب الحلة ممرضاً في طاعته ، و كان أقسنقر البرسقي شحنة بالعراق كما ذكرناه ، أراد قصة الحلة و أخلى دبيس عنها ، و جمع لذلك جموعاً من العرب و الأكراد ، و برز من بغداد في جمادى سنة إثنتي عشرة ، و بلغ الخبر إلى الملك مسعود بالموصل و أن العراق خال من الحامية ، فأشار عليه أصحابه بقصد العراق للسلطنة فلا مانع دونها . فسار في جيوش كثيرة و معه وزيره فخر الملك أبو علي بن عمار صاحب طرابلس ، و سيأتي خبره ، و قسيم الدولة زنكي بن أقسنقر ابن الملك العادل ، و صاحب سنجار ، و أبو الهيجاء صاحب اربل ، و كربادي بن خراسان التركماني صاحب البواريج . و لما قربوا من العراق خافهم أقسنقر البرسقي بمكان حيوس بك من الملك المسعود ، و أما هو فقد كان أبوه محمد جعله أتابك لابنه مسعود فسار البرسقي لقتالهم ، و بعثوا إليه الأمير كربادي في الصلح ، و أنهم إنما جاؤا بحدة له على دبيس فقبل ، و تعاهدوا و رجعوا إلى بغداد كما مر خبره ، و سار البرسقي لقتاله فاجتمع مع دبيس بن صدقة و اتفقا على المعاضدة ، و سار الملك مسعود و من معه إلى المدائن للقاء دبيس و منكبرس . ثم بلغهم كثرة جموعهما فعاد الملك مسعود و البرسقي و حيوس بك ، و عبروا نهر صرصر و حفظ المخاضات و أفحش الطائفتان في نهب السواد و استباحته بنهر الملك و نهر صرصر و نهر عيسى و دجيل . و بعث المسترشد إلى الملك مسعود و البرسقي بالنكير عليهم فأنكر البرسقي و قوع شيء من ذلك ، و اعتزم على العود إلى بغداد ، و بلغه أن دبيس و منكبرس قد جهز العساكر إليها مع منصور أخي دبيس و حسن بن أوربك ربيب منكبرس فأغذ السير و خلف ابنه عز الدين مسعوداً على العسكر بصرصر ، و استصحب عماد الدين زنكي بن أقسنقر ، و جاؤا بغداد ليلاً فمنعوا عساكر منكبرس و دبيس من العبور . ثم انعقد الصلح بين منكبرس و الملك مسعود و كان سببه أن حيوس بك كاتب السلطان محمود و هو بالموصل في طلب الزيادة له و للملك مسعود ، فجاء كتاب الرسول بأنه أقطعهم أذربيجان ، ثم بلغه قصدهم بغداد فاتهمهم بالانتقاض و جهز العساكر إلى الموصل و سقط الكتاب بيد منكبرس ، و كان على أم الملك مسعود فبعث به إلى حيوس بك ، و داخله في الصلح و الرجوع عما هم فيه فاصطلحوا و اتفقوا . و بلغ الخبر إلى البرسقي فجاء إلى الملك مسعود و أخذ ماله و تركه ، و عاد إلى بغداد فخيم بجانب منها ، و جاء الملك مسعود و حيوس بك فخيما في جانب آخر ، و أصعد دبيس و منكبرس فخيما كذلك ، و تفرق على البرسقي أصحابه و جموعه و سار عن العراق إلى الملك مسعود فأقام معه ، و استقر منكبرس شحنة ببغداد و عاد دبيس إلى الحلة ، و أساء منكبرس السيرة في بغداد بالظلم و العسف ، و انطلاق أيدي أصحابه بالفساد حتى ضجر الناس ، و بعث عنه السلطان محمود فسار إليه و كفى الناس شره .

انتقاض الملك طغرل على أخيه السلطان محمود
كان الملك طغرل قد أقطعه أبوه السلطان محمد سنة أربع و خمسين و خمسمائة ساوة و آوة و زنجان ، و جعل أتابكه الأمير شركير ، و كان قد افتتح كثيراً من قلاع الإسماعيلية فاتسع ملك طغرل بها ، و لما مات السلطان محمد بعث السلطان محمود الأمير كتبغري أتابك طغرل ، و أمره أن يحمله إليه ، و حسن له المخالفة فانتقض سنة ثلاث عشرة ، فبعث إليه السلطان بثلاثين ألف دينار و تحف و ودعه بإقطاع كثيرة ، و طلبه في الوصول فمنعه كتبغري و أجاب بأننا في الطاعة ، و معنا العساكر و إلى أي جهة أراد السلطان قصدنا . فاعتزم السلطان على السير إليهم و سار من همذان في جمادى سنة ثلاث عشرة في عشرة آلاف غازياً و جاء النذير إلى كتبغري بمسيره ، فأجفل هو و طغرل إلى قلعة سرجهان ، و جاء السلطان إلى العسكر بزنجان فنهبه و أخذ من خزانة طغرل ثلثمائة ألف دينار ، و أقام بزنجان و توجه منها إلى الري و كتبغري من سرجهان بكنجة ، و قصده أصحابه و قويت شوكته و تأكدت الوحشة بينه و بين أخيه السلطان محمود .

الفتنة بين السلطان محمود و عمه سنجر صاحب خراسان و الخطبة ببغداد لسنجر
كان الملك سنجر أميراً على خراسان و ما وراء النهر منذ أيام شقيقة السلطان محمد الأولى مع بركيارق . و لما توفي السلطان محمد جزع له جزعاً شديداً حتى أغلق البلد للعزاء ، و تقدم للخطبة بذكر آثاره و محاسن سيره من قتال الباطنية و إطلاق المكوس و غير ذلك . و بلغه ملك ابنه محمود مكانه و تغلب الأمراء عليه ، فنكر ذلك و اعتزم على قصد بلد الجبل و العراق ، و أتى له محمود ابن أخيه ، و كان يلقب بناصر الدين فتلقب بمعز الدين لقب أبيه ملك شاه . و بعث إليه السلطان محمود بالهدايا و التحف مع شرف الدولة أنوشروان بن خالد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:53 pm

، و فخر الدولة طغايرك بن أكفر بن وبذل عن مازندان مائتي ألف دينار كل سنة فتجهز لذلك ، و نكر على محمود تغلب وزيره أبي منصور و أمير حاجب علي بن عمر عليه ، و سار و على مقدمته الأمير أنز ، و جهز السلطان محمود علي بن عمر حاجبه و حاجب أبيه في عشرة آلاف فارس ، و أقام هو بالري . فلما قارب الحاجب مقدمة سنجر مع الأمير أنز بجرجان راسله باللين و الخشونة ، و أن السلطان محمد أوصانا بتعظيم أخيه سنجر و استحلفنا على ذلك إلا أنا لا نقضي على زوال ملكنا . ثم تهدده بكثرة العساكر و قوتها فرجع أنز عن جرجان ، و اتبعه بعض العساكر فنالوا منه . و عاد علي بن عمر إلى السلطان محمود فشكره ، و أشار عليه أصحابه بالمقام بالري فلم يقبل . ثم ضجر و سار إلى حرقان و توافت إليه الأمداد من العراق ، منكبرس شحنة بغداد في عشرة آلاف فارس ، و منصور أخو دبيس و أمراء البلخية و غيرهم . و سار إلى همذان فأقام بها و توفي بها وزيره الربيب ، و استوزر مكانه أبا طالب السميري . ثم جاء السلطان سنجر إلى الري في عشرين ألفاً و ثمانية عشر فيلاً و معه ابن الأمير أبي الفضل صاحب سجستان و خوارزم شاه محمد ، و الأمير أنز و الأمير قماج ، و اتصل به علاء الدولة كرساسفا بن قرامرد بن كاكويه صاحب يزد و كان صهر محمد و سنجر على أختهما . و اختص بمحمد و دعاه محمود فتأخر عنه فأقطع بلده لقراجا الساقي الذي ولي بعد ذلك فارس . و سار علاء الدولة إلى سنجر و عرفه حال السلطان محمود و اختلاف أصحابه ، و فساد بلاد فزحف إليه السلطان محمود من همذان في ثلاثين ألفاً ، و معه علي بن عمر أمير حاجب و منكبرس و أتابكه غزغلي و بنو برسق و سنجق البخاري و قراجا الساقي و معه تسعمائة حمل من السلاح و التقيا على ساوة في جمادى سنة ثلاث عشرة فانهزمت عساكر السلطان سنجر أولاً و ثبت هو بين الفيلة و السلطان محمود ، و اجتمع أصحابه إليه و بلغ الخبر إلى بغداد فأرسل دبيس بن صدقة إلى المسترشد في الخطبة للسلطان سنجر فخطب له آخر جمادى ، و قطعت خطبة محمود بعد الهزيمة إلى أصبهان و معه وزيره أبو طالب السميري و الأمير علي بن عمر و قراجا ، و اجتمعت عليه العساكر و قوي أمره . و سار السلطان سنجر من همذان و رأى قلة عساكره فراسل ابن أخيه في الصلح ، و كانت والدته و هي جدة محمود تحرضه على ذلك فأجاب إليه . ثم وصل إليه أقنسقر البرسقي الذي كان شحنة ببغداد ، و كان عند الملك مسعود من يوم انصرافه عنها ، و جاء رسوله من عند السلطان محمود بأن الصلح إنما يوافق عليه الأمراء بعد عود السلطان سنجر إلى خراسان ، فأنف من ذلك و سار من همذان إلى الكرج ، و أعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح و أن يكون ولي عهده فأجاب إلى ذلك ، و تحالفا عليه و جاء السلطان محمود إلى عمه سنجر و نزل في بيت والدته و هي جدة محمود ، و حمل إليه هدية حفلة . و كتب السلطان سنجر إلى أعماله بخراسان و غزنة و ما وراء النهر و غيرها من الولايات بأن يخطب للسلطان محمود ، و كتب إلى بغداد بمثل ذلك ، و أعاد عليه جميع البلاد سوى الري لئلا تحدث محموداً نفسه بالانتقاض . ثم قتل السلطان محمود الأمير منكبرس شحنة بغداد لأنه لما انهزم محمود و سار إلى بغداد ليدخلها منعه دبيس فعاد في البلاد ، و رجع و قد استقر في الصلح فقصد السلطان مستجيراً به فأبى من اجارته و مؤاخذته ، و بعثه إلى السلطان محمود فقتله صبراً لما كان يستبد عليه الأمور . و سار شحنة إلى بغداد على زعمه فحقد له ذلك ، و أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين بهر و زشحنة بالعراق ، و كان بها نائب دبيس بن صدقة فعزل به . ثم قتل السلطان محمود حاجبه علي بن عمر و كان قد استحلفه و رفع منزلته فكثرت السعاية فيه فهرب إلى قلعة عند الكرج ، كان بها أهله و ماله . ثم لحق بخوزستان و كان بيد بني برسق فاقتضى عهودهم و سار إليهم . فلما كان على تستر بعثوا من يقبض عليه فقاتلهم فلم يقر عنه و أسروه و استأذنوه السلطان محموداً في أمره فأمر بقتله و حمل رأسه إليه .

انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود و الفتنة بينهما
كان الملك مسعود قد استقر بالموصل و أذربيجان منذ صالحه السلطان محمود عليها بأول ملكه ، و كان أقسنقر البرسقي مع الملك مسعود منذ فارق شحنة بغداد ، و أقطعه مراغة مضافة إلى الرحبة و كان دبيس يكاتب حيوس بك الأتابك في القبض عليه و بعثه إلى مولاه السلطان محمود ، و يبذل لهم المال على ذلك . و شعر البرسقي ففارقه السلطان محمود ، و عاد إلى جميل رأيه فيه . و كان دبيس مع ذلك يغري الأتابك حيوس بك بالخلافة على السلطان محمود ، و يعدهم من نفسه المناصرة لينال باختلافهم في تمهيد سلطانه ما ناله أبوه باختلاف بركيارق و محمد . و كان أبو المؤيد محمد بن أبي إسمعيل الحسين بن علي الأصبهاني يكتب للملك محمود ، و يرسم الطغري و هي العلامة على مراسيمه ، و منها هباته . و جاء والده أبو إسمعيل من أصبهان فعزل الملك مسعود وزيره أبا علي بن عمار صاحب طرابلس ، و استوزره مكانه سنة ثلاث عشرة فحسن له الخلاف الذي كان دبيس يكاتبهم فيه و يحسنه لهم . و بلغ السلطان محموداً خبرهم فكتب يحذرهم فلم يقبلوا و خلعوا ، و خطبوا للملك مسعود بالسلطنة و ضربوا له النوب الخمس ، و ذلك سنة أربع عشرة . و كانت عساكر السلطان محمود مفترقة فبادروا إليه و التقوا في عقبة استراباذ منتصف ربيع الأول ، و البرسقي في مقدمة محمود ، و أبلى يومئذ ، و اقتتلوا يوماً كاملاً و انهزمت عساكر مسعود في عشيته و أسر جماعة منهم ، و فيهم الوزير الأستاذ أبو إسمعيل الطغرائي ، فأمر السلطان بقتله لسنة من وزارته ، و قال هو فاسد العقيدة ، و كان حسن الكتابة و الشعر و له تصانيف في الكيمياء . و قصد الملك مسعود بعد الهزيمة جبلاً على إثني عشر فرسخاً من مكان الوقعة فاختفى فيه ، و بعث يطلب الأمان من أخيه فبعث إليه البرسقي يؤمنه و يحضره . و كان بعض الأمراء قد لحق به في الجبل و أشار عليه باللحاق بالموصل ، و استمد دبيساً فسار لذلك و أدركه البرسقي على ثلاثين فرسخا من مكانه و أمنه على أخيه ، و أعاده إليه فأريب العساكر للقائه و بالغ في إكرامه و خلطه بنفسه . و أما أتابكه حيوس بك فلما افتقد السلطان مسعود سار إلى الموصل و جمع العساكر ، و بلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب . ثم جاء السلطان بهمذان فأمنه و أحسن إليه . و أما دبيس فلما بلغه خبر الهزيمة عاث في البلاد و أخربها و بعث إليه المسترشد بالنكير فلم يقبل ، فكتب بشأنه إلى السلطان محمود و خاطبه السلطان في ذلك فلم يقبل ، و سار إلى بغداد و خيم إزاء المسترشد و أظهر أنه يثأر منهم بأبيه . ثم عاد عن بغداد و وصل السلطان في رجب ، فبعث دبيس إليه زوجته بنت عميد الدولة بن جهير بمال و هدايا نفيسة و أجيب إلى الصلح على شروط امتنع منها فسار إليه السلطان في شوال و معه ألف سفينة . ثم استأمن إلى السلطان فأمنه و أرسل نساءه إلى البطيحة . و سار إلى أبي الغازي مستجيراً به ، و دخل السلطان الحلة و عاد عنها و لم يزل دبيس عند أبي الغازي . و بعث أخاه منصوراً إلى أصحابه من أمراء النواحي ليصلح حاله مع السلطان فلم يتم ذلك . و بعث إليه أخوه منصور يستدعيه إلى العراق ، فسار من قلعة جعبر إلى الحلة سنة خمس عشرة و ملكها ، و أرسل إلى الخليفة و السلطان بالاعتذار و الوعد بالطاعة ، فلم يقبل منه ، و سارت إليه العساكر مع سعد الدولة بن تتش ففارق الحلة و دخلها سعد و أنزل بالحلة عسكراً و بالكوفة آخر . ثم راجع دبيس الطاعة على أن يرسل أخاه منصوراً رهينة فقبل ، و رجع العسكر إلى بغداد سنة ست عشرة .

اقطاع الموصل للبرسقي و ميافارقين لأبي الغازي
ثم أقطع السلطان محمود الموصل و أعمالها ، و الجزيرة و سنجار و ما يضاف إلى ذلك للأمير أقسنقر البرسقي شحنة بغداد ، و ذلك أنه كان ملازماً للسلطان في حروبه ناصحا له و هو الذي حمل السلطان مسعودا على طاعة أخيه محمود و أحضره عنده ، فلما حضر حيوس بك وزيره عند السلطان محمود من الموصل بقيت بدون أمير ، فولى عليها البرسقي سنة خمس عشرة و خمسمائة ، و أمره بمجاهدة الفرنج فأقام في إمارتها دهراً هو و بنوه كما يأتي في أخبارهم . ثم بعث الأمير أبو الغازي بن أرتق ابنه حسام الدين تمرتاش شافعاً في دبيس بن صدقة ، و أن يضمن الحلة بألف دينار و فرس في كل يوم ، و لم يتم ذلك . فلما انصرف عن السلطان أقطع أباه أبا الغازي مدينة ميافارقين و تسلمها من يد سقمان صاحب خلاط سنة خمس عشرة ، و بقيت في يده و يد بنيه إلى أن ملكها منهم صلاح الدين بن أيوب سنة ثمانين و خمسمائة كما يذكر في أخبارهم .

طاعة طغرل لأخيه السلطان محمود
قد تقدم ذكر انتقاض الملك طغرل بساوة و زنجان على أخيه السلطان محمود بمداخلة أتابكه كتبغري ، و أن السلطان محمود المشار إليه أزعجه إلى كنجة ، و سار إلى أذربيجان يحاول ملكها . ثم توفي أتابكه كتبغري في شوال سنة خمس عشرة ، و كان أقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة فطمع في رتبة كتبغري ، و سار إلى طغرل و استدعاه إلى مراغة و قصدوا أردبيل فامتنعت عليهم ، فجاؤا إلى تبريز ، و بلغهم أن السلطان أقطع أذربيجان لحيوس بك ، و بعثه في العساكر و أنه سبقهم إلى مراغة فعدلوا عنها و كافؤا صاحب زنجان فأجابهم و سار معهم إلى أبهر ، فلم يتم لهم مرادهم ، و راسلوا السلطان في الطاعة و استقر حالهم ، و أما حيوس بك فوقعت بينه و بين الأمراء من عسكره منافرة ، فسعوا به عند السلطان فقتله بتبريز في رمضان في سنته ، و كان تركياً من مماليك السلطان محمد ، و كان حسن السيرة مضطلعاً بالولاية . و لما ولي الموصل و الجزيرة كان الأكراد قد عاثوا في نواحيها ، و أخافوا سبلها فأوقع بهم و حصر قلاعهم ، و فتح الكثير منها ببلد الهكارية و بلد الزوزان و بلد النسوية و بلد النحسة ، حتى خاف الأكراد و اطمأن الناس و أمنت السبل .

أخبار دبيس مع المسترشد
قد ذكرنا مسير العساكر إلى دبيس مع برسق الكركوي سنة أربع عشرة و كيف وقع الاتفاق و بعث دبيس أخاه منصوراً رهينة فجاء برتقش به بغداد سنة ست عشرة ، و لم يرض المسترشد ذلك ، وكتب إلى السلطان محمود بأن دبيس لا يصلحه شيء لأنه مطالب بثأر أبيه ، و أشار بأن يبعث عن البرسقي من الموصل لتشديد دبيس و يكون شحنة ببغداد فبعث إليه السلطان و أنزله شحنة ببغداد ، و أمره بقتال دبيس ، فأقام عشرين شهراً و دبيس معمل في الخلافة . ثم أمره المسترشد بالمسير إليه و إخراجه من الحلة ، فاستقدم البرسقي عساكره من الموصل ، و سار إلى الحلة ، و لقيه دبيس فهزم عساكره و رجع إلى بغداد في ربيع من سنة ست عشرة ، و كان معه في العسكر مضر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير عامل البطيحة ، فغدا عليه عمه المظفر بن عماد بن أبي الخير فقتله في انهزامهم . و سار إلى البطيحة فتغلب عليها ، و كاتب دبيس في الطاعة ، و أرسل دبيس إلى المسترشد بطاعته ، و أن يبعث عماله لقرى الخاص يقبضون دخلها على أن يقبض المسترشد على وزيره جلال الدين أبي علي بن صدقة فتم بينهما ذلك ، و قبض المسترشد على وزيره ، و هرب ابن أخيه جلال الدين أبو الرضي إلى الموصل ، و بلغ الخبر بالهزيمة إلى السلطان محمود فقبض على منصور أخي دبيس و حبسه ، و أذن دبيس لأصحاب الإقطاع بواسط في المسير إلى إقطاعهم ، فمنعهم الأتراك بها ، فجهز إليهم عسكراً مع مهلهل بن أبي العسكر و أمر مظفر بن أبي الخير عامل البطيحة بمساعدته و بعث البرسقي المدد إلى أهل واسط فلقيهم مهلهل بن أبي المظفر فهزموه و أسروه و جماعة من عسكره و استلحموا كثيراً منهم . و جاء المظفر أبو الخير على أثره ، و أكثر النهب و العيث ، وبلغه خبر الهزيمة فرجع و بعث أهل واسط بتذكرة وجدوها مع مهلهل بخط دبيس فأمره بالقبض على المظفر فمال إليهم و انحرف عن دبيس ، ثم بلغ دبيس أن السلطان محموداً سمل أخاه منصوراً ، فانتقض و نهب ما كان للخليفة بأعماله ، و سار أهل واسط إلى النعمانية فأجلوا عنها أصحاب دبيس . و تقدم المسترشد إلى البرسقي بالمسير لحرب دبيس فسار لذلك كما نذكر . ثم أقطع السلطان محمود مدينة واسط للبرسقي مضافة إلى ولاية الموصل فبعث عماد الدين زنكي بن أقسنقر ولد نور الدين العادل .

نكبة الوزير ابن صدقة و ولاية نظام الملك
قد ذكرنا آنفاً أن دبيس اشترط على المسترشد في صلحه معه القبض على وزيره جلال الدين أبي علي بن صدقة ، فقبض عليه في جمادى سنة ست عشرة ، و أقام في نيابة الوزارة شرف الدين علي بن طراد الزينبي . و هرب جلال الدين أبو الرضي ابن أخي الوزير إلى الموصل . و بعث السلطان محمود إلى المسترشد في أن يستوزر نظام الدولة أبا نصر أحمد بن نظام الملك ، و كان السلطان محمود قد استوزر أخاه شمس الملك عثمان عندما قل الباطنية بهمذان وزيره الكمال أبا طالب السميري فقبل المسترشد إشارته ، و استوزر نظام الملك ، و قد كان وزر للسلطان محمد سنة خمسمائة ، ثم عزل و لزم داره ببغداد . فلما وزر و علم ابن صدقة أنه يخرجه طلب من المسترشد أن يسير إلى سليمان بن مهارش بحديثة غانة ، فأذن له ، فسار و نهب في طريقه و أسر ، ثم خلص إلى مأمنه في واقعة عجيبة . ثم قتل السلطان محمود وزيره شمس الملك فعزل المسترشد أخاه نظام الدين أحمد عن وزارته ، و أعاد جلال الدين أبا علي بن صدقة إلى مكانه .

واقعة المسترشد مع دبيس
كان دبيس في واقعته مع البرسقي قد أسر عفيفاً الخادم ، ثم أطلقه سنة سبع عشرة ، و حمله إلى المسترشد رسالة بخروج البرسقي للقتال يتهدده بذلك على ما بلغه من سمل أخيه ، و حلف لينهبن بغداد ، فاستطار المسترشد غضباً و أمر البرسقي بالمسير لحربه ، فسار في رمضان من سننه . ثم تجهز للخليفة و برز من بغداد و استدعى العساكر فجاءه سليمان بن مهارش صاحب الحديثة في بني عقيل ، و قرواش بن مسلم و غيرهما . و نهب دبيس نهر الملك من خاص الخليفة و نودي في بغداد بالنفير فلم يتخلف أحد ، و فرقت فيههم أموال و السلاح و عسكر المسترشد خارج بغداد في عشر ذي الحجة ، و برز لأربع بعدها و عبر دجلة و عليه قباء أسود و عمامة سوداء ، و على كتفه البردة و في يده القضيب و في وسطه منطقة حديد صيني ، و وزيره معه نظام الدين و نقيب الطالبيين و نقيب النقباء علي بن طراد ، و شيخ الشيوخ صدر الدين إسمعيل و غيرهم . فنزل بخيمة ، و بلغ البرسقي خروجه فعاد بعسكره إليه . و نزل المسترشد بالحديثة بنهر الملك و استحلف البرسقي و الأمراء على المناصحة ، و سار فنزل المباركة ، وعبى البرسقي أصحابه للحرب و وقف المسترشد وراء العسكر في خاصته ، و عبى دبيس أصحابه صفاً واحداً و بين يديهم الإماء تعزف و أصحاب الملاهي ، و عسكر الخليفة تتجاذب القراءة و التسبيح مع جنباته ، و مع أعلامه كرباوي بن خراسان و في الساقة سليمان بن مهارش و في ميمنة البرسقي أبو بكر بن إلياس مع الأمراء البلخية ، فحمل عنتر بن أبي العسكر من عسكر دبيس على ميمنة البرسقي فدحرجها و قتل ابن أخي أبي بكر . ثم حمل ثانية كذلك فحمل عماد الدين زنكي بن أقسنقر في عسكر واسط على عنتر بن أبي العسكر فأسره و من معه . و كان من عسكر المسترشد كمين متوار ، فلما التحم الناس خرج الكمين و اشتد الحرب و جرد المسترشد سيفه و كبر و تقدم فانهزمت عساكر دبيس ، و جيء بالأسرى فقتلوا بين يدي الخليفة و سبى نساؤهم ، و رجع الخليفة إلى بغداد في عاشوراء من سنة سبع عشرة . و ذهب دبيس و خفي أثره قصد غزية من العرب فأبوا من ذلك إيثاراً لرضا المسترشد و السلطان ، فسار إلى المشقر من البحرين فأجابوه و سار بهم إلى البصرة فنهبوها و قتلوا أميرها ، و تقدم المسترشد للبرسقي بالانحدار إليه بعد أن عنفه على غفلته عنه ، و سمع دبيس ففارق البصرة ، و بعث البرسقي عليها زنكي بن أقسنقر فأحسن حمايتها و طرد العرب عن نواحيها ، و لحق دبيس بالفرنج في جعبر و حاصر معهم حلب فلم يظفروا و أقلعوا عنها سنة ثمان عشرة ، فلحق دبيس بطغرل ابن السلطان محمد و أغراه بالمسترشد و بملك العراق كما نذكر .

ولاية برتقش شحنة بغداد
ثم إن المسترشد وقعت بينه و بين البرسقي منافرة فكتب إلى السلطان محمود في عزله عن العراق ، و إبعاده إلى الموصل فأجابه إلى ذلك ، و أرسل إلى البرسقي بالمسير إلى الموصل لجهاد الإفرنج ، و بعث إليه بابن صغير من أولاده يكون معه و ولى على شحنة بغداد برتقش الزكوي ، و جاء نائبه إلى بغداد فسلم إليه البرسقي العمل و سار إلى الموصل بابن السلطان ، و بعث إلى عماد الدين زنكي أن يلحق به فسار إلى السلطان ، و قدم عليه بالموصل فأكرمه و أقطعه البصرة و أعاده إليها .

وصول الملك طغرل و دبيس إلى العراق
قد ذكرنا مسير دبيس بن صدقة من الشام إلى الملك طغرل فأحسن إليه و رتبه في خاص أمرائه ، و جعل دبيس يغريه بالعراق و يضمن له ملكه ، فسار لذلك سنة تسع عشرة ، و وصلوا مدقوقا ، فكتب مجاهد الدين مهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهما ، فتجهز إلى دفاعهما و سار إليهما . و أمر برتقس الزكوي الشحنة أن يستنفر و يستعبد فبلغت عدة العسكر اثني عشر ألفاً سوى أهل بغداد ، و برز خامس صفر سنة تسع عشرة ، و سار فنزل الخالص ، و عدل طغرل إلى طريق خراسان ، و أكثرت عساكره النهب ، و نزل رباط جلولاء و سار إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في العساكر ، فنزل الدسكرة و جاء المسترشد فنزل معه ، و توجه طغرل و دبيس فنزلا الهارونية ، و اتفقا أن يقطعا جسر النهروان فيقيم دبيس على المعابر ، و يخالفهم طغرل إلى بغداد ، ثم عاقتهم جميعاً عوائق المطر و أصابت طغرل الحمى ، و جاء دبيس إلى النهروان ليعبر و قد لحقهم الجوع ، فصادف أحمالاً من البر ، و الأطعمة جاءت من بغداد للمسترشد فنهبها ، و أرجف في معسكر المسترشد أن دبيس ملك بغداد فأجفلوا من الدسكرة إلى النهروان و تركوا أثقالهم . و لما حلوا بالنهروان وجدوا دبيس و أصحابه نياماً فاستيقظ و قبل الأرض بين يدي المسترشد و تذلل فهم بصلحه و وصل الوزير ابن صدقة فثناه عن ذلك ثم مد المسترشد الجسر و عبر و دخل بغداد لفتنة خمسة و عشرين يوماً . و سار دبيس إلى طغرل ثم اعتزموا على المسير إلى السلطان سنجر ، و مروا بهمذان فعاثوا في أعمالها و صادروا ، و اتبعهم السلطان فانهزموا بين يديه و لحقوا بالسلطان سنجر شاكين من المسترشد و الشحنة برتقش .

الفتنة بين المسترشد و السلطان محمود
ثم وقعت بين برتقش الزكوي و بين نواب المسترشد نبوة فبعث إليه المسترشد يتهدده فخافه على نفسه ، و سار إلى السلطان محمود في رجب سنة عشرين فحذر منه ، و أنه ثاور العساكر و لقي الحروب و قويت نفسه ، و أشار بمعاجلته قبل أن يستفحل أمره ، و يمتنع عليه فسار السلطان نحو العراق ، فبعث إليه المسترشد بالرجوع عن البلاد لما فيها من الغلاء من فتنة دبيس ، و بذل له المال ، و أن يسير إلى العراق مرة أخرى ، فارتاب السلطان و صدق ما ظنه برتقش و أغذ السير فعبر المسترشد إلى الجانب الغربي مغضباً يظهر الرحيل عن بغداد إذ قصدها السلطان . و صانعه السلطان بالاستعطاف و سؤاله في العود فأبى فغضب السلطان و دخل نحو بغداد . و أقام المسترشد بالجانب الغربي و بعث عفيفاً الخادم من خواصه في عسكر إلى واسط ليمنع عنها نواب السلطان ، فأرسل السلطان إليه عماد الدين زنكي بن أقسنقر و كان على البصرة كما ذكرناه ، فسار إليه و هزمه و قتل من عسكره ، و نجا عفيف إلى المسترشد برأسه فجمع المسترشد السفن و سد أبواب دار الخلافة إلا باب النوبى ، و وصل السلطان في عشر ذي الحجة من سنة عشرين ، و نزل باب الشماسية ، و منع العسكر عن دور الناس . و راسل المسترشد في العود و الصلح فأبى ، و نجا جماعة من عسكر السلطان فنهبوا التاج في أول المحرم سنة إحدى و عشرين فضج العامة لذلك ، و اجتمعوا ، و خرج المسترشد و الشماسية على رأسه و الوزير بين يديه ، و أمر بضرب الطبول و نفخ الأبواق ، و نادى بأعلى صوته يالهاشم ! و نصب الجسر و عبر الناس دفعة واحدة . و كان في الدار رجال مختفون في السراديب فخرجوا على العسكر و هم مشتغلون في نهب الدار فأسروا جماعة منهم و نهب العامة دور أصحاب السلطان و عبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد و السواد ، و أمر بحفر الخنادق فحفرت ليلاً ، و منعوا بغداد عنهم ، و اعتزموا على كبس السلطان محمود . و جاء عماد الدين زنكي من البصرة في حشود عظيمة ملأت البر و البحر فاعتزم السلطان على قتال بغداد ، و أذعن المسترشد إلى الصلح فاصطلحوا و أقام السلطان ببغداد إلى ربيع الآخر سنة إحدى و عشرين ، و مرض فأشير عليه بمفارقة بغداد فارتحل إلى همذان و نظر فيمن يوليه شحنة العراق مضافاً إلى ما بيده ، و يثق به في سد تلك الخلة . و حمل إليه الخليفة عند رحيله الهدايا و التحف و الألطاف فقبل جميعها . و لما أبعد السلطان عن بغداد قبض على وزيره أبي القاسم علي بن الناصر النشاباذي لاتهامه بممالأة المسترشد ، و استوزر مكانه شرف الدين أنوشروان بن خالد ، و كان مقيماً ببغداد فاستدعاه و أهدى إليه الناس حتى الخليفة . و سار من بغداد في شعبان فوصل إلى السلطان بأصبهان و خلع عليه ، ثم استعفى لعشرة أشهر و عاد إلى بغداد و لم يزل الوزير أبو القاسم محبوساً إلى أن جاء السلطان سنجر إلى الري في السنة بعدها فأطلقه و أعاده إلى وزارة السلطان .

أخبار دبيس مع السلطان سنجر
لما وصل دبيس إلى السلطان سنجر و معه طغرل أغرباه بالمسترشد و السلطان محمود ، و أنهما عاصيان عليه ، و سهلا عليه أمر العراق فسار إلى الري و استدعى السلطان محموداً يختبر طاعته بذلك فبادر للقائه . و لما وصل أمر سنجر العساكر فتلقوه و أجلسه معه على سريره ، و أقام عنده مدة و أوصاه بدبيس أن يعيده إلى بلده ، و رجع سنجر إلى خراسان منتصف ذي الحجة و رجع محمود إلى همذان و دبيس معه . ثم سار إلى بغداد فقدمها في تاسوعاء سنة ثلاث و عشرين و استرضى المسترشد لدبيس فرضى عنه ، على شريطة أن يوليه غير الحلة فبذل في الموصل مائة ألف دينار . و شعر بذلك زنكي فجاء بنفسه إلى
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:53 pm

السلطان و هجم على الستر متذمما ، و حمل الهدايا و بذل مائة ألف فأعاده السلطان إلى الموصل ، و أعاد بهروز شحنة على بغداد ، و جعلت الحلة لنظره . وسار السلطان إلى همذان في جمادى سنة ثلاث و عشرين ، ثم مرض السلطان فلحق دبيس بالعراق ، و حشد المسترشد لمدافعته ، و هرب بهروز من الحلة فدخلها دبيس في رمضان من سنة ثلاث و عشرين . و بعث السلطان في أثره الأميرين اللذين ضمناه له ، و هما كزل و الأحمديلي ، فلما سمع دبيس بهما أرسل إلى المسترشد يستعطفه ، و تردد الرسل و هو يجمع الأموال و الرجال حتى بلغ عسكره عشرة آلاف ، و وصل الأحمديلي بغداد في شوال و سار في أثر دبيس . ثم جاء السلطان إلى العراق فبعث إليه دبيس بالهدايا و بذل الأموال على الرضا فأبى ، و وصل إلى بغداد ، و دخل دبيس البرية ، و قصد البصرة فأخذ ما كان فيها للخليفة و السلطان ، و جاءت العساكر في اتباعه فدخل البرية انتهى .

وفاة السلطان محمود و ملك ابنه داود ثم منازعته عمومه و استقلال مسعود
ثم توفي السلطان محمود في شوال من سنة خمس و عشرين لثلاث عشرة سنة من ملكه ، و اتفق وزيره أبو القاسم النشاباذي و أتابكه أقسنقر الأحمديلي على ولاية ابنه داود مكانه و خطب له في جميع بلاد الجبل و أذربيجان ، و وقعت الفتنة بهمذان و نواحيها ثم سكنت ، فسار الوزير بأمواله إلى الري ليأمن في إيالة السلطان سنجر . ثم إن الملك داود سار في ذي القعدة من سنة خمس و عشرين من همذان إلى ربكان ، و بعث إلى المسترشد ببغداد في الخطبة ، و أتاه الخبر بأن عمه مسعوداً سار من جرجان إلى تبريز ، و ملكها فسار إليه و حصره في تبريز إلى سلخ المحرم من سنة ست و عشرين ، ثم اصطلحا و أفرج داود عن تبريز ، و خرج السلطان مسعود منها ، و اجتمعت عليه العساكر فانتقض و سار إلى همذان . و أرسل إلى المسترشد في الخطبة فأجابهم جميعاً بأن الخطبة للسلطان سنجر صاحب خراسان ، و يعين بعده من يراه . و بعث إلى سنجر بأن الخطبة للسلطان سنجر صاحب خراسان ، و يعين بعده من يراه . و بعث إلى سنجر بأن الخطبة إنما ينبغي أن تكون لك وحدك فوقع ذلك منه أحسن موقع ، و كاتب السلطان مسعود عماد الدين زنكي صاحب الموصل فأجابه و سار إليه و انتهى إلى المعشوق . و بينما هم في ذلك إذ سار قراجا الساقي صاحب فارس و خوزستان بالملك سلجوق شاه ابن السلطان محمد ، و كان أتابكه فدخل بغداد في عسكر كبير ، و نزل دار السلطان و استخلفه المسترشد لنفسه ، و وصل مسعود إلى عباسة فبرزوا للقائه ، و جاءهم خبر عماد الدين زنكي فعبر قراجا إلى الجانب الغربي للقائه ، و واقعه فهزمه ، و سار منهزماً إلى تكريت و بها يومئذ نجم الدين أيوب أبو السلطان صلاح الدين ، فهيأ له الجسر للعبور ، و عبر فأمن و سار لوجهه . و جاء السلطان مسعود من العباسة للقاء أخيه سلجوق و من معه مدلاً بمكان زنكي و عسكره من ورائهم ، و بلغه خبر انهزامهم فنكص على عقبه ، و راسل المسترشد بأن السلطان سنجر وصل إلي و طلب الاتفاق من المسترشد و أخيه سلجوق شاه و قراجا على قتال سنجر ، على أن يكون العراق للمسترشد يتصرف فيه نوابه ، والسلطنة لمسعود و سلجوق شاه ولي عهده فأجابوه إلى ذلك و جاء بغداد في جمادى الأولى سنة ست و عشرين ، و تعاهدوا على ذلك .

واقعة مسعود مع سنجر و هزيمته و سلطنة طغرل
لما توفي السلطان محمود و ولي ابنه داود مكانه ، نكر ذلك عمه السلطان سنجر عليهم ، و سار إلى بلاد الجبل و معه طغرل ابن أخيه السلطان محمد ، كان عنده منذ وصوله مع دبيس فوصل إلى الري ، ثم إلى همذان ، و سار السلطان مسعود و أخوه سلجوق و قراجا الساقي أتابك سلجوق للقائه . وكان المسترشد قد عاهدهم على الخروج و ألزموه ذلك . ثم إن السلطان سنجر بعث إلى دبيس و أقطعه الحلة و أمره بالمسير إلى بغداد ، و بعث إلى عماد الدين زنكي بولاية شحنكية بغداد ، و السير إليها فبلغ المسترشد خبر مسيرهما فرجع لمدافعتهما . و سار السلطان مسعود و أصحابه للقاء السلطان سنجر ، و نزل استراباذ في مائة ألف من العسكر فخاموا عن لقائه ، و رجعوا أربع مراحل فاتبعهم سنجر ، و تراءى الجمعان عند الدينور ثامن رجب ، فاقتتلوا و على ميمنة مسعود قراجا الساقي و كزل ، و على ميسرته برتقش باردار ، و يوسف حاروس فحمل قراجا الساقي في عشرة آلاف على السلطان سنجر ، حتى تورط في مصافه فانعطفوا عيله من الجانبين ، و أخذ أسيراً بعد جراحات . و انهزم مسعود و أصحابه ، و قتل بعضهم ، و فيهم يومئذ يوسف حاروس ، و أسر آخرون فيهم قراجا فأحضر عند السلطان سنجر فوبخه ، ثم أمر بقتله . و جاء السلطان مسعود إليه فأكرمه و عاتبه على مخالفته و أعاده أميراً إلى كنجة . و ولى الملك طغرل ابن أخيه محمداً في السلطنة و جعل وزيره أبا القاسم النشاباذي وزير السلطان محمود ، و عاد إلى خراسان و وصل نيسابور في عاشر رمضان من سنته . و أما الخليفة فرجع إلى بغداد كما قلناه لمدافعة دبيس و زنكي ، و بلغه الخبر بهزيمة السلطان مسعود ، فعبر إلى الجانب الغربي و سار إلى العباسية ، و لقيهما بحصن البرامكة آخر رجب . و كان في ميمنته جمال الدولة إقبال ، و في ميسرته مطر الخادم فانهزم اقبال لحملة زنكي ، و حمل الخليفة و مطر على دبيس فانهزم ، و تبعه زنكي فاستمرت الهزيمة عليهم و افترقوا ، و مضى دبيس إلى الحلة و كانت بيد إقبال ، و جاءه
المدد من بغداد فلقي دبيس و هزمه ، ثم تخلص بعد الجهد ، و قصد واسط و أطاعه عسكرها إلى أن خلت سنة سبع و عشرين ، فجاءهم إقبال و برتقش باردار ، و زحفوا في العساكر براً و بحراً فانهزمت أهل واسط . و لما استقر طغرل بالسلطنة و عاد عمه سنجر إلى خراسان لخلاف أحمد خان صاحب ما وراء النهر عليه ، و كان داود ببلاد أذربيجان و كنجة فانتقض و جمع العساكر و سار إلى همذان و برز إليه طغرل و في ميمنته ابن برسق و في ميسرته كزل و في مقدمته أقسنقر . و سار إليه داود في ميمنته برتقش الزكوي و التقيا في رمضان سنة ست و عشرين فأمسك برتقش عن القتال ، و استراب التركمان منه فنهبوا خيمته ، و اضطرب عسكر داود لذلك فهرب أتابكه أقسنقر الأحمديلي ، و استمرت الهزيمة عليهم و أسر برتقش الزكوي ، و مضى داود ثم قدم بغداد و معه أتابكه أقسنقر الأحمديلي فأنزله الخليفة بدار السلطان و أكرمه . و لما بلغ السلطان مسعوداً هزيمة داود و وصوله إلى بغداد قدم إليها و خرج داود لتلقيه ، و ترجل له عن فرسه ، و نزل مسعود بدار السلطنة في صفر سنة سبع و عشرين ، و خطب له على منابر بغداد و لداود بعده ، و اتفقا مع المسترشد بالسير إلى أذبيجان و أن يمدهما ، و سارا لذلك ، و ملك مسعود سائر بلاد أذربيجان ، و حاصر جماعة من الأمراء بأردبيل ثم هزمهم و قتل منهم ، و سار إلى همذان و برز أخو طغرل للقائه فانهزم ، و استولى مسعود على همذان و قتل أقسنقر ، قتله الباطنية و يقال بدسيسة السلطان محمود . و لما انهزم طغرل قصد الري و بلغ قم ، ثم عاد إلى أصبهان ليمتنع بها و سار أخوه مسعود للحصار فارتاب طغرل بأهل أصبهان ، و سار إلى بلاد فارس فاتبعه مسعود ، و استأمن إليه بعض أمراء طغرل فارتاب بالباقين ، و انهزم إلى الري في رمضان من سنته ، و اتبعه مسعود فلحقه بالري ، و قاتله فانهزم طغرل و أسر جماعة من أمرائه . و عاد مسعود إلى همذان ظافراً ، و عندما قصد طغرل الري من فارس قتل في طريقه وزيره أبا القاسم النشاباذي في شوال من سنته لموجدة وجدها عليه .

مسير المسترشد لحصار الموصل
لما انهزم عماد الدين زنكي أمام المسترشد كما قلنا لحق بالموصل ، و شغل سلاطين السلجوقية في همذان بالخلف الواقع بينهم ، و جماعة من أمراء السلجوقية إلى بغداد فراراً من الفتنة فقوي بهم المسترشد ، و بعث إلى عماد الدين زنكي بعض شيوخ الصوفية من حضرته فأغلظ له في الموعظة فأهانه زنكي و حبسه ، فاعتزم المسترشد على حصار الموصل و بعث بذلك إلى السلطان مسعود ، و سار من بغداد منتصف شعبان سنة سبع و عشرين في ثلاثين ألف مقاتل . و لما قارب الموصل فارقها زنكي و نزل بها نائبه نصير الدين حقر ، و لحق بسنجر و أقام يقطع المدد و الميرة عن عسكر المسترشد حتى ضاقت بهم الأمور ، و حاصرها المسترشد ثلاثة أشهر فامتنعت عليه و رحل عائداً إلى بغداد ، فوصل يوم عرفة من سننه . يقال إن مطراً الخادم جاء من عسكر السلطان مسعود لأنه قاصد العراق فارتحل لذلك .

مصاف طغرل و مسعود و انهزام مسعود
و لما عاد مسعود إلى همذان بعد انهزام أخيه طغرل ، بلغه انتقاض داود ابن أخيه محمود بأذربيجان فسار إليه و حصره ببعض قلاعها ، فخالفه طغرل إلى بلاد الجبل ، و اجتمعت عليه العساكر ففتح كثيراً من البلاد ، و قصد مسعوداً و انتهى إلى قزوين فسار مسعود للقائه ، و هرب من عسكره جماعة كان طغرل قد داخلهم و استمالهم ، فولى مسعود منهزماً آخر رمضان سنة ثمان و عشرين ، و استأذن المسترشد في دخول بغداد و كان نائبه بأصبهان البقش السلامي ، و معه أخوه سلجوق شاه ، فلما بلغهم خبر الهزيمة لحقوا ببغداد ، و نزل سلجوق بدار السلطان ، و بعث إليه الخليفة بعشرة آلاف دينار . ثم قدم مسعود بعدهم و لقي في طريقه شدة و أصحابه بين راجلين و ركاب فبعث إليهم المسترشد بالمقام و الخيام و الأموال و الثياب و الآلات ، و قرب إليهم المنازل ، و نزل مسعود بدار السلطنة ببغداد منتصف شوال سنة ثمان ، و أقام طغرل بهمذان .

وفاة طغرل و استيلاء السلطان مسعود
و لما وصل مسعود إلى بغداد أكرمه المسترشد ، و وعده بالمسير معه لقتال أخيه طغرل ، و أزاح علل عسكره و استحثه لذلك ، و كان جماعة من أمراء السلجوقية قد ضجروا من الفتنة ، و لحقوا بالمسترشد فساروا معه و دس إليهم طغرل بالمواعيد فارتاب المسترشد ببعضهم ، و اطلع على كتاب طغرل إليه ، و قبض عليه ونهب ماله ، فلحق الباقون بالسلطان ، و بعث فيهم المسترشد فمنعهم السلطان فحدثت بينهم الوحشة لذلك ، و بعث السلطان إلى الخليفة يلزمه المسير معه ، و بيناهما على ذلك إذ جاءه الخبر بوفاة طغرل ، في المحرم من سنة تسع و عشرين ، فسار السلطان مسعود إلى همذان و أقبلت إليه العساكر فاستولى عليها ، و أطاعه أهل البلاد ، و استوزر شرف الدين أنوشروان خالداً ، و كان قد سار معه بأهله .

فتنة السلطان مسعود مع المسترشد
لما استولى السلطان مسعود على همذان استوحش منه جماعة من أعيان الأمراء ، منهم برتقش و كزل و سنقر والي همذان ، و عبد الرحمن بن طغرلبك ، ففارقوه و دبيس بن صدقة معهم ، و استأمنوا إلى الخليفة و لحقوا بخوزستان و تعاهدوا مع برسق على طاعة المسترشد ، و حذر المسترشد من دبيس و بعث شديد الدولة ابن الأنباري بالأمان للأمراء دون دبيس ، و رجع دبيس إلى السلطان مسعود . و سار الأمراء إلى بغداد فأكرمهم المسترشد ، و اشتدت وحشة السلطان مسعود لذلك ، و منافرته للمسترشد فاعتزم المسترشد على قتاله ، و برز من بغداد في عاشر رجب و أقام بالشفيع و عصي عليه صاحب البصرة فلم يجبه ، و أمراء السلجوقية الذين بقوا معه يحرضونه على المسير فبعث مقدمته إلى حلوان . ثم سار من شعبان و استخلف على العراق إقبالاً خادمه في ثلاث آلاف فارس و لحقه برسق بن برسق فبلغ عسكره سبعة آلاف فارس ، و كان أصحاب الأعراب يكاتبون المسترشد بالطاعة فاستصلحهم مسعود ، و لحقوا به ، و بلغ عسكره خمسة عشر ألفاً ، و تسلل إليه كثير من عسكر المسترشد حتى بقي في خمسة آلاف ، و بعث إليه داود ابن السلطان محمود من أذربيجان بأن يقصد الدينور ليلقاه بها بعسكره فجفل للقاء السلطان مسعود ، و سار و في ميمنته برتقش باردار و كور الدولة سنقر و كزول و برسق بن برسق ، و في ميسرته جاولي برسقي و سراب سلار و أغلبك الذي كان قبض عليه من أمراء السلجوقية بموافقتهم السلطان و كان ذلك عاشر رمضان سنة تسع و عشرين . و انحازت ميسرة المسترشد إليه و انطبقت عساكره عليه ، و انهزم أصحاب المسترشد و أخذ هو أسيراً بموكبه ، و فيهم الوزير شرف الدين علي بن طراد الزينبي ، و قاضي القضاة و الخطباء و الفقهاء و الشهود و غيرهم . و أنزل المسترشد في خيمة ، و حبس الباقون بقلعة سرحاب ، و عاد السلطان إلى همذان و بعث الأمير بك آي المحمدي إلى بغداد شحنة ، فوصل سلخ رمضان ، و معه عميد فقبضوا أملاك الخليفة و أخذوا غلاته ، و ضج الناس ببغداد و بكوا على خليفتهم ، و أعول النساء ثم عمد العامة إلى المنبر فكسروه و منعوا من الخطبة و تعاقبوا في الأسواق يحثون التراب على رؤسهم ، و قاتلوا أصحاب الشحنة فأثخن فيهم بالقتل و هرب الوالي و الحاجب و عظمت الفتنة ، ثم بلغ السلطان في شوال أن داود ابن أخيه محمود عصي عليه بالمراغة ، فسار لقتاله و المسترشد معه و تردد الرسل بينهما في الصلح .

مقتل المسترشد و خلافة الراشد
قد ذكرنا مسير المسترشد مع السلطان مسعود إلى مراغة و هو في خيمة موكل به . و ترددت الرسل بينهما و تقرر الصلح على أن يحمل مالاً للسلطان و لا يجمع العساكر لحرب و لا فتنة ، و لا يخرج من داره فانعقد على ذلك بينهما ، و ركب المسترشد و حملت الغاشية بين يديه على العود إلى بغداد فوصل الخبر بموافاة رسول من السلطان سنجر فتأخر مسيره لذلك ، و ركب السلطان مسعود للقاء الرسول ، و كانت خيمة المسترشد منفردة العسكر فدخل عليه عشرون رجلاً أو يزيدون من الباطنية فقتلوه و جدعوه و صلبوه ، و ذلك سابع عشر ذي القعدة من سنة تسع و عشرين ، لسبع عشرة و نصف من خلافته . و قتل الرجال الذين قتلوه و بويع ابنه أبو جعفر بعهد أبيه إليه بذلك فجددت له البيعة ببغداد في ملأ من الناس ، وكان إقبال خادم المسترشد في بغداد ، فلما وقعت هذه الحادثة عبر إلى الجانب الغربي و أصعد إلى تكريت و نزل على مجاهد الدين بهروز . ثم بعد مقتل المسترشد بأيام قتل دبيس بن صدقة على باب سرادقه بظاهر مدينة خوي ، أمر السلطان مسعود غلاماً أرمنياً فوقف على رأسه فضربه ، و أسقط رأسه ، و اجتمع إلى أبيه صدقة بالحلة عساكره و مماليكه و استأمن إليه قطلغ تكين ، و أمر السلطان مسعود بك آي شحنة بغداد فأخذ الحلة من يد صدقة فبعث بعض عسكره إلى المدائن ، و خام عن لقائه حتى قدم السلطان إلى بغداد سنة إحدى و ثلاثين فقصده و صالحه و لزم بابه .

الفتنة بين الراشد و السلطان مسعود و لحاقه بالموصل و خلعه
و بعد بيعة الراشد و استقراره في الخلافة وصل برتقش الزكوي من عند السلطان محمود يطلب من الراشد ما استقر على أبيه من المال أيام كونه عندهم ، و هو أربعمائة ألف دينار فأجابه بأنه لم يخلف شيئاً و أن ماله كان معه فنهب . ثم نمي إلى الراشد أن برتقش تهجم على دار الخلافة ، و فتش المال فجمع الراشد العساكر و أصلح السور ، ثم ركب برتقش و معه الأمراء البلخية و جاؤا لهجم الدار ، و قاتلهم عسكر الخليفة العامة فساروا إلى طريق خراسان و انحدر بك آي إلى خراسان ، و سار برتقش إلى البند هجين ، و نهبت العامة دار السلطان و اشتدت الوحشة بين السلطان و الراشد ، و انحرف الناس عن طاعة السلطان إلى الخليفة ، و سار داود بن السلطان في عسكر أذربيجان إلى بغداد ، و نزل بدار السلطان في صفر من سنة ثلاثين ، و وصل عماد الدين زنكي من الموصل ، و وصل برتقش باردار صاحب قزوين ، و البقش الكبير صاحب أصبهان ، و صدقة بن دبيس صاحب الحلة ، و ابن برسق و ابن الأحمديلي و جفل الملك داود برتقش باردار شحنة ببغداد ، و قبض الراشد على ناصح الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير استادار ، و على جمال الدين إقبال . و كان قدم إليه من تكريت فتنكر له أصحابه و خانوه ، و شفع زنكي في إقبال الخادم فأطلقه و صار عنده ، و خرج الوزير جلال الدين أبو الرضا بن صدقة لتلقي زنكي فأقام عنده . ثم شفع فيه و أعاده إلى وزارته و لحق قاضي القضاة الزينبي بزنكي أيضاً ، و سار معه إلى الموصل ، و وصل سلجوق شاه إلى واسط و قبض بها بك آي و نهب ماله فانحدر زنكي إليه و صالحه و رجع إلى بغداد . ثم سار السلطان داود نحو طريق خراسان و معه زنكي لقتال السلطان مسعود ، و برز الراشد أول رمضان و سار إلى طريق خراسان و رجع بعد ثلاث و أرسل إلى داود و الأمراء بالعود ، و قتال مسعود من وراء السور ، و راسلهم مسعود بالطاعة و الموافقة فأبوا ، و تبعهم الخليفة في ذلك . و جاء مسعود فنزل على بغداد و حصرهم فيها ، و ثار العيارون و كثر الهرج و أقاموا كذلك نيفاً و خمسين ، و امتنعوا و أقلع السلطان عنهم . ثم وصله طرنطاني صاحب واسط بالسفن فعاد و عبر إلى الجانب الغربي فاضطرب الراشد و أصحابه ، و عاد داود إلى بلاده ، و كان زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد و سار معه إلى الموصل ، و دخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين ، و أمن الناس . و استدعى القضاة و الفقهاء و الشهود و عرض عليهم يمين الراشد بخطه : إني متى جندت جنداً ، و خرجت و لقيت أحداً من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه . و وافقهم على ذلك أصحاب المناصب و الولايات ، و اتفقوا على ذمه فتقدم السلطان لخلعه ، و قطعت خطبته ببغداد و سائر البلاد في ذي القعدة من سنة ثلاثين لسنة من خلافته .

خلافة المقتفي
و لما قطعت خطبة الراشد استشار السلطان مسعود أعيان بغداد فيمن يوليه ، فأشاروا بمحمد بن المستظهر فقدم إليهم بعمل محضر في خلع الراشد ، و ذكروا ما ارتكبه من أخذ الأموال و من الأفعال القادحة في الإمامة ، و ختموا آخر المحضر بأن من هذه صفته لا يصلح أن يكون إماماً . و حضر القاضي أبو طاهر بن الكرخي فشهدوا عنده بذلك و حكم بخلعه ، و نفذه القضاة الآخرون و كان قاضي القضاة غائباً عند زنكي بالموصل ، و حضر السلطان دار الخلافة و معه الوزير شرف الدين الزينبي و صاحب المخزن ابن العسقلاني ، و أحضر أبو عبد الله بن المستظهر فدخل إليه السلطان و الوزير و استخلفاه . ثم أدخلوا الأمراء و أرباب المناصب و القضاة و الفقهاء فبايعوه ثامن عشر ذي الحجة و لقبوه المقتفي . و استوزر شرف الدين علي بن طراد الزينبي و بعث كتاب الحكم بخلع الراشد إلى الآفاق ، و أحضر قاضي القضاة أبا القاسم علي بن الحسين فأعاده إلى منصبه ، و كمال الدين حمزة بن طلحة صاحب المخزن كذلك .

فتنة السلطان مسعود مع داود و اجتماع داود للراشد للحرب و مقتل الراشد
و لما بويع للمقتفي و السلطان مسعود ببغداد ، و بعث عساكره بطلب الملك داود فلقيه عند مراغة فانهزم داود و ملك قراسنقر أذربيجان . ثم قصد داود خوزستان ، و اجتمع عليه من عساكر التركمان و غيرهم نحو عشرة آلاف مقاتل ، و حاصر تستر و كان السلطان سلجوق شاه بواسط بعث إلى أخيه مسعود يستنجده فأنجده بالعساكر و سار إلى تستر فقاتله داود و هزمه . و السلطان مسعود مقيماً ببغداد مخافة أن يقصد الراشد العراق من الموصل ، و كان قد بعث لزنكي فخطب للمقتفي في رجب سنة إحدى و ثلاثين ، و سار الراشد من الموصل ، فلما بلغ خبر مسيره إلى السلطان مسعود أذن للعسكر في العود إلى بلادهم ، و انصرف صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن زوجه ابنته . ثم قدم على السلطان مسعود جماعة الأمراء الذين كانوا مع الملك داود مثل البقش السلامي و برسق بن برسق صاحب تستر و سنقر خمارتكين شحنة همذان ، فرضي عنهم و ولي البقش شحنة ببغداد فظلم الناس و عسفهم . و لما فارق الراشد زنكي من الموصل سار إلى أذربيجان و انتهى إلى مراغة ، و كان بوزابة و عبد الرحمن طغرلبك صاحب خلخال ، و الملك داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان مسعود فاجتمعوا إلى منكبرس صاحب فارس و تعاهدوا على بيعة داود ، و أن يردوا الراشد إلى الخلافة فأجابهم الراشد إلى ذلك ، و بلغ الخبر إلى السلطان فسار من بغداد في شعبان سنة إثنتين و ثلاثين ، و بلغهم قبل وصوله وصول الراشد إليهم فقاتلهم بخوزستان فانهزموا و أسر منكبرس صاحب فارس فقتله السلطان مسعود صبراً ، و افترقت عساكره للنهب و في طلب المنهزمين ، و رآه بوزابة و عبد الرحمن طغرلبك في قل من الجنود فحملوا عليه ، و قتل بوزابة جماعة من الأمراء منهم صدقة بن دبيس و ابن قراسنقر الأتابك صاحب أذربيجان و عنتر بن أبي العسكر و غيرهم كان قبض عليهم لأول الهزيمة و أمسكهم عنده ، فلما بلغه قتل منكبرس قتلهم جميعاً و انصرف العسكران منهزمين ، و قصد مسعود أذربيجان و داود همذان . و جاء إليه الراشد بعد الواقعة و أشار بوزابة و كان كبير القوم بمسيرهم ، فسار بهم إلى فارس فملكها و أضافها إلى خوزستان . و سار سلجوق شاه ابن السلطان مسعود ليملكها فدافعه عنها البقش الشحنة و مطر الخادم أمير الحاج ، و ثار العيارون أيام تلك الحرب ، و عظم الهرج ببغداد ، و رحل الناس عنها إلى البلاد . فلما انصرف سلجوق شاه و استقر البقش الشحنة فتك فيهم بالقتل و الصلب . و لما قتل صدقة بن دبيس ولى السلطان على الحلة محمداً أخاه و جعل معه مهلهلاً أخا عنتر بن أبي العسكر يدبره . و لما وصل الراشد و الملك داود إلى خوزستان مع الأمراء على ما ذكرناه ، و ملكوا فارس ، ساروا إلى العراق و معهم خوارزم شاه . فلما قاربوا الجزيرة خرج السلطان مسعود لمدافعتهم فافترقوا ، و مضى الملك داود إلى فارس و خوارزم شاه إلى بلاده ، و بقي الراشد وحده ، فسار إلى أصبهان فوثب عليه في طريقه نفر من الخراسانية الذين كانوا في خدمته فقتلوه في القيلولة خامس عشر رمضان سنة إثنتين و ثلاثين ، و دفن بشهرستان ظاهر أصبهان . و عظم أمر هذه الفتنة و اختلفت الأحوال و المواسم و انقطعت كسوة الكعبة في هذه السنة من دار الخلافة من قبل السلاطين ، حتى قام بكسوتها تاجر فارسي من المترددين إلى الهند ، أنفق فيها ثمانية عشر ألف دينار مصرية ، و كثر الهرج من العيارين حتى ركب زعماؤهم الخيول و جمعوا الجموع ، و تستر الوالي ببغداد بلباس ابن أخيه سراويل الفتوة عن زعيمهم ليدخل في جملتهم ، و حتى هم زعيمهم بنقش اسمه في سكة بانبار فحاول الشحنة و الوزير على قتله فقتل ، و نسب أمر العيارين إلى البقش الشحنة لما أحدث من الظلم و العسف فقبض عليه السلطان مسعود و حبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز ، ثم أمر بقتله فقتل . ثم قدم السلطان مسعود في ربيع سنة ثلاث و ثلاثين في الشتاء ، و كان يشتي بالعراق و يصيف بالجبال . فلما قدم أزال المكوس و كتب بذلك في الألواح فنصبت في الأسواق و على أبواب الجامع و رفع عن العامة نزول الجند عليهم فكثر الدعاء له و الثناء عليه .

وزارة الخليفة
و في سنة أربع و ثلاثين وقع بين المقتفي و وزيره علي بن طراد الزينبي وحشة بما كان يعترض على المقتفي في أمره ، فخاف و استجار بالسلطان مسعود فأجاره ، و شفع المقتفي في إعادته فامتنع و أسقط اسمه من الكتب ، و استناب المقتفي ابن عمه قاضي القضاة و الزينبي ، ثم عزله و استناب شديد الدولة الأنباري . ثم وصل السلطان إلى بغداد سنة ست و ثلاثين فوجد الوزير شرف الدين الزينبي في داره فبعث وزيره إلى المقتفي شفيعاً في إطلاق سبيله إلى بيته فأذن له انتهى .

الشحنة ببغداد
و في سنة ست و ثلاثين عزل مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد ، و ولى كزل أمير آخر من مماليك السلطان محمود ، فكان على البصرة فأضيف إليه شحنكية بغداد ، و لما وصل السلطان مسعود إلى بغداد و رأى تبسط العيارين و فسادهم أعاد بهروز شحنة ، و لم ينتفع الناس بذلك لأن العيارين كانوا يتمسكون بالجاه من أهل الدول فلا يقدر بهروز على منعهم ، و كان ابن الوزير و ابن قاروت صهر السلطان يقاسمانهم فيما يأخوذن من النهب . و اتفق سنة ثمان و ثمانين أن السلطان أرسل نائب الشحنكية و وبخه على فساد العيارين فأخبره بشأن صهره و ابن وزيره فأقسم ليصلبنه إن لم يصلبهما فأخذ خاتمه على ذلك ، و قبض على صهره ابن قاروت فصلبه و هرب ابن الوزير ، و قبض على أكثر العيارين و افترقوا و كفى الناس شرهم .

انتفاض الأعياص و استبداد الأمراء على الأمير مسعود و قتله إياهم
و في سنة أربعين سار بوزابة صاحب فارس و خوزستان و عساكره إلى قاشان و معه الملك محمد ابن السلطان محمود ، و اتصل بهم الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد ، ولقي بوزابة الأمير عباس صاحب الري و تآمرا في الانتفاض على السلطان مسعود ، و ملكا كثيراً من بلاده فسار السلطان مسعود عن بغداد ، و نزل بها الأمير مهلهل و الخادم مطر و جماعة من غلمان بهروز . و سار معه الأمير عبد الرحمن طغرلبك ، وكان حاجبه و متحكماً في دولته ، و كان هواه مع ذينك الملكين ، فسار السلطان و عبد الرحمن حتى تقارب العسكران ، فلقي سليمان شاه أخاه مسعوداً فحنق عليه ، و جرى عبد الرحمن في الصلح بين الفريقين ، و أضيفت وظيفة أذربيجان و أرمينية إلى ما بيده . و سار أبو الفتح ابن هزارشب وزير السلطان مسعود و معه وزير بوزابة فاستبدوا على السلطان و حجروه عن التصرف فيما يريده ، و كان بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك خالصة صاحب خلخال و بعض أذربيجان ، فلما عظم تحكمه أسر السلطان إلى خاص بك بقتل عبد الرحمن ، فدس ذلك إلى جماعة من الأمراء و قتلوه في موكبه ، ضربه بعضهم بمقرعة فسقط إلى الأرض ميتاً و بلغ إلى السلطان مسعود ببغداد و معه عباس صاحب الري في عسكر أكثر من عسكره فامتعض لذلك فتلطف له السلطان ، و استدعاه إلى داره ، فلما انفرد عن غلمانه أمر به فقتل . و كان عباس من غلمان السلطان محمود و ولي الري ، و جاهد الباطنية و حسنت آثاره فيهم . و كان مقتله في ذي القعدة سنة إحدى و أربعين . ثم حبس السلطان مسعود أخاه سليمان شاه بقلعة تكريت ، و بلغ مقتل عباس إلى بوزابة فجمع عساكره من فارس و خوزستان : و سار إلى أصبهان فحاصرها ، ثم سار إلى السلطان مسعود و التقيا بمرج قراتكين فقتل بوزابة قيل بسهم أصابه و قيل أخذ أسيراً و قتل صبراً ، و انهزمت عساكره إلى همذان و خراسان .

انتقاض الأمراء ثانية على السلطان
و لما قتل السلطان من قتل من أمرائه استخلص الأمير خاص بك و أنفذ كلمته في الدولة ، و رفع منزلته فحسده كثير من الأمراء و خافوا غائلته و ساروا نحو العراق و هم : إيلدكر المسعودي صاحب كنجة و أرانية ، و قيصر و البقش كون صاحب أعمال الجبل . و قتل الحاجب و طرنطاي المحمودي شحنة واسط و ابن طغابرك . و لما بلغوا حلوان خاف الناس بأعمال العراق و عني المقتفي بإصلاح السور ، و بعث إليهم بالنهي عن القدوم فلم ينتهوا و وصلوا في ربيع الآخر سنة ثلاث و أربعين ، و الملك محمد ابن السلطان محمود معهم ، و نزلوا بالجانب الشرقي ، و فارق مسعود جلال الشحنة ببغداد إلى تكريت ، و وصل إليهم علي بن دبيس صاحب الحلة ، و نزل بالجانب الغربي و جند المقتفي أجناداً و قتلوهم مع العامة فكانوا يستطردون للعامة و الجند حتى يبعدوا ، ثم يكرون عليهم فيثخنوا فيهم . ثم كثر عيثهم و نهبهم . ثم اجتمعوا مقابل التاج و قبلوا الأرض و اعتذروا ، و ترددت الرسل و رحلوا إلى النهروان . و عاد مسعود جلال الشحنة من تكريت إلى بغداد ، و افترق هؤلاء الأمراء و فارقوا العراق ، و السلطان مع ذلك مقيم ببلد الجبل . و أرسل عمه سنجر إلى الري سنة أربع و أربعين فبادر إليه مسعود و ترضاه فأعتبه و قبل عذره . ثم جاءت سنة أربع و أربعين جماعة أخرى من الأمراء و هم البقش كون و الطرنطاي و ابن دبيس و ملك شاه ابن السلطان محمود فراسلوا المقتفي في الخطبة لملك شاه فلم يجبهم ، و جمع العساكر و حصن بغداد و كاتب السلطان مسعودا بالوصول إلى بغداد فشغله عمه سنجر إلى الري ، و لما علم البقش مراسلة المقتفي إلى مسعود نهب النهروان ، و قبض على علي بن دبيس و هرب الطرنطاي إلى النعمانية ، و وصل السلطان مسعود إلى بغداد منتصف شوال ، و رحل البقش كون من النهروان و أطلق ابن دبيس .

وزارة المقتفي
و في سنة أربع و أربعين استوزر المقتفي يحيى بن هبيرة و كان صاحب ديوان الزمام و ظهرت منه كفاية في حصار بغداد فاستوزره المقتفي .

وفاة السلطان مسعود و ملك ملك شاه ابن أخيه محمود
ثم توفي السلطان مسعود أول رجب سنة سبع و أربعين و خمسمائة لإحدى و عشرين سنة من بيعته ، و عشرين من عوده بعد منازعة إخوته . و كان خاص بك بن سلمكري متغلباً على دولته ، فبايع لملك شاه ابن أخيه السلطان محمود ، و خطب له بالسلطنة في همذان ، و كان هذا السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية عن بغداد ، و بعث السلطان ملك شاه الأمير شكاركرد في عسكر إلى الحلة فدخلها ، و سار إليه مسعود جلال الشحنة ، و أظهر له الاتفاق . ثم قبض عليه و غرقه و استبد بالحلة و أظهر المقتفي إليه العساكر مع الوزير عون الدولة و الدين بن هبيرة فعبر الشحنة إليهم الفرات ، و قاتلهم فانهزموا و ثار أهل الحلة بدعوة المقتفي و منعوا الشحنة من الدخول فعاد إلى تكريت و دخل ابن هبيرة الحلة و بعث العساكر إلى الكوفة و واسط فملكوها ، و جاءت عساكر السلطان إلى واسط فغلبوا عليها عسكر المقتفي فتجهز بنفسه ، و انتزعها من أيديهم ، و سار منها إلى الحلة . ثم عاد إلى بغداد في عشر ذي القعدة . ثم إن خاص بك المتغلب على السلطان ملك شاه استوحش و تنكر و أراد الاستبداد فبعث عن الملك محمد ابن السلطان محمد بخوزستان سنة ثمان و أربعين فبايعه أول صفر و أهدى إليه و هو مضمر الفتك ، فسبقه السلطان محمد لذلك و قتله ثاني يوم البيعة إيد غدي التركماني المعروف بشملة من أصحاب خاص بك و نهاه عن الدخوله إلى السلطان محمد ، فلم يقبل . فلما قتل خاص بك نهب شملة عسكره و لحق بخوزستان و كان خاص بك صبياً من التركمان اتصل بالسلطان مسعود و استخلصه و قدمه على سائر الأمراء .

حروب المقتفي مع أهل الخلاف و حصار البلاد
ثم بعث المقتفي عساكره لحصار تكريت مع ابن الوزير عون الدين و الأمير ترشك من خواصه و غيرهما ، و وقع بينه و بين ابن الوزير منافرة خشي لها ترشك على نفسه فصالح الشحنة صاحب تكريت ، و قبض على ابن الوزير و الأمراء ، و حبسهم صاحب تكريت و غرق كثير منهم ، و سار ترشك و الشحنة إلى طريق خراسان فعاثوا فيها و خرج المقتفي في اتباعهم فهربا بين يديه ، و وصل تكريت و حاصرها أياماً . ثم رجع إلى بغداد و بعث سنة تسع و أربعين بتكريت في ابن الوزير و غيره من المأسورين ، فقبض على الرسول فبعث إليهم عسكراً فامتنعوا عليه ، فسار المقتفي بنفسه في صفر من سنته و ملك تكريت ، و امتنعت عليه القلعة فحاصرها ، و رجع في ربيع . ثم بعث الوزير عون الدين في العساكر لحصارها و استكثر من الآلات و ضيق عليها . ثم بلغه الخبر بأن شحنة مسعود و ترشك و صلا في العساكر و معهم الأمير البقش كون و أنهما استحثا الملك محمداً لقصد العراق ، فلم يتهيأ له فبعث هذا العسكر معهم ، و انضاف إليهم خلق كثير من التركمان ، فسار المقتفي للقائهم ، و بعث الشحنة مسعود عن أرسلان ابن السلطان طغرل بن محمد و كان محبوساً بتكريت فأحضره عنده ليقاتل به المقتفي ، و التقوا عند عقر بابل فتنازلوا ثمانية عشر يوماً ، ثم تناجزوا آخر رجب فانهزمت ميمنة المقتفي إلى بغداد ، و نهبت خزائنه و ثبت هو و اشتد القتال و انهزمت عساكر العجم و ظفر المقتفي بهم ، و غنم أموال التركمان و سبى نساءهم و أولادهم . و لحق البقش كون ببلد المحلو و قلعة المهاكين و أرسلان بن طغرل ، و رجع المقتفي إلى بغداد أول شعبان . و قصد مسعود الشحنة و ترشك بلد واسط للعيث فيها ، فبعث المقتفي الوزير ابن هبيرة في العساكر فهزمهم . ثم عاد فلقيه المقتفي سلطان العراق و أرسلان بن طغرل ، و بعث إليه السلطان محمد في إحضاره عنده . و مات البقش في رمضان من سنته و بقى أرسلان مع ابن البقش ، و حسن الخازندار فحملاه إلى الجبل ثم سارا به إلى الركن زوج أمه ، و هو أبو البهلوان و أرسلان و طغرل الذي قتله خوارزم شاه ، و كان آخر السلجوقية ثلاثتهم إخوة لأم . ثم سار المقتفي سنة خمسين إلى دقوقا فحاصرها أياماً ، ثم رجع عنها لأنه بلغه أن عسكر الموصل تجهز لمدافعته عنها فرحل .

استيلاء شمله على خوزستان
قد ذكرنا من قبل شأن شملة و أنه من التركمان و اسمه إيد غدي و أنه كان من أصحاب خاص بك التركماني ، و هرب يوم قتل السلطان محمد صاحبه خاص بك بعد أن حذره منه فلم يقبل ، و نجا من الواقعة فجمع جموعاً و سار يريد خوزستان و صاحبها يومئذ ملك شاه ابن السلطان محمود بن محمد . و بعث المقتفي عساكره لذلك فلقيهم شملة في رجب و هزمهم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:55 pm

و أسر وجوههم . ثم أطلقهم و بعث إلى الخليفة يعتذر فقبل عذره ، و سار إلى خوزستان فمكلها من يد ملك شاه ابن السلطان محمود .

إشارة إلى بعض أخبار السلطان سنجر بخوزستان و مبدأ دولة بني خوارزم شاه
كان السلطان سنجر من ولد السلطان ملك شاه لصلبه ، و لما استولى بركيارق بن ملك شاه على خوزستان سنة تسعين و أربعمائة من يد عمه أرسلان أرغون ، كما نذكر في أخبارهم عند تفردها مستوفى ، ولى عليها أخاه سنجر ، وولى على خوارزم محمد بن أنوش تكين من قبل الأمير داود حبشي بن أليوساق . ثم لما ظهر السلطان محمد و نازع بركيارق و تعاقبا في الملك ، و كان سنجر شقيقاً لمحمد فولاه على خراسان ، و لم يزل عليها . و لما اختلف أولاد محمد من بعده كان عقيد أمرهم و صاحب شوراهم إذا خلف له ببغداد مقدماً اسمه على اسم سلطان العراق منهم سنة ثم خرجت أمم الخطا من الترك من مفازة الصين و ملكوا ما وراء النهر من يد الجابية ملوك تركستان سنة ست و ثلاثين كما نذكر في أخبارهم . و سار سنجر لمدافعتهم فهزموه فوهن لذلك فاستبد عليه خوارزم شاه بعض الشىء . و كان الخلفاء لما ملكوا بلاد تركستان أزعجوا الغز عنها إلى خراسان و هم بقية السلجوقية هناك . و أجاز السلجوقية لأول دولتهم إلى خراسان فملكوها ، و بقي هؤلاء الغز بنواحي تركستان فأجازوا أمام الخطا إلى خراسان ، و أقاموا السلطان بها حتى عتوا و نموا . ثم كثر عيثهم و فسادهم و سار إليهم السلطان سنجر سنة ثمان و أربعين فهزموه و استولوا عليه و أسروا ، و ملكوا بلاد خراسان و افترق أمراؤه على النواحي . ثم ملكوه و هو أسير في أيديهم ذريعة لنهب البلاد و استولوا به على كثير منها ، و هرب من أيديهم سنة إحدى و خمسين و لم يقدر على مدافعتهم . ثم توفي سنة إثنتين و خمسين و افترقت بلاد خراسان على أمرائه كما يذكر في أخبارهم . ثم تغلب بنو خوارزم شاه عليها كلها و على أصبهان و الري من ورائها و على أعمال غزنة من يد بني سبكتكين و شاركهم فيها النور بعض الشيعة و قام بنو خوارزم شاه مقام السلجوقية إلى أن انقرضت دولتهم على يد جنكزخان ملك التتر من أمم الترك في أوائل المائة السابعة كما يذكر ذلك كله في أخبار كل منهم عندما نفردها بالذكر إن شاء الله تعالى .

الخطبة ببغداد لسليمان شاه ابن السلطان محمد و حروبه مع السلطان محمد بن محمد
كان سليمان بن محمد عند عمه سنجر بخراسان منذ أعوام و قد جعله ولي عهده ، و خطب له بخراسان فلما غلب الغز على سنجر و أسروه تقدم سليمان شاه على العساكر ، ثم غلبتهم الغز فلحق بخورازم شاه فصاهره أولاً بابنة أخيه ، ثم تنكر فسار إلى أصبهان فمنعه شحنتها من الدخول فسار إلى قاشان ، فبعث إليه السلطان محمد شاه بن محمود فقصد اللحف ، و نزل على السيد محسن ، و بعث إلى المقتفي ليستأذنه في القدوم ، و بعث زوجته و ولده رهناً على الطاعة و المناصحة فأذن له ، و قدم في خف من العساكر ثلثمائة أو نحوها ، و أخرج الوزير عون الدين بن هبيرة ولده لتلقيه و معه قاضي القضاة و النقباء ، و دخل و على رأسه الشمسية ، و خلع عليه . و لما كان المحرم من سنة إحدى و خمسين حضر عند المقتفي بمحضر قاضي القضاة و أعيان العباسيين و استحلفه على الطاعة ، و أن لا يتعرض للعراق . ثم خطب له ببغداد و بلقب أبيه السلطان محمد ، و بعث عسكراً نحو ثلاثة آلاف و استقدم داود صاحب الحلة فجعل له أمر الحجابة ، و سار نحو الجبل في ربيع . و سار المقتفي إلى حلوان و سار إلى ملك شاه بن محمود أخي سليمان صاحب خوزستان فاستحلفه لسليمان شاه و جعله ولي عهده ، و أمدهما بالمال و الأسلحة ، و ساروا إلى همذان و أصبهان ، و جاءهم المذكر صاحب بلاد أران فكثر جمعهم و بلغ خبرهم السلطان محمد بن محمود فبعث إلى قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل ، و نائبه زين الدين ليستنجدهما فأجاباه ، و سار للقاء سليمان شاه و أصحابه فالتقوا في جمادى ، و انهزم سليمان شاه و افترقت عساكره . و سار المذكر إلى بلاده ، و سار سليمان شاه إلى بغداد و سلك على شهرزور فاعترضه زين الدين علي كوجك نائب قطب الدين بالموصل ، و كان مقطع شهرزور الأمير بران من جهة زين الدين فاعترضاه و أخذاه أسيراً ، و حمل زين الدين إلى الموصل فحبسه بقلعتها ، و بعث إلى السلطان محمد بالخبر .

حصار السلطان محمد بغداد
كان السلطان محمد قد بعث إلى المقتفي في الخطبة له ببغداد فامتنع من إجابته ، ثم بايع لعمه سليمان و خطب له و كان ما قدمناه من أمره معه . ثم سار السلطان محمد من همذان في العساكر نحو العراق ، فقدم في ذي الحجة سنة إحدى و خمسين ، و جاءته عساكر الموصل مدداً من قبل قطب الدين و نائبه زين الدين ، و اضطربت الناس ببغداد ، و أرسل المقتفي عن فضلو بواش صاحب واسط فجاء عسكره . و ملك مهلهل الحلة فاهتم ابن هبيرة بأمر الحصار و جمع السفن تحت الناجي ، و قطع الجسر ، و أجفل الناس من الجانب الغربي ، و نقلت الأموال إلى حريم دار الخلافة ، و فرق المقتفي السلاح في الجند و العامة ، و مكثوا أياماً يقتتلون ، و مد السلطان جسراً على دجلة فعبر على الجانب الشرقي حتى كان القتال في الجانبين . و نفدت الأقوات في العسكر و اشتد القتال و الحصار على أهل بغداد لانقطاع الميرة و الظهر من عسكر الموصل لأن نور الدين محمود بن زنكي و هو أخو قطب الدين الأكبر بعث إلى زين الدين يلومه على قتال الخليفة . ثم بلغ السلطان محمداً أن أخاه ملك شاه و المذكر صاحب بلاد أران ، و أرسلان ابن الملك طغرل بن محمد ساروا إلى همذان و ملكوها فارتحل عن بغداد في آخر ربيع سنة اثنتين و خمسين . و سار إلى همذان و عاد زين الدين كوجك إلى الموصل . و لما قصد السلطان محمد همذان صار ملك شاه و المذكر و من معهما إلى الري فقاتلهم شحنتها آبنايخ و هزموه ، و أمده السلطان محمد بالأمير سقمان بن قيمار فسار لذلك و لقيهما منصرفين عن الري قاصدين بغداد فقاتلهما ، و انهزم أمامهما فسار السلطان في أثرهما إلى خوزستان ، فلما انتهى إلى حلوان جاءه الخبر بأن المذكر بالدينور و بعث إليه آبنايخ بأنه استولى على همذان و أعاد خطبته فيها ، فافترقت جموع ملك شاه و المذكر و فارقهم شملة صاحب خوزستان ، فعادوا هاربين إلى بلادهم و عاد السلطان محمد إلى همذان .

حروب المقتفي مع أهل النواحي
كان سنقر الهمذاني صاحب اللحف ، و كان في هذه الفتنة قد نهب سواد بغداد و طريق خراسان ، فسار المقتفي لحربه في جمادى سنة ثلاث و خمسين و ضمن له الأمير خلطوا براس إصلاحه ، فسار إليه خاله على أن يشرط المقتفي معه في بلد اللحف الأمير أزغش المسترشدي فأقطعهما لهما جميعاً و رجع ثم عاد سنقر على أزغش و أخرجه ، و انفرد ببلده و خطب للسلطان محمد فسار إليه خلطوا براس من بغداد في العساكر و هزمه ، و ملك اللحف و سار سنقر إلى قلعة الماهكي للأمير قايماز العميدي و نزلها في أربعمائة ألف فارس . ثم سار إليه سنقر سنة أربع و خمسين فهزمه و رجع إلى بغداد فخرج المقتفي إلى النعمانية و بعث العساكر مع ترشك فهرب سنقر في الجبال و نهب ترشك مخلفه و حاصر قلعة الماهكي ، ثم عاد إلى البندنجين و بعث بالخبر إلى بغداد . و لحق سنقر بملك شاه فأمده بخمسمائة فارس و بعث ترشك إلى المقتفي في المدد فأمده ، و بعث إليه سنقر في الإصلاح فحبس رسوله ، و سار إليه فهزمه و استباح عسكره و نجا سنقر جريحاً إلى بلاد العجم فأقام بها . ثم جاء بها سنة أربع و خمسين إلى بغداد ، و ألقى نفسه تحت التاج فرضي عنه المقتفي ، و أذن له في دخول دار الخلافة . ثم زحف إلى قايماز السلطان في ناحية بادرايا سنة ثلاث و خمسين فهزمه و قتله و بعث المقتفي عساكره لقتال شملة فلحق بملك شاه .

وفاة السلطان محمد بن محمود و ملك عمه سليمان شاه ثم أرسلان بن طغرل
ثم إن السلطان محمد بن محمود بن ملك شاه لما رجع عن حصار بغداد أصابه مرض السل و طال به ، و توفي بهمذان في ذي الحجة سنة أربع و خمسين لسبع سنين و نصف من ملكه ، و كان له والد فيئس من طاعة الناس له ، و دفعه لأقسنقر الأحمديلي و أوصاه عليه فرحل به إلى مراغة . و لما مات السلطان محمد اختلف الأمر فيمن يولونه ، و مال الأكثر إلى سليمان شاه عمه ، و طائفة إلى ملك شاه أخيه ، و طائفة إلى أرسلان بن السلطان طغرل الذي مع إلدكز ببلاد أران . و بادر ملكشاه أخوه فسار من خوزستان و معه شملة التركماني و دكلا صاحب فارس ، و رحل إلى أصبهان فأطاعه ابن الخجندي ، و أنفق عليه الأموال و بعث إلى عساكر همذان في الطاعة فلم يجيبوه ، و أرسل أكابر الأمراء من همذان إلى قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل في سليمان شاه المحبوس عنده ليولوه عليهم ، و ذلك أول سنة خمس و خمسين فأطلقه على أن يكون أتابكاً له و جمال الدين وزيره وزيراً و جهزه بجهاز السلطنة و بعث معه نائبه زين الدين علي كوجك في عسكر الموصل . فلما قاربوا بلاد الجبل و أقبلت العساكر من كل جهة على السلطان سليمان فارتاب كوجك لذلك ، وعاد إلى الموصل فلم ينتظم أمر سليمان ، و دخل همذان و بايعوا له و خطب له ببغداد . و كثرت جموع ملك شاه بأصبهان و بعث إلى بغداد في الخطبة ، و أن يقطع خطبة عمه و يراجع القواعد بالعراق إلى ما كانت فوضع عليه الوزير عون الدين بن هبيرة جارية بعث بها إليه فسمته ، فمات سنة خمس و خمسين ، فأخرج أهل أصبهان أصحابه و خطبوا لسليمان شاه . و عاد شملة إلى خراسان فملك كل ما كان ملك شاه تغلب عليه منها . و استقر سليمان شاه بتلك البلاد ، و شغل باللهو و السكر و منادمة الصفاعين ، و فوض الأمور إلى شرف الدين دوا داره من مشايخ السلجوقية ، كان ذا دين و عقل و حسن تربية ، فشكا الأمراء إليه فدخل عليه و عذله و هو سكران فأمر الصفاعين بالرد عليه ، و خرج مغضباً . و صحا سليمان فاستدرك أمره بالاعتذار فأظهر القبول ، و اجتنب الحضور عنده و بعث سليمان إلى ابنايخ صاحب الري يستقدمه فاعتذر بالمرض إلى أن يفيق و نمي الخبر إلى كربازه الخادم فعمل دعوة عظيمة حضرها السلطان و الأمراء و قبض عليه و على وزيره أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي و على أصحابه في شوال من سنة ست و خمسين فقتل وزيره و خواصه و حبسه أياماً . و خرج ابنايخ صاحب الري و نهب البلاد و حاصر همذان و بعث كردباز إلى إلدكز يستدعيه ليبايع لربيبه أرسلان شاه بن طغرل فسار في عشرين ألف فارس ، و دخل همذان و خطب لربيبه أرسلان شاه بن طغرل بالسلطنة و جعل إلدكز أتابكاً له ، و أخاه من أمه البهلول بن إلدكز حاجباً . و بعث إلى المقتفي في الخطبة ، و أن تعاد الأمور إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود فطرد رسوله و عاد إليه على أقبح حالة . و بعث إلى ابنايخ صاحب الري فحالفه على الاتفاق ، و صاهره في ابنته على البهلول و جاءت إليه بهمذان و كان إلدكز من مماليك السلطان مسعود ، و أقطعه أران و بعض أذربيجان و لم يحضر شيئاً من الفتنة ، و تزوج أم أرسلان شاه و زوجه طغرل فولدت له محمداً البهلوان ، و عثمان كزل أرسلان . ثم بعث إلدكز إلى آقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة في الطاعة لأرسلان شاه ربيبه ، فامتنع و هددهم بالبيعة للطفل الذي عنده محمود بن ملك شاه . و قد كان الوزير ابن هبيرة أطمعه في الخطبة لذلك الطفل فيما بينهم ، فجهز إلدكز العساكر مع ابنه البهلوان و سار إلى مراغة ، و استمد آقسنقر ساهرمز صاحب خلاط فأمده بالعساكر ، و التقى آقسنقر و البهلوان فانهزم البهلوان و عاد إلى همذان . و عاد آقسنقر إلى مراغة ظافراً . و كان ملك شاه بن محمود لما مات بأصبهان مسموماً كما ذكرنا لحق طائفة من أصحابه ببلاد فارس ، و معه ابنه محمود ، فقبض عليه صاحب فارس زنكي بن دكلا السلعري بقلعة إصطخر ، و لما بعث إلدكز إلى بغداد في الخطبة لربيبه أرسلان و شرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة في التصريف بينهم بعث ابن دكلا و أطمعه في الخطبة لمحمود بن ملك شاه الذي عنده إن ظفر بإلدكز فأطلقه ابن دكلا و بايع له ، و ضرب الطبل على بابه خمس نوب و بعث إلى ابنايخ صاحب الري فوافقه و سار إليه في عشرة آلاف ، و بعث إليه آقسنقر الأحمديلي ، و جمع إلدكز العساكر ، و سار إلى أصبهان يريد بلاد فارس ، و بعث إلى صاحبها زنكي بن دكلا في الطاعة لربيبه أرسلان فأبى ، و قال : إن المقتفي أقطعني بلاده و أنا سائر إليه . و استمد المقتفي و ابن هبيرة فواعدوه و كاتبوا الأمراء الذين مع إلدكز بالتوبيخ على طاعته و الانحراف عنه إلى زنكي بن دكلا صاحب فارس ، و ابنايخ صاحب الري ، و بدأ إلدكز بقصد ابنايخ . ثم بلغه أن زنكي بن دكلا نهب سميرم و نواحيها ، فبعث عسكراً نحواً من عشرة آلاف فارس لحفظها فلقيهم زنكي فهزمهم ، فبعث إلدكز إلى عساكر أذربيجان فجاء بها ابنه كزل إرسلان . و بعث زنكي بن دكلا العساكر إلى ابنايخ و لم يحضر بنفسه خوفاً على بلاد شملة صاحب خوزستان . ثم التقى إلدكز و ابنايخ في شعبان سنة ست و خمسين فانهزم ابنايخ و استبيح عسكره و حاصره إلدكز ثم صالحه و رجع إلى همذان .

وفاة المقتفي و خلافة المستنجد و هو أول الخلفاء المستبدين على أمرهم من بني العباس عند تراجع الدولة و ضيق نطاقها ما بين الموصل و واسط و البصرة و حلوان
ثم توفي المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر في ربيع الأول سنة خمس و خمسين لأربع و عشرين سنة و أربعة أشهر من خلافته ، و هو أول من استبد بالعراق منفرداً عن سلطان يكون معه من أول أيام الديلم ، فحكم على عسكره و أصحابه فيما بقي لمملكتهم من البلدان بعد استبداد الملوك في الأعمال و النواحي . و لما اشتد مرضه تطاول كل من أم ولده إلى ولاية ابنها . و كانت أم المستنجد تخاف عليه ، و أم أخيه علي تروم ولاية ابنها ، و اعتزمت على قتل المستنجد و استدعته لزيارة أبيه و قد جمعت جواريها و آتت كل واحدة منهن سكيناً لقتله و أمسكت هي و ابنها سيفين ، و بلغ الخبر إلى يوسف المستنجد فأحضر أستاذ دار أبيه ، و جماعة من الفراشين و أفرغ السلاح و دخل معهم الدار ، و ثار به الجواري فضرب إحداهن و أمكنها فهربوا و قبض على أخيه علي و أمه فحبسهما و قسم الجواري بين القتل و التغريق حتى إذا توفي المقتفي جلس للبيعة فبايعه أقاربه و أولهم عمه أبو طالب ، ثم الوزير عون الدين بن هبيرة و قاضي القضاة و أرباب الدولة و العلماء و خطب له . و أقر ابن هبيرة على الوزارة و أصحاب الولايات على ولايتهم ، و أزال المكوس و الضرائب ، و قرب رئيس الرؤساء ، و كان أستاذ دار فرفع منزلته عبد الواحد المقتفي ، و بعث عن الأمير ترشك سنة ست و خمسين من بلد اللحف و كان مقتطعاً بها فاستدعاه لقتال جمع من التركمان أفسدوا في نواحي البندنيجين فامتنع من المجيء و قال : يأتيني العسكر و أنا أقاتل بهم ، فبعث إليه المستنجد العساكر مع جماعة من الأمراء فقتلوه و بعثوا برأسه إلى بغداد . ثم استولى بعد ذلك على قلعة الماهكي من يد مولى سنقر الهمذاني ولاه عليها سنقر و ضعف عن مقاومة التركمان و الأكراد حولها فاستنز له المستنجد عنها بخمسة عشر ألف دينار ، و أقام ببغداد . و كانت هذه القلعة أيام المقتدر بأيدي التركمان و الأكراد .

فنتة خفاجة
اجتمعت خفاجة سنة ستة و خمسين إلى الحلة و الكوفة ، و طالبوا برسومهم من الطعام و التمر ، و كان مقطع الكوفة أرغش و شحنة الحلة قيصر ، و هما من مماليك المستنجد فمنعوهما ، فعاثوا في تلك البلاد و النواحي فخرجوا إليهم في أثرهم ، و اتبعوهم إلى الرحبة ، فطلبوا الصلح فلم يجبهم أرغش و لا قيصر ، فقاتلوهم فانهزمت العساكر . و قتل قيصر و خرج أرغش و دخل الرحبة ، فاستأمن له شحنتها و بعثوه إلى بغداد . و مات أكثر الناس عطشاً في البرية و تجهز عون الدين بن هبيرة في العساكر لطلب خفاجة فدخلوا البرية و رجع ، و انتهت خفاجة إلى البصرة و بعثوا بالعدو و سألوا الصلح فأجيبوا .

إجلاء بني أسد من العراق
كان في نفس المستنجد بالله من بني أسد أهل الحلة لفسادهم و مساعدتهم السلطان محمد في الحصار ، فأمر يزدن بن قماج بإجلائهم من البلاد ، و كانوا منبسطين في البطائح ، فجمع العساكر و أرسل إلى ابن معروف فقدم السفن ، و هو بأرض البصرة . فجاءه في جموع و حاصرهم و طاولهم ، فبعث المستنجد يعاتبه و يتهمه بالتشيع ، فجهز هو و ابن معروف في قتالهم ، و سد مسالكهم في الماء فاستسلموا ، و قتل منهم أربعة آلاف و نودي عليهم بالملا من الحلة فتفرقوا في البلاد ، و لم يبق بالعراق منهم أحد و سلمت بطائحهم و بلادهم إلى ابن معروف .

الفتنة بواسط و ما جرت إليه
كان مقطع البصرة منكبرس من موالي المستنجد ، و قتله سنة تسع و خمسين ، و و ولى مكانه كمستكين ، و كان ابن سنكاه ابن أخي شملة صاحب خوزستان ، فانتهز الفرصة من البصرة و نهب قراها ، و أمر كمستكين بقتاله فعجز عن إقامة العسكر و أصعد ابن سنكاه إلى واسط و نهب سوادها و كان مقتطعها خلطوا برس فجمع الجموع و خرج لقتاله ، و استمال ابن سنكاه الأمراء الذين معه فخذلوه ، و انهزم و قتله ابن سنكاه سنة إحدى و ستين ثم قصد البصرة سنة اثنتين و ستين و نهب جهتها الشرقية و خرج إليه كمستكين و واقعه ، و سار ابن سنكاه إلى واسط و خافه الناس و لم يصل إليها .

مسير شملة إلى العراق
سار شملة صاحب خوزستان إلى العراق سنة اثنتين و ستين و انتهى إلى قلعة الماهكي و طلب من المستنجد إقطاع البلاد ، و اشتط في الطلب فبعث المستنجد العساكر لمنعه ، و كتب إليه يحذره عاقبة الخلاف فاعتذر بأن إلدكز و ربيبه السلطان أرسلان شاه أقطعا الملك الذي عنده ، و هو ابن ملك شاه بلاده البصرة و واسط و الحلة ، و عرض التوقيع بذلك ، و قال أنا أقنع بالثلث منه فأمر المستنجد حينئذ بلعنه ، و أنه من الخوارج ، و تعبت العساكر إلى أرغمش المسترشدي بالنعمانية و إلى شرف الدين أبي جعفر البلدي ناظر واسط ليجتمعا على قتال شملة ، و كان شملة أرسل مليح ابن أخيه في عسكر لقتال بعض الأكراد فركب إليه أرغمش و أسره و بعض أصحابه ، و بعث إلى بغداد ، و طلب شملة الصلح فلم يجب إليه . ثم مات أرعمش من سقطة سقطها عن فرسه و بقي العسكر مقيماً و رجع شملة إلى بلاده لأربعة أشهر من سفره .

وفاة الوزير يحيى
ثم توفي الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن المظفر بن هبيرة سنة ستين و خمسمائة في جمادى الأولى ، و قبض المستنجد على أولاده و أهله و أقامت الوزارة بالنيابة . ثم استوزر المستنجد سنة ثلاث و ستين شرف الدين ، أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي ناظر واسط و كان عضد الدين أبو الفرج بن دبيس قد تحكم في الدولة فأمره المستنجد بكف يده و أيدي أصحابه ، و طالب الوزير أخاه تاج الدين بحساب عمله بنهر الملك من أيام المقتفي ، و كذلك فعل بغيره ، فخافه العمال و أهل الدولة و حصل بذلك أموالاً جمة .

وفاة المستنجد و خلافة المستضيء
كان الخليفة المستنجد قد غلب على دولته أستاذ دار عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء ، و كان أكبر الأمراء ببغداد ، و كان يرادفه قطب الدين قايماز المظفري و لما ولى المستنجد أبا جعفر البلدي على وزارته غض من أستاذ دار و عارضه في أحكامه فاستحكمت بينهما العداوة ، و تنكر المستنجد لأستاذ دار و صاحبه قطب الدين ، فكانا يتهمان بأن ذلك بسعاية الوزير . و مرض المستنجد سنة ست و ستين و خمسمائة و اشتد مرضه فتحيلا في إهلاكه ، يقال إنهما واضعا عليه الطبيب ، و علم أن هلاكه في الحمام فأشار عليه بدخول فدخله ، و أغلقوا عليه باب فمات . و قيل كتب المستنجد إلى الوزير ابن البلدي بالقبض على أستاذ دار و قايماز و قتلهما ، و أطلعهما الوزير على كتابه فاستدعيا يزدن و أخاه يتماش و فاوضاهما و عرضا عليهما كتابه ، و اتفقوا على قتله فحملوه إلى الحمام و أغلقوا عليه الباب و هو يصيح إلى أن مات تاسع ربيع من سنة ست و ستين لإحدى عشرة سنة من خلافته . و لما أرجف بموته قبل أن يقبض ركب الأمراء و الأجناد متسلحين ، و غشيتهم العامة و احتفت بهم ، و بعث إليه أستاذ دار بأنه إنما كان غشياً عرضاً ، و قد أفاق أمير المؤمنين و خف ما به ، فخشي الوزير من دخول الجند إلى دار الخلافة ، فعاد إلى داره و افترق الناس . فعند ذلك أغلق أستاذ دار و قايماز أبواب الدار و أحضرا ابن المستنجد أبا محمد الحسن و بايعاه بالخلافة و لقباه المستضيء بأمر الله ، و شرطا عليه أن يكون عضد الدين وزيراً و ابنه كمال الدين أستاذ دار و قطب الدين قايماز أمير العسكر ، فأجابهم إلى ذلك ، و بايعه أهل بيته البيعة الخاصة . ثم توفي المستنجد و بايعه الناس من الغد في التاج البيعة العامة و أظهر العدل و بذل الأموال و سقط في يد الوزير و ندم على ما فرط ، و استدعي للبيعة ، فلما دخل قتلوه و قبض المستضيء على القاضي ابن مزاحم و كان ظلوماً جائراً و استصفاه و رد الظلامات منه على أربابها ، و ولى أبا بكر بن نصر بن العطار صاحب المخزن و لقبه ظهير الدين .

انقراض الدولة العلوية بمصر و عود الدعوة العباسية إليها
و لأول خلافة المستضيء كان انقراض الدولة العلوية بمصر ، و الخطبة بها للمستضيء من بني العباس في شهر المحرم فاتح سنة سبع و ستين و خمسمائة قبل عاشوراء ، و كان آخر الخلفاء العبيديين بها العاضد لدين الله من أعقاب الحافظ لدين الله عبد المجيد ، و خافوا المستضيء معه ثامن خلفائهم ، و كان مغلباً لوزارته . و استولى شاور منهم و ثقلت وطأته عليهم فاستقدم ابن شوار من أهل الدولة من الإسكندرية . و فر شاور إلى الشام مستنجداً بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من أقسنقر ، و كان من مماليك السلجوقية و أمرائهم المقيمين للدعوة العباسية . و كان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب بن الكردي هو و أبوه نجم الدين أيوب و عمه أسد الدين شيركوه في جماعة من الأكراد في خدمة نور الدين محمود بالشام ، فلما جاء شاور مستنجداً بعث معه هؤلاء الأمراء الأيوبية و كبيرهم أسد فأعاده إلى وزارته ، و قتل الضرغام ، و لم يوف له شاور بما ضمن له عند مسيره من الشام في نجدته . و كان الفرنج قد ملكوا سواحل مصر و الشام و زاحموا ما يليها من الأعمال ، و ضيقوا على مصر والقاهرة إلى أن ملكوا بلبيس و أيلة عند العقبة . و استولوا على الدولة العلوية في
الضرائب و الطلبات و أصبحوا مأوى لمن ينحني عن الدولة . و داخلهم شاور في مثل ذلك فارتاب به العاضد و بعث عز الدين مستصرخاً به على الفرنج في ظاهر أمره ، و يسرحون في ارتعاء من إبادة شاور و التمكن منه فوصل لذلك ، و ولاه العاضد وزارته و قلده ما وراء بابه ، فقتل الوزير شاور و حسم داءه و كان مهلكه قريباً من وزارته يقال لسنة و يقال لخمسين يوماً فاستوزر العاضد مكانه صلاح الدين ابن أخيه نجم الدين فقام بالأمر و أخذ في إصلاح الأحوال و هو يعد نفسه و عمه من قبله نائباً عن نور الدين محمود بن زنكي الذي بعثه و عمه للقيام بذلك . و لما ثبت قدمه بمصر و أزال المخالفين ضعف أمر العاضد و تحكم صلاح الدين في أموره و أقام خادمه قراقوش للولاية عليه في قصره و التحكم عليه ، فبعث إليه نور الدين محمود الملك العادل بالشام أن يقطع الخطبة للعاضد و يخطب للمتستضيء ففعل ذلك على توقع النكير من أهل مصر . فلما وقع ذلك ظهر منه الاغتباط و انمحت آثار الدولة العلوية ، و تمكنت الدولة العباسية فكان ذلك مبدأ الدولة لبني أيوب بمصر ثم ملكوا من بعدها أعمال نور الدين بالشام و استضافوا اليمن و طرابلس الغرب و اتسع ملكهم كما يذكر في أخبارهم . و لما خطب للمستضيء بمصر كتب له نور الدين محمود من دمشق مبشراً بذلك فضربت البشائر ببغداد ، و بعث بالخلع إلى نور الدين و صلاح الدين مع عماد الدين صندل من خواص المقتفوية ، و هو أستاذ دار المستضيء فجاء إلى نور الدين بدمشق ، و بعث الخلع إلى صلاح الدين و للخطباء بمصر و بإسلام السواد . و استقرت الدعوة العباسية بمصر إلى هذا العهد و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين . ثم بعث نور الدين محمود إلى المستضيء رسوله القاضي كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله الشهرزوري قاضي بلاده يطلب التقليد لما بيده من الأعمال ، و هي مصر و الشام و الجزيرة و الموصل ، و بما هو في طاعته كديار بكر و خلاط و بلاد الروم التي لقليج أرسلان و أن يقطع صريعين و درب هارون من بلاد سواد العراق كما كانتا لأبيه ، فأكرمه الرسول و زاد في الإحسان إليه و كتب له بذلك .

خبر يزدن من أمراء المستضيء
كان يزدن قد ولاه المستضيء فكانت في أعماله ، و كانت حمايتها لخفاجة و بني حزن منهم فجعلها يزدن لبني كعب منهم ، و أمرهم الغضبان فغضب بنو حزن و أغاروا عليهم على السواد ، و خرج يزدن في العسكر لقتالهم ، و معه الغضبان و عشيرة بنو كعب فبينما هم ليلة يسيرون رمي الغضبان بسهم فمات ، فعادت العساكر إلى بغداد ، و أعيدت حفاظة السواد إلى بني حزن . ثم مات يزدن سنة ثمان و ستين ، و كانت واسط من أقطاعه فاقتطعت لأخيه إيتامش و لقب علاء الدين .

مقتل سنكاه بن أحمد أخي شملة
قد ذكرنا في دولة المستنجد فتنة سنكاه هذا و عمه شملة صاحب خوزستان . ثم جاء ابن سنكاه إلى قلعة الماهكي فبنى بإزائها قلعة ليتمكن بها من تلك الأعمال ، فبعث المستضيء العسكر من بغداد لمنعه فقاتلهم و اشتد قتاله . ثم انهزم و قتل و علق رأسه ببغداد و هدمت القلعة .

وفاة قايماز و هربه
قد ذكرنا شأن قطب الدين قايماز و أنه الذي بايع للمستضيء و جعله أمير العسكر و جعله عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء وزيراً . ثم استفحل أمر قايماز و غلب على الدولة و حمل المستضيء على عزل عضد الدين أبي الفرج من الوزارة ، فلم يمكنه مخالفته ، و عزله سنة سبع و ستين فأقام معزولاً . و أراد الخليفة سنة تسع و تسعين أن يعيده إلى الوزارة فمنعه قطب الدين من ذلك ، و ركب فأغلق المستضيء أبواب داره مما يلي بغداد ، و بعث إلى قايماز و لاطفه بالرجوع فيما هم به من وزارة عضد الدين فقال : لا بد من إخراجه من بغداد ! فاستجار برباط شيخ الشيوخ صدر الدين عبد الرحيم بن إسمعيل فأجاره ، و استطال قايماز على الدولة و أصهر على علاء الدين يتامش في أخته فزوجها منه و حملوا الدولة جميعاً . ثم سخط قايماز ظهير الدين ابن العطار صاحب المخزن و كان خاصاً بالخليفة ، و طلبه فهرب فأحرق داره ، و جمع الأمراء فاستحلفهم على المظاهرة و أن يقصدوا دار المستضيء ليخرجوا منها ابن العطار ، فقصد المستضيء على سطح داره و خدامه يستغيثون ، و نادى ليخرجوا منها ابن العطار ، فقصد المستضيء على سطح داره و خدامه يستغيثون ، و نادى في العامة بطلب قايماز و نهب داره فهرب من ظهر بيته ، و نهبت داره و أخذ منها ما لا يحصى من الأموال و اقتتل العام على و لحق قايماز بالحلة و تبعه الأمراء ، و بعث إليه المستضيء شيخ الشيوخ عبد الرحيم ليسير عن الحلة إلى الموصل تخوفاً من عوده إلى بغداد فيعود استيلاؤه لمحبة العامة فيه ، و طاعتهم له ، فسار إلى الموصل و أصابه و من معه في الطريق عطش فهلك الكثير منهم ، و ذلك في ذي الحجة و من سنة سبعين . و أقام صهره علاء الدين يتامش بالموصل . ثم استأذن الخليفة في القدوم إلى بغداد فقدم و أقام بها عاطلاً بغير إقطاع ، و هو الذي حمل قايماز على ما كان منه ، و ولى الخليفة أستاذ داره سنجر المقتفوي ، ثم عزله سنة إحدى و سبعين و ولى مكانه أبا الفضل هبة الله بن علي ابن الصاحب .

فتنة صاحب خوزستان
قد ذكرنا أن ملك شاه بن محمود ابن السلطان محمد إستقر بخوزستان و ذكرنا فتنة شملة مع الخلفاء . ثم مات شملة سنة سبعين و ملك ابنه مكانه . ثم مات ملك شاه ابن محمود و بقي ابنه بخوزستان فجاء سنة اثنتين و سبعين إلى العراق ، و خرج إلى البندنجين ، و عاث في الناس و خرج الوزير عضد الدين أبو الفرج في العساكر و وصل عسكر الحلة و واسط مع طاش تكين أمير الحاج و غز علي ، و ساروا للقاء العدو و كان معه جموع من التركمان فأجفلوا و نهبتهم عساكر بغداد . ثم ردهم الملك ابن ملك شاه و أوقعوا بالعسكر أياماً ثم مضى الملك إلى مكانه و عادت العساكر إلى بغداد .

مقتل الوزير
قد ذكرنا أخبار الوزير عضد الدين أبي الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة ، كان أبوه أستاذ دار المقتفي . و لما مات ولي ابنه مكانه . و لما مات المقتفي أقره المستنجد و رفع قدره ، ثم استوزره المستضيء و كان بينه و بين قايماز ما قدمناه ، و أعاده المستضيء للوزارة فلما كانت سنة ثلاث و سبعين إستأذن المستضيء في الحج فأذن له و عبر دجلة فسافر في موكب عظيم من أرباب المناصب ، و اعترضه متظلم ينادي بظلامته ، ثم طعنه فسقط و جاء ابن المعوز صاحب الباب ليكشف خبره فطعن الآخر و حملا إلى بيتهما فماتا . و ولي الوزير ظهير الدين أبو منصور بن نصر و يعرف بابن العطار فاستولى على الدولة و تحكم فيها .

وفاة المستضيء و خلافة الناصر
ثم توفي المستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد في ذي القعدة سنة خمس و سبعين لتسع سنين و نصف من خلافته ، و قام ظهير الدين العطار في البيعة لابنه أبي العباس أحمد و لقبه الناصر لدين الله فقام بخلافته ، و قبض على ظهير الدين بن العطار و حبسه و استصفاه . ثم أخرجه من عشر ذي القعدة من محبسه ميتاً و فطن به العامة . فتناوله العامة و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:56 pm

بعثوا به ، و تحكم في الدولة أستاذ دار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب ، و كان تولى أخذ البيعة للناصر مع ابن العطار ، و بعث الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة . و سار صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان صاحب همذان و أصبهان و الري فامتنع من البيعة فأغلظ له صدر الدين في القول . و حرض أصحابه على نقض طاعته إن لم يبايع ! فاضطر إلى البيعة و الخطبة . ثم قبض سنة ثلاث و ثمانين على أستاذ دار أبي الفضل ابن الصاحب و قتله من أجل تحكمه ، و أخذ له أموالاً عظيمة . و كان الساعي فيه عند الناصر عبيد الله بن يونس من أصحابه و صنائعه ، فلم يزل يسعى فيه عبد الناصر حتى أمر بقتله ، و استوزر ابن يونس هذا و لقبه جلال الدين و كنيته أبو المظفر و مشى أرباب الدولة في خدمته حتى قاضي القضاة .

هدم دار السلطنة ببغداد و انقراض ملوك السلجوقية
قد ذكرنا فيما تقدم ملك أرسلان شاه بن طغرل ربيب إلدكز ، و استيلاء إلدكز عليه و حروبه مع ابنايخ صاحب الري . ثم قتله سنة أربع و ستين و استولى على الري . ثم توفي إلدكز الأتابك بهمذان سنة ثمان و ستين ، و قام مكانه ابنه محمد البهلوان ، و بقي أخوه السلطان أرسلان بن طغرل في كفالته . ثم مات سنة ثلاث و ستين و نصب البهلوان مكانه ابنه طغرل . ثم توفي البهلوان سنة اثنتين و ثمانين و في مملكته همذان و الري و أصبهان و أذربيجان و أرانيه و غيرها ، و في كفالته السلطان طغرل بن أرسلان . و لما مات البهلوان قام مكانه أخوه كزل أرسلان و يسمى عثمان ، فاستبد طغرل و خرج عن الكفالة و لحق به جماعة من الأمراء و الجند ، و استولى على بعض البلاد و وقعت بينه و بين كزل حروب . ثم قوي أمر طغرل و كثر جمعه و بعث كزل إلى الناصر يحذره من طغرل و يستنجده و يبذل الطاعة على ما يختاره المستضيء رسوله ، فأمر بعمارة دار السلطنة ليسكنها . و كانت ولايتهم ببغداد و العراق قد انقطعت منذ أيام المقتفي فأكرم رسول كزل و وعده بالنجدة ، و انصرف رسول طغرل بغير حراب و أمر الناصر بهدم دار السلطنة ببغداد فمحى أثرها . ثم بعث الناصر وزيره جلال الدين أبا المظفر عبيد الله بن يونس في العساكر لإنجاد كزل و مدافعة طغرل عن البلاد ، فسار لذلك في صفر لسنة أربع و ثمانين ، و اعترضهم طغرل على همذان قبل اجتماعهم بكزل ، و اقتتلوا ثامن ربيع ، و انهزمت عساكر بغداد و أسروا الوزير . ثم استولى كزل على طغرل و حبسه ببعض القلاع ، و دانت له البلاد و خطب لنفسه بالسلطنة و ضرب النوب الخمس . ثم قتل على فراشه سنة سبع و ثمانين و لم يعلم قاتله .

استيلاء الناصر على النواحي
توفي الأمير عيسى صاحب تكريت سنة خمس و ثمانين قتله إخوته ، فبعث الناصر العساكر فحصروها حتى فتحوها على الأمان و جاؤا بإخوة عيسى إلى بغداد فسكنوها و أقطع لهم السلطان . ثم بعث سنة خمس و ثمانين عساكره إلى مدينة غانة فحاصروها مدة و قاتلوها طويلاً ثم جهدهم الحصار فنزلوا عنها على الأمان و إقطاع عيونها و وفى لهم الناصر بذلك .

نهب العرب البصرة
كانت البصرة في ولاية طغرل مملوك الناصر ، كان مقطعها و استناب بها محمد بن إسمعيل ، و اجتمع بنو عامر بن صعصعة سنة ثمان و ثمانين ، و أميرهم عميرة و قصدوا البصرة للنهب و العيث . و خرج إليهم محمد بن إسمعيل في صفر فقاتلهم سائر يومه . ثم ثلموا في الليل ثلماً في السور و دخلوا البلد و عاثوا فيها قتلا و نهباً . ثم بلغ بني عامر أن خفاجة و المشفق ساروا لقتالهم ، فرحلوا إليهم و قاتلوهم فهزموهم ، و غنموا أموالهم و عادوا إلى البصرة ، و قد جمع الأمير أهل السواد فلم يقوموا للعرب و انهزموا ، و دخل العرب البصرة فنهبوها و رحلوا عنها .

استيلاء الناصر على خوزستان ثم أصبهان و الري و همذان
كان الناصر قد استناب في الوزاة بعد أسر ابن يونس مؤيد الدين أبا عبد الله محمد بن علي المعروف بابن القصاب ، و كان قد ولي الأعمال في خوزستان و غيرها ، و له فيها الأصحاب . و لما توفي صاحبها شملة و اختلف أولاده راسله بعضهم في ذلك ، فطلب من الناصر أن يرسل معه العساكر ليملكها فأجابه و خرج في العساكر سنة إحدى و تسعين ، و حارب أهل خوزستان فملك أولا مدينة تستر ثم ملك سائر الحصون و القلاع و أخذ بني شملة ملوكها فبعث بهم إلى بغداد ، و ولى الناصر على خوزستان طاش تكين مجير الدين أمير الحاج . ثم سار الوزير إلى جهات الري سنة إحدى و تسعين ، و جاءه قطلغ ابنايخ بن البهلوان و قد غلبه خوارزم شاه و هزمه عند زنجان ، و ملك الري من يده . و جاء قطلغ إلى الوزير مؤيد و رحل معه إلى همذان و بها ابن خوارزم شاه في العساكر فأجفل عنها إلى الري ، و ملك الوزير همذان و رحل في اتباعهم و ملك كل بلد مروا بها إلى الري ، و أجفل عسكر خوارزم إلى دامغان و بسطام و جرجان . و رجع الوزير إلى الري فأقام بها . ثم انتقض قطلغ بن البهلوان و طمع في الملك فامتنع بالري و حاصره الوزير فخرج عنها إلى مدينة آوه فمنعهم الوزير منها و رحل الوزير في أثرهم من الري إلى همذان ، و بلغه أن قطلغ قصد مدينة الكرج فسار إليه و قاتله و هزمه ، و رجع إلى همذان فجاءه رسول خوارزم شاه محمد تكش بالنكير على الوزير في أخذ البلاد ، و يطلب إعادتها فلم يجبه الوزير إلى ذلك ، فسار خوارزم شاه إلى همذان و قد توفي الوزير ابن القصاب خلال ذلك في شعبان سنة اثنتين و تسعين ، فقاتل العساكر التي كانت معه بهمذان و هزمهم ، و ملك همذان و ترك ولده بأصبهان ، و كانوا يبغضون الخوارزمية فبعث صدر الدين الخجندي رئيس الشافعية إلى الديوان ببغداد يستدعي العساكر لملكها ، فجهز الناصر العساكر مع سيف الدين طغرل يقطع بلد اللحف من العراق ، و سار فوصل أصبهان ، و نزل ظاهر البلد و فارقها عسكر الخوارزمية فملكها طغرل و أقام فيها الناصر و كان من مماليك البهلوان . و لما رجع خوارزم شاه إلى خراسان ، و اجتمعوا و استولوا على الري و قدموا عليهم كركجه من أعيانهم ، و ساروا إلى أصبهان فوجدوا بها عسكر الناصر و قد فارقها عسكر الخوارزمية فملكوا أصبهان ، و بعث كركجه إلى بغداد بالطاعة ، و أن يكون له الري و ساوة و قم و قاشان . و يكون للناصر أصبهان و همذان و زنجان و قزوين فكتب له بما طلب و قوي أمره . ثم وصل إلى بغداد أبو الهيجاء السمين من أكابر أمراء بني أيوب و كان في إقطاعه بيت المقدس و أعماله ، فلما ملك العزيز و العادل مدينة دمشق من الأفضل بن صلاح الدين عزلوا أبا الهيجاء عن القدس ، فسار إلى بغداد فأكرمه الناصر و بعثه بالعساكر إلى همذان سنة ثلاث و تسعين فلقي بها أزبك بن البهلوان و أمير علم و ابنه قطلمش ، و قد كاتبوا الناصر بالطاعة فداخل أمير علم و قبض على أزبك و ابن قطلمش بموافقته ، و أنكر الناصر ذلك على أبي الهيجاء و أمره بإطلاقهم . و بعث إليهم بالخلع فلم يأمنوا ، و فارقوا أبا الهيجاء فخشي من الناصر و دخل إلى إربل لأنه كان من أكرادها ، و مات قبل وصوله إليها . و أقام كركجه ببلاد الجبل و اصطنع رفيقه إيدغمش ، و استخلصه و وثق به فاصطنع إيدغمش المماليك و انتقض عليه آخر المائة السادسة ، و حاربه فقتله و استولى على البلاد و نصب أزبك بن البهلوان للملك و كفله . ثم توفي طاش تكين أمير خوزستان سنة اثنتين و ستمائة و ولى الناصر مكانه صهره سنجر و هو من مواليه ، و سار سنجر سنة ثلاث و ستمائة إلى جبال تركستان جبال منيعة بين فارس و عمان و أصبهان و خوزستان و كان صاحب هذه الجبال يعرف بأبي طاهر و كان للناصر مولى اسمه قشتمر من أكابر مواليه ساءه وزير الدولة ببعض الأحوال فلحق بأبي طاهر صاحب تركستان فأكرمه و زوجه بابنته . ثم مات أبو طاهر فأطاع أهل تلك الولاية قشتمر و ملك عليهم ، و بعث الناصر إلى سنجر صاحب خوزستان يعضده في العساكر فسار إليه و بذل له الطاعة على البعد . فلم يقبل منه فلقيه و قاتله فانهزم سنجر ، و قوي قشتمر على أمره و أرسل إلى ابن دكلا صاحب فارس ، و إلى إيدغمش صاحب الجبل فاتفق معهما على الامتناع على الناصر و استمر حاله .

عزل الوزير نصير الدين
كان نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي من أهل الري من بيت إمارة ، و قدم إلى بغداد عندما ملك الوزير ابن القصاب الري فأقبل عليه الخليفة ، و جعله نائب الوزارة . ثم استوزره و جعل ابنه صاحب المخزن فتحكم في الدولة ، و أساء إلى أكابر موالي الناصر ، فلما حج مظفر الدين سنقر المعروف بوجه السبع سنة ثلاث و ستمائة و كان أميراً ففارق الحاج و مضى إلى الشام ، و بعث إلى الناصر أن الوزير ينفي عليك مواليك و يريد أن يدعي الخلافة فعزله الناصر و ألزمه بيته . و بعث من كل شيء ملكه ، و يطلب الإقامة بالمشهد فأجابه الناصر بالأمان و الاتفاق ، و إن المعزلة لم تكن لذنب و إنما أكثر الأعداء المقالات فوقع ذلك . و احتز لنفسه موضعاً ينتقل إليه موقراً محترماً فاختار أيالة الناصر ، خوفاً أن يذهب الأعداء بنفسه . و لما عزل عاد سنقر أمير الحاج ، و عاد أيضاً قشتمر ، و أقيم نائباً في الوزارة فخر الدين أبو البدر محمد بن أحمد بن اسمينا الواسطي ، و لم يكن له ذلك التحكم ، و قارن ذلك وفاة صاحب المخزن ببغداد أبو فراس نصر بن ناصر بن مكي المدائني فولى مكانه أبو الفتوح المبارك بن عضد الدين أبي الفرج ابن رئيس الرؤساء ، و أعلى محله ، و ذلك في المحرم سنة خمس و ستمائة . ثم عزل آخر السنة لعجزه ، ثم عزل في ربيع من سنة ست و ستمائة فخر الدين بن اسمينا ، و نقل إلى المخزن و ولى نيابة الوزارة مكانه مكين الدين محمد ابن محمد بن محمد بن بدر القمر كاتب الإنشاء و لقب مؤيد الدين .

انتقاض سنجر بخوزستان
قد ذكرنا ولاية سنجر مولى الناصر على خوزستان بعد طاش تكين أمير الحاج ثم استوحش سنة ست و ستمائة و استقدمه الناصر فاعتذر فبعث إليه العساكر مع مؤيد الدين نائب الوزارة ، و عز الدين بن نجاح الشرابي من خواص الخليفة . فلما قاربته العساكر لحق بصاحب فارس أتابك سعد بن دكلا فأكرمه و منعه ، و وصلت عساكر الخليفة خوزستان في ربيع من سنته و بعثوا إلى سنجر في الرجوع إلى الطاعة فأبى و ساروا إلى أرجان لقصد ابن دكلا بشيراز ، و الرسل تتردد بينهم . ثم رحلوا في شوال يريدون شيراز فبعث ابن دكلا إلى الوزير و الشرابي بالشفاعة في سنجر و اقتضاء الأمان له فأجابوه إلى ذلك ، و أعادوا سنجر إلى بغداد في المحرم سنة ثمان و ستمائة ، و دخلوا به مقيداً . و ولى الناصر مولاه ياقوتاً أمير الحاج على خوزستان . ثم أطلق الناصر سنجر في صفر من سنة ثمان و ستمائة و خلع عليه .

استيلاء منكلى على بلاد الجبل و أصبهان و هرب ايدغمش ثم مقتله و مقتل منكلى و ولاية اغلمش
قد ذكرنا استيلاء ايدغمش من أمراء البهلوانية على بلاد الجبل همذان و أصبهان و الري و ما إليها فاستفحل فيها و عظم شأنه و تخطى إلى أذربيجان و أرانيه فحاصر صاحبها أزبك بن البهلوان . ثم خرج سنة ثمان و ستمائة منكلى من البهلوانية ، و نازعه الملك و أطاعه البهلوانية ، فاستولى على سائر تلك الأعمال و هرب شمس الدين ايدغمش إلى بغداد ، و أمر الناصر بتلقيه ، فكان يوماً مشهوداً و خشي منكلى من اتصاله فأوفد ابنه محمداً في جماعة من العسكر ، و تلقاه الناس على طبقاتهم و قد كان الناصر شرع في إمداد ايدغمش ، فأمده و سار إلى همذان في جمادى من سنة عشر ، و وصل إلى بلاد ابن برجم من التركمان الأيوبية ، و كان الناصر عزله عن إمارة قومه و ولى أخاه الأصغر ، فبعث إلى منكلى بخبر ايدغمش ، فبعث العساكر بطلبه فقتلوه و افترق جمعه ، و بعث الناصر إلى أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان و أرانية يغريه به و كان مستوحشاً منه و أرسل أيضاً إلى جلال الدين صاحب قلعة الموت و غيرها من قلاع الإسماعيلية من بلاد العجم بمعاضدة أزبك على أن يقتسموا بلاد الجبل . و جمع الخليفة العساكر من الموصل و الجزيرة و بغداد و قدم على عسكر بغداد مملوكه مظفر الدين وجه السبع و استقدم مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك و هو على إربل و شهرزور و أعمالها ، و جعله مقدم العساكر جميعاً و ساروا إلى همذان فهرب منكلى إلى جبل قريب الكرج و أقاموا عليه يحاصرونه و نزل منكلي في بعض الأيام فقاتل أزبك و هزمه إلى مخيمه . ثم جاء من الغد و قد طمع فيهم فاشتدوا في قتاله و هزموه فهرب عن البلاد أجمع ، و افترقت عساكره و استولت العساكر على البلاد ، و أخذ جلال الدين ملك الإسماعيلية منها ما عينته القسمة و ولى أزبك بن البهلوان على بقية البلاد أغلمش مملوك أخيه و عادت العساكر إلى بلادها و مضى منكلى منهزماً إلى مدينة ساوة فقبض عليه الشحنة بها و قتله و بعث أزبك برأسه إلى بغداد و ذلك في جمادى سنة اثنتي عشرة .

ولاية حافد الناصر على خوزستان
كان للناصر ولد صغير اسمه علي و كنيته أبو الحسن قد رشحه لولاية العهد و عزل عنها ابنه الأكبر ، و كان هذا أحب ولده إليه فمات في ذي القعدة سنة عشر فتفجع له و حزن عليه حزناً لم يسمع بمثله . و شمل الأسف عليه الخاص و العام . و كان ترك ولدين لقبهما المؤيد و الموفق فبعثهما الناصر إلى تستر من خوزستان بالعساكر في المحرم سنة ثلاث عشرة و بعث معهما مؤيد الدين نائب الوزارة ، و عزل مؤيد الدين الشرابي فأقاما بها أياماً . ثم أعاد الموفق مع الوزير و الشرابي إلى بغداد في شهر ربيع و أقام المؤيد بتستر .

استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل و طلب الخطبة له ببغداد
كان أغلمش قد استولى على بلاد الجبل كما ذكرناه و استفحل أمره و قوي ملكه فيها . ثم قتله الباطنية سنة أربع عشرة و ستمائة . و كان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه وارث ملك السلجوقية قد استولى على خراسان و ما وراء النهر فطمع في إضافة هذه البلاد إليه فسار في عساكره و اعترضه صاحب بلاد فارس أتابك سعد بن دكلا على أصبهان و قد ساقه من الطمع في البلاد مثل الذي ساقه فقاتله و هزمه خوارزم و أخذه أسيراً . ثم سار إلى ساوة فملكها ثم قزوين و زنجان و أبهر ، ثم همذان ثم أصبهان و قم و قاشان . و خطب له صاحب أذربيجان و أرانية و كان يبعث في الخطبة إلى بغداد و لايجاب ، فاعتزم الآن على المسير إليها و قدم أميراً في خمسة عشر ألف فارس و أقطعه حلوان فنزلها . ثم أتبعه بأمير آخر ، فلما سار عن همذان سقط عليهم الثلج و كادوا يهلكون ، و تخطف بقيتهم بنو برجم من التركمان و بنو عكا من الأكراد . و اعتزم خوارزم شاه على الرجوع إلى خراسان ، و ولى على همذان طابسين و جعل إمارة البلاد كلها لابنه ركن الدين و أنزل معه عماد الملك المساوي متولياً أمور دولته ، و عاد إلى خراسان سنة خمس عشرة و أزال الخطبة للناصر من جميع أعماله .

إجلاء بني معروف عن البطائح
كان بنو معروف هؤلاء من ربيعة و مقدمهم معلى ، و كانت رحالهم غربي الفرات قرب البطائح ، فكثر عيثهم و إفسادهم السابلة ، و ارتفعت شكوى أهل البلاد إلى الديوان منهم ، فرسم للشريف سعد متولي واسط و أعمالها أن يسير إلى قتالهم و إجلائهم ، فجمع العساكر من تكريت و هيت و الحديثة و الأنبار و الحلة و الكوفة و واسط و البصرة فهزمهم و استباحهم ، و تقسموا بين القتل و الأسر و الغرق ، و حملت الرؤوس إلى بغداد في ذي القعدة سنة عشر .

ظهور التتر
ظهرت هذه الأمة من أجناس الترك سنة ست عشرة و ستمائة و كانت جبال طمغاج من أرض الصين بينها و بين بلاد تركستان ما يزيد على ستة أشهر و كان ملكهم يسمى جنكزخان ، من قبيلة يعرفون نوحى فسار إلى بلاد تركستان و ما وراء النهر و ملكها من أيدي الخطا ، ثم حارب خوارزم شاه إلى أن غلبه على ما في يده من خراسان و بلاد الجبل ، ثم تخطى أرانيه فملكها . ثم ساروا إلى بلاد شروان و بلد اللان و اللكز فاستولوا على الأمم المختلفة بتلك الأصقاع . ثم ملكوا بلاد قفجاق و سارت طائفة أخرى إلى غزنة و ما يجاورها من بلاد الهند و سجستان و كرمان فملكوا ذلك كله في سنة أو نحوها ، و فعلوا من العيث و القتل و النهب ما لم يسمع بمثله في غابر الأزمان . و هزموا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش فلحق بجزيرة في بحر طبرستان فامتنع بها إلى أن مات سنة سبع عشر و ستمائة لإحدى إحدى و عشرين سنة من ملكه . ثم هزموا ابنه جلال الدين بغزنة و اتبعه جنكزخان إلى نهر السند فعبر إلى بلاد الهند ، و خلص منهم و أقام هنالك مدة ثم رجع سنة اثنتين و عشرين إلى خوزستان و العراق . ثم ملك أذربيجان و أرمينية إلى أن قتله المظفر حسبما نذكر ذلك كله مقسماً بين دولتهم و دولة بني خوارزم شاه أو مكرراً فيهما . فهناك تفصيل هذا المحل من أخبارهم و الله الموفق بمنه و كرمه .

وفاة الناصر و خلافة الظاهر ابنه
ثم توفي أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء في آخر شهر رمضان سنة اثنتين و عشرين سنة و ستمائة لسبع و أربعين سنة من خلافته بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره و ذهبت إحدى عينيه و ضعف بصر الأخرى . و كانت حاله مختلفة في الجد و اللعب و كان متفنناً في العلوم و له تآليف في فنون منها متعددة ، و يقال إنه الذي أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينه و بين خوارزم شاه من الفتنة ، و كان مع ذلك كثيراً ما يشتغل برمي البندق و اللعب بالحمام المناسيب و يلبس سراويل الفتوة شأن العيارين من أهل بغداد .و كان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه إياها ، و كان ذلك كله دليلاً على هرم الدولة و ذهاب الملك عن أهلها بذهاب ملاكها منهم . و لما توفي بويع ابنه أبو نصر محمد و لقب الظاهر . و كان ولي عهده عهد له أولاً سنة خمس و ثمانين و خمسمائة ثم خلعه من العهد و عهد لأخيه الصغير علي إليه . و توفي سنة اثنتي عشرة فاضطر إلى إعادة هذا ، فلما بويع بعد أبيه أظهر من العدل و الإحسان ما حمد منه و يقال إنه فرق في العلماء ليلة الفطر التي بويع فيها مائة ألف دينار .

وفاة الظاهر و ولاية ابنه المستنصر
ثم توفي الظاهر أبو نصر محمد في منتصف رجب سنة ثلاث و عشرين و ستمائة لتسعة أشهر و نصف من ولايته و كانت طريقته مستقيمة و أخباره في العدل مأثورة . و يقال إنه قبل وفاة كتب بخطه إلى الوزير توقيعاً يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به ، و قال : أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم و أنفذ مثال ، ثم لا يتبين له أثر ، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، ثم تناولوا الكتاب و قرأوه فإذا فيه بعد البسملة أنه ليس إمهالنا إهمالا و لا إغضاؤنا إغفالاً ، و لكن لنبلوكم أيكم أحسن عملاً و قد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد ، و تشريد الرعايا و تقبيح السنة ، و إظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة و مكيدة ، و تسمية الإستئصال و الإجتياح إستيفاء و استدراكاً للأغراض ، انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل و أنياب أسد مهيب ، تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد ، و أنتم أمناؤه و ثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم ، ما طلتم بحقه فيطيعكم و أنتم له عاصون و يوافقكم و أنتم له مخالفون ، و الآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمناً و فقركم غنى و باطلكم حقاً و رزقكم سلطاناً يقيل العثرة و لا يؤاخذ إلا من أصر ، و لا ينتقم إلا ممن استمر ، يأمركم بالعدل و هو يريده منكم ، و ينهاكم عن الجور و هو يكرهه يخاف الله فيخوفكم مكره ، و يرجو الله تعالى و يرغبكم في طاعته ، فإن سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه و أمنائه على خلقع و إلا هلكتم و السلام . و لما توفي بويع ابنه أبو جعفر المستنصر و سلك مسالك أبيه ، إلا أنه وجد الدولة اختلفت و الأعمال قد انتقضت و الجباية قد انتقصت أو عدمت ، فضاقت عن أرزاق الجند و أعطياتهم فأسقط كثيراً من الجند ، و اختلفت الأحوال . و هو الذي أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العباسية بالأندلس آخر دولة الموحدين بالمغرب فولاه عليها ، و ذلك سنة تسع و عشرين و ستمائة كما يذكر في أخبارهم . و لآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غياث الدين كنجسر و آخر ملوك بني قليج أرسلان ، ثم تخطوها إلى بلاد أرمينية فملكوها . ثم استأمن إليهم غياث الدين فولوه من قبلهم و في طاعتهم كما يذكر في أخبارهم إن شاء الله تعالى انتهى .

وفاة المستنصر و خلافة المستعصم آخر بني العباس ببغداد
لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد في النطاق الذي بقي لهم بعد استبداد أهل النواحي كما قدمنا . ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة ، و تملك التتر سائر البلاد ، و تغلبوا على ملوك النواحي و دولهم أجمعين ، ثم زاحموهم في هذا النطاق و ملكوا أكثره ، ثم توفي المستنصر سنة إحدى و أربعين لست سنة من خلافته ، و بويع بالخلافة ابنه عبد الله و لقب المستعصم ، و كان فقيهاً محدثاً . و كان وزيره ابن العلقمي رافضياً ، و كانت الفتنة ببغداد لا تزال متصلة بين الشيعة و أهل السنة ، و بين الحنابلة و سائر أهل المذاهب ، و بين العيارين و الدعار و المفسدين مبدأ الأمراء الأول ، فلا تتجدد فتنة بين الملوك و أهل الدول ، إلا و يحدث فيها بين هؤلاء ما يعني أهل الدولة خاصة زيادة لما يحدث منهم أيام سكون الدول و استقامتها ، و ضاقت الأحوال على المستعصم فأسقط أهل الجند و فرض أرزاق الباقين على البياعات و الأسواق و في المعايش ، فاضطرب الناس و ضاقت الأحوال و عظم الهرج ببغداد و وقعت الفتن بين الشيعة و أهل السنة ، و كان مسكن الشيعة بالكرخ في الجانب الغربي ، و كان الوزير ابن العلقمي منهم فسطوا بأهل السنة ، و أنفذ المستعصم ابنه أبا بكر و ركن الدين الدوادار ، و أمرهم بنهب بيوتهم بالكرخ ، و لم يراع فيه ذمة الوزير فآسفه ذلك ، و تربص بالدولة و أسقط معظم الجند يموه بأن يدافع التتر بما يتوفر من أرزاقهم في الدولة . و زحف هلاكو ملك التتر سنة اثنتين و خمسين إلى العراق و قد فتح الري و أصبهان و همذان و تتبع قلاع الإسماعيلية ، ثم قصد قلعة الموت سنة خمس و خمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الموصلايا صاحب إربل و فيه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم إلى هلاكو يستحثه لقصد بغداد ، و يهون عليه أمرها ، فرجع عن بلاد الإسماعيلية و سار إلى بغداد و استدعى أمراء التتر فجاءه بنحو مقدم العسكر ببلاد الروم ، و قد كانوا ملكوها . و لما قاربوا بغداد برز لقائهم أبيك الدوادار في العساكر فانكشف التتر أولاً و تذامروا فانهزم المسلمون و اعترضتهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة ، فتبعهم التتر دونها و قتل الدوادار و أسر الأمراء الذين معه . و نزل هلاكو بغداد و خرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فاستأمن لنفسه و رجع بالأمان إلى المستعصم ، و أنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم ، فخرج المستعصم و معه الفقهاء و الأعيان فقبض عليه لوقته ، و قتل جميع من كان معه . ثم قتل المستعصم شدخاً بالعمد و وطأ بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت ، و ذلك سنة ست و خمسين . و ركب إلى بغداد فاستباحها و اتصل العيث بها أياماً و خرج النساء و الصبيان و على رؤسهم المصاحف و الألواح فداستهم العساكر و ماتوا أجمعين . و يقال إن الذي أحصى ذلك اليوم من القتلى ألف ألف و ستمائة ألف ، و استولوا من قصور الخلافة و ذخائرها على ما لا يبلغه الوصف و لا يحصره الضبط و العد ، و ألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعها في دجلة ، و كانت شيئاً لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأول الفتح في كتب الفرس و علومهم . و اعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته . ثم بعث العساكر إلى ميافارقين فحاصروها سنين ، ثم جهدهم الحصار و اقتحموها عنوة و قتل حاميتها جميعاً و أميرهم من بني أيوب ، و هو الملك ناصر الدين محمد بن شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب و بايع له صاحب الموصل ، و بعث بالهدية و الطاعة و ولاه على عمله ثم بعث بالعساكر إلى إربل فحاصرها و امتنعت فرحل العساكر عنها ، ثم وصل إليه صاحبها ابن الموصلايا فقتله و استولى على الجزيرة و ديار بكر و ديار ربيعة كلها ، و تاخم الشام جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكر ، و انقرض أمر الخلافة الإسلامية لبني العباس ببغداد و أعادلها ملوك الترك رسماً جديداً في خلفاء نصبوهم هنالك من أعقاب الخلفاء الأولين ، و لم يزل متصلاً لها العهد على ما نذكر الآن . و من العجب ان يعقوب بن إسحق الكندي فيلسوف العرب في ذكر ملاحمه و كلامه على القرآن الذي دل على ظهور الملة الإسلامية العربية أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين و الستمائة ، فكان كذلك ،و كانت دولة بني العباس من يوم بويع للسفاح سنة اثنتين و ثلاثين و مائة إلى أن قتل المستعصم سنة خمس و ستمائة ، و خمسمائة سنة و أربعاً و عشرين و عدد خلفائهم ببغداد سبعة و ثلاثون خليفة . و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين .

الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد و مبادى أمورهم و تصاريف أحوالهم
لما هلك المستعصم ببغداد و استولى التتر على سائر الممالك الإسلامية فافترق شمل الجماعة و انتثر سلك الخلافة و هرب القرابة المرشحون و غير المرشحين من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً و عرضاً ، و لحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر ، و هو عم المستعصم و أخو المستنصر ، و كان سلطانها يومئذ الملك الظاهر بيبرس ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر و القاهرة ، فقام على قدم التعظيم و ركب لتلقيه و سر بقدومه ، و كان وصوله له سنة تسع و خمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة ، و حضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأعز فأثبت نسبه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة ، و لم يكن شخصه خفياً ، و بايع له الظاهر و سائر الناس و نصبه للخلافة الإسلامية و لقبوه المستنصر ، و خطب له على المنابر و رسم اسمه في السكة . و صدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان ، و فوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله ، و كتب تقليده بذلك و ركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد ، و نصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا و قرأ كتاب التقليد . و قام السلطان بأمر هذا الخليفة و رتب له أرباب الوظائف و المناصب الخلافية من كل طبقة ، و أجرى الأرزاق السنية ، و أقام له الفسطاط و الآلة . و يقال أنفق عليه معسكره ذلك ألف ألف دينار من الذهب العين ، و اعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإسلام من يد أهل الكفر . و قد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل و هو إسمعيل الصالح بن لؤلؤ أخرجه التتر من ملكه بعد مهلك أبيه فأمتعض له الملك الظاهر ، و وعده باسترجاع ملكه و خرج آخر هذه السنة مشيعاً للخليفة و لصالح بن لؤلؤ ، و وصل بهما إلى دمشق فبالغ هناك في تكرمتهما و بعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما ، و أمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات . فلما وصلوا الفرات بادر الخليفة بالعبور و قصد الصالح بن لؤلؤ الموصل ، و اتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه و التقى الجمعان بعانة ، و صدموه هنالك فصادمهم قليلاً . ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة و أبلى في جهادهم طويلاً ثم استشهد رحمه الله . و سارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسمعيل سبعة أشهر ، و ملكوها عليه عنوة ، و قتل رحمه الله . و تطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أهل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإسلامية ، و بينما هو يسائل الركبان عن ذلك ، إذ وصل رجل من بغداد ينسب إلى الراشد بن
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:58 pm

بالدولة و أسقط معظم الجند يموه بأن يدافع التتر بما يتوفر من أرزاقهم في الدولة . و زحف هلاكو ملك التتر سنة اثنتين و خمسين إلى العراق و قد فتح الري و أصبهان و همذان و تتبع قلاع الإسماعيلية ، ثم قصد قلعة الموت سنة خمس و خمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الموصلايا صاحب إربل و فيه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم إلى هلاكو يستحثه لقصد بغداد ، و يهون عليه أمرها ، فرجع عن بلاد الإسماعيلية و سار إلى بغداد و استدعى أمراء التتر فجاءه بنحو مقدم العسكر ببلاد الروم ، و قد كانوا ملكوها . و لما قاربوا بغداد برز لقائهم أبيك الدوادار في العساكر فانكشف التتر أولاً و تذامروا فانهزم المسلمون و اعترضتهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة ، فتبعهم التتر دونها و قتل الدوادار و أسر الأمراء الذين معه . و نزل هلاكو بغداد و خرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقمي فاستأمن لنفسه و رجع بالأمان إلى المستعصم ، و أنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم ، فخرج المستعصم و معه الفقهاء و الأعيان فقبض عليه لوقته ، و قتل جميع من كان معه . ثم قتل المستعصم شدخاً بالعمد و وطأ بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت ، و ذلك سنة ست و خمسين . و ركب إلى بغداد فاستباحها و اتصل العيث بها أياماً و خرج النساء و الصبيان و على رؤسهم المصاحف و الألواح فداستهم العساكر و ماتوا أجمعين . و يقال إن الذي أحصى ذلك اليوم من القتلى ألف ألف و ستمائة ألف ، و استولوا من قصور الخلافة و ذخائرها على ما لا يبلغه الوصف و لا يحصره الضبط و العد ، و ألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعها في دجلة ، و كانت شيئاً لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأول الفتح في كتب الفرس و علومهم . و اعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته . ثم بعث العساكر إلى ميافارقين فحاصروها سنين ، ثم جهدهم الحصار و اقتحموها عنوة و قتل حاميتها جميعاً و أميرهم من بني أيوب ، و هو الملك ناصر الدين محمد بن شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب و بايع له صاحب الموصل ، و بعث بالهدية و الطاعة و ولاه على عمله ثم بعث بالعساكر إلى إربل فحاصرها و امتنعت فرحل العساكر عنها ، ثم وصل إليه صاحبها ابن الموصلايا فقتله و استولى على الجزيرة و ديار بكر و ديار ربيعة كلها ، و تاخم الشام جميع جهاته حتى زحف إليه بعد كما يذكر ، و انقرض أمر الخلافة الإسلامية لبني العباس ببغداد و أعادلها ملوك الترك رسماً جديداً في خلفاء نصبوهم هنالك من أعقاب الخلفاء الأولين ، و لم يزل متصلاً لها العهد على ما نذكر الآن . و من العجب ان يعقوب بن إسحق الكندي فيلسوف العرب في ذكر ملاحمه و كلامه على القرآن الذي دل على ظهور الملة الإسلامية العربية أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين و الستمائة ، فكان كذلك ،و كانت دولة بني العباس من يوم بويع للسفاح سنة اثنتين و ثلاثين و مائة إلى أن قتل المستعصم سنة خمس و ستمائة ، و خمسمائة سنة و أربعاً و عشرين و عدد خلفائهم ببغداد سبعة و ثلاثون خليفة . و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين .

الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد و مبادى أمورهم و تصاريف أحوالهم
لما هلك المستعصم ببغداد و استولى التتر على سائر الممالك الإسلامية فافترق شمل الجماعة و انتثر سلك الخلافة و هرب القرابة المرشحون و غير المرشحين من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً و عرضاً ، و لحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر ، و هو عم المستعصم و أخو المستنصر ، و كان سلطانها يومئذ الملك الظاهر بيبرس ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر و القاهرة ، فقام على قدم التعظيم و ركب لتلقيه و سر بقدومه ، و كان وصوله له سنة تسع و خمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة ، و حضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأعز فأثبت نسبه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة ، و لم يكن شخصه خفياً ، و بايع له الظاهر و سائر الناس و نصبه للخلافة الإسلامية و لقبوه المستنصر ، و خطب له على المنابر و رسم اسمه في السكة . و صدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان ، و فوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله ، و كتب تقليده بذلك و ركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد ، و نصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا و قرأ كتاب التقليد . و قام السلطان بأمر هذا الخليفة و رتب له أرباب الوظائف و المناصب الخلافية من كل طبقة ، و أجرى الأرزاق السنية ، و أقام له الفسطاط و الآلة . و يقال أنفق عليه معسكره ذلك ألف ألف دينار من الذهب العين ، و اعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإسلام من يد أهل الكفر . و قد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل و هو إسمعيل الصالح بن لؤلؤ أخرجه التتر من ملكه بعد مهلك أبيه فأمتعض له الملك الظاهر ، و وعده باسترجاع ملكه و خرج آخر هذه السنة مشيعاً للخليفة و لصالح بن لؤلؤ ، و وصل بهما إلى دمشق فبالغ هناك في تكرمتهما و بعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما ، و أمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات . فلما وصلوا الفرات بادر الخليفة بالعبور و قصد الصالح بن لؤلؤ الموصل ، و اتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه و التقى الجمعان بعانة ، و صدموه هنالك فصادمهم قليلاً . ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة و أبلى في جهادهم طويلاً ثم استشهد رحمه الله . و سارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسمعيل سبعة أشهر ، و ملكوها عليه عنوة ، و قتل رحمه الله . و تطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أهل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإسلامية ، و بينما هو يسائل الركبان عن ذلك ، إذ وصل رجل من بغداد ينسب إلى الراشد بن المسترشد . قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر : إنه أحمد بن حسن بن أبي بكر ابن الأمير أبي علي ابن الأمير حسن بن الراشد . و عند العباسيين السليمانيين في درج نسبهم الثابت أنه أحمد بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن الإمام المسترشد ، انتهى كلام صاحب حماة . و لم يكن في آبائه خليفة فيما بينه و بين الراشد . و بايع له بالخلافة الإسلامية و لقبه الحاكم ، و فوض هو إليه الأمور العامة و الخاصة ، و خرج هو له عن العهدة و قام حافظاً لسياج الدين بإقامة رسم الخلافة . و عمرت بذكره المنابر و زينت باسمه السكة ، و لم يزل على هذا الحال أيام الظاهر بيبرس و ولديه بعده ، ثم أيام الصالح قلاون و ابنه الأشرف ، و طائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلاون إلى أن هلك سنة إحدى و سبعمائة ، و نصب ابنه أبو الربيع سليمان للخلافة بعده و لقبه المستكفي . وحفظ به الرسم و حضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون للقاء التتر في النوبتين اللتين لقيهم فيها ، فاستوحش منه السلطان بعض أيامه و أنزله بالقلعة ، و قطعه عن لقاء الناس عاماً أو نحوه . ثم أذن له في النزول إلى بيته و لقائه الناس إذا شاء ، و كان ذلك سنة ست و ثلاثين . ثم تجددت له الوحشة و غربه إلى قوص سنة ثمان و ثلاثين ، ثم هلك الخليفة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى . و كان عهد بالخلافة لابنه أحمد فبويع له و لقب الحاكم . ثم بدا للسلطان في إمضاء عهد أبيه بذلك فعزله ، و استبدل منه بأخيه إبراهيم و لقبه الواثق . و كان مهلك الناصر لأشهر قريبة من ذلك ، فأعادوا أحمد الحاكم ولي عهد أبيه سنة إحدى و أربعين ، و أقام في الخلافة إلى سنة ثلاث و خمسين . و هلك رحمه الله فولي من بعده أخوه بكر و لقب المعتضد ، و لم يزل مقيماً لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث و ستين ، و نصب بعده ابنه محمد و لقب المتوكل فأقام برسم الخلافة ، و حضر مع السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر عام انتقض عليه الترك في طريقه إلى الحج . و فسد أمره و رجع الفل إلى مصر ، و طلبه أمراء الترك في البيعة له بالسلطنة مع الخلافة فامتنع من ذلك . ثم خلع أيبك من أمراء الترك المستبدين أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع و تسعين لمغاضبة وقعت بينهما ، و نصب للخلافة زكريا ابن عمه إبراهيم الواثق فلم يطل ذلك ، و عزل زكريا لأيام قليلة ، و أعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر و مداخلته للمفسدين في الثورة بالسلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق سنة خمس و ثمانين ، و سعى عند السلطان بأنه ممن داخله قرط هذا فاستراب به و حبسه بالقلعة سنة ستين ، و أدال منه بعمر ابن عمه الواثق إبراهيم و لقبه فأقام ثلاثاً أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية و ثلاثين ، و نصب السلطان عوضه آخاه زكريا الذي كان آيبك نصبه كما قدمنا ذكره ، ثم حدثت فتنة بلقيا الناصري صاحب حلب سنة إحدى و تسعين و سبعمائة . و تعالى على السلطان بحبسه الخليفة ، و أطال النكير في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمد المتوكل من محبسه بالقلعة و أعاده إلى الخلافة على رسمه الأول ، و بالغ في تكرمته و جرت فيما بين ذلك خطوب نذكر أخبارها مستوفاة في دولة الترك المقيمين لرسم هؤلاء الخلفاء بمصر . و إنما ذكرنا هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة فقط دون أخبار الدولة و السلطان . و هذا الخلفاء المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة و المعين لإقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة ، و المبرك بذكره على منابر هذه الإيالة تعظيماً لأبيهم الظاهر ، و جريا على سنن التبرك بسلفهم ، و لكمال الإيمان في محبتهم و توفية لشروط الإمامة بينهم و ما زال ملوك الهند و غيرهم من ملوك الإسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه و من سلفه بمصر و يكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بني قلاون و غيره فيجيبونهم إلى ذلك ، و يبعثون إليهم بالتقليد و الخلع و الأبهة ، و يمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد و الإعانة بمن الله و فضله .
تم الجزء الثالث و يليه الجزء الرابع أوله أخبار الدولة العلوية


بسم الله الرحمن الرحيم ـ صحيفة بعث معاوية العمال إلى الأمصار قدوم زياد عمال ابن عامر الثغور عزل ابن عامر استخلاف زياد ولاية زياد البصرة صوائف الشام وفاة المغيرة وفاة زياد ولاية عبيد الله بن زياد على خراسان ثم على البصرة العهد ليزيد عزل الضحاك عن الكوفة و ولاية ابن أم الحكم ثم النعمان بن بشير ولاية عبد الرحمن بن زياد خراسان بقية الصوئف بيعة يزيد عزل الوليد عن المدينة و ولاية عمر بن سعيد مسير الحسين إلى الكوفة و مقتله مسيرة المختار إلى الكوفة و أخذها من ابن المطيع بعد كربلاء مسيرة ابن زياد إلى المختار و خلافة أهل الكوفة عليه شأن المختار مع ابن الزبير مقتل ابن زياد مسير مصعب إلى المختار و قتله إياه خلاف عمر بن سعيد الأشرف و مقتله مسير عبد الملك إلى العراق و مقتل مصعب أمر زفر بن الحرث بقرقيسيا مقتل ابن حازم بخراسان و ولاية بكير بن وشاح عليها ولاية المهلب حرب الأزارقة ولاية أسد بن عبد الله على خراسان ولاية الحجاج العراق وقوع أهل البصرة بالحجاج مقتل ابن مخنف و حرب الخوارج ضرب السكة الإسلامية مقتل بكير بن وشاح بخراسان مقتل بجير بن زياد ولاية الحجاج على خراسان و سجستان أخبار ابن الأشعث و مقتله بناء الحجاج مدينة واسط عزل يزيد عن خراسان مقتل موسى بن حازم البيعة للوليد بالعهد وفاة عبد الملك و بيعة الوليد ولاية قتيبة بن مسلم خراسان و أخباره عمارة المسجد فتح السند فتح الطالقان و سمرقند و غزوكش و نسف و الشاش و فرغانة و صلح خوارزم خبر يزيد بن المهلب و إخوته ولاية خالد القسري على مكة و إخراج سعيد بن جبير عنها و مقتله وفاة الحجاج أخبار محمد بن القاسم بالسند فتح مدينة كاشغر وفاة الوليد و بيعة سليمان مقتل قتيبة بن مسلم ولاية يزيد بن المهلب خراسان أخبار الصوائف و حصار قسطنطينية فتح جرجان و طبرستان وفاة سليمان و بيعة عمر بن عبد العزيز عزل يزيد بن المهلب و حبسه و الولاية على عماله ولاية عبد الرحمن بن نعيم القشيرى على خراسان وفاة عمر بن عبد العزيز و بيعة يزيد احتيال يزيد بن المهلب مقتله ولاية مسلمة على العراق و خراسان العهد لهشام بن عبد الملك و الوليد بن يزيد غزوة الترك غزو الصغد ولاية ابن هبيرة على العراق و خراسان ولاية الجراح على أرمينية و فتح بلنجر ولاية عبد الواحد القسرى على المدينة و مكة عزل الحريشي و ولاية مسلم الكلبي على خراسان وفاة يزيد و بيعة هشام غزو مسلم الترك ولاية أسد القسري على خراسان ولاية أشرس على العراق عزل أشرس عزل أشرس عن خراسان و ولاية الجنيد مقتل الجراح الحكمي وقعة الشعب بين الجنيد و خاقان ولاية عاصم على خراسان و عزل الجنيد ولاية مروان بن محمد على أرمينية و أذربيجان خلع الحرث بن شريح بخراسان ولاية أسد القسرى الثانية بخراسان مقتل خاقان وفاة أسد ولاية يوسف بن عمر الثقفي على العراق و عزل خالد ولاية نصر بن سيار خراسان و غزوه وصلح الصغد ظهور زيد بن علي و مقتله ظهور أبي مسلم بالدعوة العباسية وفاة هشام بن عبد الملك و بيعة الوليد بن يزيد ولاية نصر للوليد على خراسان مقتل يحيى بن زياد مقتل خالد بن عبد الله القسري مقتل الوليد و بيعة يزيد ولاية منصور بن جمهور على العراق ثم ولاية عبد الله بن عمر انتقاض أهل اليمامة اختلاف أهل خراسان أمان الحرث بن شريح و خروجه من دار الحرث انتقاض مروان لما قتل الوليد وفاة يزيد و بيعة أخيه إبراهيم مسير مروان إلى الشام انتقاض الناس على مروان ظهور عبد الله بن معاوية غلبة الكرواني على مرو و قتله الحرث بن شريح ظهور الدعوة العباسية بخراسان مقتل الكرماني اجتماع أهل خراسان على قتل أبي مسلم مقتل عبد الله بن معاوية مسير قحطبة للفتح هلاك نصر بن سيار استيلاء قحطبة على الري استيلاء قحطبة على أصبهان و مقتل ابن ضبارة و فتح نهاوند و شهرزور حرب سفاح بن هبيرة مع قحطبة و مقتلهما و فتح الكوفة بيعة السفاح مقتل إبراهيم بن الإمام هزيمة مروان بالزاب و مقتله بمصر بقية الصوائف في الدولة الأموية عمال بني أمية على النواحي الخبر عن الخوارج و ذكر أوليتهم و تكرر خروجهم في الملة الإسلامية خبر ابن الحر و مقتله حروب الخوارج مع عبد الملك و الحجاج حروب الصفرية و شبيب مع الحجاج خروج المطرف و المغيرة بن شعبة اختلاف الأزارقة خروج سودب خبر أبي حمزة و طالب و إسحق الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة مبدأ دولة الشيعة الخبر عن بني العباس من دول الإسلام في هذه الطبقة الثالثة للعرب و أولية ـ أمرهم و إنشاء دولتهم و الالمام بنكت أخبارهم و عيون أحاديثهم دولة السفاح حصار ابن هبيرة بواسط و مقتله مقتل أبي مسلمة بن الخلال و سليمان بن كثير عمال السفاح الثوار بالنواحى حج أبي جعفر و أبي مسلم موت السفاح و بيعة المنصور انتقاض عبد الله بن علي و هزيمته ذكر قتل أبي مسلم الخراساني حبس عبد الله بن علي وقعة الراوندية انتقاض خراسان و مسير المهدي إليها أمر بني العباس ظهور محمد المهدي و مقتله شأن إبراهيم بن عبد الله و ظهوره و مقتله بناء مدينة بغداد العهد للمهدي و خلع عيسى بن موسى خروج استادسيس ولاية هشام بن عمر الثعلبي على السند بناء الرصافة للمهدي مقتل معن بن زائدة العمال على النواحي أيام السفاح و المنصور الصوائف وفاة المنصور و بيعته المهدى ظهور المقنع و مهلكه الولاة أيام المهدي العهد للهادي و خلع عيسى فتح باربد من السند حج المهدي نكبة الوزير أبي عبد الله ظهور دعوة العباسية بالأندلس و انقطاعها غزو المهدي العهد لهرون نكبة الوزير يعقوب بن داود مسير الهادي إلى جرجان العمال بالنواحي الصوائف وفاة المهدي و بيعة الهادي ظهور الحسين المقتول بفتح حديث الهادي في خلع الرشيد وفاة الهادي و بيعة الرشيد خبر يحيى بن عبد الله في الديلم ولاية جعفر بن يحيى مصر الفتنة بدمشق فتنة الموصل ومصر إيداع كتاب العهد أخبار البرامكة و نكبتهم الصوائف و فتوحاتها الولاية على النواحي خلع رافع محمد الليث بما وراء النهر وفاة الرشيد و بيعة الأمين أخبار رافع و ملوك الروم الفتنة بين الأمين و المأمون خروج ابن ماهان لحرب طاهر و مقتله مسير ابن جبلة غلى طاهر و مقتله بيعة المأمون ظهور السفياني مسير الجيوش إلى طاهر و رجوعهم بلا قتال أمر عبد الملك بن صالح و موته خلع الأمين و أعادته استلاء طاهر على البلاد بيعة الحجاز للمأمون حصار بغداد و استلاء طاهر عليها و مقتل الأمين ظهور ابن طباطبا العلوي بيعة محمد بن جعفر بمكة مقتل هرثمة انتقاض بغداد على الحسن بن سهل أمر المطوعة العهد لعلي الرضا و البيعة لإبراهيم بن مهدي قدوم المأمون إلى العراق ولاية طاهر على خراسان و وفاته ولاية عبد الله بن طاهر الرقة و مصر و محاربته نصر بن شيث الظفر بابن عائشة و بإبراهيم بن المهدي انتقاض مصر و الإسكندرية العمال بالنواحي الصوائف وفاة المأمون و بيعة المعتصم ظهور صاحب الطالقان حرب الزط بناء سامرا نكبة الفضل بن مروان فتح عمورية حبس العباس بن المأمون و مهلكه انتقاض مازيار و قتله ولاية ابن السيد على الموصل نكبة الأفشين و مقتله ظهور المبرقع وفاة المعتصم و بيعة الواثق وقعة بغافى الأعراب مقتل أحمد بن نصر الفداء و الصائفة وفاة الواثق و بيعة المتوكل نكبة الوزير ابن الزيات و مهلكه نكبة إتياخ و مقتله شأن ابن البغيث بيعة العهد ملك محمد بن إبراهيم انتقاض أهل أرمينية عزل ابن أبي دؤاد و ولاية ابن أكثم انتفاض أهل حمص إغارة البجاة على مصر الصوائف الولاية في النواحي مقتل المتوكل و بيعة المنتصر ابنه الخبر عن الخلفاء من بني العباس أيام الفتنة و تغلب الأولياء و تضايق نطاق الدولة باستبداد الولاة في النواحي من لدن المنتصر إلى أيام المستكفي دولة المنتصر وفاة المنتصر و بيعة المستعين فتنة بغداد و سامرا مقتل أتامش ظهور يحيى بن عمر و مقتله ابتداء الدولة العلوية بطبرستان مقتل باغر بيعة المعتز و حصار المستعين خلع المستعين و مقتله و الفتن خلال ذلك أخبار مساور الخارجي مقتل وصيف ثم بغا ابتداء دولة الصفار ابتداء دولة ابن طولون بمصر استقدام سليمان بن طاهر لولاية بغداد خبر كرخ اصبهان و أبي دلف خلع المعتز و موته و بيعة المهتدي مسير موسى بن بغا إلى سامرا و مقتل صالح بن وصيف الصوائف منذ ولاية المنتصر إلى آخر أيام المهتدي أخبار صاحب الزنج و ابتداء فتنته خلع المهتدي و قتله و بيعة المعتمد ظهور العلوية بمصر و الكوفة بقية أخبار الزنج مسير المولد لحربهم مقتل منصور الخياط مسير الموفق لحرب الزنج مقتل البحراني قائد الزنج مسير ابن بغا لحرب الزنج استيلاء الصفار على فارس و طبرستان استيلاء الصفار على خراسان و انقراض أمر بني طاهر منها ثم استيلاؤه على طبرستان استيلاء الحسن بن زيد على جرجان فتنة الموصل حروب ابن واصل بفارس مبدأ دولة بني سامان وراء النهر مسير الموفق إلى البصرة لحرب الزنج و ولاية العهد وقعة الصفار و الموفق سياقة أخبار الزنج استيلاء الصفار على الأهواز استيلاء الزنج على واسط استيلاء ابن طولون على الشام موت يعقوب الصفار و ولاية عمر و أخيه أخبار الزنج مع أغرتمش استرجاع ابن الموفق ما غلب عليه الزنج من أعمال دجلة وصول الموفق لحرب الزنج و فتح المنيعة و المنصورة حصار مدينة الخبيث المختارة و فتحها استيلاء الموفق على الجهة الغربية استيلاء الموفق على الجهة الشرقية مقتل صاحب الزنج ولاية ابن كنداج على الموصل حروب الخوارج بالموصل أخبار رافع بن هرثمة من بعد الخجستاني مغاضبة المعتمد للموفق و مسيرة ابن طولون و ما نشأ من الفتنة لأجل ذلك وفاة ابن طولون و مسير ابن كنداج إلى الشام وفاة صاحب طبرستان و ولاية أخيه فتنة ابن كنداج و ابن أبي الساج و ابن طولون أخبار عمرو بن الليث مسير الموفق إلى أصبهان و الجبل قبض الموفق على ابنه أبي العباس المعتضد ثم وفاته و قيام ابنه أبي العباس بالامر بعده ابتداء أمر القرامطة فتنة طرسوس فتنة أهل الموصل مع الخوارج الصوائف أيام المعتمد الولايات بالنواحي أيام المعتز وفاة المعتمد و بيعة المعتضد مقتل رافع بن الليث خبر الخوارج بالموصل ايقاع المعتضد ببنى شيبان و استيلاؤه على ماردين الولاية على الجبل و أصبهان عود حمدان إلى الطاعة هزيمة هرون الشاري و مهلكه خبر ابن الشيخ بآمد خبر ابن أبي الساج ابتداء أمر القرامطة بالبحرين و الشام استيلاء ابن ماسان على خراسان من يد عمرو بن الليث و أسره ثم مقتله استيلاء ابن سامان على طبرستان من يد العلوى و مقتله ولاية علي بن المعتضد على الجزيرة و الثغور حرب الأعراب تغلب ابن الليث على فارس و اخراج بدر اياه الولايات في النواحي الصوائف وفاة المعتضد و بيعة ابنه استيلاء محمد بن هرون على الري ثم أسره و قتله استيلاء المكتفي على مصر و انقراض دولة ابن طولون ابتداء دولة بني حمدان أخبار ابن الليث بفارس الصوائف الولايات بالنواحي وفاة المكتفي و بيعة المقتدر خلع المقتدر بابن المعتز و اعادته ابتداء دولة العبيديين من الشيعة بأفريقية وفاة الحبيب و ايصاؤه لابنه عبيد الله بيعة المهدي بسجلماسة أخبار ابن الليث بفارس قيام أهل صقلية بدعوة المقتدر ثم رجوعهم إلى طاعة المهدي ولاية العهد ظهور الأطروش و ملكه خراسان غلب المهدي على الاسكندرية و مسير مؤنس إلى مصر انتقاض الحسين على ابن حمدان بديار ربيعة و أسره وزارة ابن الفرات الثانية خبر ابن أبي الساج بأذربيجان خبر سجستان وكرمان وزارة حامد بن العباس وصول ابن المهدي و هو أبو القاسم إلى ابنه بقية خبر ابن أبي الساج بقية الخبر عن وزراء المقتدر أخبار القرامطة في البصرة و الكوفة استيلاء القرامطة على مكة و قلعهم الحجر الأسود خلع المقتدر و عوده أخبار قواد الديلم و تغلبهم على أعمال الخليفة ابتداء حال أبي عبد الله البريدي الصوائف أيام المقتدر الولايات على النواحي أيام المقتدر استيحاش مؤنس من المقتدر الثانية و مسيره إلى الموصل مقتل المقتدر و بيعة القاهر خبر ابن المقتدر و أصحابه مقتل مؤنس و بليق و ابنه ابتداء دولة بني بوية خلع القاهر و بيعة الراضى مقتل هرون نكبة ابن ياقوت خبر البريدى مقتل ياقوت مسير ابن مقلة إلى الموصل و استقرارها لابن حمدان نكبة ابن مقلة و خبر الوزارة استيلاء ابن رائق على الخليفة وصول يحكم مع ابن رائق مسير الراضي و ابن رائق لحرب ابن البريدي استيلاء يحكم على الأهواز استيلاء معز الدولة على الأهواز وزارة ابن مقلة و نكبته استيلاء يحكم على بغداد دخول أذربيجان في طاعة و شمكير ظهور ابن رائق و مسيره إلى الشام وزارة ابن البريدي مسير يحكم إلى بلد الجبل و عوده إلى واسط و استيلاؤه عليها مسير ركن الدولة إلى واسط و رجوعه عنها استيلاء ابن رائق على الشام الصوئف أيام الراضي الولايات أيام الراضي و القاهر قبله وفاة الراضي و بيعة المتقي مقتل يحكم إمارة البريدي ببغداد و عوده إلى واسط إمارة كوزتكين الديلمي عواد ابن رائق إلى بغداد وزارة ابن البريدي و استيلاؤه على بغداد و فرار المتقي إلى الموصل مقتل ابن رائق و ولاية ابن حمدان مكانه عود المتقي إلى بغداد و فرار البريدي استيلاء الديلم على أذربيجان خبر سيف الدولة بواسط إمارة تورون ثم وحشته مع المتقي مسير المتقي إلى الموصل مسير ابن بويه إلى واسط و عوده عنها ثم استيلاؤه عليها قتل ابن البريدي أخاه ثم وفاته الصوائف أيام المتقي الولايات أيام المتقي خلع المتقي و ولاية المستكفي وفاة توزون و إمارة ابن شيرزاد استلاء معز الدولة بن بويه على بغداد و اندراج أحكام الخلافة في سلطانهم الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي و ما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد و نواحيها خلع المستكفي و بيعة المطيع انقلاب حال الدولة بما تجدد في الجباية و الأقطاع دولة بني حمدان ـ مسير ابن حمدان إلى بغداد استيلاء معز الدولة على البصرة ابتداء أمر بني شاهين بالبطيحة موت الصهيري و وزارة المهلبي حصار البصرة استيلاء معز الدولة على الموصل و عوده بناء معز الدولة ببغداد ظهور الكتابة على المساجد استيلاء معز الدولة على عمان و حصاره البطائح وفاة الوزير المهلبي وفاة معز الدولة و ولاية ابنه بختيار عزل أبي الفضل و وزارة ابن بقية الفتنة بين بختيار و سبكتكين و الأتراك خلع المطيع و ولاية الطائع الصوائف فتنة سبكتكين و موته و إمارة افتكين نكبة بختيار على يد عضد الدولة ثم عوده إلى ملكه خبر أفتكين ملك عضد الدولة بغداد و قتل بختيار استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان وفاة عضد الدولة و ولاية ابنه صمصام الدولة نكبة صمصام الدولة و ولاية أخيه شرف الدولة ابتداء دولة باد و بني مروان بالموصل وفاة شرف الدولة و ملك بهاء الدولة خروج القادر إلى البطيحة فتنة صمصام الدولة خلع الطائع و بيعة القادر ملك صمصام الدولة الأهواز و عودها لبهاء الدولة ثم استيلاؤه ثانيا عليها ملك صمصام الدولة البصرة مقتل صمصام الدولة استيلاء بهاء الدولة على فارس الخبر عن وزراء بهاء الدولة ولاية العراق انقراض دول و ابتداء أخرى في النواحي ظهور بني مزيد فتنة بني مزيد و بني دبيس ظهور دعوة العلوية بالكوفة و الموصل وفاة عميد الجيوش و ولاية فخر الملك مقتل فخر الملك و ولاية ابن سهلان الفتنة بين سلطان الدولة و أخيه أبي الفوارس خروج الترك من الصين ملك مشرف الدولة و غلبه على سلطان الدولة الخبر عن وحشة الأكراد و فتنة الكوفة وفاة مشرف الدولة و ولاية أخيه جلال الدولة قدوم جلال الدولة إلى بغداد مسير جلال الدولة إلى الأهواز استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا و انتزاعها منه وفاة القادر و نصب القائم وثوب الجند بجلال الدولة و خروجه من بغداد الصلح بين جلال الدولة و أبي كاليجار استيلاء أبي كاليجار على البصرة شغب الأتراك على جلال الدولة ابتداء دولة السلجوقية فتنة قرواش مع جلال الدولة وفاة جلال الدولة و ملك أبي كاليجار وفاة أبي كاليجار و ملك ابنه الملك الرحيم مسير الملك الرحيم إلى فارس مهادنة طغرلبك للقائم استيلاء الملك الرحيم على البصرة من يد أخيه فتنة ابن أبي الشوك ثم طاعته فتنة الأتراك استيلاء طغرلبك على أذربيجان و على أرمينية و الموصل وحشة البساسيري وصول الغز إلى الدسكرة و نواحي بغداد استيلاء الملك الرحيم على شيراز وثوب الأتراك ببغداد بالبساسيري استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد و الخلعة و الخطبة له القبض على الملك الرحيم و انقراض دولة بني بويه انتقاض أبي الغنائم بواسط الوقعة بين البساسيري و قطلمش مسير طغرلبك إلى الموصل فتنة ينال مع أخيه طغرلبك و مقتله دخول السباسيري بغداد و خلع القائم ثم عوده مقتل البساسيري مسير السلطان إلى واسط و طاعة دبيس وزارة القائم عقد طغرلبك على ابنه الخليفة وفاة السلطان طغرلبك و ملك ابن أخيه داود فتنة قطلمش و الجهاد بعدها العهد بالسلطنة لملكشاه بن ألب أرسلان وزراء الخليفة الخطبة بمكة طاعة دبيس و مسلم بن قريش الخطبة العباسية بحلب و استيلاء السلطان عليها واقعة السلطان مع ملك الروم و أسره شحنة بغداد مقتل السلطان ألب أرسلان و ملك ابنه ملكشاه وفاة القائم و نصب المقتدي للخلافة عزل الوزير ابن جهير و وزارة أبي شجاع استيلاء تتش بن ألب أرسلان على دمشق و ابتداء دولته و دولة نفيه فيها سفارة الشيخ أبي إسحق الشيرازي عن الخليفة عزل ابن جهير عن الوزارة و إمارته على ديار بكر خبر الوزارة استيلاء السلطان على حلب فتنة بغداد مقتل نظام الملك و أخباره وفاة السلطان ملك شاه و ملك ابنه محمود ثورة بركيارق بملك شاه مقتل تاج الملك الخطبة لبركيارق ببغداد وفاة المقتدي و نصب المستظهر للخلافة أخبار تتش و انتقاضه و حروبه و مقتله ظهور السلطان ملكشاه و الخطبة له ببغداد اعادة الخطبة لبركيارق المصاف الأول بين بركيارق و محمد و قتل كوهرابين و الخطبة لمحمد مصاف بركيارق مع أخيه سنجر عزل الوزير عميد الدولة بن جهير و وفاته المصاف الثاني بين بركيارق و أخيه محمد و مقتل مؤيد الملك و الخطبة لبركيارق استيلاء محمد على بغداد المصاف الثالث و الرابع و ما تخلل بينهما من الصلح و لم يتم الشحنة ببغداد و الخطبة لبركيارق استيلاء ينال على الري بدعوة السلطان محمد و مسيره إلى العراق المصاف الخامس بين السلطانين الصلح بين السلطانين بركيارق و محمد وفاة السلطان بركيارق و ملك ابنه ملك شاه وصول السلطان محمد إلى بغداد و استبداده بالسلطنة و الخطبة و مقتل أياز الشحنة ببغداد وفاة السلطان محمد و ملك ابنه محمود وفاة المستظهر و خلافة المسترشد انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود ثم مصالحته و استقرار جكرمش شحنة ببغداد انتقاض الملك طغرل على أخيه السلطان محمود الفتنة بين السلطان محمود و عمه سنجر صاحب خراسان و الخطبة ببغداد لسنجر انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود و الفتنة بينهما اقطاع الموصل للبرسقي و ميافارقين لأبي الغازي طاعة طغرل لأخيه السلطان محمود أخبار دبيس مع المسترشد نكبة الوزير ابن صدقة و ولاية نظام الملك واقعة المسترشد مع دبيس ولاية برتقش شحنة بغداد وصول الملك طغرل و دبيس إلى العراق الفتنة بين المسترشد و السلطان محمود أخبار دبيس مع السلطان سنجر وفاة السلطان محمود و ملك ابنه داود ثم منازعته عمومه و استقلال مسعود واقعة مسعود مع سنجر و هزيمته و سلطنة طغرل مسير المسترشد لحصار الموصل مصاف طغرل و مسعود و انهزام مسعود وفاة طغرل و استيلاء السلطان مسعود فتنة السلطان مسعود مع المسترشد مقتل المسترشد و خلافة الراشد الفتنة بين الراشد و السلطان مسعود و لحاقه بالموصل و خلعه خلافة المقتفي فتنة السلطان مسعود مع داود و اجتماع داود للراشد للحرب و مقتل الراشد وزارة الخليفة الشحنة ببغداد انتفاض الأعياص و استبداد الأمراء على الأمير مسعود و قتله إياهم انتقاض الأمراء ثانية على السلطان وزارة المقتفي وفاة السلطان مسعود و ملك ملك شاه ابن أخيه محمود حروب المقتفي مع أهل الخلاف و حصار البلاد استيلاء شمله على خوزستان إشارة إلى بعض أخبار السلطان سنجر بخوزستان و مبدأ دولة بني خوارزم شاه الخطبة ببغداد لسليمان شاه ابن السلطان محمد و حروبه مع السلطان محمد بن محمد حصار السلطان محمد بغداد حروب المقتفي مع أهل النواحي وفاة السلطان محمد بن محمود و ملك عمه سليمان شاه ثم أرسلان بن طغرل وفاة المقتفي و خلافة المستنجد و هو أول الخلفاء المستبدين على أمرهم من بني العباس عند تراجع الدولة و ضيق نطاقها ما بين الموصل و واسط و البصرة و حلوان فنتة خفاجة إجلاء بني أسد من العراق الفتنة بواسط و ما جرت إليه مسير شملة إلى العراق وفاة الوزير يحيى وفاة المستنجد و خلافة المستضيء انقراض الدولة العلوية بمصر و عود الدعوة العباسية إليها خبر يزدن من أمراء المستضيء مقتل سنكاه بن أحمد أخي شملة وفاة قايماز و هربه فتنة صاحب خوزستان مقتل الوزير وفاة المستضيء و خلافة الناصر هدم دار السلطنة ببغداد و انقراض ملوك السلجوقية استيلاء الناصر على النواحي نهب العرب البصرة استيلاء الناصر على خوزستان ثم أصبهان و الري و همذان عزل الوزير نصير الدين انتقاض سنجر بخوزستان استيلاء منكلى على بلاد الجبل و أصبهان و هرب ايدغمش ثم مقتله و مقتل منكلى و ولاية اغلمش ولاية حافد الناصر على خوزستان استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل و طلب الخطبة له ببغداد إجلاء بني معروف عن البطائح ظهور التتر وفاة الناصر و خلافة الظاهر ابنه وفاة الظاهر و ولاية ابنه المستنصر وفاة المستنصر و خلافة المستعصم آخر بني العباس ببغداد الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد و مبادى أمورهم و تصاريف أحوالهم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف فوكس الأحد نوفمبر 07, 2010 11:20 pm

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 P593
تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Horeea_scc3

فوكس
عضو ممتاز

رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2792
المهارة : 21457
تاريخ التسجيل : 02/04/2010
الكفاءة : 13

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف الموسيقار الإثنين نوفمبر 08, 2010 5:16 pm

مع إن الموضوع طويل جداً بس رائع .
الموسيقار
الموسيقار
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 14
عدد المساهمات : 9753
المهارة : 50694
تاريخ التسجيل : 15/04/2010
الكفاءة : 100

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 4 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف mermaid الثلاثاء نوفمبر 09, 2010 4:42 pm

طبعا موضوع مميز كالعاده ورائع جدا
mermaid
mermaid
عضو v i p
عضو v i p

رقم العضوية : 289
عدد المساهمات : 608
المهارة : 8895
تاريخ التسجيل : 13/09/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 4 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى