alnazer
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

5 مشترك

صفحة 3 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:30 pm

ثم تلاقيا و هرب عن رافع بعض قواده إلى عمرو فانهزم رافع ، و بعث أخاه محمد بن هرثمة إلى محمد بن زيد يستمده كما شرط له فلم يفعل . و افترق عن رافع أصحابه و غلمانه ، و فارقه محمد بن هرون إلى أحمد بن إسمعيل في بخارى ، و لحق رافع بخوارزم في فل من العسكر و معه بقية أمواله و آلته ، و مر في طريقه بأبي سعيد الدرعاني ببلد فاستفعله و غدر به و حمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور و ذلك في شوال ثلاث و ثمانين .

خبر الخوارج بالموصل
قد تقدم لنا أن خوارج الموصل من الشراة استفدر عليهم بعد مساور هرون الشاري و ذكرنا شيئاً من أخبارهم . ثم خرج عليه سنة ثمانين محمد بن عبادة و يعرف بأبي جوزة من بني زهير من البقعاء ، و كان فقيراً و معاش بنيه في التقاط الكمأة و غيرها و أمثال ذلك ، و كان يتدين و يظهر الزهد ، ثم جمع الجموع و حكم و استجمع إليه الأعراب من تلك النواحي ، و قبض الزكوات و الأعشار من تلك الأعمال ، و بنى عند سنجار حصناً و وضع فيه أمتعته و ما عونه ، و أنزل به ابنه أبا هلال في مائة و خمسين ، فجمع هرون الشاري أصحابه و بدأ بحصار الحصن فأحاط به و محمد بن عبادة في داخله . وجد في حصاره حتى أشرف على فتحه و قيد أبا هلال ابنه و نفراً معه و بعث بنو ثعلب و هم مع هرون إلى من كان بالحصن من بني زهير فأمنوهم ، و ماك هرون الحصن . ثم ساروا إلى محمد فلقيهم و هزمهم أولاً ثم كروا عليه مستميتين فهزموه ، و قتلوا من أصحابه ألفاً و أربعمائة ، و قسم هرون ماله و لحق محمد بآمد ، فحاربه صاحبها أحمد بن عيسى بن الشيخ فظفر به و بعثه إلى المعتضد فسلخه حياً .

ايقاع المعتضد ببنى شيبان و استيلاؤه على ماردين
و في سنة ثمانين سار المعتضد إلى بني شيبان بأرض الجزيرة ففروا أمامه ، و أثار على طوائف من العرب عند السند فاستباحهم ، و سار إلى الموصل فجاءه بنو شيبان و أعطوه رهنهم على الطاعة ، فغلبهم و عاد إلى بغداد . و بعث إلى أحمد بن عيسى بن الشيخ في أموال ابن كنداج التي أخذها بأحمد ، فبعث بها و بهل أياما كثيرة معها . ثم بلغه أن أحمد بن حمدون ممالئ لهرون الشاري ، و داخل في دعوته ، فسار المعتضد إليه سنة إحدى و ثمانين و اجتمع الأعراب من بني ثعلب و غيرهم للقائه ، و قتل منهم و غرق في الزاب كثيراً ، و سار إلى الموصل . ثم بلغه أن أحمد هرب عن ماردين و خلف بها ابنه ، فسار المعتضد إليه و نازله و قاتله يوماً ، ثم صعد من الغد إلى باب القلعة ، و صاح بابن حمدان و استفتح الباب ففتح له دهشاً و أمر بنقل ما في القلعة و هدمها ، و بعث في طلب حمدان و أخذ أمواله .

الولاية على الجبل و أصبهان
عقد المعتضد سنة إحدى و ثمانين لابنه علي و هو المكتفي على الري و قزوين و زنجان و أبهر و قم و همذان و الدينور فأستأمن إليه عامل الري لرافع بن الليث ، و هو الحسن بن علي كورة فأمنه و بعث به إلى أبيه .

عود حمدان إلى الطاعة
و في سنة اثنتين و ثمانين سار المعتضد إلى الموصل و استقدم إسحق بن أيوب و حمدان ابن حمدون ، فبادر إسحق بقلاعه و أودع حرمه و أمواله ، فبعث إليه المعتضد العساكر مع وصيف و نصر القسوري ، فمروا بذيل الزعفران من أرض الموصل و به الحسن ابن علي كورة ، و معه الحسين بن حمدان . فأستأمن الحسين و بعثوا له إلى المعتضد فأمر بهدم القلعة .و سار وصيف في اتباع حمدان . فواقعه و هزمه و عبر إلى الجانب الغربي من دجلة و سار في ديار ربيعة ، و عبرت إليه العساكر و حبسوه فأخذوا ماله ، و هرب و ضاقت عليه الأرض فقصد خيمة إسحق بن أيوب في عسكر المعتضد مستجيراً به فأحضره عند المعتضد فوكل به و حبسه .

هزيمة هرون الشاري و مهلكه
كان المعتضد قد ترك بالموصل نصر القسروي لإعادته العمال على الجباية . و خرج بعض العمال لذلك فأغارت عليهم طائفة من أصحاب هرون الشاري و قتل بعضهم ، فكثر عيث الخوارج . و كتب القسروي إلى هرون يهدده . فأجابه و أساء في الرد و عرض بذكر الخليفة فبعث نصر بالكتاب إلى المعتضد فأمره بالجد في طلب هرون ، و كان على الموصل يكتم طاتشمر من مواليهم فقبض عليه و قيده ، و ولى على الموصل الحسن كورة ، و أمر ولاة الأعمال بطاعته ، فجمعهم و عسكر بالموصل ، و خندق على عسكره إلى أن أوقع بالناس غلاتهم . ثم سار إلى الخوارج و عبر الزاب إليهم فقاتلهم قتالا شديداً فهزمهم و قتل منهم و افترقوا ، و سار الكثير منهم إلى أذربيجان و دخل هرون البرية و استأمن وجوه أصحابه إلى المعتضد فأمنهم . ثم سار المعتضد سنة ثلاث و ثمانين في طلب هرون فانتهى إلى تكريت ، و بعث الحسين بن حمدون في عسكر نحو ثلثمائة فارس ، و اشترط إن جاء به إطلاق ابنه حمدان ! و سار معه وصيف و انتهى إلى بعض مخايض دجلة فأرصد بها وصيفاً و قال : لا تفارقوها حتى تروني ! و مضى في طلبه فواقعه و هزمه ، و قتل من أصحابه . و أقام وصيف ثلاثة أيام فأبطأ عليه الأمر فسار في اتباع ابن حمدان ، و جاء هرون منهزماً إلى تلك المخاضة فعبر ، و ابن حمدان في أثره إلى حي من أحياء العرب قد اجتاز بهم هرون ، فدلوا ابن حمدان عليه فلحقه و أسره و جاء به إلى المعتضد . فرجع المعتضد آخر ربيع الأول و خلع على الحسين و أخوته و طوقه ، و أدخل هرون على الفيل و هو ينادي : لا حكم إلالله و لو كره المشركون ، و كان صغدياً . ثم أمر المعتضد بحل القيود عن حمدان ابن حمدون و الإحسان إليه و باطلاقه . و في سنة اثنتين سار المعتضد من الموصل إلى الجبل فبلغ الكرخ فهرب عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بين يديه فأخذ أمواله و بعث إليه في طلب جد كان عنده فوجهه إليه . ثم بعث المعتضد وزيره عبيد الله بن سليمان إلى ابنه بالري ليسير من هناك إلى عمر بن عبد العزيز بالأمان ، فسار و أمنه و رجع إلى الطاعة فخلع عليه و على أهل بيته ، و كان أخوه بكر بن عبد العزيز قد استأمن قبل ذلك إلى عبيد الله بن سليمان و بدر فولاه عمله ، على أن يسير إلى حربه . فلما وصل عمر في الأمان قال لبكر : إنما وليناك و أخوك عاص فامضيا إلى أمير المؤمنين المعتضد و ولى عيسى النوشري على أصبهان من قبل عمرو هرب بكر إلى الأهواز و سار عبيد الله بن سليمان الوزير إلى علي بن المعتضد بالري . و لما بلغ الخبر إلى المعتضد بعث وصيفاً موسكين إلى بكر بن عبد العزيز بالأهواز فلحقه بحدود فارس ، فمضى بكر إلى أصبهان ليلاً و رجع وصيف إلى بغداد ، و كتب المعتضد إلى بدر مولاه يطلب بكر بن عبد العزيز و حربه ، فأمر بذلك عيسى النوشري فقام به و لقي بكراً بنواحي أصبهان فهزمه بكر ، ثم عاد النوشري لقتاله سنة أربع و ثمانين فهزمه بنواحي أصبهان و استباح عسكره و لجأ بكر إلى محمد بن زيد العلوي بطبرستان و هلك بها سنة خمس و ثمانين ، و كان عمر لما مات أبوه قبض على أخيه الحرث و يكنى أبا ليلى ، و حبسه في قلعة رد ، و وكل به شفيعاً الخادم . فلما جاء المعتضد و استأمن عمر و هرب بكر و بقيت القلعة بيد شفيع بأموالها ، رغب إليه الحرث في إطلاقه فلم يفعل ، و كان شفيع يسامره كل ليلة و ينصرف فحادثه ليلة و نادمه و قام شفيع لبعض حاجته فجعل الحرث في فراشه تمثلاً و غطاه و قال لجاريته : قولي لشفيع إذا عاد هو نائم ، و مضى فاختفى في الدار و فك القيد عن رجله بمبرد أدخل إليه و برد به مسماره . و لما أخبر شفيع بنومه مضى إلى مرقده و قصده أبو ليلى على فراشه فقتله ، و أمر أهل الدار و اجتمع عليه الناس فاستحلفهم و وعدهم ، و جمع الأكراد و غيرهم و خرج من القلعة ناقضاً للطاعة . فسار إلى عيسى النوشري و حاربه فأصاب أبا ليلى سهم فمات ، و حمل رأسه إلى أصبهان ثم إلى بغداد .

خبر ابن الشيخ بآمد
و في سنة خمس و ثمانين توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ و قام بأمره في آمد و أعمالها ابنه محمد فسار المعتضد إليه في العساكر و معه ابنه أبو محمد علي المكتفي ، و مر بالموصل و حاصر المعتمد إلى ربيع الآخر من سنة ست و ثمانين و نصب عليها المجانيق حتى استأمن لنفسه و لأهل آمد ، و خرج إلى المعتمد فخلع عليه و هدم سورها ثم بلغه أنه يروم الهرب فقبض عليه و على أهله .

خبر ابن أبي الساج
قد تقدم لنا ولاية محمد بن أبي الساج على أذربيجان و مدافعة الحسين إياه عن مراغة ، ثم فتحها و استيلاؤه على أعمال أذربيجان ، و بعث المعتضد سنة اثنتين و ثمانين أخاه يوسف بن أبي الساج إلى الصيمرة مدداً لفتح القلانسى غلام الموفق ، فخرج يوسف فيمن أطاعه فولاه المعتضد على أعماله ، و بعث إليه بالخلع و أعطاه الرهن بما ضمن من الطاعة و المناصحة و بعث بالهدايا .

ابتداء أمر القرامطة بالبحرين و الشام
كان في سنة احدى و ثمانين قد جاء إلى القطيف بالبحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي و زعم أنه رسول من المهدي ، و أنه قد قرب خروجه ، و قصد من أهل القطيف علي بن المعلى بن حمدان الرباديني ، و كان متغالباً في التشيع ، فجمع الشيعة و أقرأهم كتاب المهدي ليشيع الخبر في سائر قرى البحرين ، فأجابوا كلهم و فيهم أبو سعيد الجناني و كان من عظمائهم . ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة و رجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم و أمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير و ثلثين عن كل رجل منهم ففعلوا . ثم غاب و جاء بكتاب آخر بأن يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا ، و أقام يتردد في قبائل قيس ، ثم أظهر أبو سعيد الجناني الدعوة بالبحرين سنة ست و ثمانين و اجتمع إليه القرامطة و الأعراب ، و قتل و استباح و سار إلى القطيف طالباً البصرة ، و بلغت النفقة فيه أربعة عشر ألف دينار . ثم قرب أبو سعيد من نواحي البصرة ، و بعث المعتضد إليهم المدد مع عباس بن عمر الغنوي و عزله عن فارس و أقطعه اليمامة و البحرين ، و ضم إليه ألفين من المقاتلة ، و سار إلى البصرة و أكثر من الحشد جنداً و متطوعة . فسار و لقي أبا سعيد الجناني ، و رجع من كان معه بني ضبة إلى البصرة . ثم كان اللقاء فهزمه الجنابي و أسره و احتوى على معسكره و حرق الأسرى بالنار و ذلك في شعبان من هذه السنة . و سار إلى هجر فملكها و أمن أهلها و رجع إلى أهل البصرة ، و بعثوا إليهم بالرواحل عليها الطعام و الماء ، فاعترضهم بنو أسد و أخذوا الرواحل و قتلوا الفل ، و اضطربت البصرة و تشوف أهلها إلى الإنتقال فمنعهم الواثقي . ثم أطلق الجنابي العباس الغنوي فركب إلى الأبلة و سار منها إلى بغداد ، فخلع عليه المعتضد . و أما ظهورهم بالشام فإن داعيتهم ذكروية بن مهروية الذي جاء بكتاب المهدي إلى العراق لما رأى الجيوش متتابعة إلى القرامطة بالسواد ، و أبادهم القتل ، لحق بأعراب أسد وطيء ، فلم يجبه فبعث أولاده في كلب بن وبرة فلم يجبه منهم إلا بنو القليظي بن ضمضم بن عدي بن جناب ، فبايعوا ذكرويه و يسمى بيحيى و يكنى بأبي القاسم ، لقبوه الشيخ ، و أنه من ولد إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق . و أنه يحيى بن عبد الله بن يحيى بن إسمعيل ، و زعم أن له مائة ألف تابع ، و إن ناقته التي يركبها مأمورة فمن تبعها كان منصوراً . فقصدهم شبل مولى المعتضد في العساكر من ناحية الرصافة فقتلوه . فسار إليهم شبل مولى أحمد بن محمد الطائي فأوقع بهم . و جاء ببعض رؤسائهم أسيراً فأحضره المعتضد و قال له هل تزعمون أن روح الله و أنبيائه تحل في اجسادكم فتعصمكم من الزلل ، و توفقكم لصالح العمل ؟ فقال له : يا هذا أرأيت إن حلت روح إبليس فما ينفعك ؟ فاترك مالا يعنيك إلى ما يعنيك . قال له : فقل فيما يعنيني ‍! فقال له : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبوكم العباس حي فلم يطلب الأمر و لا بايعه . ثم مات أبو بكر و استخلف عمرو هو يرى العباس و لم يعهد إليه عمرو لاجعله من أهل الشورى ، و كانوا ستة و فيهم الأقرب و الأبعد ، و هذا إجماع منهم على دفع جدك عنها . فبماذا تستحقون أنتم الخلافة ؟ فأمر به المعتضد فعذب و خلعت عظامه ، ثم قطع مرتين ثم قتل . و لما أوقع شبل بالقرامطة بسواد الكوفة ساروا إلى الشام فانتهوا إلى دمشق و عليها طغج بن جف مولى أحمد بن طولون من قبل ابنه هرون ، فخرج إليهم فقاتلهم مراراً ، هزموه في كلها . هذه أخبار بدايتهم و نقض العنان عنها إلى أن نذكر سياقتها عندما نعدد أخبارهم على شريطتنا في هذا الكتاب كما تقدم .

استيلاء ابن ماسان على خراسان من يد عمرو بن الليث و أسره ثم مقتله
لما تغلب عمرو بن الليث الصفار على خراسان من يد رافع بن الليث ، و قتله و بعث برأسه إلى المعتضد ، و طلب منه أن يوليه ما وراء النهر مضافاً إلى ولاية خراسان ، كتب له بذلك فجهز الجيوش لمحاربة إسمعيل بن أحمد صاحب ما وراء النهر ، و جعل عليهم محمد بن بشير من أخص أصحابه . و بعث معه القواد فانتهوا إلى آمد من شط جيحون ، و عبر إليهم إسمعيل فهزمهم و قتل محمد بن بشير في ستة آلاف ، و لحق الفل بعمرو في نيسابور ، فتجهز و سار إلى بلخ ، و كتب إليه إسمعيل يستعطفه و يقول : أنا في ثغر و أنت في دنيا عريضة فاتركني و استفد ألفتي فأبى . و صعب على أصحابه عبور النهر لشدته فعبر إسمعيل و أخذ الطريق على بلخ و صار عمرو محصوراً . اقتتلوا فانهزم عمرو و تسرب من بعض المسالك عن أصحابه فوجد في أجمة و أخذ أسيراً ، و بعث به إسمعيل إلى سمرقند و من هناك إلى المعتضد سنة ثمان و ثمانين ، فحبسه إلى أن مات المعتضد سنة تسع بعدها فقتله ابنه المكتفي و عقد لإسمعيل على خراسان كما كانت لعمرو ، و كان عمرو عظيم السياسة ،
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:31 pm

و كان يستكثر من المماليك و يجري علي الأرزاق و يفرقهم على قواد ليطالعوه بأخبارهم . و كان شديد الهيبة ، و لم يكن أحد يتجاسر أن يعاقب غلاماً و لا خادماً إلا أن يرفعه إلى حجابه .

استيلاء ابن سامان على طبرستان من يد العلوى و مقتله
و لما بلغ محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان و الديلم ما وقع بعمر و بن الليث و أنه أسر طمع هو في خراسان و ظن أن ابن إسمعيل لا يتجاوز عمله ، فسار إلى جرجان و بعث إليه إسمعيل بالكف فأبى ، فجهز لحربه محمد بن هرون ، و كان من قواده رافع بن الليث . و استأمن إلى عمروا ثم إلى إسمعيل فنظمه في قواده و ندبه الآن لحرب محمد بن زيد ، فسار لذلك . و لقيه على باب خراسان ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، و انهزم محمد بن هرون أولاً و افترقت عساكر محمد بن زيد على النهب ثم رجع هو و أصحابه ، و انهزم محمد بن زيد و جرح جراحات فاحشة هلك منها لأيام ، و أسر ابنه زيد ، و بعث به إسمعيل إلى بخارى و اجترأ عليه و غنم ابن هرون معسكرهم ، ثم سار إلى طبرستان فملكها و صار خراسان و طبرستان لبني سامان ، و اتصلت لهم دولة نذكر سياقة أخبارها عند أفراد دولتهم بالذكر كما شرطناه في تأليفنا .

ولاية علي بن المعتضد على الجزيرة و الثغور
و لما ملك المعتضد آمد من يد ابن الشيخ كما قدمناه ، سار إلى الرقة و تسلم قنسرين و العواصم من يد عمال هرون بن خمارويه لأنه كان كتب إليه أن يقاطعه على الشام و مصر و يسلم إليه أعمال قنسرين ، و يحمل إليه أربعمائة ألف دينار و خمسين ألفاً فأجابوه و سار من آمد إلى الرقة فأنزل ابنه علياً الذي لقبه بعد ذلك بالمكتفي و عقد له على الجزيرة و قنسرين و العواصم سنة ست و ثمانين . و استكتب له الحسن بن عمر النصراني و استقدم و هو بالرقة راغباً مولى الموفق من طرسوس ، فقدم عليه و حبسه و حبس ملنون غلامه ، و استصفى أموالهما ، و مات راغب لأيام من حبسه و قد كان راغب استبد بطرسوس و ترك الدعاء لهرون بن خمارويه ، و دعا لبدر مولى المعتضد . و لما جاء أحمد بن طبان للغز سنة ثلاث و ثمانين تنازع معه راغب ، فركب أحمد البحر في رجوعه و لم يعرج على طرسوس و ترك بها دميانة غلام بازيار و أمده فقوي و أنكر على راغب أفعاله بحمل دميانة إلى بغداد ، و استبد راغب إلى استدعاء المعتضد و نكبه كما قلناه ، و ولى ابن الأخشاء على طرسوس فمات لسنة . و استخلف أبا ثابت و خرج سنة سبع و ثمانين غازياً فأسر و ولى الناس عليهم مكانه علي بن الأعرابي ، و لحق بملطية في هذه السنة وصيف مولى محمد بن أبي الساج صاحب بردعة ، و كتب إلى المعتمد يسأله ولاية الثغور و قد وطأ صاحبه أن يسير إليه إذا وليها فيقصدان ابن طولون و يملكان مصر من يده ، و ظهر المعتضد على ذلك فسار لاعتراضه ، و قدم العساكر بين يديه ، فأخذه بعين زربة و جاؤا به إلى المعتضد فحبسه ، و أمن عسكره و رحل إلى قرب طرسوس ، و استدعى رؤساءها و قبض عليهم بمكاتبتهم وصيفاً ، و أمر بإحراق مراكب طرسوس بإشارة دميانة ، و استعمل على أهل الثغور الحسن بن علي كورة و سار إلى أنطاكية و حلب و رجع منها إلى بغداد و قتل وصيفاً و صلبه . و استقدم المكتفي بعد وفاة المعتضد الحسن بن علي ، و ولى على الثغور مظفر بن حاج . ثم شكا أهل الثغر منه فعزله و ولى أبا العشائر بن أحمد بن نصر سنة تسعين .

حرب الأعراب
و في سنة ست و ثمانين اعترضت طيء ركب الحاج بالاجيعر ، و قاتلوه و نهبوا أموال التجار ما قيمته ألف ألف دينار ، ثم اعترضوا الحاج كذلك سنة تسع و ثمانين بالقرن فهزمهم الحاج و سلموا .

تغلب ابن الليث على فارس و اخراج بدر اياه
و في فاتح ثمان و ثمانين جاء طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث في العساكر إلى بلاد فارس ، و أخرج منها عامل المعتضد و هو عيسى النوشري كان على أصبهان فولاه المعتضد فارس ، فسار إليها فجاءه طاهر و ملكها . و كتب إليه إسمعيل صاحب ما وراء النهر بأن المعتضد ولاه سجستان لذلك ، و عقد المعتضد لبدر مولاه على فارس ، و هرب عمال طاهر عنها و ملكها بدر و جبى خراجها . ثم مات المعتضد و سار مغرباً عن فارس فقتل بواسط و قاطع طاهر بلاد فارس على مال يحمله ، فقلده المكتفي ولايتها سنة تسعين .

الولايات في النواحي
كان أكثر النواحي في دولة المعتضد مغلباً عليها كخراسان و ما وراء النهر لابن سامان ، و البحرين للقرامطة و مصر لابن طولون و أفريقية لابن الأغلب ، و قد ذكرنا من ولي الموصل . و في سنة خمس و ثمانين ولى المعتضد عليها و على الجزيرة و الثغور الشامية مولاه ، ثم ملك آمد من يد اين الشيخ و جعلها لابنه علي المكتفي و أنزله الرقة كما ذكرناه و عقد له على الثغور . ثم عقد بعده للحسن بن علي كورة و ولى على فارس بدراً مولاه . و مات إسحق بن أيوب بن عمر بن الخطاب الثعلبي العدوي أمير ديار ربيعة ، فولى المعتضد مكانه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعمر ، و في سنة ثمان و ثمانين ظهر باليمن بعض العلويين و تغلب على صنعاء ، فجمع له بنو يعفر و قاتلوه فهزموه و أسروا ابنه ، و تجافى نحو خمسين فارساً و ملك بنو يعفر صنعاء و خطبوا فيها للمعتضد ، و هلك ابن أبي الساج في هذه السنة ، فولى أصحابه ابنه ديوداد . و نازعه يوسف بن رافع بابن أخيه و هزمه و مضى إلى بغداد على طريق الموصل ، و استقل يوسف بملك أذربيجان ، و عرض على ابن أخيه المقام عنده فأبى ، و قلد المعتضد لأول خلافته ديوان المشرق لمحمد بن داود بن الجراح ، عوضاً عن أحمد بن محمد بن الفرات ، و ديوان المغرب علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، و مات وزيره عبيد الله بن سليمان بن وهب فولى ابنه أبا القاسم مكانه .

الصوائف
و في سنة خمس و ثمانين غزا راغب مولى الموفق من طرسوس في البحر ، فغنم مراكب الروم ، قتل فيها نحواً من ثلاثة آلاف و أحرقها . و خرج الروم سنة سبع و ثمانين و نازلوا طرسوس فقاتلهم أميرها و اتبعهم إلى نهر الرحال فأسروه . و في سنة ثمان و ثمانين بعث الحسن بن علي كوره صاحب الثغور بالصائفة ، فغزا و فتح حصوناً كثيرة و عاد بالأسرى ، فخرج الروم في أثره براً و بحراً إلى كيسوم من نواحي حلب فأسروا نحواً من خمسة عشر ألفاً و رجعوا .

وفاة المعتضد و بيعة ابنه
كان بدر مولى المعتضد عظيم دولته ، و كان القاسم بن عبيد الله الوزير يروم نقل الخلافة في غير بني المعتضد ، و فاوض في ذلك بدراً أيام المعتضد فأبى ، و لم يمكن القاسم مخالفته . فلما مات المعتضد كان بدر بفارس بعثه إليها المعتضد لما بلغه أن طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث غلب عليها فبعث بدراً و ولاه . فلما مات عقد الوزير البيعة لابنه المكتفي و خشي من بدر فيما اطلع عليه منه ، فأعمل الحيلة في أمره . و كان المكتفي أيضاً يحقد لبدر كثيراً من منازعة معه أيام أبيه ، فدس الوزير إلى القواد الذين مع بدر بمفارقته ، ففارقه العباس بن عمر الغنوي و محمد بن إسحق بن كنداج و خاقان العلجى و غيرهم ، فأحسن الملتقى إليهم و سار بدر إلى واسط ، فوكل المكتفي بداره و قبض على أصحابه و أمر بمحو اسمه من الفراش والأعلام و بعث الحسن بن علي كورة في جيش إلى واسط ، و عرض على بدر ما شاء من النواحي ، فقال : لا بد لي أن أشافه مولية بالقول ! فخوف الوزير المكتفي خائنته و منعه من ذلك ، و شعر أن بدراً بعث عن ابنه هلال فوكل به . ثم بعث الوزير عن القاضي أبي عمر المالكي و حمله الأمان إلى بدر فجاء بأمانه و بعث الوزير من اعتراضه بالطريق فقتله لست خلون من رمضان ، و حمل أهله شلوه إلى مكة فدفن بها لوصيته بذلك . و حزن القاضي أبو عمر لاخفار ذمته .

استيلاء محمد بن هرون على الري ثم أسره و قتله
قد تقدم لنا ذكر محمد بن هرون و أنه كان من قواد رافع بن هرثمة ، و نظمه إسمعيل بن أحمد صاحب مال وراء النهر في قواده و بعثه لحرب محمد بن زيد فهزمه و استولى على طبرستان ، و ولاه إسمعيل عليها . ثم انتقض و دعا بدعوة العلوية و بيض و ساعده ابن حسان الديلمي . و بعث إسمعيل العساكر لقتال ابن حسان فهزموه . و كان على الري من قبل المكتفي أغرتمشن التركي ، فأساء السيرة فبعث أهل الري إلى محمد بن هرون أن يسير إليهم و يولوه ، فسار و حارب أغرتمش فهزمه و قتله ، و قتل ابنيه و أخاه كيغلغ من القواد و استولى على الري و بعث المكتفي مولاه خاقان المفلحي لولاية الري في جيش كثيف فلم يصلها . و بعث المكتفي إلى إسمعيل بولايته و محاربة محمد بن هرون فسار إسمعيل إليه و هزمه ، فخرج عن الري إلى قزوين و زنجان . ثم لحق بطبرستان و استقر مع ابنه مستجيراً ، و لما ملك إسمعيل الري ولى على جرجان مولاه نارس الكبير و الزمه إحضار محمد بن هرون فكاتبه نارس و ضمن له صلاح الحال ، فقبل و انصرف عن الديلم إلى بخارى ، فبعث إسمعيل من اعترضه و حمل إلى بخارى مقيداً فمات في الحبس بعد شهر و ذلك في شعبان سنة تسعين .

استيلاء المكتفي على مصر و انقراض دولة ابن طولون
كان محمد بن سليمان من قواد بني طولون و كاتب جيشهم و استوحش منهم ، فلحق بالمعتضد و صرفوه في الخدم ، و كانت القرامطة عاثوا في بلاد الشام و حاصروا عامل بني طولون بدمشق و هو طغج بن جف ، و قتلوا قواده . و سار المكتفي إليهم فنزل الرقة و بعث محمد بن سليمان لحربهم و معه الحسن بن حمدان و العساكر و بنو شيبان ، فلقيهم قرب حماة فهزمهم و اتبعهم إلى الكوفة ، و قبض في طريقه على أميرهم صاحب الشامة فبعث به إلى المكتفي ، فرجع إلى بغداد و خلف محمد بن سليمان في العساكر فتبعهم و أسر جماعة منهم . و بينما هو يروم العود إلى بغداد جاءه كتاب بدر الحمامي مولى هرون بن خمارويه و محمد فائق صاحب دمشق يستقدمانه إلى البلاد لعجز هرون عنها . فأنهى ذلك محمد بن سليمان عند عوده إلى المكتفي فأعاده و أمده بالجنود و الأموال . و بعث دميانة غلام بازيار في الأسطول ليدخل من فوهة النيل و يحاصر مصر ،و لما وصل و دنا من مصر كاتب القواد ، و خرج إليه رئيسهم بدر الحمامي و تتابع منهم جماعة ، و برز هرون لقتاله فحاربه أياماً . ثم وقعت بعض الأيام في عسكره هيعة ركب لها ليسكنها فأصابته حربه مات منها ، و اجتمع أصحابه على عمه شيبان و بذل الأموال فقاتلوا معه . ثم جاءهم كتاب محمد بن سليمان بالأمان فأجابوه ، و خالف شيبان إلى مصر فاستولى عليها واستأمن إليه شيبان سراً فأمنه و لحق به . ثم قبض على بني طولون و حبسهم و استصفى أموالهم و ذلك في صفر سنة اثنتين و تسعين ، و أمره المكتفي بإزالة آل طولون و أشياعهم من مصر و الشام ففعل . و سار بهم إلى بغداد و ولى المكتفي على مصر عيسى النوشري و خرج عليه إبراهيم الخليجي من قواد بني طولون يخلف عن محمد بن سليمان ، فخلفه و كثر جمعه و سار النوشري إلى الإسكندرية عجزاً عن مدافعته ، و استولى الخليجي على مصر و بعث المكتفي بالجنود مع فاتك مولى المعتضد و أحمد بن كيغلغ و بدر الحمامي من قواد بني طولون ، فوصلوا سنة ثلاث و تسعين ، و تقدم أحمد بن كيغلغ و جماعة من القواد ، فلقيهم قرب العريش فهزمهم و قوي الأمر ، و بلغ الخبر إلى المكتفي فعسكر ظاهر بغداد ، و انتهى مده إلى تكريت فلقيه كتاب فاتك في شعبان يذكر أنهم هزموا الخليجي بعد حروب متصلة ، و غنموا عسكره . ثم هرب و اختفى بفسطاط مصر و جاء من دل عليه فأمر المكتفي بحمله و من معه إلى بغداد فبعثوا بهم و حبسوا .

ابتداء دولة بني حمدان
و في سنة اثنتين و تسعين عقد المكتفي على الموصل و أعمالها لأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون العدوي الثعلبي فقدمها أول المحرم و جاء الصريخ من نينوى بأن الأكراد الهدبانية و مقدمهم محمد بن سلال قد أغاروا على البلاد و عانوا ، فخرج في العساكر و عبر الجسر إلى الجانب الشرقي ، و لقيهم على الحارد فقاتلهم و قتل من قواد سليمان الحمداني و رجع عنهم ، و بعث إلى الخليفة يستمده ، فأبطأ عليه المدد إلى ربيع من سنة أربع ، فلما جاءه المدد سار إلى الهدبانية و هم مجتمعون في خمسة آلاف بيت ، فارتحلوا أمامه و اعتصموا بحبل السلق المشرف على الزاب ، فحاصرهم و عرفوا حقه فخذله أميرهم محمد بن سلال بالمراسلة في الطاعة و الرهن ، و حث أصحابه خلال ذلك المسير إلى أذربيجان ، و اتبعهم أبو الهيجاء فلحقهم صاعداً إلى جبل القنديل فنال منهم ، و امتنعوا بذروته . و رجع أبو الهيجاء عنهم فلحقوا بأذربيجان ، و وفد ابو الهيجاء على المكتفي فأنجده العسكر و عاد إلى الموصل . ثم سار إلى الأكراد بحبل السلق فدخله و حاصرهم بقنته ، و طال حصارهم و اشتد البرد و عدمت الأقوات ، و طلب محمد بن سلال النجاة بأهله و ولده ، فنجا و استولى ابن حمدان على أموالهم و أهليهم و أمنهم . ثم استأمن محمد بن سلال فأمنه و حضر عنده و أقام بالموصل و تتابع الأكراد الحميدية مستأمنين ، و استقام أمر أبي الهيجاء بالموصل . ثم
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:32 pm

انتقض سنة إحدى و ثلثمائة فبعث إليه المقتدر مؤنساً الخادم فجاء بنفسه مستأمناً و رجع إلى بغداد ، فقبله المقتدر و أكرمه . و بقي ببغداد إلى أن انتقض أخوه الحسين بديار ربيعة سنة ثلاث و ثلثمائة . و سارت العساكر فجاؤا به أسيراً . فحبس المقتدر عند ذلك أبا الهيجاء و أولاده ، و جمع إخوته بداره ثم أطلقهم سنة خمس و ثلثمائة .

أخبار ابن الليث بفارس
قد تقدم لنا استقلال طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث ببلاد فارس و أن المكتفي عقد له عليها سنة تسعين ، ثم أنه تشاغل باللهو و الصيد ، و أعرض عن أمور ملكه . و مضى في بعض الأيام إلى سجستان فوثب على فارس الليث بن علي بن الليث ، و سيكرى مولى عمرو بن الليث ، فاستوحش قوادهما يعرف بأبي قابوس ، و فارقهما إلى بغداد و أحسن المكتفي إليه . ثم كتب إليه طاهر في رد أبي قابوس إليه ، و يحتسب له ما معه من أموال الجباية فأعرض الخليفة عن ذلك .

الصوائف
و في سنة إحدى و تسعين خرج الروم إلى الثغور في مائة ألف ، و قصد جماعة منهم الحدث . ثم غزا بالصائفة من طرسوس القائد المعروف غلام زرافة ، ففتح مدينة أنطاكية و فتحها عنوة فقتل خمسة آلاف من مقاتلتهم و أسر مثلها . و استنفد من اسرى المسلمين مثلها ، و غنم ستين من مراكب الروم بما فيها من المال و المتاع و الرقيق ، فقسمها مع غنائم أنطاكية ، فكان السهم ألف دينار . و في سنة اثنتين و تسعين أغار الروم على مرعش و نواحيها ، فخرج أهل المصيصة و أهل طرسوس فأصيب منهم جماعة ، فعزل المكتفي أبا العشائر عن الثغور و ولى رستم بن برد ، فكان على يديه الفداء ، و فودي ألف من المسلمين . ثم أغارت الروم سنة ثلاث و تسعين على موارس من أعمال حلب ، و قاتلهم أهلها فانهزموا و قتل منهم خلق ، و دخلها الروم فأحرقوا جامعها و أخذوا من بقي فيها . و في سنة أربع و تسعين غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من الروم أربعة آلاف سبياً ، و استأمن بطريق من الروم فأسلم . ثم عاود ابن كيغلغ الغزو و بلغ سكند و افتتحها ، و سار إلى الليس فبلغ خمسين ألف رأس . و قتل من الروم خلقاً ثم استأمن البطريق المتولي الثغور من جهة الروم إلى المكتفي ، و خرج بمائتي أسير من المسلمين . و كان ملك الروم قد شعر بأمره و بعث من يقبض عليه ، فقتل الأسرى المسلمون من جاء للقبض عليه و غنموا عسكرهم . و اجتمع الروم على محاربة البطريق انذوقس و زحف المسلمون لخلاصه و خلاص من معه من الأسرى ، فبلغوا قونية و خربوها و انصرف الروم ، و مر المسلمون في طريقهم بحصن أندوس فخرج معهم بأهله و سار إلى بغداد . و في سنة إحدى و تسعين خرج الترك إلى ما وراء النهر في خلق لا يحصون ، فبعث إليهم إسمعيل عسكراً عظيماً من الجند و المطوعة فكبسوهم و استباحوهم . و في سنة ثلاث و تسعين افتتح إسمعيل مدائن كثيرة من بلاد الترك و الديلم .

الولايات بالنواحي
قد ذكرنا ولايات خاقان المفلحي على الري ، ثم إسمعيل بن أحمد بن سامان بعده . و ولاية عيسى النوشري على مصر بعد انتزعها من بني طولون ، و ولاية أبي العشائر أحمد بن نصر على طرسوس و عزل مظفر بن حاج عنها سنة تسعين ، ثم عزل أبي العشائر و ولاية رستم بن برد ، و سنة اثنتين و تسعين . و انتراع الليث بن علي بن الليث بلاد فارس من يد طاهر بن محمد سنة ثلاث و تسعين بعد أن كان المكتفي عقد له عليها سنة تسعين ، و ولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة ثلاث و تسعين . و في هذه السنة ثار داعية القرامطة باليمن إلى صنعاء فملكها و استباحها و تغلب على كثير من مدن اليمن و بعث المكتفي المظفر بن الحاج في شوال من هذه السنة إلى عمله باليمن فأقام به و في سنة إحدى و تسعين توفي الوزير أبو القاسم بن عبيد الله و استوزر مكانه العباس بن الحسن .

وفاة المكتفي و بيعة المقتدر
ثم توفي المكتفي بالله أبو محمد علي بن المعتضد في شهر جمادى سنة خمس و تسعين لست سنين و نصف من ولايته ، و دفن بدار محمد بن طاهر من بغداد بعد أن عهد بالأمر إلى أخيه جعفر . و كان الوزير العباس بن الحسن قد استشار أصحابه فيمن يوليه ، فأشار محمد بن داود بن الجراح بعبد الله بن المعتز ، و وصفه بالعقل و الرأي و الأدب ، و أشار أبو الحسين بن محمد بن الفرات بجعفر بن المعتضد بعد أن أطال في مفاوضته و قال له : اتق الله و لا توال إلا من خبرته و لا تول البخيل فيضيق على الناس في الأرزاق ، و لا الطماع فيشره إلى أموال الناس ، و لا المتهاون بالدين فلا يجتنب المآثم و لا يطلب الثواب . و لا تول من خبر الناس و عاملهم و اطلع على أحوالهم ، فيستكثر على الناس نعمهم ، و أصلح الموجودين مع ذلك جعفر بن المعتضد . قال : ويحك و هو صبي ! فقال : و ما حاجتنا بمن لا يحتاج إلينا و يستبد علينا ؟ ثم استشار علي بن عيسى فقال : اتق الله و انظر من يصلح . فمالت نفس الوزير إلى جعفر كما أشار ابن الفرات ، و كما أوصى أخوه ، فبعث صائفاً الخدمي فأتى به من داره بالجانب الغربي ، ثم خشي عليه غائلة الوزير فتركه في الحراقة ، و جاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية . ثم جاء به من الحراقة و جاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية . ثم جاء به من الحراقة و أقعده على الأريكة و جاء الوزير و القواد فبايعوه ، و لقب المقتدر بالله و أطلق يد الوزير في المال و كان خمسة عشر ألف ألف دينار فأخرج منه حق البيعة و استقام الأمر .

خلع المقتدر بابن المعتز و اعادته
ولما بويع المقتدر و كان عمره ثلاث عشرة سنة إستصغره الناس و أجمع الوزير خلعه و البيعة لأبي عبد الله محمد بن المعتز و راسله في ذلك ، فأجاب و انتظر قدوم نارس حاجب إسمعيل بن سامان ، كان قد انتقض إلى مولاه و سار عنه ، فاستأذن في القدوم إلى بغداد و أذن له . و قصد الاستعانة به على موالي المعتضد . و أبطأ نارس عليه ، و هلك أبو عبد الله بن المقتدر خلال ذلك فصرف الوزير و جهة لأبي الحسين بن الموكل فمات ، فأقر المقتدر ، ثم بدا له و أجمع عزله ، و اجتمع لذلك مع القواد و القضاة و الكتاب و راسلوا عبد الله بن المعتز فأجابهم على أن لا يكون قتال . فأخبروه باتفاقهم و أن لا منازع لهم . و كان المتولون لذلك الوزير العباس بن الحسين و محمد بن داود بن الجراح و أبا المثنى أحمد بن يعقوب القاضي ، و من القواد الحسين بن حمدان و بدر الأعجمي و وصيف بن صوارتكين . ثم رأى الوزير أمره صالحاً المقتدر فبداله في ذلك فأجمع الآخرون أمرهم ، و اعترضه الحسين بن حمدان و بدر الأعجمي و وصيف في طريق لستانة فقتلوه لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست و تسعين ، و خلعوا المقتدر من الغد و بايعوا لابن المعتز ، و كان المقتدر في الحلبة يلعب الأكرة ، فلما بلغه قتل الوزير دخل الدار و أغلق الأبواب ، و جاء الحسين بن حمدان إلى الحلبة ليفتك به فلم يجده ، فقدم و أحضروا ابن المعتز فبايعوه ، و حضر الناس و القواد و أرباب الدواوين سوى أبي الحسن بن الفرات و خواص المقتدر فلم يحضروا . و لقب ابن المعتز المرتضي بالله ، و استوزر محمد بن داود بن الجراح ، و قلد علي بن موسى الدواوين ، و بعث إلى المقتدر بالخروج من دار الخلافة ، فطلب الإمهال إلى الليل ، و قال مؤنس الخادم و مؤنس الخازن : و عربت الحال و سائر الحاشية لا بد أن يبدى عذراً فيما أصابنا . و باكر الحسين بن حمدان من الغد دار الخلافة فقاتله الغلمان و الخدم من وراء السور وانصرف . فلما جاء الليل سار الموصل بأهله ، و أجمع رأى أصحاب المقتدر على قصد ابن المعتز في داره فتسلحوا و ركبوا في دجلة ، فلما رآهم أصحاب ابن المعتز اضطربوا و هربوا و اتهموا الحسين بن حمدان أنه قد واطأ المقتدر عليهم ، و ركب ابن المعتز و وزيره محمد بن داود بن الجراح و خرجوا إلى الصحراء ظنا منهم أن الجند الذين بايعوهم يخرجون معهم ، و أنهم يلحقون بسامرا فيمتنعون ، فلما تفردوا بالصحراء رجعوا إلى البلد و تسربوا في الدور ، و اختفى ابن الجراح في داره ، و دخل ابن المعتز و مولاه دار أبي عبد الله بن الحصاص مستجيراً به . و ثار العيارون و السفل ينتهبون . و فشا القتل و ركب ابن عمرويه صاحب الشرطة ، و كان ممن بايع ابن المعتز ، فنادى بثأر المقتدر مغالطاً ، فقاتله فهرب و استتر ، و أمر المقتدر مؤنساً الخازن فزحف في العسكر و قبض على وصيف بن صوارتكين فقتله ، و قبض على القاضي أبي عمر علي بن عيسى و القاضي محمد بن خلف ، ثم أطلقهم و قبض على القاضي أبي المثنى أحمد بن يعقوب ، قال له : بايع المقتدر ! قال : هو صبي ! فقتله و بعث المقتدر إلى أبي الحسن بن الفرات كان مختفياً و استوزره . و جاء سوسن خادم ابن الجصاص فأخبر صافياً الخزمي مولى المقتدر بمكانه عندهم ، فكبست الدار و أخذ ابن المعتز و حبس إلى الليل ، ثم خصيت خصيتاه فمات و سلم إلى أهله و أخذ ابن الجصاص و صودر على مال كثير ، و أخذ محمد بن داود وزير ابن المعتز و كان مستتراً فقتل . و نفى علي بن عيسى بن علي إلى واسط ، و استأذن من ابن الفرات في المسير إلى مكة فسار إليها على طريق البصرة و أقام بها ، و صودر القاضي أبو عمر على مائة ألف دينار ، و سارت العساكر في طلب الحسين بن حمدان إلى الموصل فلم يظفروا به ، و شفع الوزير ابن الفرات في ابن عمروية صاحب الشرطة و إبراهيم بن كيغلغ و غيرهم . و بسط ابن الفرات الإحسان و أدار الأرزاق للعباسيين و الطالبيين و أرضى و القواد بالأموال ، ففرق معظم ما كان في بيت المال ، و بعث المقتدر القاسم بن سيما و جماعة من القواد في طلب الحسين بن حمدان ، فبلغوا قرقيسيا و الرحبة و لم يظفروا به ، و كتب المقتدر إلى أخيه أبي الهيجاء و هو عامل الموصل بطلبه ، فسار مع القاسم بن سيما و القواد و لقوه عند تكريت فهزموه ، و بعث مع أخيه إبراهيم يستأمن فأمنوه و جاؤا به إلى بغداد ، فخلع عليه المقتدر و عقد له على قم و قاشان ، و عزل عنها العباس بن عمر الغنوي فسار إليها الحسين ، و وصل نارس مولى إسمعيل بن سامان فقلده المقتدر ديار ربيعة .

ابتداء دولة العبيديين من الشيعة بأفريقية
نسبة هؤلاء العبيدين إلى أول خلفائهم ، هو عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسمعيل الإمام بن جعفر الصادق ، و لا يلتفت لإنكار هذا النسب ، فكتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان و ابن مدرار بسلجماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب شاهد بصحة نسبهم و شعر الشريف الرضي في قوله :
ألبس الذل في بلاد الأعادي و بمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي و مولاه مولاي إذا ضامني البعيد القصي
لف عرقي بعرقه سيدا لنا س جميعاً ، محمد و علي
و أما المحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالقدح في نسبهم ، و شذ فيه أعلام الأئمة مثل القدوري و الصهيري و أبي العباس و الأبيوردي و أبي حامد الأسفرايني و أبي الفضل النسوي و أبي جعفر النسفي ، و من العلوية المرتضى و ابن البطحاوي ، و ابن الأزرق ، و زعيم الشيعة أبو عبد الله بن النعمان ، فهي شهادة على السماع . و كان ذلك متصلاً في دولة العباسية منذ مائتين من السنين فاشياً في أمصارهم و أعصارهم . و الشهادة على السماع في مثله جائزة على أنها شهادة نفي . و لا تعارض ما ثبت في كتاب المعتضد مع أن طبيعة الوجود في الإنقياد لهم ، و ظهور كلمتهم أدل شيء على صدق نسبهم .و أما من جعل نسبهم في اليهودية أو النصرانية لميمون القداح أو غيره فكفاه إنما تعرضه لذلك .و أما دعوتهم التي كانوا يدعون لها فقد تقدم ذكرها في مذاهب الشيعة من مقدمة الكتاب ، و انتقسمت مذاهب الشيعة مع اتفاقهم على تفضيل علي على جميع الصحابة إلى الزيدية القائلين بصحة إمامة الشيخين مع فضل علي ، و يجوزون إمامة المفضول و هو مذهب زيد الشهيد و اتباعه ، و الرافضة و يدعون بالإمامية المتبرئين من الشيخين بإهمالهما وصية النبي صلى الله عليه و سلم بخلافة علي . مع أن هذه الوصية لم تنقل من طريق صحيح ، قال بها أحد من السلف الذين يقتض بهم ، و إنما هي من أوضاع الرافضة . و انقسم الرافضة بعد ذلك إلى اثني عشرية نقلوا الخلافة من جعفر بعد الحسن و الحسين و علي زين العابدين و محمد الباقر و جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم و ولده على سلسلة واحدة إلى تمام الاثني عشر ، و هو محمد المهدي و زعموا أنه دخل سرداباً و هم في انتظاره إلى الآن . و إلى الإسماعيلية نقلوا الخلافة من جعفر الصادق إلى ابنه إسمعيل ، ثم ساقوها في عقبة فمنهم من انتهى بها إلى عبيد الله هذا المهدي ، و هم العبيديون ، و منهم من ساقها إلى يحيى بن عبيد الله بن محمد المكتوم . و هؤلاء طائفة من القرامطة و هي من كذباتهم ، و لايعرف لمحمد بن إسمعيل ولد اسمه عبيد الله . و كان شيعة هؤلاء العبيدين بالمشرق و اليمن و أفريقية . و سار بها إلى أفريقية رجلان يعرف أحدهما بالحلواني و الآخر بالسفياني أنفذهما الشيعة إلى هنالك و قالوا لهما : إن العرب أرض بور فاذهبا و احرثاها حتى يحيا صاحب البذر ، و سارا لذلك و نزلا أرض كتامة ، أحدهما ببلد يسمى سوق حمار . و فشت هذه الدعوة منهما في أهل تلك النواحي من البربر و خصوصاً في كتامة ، و كانوا يزعمون أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى إلى علي بالخلافة بالنصوص الجلية و عدل عنها الصحابة إلى غيره فوجب البراءة ممن عدل عنها . ثم أوصى علي إلى ابنه الحسن ثم الحسن إلى أخيه الحسين ، ثم الحسين إلى ابنه علي زين العابدين ، ثم زين العابدين إلى ابنه محمد الباقر ، ثم محمد الباقر إلى ابنه جعفر الصادق ، ثم جعفر الصادق إلى ابنه إسمعيل الإمام ،و منه إلى ابنه محمد ، و يسمونه المكتوم لأنهم كانوا يكتمون اسمه حذراً عليه . ثم أوصى محمد المكتوم إلى ابنه جعفر المصدق ، و جعفر المصدق إلى ابنه محمد الحبيب ، و محمد الحبيب إلى ابنه عبيد الله المهدي الذي دعا له أبو عبد الله الشيعي . و كانت شيعهم منتشرين في الأرض من اليمن إلى الحجاز و البحرين و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:33 pm

الطرق و خراسان و الكوفة و البصرة و الطالقان . و كان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص ، و كان عادتهم في كل ناحية يدعو للرضا من آل محمد ، و يرومون إظهار الدعوة بحسب ما عليهم . و كان الشيعة من النواحي يعملون مكيهم في أكبر الأوقات لزيارة قبر الحسين ، ثم يعرجون على سلمية لزيارة الأئمة من ولد إسمعيل و كان باليمن من شيعتهم . ثم بعده لأئمة قوم يعرفون ببني موسى و رجل آخر يعرف بمحمد بن الفضل أصله من جند . و جاء محمد إلى زيارة الإمام محمد الحبيب . فبعث معه أصحابه رستم بن الحسين بن حوشب بن داود النجار ، و هو كوفي الأصل و أمره الدعوة ، و أن المهدي خارج في هذا الوقت ، فسار إلى اليمن و نزل على بني موسى و أظهر الدعوة هنالك للمهدي من آل محمد الذي ينعتونه بالنعوت المعروفة عندهم ، فأتبعه و استولى على كثير من نواحي اليمن . و كان أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب ، و كان محتسباً بالبصرة . و قيل إنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم و أبو عبد الله يعرف بالعلم . لأنه كان يعرف مذهب الإمامية الباطنية ، قد اتصل الإمام محمد الحبيب و خبر أهليته ، فأرسله إلى أبي حوشب ، و لزم مجالسته و أفاد علمه . ثم بعثه مع الحاج اليمني إلى مكة ، و بعث معه عبد الله بن أبي ملا ، فأتى الموسم و لقي به رجالات كتامة مثل حريث الحميلي و موسى بن مكاد ، فاختلط بهم و عكفوا عليه لما رأوا عنده من العباد و الزهد ، و وجه إليهم بدراً من ذلك المذهب ، فاغتبط و اغتبطوا و ارتحل معهم إلى بلدهم و نزل بها منتصف ربيع سنة ثمان و ثلاثين ، و عين لهم مكان منزله بفتح الأحار و أن النص عنده من المهدي بذلك و لجهره المهدي و أن أنصاره الأخيار من أهل زمانه ، و أن اسم أنصاره مشتق من الكتمان و لم يعينه ، و اجتمع لمناظرته كثير من أهل كتامة فأبى ، ثم أطاعوه بعد فتن و حروب . و اجتمعوا على دعوته و كانوا يسمونه أبا عبد الله المشرقي و الشيعي ، و لما اختلف كتامة عليه و اجتمع كثير منهم على قتله قام بنصرته الحسن بن هرون ، و سار به إلى جبل إيكجان و أنزله مدينة تاصروت من بلد زرارة ، و قاتل من لم يتبعه بمن تبعه حتى استقاموا جميعاً على طاعته . و بلغ خبره إبراهيم بن أحمد بن الأغلب عامل أفريقية بالقيروان ، فأرسل إلى عامل ميلة يسأله عن أمره فحقره و ذكر أنه رجل يلبس الخشن ، و يأمر بالعبادة و الخير فأعرض عنه حتى إذا اجتمع لأبي عبد الله أمره ، زحف في قبائل كتامة إلى بلد ميلة فملكها على الأمان بعد الحصار ، فبعث إبراهيم بن أحمد بن الأغلب ابنه الأحول في عسكرهم يجاور عشرين ألفاً ، فهزم كتامة و امتنع أبو عبد الله بجبل إيكجان ، و أحرق الأحول مدينة تاصروت و مدينة ميلة ، و عاد إلى أفريقية ، و بني أبو عبد الله بجبل إيكجان مدينة سماها دار الهجرة . ثم توفي إبراهيم بن الأغلب صاحب أفريقية و ولى ابنه أبو العباس ، و قتل و استقر الأمر لزيادة الله ، و كان الأحول حمل العساكر لحضوره فاستقدمه زيادة الله و قتله .

وفاة الحبيب و ايصاؤه لابنه عبيد الله
و لما توفي محمد الحبيب و أوصى لابنه عبيد الله ، و قال له : أنت المهدي و تهاجر بعدي هجرة بعيدة ، و ترى محناً شديدة . فقام عبيد الله بالأمر و انتشرت دعوته و أرسل إليه أبو عبد الله الشيعي رجالاً من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم ، و أانهم في انتظاره . و شاع خبره و طلبه المكتفي فهرب هو و ولده نزار الذي ولي بعده و تلقب بالقائم . و خرج معه خاصته و مواليه يريد المغرب . و انتهى إلى مصر و عليها يومئذ عيسى النوشري ، فلبس عبيد الله زي التجار يتستر به . و جاء كتاب المكتفي للنوشري بالقبض عليه ، و فيه صفته و حليته ، فبعث العيون في طلبه . و نمي الخبر بذلك إلى عبيد الله من بعض خواص النوشري فخرج في رفقة ، ورآه النوشري و أحضره و دعاه للمؤاكلة فاعتذر بالصوم ، ثم امتحنه فلم تشهد له أحواله بشيء مما ذكر له عنه . و قارن ذلك رجوع ابنه أبي القاسم يسأل عن كلب للصيد ضاع له ، فلما رآه النوشري و أخبر أنه ولد عبد الله علم أن هذه الدالة في طلب الضائع منافيه للرقبة و الخوف ، فخلى سبيله . وجد المهدي في السير و كان له كتب من الملاحم ورثها منقولة عن أبيه سرقت من رحله في تلك الطريق ، و يقال إن ابنه أبا القاسم لما زحف إلى مصر أخذها من بلاد برقة . و لما انتهى المهدي و ابنه إلى طرابلس و فارقه التجار أهل الرفقة ، قدم أبا العباس أخا أبي عبيد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ، و مر بالقيروان ، و قد سبق خبرهم إلى زيادة الله و هو يسأل عنهم ، فقبض على أبي العباس و سأله فأنكر فحبسه ، و كتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته ، و سار إلى قسطنطينية فعدل عنها خشية على أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان ، و ذهب إلى سجلماسة و بها أليشع بن مدرار فأكرمه . ثم جاءه كتاب زيادة الله و يقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيه في كتامة فحبسه ، و بعث زيادة الله العساكر ، إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حيش و كانوا أربعين ألفاً ، فانتهى إلى قسطنطينية فأقام بها و هم متحصنون بخيلهم ستة أشهر . ثم زحف إليهم و دافعهم عند مدينة بلزمة فانهزم إلى القيروان . و كتب أبو عبد الله بالفتح إلى المهدي و هو في محبسه . ثم زحف إلى مدينة طبنة فحاصرها و ملكها بالأمان ، ثم إلى مدينة بلزمة فملكها عنوة ، فبعث زيادة الله العساكر مع هرون الطبني فانتهوا إلى مدينة دار ملوك ، و كانوا قد أطاعوا الشيعي فهدمها هرون ، و قتل أهلها ، و سار إلى الشيعي فانهزم من غير قتال و قتل . و فتح الشيعي مدينة عيسى فزحف زيادة الله في العساكر سنة خمس و تسعين و نزل الأربس ثم أشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردءاً للعساكر ، فبعث الجيوش مع إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته و رجع ، و زحف أبو عبد الله إلى باغاية فهرب عاملها و ملكها . ثم إلى مدينة مرما جنة فافتتحها عنوة و قتل عاملها ثم إلى مدينة تيفاش فملكها على الأمان ، و استأمن إليه القبائل من كل جهة فأمنهم و سار بنفسه إلى مسلبابة ثم إلى تبسة ثم مجانة ففتحها على الأمان ، ثم سار إلى القصرين من قمودة و أمن أهلها و سار يريد قادة و بلغ الخبر إلى إبراهيم بن أبي الأغلب و هو بالأربس أميراً على الجيش ، فخشي على زيادة الله برقادة لقلة عسكره ، و ارتحل ذاهباً إليه ، و سار أبو عبد الله إلى قسطنطينية فحاصرها و افتتحها على الأمان و رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا و عاد إلى ايكجان فسار إبراهيم بن أبي الأغلب إلى باغاية و حاصر أصحاب أبي عبد الله بها ، فبعث أبو عبد الله عساكره إلى مج العرعار فألفوا إبراهيم قد عاد عنها إلى الأربس . ثم زحف أبو عبد الله إلى إبراهيم سنة ست و تسعين في مائة ألف مقاتل و بعث من عسكره من يأتي إبراهيم من خلفه ، و سار إليه فانهزم و أثخن فيهم أبو عبد الله بالقتل و الأسر ، و غنم أموالهم و خيلهم و ظهرهم . و دخل الأربس فاستباحها ، ثم سار فنزل قمودة ، و بلغ الخبر إلى زيادة الله فهرب إلى مصر . و افترق أهل مدينة رقادة إلى القيروان و سوسة و نهب قصور بني الأغلب و وصل إبراهيم بن أبي الأغلب إلى القيروان ، فنزل قصر الإمارة و جمع الناس و وعدهم الحماية ، و طلب المساعدة بطاعتهم و أموالهم ، فاعتذروا و خرجوا إلى الناس فأخبرهم ، فثاروا به و أخرجوه . و بلغ أبا عبد الله الشيعي هرب زيادة الله و هو يشبه فدخل إلى رقادة و قدم بين يديه عروبة بن يوسف و حسن بن أبي خنزير فساروا و أمنوا الناس . و خرج أهل القيروان للقاء أبي عبد الله فأكرمهم و أمنهم ، و دخل رقادة في رجب سنة ست و تسعين ، و نزل قصورها و فرق دورها علىكتامة و نادى بالأمان . و تراجع الناس فأخرج العمال و طلب أهل الشر فهربوا ، و جمع أموال زيادة الله و سلاحه و أمر بحفظها جواريه ، و استأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين لهم أحداً . و نقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ، و من الآخر تفرق أعداء الله ، و على السلاح عدة في سبيل الله ، و رسم أفخاذ الخيل بالملك لله .

بيعة المهدي بسجلماسة
و لما ملك أبو عبد الله أفريقية لقيه أخوه العباس منطلقاً من اعتقاله ، فاستخلفه عليها و ترك معه أبا زاكي تمام بن معارك من قواد كتامة . و سار إلى المغرب ففرق القبائل من طريقه ، و خافته زناتة فدخلوا في طاعته ، و لما قرب من سجلماسة أرسل إلى المهدي بمحبسه يسأله عن حاله فأنكر ، ثم سأل ولده كذلك فأنكر ، و ضرب رجاله فأنكروا ، و نمي الخبر إلى أبي عبد الله فخشي عليهم و أرسل إلى أليسع يتلطفه فقتل الرسل فأغذ أبو عبد الله السير و حاصره يوماً و هرب أليسع من الليل هو و أصحابه و بنو عمه . و خرج أهل البلد إلى أبي عبد الله فجاء إلى مجلس المهدي فأخرجه هو و ابنه القاسم ، و أركبهما و مشى مع رؤساء القبائل بين يديها و هو يقول : هذا مولاكم و يبكي من شدة الفرح ، ثم أنزله بالمخيم و بعث في أثر أليسع فجيء به فجلد ، ثم قتل ، و أقام بسجلماسة أربعين يوماً و رجع إلى أفريقية ، و وصل إلى رقادة في ربيع من سنة ست و تسعين و جدد البيعة للمهدي و استولى على ملك بني الأغلب بأفريقية . و ملك مدرارسجلماسة و نزل برقادة و تلقب بالمهدي أمير المؤمنين و بعث دعاته في الناس فحملوهم على مذهبهم فأجابوا إلا قليلاً عرض عليهم السيف ، و قسم الأموال و الجواري في رجال كتامة ، و أقطعهم الأموال و الأعمال ، و دون الدواوين و جبى الأموال و بعث العمال على البلاد . فبعث على صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير فوصل إلى مازر في عيد الأضحى من سنة تسع و تسعين ، فاستقضى بها إسحق بن المنهال ، و أجاز البحر سنة ثمان و تسعين إلى بسط قلورية فأثخن فيها و عاد و ثار به أهل صقيلية سنة تسع و تسعين فحبسوه و اعتذروا إلى المهدي لسوء سيرته ، فعذرهم و ولى عليهم علي بن عمر البلوي فوصل إليهم خاتمه السنة المذكورة .

أخبار ابن الليث بفارس
قد ذكرنا من قبل استيلاء اليث بن علي بن الليث و سيكرى مولى عمر بن الليث على فارس من يد طاهر بن محمد . ثم أخرج سيكرى بعد ذلك الليث و انفرد بها ، و سار إليه طاهر بن محمد بن عمرو ، فواقعه و انهزم طاهر و أسر سيكرى و أسر أخاه يعقوب ، و بعث بهما إلى المقتدر مع كاتبه عبد الرحمن بن جعفر الشيرازي ، و قد أمره على ما يحمله و ذلك سنة ست و تسعين ، ثم سار إليه الليث بن علي من سجستان سنة سبع و تسعين ، فغلبه و ملك فارس ، و هرب سيكرى إلى أرجان و أمده المقتدر بمؤنس الخادم في العساكر ، فجاء إلى أرجان الحسين بن حمدان من قم إلى البيضاء في إعانته ، فسار لملاقاته و أضل الطريق إلى مسالك صعبة أشرف على عسكر مؤنس . و كان سيكرى قد بعث أخاه إلى شيراز ليحفظها ، فلما أشرف على العسكر ظنه عسكر أخيه فثاروا إليه و اقتتلوا و انهزم عسكر الليث و أخذ أسيراً . و أشار عليه أصحابه أن يقبض على سيكرى و يطلب من المقتدر ولاية فارس مكانه طاهر و دس إليه ، فلحق بشيراز و عاد مؤنس إلى بغداد بالليث أسيراً ، و الحسين بن حمدان إلى عمله بقم . ثم إن عبد الرحمن بن جعفر كاتب سيكرى استولى على أمره ، و حسده أصحابه و أكثروا السعاية فيه عند سيكرى فحبسه ، و استكتب مكانه إسمعيل ابن إبراهيم اليمن ، فحمله على العصيان و منع الحمل و دس عبد الرحمن بن جعفر من محبسه إلى الوزير ابن الفرات بذلك ، فكتب إلى مؤنس و هو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ، فسار و أرسله سيكرى و أنسه و سأل منه الوساطة في أمره ، و شعر ابن الفرات بميل مؤنس إلى بغداد ، و سار محمد بن جعفر فهزم سيكرى على شيراز فخلص إلى قم و تحصن بها ، و حاصره محمد بن جعفر ثم خرج إليه فهزمه ثانية ، و دخل مغارة خراسان فلقيته عساكر ، إسمعيل إلى بغداد ، فحسبا هنالك و استولى محمد بن جعفر من القواد على فارس و ولى عليها قبيحاً خادم الأفشين ، ثم صارت ولايتها لبدر ابن عبد الله الحمامي و في آخر سنة تسع و تسعين و مائتين قبض حرمه و قامت الهيعة ببغداد ثلاثة أيام ، ثم سكنت و ذلك لثلاث سنين و ثلاثة أشهر من وزارته . فاستوزر مكانه أبا علي محمد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى ، فرتب الأمور على الدواوين . ثم زاد قرفه لضيق صدره و طيشه و عدوله عن مذاهب الرياسة إلى الوضاعة و مراجعة أصحاب الحاجات و الحقوق إلى ما يريد قضاءه منها ، و كثرة التولية و العزل و تبجح أصحابه عليه في إطلاق الأموال و انبساط الجاه بإفساد الأحوال . و اعتزم المقتدر على عزله بأبي الحسين بن أبي الفضل ، فاستدعاه من أصبهان ، ثم قبض عليه و على أبي الحسن ببغداد ، و أهمل رأي الوزراء و صار يرجع إلى قول النساء و الخدم ، فطمع العمال في الأطراف ، ثم أخرج ابن الفرات من محبسه و جعله في بعض الحجر ، و أحسن إليه و صار يعرض عليه مطالعات العمال ، و أراد أن يستوزره ثم بدا له و استدعى علي بن عيسى من مكة فاستوزره لأول سنة إحدى و ثلثمائة ، و قبض على الخاقاني و حبسه و عين حرسياً عليه . و قام علي بن عيسى بالوزارة و أصلح ما أفسده الخاقاني و استقامت الأمور .

قيام أهل صقلية بدعوة المقتدر ثم رجوعهم إلى طاعة المهدي
قد ذكرنا ولاية علي بن عمر على صقلية من عبد الله المهدي سنة تسع و تسعين . ثم إن أهل صقلية انتقضوا عليه و ولوا عليهم أحمد بن موهب ثم انتقضوا عليه و أرادوا قتله فدعا إلى طاعة المقتدر و خطب له بصقلية ، و قطع خطبة المهدي و بعث أسطولاً إلى ناحية ساحل أفريقية ، فلقوا أسطول المهدي ، و عليه الحسن بن أبي خنزير ، فأحرقوه و قتلوا الحسن و وصلت خلع السواد و ألويته لابن موهب من بغداد ثم جاءت أساطيل المهدي في البحر و فسد أمر ابن موهب ثم ثارت أهل صقلية به سنة ثلثمائة و أسروه و بعثوا به إلى المهدي مع جماعة من أصحابه فأمرهم بقتلهم على قبر ابن أبي خنزير .

ولاية العهد
و في سنة إحدى و ثلثمائة ولي المقتدر ابنه أبا العباس العهد و هو الذي ولي الخلافة بعد القاهر و سمي بالرافضي فولاه أبو المقتدر العهد و هو ابن سنين و قلده مصر و المغرب ، و استخلف له عليها مؤنساً الخادم و ولى ابنه الآخر علياً على الري ودنباوند و قزوين و أذربيجان و أبهر .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:33 pm

ظهور الأطروش و ملكه خراسان
كان هذا الأطروش من ولد عمر بن علي زين العابدين و هو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر و كان قد دخل إلى الديلم بعد قتل محمد بن زيد ، و لبث فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام و يأخذ منهم العشر ، و يدافع عنهم ملكهم ابن حسان ، فأسلم على يديه منهم خلق كثير و بنى لهم المساجد ، و زحف بهم إلى ثغور المسلمين ، أراهم مثل قزوين و سالوس فأطاعوه ، و هدم حصن سالوس . ثم دعاهم إلى غزو طبرستان و هي في طاعة ابن سامان ، و كان إسمعيل بن أحمد لما انتقض بها محمد بن هرون ، و قبض عليه إسمعيل و ولى عليها أبا العباس عبد الله بن محمد بن نوح ، فأحسن السيرة و أظهر العدل ، و بالغ في الإحسان إلى العلوية الذين بها ، و استمال الديلم بالمهاداة و الإحسان ، فاشتمل الناس عليه . فلما دعاهم الحسن إلى غزو طبرستان ، لم يجيبوه من أجل ابن نوح . ثم إن أحمد بن إسمعيل عزل ابن نوح عنها ،و و لى عليها سلاماً فأساء السيرة و لم يحسن سياسة الديلم . فهاجوا عليه فقاتلهم و هزمهم ، و استعفى من ولايتها فعاد إليها ابن نوح و صلحت الحال كما كانت إلى أن مات ، فولى عليها محمد بن إبراهيم بن صعلوك ، فأساء السيرة و تنكر للديلم فصادف الحسن منها الغرة و دعاهم إلى غزو طبرستان فأجابوه ، و سار إليه ابن صعلوك على من يرحله من سالوس بشاطئ البحر ، فانهزم و قتل من أصحابه أربعة آلاف ، و لجأ الباقون إلى سالوس ، فحاصرهم الأطروش حتى استأمنوا ، و رجع عنهم إلى آمد . ثم جاء الحسن بن القاسم العلوي الداعي صهر الأطروش إلى أولئك المستأمنين فقتلهم ، و استولى الأطروش على طبرستان ، و لحق ابن صعلوك بالري سنة إحدى و ثلثمائة ، و سار منها إلى بغداد و كان الأطروش زيدي المذهب ، و جمع الذين اسلموا على يده فيما وراء أسعيد و لى إلى آمد كلهم على مذهب الشيعة . ثم إن الأطروش العلوي تنحى عن آمد إلى سالوس بعد أن غلب عليها ، فبعث إليه صعلوك الري من قبل ابن سامان جيشاً فهزمهم و عاد إلى آمد . ثم زحف إليه عساكر السعيد صاحب خراسان سنة أربع و ثلثمائة فقتلوه . و كان هذا الأطروش عادلاً حسن السيرة لم ير مثله في أيامه و أصابه الصمم من ضربة في رأسه بالسيف في الحرب . و قال ابن مسكويه في كتاب تجارب الأمم و يقال فيه الحسن بن علي الدعي وليس به ، و إنما الداعي الحسن بن القاسم صهره ، و سنذكره فيما بعد . و كان له من الولد أبو الحسن ، و كان قواده من الديلم جماعة منهم ابن النعمان و كانت له ولاية جرجان ، و ما كان بن كالي و كان على استراباذ و معراً . ثم كان من قواد ولده من الديلم جماعة آخرون منهم أسفار بن شيروية من أصحاب ما كان بن كالي و مرداويج بن زياد من أصحاب أسفار ، و اسكرى من أصحابه أيضاً ، و بنو بوية من أصحاب مرداويج ، و سيأتي الخبر عن جميعهم إن شاء الله تعالى .

غلب المهدي على الاسكندرية و مسير مؤنس إلى مصر
و في سنة اثنتين و ثلثمائة بعث عبد الله المهدي عساكره من أفريقية إلى الإسكندرية مع قائده خفاشة الكتابي فغلب عليها و سار إلى مصر ، و بلغ المقتدر فبعث مؤنساً الخادم في العساكر لمحاربته ، و أمده بالأموال و السلاح ، و سار إليهم و قاتلهم فهزمهم بعد وقائع متعددة ، قتل من الفريقين ، و بلغ القتل و الأسر من المغاربة سبعة آلاف و رجعوا إلى المغرب .

انتقاض الحسين على ابن حمدان بديار ربيعة و أسره
كان الحسن بن حمدان والياً على ديار ربيعة و طالبه الوزير علي بن عيسى بالمال ، فدافعه و أمره بتسليم البلاد إلى عمال السلطان ، فامتنع و كان مؤنس الخادم بمصر في محاربة عساكر المهدي صاحب أفريقية ، فجهز الوزير إلى ابن حمدان رائقاً الكبير في عسكر سنة ثلاث و ثلثمائة ، و كتب إلى مؤنس أن يسير إلى الجزيرة لقتاله بعد فراغه من أصحاب العلوي بمصر ، فسار رائق أولاً هزمه الحسين ، و لحق بمؤنس فأمره بالمقام بالموصل . و سار نحو الحسين و تبعه أحمد بن كيغلغ ، و انتهى إلى جزيرة ابن عمر و الحسين بأرمينية . و رجع الكثير من عسكره إلى مؤنس . ثم بعث مؤنس عسكراً في أثره عليهم بليق و معه سيما الجزري . و جاء الصفواني و اتبعوه فادركوه ، و قاتلوه فهزموه ، و جاؤا به أسيراً و معه ابنه عبد الوهاب و أهله و كثير من أصحابه . و عاد مؤنس إلى بغداد على الموصل ، فحبسه المقتدر و أغار على أبي الهيجاء بن حمدان و جميع إخوته و حبسهم . ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس و قتل الحسين سنة ست تقريباً كما نذكر إن شاء الله تعالى .

وزارة ابن الفرات الثانية
كان الوزير أبو الحسن بن الفرات محبوساً كما ذكرنا و كان المقتدر يشاوره و يرجع إلى رأيه ، و يبغي بعض أصحاب المقتدر إعادته . و بلغ ذلك الوزير علي بن عيسى فاستعفى و منعه المقتدر . ثم جاءت في بعض الأيام قهرمانة القصر تناظره في نفقات الحرم و الحاشية و كسوتهم ، فألفته نائماً فلم يوقظه لها أحده . فرجعت و شكت إلى المقتدر و أمه فقبض عليه في ذي القعدة من سنة أربع و ثلثمائة ، و أعاد ابن الفرات على أن يحمل إلى بيت المال ألف دينار و خمسمائة دينار في كل يوم . و قبض على الوزير من قبله علي بن عيسى و الخاقاني و أصحابهما ، و صادرهم أبو علي بن مقلة و كان مختفياً منذ قبض على ابن الفرات فقدمه الآن و استخلصه .

خبر ابن أبي الساج بأذربيجان
قد ذكرنا استقرار يوسف بن أبي الساج على أرمينية و أذربيجان منذ مهلك أخيه محمد سنة ثمان و ثمانين و مائتين ، و كان على الحرب و الصلاة و الأحكام ، و كان عليه مال يؤديه . فلما ولي الخاقان و علي بن عيسى الوزارة ، و التأمت أمور يوسف في الاستبداد ، و أخر بعض المال و اجتمع له ما يريده لذلك ، و بلغته نكبة الوزير علي ابن عيسى ، فأظهر أن العهد وصل إليه بولاية الري على يد علي بن عيسى . و كان حميد بن صعلوك من قواد ابن سامان قد بعث على الري و ما يليها ، و قاطع عليها بمال يحمله فسار إليه يوسف أربع و ثلثمائة فهرب إلى خراسان و استولى يوسف على الري و قزوين و زنجان ، و كتب إلى الوزير ابن الفرات بالفتح و يعتذر بأنه طرد المتغلبين ، و يذكر كثرة ما أنفق من ذلك ، و أنه كان بأمر الوزير علي بن عيسى و عهده إليه بذلك فأستعظم المقتدر ذلك ، و سئل علي بن عيسى فأنكر و قال : سلوا الكتاب و الحاشية و العهد و اللواء اللذين كان يسير بهما مع بعض القواد و الخدام . فكتب ابن الفرات بالنكير على يوسف ، و جهز العساكر لحربه مع خاقان المفلحي ، و معه أحمد بن مسرور البلخي ، و سيما الجزري ، و نحرير الصغير ، و ساورا في جيش كثيف لمحاربته و عزل خاقان المفلحي عن أعمال الجبل ، و ولاها نحريراً الصغير . و سار مؤنس و استأمن له أحمد بن علي أخو صعلوك فأمنه و أكرمه ، و بعث ابن أبي الساج في المقاطعة على أعمال الري بسبعمائة ألف دنيار سوى أرزاق الجند و الخدم ، فأبى له المقتدر من ذلك عقوبة على ما أقدم عليه ، و ولى على ذلك العمل وصيفاً البكتمري ، و طلب ابن أبي الساج أن يقاطعه على ما كان بيده قبل الري من أذربيجان و أرمينية ، فأبى المقتدر إلا أن يحضر في خدمته . فلما يئس ابن أبي الساج زحف إلى مؤنس و قاتله ، فانهزم مؤنس إلى زنجان و قتل من قواده جماعة ، و أسر هلال بن بدر و غيره فحبسهم يوسف في أردبيل ، و أقام مؤنس بزنجان بجمع العساكر يستمد من المقتدر و ابن أبي الساج يراسله في الصلح ، و المقتدر لا يجيب إلى ذلك . ثم قاتله مؤنس في فاتح سنة سبع و ثلثمائة عند أردبيل فهزمه و أسره و عاد به إلى بغداد أسيراً ، فحبسه المقتدر و ولى مؤنس على الري و دنبوند و قزوين و أبهر و زنجان علي بن و هشودان و جعل أموالها لرجاله ، و ولى مؤنس على أصبهان و قم و قاشان أحمد بن علي بن صعلوك ، و سار عن أذربيجان فوثب سبك مولى يوسف بن أبي الساج فملكها و اجتمع عليه عسكر فولى مؤنس بن محمد بن عبيد الفارقي و سار بمحاربة سبك فانهزم و عاد إلى بغداد . و تمكن سبك في أذربيجان و سأل المقاطعة على مائتي ألف و عشرين ألف دينار في كل سنة . فأجيب و عقد له عليها ، و كان مقيماً بقزوين فقتله على مراسة و لحق ببلده ، فولى المقتدر وصيفا البكتمري مكانه على أعمال الري ، و ولى محمد بن سليمان صاحب الجيش على الخوارج بها ، ثم وثب أحمد بن علي بن صعلوك صاحب أصبهان و قم على الري ، فملكها و كتب إليه المقتدر بالنكير ، و أن يعود إلى قم ، فعاد ثم أظهر الخلاف و أجمع المسير إلى الري ، و سار وصيف البكتمري لحربه . و أمر نحريراً الصغير أن يسير مدداً لبكتمري ، فسبقهم أحمد بن صعلوك إلى الري و ملكها ، و قتل محمد بن سليمان صاحب الخوارج ، و بعث إلى نصر الحاجب ليصلح أمره بالمقاطعة على أعمال الري بمائة و ستين ألف دينار ، و ينزل عن قم فكتب له بذلك و ولى غيره على قم .

خبر سجستان وكرمان
كانت سجستان قد صارت لابن سامان منذ سنة ثمان و تسعين و مائتين ، ثم تغلب عليها كثير بن أحمد بن صهفود من يده ، فكتب المقتدر إلى عامل فارس و هو بدر ابن عبد الله الحمامي أن يرسل العساكر لمحاربته ، و يؤمر عليهم دركاً ، و يجعل على الخراج بها زيد بن إبراهيم . فسارت العساكر و حاربوا أهل سجستان فهزموهم و أسروا زيد بن إبراهيم ، و كتب كثير إلى المقتدر بالبراءة من ذلك ، و طوية أهل سجستان . و أرسل المقتدر أن يسير لقتاله بنفسه ، فخاف كثير و طلب المقاطعة على خمسمائة ألف دينار في كل سنة ، فأجيب و قررت البلاد عليه ، و ذلك سنة أربع و ثلثمائة . و انتقض في هذه السنة بكرمان صاحب الخوارج بها أبو زيد خالد بن محمد المارداني ، و سار منها إلى شيراز يروم التغلب على فارس فسار إليه بدر الحمامي العامل ، و حاربه فقتله و حمل رأسه إلى بغداد .

وزارة حامد بن العباس
و في سنة ست و ثلثمائة قبض المقتدر على وزيره أبي الحسن بن الفرات بسبب شكوى الجند بمطله أرزاقهم ، و اعتذر بضيق الأموال للنفقة في حروب ابن أبي الساج ، و نقص الارتياع بخروج الري عن ملكه . فشغب الجند و ركبوا ، و طلب ابن الفرات من الخليفة إطلاق مائتي ألف دينار من خاصته يستعين بها ، فنكر ذلك عليه لأنه كان ضمن القيام بأرزاق الأحشاد و جميع النفقات المرتبة ، فاحتج بنقص الارتياع و بالنفقة في الحرب كما تقدم ، فلم يقبل . و يقال سعى فيه عند المقتدر بأنه يروم إرسال الحسين بن حمدان إلى أبي الساج فيحاربه ، و إذا سار عنده اتفقا على المقتدر ، فقتل المقتدر ابن حمدان و قبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة ، و كان حامد بن العباس على الأعمال بواسط ، و كان منافراً لابن الفرات ، و سعى به عنده بزيادة ارتياعه على ضمانه ، فخشيه حامد على نفسه . و كتب إلى نصر الحاجب والي والده المقتدر سعة نفسه و كثرة أتباعه ، و ذلك عند استيحاشه من ابن الفرات ، فاستقدمه من واسط ، و قبض على ابن الفرات و ابنه المحسن و أتباعهما ، و استوزر حامداً فلم يوف حقوق الوزارة و لا سياستها ، و تحاشى عليه الدواوين فأطلق المقتدر علي ابن عيسى و أقامه على الدواوين كالنائب عن حامد . فكان يزاحمه و استبد بالأمور دونه و لم يبق لحامد أمر عليه فأجابه ابن الفرات بأسفه منه و قال لشفيع اللؤلؤي : قل لأمير الؤمنين حامد إنما حمله على طلب الوزارة ، أني طالبته بأكثر من ألفي ألف دينار من فضل ضمانه ، فاستشاط حامد و زاد في السفه ، فأنفذ المقتدر من رد ابن الفرات إلى محبسه ، ثم صودر و ضرب ابنه الحسن و أصحابه و أخذت منهم الأموال . ثم إن حامداً لما رأى استطالة علي بن عيسى عليه و كثرت تصرفه في الوزارة دونه ، ضمن للمقتدر أعمال الخوارج و الضياع الخاصة و المستحدثة و القرارية ، بسواد بغداد و الكوفة و واسط و البصرة و الأهواز و أصبهان ، و استأذنه في الانحدار إلى واسط لاستخراج ذلك فانحدر و اسم الوزارة له و أقام علي بن عيسى يدبر الأمور ، فأظهر حامد سوء تصرف في الأموال ، و بسط المقتدر يده حتى خافه علي بن عيسى . ثم تحرك السعر ببغداد فشغبت العامة و نهبوا الغلال ، لأن حامداً و غيره من القواد كانوا يخزنون الغلال . و أحضر حامد لمنعهم فحضر فقاتلوه ، و فتقوا السجون و نهبوا دار الشرطة . و أنفذ المقتدر غريب الحال في العسكر ، فسكن الفتنة و عاقب المتصدين للشر ، و أمر بفتح المخازن التي للحنطة و ببيعها ، فرخص السعر و سكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر و خزنها فرفع الضمان عن حامد ، و صرف عماله عن السواد و رد ذلك لعلي بن عيسى و سكن الناس .

وصول ابن المهدي و هو أبو القاسم إلى ابنه
و في سنة سبع و ثلثمائة بعث المهدي صاحب أفريقية أبا القاسم في العساكر إلى مصر فوصل إلى الإسكندرية في ربيع الآخر و ملكها ، ثم سار إلى مصر و نزل بالجيزة و استولى على الصعيد ، و كتب إلى أهل مكة في طاعته فلم يجيبوا . و بعث المقتدر مؤنساً و الخادم إلى مصر لمدافعته ، فكانت بينهم حروب كثر فيها القتلى من الجانبين ، و كان الظهور لمؤنس و لقب يومئذ بالمظفر . و وصل من أفريقية أسطول من ثمانين مركباً مدداً للقائهم ، و عليهم سليمان الخادم و يقعوب الكتامي ، و أمر المقتدر بأن يسير إليهم أسطول طرسوس فسار في خمسة و عشرين مركباً و عليهم أبو اليمن ، و معهم العدد و الأنفاط ، فغلبوا أسطول أفريقية و أحرقوا أكثر مراكبه . و أسر سليمان الخادم و يعقوب الكتامي في جماعة قتل أكثرهم ، و حبس سليمان بمصر ، و حمل يعقوب إلى بغداد . ثم هرب و عاد إلى أفريقية و انقطع المدد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:33 pm

عن عسكر المغاربة ، فوقع الغلاء عندهم و كثر الموتان في الناس و الخيل فارتحلوا راجعين إلى بلادهم و سار عساكر مصر في أثرهم حتى أبعدوا .

بقية خبر ابن أبي الساج
قد تقدم لنا أن مؤنساً حارب يوسف بن أبي الساج عامل أذربيجان فأسره و حمله إلى بغداد فحبس بها ، و استقر بعده في عمله سبك مولاه . ثم إن مؤنساً شفع فيه سنة عشر . فأطلقه المقتدر و خلع عليه ثم عقد له أذربيجان و على الري و قزوين أبهر و زنجان و على خمسمائة ألف دينار في كل سنة سوى أرزاق العساكر . و سار يوسف إلى أذربيجان و معه وصيف البكتمري في العساكر ، و مر بالموصل فنظر في أعمالها و أعمال ديار ربيعة . و قد كان المقتدر تقدم إليه بذلك . ثم سار إلى أذربيجان و قد مات مولاه سبك ، فاستولى عليها و سار سنة إحدى عشرة إلى الري و كان عليها أحمد بن علي أخو صعلوك ، و قد اقتطعها كما قدمنا ، ثم انتقض على المقتدر و هادن ما كان بن كالي من قواد الديلم القائم بدعوة أولاد الأطروش في طبرستان و جرجان . فلما جاء يوسف إلى الري في ذي الحجة و أقام بها مدة ، ثم سار عنها إلى همذان فاتح ثلاث عشرة ، و استخلف بها مولاه مفلحاً و أخرجه أهل الري عنهم ، فعاد يوسف إليهم في جمادى من سنته ، و استولى عليها ثانية . ثم قلده المقتدر سنة أربع عشرة نواحي المشرق و أذن له في صرف أموالها في قواده و أجناده و أمره بالمسير إلى واسط ، ثم منها إلى هجر لمحاربة أبي طاهر القرمطي ، فسار يوسف إلى طاهر و كان بها مؤنس المظفر ، فرجع إلى بغداد و جعل له أموال الخراج بنواحي همذان و ساوة و قم و قاشان و ماه البصرة و ماه الكوفة و ما سبذان لينفقها في عسكره ، و يستعين بها على حرب القرامطة ، و لما سار من الري كتب المقتدر إلى السعيد نصر بن سامان بولاية الري و أمره بالمسير إليها و أخذها من فاتك مولى يوسف ، فسار إليها فاتح أربع عشرة ، فلما انتهى إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من العبور ، و بذل له ثلاثين ألف دينار فترك سبيله و سار إلى الري فملكها من يد فاتك و أقام بها شهرين ، و ولى عليها سيمجور الدواني و عاد إلى بخارى . ثم استعمل على الري محمد بن أبي صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة و أصابه مرض ، و كان الحسن بن القاسم الداعي و ما كان ابن كالي أميري الديلم في تسلم الري إليهما ، فقدما و سار عنها و مات في طريقه ، و استولى الداعي و الديلم عليها .

بقية الخبر عن وزراء المقتدر
قد تقدم الكلام في وزارة حامد بن العباس و أن علي بن عيسى كان مستبداً عليه في وزارته ، و كان كثيراً ما يطرح جانبه و يسيء في توقعاته على عماله . و إذا اشتكى إليه أحد من نوابه يوقع على القصة : إنما عقد الضمان على الحقوق الواجبة فليكف الظلم عن الرعية . فأنف حامد من ذلك و استأذن في المسير إلى واسط للنظر في ضمانه ، فأذن له ثم كثرت إستغاثة الخدم و الحاشية من تأخر أرزاقهم و فسادها ، فإن علي بن عيسى كان يؤخرها و إذا اجتمعت عدة شهور أسقطوا بعضها ، و كثرت السعاية و استغاث العمال و جميع أصحاب الأرزاق بأنه حط من أرزاقهم شهرين من كل سنة ، فكثرت الفتنة على حامد ، و كان الحسن ابن الوزير ابن الفرات متعلقاً بمفلح الأسود خالصة الخليفة المقتدر و كان شقيقه لأبيه ، و جرى بينه و بين حامد يوماً كلام ، فأساء عليه حامد و حقد له . و كتب ابن الفرات إلى المقتدر و ضمن له أموالاً فأطلقه و استوزره ، و قبض على علي بن عيسى و حبسه في مكانه ، و ذلك سنة إحدى عشرة ، و جاء حامد من واسط فبعث ابن الفرات من يقبض عليه ، فهرب من طريقه و اختفى ببغداد . ثم مضى إلى نصر بن الحاجب سراً و سأل إيصاله إلى المقتدر ، و أن يحبسه بدار الخلافة ، و لا يمكن ابن الفرات منه . فاستدعى نصر الحاجب مفلحاً الخادم حتى وقفه على أمره و شفع له في رفع المؤاخذة بما كان منه ، فمضى إلى المقتدر و فاوضه بما أحب ، و أمر المقتدر بإسلامه لابن الفرات فحبسه مدة ثم أحضره و أحضر له القضاة و العمال ، و ناظره فيما وصل إليه من الجهات فأقر بنحو ألف ألف دينار . و ضمنه المحسن بن الفرات بخمسمائة ألف دينار فسلم إليه و عذبه أنواعاً من العذاب ،و بعثه إلى واسط ليبيع أمواله هناك فهلك في طريقه بإسهال أصابه . ثم صودر علي بن عيسى على ثلثمائة ألف دينار و عذبه المحسن بعد ذلك عليها فلم يستخرج منه شيئاً و سيره ابن الفرات أيام عطلته و حبسه بعد أن كان رباه و أحسن إليه ، فقبض عليه مدة ثم أطلقه ، و قبض على ابن الجوزي و سلمه إلى ابنه المحسن ، فعذبه ثم بعثه إلى الأهواز لاستخراج الأموال ، فضربه الموكل به حتى مات . و قبض أيضاً على الحسين بن أحمد ، و كان تولى مصر و الشام و على محمد بن علي المارداني و صادرهما على ألف ألف و سبعمائة ألف دينار ، و صادر جماعة من الكتاب سواهم و نكبهم . و جاء مؤنس من غزاته فأنهى إليه أفعال ابن الفرات و ما هو يعتمد من المصادرات و النكايات و تعذيب ابنه للناس ، فخافه ابن الفرات و خوف المقتدر منه . و أشار بسيره إلى الشام ليقيم هنالك بالثغر ، فبعثه المقتدر و أبعده . ثم سعى ابن الفرات بنصر الحاجب و أغراه به و أطمعه في ماله و كان مكثراً و استجار نصر بأم المقتدر . ثم كثر الارجاف بابن الفرات ، فخاف و انهى إلى المقتدر بأن الناس عادوه لنصحه للسلطان و استيفاء حقوقه ، و ركب هو و ابنه المحسن إلى المقتدر فأوصلهما إليه و أسهمهما ، و خرجا من عنده فمنعهما نصر الحاجب ، و دخل مفلح على المقتدر و أشار إليه بعزله ، فأسر إليه وفاقه على ذلك ، و أمر بتخلية سبيلهما . و اختفى المحسن من يومه . و جاء نازوك و بليق من الغد في جماعة من الجند إلى دار ابن الفرات فأخرجوه حافياً حاسراً ، و حمل إلى مؤنس المظفر و معه هلال بن بدر ، ثم سلم إلى شفيع اللؤلؤي فحبس عنده و صودر على ألف ألف دينار ، و ذلك سنة اثنتي عشرة . و كان عبد الله أبو القاسم بن علي بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لما تغير حال ابن الفرات سعى في الوزارة ، و ضمن في ابن الفرات و أصحابه ألفي ألف دينار على يد مؤنس الخادم و هرون بن غريب الحال و نصر الحاجب ، فاستوزره المقتدر على كراهية فيه ، و مات أبوه علي على وزارته . و شفع إليه مؤنس الخادم في إعادة علي بن عيسى من صنعاء ، فكتب له في العود و بمشارفة أعمال مصر الشام ،و أقام المحسن بن الفرات مختفياً مدة . ثم جاءت إمرأة إلى دار المقتدر تنادي بالنصيحة ، فأحضرها نصر الحاجب فدلت على المحسن ، فأحضر نازوك صاحب الشرطة ، فسلم للوزير و عذب بأنواع العذاب ، فلم يستخرج منه شيء فأمر المقتدر بحمله إلى أبيه بدار الخلافة ، و جاء الوزير أبو القاسم الخاقاني إلى مؤنس و هرون و نصر فحذرهم شأن ابن الفرات و غائلته بدار الخلافة ، و أغراهم به ، فوضعوا القواد و الجند و قالوا : لابد من قتل ابن الفرات و ولده ، و وافق هؤلاء على ذلك فأمر نازوك بقتلهما فذبحهما . و جاء هرون إلى الوزير الخاقاني يهنئه بذلك فأغمي عليه ، ثم أفاق و أخذ منه ألفي دينار و شفع مؤنس المظفر في ابنيه عبد الله و أبي نصر فأطلقهما و وصلهما بعشرين ألف دينار . ثم عزل الخاقاني سنة ثلاث عشرة لأنه أصابه المرض و طال به ، و شغب الجند في طلب أرزاقهم فوقفت به الأحوال ، و عزله المقتدر و ولى مكانه أبا العباس الخصي و كان كاتباً لأمه فقام بالأمر ، و أقر علي عيسى على أعمال مصر و الشام ، فكان يتردد إليهما من مكة ، ثم أن الخصي اضطربت أموره و ضاقت الجباية ، و كان مدمناً للسكر مهملاً للأمور ، و وكل من يقوم عنه فآثروا مصالحم و أضاعوا مصلحته . و أشار مؤنس المظفر بعزله و ولاية ابن عيسى ، فعزل لسنة و شهرين . و استقدم علي بن عيسى من دمشق و أبو القاسم عبد الله بن محمد الكواذي بالنيابة عنه إلى أن يحضر ، فحضر أول سنة خمس عشرة و استقل بأمر الوزارة ، و طلب كفالات المصادرين و العمال ، و ما ضمن من الأموال بالسواد و الأهواز و فارس و المغرب ، فاستحضرها شيئاً بعد شيء و أدر الأرزاق و بسط العطاء و أسقط أرزاق المغنين و المسامرة و الندمان و الصفاعنة و أسقط من الجند أصاغر الأولاد و من ليس له سلاح و الهرمي و الزمنى ، و باشر الأمور بنفسه و استعمل الكفاة و طلب أبا العباس الخصي في المناظرة ، و أحضر له الفقهاء و القضاة و الكتاب ، و سأله عن أمواله الخوارج و النواحي و المصادرات و كفالاتها ، و ما حصل من ذلك و ما الواصل و البواقي ، فقال لا أعلم فسأله عن المال الذي سلمه لابن أبي الساج كيف سلمه بلا مصرف و لا منفق ، و كيف سلم إليه أعمال المشرق ، و كيف بعثه لبلاد الصحراء بهجرهو و أصحابه من أهل الغلول و الخصب ، فقال : ظننت منهم القدرة على ذلك . و امتنع ابن أبي الساج من المنفق فقال : و كيف استجزت ضرب حرم المصادرين ؟ فسكت ، ثم سئل عن الخراج فخلط فقال : أنت غررت أمير المؤمنين من نفسك فهلا استعذرت بعدم المعرفة . ثم أعيد إلى محبسه و استمر علي بن عيسى في ولايته . ثم اضطربت عليه الأحوال و اختلفت الأعمال ، و نقص الإرتياع نقصاً فاحشاً ، وزادت النفقات ، و زاد المقتدر تلك الأيام في نفقات الخدم والحرم ما لا يحصى ، و عاد الجند من الأنبار فزادهم في أرزاقهم مائتين و أربعين ألف دينار . فلما رأى ذلك علي بن عيسى و يئس من إنقطاعه أو توقفه ، و خشى من نصر الحاجب ، فقد كان انحرف عنه لميل مؤنس إليه و ما بينهما من المنافرة في الدولة ، فاستعفى من الوزارة و ألح في ذلك و سكنه مؤنس فقال له : أنت سائر إلى الرقة ، و أخشى على نفسي بعدك . ثم فاوض المقتدر نصر الحاجب بعد مسير مؤنس فأشار بوزارة أبي علي ابن مقلة ، فاستوزره المقتدر سنة ست عشرة و قبض على علي بن عيسى و أخيه عبد الرحمن ، و أقام ابن مقلة بالوزارة و أعانه فيها أبو عبد الله البريدي لمودة كانت بينهما و استمرت حاله على ذلك . ثم عزله المقتدر و نكبه بعد سنتين و أربعة أشهر حين استوحش من مؤنس كما نذكره . و كان ابن مقلة متهماً بالميل إليه فأتفق مغيبه في بعض الوجوه فيقبض عليه المقتدر . فلما جاء مؤنس سأل في إعادته فلم يجبه المقتدر و أراد قتله فمنعه ، و استوزر المقتدر سليمان بن الحسن و أمر علي بن عيسى بمشاركته في الإطلاع على الدواوين ، و صودر ابن مقلة على مائتي ألف دينار ، و أقام سليمان في وزارته سنة و شهرين و علي بن عيسى يشاركه في الدواوين ، و ضاقت عليه الأحوال إضاقة شديدة ، و كثرت المطالبات و وقفت وظائف السلطان . ثم أفرد السواد بالولاية فانقطعت مواد الوزير لأنه كان يقيم من قبله من يشتري توقعات الأرزاق ممن لا يقدر على السعي في تحصيلها من العمال و الفقهاء و أرباب البيوت ، فيشتريها بنصف المبلغ فتعرض بعض من كان ينتمى لمفلح الخادم لتحصيل ذلك للخليفة ، و توسط له مفلح فدافع لذلك و جاهر في تحصله من العمال ، فاختلت الأحوال بذلك و فضح الديوان و دفعت الأحوال لقطع منافع الوزراء و العمال التي كانوا يرتفقون بها ، و إهمالهم أمور الناس بسبب ذلك . و عاد الخلل على الدولة و تحرك المرشحون للوزارة في السعاية و ضمان القيام بالوظائف و أرزاق الجند . و أشار مؤنس بوزارة أبي القاسم الكلواذي فاستوزره المقتدر في رجب من سنة تسع عشرة و أقام في وزارته شهرين . و كان ببغداد رجل من المخرفين يسمى الدانيالي ، و كان وراقاً ذكياً محتالاً يكتب الخطوط في الورق و يداويها حتى تتم بالبلى . و قد أودعها ذكر من يراه من أهل الدوله برموز و إشارات ، و يقسم له فيها من حظوظ الملك و الجاه و التمكين قسمة من عالم الغيب ، يوهم أنها من الحدثان القديم المأثور عن دانيال و غيره ، و أنها من الملاحم المتوارثة عن آبائه ، ففعل مثل ذلك بمفلح . و كتب له في الأوراق م م م بأن يكون له كذا و كذا ، و سأله مفلح عن الميم فقال : هو كناية عنك لأنك مفلح مولى المقتدر . و ناسب بينه و بين علامات مذكورة في تلك الأوراق حتى طبقها عليه ، فشغف به مؤنس و أغناه . و كان يداخل الحسين بن القاسم بن عبد الله بن وهب ، فرمز اسمه في كتاب و ذكر بعض علاماته المنطبقة عليه ، و ذكر أنه يستوزره الخليفة الثامن عشر من بني العباس ، و تستقيم الأمور على يديه ، و يقهر الأعادي و تعمر الدنيا في أيامه و خلط ذلك في الكتاب بحدثان كثير وقع بعضه و لم يقع الآخر . و قرأ الكتاب على مفلح فأعجبه ، و جاء بالكتاب إلى المقتدر فأعجب به الآخر ، و قال لمفلح : من تعلم بهذه القصة ؟ فقال لا أراه إلا الحسين بن القاسم . قال : صدقت و إني لأميل إليه ، و قد كان المقتدر أراد ولايته قبل ابن مقلة و قبل الكلواذي ، فامتنع مؤنس . ثم قال المقتدر لمفلح : إن جاءتك رقعة منه بالسعي في الوزارة فأعرضها علي . ثم سأل مفلح الدانيالي من أين لك الكتاب ؟ قال : وراثة من آبائي و هو من ملاحم دانيال . فأنهى ذلك إلى المقتدر و اغتبطوا بالحسين و بلغ الخبر إليه ، فكتب إلى مفلح بالسعي في الوزارة ، فعرض كتابه على المقتدر فأمره بإصلاح مؤنس . و اتفق أن الكلواذي عمل حساباً بما يحتاج إليه من النفقات الزائدة على الحاصل ، فكاتب سبعمائة ألف دينار و كتب عليه أهل الديوان خطوطهم ، و قال ليس لهذه جهة إلا ما يطلقه أمير المؤمنين . فعظم ذلك على المقتدر ، و أمر الحسين بن القاسم أن يضمن جميع النفقات و زيادة ألف ألف دينار لبيت المال . و عرض كتابه على الكلواذي فاستقال ، و أذن للكلواذي لشهرين من وزارته ، و ولى الحسين بن القاسم و اشترط أن لا يشاركه علي بن عيسى في شيء من أموره ، و إخراجه الصافية . و اختص به الحسين بن اليزيدي و ابن الفرات . و لما ولي و اطلع على نقصان الارتياع و كثرة الإنفاق و ضاق عليه الأمر فتعجل الجباية المستقبلة ، و صرفها في الماضية . و بلغ ذلك هرون بن غريب الحال فأنهاه إلى المقتدر ، فرتب معه الخصي و اطلع على حسابه ، فألقى له حسبه ليس فيها رمزه . فأظهر ذلك للمقتدر و جميع الكتاب و اطلعوا عليها قابلوا الوزير بتصديق الخصي فيما قاله ، و قبض على الحسين ابن القاسم في شهر ربيع من سنة عشرين لسبعة أشهر من ولايته . و استوزر أبا الفتح الفضل بن جعفر و سلم إليه الحسين فلم يؤاخذه بإساءته و لم يزل على وزارته .

أخبار القرامطة في البصرة و الكوفة
كان القرامطة قد استبد طائفة منهم بالبحرين و عليهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجناني ، ورث ذلك عن أبيه و اقتطعوا ذلك العمل بأسره عن الدولة ، كما يذكر في أخبار دولتهم عند إفرادها بالذكر ، فقصد أبو طاهر البصرة سنة إحدى عشرة و مائتين و بها سبط مفلح ، فكبسها ليلاً في ألفين و سبعمائة ، و تسنمو الأسوار بالجبال ، و ركب سبك فقتلوه و وضعوا السيف في الناس فأفحشوا في القتل و غرق كثير في الماء ، و أقام أبو طاهر بها سبعة عشر
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:34 pm

يوماً ، و حمل ما قدر عليه من الأموال و الأمتعة و النساء و الصبيان و عاد إلى هجر . و ولى المقتدر على البصرة محمد بن عبد الله الفارقي فانحدر إليها بعد انصرافهم عنها . ثم سار أبو طاهر القرمطي سنة اثنتين عشرة معترضاً للحاج في رجوعهم من مكة ، فاعترض أوائلهم و نهبهم ، و جاء الخبر إلى الحاج و هم بعيد ، و قد فنيت أزوادهم و كان معهم أبو الهيجاء بن حمدان صاحب طريق الكوفة . ثم أغار عليهم أبو طاهر فأوقع بهم و أسر أبا الهيجاء أحمد بن بدر من أخوال المقتدر ، و نهب الأمتعة و سبى النساء و الصبيان ، و رجع إلى هجر . و بقي الحجاج ضاحين في الفقر إلى أن هلكوا ، و رجع كثير من الحرم إلى بغداد ، و أشغبوا و اجتمع معهم حرم المنكوبين أيام ابن الفرات ، فكان ذلك من أسباب نكبته . ثم أطلق أبو طاهر الأسرى الذين عنده ابن حمدان و أصحابه ، و أرسل إلى المقتدر يطلب البصرة و الأهواز ، فلم يجبه و سار من هجر لاعتراض الحاج ، و قد سار بين أيديهم جعفر بن ورقاء الشيباني في ألف رجل من قومه ، و كان صاحب أعمال الكوفة و على الحاج بمثل صاحب البحر و جنا الصفواني و طريف اليشكري و غيرهم في ستة آلاف رجل ، فقاتل جعفر الشيباني أولاً و هزمه . ثم اتبع الحاج إلى الكوفة فهزم عسكرهم و فتك فيهم ، و أسرجنا الصفواني ، و هرب الباقون . و ملك الكوفة ، و أقام بظاهرها ستة أيام يقيم في المسجد إلى الليل و يبيت في عسكره و حمل ما قدر من الأموال و المتاع و رجع إلى هجر . و وصل المنهزمون إلى بغداد فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج إلى الكوفة فسار إليها بعد خروجهم عنها ، و استخلف عليها ياقوتاً و مضى إلى واسط ليمانع أبا طاهر دونها ، و لم يحج أحد هذه السنة و بعث المقتدر سنة أربع عشرة و عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان و سيره إلى واسط لحرب أبي طاهر . و رجع مؤنس إلى بغداد و خرج أبو طاهر سنة خمس عشرة و قصد الكوفة ، و جاء الخبر إلى ابن أبي الساج فخرج من واسط آخر رمضان يسابق أبا طاهر إليها ، فسبقه أبو طاهر و هرب العمال عنها و استولى على الأتراك و العلوفات التي أعدت بها . و وصل ابن أبي الساج ثامن شوال بعد وصول أبي طاهر بيوم و بعث يدعوه إلى الطاعة للمقتدر ، فقال لا طاعة إلالله فآذنه بالحرب و تزاحفوا يوماً إلى الليل . ثم انهزم أصحاب ابن أبي الساج و أسروا و وكل أبو طاهر طبيباً يعالج جراحته ، و وصل المنهزمون ببغداد فأرجفوا بالهرب ، و برز مؤنس المظفر لقصد الكوفة . و قد سار القرامطة إلى عين التمر فبعث مؤنس من بغداد خمسمائة سرية ليمنعهم من عبور الفرات . ثم قصد القرامطة الأنبار و نزلوا غربي الفرات ، و جاؤا بالسفن من الحديثة ، فأجاز فيها ثلثمائة منهم ، و قاتلوا عسكر الخليفة فهزموهم و استولوا على مدينة الأنبار . و جاء الخبر إلى بغداد فخرج الحاجب في العساكر و لحق بمؤنس المظفر و اجتمعوا في نيف و أربعين ألف مقاتل إلى عسكر القرامطة ليخلصوا ابن أبي الساج فقاتلهم القرامطة و هزموهم . و كان أبو طاهر قد نظر إلى ابن أبي الساج و هو يستشرف إلى الخلاص ، و أصحابه يشيرونه ، فأحضره و قتله و قتل جميع الأسرى من أصحابه ، و كثر الهرج ببغداد و اتخذوا السفن بالإنحدار إلى واسط و منهم من نقل متاعه إلى حلوان . و كان نازوك صاحب الشرطة فأكثر التطوف بالليل و النهر ، و قتل بعض الدعار فأقصروا عن ثم سار القرامطة عن الأنبار فاتحة سنة ست عشرة و رجع مؤنس إلى بغداد و سار أبو طاهر إلى الرحبة فملكها و استباحها ، و استأمن إليه أهل قرقيسيا فأمنهم ، و بعث السرايا إلى الأعراب بالجزيرة فنهبوهم و هربوا بين يديه ، و قدر إليهم الأتاوة في كل سنة يحملونها إلى هجر . ثم سار أبو طاهر إلى الرقة و قاتلها ثلاثاً ، و بعث السرايا إلى رأس عين ، و كفر توثا و سنجار فاستأمنوا إليهم ، و خرج مؤنس المظفر من بغداد في العسكر و قصد الرقة ، فسار أبو طاهر عنها إلى الرحبة و وصلها مؤنس ، و سار القرامطة إلى هيت ، فامتنعت عليهم فساروا إلى الكوفة . و خرج من بغداد نصر الحاجب و هرون بن غريب و بني بن قيس في العساكر إليها ، و وصلت جند القرامطة إلى قصر ابن هبيرة . ثم مرض نصر الحاجب و استخلف على عسكره أحمد بن كيغلغ ، و عاد فمات في طريقه ، و ولى مكانه على عسكره هرون بن غريب ، و ولى مكانه في الحجة ابنه أحمد . ثم انصرف القرامطة إلى بلادهم ، و رجع هرون إلى بغداد في شوال من السنة . ثم اجتمع بالسواد جماعات من أهل هذا المذهب بواسط و عين التمر ، و ولى كل جماعة عليهم رجلاً منهم ، فولى جماعة واسط حريث بن مسعود ، و جماعة عين التمر عيسى بن موسى و سار إلى الكوفة و نزل بظاهر و صرف العمال عن السواد ، و جبى الخراج . و سار حريث إلى أعمال الموفق و بنى بها داراً سماها دار الهجرة ، و استولى على تلك الناحية . و كان صاحب الحرب بواسط بني بن قيس فهزموه ، فبعث إليه المقتدر هرون بن غريب في العساكر ، و إلى قرامطة الكوفة صافياً البصري ، فهزموهم من كل جانب و جاؤا بأعلامهم بيضاء عليها مكتوب :و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض الآية ، و أدخلت إلى بغداد منكوسة ، و اضمحل أمر القرامطة بالسواد .

استيلاء القرامطة على مكة و قلعهم الحجر الأسود
ثم سار أبو طاهر القرمطي سنة تسع عشرة إلى مكة و حج بالناس منصور الديلمي ، فلما كان يوم التروية ، و نهب أبو طاهر أموال الحجاج و فتك فيهم بالقتل حتى في المسجد و الكعبة ، و اقتلع الحجر الأسود و حمله إلى هجر ، و خرج إليه أبو مخلب أمير مكة في جماعة من الأشراف ، و سألوه فلم يسعفهم ، و قاتلوا فقتلهم و قلع باب البيت ، و أصعد رجلاً يقتلع الميزاب فسقط فمات ، و طرح القتلى في زمزم و دفن الباقين في المسجد حيث قتلوا ، و لم يغسلوا و لا صلى عليهم و لا كفنوا . و قسم كسوة البيت على أصحابه و نهب بيوت أهل مكة . و بلغ الخبر إلى المهدي عبيد الله بأفريقية و كانوا يظهرون الدعاء له ، فكتب إليه بالنكير و اللعن و يتهدده على الحجر الأسود فرده و ما أمكنه من أموال الناس و اعتذر عن بقية ما أخذوه بافتراقه في الناس .

خلع المقتدر و عوده
كان من أول الأسباب الداعية لذلك أن فتنةً وقعت بين ما جورية هرون الحال و نازوك صاحب الشرطة في بعض مذاهب الفواحش ، فحبس نازوك ما جوريه هرون ، و جاء أصحاب إلى محبس الشرطة و وثبوا بنائبه و أخذوا أصحابهم من الحبس . و رفع نازوك الأمر إلى المقتدر فلم يعد أحداً منهما لمكانهما منه ، فعاد الأمر بينهما إلى المقاتلة و بعث المقتدر إليهما بالنكير فأقصرا ، و استوحش هرون ، و خرج بأصحابه و نزل البستان النجمي و بعث إليه المقتدر بسترضيه ، فأرجف الناس أن المقتدر جعله أمير الأمراء ، فشق ذلك على أصحاب مؤنس ، و كان بالرقة فكتبوا إليه فأسرع العود إلى بغداد و نزل بالشماسية مستوحشاً من المقتدر و لم يلقه ، و بعث ابنه أبا العباس و وزبره ابن مقلة لتلقيه و إيناسه فلم يقبل ، و تمكنت الوحشة و أسكن المقتدر ابن خاله هرون معه في داره فازداد نفور مؤنس . و جاء أبو العباس بن حمدان من بلاده في عسكر كبير ، فنزل عند مؤنس و تردد الأمراء بين المقتدر و مؤنس ، و سار إليه نازوك صاحب الشرطة ، و جاءه بني بن قيس ، و كان المقتدر قد أخذ منه الدينور و أعادها إليه مؤنس ، و اشتمل عليه . و جمع المقتدر في داره هرون بن غريب و أحمد بن كيغلغ و الغلمان الحجرية و الرجال المصافية ، ثم انتقض أصحاب المقتدر و جاؤا إلى مؤنس و ذلك في فتح سنة سبع عشرة . فكتب مؤنس إلى المقتدر بأن الناس ينكرون سرفه فيما أقطع الحرم و الخدم من الأموال و الضياع و رجوعه إليهم في تدبير ملكه ، و يطالبه بإخراجهم من الدار و إخراج هرون بن غريب معهم ، و انتزع ما في أيديهم من الأموال والأملاك . فأجاب المقتدر إلى ذلك ، و كتب يستعطفه و يذكره البيعة و يخوفه عاقبة النكث ، و أخرج هرون إلى الثغور الشامية و الجزرية ، فسكن مؤنس و دخل إلى بغداد و معه ابن حمدان و نازوك و الناس يرجفون بأنه خلع المقتدر . فلما كان عشر محرم من هذه السنة ، ركب مؤنس إلى باب الشماسية و تشاور مع أصحابه قليلاً ، ثم رجعوا إلى دار الخليفة بأسرهم ، و كان المقتدر قد صرف أحمد بن نصر القسوري عن الحجابة و قلدها ياقوتاً و كان على حرب فارس ، فاستخلف مكانه ابنه أبا الفتح المظفر . فلما جاء مؤنس إلى الدار هرب ابن ياقوت و سائر الحجبة و الخدم و الوزير و كل من بالدار ، و دخل مؤنس فأخرج المقتدر و أمه و ولده و خواص جواريه ، فنقلهم إلى داره و اعتقلهم بها ، و بلغ الخبر هرون بن غريب بقطريل فدخل إلى بغداد و استتر ، و مضى ابن حمدان إلى دار ابن طاهر فأحضر محمد بن المعتضد ، وبايعوه و لقبوه القاهر بالله . و أحضروا القاضي أبا عمر المالكي عند المقتدر للشهادة عليه بالخلع ، و قام ابن حمدان يتأسف له و يبكي و يقول : كنت أخشى عليك مثل هذا و نصحتك فلم تقبل ، و آثرت قول الخدم و النساء على قولي ، و مع هذا فنحن عبيدك و خدمك ، و أودع كتاب الخلع عند القاضي أبي عمر و لم يظهر عليه أحداً حتى سلمه إلى المقتدر بعد عوده ، فحسن موقع ذلك منه و ولاه القضاء . و لما تم الخلع عمد مؤنس ، إلى دار الخليفة فنهبها و مضى ابن نفيس إلى تربة أم المقتدر فاستخرج من بعض قبورها ستمائة ألف دينار و حملها إلى القاهر ، و أخرج مؤنس علي ابن عيسى الوزير من الحبس و ولى علي بن مقلة الوزارة ، و أضاف إلى نازوك الحجابة مع الشرطة ، و أقطع ابن حمدان حلوان و الدينور و همذان و كرمان و الصيمرة و نهوند و شيراز و ما سبذان مضافاً إلى ما بيده من أعمال طريق خراسان ، و كان ذلك منتصف المحرم . و لما تقلد نازوك الحجابة أمر الرجالة بتقويش خيامهم من الدار و أدالهم ابن جالة من أصحابه فأسفهم بذلك و تقدموا إلى خلفاء الحجاب بأن يمنعوا الناس من الدخول إلا أصحاب المراتب فاضطربت الحجرية لذلك . فلما كان سابع عشر المحرم و هو يوم الاثنين بكر الناس إلى الخليفة لحضور الموكب و امتلأت الرحاب و شاطئ دجلة بالناس ، و جاء الرجالة المصافية شاكي السلاح يطالبون بحق البيعة و رزق سنة ، و قد بلغ منهم الحنق على نازوك مبالغة ، و قعد مؤنس عن الحضور ذلك اليوم ، و زعق الرجالة المصافية فنهى نازوك أصحابه أن يعرضوا بهم ، فزاد شغبهم و هجموا على الصحن المنيعي ، و دخل معهم من كان على الشط من العامة بالسلاح ، و القاهر جالس و عنده علي بن مقلة الوزير و نازوك ، فقال لنزوك أخرج إليهم فسكنهم ! فخرج و هو متحامل من الخمار فتقدم إلى الرجالة للشكوى بحالهم و رأى السيوف في أيديهم فهرب ، فحدث لهم الطمع فيه و في الدولة ، و اتبعوه فقتلوه و خادمه عجيفاً و نادوا بشعار المقتدر . و هرب كل من في الديار من سائر الطبقات و صلبوا نازوك و عجيفاً على شاطئ دجلة . ثم ساروا إلى دار مؤنس يطلبون المقتدر ، و أغلق الخادم أبواب دار الخليفة ، و كانوا كلهم صنائغ المقتدر ، و قصد أبو الهيجاء حمدان الفرات فتعلق به القاهر و استقدم به ، فقال له : أخرج معي إلى عشيرتي أقتل دونك ! فوجد الأبواب مغلقة فقال له ابن حمدان : قف حتى أعود إليك و نزع ثيابه و لبس بعض الخلقان ، و جاء إلى الباب فوجده مغلقاً و الناس من ورائه ، فرجع إلى القاهر و تمالأ بعض الخدم على قتله ، فقاتلهم حتى كشفهم ، و دخل في بعض مسارب البستان فجاؤه إليهم فقتلوه و حملوا رأسه . و انتهى الرجالة إلى دار مؤنس يطلبون المقتدر فسلمه إليهم و حملوه على رقابهم إلى دار الخلافة ، فلما توسط الصحن المنيعي إطمأن و سأل عن أخيه القاهر و ابن حمدان و كتب لهما الأمان بخطه ، و بعث فيهما فقتل له إن ابن حمدان قد قتل ، فعظم عليه و قال : و الله ما كان أحمد بسيف في هذه الأيام غيره ، و أحضر القاهر فاستدناه و قبل رأسه و قال له : لا ذنب لك و لو لقبوك المقهور . لكان أولى من القاهر ! و هو يبكي و يتطارح عليه حتى حلف له على الأمان ، فانبسط و سكن . و طيف برأس نازوك و ابن حمدان و خرج أبو نفيس هارباً من مكان استتاره إلى الموصل ، ثم إلى أرمينية ، و لحق بالقسطنطينية فتنصر ، و هرب أبو السرايا أخو أبي الهيجاء إلى الموصل ، و أعاد المقتدر أبا علي بن مقلة إلى الوزارة ، و أطلق للجند أرزاقهم و زادهم . و بيع ما في الخزائن بأرخص الأثمان و أذن في بيع الأملاك لتتمة الأعطيات ، و أعاد مؤنساً إلى محله من تدبير الدولة و التعويل عليه في أموره . و يقال إنه كان مقاطعاً للمقتدر و إنه الذي دس إلى المصافية و الحجرية بما فعلوه ، و لذلك قعد عن الحضور إلى القاهر . ثم إن المقتدر حبس أخاه القاهر عند أمه فبالغت في الإحسان إليه و التوسعة عليه في النفقة و السراري .

أخبار قواد الديلم و تغلبهم على أعمال الخليفة
قد تقدم لنا الخبر عن الديلم في غير موضع من الكتاب ،و خبر افتتاح بلادهم بالجبال و الأمصار التي تليها ، مثل طبرستان و جرجان و سارية و آمد و استراباذ ، و خبر إسلامهم على يد الأطروش ، و أنه جمعهم و ملك بهم بلاد طبرستان سنة إحدى و ثلثمائة ، و ملك من بعده أولاده و الحسن بن القاسم الداعي صهره ، و استعمل منهم القواد على ثغورها فكان منهم ليلى بن النعمان ، كانت إليه ولاية جرجان عن الحسن ابن القاسم الداعي سنة ثمان ثلاثين . و كانت بين بني سامان و بين بني الأطروش و الحسن بن القاسم الداعي و قواد الديلم حروب هلك فيها ليلى بن النعمان سنة تسع و ثلثمائة ، لأن أمر الخلفاء كان قد انقطع عن خراسان ، و ولوها ابني سامان فكانت بسبب ذلك بينهم و بين أهل طبرستان من الحروب ما أشرنا إليه . ثم كانت بعد ذلك حرب مع بني سامان فولاها من قواد الديلم شرخاب بن بهبودان و هو ابن عم ما كان ابن كالي و صاحب جيش أبي الحسن الأطروش ، و قاتله سيمجور صاحب جيش بني سامان ، فهزمه و هلك شرخاب ، و ولى ابن الأطروش ما كان بن كالي على استراباذ ، فاجتمع إليه الديلم و قدموه على أنفسهم ، و استولى على جرجان كما يذكر ذلك كله في أخبار العلوية . و كان من أصحاب ماكان هذا أسفار ابن شيرويه من قواد الديلم عن ما كان إلى قواد بني سامان . فاتصل ببكر بن محمد بن أليسع بنيسابور ، و بعثه في الجنود لافتتاح جرجان ، و بها أبو الحسن بن كالي نائباً عن أخيه ما كان و هو بطبرستان . فقتل أبو الحسن و قام بأمر جرجان علي بن خرشيد . و دعا أسفار بن شيرويه إلى حماتيها من ما كان ، فزحف إليهم من طبرستان فهزموه و غلبوه عليها و نصبوا أبا الحسن و علي بن خرشيد . فزحف ما كان إلى أسفار و هزمه و غلبه على طبرستان ، و رجع إلى بكر بن محمد بن
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:35 pm

أليسع بجرجان . ثم توفي بكر سنة خمس عشرة ، فولى نصر بن أحمد بن سامان أسفار بن شيروية مكانه على جرجان ،و بعث أسفار عن مرداويج بن زيار الجبلي و قدمه على جيشه ، و قصدوا طبرستان فملكوها . و كان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الري و أعمالها من يد نصر بن سامان ، و معه قائده ما كان بن كالي . فلما غلب أسفار على طبرستان زحف إليه الداعي و قائده ما كان فانهزما و قتل الداعي و رجع ما كان إلى الري ، و استولى أسفار ابن شيرويه على طبرستان و جرجان ، و دعا النصر بن أحمد بن سامان ، و نزل سارية و استعمل على آمد هرون بن بهرام . ثم سار أسفار إلى الري ، فأخذها من يد ما كان ابن كالي و سار ما كان إلى طبرستان و استولى أسفار على سائر أعمال الري و قزوين و زنجان و أبهر و قم و الكرخ ، و عظمت جيوشه و حدثته نفسه بالملك ، فانتقض على نصر بن سامان صاحب خراسان ، و اعتزم على حربه و حرب الخليفة . و بعث المقتدر هرون بن غريب الحال في عسكر إلى قزوين ، فحاربه أسفار و هزمه و قتل كثيراً من أصحابه . ثم زحف إليه نصر بن سامان من بخارى فراسله في الصلح و ضمان أموال الجباية ، فأجابه و ولاه و رجع إلى بخارى ، فعظم أمر أسفار و كثر عيثه و عسف جنده ، و كان قائده مرداويج من أكبر قواده قد بعث أسفار إلى سلار صاحب سميرم ، و الطرم يدعوه إلى طاعته . فاتفق مع سلار على الوثوب بأسفار ، و قد باطن في ذلك جماعة من قواد أسفار و وزيره محمد بن مطرف الجرجاني . و نمي الخبر إلى أسفار و ثار به الجند ، فهرب إلى بيهق . و جاء مرداويج من قزوين إلى الري ، و كتب إلى ما كان بن كالي يستدعيه من طبرستان ليظاهره على أسفار ، فقصد ما كان أسفار ، فهرب أسفار إلى الري ليتصل يأهله و ماله ، و قد كان أنزلهم بقلعة المرت . و ركب المفازة إليها ، و نمي الخبر إلى مرداويج فسار لاعتراضه و قدم بعض قواده أمامه فلحقه القائد و جاء به إلى مرداويج فقتله و رجع إلى الري ثم قزوين ، و تمكن في الملك و افتتح البلاد و أخذ همذان و الدينور و قم و قاشان و أصبهان ، و أساء السيرة في أهل أصبهان و صنع سريراً من ذهب لجلوسه . فلما قوي أمره نازع ما كان في طبرستان فغلبه عليها ثم سار إلى جرجان فملكها و عاد إلى أصبهان ظافراً . و سار ما كان على الديلم مستنجداً بأبي الفضل الثائر بها ، و سار معه إلى طبرستان فقاتلهم عاملها من قبل مرداويج بالقسم بن بايحين و هزمهم ، و رجع الثائر إلى الديلم و سار ما كان إلى نيسابور ، ثم سار إلى الدامغان فصده عنها القسم فعاد إلى خراسان .و عظم أمر مرداويج و استولى على بلد الري و الجبل و اجتمع إليه الديلم و كثرت جموعه و عظم خرجه . فلم يكف ما في يده من الأعمال فسما إلى التغلب على النواحي ، فبعث إلى همذان الجيوش مع ابن أخته ، و كانت بها عساكر الخليفة مع محمد بن خلف ، فحاربهم و هزمهم و قتل ابن أخت مرداويج . فسار من الري إلى همذان عسكر الخليفة عنها و ملكها مرداويج عنوة و استباحها . ثم أمن بقيتهم . و أنفذ المقتدر هرون بن غريب الحال في العساكر فلقيه مرداويج و هزمهم و استولى على بلاد الجبل و ما وراء همذان ، و بعث قائده إلى الدينور ففتحها عنوة ، و انتهت عساكره إلى حلوان فقتل و سبى . و سار هرون إلى قرقيسيا فأقام بها و استمد المقتدر و كان معه اليشكري من قواد أسفار ، و كان قد استأمن بعد أسفار إلى الخليفة و سار في جملته . و جاء مع هرون في هذه الغزاة إلى نهاوند لحمل المال إليه منها . فلما دخلها استمدت عينه إلى ثروة أهلها ، فصادرهم على ثلاثة آلاف ألف دينار ، و استخرجها في مدة أسبوع ، و جند بها جنداً و مضى إلى أصبهان ، و بها يومئذ ابن كيغلغ قبل استيلاء مرداويج عليها ، فقاتله أحمد و انهزم و ملك اليشكري أصبهان ، و دخل إليها أصحابه ، و قام بظاهر . و سار أحمد بن كيغلغ في ثلاثين فارساً إلى بعض قرى أصبهان و ركب اليشكري ليتطوف على السور ، فنظر إليهم فسار نحوهم فقاتلوه ،و ضربه أحمد بن كيغلغ على رأسه بالسيف فقد المغفر و تجاوزه إلى دماغه فسقط ميتاً . و قصد أحمد المدينة ففر أصحاب اليشكري ، و دخل أحمد إلى أصبهان و ذلك قبل استيلاء عسكر مرداويج عليها ، فاستولى عليها و جددوا له فيها مساكن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي و بساتينه ، و جاء مرداويج في أربعين أو خمسين ألفاً ، فنزلها و بعث جمعاً إلى الأهواز فاستولوا عليها ، و على خوزستان كذلك ، و جبى أموالها و قسم الكثير منها في أصحابه ، و ادخر الباقي و بعث إلى المقتدر يطلب ولاية هذه الأعمال و إضافة همذان و ماه الكوفة إليها على مائتي ألف دينار في كل سنة ، فأجابه و قاطعه و ولاه و ذلك سنة تسع عشرة . ثم دعا مرداويج سنة عشرين أخاه و شكمير من بلاد كيلان ، فجاء إليه بدوياً حافياً بما كان يعاني من أحوال البداوة و التبذل في المعاش ينكر كل ما يراه من أحوال الترف ورقة العيش . ثم صار إلى ترف الملك و أحوال الرياسة فرقت حاشيته و عظم ترفهه . و أصبح من عظماء الملوك و أعرفهم بالتدبير و السياسة .


ابتداء حال أبي عبد الله البريدي
كان بداية أمره عاملاً على الأهواز و ضبط ابن ماكر لأن هذا الاسم بالموحدة و الراء المهملة نسبة إلى البريد . و ضبطه ابن مسكوية بالياء المثناة التحتانية و الزاي نسبة إلى يزيد بن عبد الله بن المنصور الحميري ، كان جده يخدمه و لما ولي علي بن عيسى الوزارة و استعمل العمال ، و كان أبو عبد الله قد ضمن الخاصة بالأهواز و أخوه أبو يوسف على سوق فائق من الإقتصارية و أخوه علي هذا . فلما وزر أبو علي بن مقلة بذل له عشرين ألف دينار على أن يقلده أعمالاً فائقة ، فقلده الأهواز جميعها غير السوس و جنا سابور و قلد أخاه أبا الحسن القرانية و أخاهما أبا يوسف الخاصة و الأسافل ، و ضمن المال أبا يوسف السمسار ، و جعل الحسين بن محمد المارداني مشرفاً على أبي عبد الله ، فلم يلتفت إليه . و كتب إليه الوزير بن مقلة بالقبض على بعض العمال و مصادرته ، فأخذ منه عشرة آلاف دينار و استأثر بها على الوزير ، فلما نكب اين مقلة كتب المقتدر بخطه إلى الحاجب أحمد بن نصر القسوري بالقبض على أولاد البريدي ، و أن لا يطلقهم إلا بكتابه ، فقبض عليهم و جاء أبو عبد الله بكتاب المقتدر بخطه بإطلاقهم و ظهر تزويره فأحضرهم إلى بغداد و صودروا على أربعمائة ألف دينار فأعطوها .

الصوائف أيام المقتدر
ساره مؤنس المظفر سنة ست و تسعين في العساكر من بغداد إلى الفرات ، و دخل من ناحية ملطية و معه أبو الأغر السلمي ، فظفر و غنم و أسر جماعة ، و في سنة سبع و تسعين بعث المقتدر أبا القاسم بن سيما لغزو الصائفة سنة ثمان و تسعين . و في سنة تسع و تسعين غزا بالصائفة رستم أميرالثغور ، و دخل من ناحية طرسوس و معه دميانة ، و حاصر حصن مليح الأرمني ففتحه و أحرقه . و في سنة ثلثمائة مات إسكندروس بن لاور ملك الروم ، و ملك بعده ابنه قسطنطين ابن اثنتي عشرة سنة . و في سنة اثنتين و ثلثمائة سار علي بن عيسى الوزير في ألف فارس لغزو الصائفة مدداً لبسر الخادم عامل طرسوس ، و لم يتيسر لهم الدخول في المصيف ، فدخلوا شاتية في كلب البرد و شدته ، غنموا و سبوا . و في سنة اثنتين و ثلثمائة غزا بسر الخادم والي طرسوس بلاد الروم ، ففتح و غنم و سبى و أسر مائة و خمسين . و كان السبي نحواً من ألفي رأس . و في سنة ثلاث و ثلثمائة أغارت الروم على ثغور الجزيرة و نهبوا حصن منصور و سبوا أهله بتشاغل عسكر الجزيرة بطلب الحسين بن حمدان مع مؤنس ، حتى قبض عليه كما مر . و في هذه السنة خرج الروم إلى ناحية طرسوس و الفرات فقاتلوا و قتلوا نحواً من ستمائة فارس ، و جاء مليح الأرمني إلى مرعش فعاث في نواحيها ، و لم يكن للمسلمين في هذه السنة صائفة . و في سنة أربع بعدها سار مؤنس المظفر بالصائفة و مر بالموصل فقلد سبكا المفلحي باريدي و قردي من أعمال الفرات ، و قلد عثمان العبودي مدينة بلد و سنجار و وصيفاً البكتمري باقي بلاد ربيعة ، و سار إلى ملطية فدخل منها و كتب إلى أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام أن يدخل من طرسوس في أهلها ، ففتح مؤنس حصوناً كثيرة و غنم و سبى و رجع إلى بغداد فأكرمه المعتضد و خلع عليه . و في سنة خمس و ثلثمائة وصل رسولان من ملك الروم إلى المقتدر في المهادنة و الفداء ، فتلقيا بالإكرام و جلس لهما الوزير في الابهة ، و صف الأجناد بالسلاح العظيم الشأن و الزينة الكاملة ، فأديا إليه الرسلة و أدخلهما من الغد على المقتدر و قد احتفل في الأبهة ما شاء ، فأجابهما إلى ما طلب ملكهم . و بعث مؤنساً الخادم للفداء ، و جعله أميراً على بلد يدخله إلى أن ينصرف . و أطلق الأرزاق الواسعة لمن سار معه من الجنود ، و أنفذ معه مائة و عشرين ألف دينار للفدية . و فيها غزا الصائفة جنا الصفواني فغنم و غزا و سير نمالي الخادم في الأسطول فغنم . و في السنة بعدها غزا نمالي في البحر كذلك ، و جنا الصفواني فظفر و فتح و عاد و غزا بشر الأفشين بلاد الروم ، ففتح عدة حصون و غنم و سبى . و في سنة سبع غزا نمالي في البحر فلقي مراكب المهدي صاحب أفريقية فغلبهم و قتل جماعة منهم ، و أسر خادماً للمهدي . و في سنة عشرة و ثلثمائة غزا محمد بن نصر الحاجب من الموصل على قاليقلا ، فأصاب من الروم ، و سار أهل طرسوس من ملطية فظفروا و استباحوا و عادوا . و في سنة إحدى عشرة غزا مؤنس المظفر بلاد الروم فغنم و فتح حصوناً ، و غزا نمالي في البحر فغنم ألف رأس من السبي و ثمانية آلاف من الظهر و مائة ألف من الغنم و شيئاً كثيراً من الذهب و الفضة . و في سنة اثني عشرة جاء رسول ملك الروم بالهدايا و معه أبو عمر بن عبد الباقي يطلبان الهدنة و تقرير الفداء ، فأجيبا إلى ذلك . ثم غدروا بالصائفة فدخل المسلمون بلاد الروم فأثخنوا و رجعوا . و في سنة أربع عشرة خرجت الروم إلى ملطية و نواحيها مع الدمستق و مليح الأرمني صاحب الدروب و حاصروا ملطية و هربوا إلى بغداد و استغاثوا ، فلم يغاثوا . و غزا أهل طرسوس بالصائفة فغنموا و رجعوا . و في سنة خمس عشرة دخلت سرية من طرسوس إلى بلاد الروم فأوقع بهم الروم و قتلوا أربعمائة رجل صبراً ، و جاء الدمستق في عساكر من الروم إلى مدينة دبيل ، و بها نصر السبكي فحاصرهم و ضيق مخنقها و اشتد في قتالها حتى نقب سورها ، و دخل الروم إليها و دفعهم المسلمون فأخرجوهم و قتلوا منهم بعد أن غنموا ما لا يحصى و عاثوا في أنعامهم ، فغنموا من الغنم ثلثمائة ألف رأس فأكلوها . و كان من رؤساء الأكراد يعرف بالضحاك في حصن له يعرف بالجعبري فتنصر و خدم ملك الروم ، فلقيه المسلمون في سنة الغزاة فأسروه و قتلوا من معه . و في سنة ست عشرة و ثلثمائة خرج الدمستق في عساكر الروم فحاصر خلاط و ملكها صلحاً ، و جعل الصليب في جامعها ، و رحل إلى تدنيس ففعل بها كذلك ، و هرب أهل أردن إلى بغداد و استغاثوا فلم يغاثوا . و فيها ظهر أهل ملطية على سبعمائة رجل من الروم و الأرمن ، دخلوا بلدهم خفية و قدمهم مليح الأرمني ليكونوا لهم عوناً إذا حاصروها ، فقتلهم أهل ملطية عن آخرهم . و في سنة عشرة أهل الثغور الجزرية مثل ملطية و فارقين و آمد و أرزا يستمدون الممقتدر في العساكر و إلا فيعطوا الأتاوة للروم فلم يمدهم ، فصالحوا الروم و ملكوا البلاد . و فيها دخل مفلح الساجي بلاد الروم . و في سنة عشرين غزا نمالي بلاد الروم من طرسوس و لقي الروم فهزمهم و قتل منهم ثلثمائة و أسر ثلاثة آلاف ، و غنم من الفضة و الذهب شيئاً كثيراً و عاد بالصائفة في سنته في حشد كثيراً ، و بلغ عمورية فهرب عنها من كان تجمع إليها من الروم ، و دخلها المسلمون فوجدوا من الأمتعة و الأطعمة كثيراً ، فغنموا و أحرقوا و توغلوا في بلاد الروم يقتلون و يكتسحون و يخربون حتى بلغوا انكمورية التي مصرها أهده و عادوا سالمين . و بلغت قيمة السبي مائة ألف و ستة و ثلاثين ألف دينار . و في هذه السنة راسل ابن الزيداني و غيره من الأرمن في نواحي أرمينية و حثوا الروم على قصد بلاد الإسلام فساروا و خربوا نواحي خلاط و قتلوا و أسروا فسار إليهم مفلح غلام يوسف بن أبي الساج من أذربيجان في جموع من الجند و المتطوعة ، فأثخن في بلاد الروم حتى يقال إن القتلى بلغوا مائة ألف ، و خرب بلاد ابن الزايدني و من وافقه ، و قتل و نهب . ثم جاءت الروم إلى سميساط فحصروها و أمدهم سعيد بن حمدان ، و كان المقتدر ولاه الموصل و ديار ربيعة على أن يسترجع ملطية من الروم . فلما جاء رسول أهل سميساط إليهم فأجفل الروم عنها فسار إلى ملطيةو بها عساكر الروم و مليح الأرمني صاحب الثغور الرومية ، و بني بن قيس صاحب المقتدر الذي تنصر . فلما أحسوا باقبال سعيد هربوا و تركوها خشية أن يثب بهم أهلها و ملكها سعيد فاستخلف عليها و عاد إلى الموصل .

الولايات على النواحي أيام المقتدر
كان بأصبهان عبد الله بن إبراهيم المسمعي عاملا عليها ، خالف لأول ولاية المقتدر و جمع من الأكراد عشرة آلاف ، و أمر المقتدر بدراً الحمامي عامل أصبهان بالمسير إليه . فسار إليه في خمسة آلاف من الجند و أرسل من يخوفه عاقبة المعصية ، فراجع الطاعة و سار إلى بغداد و استخلف على أصبهان . و كان على اليمن المظفر بن هاج . ففتح ما كان غلب عليه الحرثي باليمن و أخذ الحلتمي من أصحابه . و كان على الموصل أبو الهيجاء بن حمدان ، و سار أخوه الحسين بن حمدان و أوقع بأعراب كلب وطيء ، و أسر سنة أربع و تسعين . ثم سار إلى الأكراد المتغلبين على نواحى الموصل سنة خمس و تسعين فاستباحهم و هربوا إلى رؤوس الجبال . و خرج بالحاج في سنة أربع و تسعين وصيف بن سوارتكين فحصره أعراب طيء بالقتال و أوقعهم فهزمهم ، و مضى إلى وجهه . ثم أوقع بهم هنالك الحسن بن موسى فأثخن فيهم . و كان على فارس سنة ست و تسعين اليشكري غلام عمرو بن الليث ، فلما تغلب و كان على الثغور الشامية أحمد بن كيغلغ في سنة سبع و تسعين ملك الليث فارس من يد اليشكرى ، ثم جاءه مؤنس فغلبه و أسره و رجع اليشكري إلى عمله كما مر في خبره . و في سنة ست و تسعين وصل ناسر موسى بن سامان و قلد ديار ربيعة و قد مر ذكره . و فيها رجع الحسين بن حمدان من الخلاف و عقد له على قم و قاشان ، فسار إليها و نزل عنها العباس بن عمر الغنوي . و في سنة سبع و تسعين توفي عيسى النوشري عامل مصر و ولى
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:35 pm

تكين الخادم . و في سنة ثمان و تسعين توفي منيح خادم الأفشين و هو عامل فارس و كان معه محمد بن جعفر الفريابي فماتا معاً . و ولى على فارس عبد الله بن إبراهيم المسمعي و أضيفت إليه كرمان و فيها وليت أم موسى الهاشمية قهرمة دار المقتدر و كانت تؤدي الرسائل عن المقتدر و أمه إلى الوزراء و عن الوزراء إليهما . و في سنة تسع و تسعين كان على البصرة محمد بن إسحق بن كنداج و جاء إليه القرامطة فقاتلهم فهربوا . و في سنة ثلثمائة عزل عبد الله بن إبراهيم المسمعي عن فارس و كرمان و نقل إليها بدر الحمامي عامل أصبهان ، و ولي على أصبهان علي بن و هشودان و فيها ولي بشير الأفشين طرسوس و فيها قلد أبو العباس بن المقتدر مصر و المغرب و هو ابن أربع سنين ، و استخلف له على مصر مؤنس المظفر و قلد معين الطولوني العونة بالموصل ، ثم عزل و استعمل مكانه نحرير الصغير . و فيها خالف أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بالموصل فسار إليه مؤنس و جاء به على الأمان ، ثم قلد الموصل سنة اثنتين و ثلثمائة فاستخلف عليها و هو ببغداد . ثم خالف أخوه الحسين سنة ثلثمائة و سار إليه مؤنس و جاء به أسيراً فحبس المقتدر على أبي الهيجاء و أخوته جميعاً فحبسوا . و فيها ولي الحسين بن محمد بن عينونة عامل الخراج و الضياع بديار ربيعة بعد وفاة أبيه محمد بن أبي بكر . و في سنة أربع عزل علي بن وهشودان صاحب الحرب بأصبهان بمنافرة وقعت بينه و بين أحمد بن شاه صاحب الخراج ،و ولى مكانه أحمد ابن مسرور البلخي . و أقام ابن وهشودان بنواحي الجبل . ثم تغلب يوسف بن أبي الساج عليها كما مر . و سار إليه مؤنس سنة سبع فهزمه و أسره ، و ولى على أصبهان و قم و قاشان و ساوة أحمد بن علي بن صعلوك ،و على الري ودنباوند و قزوين و أبهر و زنجان علي بن وهشودان إستدعاه من الجبل فولاه ، و وثب به عمه أحمد بن مسافر صاحب الكرم فقتله بقزوين . فاستعمل مكانه علىالحرب وصيفاً البكتمري ، و على الخراج محمد بن سليمان . ثم سار أحمد بن صعلوك إليها فقتل محمد بن سليمان و طرد وصيفاً . ثم قاطع على الأعمال بمال معلوم كما مر . و كان على أعمال سجستان كثير بن أحمد مهقور متغلباً عليها ، فسار إليه أبو الحمامي عامل فارس ، فخافه كثير و قاطع على البلاد و عقد له عليها . و كان على كرمان سنة أربع و ثلثمائة أبو زيد خالد بن محمد المارداني ، فانتقض و سار شيراز فقاتله بدر الحمامي و قتله . و في هذه السنة قلد مؤنس المظفر عند مسيره إلى الصائفة و انتهائه إلى الموصل ، فولوا على بلد باريدى و قردى سبكا المفلحي و على مدينة بلد و سنجار و باكرى عثمان العبودي صاحب الحرب بديار مصر ، فولى مكانه وصيف البكتمري فعجز عن القيام بها ، فعزل و ولى مكانه جنا الصفواني . و كان على البصرة في هذه السنة الحسن بن الخليل ، تولاها منذ سنين و وقعت فتن بينه و بين العامة من مضر و ربيعة ، و اتصلت و قتل منهم خلق . ثم اضطروه إلى الإلتحاق بواسط فاستعمل عليها أبا دلف هاشم بن محمد الخزاعي ، ثم عزل لسنة و ولى سبكا المفلحي نيابة عن شفيع المقتدري . و في سنة ست و ثلثمائة عزل عن الشرطة نزار و جعل فيها نجيح الطولوني ، فأقام في الأرباع فقهاء يعمل أهل الشرطة بفتواهم ، فضعف الهبية بذلك ، و كثر اللصوص و العيارون ، و كسبت درو التجار و اختطفت ثياب الناس . و في سنة سبع و ثلثمائة ولي إبراهيم بن حمدان ديار ربيعة و ولي بني بن قيس بلاد شهرزور ، و اتسعت عليه فاستمد المقتدر و حاصرها . ثم قلد الحرب بالموصل و أعمالها ، و كان على الموصل قبله محمد بن إسحق بن كنداج ، و كان قد سار لإصلاح البلاد فوقعت فتنة بالموصل فرجع إليها فمنعوه الدخول فحاصرهم . و عزله المقتدر سنة ثلاث و ثلثمائة و ولى مكانه عبد الله بن محمد الغساني . و في سنة ثمان و ثلثمائة ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على طريق خراسان و الدرنور ، و فيها ولي على دقوقا و عكبرا و طريق الموصل بدراً الشرابي . و في سنة تسع ولي المقتدر على حرب المصول و معونتها محمد بن نصر الحاجب ، فسار إليها و أوقع بالمخالفين من الأكراد المادرانية . و فيها ولى داود بن حمدان على ديار ربيعة . و في سنة عشر عقد ليوسف بن أبي الساج على الري و قزوين و أبهر و زنجان و أذربيجان على تقدير العلوية كما مر . و فيها قبض المقتدر على أم موسى القهرمانة لأنها كانت كثيرة المال ، و زوجت بنت أختها من بعض ولد المتوكل ، كان مرشحاً للخلافة ، و كان محسناً فلما صاهرته أوسعت في الشوار و اليسار و العرس ،و سعى بها إلى المقتدر أنه استخلصت القواد فقبض عليها و صادرها على أموال عظيمة و جواهر نفيسة . و فيها قتل خليفة نصر بن محمد الحاجب بالموصل ، قتله العامة فجهز العساكر من بغداد ، و سار إليها . و في سنة إحدى عشرة ملك يوسف بن أبي الساج الري من يد أحمد بن علي صعلوك ، و قتله المقتدر و قد مر خبره . و فيها ولى المقتدر بني بن قيس على حرب أصبهان ، و ولى محمد بن بدر المعتضدي على فارس مكان ابنه بدر عندما هلك . و في سنة اثنتي عشرة ولى على أصبهان يحيى الطولوني ، و على المعاون و الحرب بنهاوند سعيد بن حمدان . و فيها توفي محمد بن نصر الحاجب صاحب الموصل و توفي شفيع اللؤلؤي صاحب البريد ، فولي مكانه شفيع المقتدري . و في سنة ثلاث عشرة فتح إبراهيم المسمعي عامل فارس ناحية القفص من حدود كرمان ، و أسر منهم خمسة آلاف ، و كان في هذه السنة ولي على الموصل أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان و ابنه ناصر الدولة خليفة فيها ، فأفسد الأكراد و العرب بأرض الموصل و طريق خراسان و كانت إليه ، فكتب إليه ابنه ناصر الدولة سنة أربع عشرة بالإنحدار إلى تكريت للقائه ، فجاءه في الحشد و أوقع بالعرب و الأكراد الخلالية و حسم علتهم . و فيها قلد المقتدر يوسف بن أبي الساج أعمال الشرق و عزل عن أذربيجان و ولاه واسط ، و أمده بالسير إليها لحرب القرامطة و أقطعه همذان و ساوة و قم و قاشان و ماه البصرة و ماه الكوفة و ما سبذان للنفقة في الحرب ، و جعل على الري من أعماله نصر بن سامان ، فوليها و صار من عماله كما مر . و فيها ولي أعمال الجزيرة و الضياع بالموصل أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان و أضيف إليه باريدى و قردى و ما إليهما . و فيها قتل ابن أبي الساج كما مر . و في سنة خمس عشرة مات إبراهيم المسمعي بالنوبندجان ، و ولى المقتدر على مكانه ياقوت ، و على كرمان أبا طاهر محمد بن عبد الصمد . و في سنة ست عشرة عزل أحمد بن نصر القسوري عن حجبة الخليفة و وليها ياقوت و هو على الحرب بفارس و استخلف عليها ابنه أبا الفتح المظفر . و فيها ولي على الموصل و أعمالها يونس المؤنسي ، و كان على الحرب بالموصل ابن عبد الله بن حمدان ، و هو ناصر الدولة فغضب و عاد إلى الخلافة . و قتل في تلك الفتنة نازوك ، و أقر على أعمال قردى و باريدى التي كانت بيد أبي الهيجاء ابنه ناصر الدولة الحسن ، و على أعمال الموصل نحريراً الصغير . ثم ولى عليها سعيداً و نصراً ابني حمدان ، و هما أخوا أبي الهيجاء . و ولى ناصر الدولة على ديار ربيعة و نصيبين و سنجار و الخابور و رأس عين و ميافارقين من ديار بكر و أرزن على مقاطعة معلومة . و في سنة ثمان عشرة صرف ابنا رائق عن الشرطة ، و وليها أبو بكر محمد بن ياقوت عن الحجبة و قلد أعمال فارس و كرمان . و قلد ابنه المظفر أصبهان و ابنه أبا بكر محمداً سجستان و جعل مكان ياقوت و ولده في الحجبة و الشرطة إبراهيم و محمد ابنا واثق ، فأقام ياقوت بشيراز و كان علي بن خلف بن طيان على الخوارج ، فتعاقدا على قطع الحمل عن المقتدر إلى أن ملك علي بن بويه بلاد فارس سنة ثلاث و عشرين . و في هذه السنة غلب مرداويج على أصبهان و همذان و الري و حلوان ، و قاطع عليها بمال معلوم و صارت في ولايته .

استيحاش مؤنس من المقتدر الثانية و مسيره إلى الموصل
كان الحسين بن القاسم بن عبد الله بن وهب وزيراً للمقتدر ، و كان مؤنس منحرفاً عنه قبل الوزارة حتى أصلح بليق حاله عند مؤنس ، فوزر و اختص به بنو البريدي و ابن الفرات . ثم بلغ مؤنساً أن الحسين قد واطأ جماعة من القواد في التدبير عليه ، فتنكر له مؤنس و ضاقت الدنيا على الحسين و بلغه أن مؤنساً يكبسه ، فانتقل إلى الخلافة و كتب الحسين إلى هرون بن غريب الحال يستقدمه ، و كان مقيماً بدير العاقول بعد انهزامه من مرداويج ، و كتب إلى محمد بن ياقوت يستقدمه من الأهواز فاستوحش مؤنس . ثم جمع الحسين الرجال و الغلمان الحجرية في دار الخلافة ، و أنفق فيهم فعظمت نفرة مؤنس ، و قدم هرون من الأهواز فخرج مؤنس مغاضباً للمقتدر و قصد الموصل ، و كتب الحسين إلى القواد الذين معه بالرجوع فرجع منهم جماعة ، و سار مؤنس في أصحابه و مواليه و معه من الساجية ثمانمائة من رجالهم ، و تقدم الوزير بقبض أملاكه و أملاك من معه و أقطاعهم فحصل منه مال كثير ، و اغتبط المقتدر به لذلك و لقبه عميد الدولة و رسم اسمه في السكة و أطلق يده في الولاية و العزل ، فولى على البصرة و أعمالها أبا يوسف يعقوب بن محمد البريدي على مبلغ ضمنه ، و كتب إلى سعيد وداود ابني حمدان و ابن أخيهما ناصر الدولة الحسين بن عبد الله بمحاربة مؤنس ، فاجتمعوا على حربه إلا داود فإنه توقف لإحسان مؤنس إليه و تربيته إياه . ثم غلبوا عليه فوافقهم على حربه ، و جمع مؤنس في طريقه رؤوساء العرب و أوهمهم أن الخليفة ولاه الموصل و ديار ربيعة ، فنفر معه بعضهم و اجتمع له من العسكر ثمانمائة و زحف إليه بنو حمدان في ثلاثين ألفاً فهزمهم و ملك مؤنس الموصل في صفر من سنة عشرين ، و جاءته العساكر من بغداد و الشام و مصر رغبة في إحسانه . و عاد ناصر الدولة بن حمدان إلى خدمته و أقام معه بالموصل و لحق سعيد ببغداد .

مقتل المقتدر و بيعة القاهر
و لما ملك مؤنس الموصل أقام بها تسعة و اجتمعت العساكر فإنحدر إلى بغداد لقتال المقتدر ، و بعث المقتدر الجنود مع أبي محمد بن ياقوت و سعيد بن حمدان ، فرجع عنهم العسكر إلى بغداد و رجعوا و جاء مؤنس فنزل بباب الشماسية و القواد قبالته ، و ندب المقتدر ابن خاله هرون بن غريب إلى الخوارج لقتاله ، فاعتذر ثم خرج ، و طالبوا المقتدر بالمال لنفقات الجند فاعتذر و أراد أن ينحدر إلى واسط و يستدعى العساكر من البصرة و الأهواز و فارس و كرمان ، فرده ابن ياقوت عن ذلك و أخرجه للحرب و بين يديه الفقهاء و القواد و المصاحف مشهورة و عليه البردة و الناس يحدقون به ، فانهزم أصحابه و لقيه علي بن بليق من أصحاب مؤنس ، فعظمه و أشار عليه بالرجوع و لحقه من المغاربة و البربر فقتلوه و حملوا رأسه و تركوه بالعراء ، فدفن هنالك . و يقال إن علي بن بليق أشار إليهم بقتله . و لما رأى مؤنس ذلك ندم و سقط في يده و قال : و الله لنقتلن جميعاً ، و تقدم إلى الشماسية و بعث من يحتاط على دار الخلافة و كان ذلك لخمس و عشرين سنة من خلافة المقتدر . فاتسع الخرق و طمع أهل القاصية في الاستبداد و كان مهملاً لأمور خلافته محكماً للنساء و الخدم في دولته مبذراً لأمواله . و لما قتل لحق ابنه عبد الواحد بالمدائن و معه هرون بن غريب الحال و محمد بن ياقوت و إبراهيم بن راثق . ثم اعتزم مؤنس على البيعة لولده أبي العباس و كان صغيراً ، فعذله وزيره أبو يعقوب إسمعيل النويحي في ولاية صغير في حجر أمه و أشار بأخيه أبي منصور محمد بن المعتضد ، فأجاب مؤنس إلى ذلك على كره ، و أحضر و بويع آخر شوال من سنة عشرين ، و لقبوه القاهر بالله . و استخلفه مؤنس لنفسه و لحاجبه بليق و ابنه علي ، و استقدم أبا علي بن مقلة من فارس فاستوزره ، و استحجب علي بن بليق . ثم قبض على أم المقتدر و ضربها على الأموال فحلفت فأمرها بحل أوقافها فامتنعت ، فأحضر هو القضاة و أشهد بحل أوقافها و وكل في بيعها ، فاشتراها الجند من أرزاقهم ، و صادر جميع حاشية المقتدر ، و اشتد في البحث عن ولده و كبس عليهم المنازل إلى أن ظفر بأبي العباس الراضي و جماعة من أخوته و صادرهم و سلمهم علي بن بليق إلى كاتبه الحسين بن هرون ، فأحسن صحبتهم و قبض الوزير ابن مقلة على البريدي و أخوته و أصحابه و صادرهم على جملة من المال .

خبر ابن المقتدر و أصحابه
قد ذكرنا أن عبد الواحد بن المقتدر لحق بعد مقتل أبيه بالمدائن ، و معه هرون بن غريب الحال و مفلح و محمد بن ياقوت و ابنا رائق. ثم انحدروا منها إلى واسط و أقاموا بها ، و خشيهم القاهر على أمره و استأمن هرون بن غريب على أن يبذل ثلثمائة ألف دينار و تطلق له أملاكه ، فأمنه القاهر و مؤنس و كتب له بذلك و عقد له على أعمال ماه الكوفة و ما سبذان و مهروبان ، و سار إلى بغداد و سار عبد الواحد بن المقتدر فيمن معه من واسط ، ثم إلى السوس و سوق الأهواز ، و طردوا العمال و جبوا الأموال . و بعث مؤنس إليهم بليقاً في العساكر وبذل أبو عبد الله البريدي في ولاية الأهواز خمسين ألف دينار فأنفقت في العساكر . و سار معهم و انتهوا إلى واسط ثم إلى السوس ، فجاز عبد الواحد و من معه من الأهواز إلى تستر ، ثم فارقه جميع القواد و استأمنوا إلى بليق إلا ابن ياقوت و مفلحاً و مسروراً الخادم ، و كان محمد بن ياقوت مستبداً على جميعهم في الأموال و التصرف ، فنفروا لذلك و استأمنوا لأنفسهم و لابن المقتدر إلى بليق ، فأمنهم بعد أن استأمنوا محمد بن ياقوت و أذن لهم ، ثم استأمن هو على بليق إلى أمان القاهر و مؤنس ، و ساروا إلى بغداد جميعهم فوفى لهم القاهر و أطلق لعبد الواحد أملاكه و ترك لأمه المصادرة التي صادرها ، و استولى أبو عبد الله البريدي على أعمال فارس و أعاد أخوته إلى أعمالهم .

مقتل مؤنس و بليق و ابنه
لما رجع محمد بن ياقوت من الأهواز و استخلصه القاهر و اختصه لخلواته و شوراه ، و كانت بينه و بين الوزير ابن علي بن مقلة عداوة ، فاستوحش لذلك و دس إلى مؤنس أن محمد بن ياقوت يسعى به عند القاهر ، و أن عيسى الطبيب سفيره في ذلك ، فبعث مؤنس علي بن بليق لإحضار عيسى ، و تقدم علي بن بليق بالإحتياط على القاهر ، فوكل به أحمد بن زيرك و ضيق على القاهر و كشف وجوه النساء المختلفات إلى القصر خشية إيصالهم الرقاع إلى القاهر حتى كشفت أواني الطعام ، و نقل بليق المحابيس من دار الخلافة إلى داره و فيهم أم المقتدر فأكرمها علي بن بليق و أنزلهم عند أمه فماتت في جمادى من سنة إحدى و عشرين .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:37 pm

و علم القاهر أن ذلك من مؤنس و ابن مقلة فشرع في التدبير عليهم و كان طريف السبكرى و نشرى من خدم مؤنس قد استوحشا من مؤنس لتقدم بليق و ابنه عليهما . و كان اعتماد مؤنس على الساجية و قد جاؤا معه من الموصل و لم يوف لهم فاستوحشوا لذلك ، فداخلهم القاهر جميعاً و أغراهم بمؤنس و بليق ، و بعث إلى أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله و كان مختصاً بابن مقلة و صاحب رأيه ، فوعده بالوزارة فكان يطالعه بالأخبار . و شعر ابن مقلة بذلك فأبلغوا إلى مؤنس و بليق ، و أجمعوا على خلع القاهر ، و اتفق بليق و ابنه علي و ابن مقلة و الحسن بن هرون على البيعة لأبي أحمد بن المكتفي فبايعوه ، و حلفوا له و أطلعوا مؤنساً على ذلك ، فأشار بالمهل و تأنيس القاهر حتى يعوفوا من واطأه من القواد و الساجية و الحجرية فأبوا و هونوا عليه الأمر في استعجال خلفه فأذن لهم ، فأشاعوا أن أبا طاهر القرمطي و رد الكوفة ، و ندبوا علي بن بليق للمسير إليه ليدخل للوداع و يقبض على القاهر و ابن مقلة كان نائماً فلما استقيظ أعاد الكتاب إلى القاهر فاستراب . ثم جاءه طريف السيكري غلام مؤنس في زي إمرأة مستنصحاً ، فأحضره و أطلعه على تدبيرهم و بيعتهم لأبي أحمد بن المكتفي فأخذ القاهر حذره ، و أكمن الساجية في دهاليز القصر و ممراته ، و جاء علي بن بليق في خف من أصحابه ، و استأذن فلم يؤذن له ، و كان ذا خمار فغضب و أفحش في القول فأخرج الساجية في السلاح و شتموه و ردوه ، و فر عنه أصحابه و ألقي بنفسه في الطيار و عبر إلى الجانب الغربي . و اختفى الوزير ابن مقلة و الحسن بن هرون ، و ركب طريف إلى دار القاهر ، فأنكر بليق ما جرى لابنه و شتم الساجية و قال : لابد أن أستعدي الخليفة عليهم ، و جاء إلى القاهر و معه قواد مؤنس ، فلم يأذن له و قبض عليه و حبسه ، و على أحمد بن زيرك صاحب الشرطة ، و جاء العسكر منكرين لذلك فاسترضاهم و وعدهم بالزيارة و بإطلاق هؤلاء المحبوسين فافترقوا ، و بعث إلى مؤنس بالحضور عنده ليطالعه برأيه فأبى فعزله ، وولى طريف السيكرى مكانه و أعطاه خاتمه و قال : قد فوضت إلى ابني عبد الصمد ما كان المقتدر فوضه إلى ابنه محمد ، و قلدتك خلافته و رياسة الجيش و إمارة الأمراء و بيوت الأموال كما كان مؤنس و أمض إليه و أحمله إلى دار الخلافة مرفهاً عليه لئلا يجتمع إليه أهل الشر و يفسد ما بيننا و بينه ، فسار طريف إلى مؤنس و أخبره بأمان القاهر له و لأصحابه ، و حمله على الحضور عنده و هون عليه أمره ، و أن القاهر لا يقدر على مكروهة . فركب و حضر فقبض عليه القاهر و حبسه قبل أن يراه ، و ندم طريف على ما فعل و استوحش . و استوزر القاهر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله ، و وكل بدور مؤنس و بليق و ابنه علي و ابن مقلة و ابن زيرك و ابن هرون و نقل ما فيها ، و أحرقت دار ابن مقلة و جاء محمد بن ياقوت و قام بالحجبة ، فتنكر له طريف السيكري و الساجية فاختفى و لحق بابنه بفارس ، و كتب إليه القاهر بالعتب على ذلك و ولاه الأهواز ، و كان الذي دعا طريفاً السيكري إلى الإنحراف عن مؤنس و بليق أن مؤنساً رفع رتبه بليق و ابنه عليه بعد أن كانا يخدمانه ، فأهملا جانبه . ثم اعتزم بليق على أن يوليه مصر و فاوض في ذلك الوزير ابن مقلة ، فوافق عليه . ثم أراد علي بن بليق عمل مصر لنفسه ، و منع من إرسال طريف فتربص بهم . و أما الساجية فكانوا مع مؤنس بالموصل و كان يعدهم و يمنيهم . و لما ولي القاهر و استبد بأمره لم يف لهم . و كان من أعيانهم الخادم صندل ، و كان له بدار القاهر خادم اسمه مؤتمن باعه و اتصل بالقاهر قبل الخلافة ، فاستخلفه ، فلما شرع في التدبير على مؤنس و بليق بعث مؤنساً هذا إلى صندل يمت إليه تقديمه و يدخله في أمر القاهر و إزالة الحجر عنه . فقصد إلى صندل و زوجته و تلطف و وصف القاهر بما شاء من محاسن الأخلاق ، و حمل زوجته على الدخول إلى دار القاهر حتىشافهها بما أراد أبلاغه إلى صندل ، و داخل صندل في ذلك سيما من قواد الساجية ، و اتفقوا على مداخلة طريف السيكرى في ذلك لعلمهم باستيحاشه من مؤنس ، فأجابهم على شريطة الإبقاء على مؤنس و بليق و ابنه ، و أن لا يزال مؤنس من مرتبته و تحالفوا على ذلك من الجانبين . و طلب طريف عهد القاهر بخطه ، فكتب و زاد فيه أنه يصلي بالناس و يخطب لهم و يحج بهم و يغزو معهم و يتئد لكشف المظالم و غير ذلك من حسن السيرة ، و كان جماعة من الحجرية قد أبعدهم ابن بليق و أدال منهم بأصحابه ، فداخلهم طريف في أمر القاهر فأجابوه ، و نمي الخبر بذلك إلى ابن مقلة و إلى بليق ، و أرادوا القبض على قواد الساجية و الحجرية . ثم خشوا الفتنة و دبروا على القاهر فلم يصلوا إليه لاحتجابه عنهم بالمرض . فوضعوا أخبار القرامطة كما قدمناه . و لما قبض القاهر على مؤنس ولى الحجابة سلامة الطولوني . و على الشرطة أحمد بن خاقان ، و استوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله مكان ابن مقلة ، و أمر بالنداء على المتسترين و الوعيد لمن أخفى ، و طلب أبا أحمد بن المكتفي فظفر به ، و بنى عليه حائطاً فمات . ثم ظفر بعلي فقتله . ثم شغب الجند في شعبان و معهم أصحاب مؤنس ، و ثاروا و نادوا بشعاره ، و طلبوا إطلاقه و أحرقوا روشن دار الوزير أبي جعفر . فعمد القاهر إلى بليق في محبسه و أمر به فذبح و حمل الرأسين إلى مؤنس ، فلما رآهما مؤنس استرجع و لعن قاتلهما فأمر به فذبح و طيف بالرؤوس . ثم أودعت بالخزانة . و قيل إن قتل علي بن بليق تأخر عن قتل أبيه و مؤنس لأنه كان مختفياً ، فلما ظفر به بعدهما قتله . ثم بعث القاهر إلى أبي يعقوب إسحق بن إسمعيل اليوصحي فأخذ من محبس الوزير محمد بن القاسم و حبسه ، و ارتاب الناس من شدة القاهر ، و ندم الساجية و الحجرية على مداخلته في ذلك الأمر . ثم قبض القاهر على وزيره أبي جعفر و أولاده و أخيه عبيد الله و خدمة لثلاثة أشهر و نصف من ولايته ، و مات لثمان عشرة ليلة من حبسه ، و استوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الحصيبي . ثم استبد القاهر على طريف السيكري و استخف به ، فخافه و تنكر . ثم أحضره بعد أن قبض على الوزير أبي جعفر فقبض عليه و أودعه السجن ألى أن خلع القاهر .

ابتداء دولة بني بوية
كان أبوهم أبو شجاع بوية من رجالات الديلم ، و كان له أولاد : علي و الحسن و أحمد ، فعلي أبو الحسن عماد الدولة ، و الحسن أبو علي ركن الدولة ، و أحمد أبو الحسن معز الدولة . و نسبهم ابن ماكولا في الساسانية إلى بهرام جور بن يزدجرد ، و ابن مسكوية إلى يزدجرد بن شهريار ، و هو نسب مدخول ، لأن الرياسة على قوم لا تكون في غير أهل بلدهم كما ذكرنا في مقدمة الكتاب . و لما أسلم الديلم على يد الأطروش و ملك بهم طبرستان و جرجان ، و كان من قواده ماكان بن كالي و ليلى بن النعمان و أسفار بن شيروية و مرداويج بن وزيار ، و كانوا ملوكاً عظاماً و ازدحموا في طبرستان ، فساروا لملك الأرض عند اختلاط الدولة العباسية و ضعفها ، و قصدوا الإستيلاء على الأعمال و الأطراف . و كان بنو بويه من جملة قواد ما كان بن كالي فلما وقع بينه و بين مرداويج من الفتنة و الخلاف ما تقدم ، و غلبه مرداويج على طبرستان و جرجان عادوا إلى مرداويخ لتخف عنه مؤنتهم على أن يرجعوا إليه إذا صلح أمره ، فساروا إلى مرداويج فقبلهم و أكرمهم ، و استأمن إليه جماعة و من قواد ما كان فقتلهم و أولادهم . و ولى علي بن بويه على الكرج ، و كان أكبر أخوته . و سار جميعهم إلى الري و عليها و شمكير بن وزيار أخو مرداويج و معه وزيره الحسين بن محمد الملقب بالعميد ، فاتصل به علي بن بويه و أهدى إليه بغلة كانت عنده و متاعا ، ندم مرداويج على ولاية هؤلاء المستأمنة من قواد ما كان ، فكتب إلى أخيه و شمكير بالقبض على الباقين ، و أراد أن يبعث في أثر علي بن بويه فخشي الفتنة تركه . و لما وصل علي بن بويه إلى الكرج استقام أمره و فتح قلاعاً للخرمية ظفر منها بذخائر كثيرة ، و استمال الرجال و عظم أمره ، و أحبه الناس ، و مرداويج ، يومئذ بطبرستان . ثم عاد إلى الري و أطلق مالاً لجماعة من القواد على الكرج فوصلوا إلى علي ابن بوية فأحسن إليهم و استمالهم ، و بعث إليهم مرداويج فدافعه فندم على إطلاقهم ، و بعث فيهم مرداويج أمراء الكرج فاستأمن إليه شيرزاد من أعيان قواد الديلم . فقويت نفسه و سار إلى أصبهان و بها المظفر بن ياقوت على الحرب في عشرة آلاف مقاتل ، و أبو علي بن رستم على الخوارج ، فأرسل علي بن بويه يستعطفهما في الإنحياز إلى طاعة الخليفة و خدمته ، و المسير إلى الحضرة فلم يجيباه . و كان أبو علي أشد كراهة له فمات تلك الأيام . و سار ابن ياقوت ثلاثة فراسخ عن أصبهان ، و كان في أصحابه حسل و ديلم ، و استأمنوا إلى ابن بويه ، ثم اقتتلوا فانهزم ابن ياقوت و استولى علي بن بويه على أصبهان ، و هو عماد الدولة ، و كان عسكره نحواً من تسعمائة ، و عسكر ابن ياقوت نحواً من عشرة آلاف . و بلغ ذلك القاهر فاستعظمه و بلغ مرداويج فأقلقه و خاف على ما بيده ، و بعث إلى عماد الدولة يخادعه يطلب الطاعة منه ليطمئن للرسالة ، و يخالفه أخوه و شمكير في العساكر . و شعر ابن بويه بذلك فرحل عن أصبهان و قصد أرجان و بها أبو بكر بن ياقوت ، فانهزم أبو بكر من غير قتال و لحق رامهرمز . و استولى ابن بويه على أرجان و خالفه و شمكير أخو مرداويخ إلى أصبهان فملكها ، و أرسل القاهر إلى مرداويخ بأن يسلم أصبهان لمحمد بن ياقوت ففعل .و كتب أبو طالب يستدعيه و يهون عليه أمر ابن ياقوت و يغريه به ، فخشي ابن بويه من كثرة عساكر ياقوت و أمواله ، و أن يحصل بينه و بين ابنه تأهبات فتوقف ، فأعاد عليه أبو طالب و أراه أن مرداويج طلب الصلح من ابن ياقوت و خوفه اجتماعهما عليه . فسار ابن بويه إلى أرجان في ربيع سنة إحدى و عشرين و لقيتهم هنالك مقدمة ابن ياقوت فانهزمت ، فزحف ابن ياقوت إليهم و بعث عماد الدولة أخاه ركن الدولة الحسن إلى كازرون و غيرها من أعمال فارس ، فجبى أموالها ولقي عسكر ابن ياقوت هنالك فهزمهم و رجع إلى أخيه ، و خشي عماد الدولة من اتفاق مرداويج مع ابن ياقوت فسار إلى أصطخر ، و اتبعه ابن ياقوت و شيعه إلى قنطرة بطريق كرمان اضطروا إلى الحرب عليها . فتزاحفوا هنالك و استأمن بعض قواده إلي ابن ياقوت فقتلهم ، فاستأمن أصحابه و انهزم ابن ياقوت و اتبعه ابن بويه و استباح معسكره ، و ذلك في جمادي سنة اثنتين و عشرين . و أبلى أخوه معز الدولة أحمد في ذلك اليوم بلاء حسناً ، و لحق ابن ياقوت بواسط ، و سار عماد الدولة إلى شيراز فملكها و أمن الناس و استولى على بلاد فارس ، و طلب الجند ، أرزاقهم فعجز عنها و عثر على صناديق من مخلف ابن ياقوت و ذخائر بني الصفار فيها خمسمائة ألف دينار فامتلأت خزائنه و ثبت ملكه . و استقر ابن ياقوت بواسط و كاتبه أبو عبد الله اليزيدي حتى قتل مرداويج عاد إلى الأهواز و وصل عسكر مكرم ، و كانت عساكر ابن بويه سبقته فالتقوا بنواحي أرجان و انهزم ابن ياقوت فأرسل أبو عبد الله اليزيدي في الصلح فأجابه ابن بويه ، و استقر ابن ياقوت بالأهواز و معه ابن اليزيدي و ابن بويه ببلاد فارس . ثم زحف مرداويج إلى الأهواز و ملكها من يد ابن ياقوت ، و رجع إلى واسط و كتب إلى الراضي . و كان بعد القاهر كما نذكره ، و إلى وزيره أبي على بن مقلة بالطاعة و المقاطعة فيما بيده من البلاد بأعمال فارس على ألف ألف درهم ، فأجيب إلى ذلك و بعث إليه باللواء و الخلع و عظم شأنه في فارس و بلغ مرداويج شأنه فخاف عائلته ، و كان أخوه و شمكير قد رجع إلى أصبهان بعد خلع القاهر و صرف محمد بن ياقوت عنها ، فسار إليها مرداويج للتدبير على عماد الدولة و بعث أخاه و شمكير على الري و أعمالها .


خلع القاهر و بيعة الراضى
و لما قتل مؤنساً و أصحابه أقام يتطلب الوزير أبا علي بن مقلة و الحسن بن هرون و هما مستتران ، و كانا يراسلان قواد الساجية و الحجرية و يغريانهم بالقاهر ، فإنهم غروه كما فعل بأصحابه قبلهم . و كان ابن مقلة يجتمع بالقواد و يراسلهم و يجيء إليهم متنكراً و يغريهم ، و وضعوا على سيما أن منجماً أخباره أنه ينكب القاهر و يقتله ، و دسوا إلى معبر كان عنده أموالاً على أن يحذره من القاهر ، فنفر و استوحش ، و حفر القاهر مطامير في داره ، فقيل لسيما و القواد إنما صنعت لكم فازدادوا نفرة . و كان سيما رئيس الساجية فارتاب بالقاهر و جمع أصحابه و أعطاهم السلاح ، و بعث إلى الحجرية فجمعهم عنده و تحالفوا على خلع القاهر ، و زحفوا إلى الدور و هجموا عليه فقام من النوم و وجد الأبواب مشحونة بالرجال فهرب إلى السطح ، و دلهم عليه خادم فجاؤه و استدعوه للنزول فأبى فتهددوه بالرشق بالسهام فنزل و جاؤا به إلى محبس طريف السيكري فحبسوه مكانه و أطلقوه حتى سمل بعد ذلك ، و ذلك لسنة و نصف من خلافته . و هرب الحصيبي و زيره و سلامة حاجبه . و قد قيل خلعه غير هذا و هو أن القاهر لما تمكن من الخلافة اشتد على الساجية و الحجرية و استهان بهم ، فتشاكوا ثم خافه حاجبه سلامة لأنه كان يطالبه بالأموال و وزيره الخصيبي كذلك ، و حفر المطامير في داره فارتابوا به كما ذكرنا . و أسر جماعة من القرامطة فحبسهم بتلك المطامير و أراد أن يستظهر بهم على الحجرية و الساجية فتنكروا ذلك و قالوا فيه للوزير و للحاجب ، فأخرجهم من الدار و سلمهم لمحمد بن ياقوت صاحب الشرطة و أوصاه إليهم فازاد الساجية و الحجرية ريبة . ثم تنكر لهم القاهر و صار يعلن بذمهم و كراهتهم فاجتمعوا لخلعه كما ذكرنا . و لما قبض القاهر بحثوا عن أبي العباس بن المقتدر و كان محبوساً مع أمه ، فأخرجوه و بايعوه في جمادى سنة اثنتين و عشرين ، و بايعه القواد و الناس ، و أحضر علي بن عيسى و أخاه عبد الرحمن و صدر عن رأيهما ، و أراد علي ابن عيسى على الوزارة فامتنع و اعتذر بالنكير ، و أشار بابن مقلة فأمنه و استوزره . و بعث القضاة إلى القاهر ليخلع نفسه فأبى فسمل و أمن ابن مقلة الخصيبي و ولاه و ولى الفضل بن جعفر بن الفرات نائباً عنه عن أعمال الموصل و قردى و باريدى و ماردين و ديار الجزيرة و ديار بكر و طريق الفرات و الثغور الجزرية و الشامية و أجناد الشام و ديار مصر يعزل و يولي من يراه في الخراج و المعادن و النفقات و البريد و غير ذلك . و ولى الراضي على الشرطة بدراً الحمامي و أرسل إلى محمد بن رائق يستدعيه ، و كان قد استولى على الأهواز و دفع عنها ابن ياقوت من تلك الولاية إلى السوس و جندي سابور ، و قد ولى على أصبهان و هو يروم المسير إليها . فلما ولي الراضي استدعاه للحجابة فسار إلى واسط ، و طلب محمد بن ياقوت الحجابة فأجيب إليها فسار في أثر ابن رائق ، و بلغ ابن رائق الخبر فسار من واسط مسبقاً لابن ياقوت بالمدائن
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:37 pm

توقيع الراضي بالحرب ، و المعادن في واسط مضافاً إلى ما بيده من البصرة و المعادن ، فعاد منحدراً في دجلة و ليقه ابن ياقوت مصعداً و دخل بغداد و ولى الحجبة و صارت إليه رياسة الجيش و نظر في أمر الدواوين و أمرهم بحضور مجلسه ، و أن لا ينفذوا توقيعاً في ولاية أو عزل أو اطلاق إلا بخطه ، و صار نظر الوزير في الحقيقة له و اين مقلة مكابر مجلسه مع جملتهم و متميز عنهم في الإيثار و المجلس فقط .

مقتل هرون
كان هرون بن غريب الحال على ماه الكوفة و الدينور و ما سبذان الأعمال التي ولاها القاهر إياه ، فلما خلع القاهر و استخلف الراضي رأى هرون أنه أحق بالدولة من غيره لأنه ابن خال المقتدر ، فكاتب القواد و وعدهم و سار من الدينور إلى خافقين و شكا ابن مقلة و ابن ياقوت و الحجرية و الساجية إلى الراضي فأذن لهم في منعه ، فراسلوه أولاً بالمممانعة . و الزيادة على ما في يده من الأعمال ، فلم يلتفت إليهم و شرع في الجباية فقويت شوكته ، فسار إليه محمد بن ياقوت في العساكر و هرب عنه بعض أصحابه إلى هرون ، و كتب إلى هرون يستميله فلم يجب ، و قال : لابد من دخول بغداد . ثم تزاحفوا لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين و عشرين ، فانهزم أولاً أصحاب ابن ياقوت و نهب سوادهم و سار محمد حتى قطع قنطرة تبريز ، و سار هرون منفرداً لاعتراضه ، فدخل في بعض المياه و سقط عن فرسه ، و لحقه غلام لمحمد بن ياقوت فقطع رأسه و انهزم أصحابه و قتل قواده و أسر بعضهم و رجع ابن ياقوت إلى بغداد ظافراً .

نكبة ابن ياقوت
قد ذكرنا أنه نظر في أمر الدواوين و صير ابن مقلة كالعاطل ، فسعى به عند القاضي و أوهمه خلافه حتى أجمع القبض عليه في جمادى سنة ثلاث و عشرين ، فجلس الخليفة على عادته و حضر الوزير و سائر الناس على طبقاتهم يريد تقليد جماعة من القواد للأعمال . و استدعى ابن ياقوت للخدمة في الحجبة على عادته ، فبادر و عدل به إلى حجرة فحبس فيها و خمار . و بعث الوزير ابن مقلة إلى دار محمد من يحفظها من النهب و أطله يده في أمور الدولة و استبد بها و كان ياقوت مقيماً بواسط ، فلما بلغه القبض على ابنه انحدار إلى فارس لمحاربة ابن بوية ، و كتب يستعطف الراضي و يسأله إبقاء ابنه ليساعده على شأنه . و لم يزل محمد محبوساً إلى أن هلك سنة أربع عشرة في محبسه .

خبر البريدى
كان أبو عبد الله البريدي أيام ابن ياقوت ضامناً للأهواز ، فلما استولى عليها مرداويج و انهزم ابن ياقوت كما مر رجع البريدي إلى البصرة و صار يتصرف في أسافل الأهواز مع كنانة ياقوت . ثم سار إلى ياقوت فأقام معه بواسط ، فلما قبض على ابن ياقوت و كتب ابن مقلة إليه و إلى ياقوت يعتذر عن قبض ابن ياقوت و يأمرهما بالمسير لفتح فارس ، فسار ياقوت على السوس و البريدي على طريق الماء حتى انتهيا إلى الأهواز . و كان إلى أخوته أبي الحسن و أبي يوسف ضمان السوس و جندي سابور ، و ادعيا أن دخل البلاد أخذه مرداويج . و بعث ابن مقلة ثانياً لتحقق ذلك ، فوافاهم و كتب بصدقهم ، فاستولى ابن البريدي ما بين ذلك على أربعة آلاف ألف دينار ، ثم أشار أبو عبد الله علي بن ياقوت بالمسير لفتح فارس ، و أقام هو لجباية الأموال فحصل منها بغيته . و سار ياقوت فلقيه ابن بويه على أرجان فهزمه و سار إلى عسكر مكرم . و اتبعه ابن بويه إلى رامهرمز و أقام بها إلى أن اصطلحا .

مقتل ياقوت
قد تقدم لنا انهزم ياقوت من فارس أمام عماد الدولة ابن بويه إلى عسكر مكرم و استيلاء ابن بويه على فارس . و كان أبو عبد الله البريدي بالأهواز ضامناً كما تقدم . و كان مع ذلك كاتباً لياقوت ، و كان ياقوت يستنيم إليه و يثق به ، و كان مغفلاً ضعيف السياسة فخادعه أبو عبد الله البريدي و أشار عليه بالمقام بعسكر مكرم و أن يبعث إليه بعض جنده الواصلين من بغداد تخفيفاً للمؤنة و تحذيراً من شغبهم . و بعث إليه أخاه بذلك أبا يوسف و دفع له من مال الأهواز خمسين ألف دينار . ثم قطع عنه فضاق الحال عليه و على جنده ، و كان قد نزع إليه من أصحاب ابن بويه طاهر الحمل و كاتبه أبو جعفر الصهيري ، ثم انصرف عنه لضيق حاله إلى غربي تستر ليتغلب على ماه البصرة ، فكبسه ابن بويه و غنم معسكره و أسر الصهيري فشفع فيه وزيره و أطلقه ، فلحق بكرمان و اتصل بعد ذلك بمعز الدولة ابن بويه و استكتبه . و لما انصرف طاهر عن ياقوت كتب إلى البريدي يشكو ضعفه و استطالة أصحابه ، فأشار عليه بإرسالهم إلى الأهواز متعرفين لقومهم . فلما وصلوا إليه انتقى خيارهم و رد الباقين ، و أحسن إلى من عنده و بعث ياقوت إليه في طلب المعز فلم يبعث إليه ، فجاءه بنفسه فتلقاه و ترجل إليه و قبل يده ، و أنزله بداره و قام في خدمته أحسن مقام ، و وضع الجند على الباب يشغبون و يرمون قتله ، فأشار إليه بالنجاة ، فعاد إلى عسكر مكرم فكتب إليه يحذره اتباعهم ، و أن عسكر مكرم على ثمانية فراسخ من الأهواز ، و أرى أن تتأخر بتستر فتتحصن بها . و كتب له على عامل تستر بخمسين ألف دينار ، و عذله خادمه مؤنس في شأن ابن البريدي و أراه خديعته و أشار عليه باللحاق ببغداد ، و أنه شيخ الحجرية ، و قد كاتبوك فسر إلى رياسة بغداد و إلا فتعاجل إلى البريدي و تخريجه عن الأهواز ، فصم عن نصيحته و أبى من قبول السعاية فيه ، و تسايل أصحابه إلى ابن البريدي حتى لم يبق معه إلا نحو الثانمائة . و جاءه ابنه المظفر ناجياً من حبس الراضي بعد أسبوع ، فأطلقه و بعثه إلى أبيه فأشار عليه بالمسير إلى بغداد ، فإن حصل على ما يريد و إلا فإلى الموصل و ديار ربيعة و يتملكها فأبى عليه أبوه ففارقه إلى ابن البريدي فأكرمه و وكل به . ثم حذر ابن البريدي غائله ياقوت فبعث إليه بأن الخليفة أمره بإزعاجه من البلاد أما إلى بغداد و إما إلى بلاد الجبل ليوليه بعض أعمالها ، فكتب يستمهله فأبى من المهلة و بعث العساكر من الأهواز . و سار ياقوت إلى عسكر مكرم ليكبس ابن البريدي هنالك فصبح البلد و لم يجده ، و جاءت عساكر ابن البريدي مع قائد أبي جعفر الجمال ، فقاتله من أمامه و أكمن آخرين من خلفه فانهزم و افترق أصحابه ، و حسا إلى حائط متنكراً فمر به قوم ابن البريدي فكشفوا وجهه و عرفوه فقتلوه و حملوا رأسه إلى العسكر ، فدفنه الجمال و بعث البريدي إلى تستر فحمل ما كان لياقوت هنالك ، و قبض على ابنه المظفر و بعثه إلى بغداد و استبد بتلك الأعمال و ذلك سنة أربع و عشرين .

مسير ابن مقلة إلى الموصل و استقرارها لابن حمدان
كان ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان عاملاً على الموصل فجاء عمه أبو العلاء سعيد فضمن الموصل و ديار ربيعة سراً و سار إليها فظهر أنه في طلب المال من ابن أخيه . و شعر ناصر الدولة بذلك فخرج لتلقيه ، فخالفه إلى بيته فبعث من قبله و اهتم الراضي بذلك و أمر الوزير أبا علي بن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار في العساكر من شعبان سنة ثلاث و عشرين ، فرحل عنها ناصر الدولة و دخل الزوران و اتبعه الوزير إلى حمل السن . ثم عاد عنها إلى الموصل و أقام في جبايتها وبعث ناصر الدولة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار لابن الوزير ليستحث أباه في القدوم ، فكتب إليه بما أزعجه ، فسار من الموصل و استخلف عليها علي بن خلف بن طباب و ما ترد الديلمي من الساجية . و دخل بغداد منتصف شوال ، و جمع ناصر الدولة و لقي ما ترد الديلمي على نصبين فهزمه إلى الرقة و انحدار منها إلى بغداد و لحقه ابن طباب ، و استولى ناصر الدولة حمدان على الموصل و كتب في الرضا و ضمان البلاد فأجيب و تعذرت عليه .

نكبة ابن مقلة و خبر الوزارة
كان الوزير بن مقلة قد بعث سنة ثلاث و عشرين إلى محمد بن رائق بواسط يطالبه بارتفاع أعمال واسط و البصرة ، و كان قد قطع الجبل . فلما جاءه كتاب ابن مقلة ، كتب إليه جوابه يغالطه و كتب إلى الرضي بالسعي في الوزارة ، و أنه يقوم بنفقات الدار و أرزاق الجند ، فجهز الوزير ابنه سنة أربع و عشرين لقصده و ورى بالأهواز ، و أنفد رسوله إلى ابن رائق بهذه التورية يؤنسه بها ، و باكر القصر لانفاد الرسول فقبض عليه المظفر بن ياقوت و الحجرية و كان المظفر قد أطلق من محبسه و أعيد إلى الحجبة ، فاستحسن الراضي فعلهم ، و اختفى أبو الحسين ابن الوزير و سائر أولاده و حرمه و أصحابه ، و أشار إلى الحجرية و الساجية بوزارة علي بن عيسى فامتنع و سار بأخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي و صادر ابن مقلة . ثم عجز عن تمشية الأمور و ضاقت عليه الجباية فاستعفى من الوزارة ، فقبض عليه الراضي و على أخيه على ثلاثة أشهر من وزارته ، و استوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي فصادر علي بن عيسى على مائة ألف دينار ، ثم عجز عن الوزارة و ضاقت الأموال و انقطعت ، و طمع أهل الأعمال فيما بأيديهم ، فقطع ابن رائق حمل واسط و البصرة و قطع ابن البريدي حمل الأهواز و أعمالها ، و انقطع حمل فارس لغلب ابن بويه عليها ، و لم يبق غير هذه الأعمال و نطاق الدولة قد تضايق إلى الغاية و أهل الدولة مستبدون على الخلافة و الأحوال متلاشية ، فتحير أبو جعفر و كثرت عليه المطالبات و ذهبت هيبته ، فاختفى لثلاثة أشهر و نصف من وزارته و استوزر الراضي مكانه أبا القاسم سليمان بن الحسن ، فكان حاله مثل حال من قبله في قلة المال و وقوف الحال .

استيلاء ابن رائق على الخليفة
و لما رأى الراضي و قوف الحال من الوزراء استدعى أبا بكر محمد بن رائق من واسط و كاتبه بأنه قد أجابه إلى ما عرض من السعي في الوزارة على القيام بالنفقات و أرزاق الجند ، فسر ابن رائق بذلك و شرع يتجهز للمسير . ثم أنفذ إليه الراضي الساجية و قلده إمارة الجيش ، و جعله أمير الأمراء ، و فوض إليه الخراج و الدواوين و المعادن في جميع البلاد ، و أمر بالخطبة له على المنابر ، و انحدر إليه الدواوين و الكتاب و الحجاب . و لما جاءه الساجية قبض عليهم بواسط في ذي الحجة من سنة أربع و عشرين ، و نهب رجالهم و دوابهم و متاعهم ليوفر أرزاقهم على الحجرية ، فاستوحشوا لذلك و خيموا بدار الخلافة ، و أصعد ابن رائق إلى بغداد و فوض الخليفة إليه أمرهم . و أمر الحجرية بتقويض خيامهم و الرجوع إلى منازلهم ، و أبطل الدواوين و صير النظر إليه ، فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور . و بقي ابن رائق و كتابه ينظرون في جميع الأموار فبطلت الدواوين و بيوت الأموال من يومئذ و صارت لأمير الأمراء ، و الأموال تحمل إلى خزانته ، و يتصرف فيها كما يريد ، و يطلب من الخليفة ما يريد . و تغلب أصحاب الأطراف و زال عنهم الطاعة . و لم يبق للخليفة إلا بغداد و أعمالها و ابن رائق مستبد عليه . و أما باقي الأعمال فكانت البصرة في يد ابن رائق ، و خوزستان و الأهواز في يد ابن البريدى ، و فارس في يد عماد الدولة ابن بويه ، و كرمان في يد علي بن الياس ، و الري و أصبهان في يد ركن الدولة ابن بويه ، و وشمكير أخو مرداويج ينازعه في هذه الأعمال ، و الموصل و ديار بكر و مضر و ربيعة في يد حمدان ، و مصر و الشام في يد ابن طغج ، و المغرب و أفريقية في يد العبيدين ، و الأندلس في يد عبد الرحمن بن الناصر من ولد عبد الرحمن الداخل و ما وراء النهر في يد بني سامان ، و طبرستان في يد الديلم ، و البحرين و اليمامة في يد أبي الطاهر القرمطي ، و لم يبق لنا من الأخبار إلا ما يتعلق بالخلافة فقط في نطاقها المتضايق أخيراً ، و إن كانت مغلبة و هي أخبار ابن رائق و البريدي ، و أما غير ذلك من الأعمال التي اقتطعت كما ذكرناه ، فنذكر أخبار منفردة و نسوق المستبدين دولاً كما شرطناه أول الكتاب ثم كتب ابن رائق عن الراضي إلى أبي الفضل بن جعفر بن الفرات و كان على الخراج بمصر و الشام ، و ظن أنه يوزارته تكون له تلك الجباية ، فوصل إلى بغداد و ولي وزارة الراضي و ابن رائق جميعاً .

وصول يحكم مع ابن رائق
كان يحكم هذا من جملة مرداويج قائد الديلم ببلاد الجبل ، و كان قبله في جملة ما كان بن كالي و من مواليه ، و هبه له وزيره أبو علي الفارض ، ثم فارق ما كان مع من فارقه إلى مرداويج .و كان مرداويج قد ملك الري و أصبهان و الأهواز ، و ضخم ملكه و صنع كراسي من ذهب و فضة للجلوس عليها هو و قواده ، و وضع على رأسه تاجاً تظنه تاج كسرى .و أمر أن يخاطب بشاهنشاه و اعتزم على قصد العراق و الاستيلاء عليه ، و تجديد قصور كسرى بالمدائن . و كان في خدمته جماعة من الترك و منهم يحكم . فأساء ملكهم و عسكرهم فقتلوه سنة ثلاث و عشرين بظاهر أصبهان كما نذكره في أخبارهم . و اجتمع الديلم و الجبل بعده على أخيه و شكمير بن وزيار و هو والد قابوس ، و لما قتل مرداويج افترق الأتراك فرقتين ففرقة . و سارت إلى عماد الدولة بن بويه بفارس ، و الأخرى و هي الأكثر سارت نحو الجبل عند يحكم ، فجبوا خراج الدينور و غيرها . ثم ساروا إلى النهروان و كاتبوا الراضي في المسير إليه ، فأذن لهم و ارتاب الحجرية بهم ، فأمرهم الوزير بالرجوع إلى بلد الجبل فغضبوا و استدعاهم ابن رائق صاحب واسط و البصرة فمضوا إليه و قدم عليهم يحكم و كان الأتراك و الديلم من أصحاب مرداويج فجاءته جماعة منهم فأحس إليهم و إلى يحكم و سماه الرائقي نسبة إليه و أذن له أن يكتبه في مخاطباته .

مسير الراضي و ابن رائق لحرب ابن البريدي
ثم اعتزم ابن رائق سنة خمس و عشرين على الراضي في المسير إلى واسط لطلب ابن البريدي في المال ليكون أقرب لمناجزته ، فانحدر في شهر محرم و ارتاب الحجرية بفعله مع
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:38 pm

الساجية ، فتخلفوا ثم تبعوه فاعترضهم و أسقط أكثرهم من الديوان ، فاضطربوا و ثاروا فقاتلهم و هزمهم و قتل منهم جماعة و لجأ فلهم إلى بغداد ، فأوقع بهم لؤلؤ صاحب الشرطة و نهبت دروهم و قطعت أرزاقهم و قبضت أملاكهم ، و قتل ابن رائق من كان في حبسه من الساجية ، و سار هو و الراضي نحو الأهواز لإجلاء ابن البريدي منها . و قدم إليه في طلب الاستقامة و توعده فجدد ضمان الأهواز بألف دينار في كل شهر ، و يحمل في كل يوم قسطه . و أجابه إلى تسليم الجيش لمن يسير إلى قتال ابن بويه لنفرتهم عن بغداد . و عرض ذلك على الراضي ، فأشار الحسين بن علي القونجي وزير ابن رائق بأن لا تقبل لأنه خداع و مكر و أشار أبو بكر بن مقاتل بإجابته ، و عقد الضمان على ابن البريدي ، عاد ابن رائق و الراضي إلى بغداد فدخلاها أول صفر ، و لم يف ابن البريدي بحمل المال ، و أنفذ ابن رائق جعفر بن ورقاء ليسير بالجيش إلى فارس ، و دس إليهم ابن البريدي أن يطلبوا منه المال ليتجهزوا به ، فاعتذر فشتموه و تهددوه بالقتل . و أتى ابن البريدي فأشار عليه بالنجاء . ثم سعى ابن مقاتل لابن البريدي في وزارة ابن رائق عوضاً عن الحسين القونجي و بذل عنه ثلاثين ألف دينار ، فاعتذر له بسوابق القونجي عنده و سعيه له ، و كان مريضاً فقال له ابن مقاتل : إنه هالك ! فقال ابن رائق : قد أعلمني الطبيب أنه ناقه ، فقال : الطبيب يراجيك فيه لقربة منك ، و لكن سل ابن أخيه علي بن حمدان . و كان القونجي قد استناب ابن أخيه في مرضه ، فأشار عليه ابن مقاتل أن يعرف الأمير إذا سأله بمهلكه ، و أشار عليه أن يستوزره . فلما سأله ابن رائق أيأسه منه فقال ابن رائق : عند ذلك لابن مقاتل : أكتب لابن البريدي يرسل من ينوب عنه في الوزارة ، فبعث أحمد بن الكوفي و استولى مع ابن مقاتل على ابن رائق ، و سعوا لابن البريدي أبي يوسف في ضمان البصرة . و كان عامل البصرة من قبل ابن رائق محمد بن يزداد و كان شديد الظالم و العسف بهم ، فخادعه ابن البريدي و أنفذ أبو عبد الله مولاه إقبالاً في ألقي رجل ، و أقاموا في حصن مهدي قريباً . فعلم ابن يزداد أنه يروم التغلب على البصرة ، و أقاما على ذلك و أقام ابن رائق شأن هذا العسكر في حصن مهدي .و بلغه أيضاً أنه استخدم الحجريين الذين أذن لهم في الانسياح في الأرض ، و أنهم اتفقوا مع عسكره على قطع الحمل ، و كاتبه يطردهم عنه فلم يفعل . فأمر ابن الكوفي أن يكتب إلى ابن البريدي بالكتاب على ذلك . و يأمر بإعادة العسكر من حصن مهدي ، فأجاب باعدادهم للقرامطة و ابن يزداد عاجز عن الحماية . و كان القرامطة قد وصلوا إلى الكوفة في ربيع الآخر و خرج ابن رائق في العساكر إلى حصن ابن هبيرة و لم يستقر بينهم أمر . و عاد القرمطي إلى بلده ابن رائق إلى واسط . فكتب ابن البريدي إلى عسكره بحصن مهدي أن يدخلوا البصرة و يملكوها من يد ابن يزداد ، و أمدهم جماعة من الحجرية فقصدوا البصرة و قاتلوا ابن يزداد فهزموه ، و لحق بالكوفة ، و ملك إقبال مولى ابن البريدي و أصحابه البصرة ، و كتب ابن رائق إلى البريدي يتهدده و يأمره بإخراج أصحابه من البصرة فلم يفعل .

استيلاء يحكم على الأهواز
و لما امتنع ابن البريدي من الإفراج عن البصرة بعث ابن رائق العساكر مع بدر الحريشي و يحكم مولاه ، و أمرهم بالمقام بالجامدة فتقدم يحكم عن بدر و سار إلى السوس ، و جاءته عساكر البريدي مع غلامه محمد الجمال في ثلاثة آلاف و مع يحكم مائتان و سبعون من الترك ، فهزمهم يحكم و رجع محمد بن الجمال إلى ابن البريدي فعاقبه على انهزامه ، و حشد له العسكر فسار في ستة آلاف و لقيهم يحكم عند نهر تستر فانهزموا من غير قتال ، و ركب ابن البريدي السفن و معه ثلثمائة ألف دينار ففرق أصحابه و ماله و نجا إلى البصرة ، و أقام بالأبلة و بعث غلامه إقبالاً فلقي جماعة من أصحاب ابن رائق فهزمهم ، و بعث ابن رائق مع جماعة من أهل البصرة يستعطفه فأبى ، فطلبوا البصرة فحلف ليحرقنها و يقتل كل من فيها ، فرجعوا مستبصرين في قتاله . و أقام ابن البريدي بالبصرة ، و استولى يحكم على الهواز ثم بعث ابن رائق جيشه في البحر و البر فانهزم عسكر البر و استولى عسكر الماء على الكلا ، فهرب ابن البريدي في السفن إلى جزيرة أوال ، و ترك أخاه أبا الحسن في عسكر بالبصرة فدفع عسكر ابن رائق عن الكلا فسار ابن رائق من واسط ، و استولى يحكم على الأهواز ، و قاتلوا البصرة فامتنعت عليهم ، و سار أبو عبد الله بن البريدي من أوال إلى عماد الدولة بن بويه بفارس ، فأطمعه في العراق و بعث معه أخاه معز الدولة إلى الأهواز فسير إليها ابن رائق مولاه يحكم على أن يكون له الحرب و الخراج ، و أقام ابن البريدي على البصرة و زحفت إليه عساكرهم فأعجلوه عن تقويض خيامه فأحرقها و سار إلى الأهواز مجرداً ، و سبقه عساكره إلى واسط و أقام عند يحكم أياماً و أشير عليه بحبسه فلم يفعل و رجع ابن رائق إلى واسط .

استيلاء معز الدولة على الأهواز
لما سار أبو عبد الله بن البريدي من جزيرة أوال إلى عماد الدولة ابن بويه بفارس مستجيراً به من ابن رائق و يحكم و مستنجداً عليهم ، طمع عماد الدولة في الإستيلاء على العراق . فسير معه أخاه معز الدولة أحمد بن بويه في العسكر ، و رهن ابن البريدي عنده ولديه أبا الحسين محمداً و أبا جعفر الفياض . و سار يحكم للقائهم فلقيهم بأرجان فانهزم أمامهم و عاد إلى الأهواز ، و خلف جيشاً بعسكر مكرم . فقاتلهم معز الدولة ثلاثة عشر يوماً ثم انفضوا و لحقوا بتستر ، و ملك معز الدولة عسكر مكرم و ذلك سنة ست و عشرين و سار يحكم من الأهواز إلى تستر ، و بلغ الخبر إلى ابن رائق بواسط ، فسار إلى بغداد و جاء يحكم من تستر إلى واسط . و لما استولى معز الدولة و ابن البريدي على عسكر مكرم ، و لقيهم أهل الأهواز و ساروا معهم إليها فأقاموا شهراً . ثم طلب معز الدولة من ابن البريدي عسكره الذي بالبصرة ليسير بهم إلى أخيه ركن الدولة بأصبهان لحرب و شمكير ، فأحضر منهم أربعة آلاف . ثم طلب من عسكره الذين بحصن مهدي ليسير بهم في الماء إلى واسط فارتاب ابن البريدي و هرب إلى البصرة . و بعث إلى عسكرها الذين ساروا إلى أصبهان و كانوا متوقفين بالسوس ، فرجعوا إليه ، ثم كتب إلى معز الدولة أن يفرج له عن الأهواز ليتمكن من الجباية و الوفاء بها لأخيه عماد الدولة ، و كان قد ضمن له الهواز و البصرة بثمانية عشر ألف ألف درهم ، فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم و أنفذ ابن البريدي عامله الأهواز . ثم بعث إلى معز الدولة بأن يتأخر إلى السوس فأبى ، و علم يحكم بحالهم فبعث جيشاً استولوا على السوس و جندي سابور ، و بقيت الأهواز بيد ابن البريدي و معز الدولة بعسكر مكرم ، و قد ضاقت أحوال جنده . ثم بعث إليه أخوه عماد الدولة بالمدد فسار إلى الأهواز و ملكها . و رجع ابن البريدي إلى البصرة و يحكم في ذلك مقيم بواسط ، و قد صرف همه إلى الاستيلاء على رتبة ابن رائق ببغداد . و قد أنفذ له ابن رائق علي بن خلف بن طباب ليسيروا إلى الأهواز و يخرجوا ابن بويه . و يكون يحكم على الحرب و ابن خلف على الخراج ، فلم يلتفت يحكم لذلك و استوزر علي بن خلف و يحكم في أحوال واسط . و لما رأى أبو الفتح الوزير ببغداد إدبار الأحوال أطمع ابن رائق في مصر و الشام ، و قال : أنا أجبيهما لك ، و عقد بينه و بين ابن طغج صهراً . و سار أبو الفتح إلى الشام في ربيع الآخر و شعر ابن رائق بمحاولة يحكم عليه ، فبعث إلى ابن البريدي بالإتفاق على يحكم على أن يضمن ابن البريدي واسط بستمائة ألف ، فنهض يحكم إلى ابن البريدي قبل ابن رائق و سار إلى البصرة ، فبعث إليه ابن البريدي أبا جعفر الجمال في عشرة آلاف فهزمهم يحكم و ارتاع ابن البريدي لذلك ، ولم يكن قصد يحكم إلا الإلفة فقط ، و التضرع لابن رائق ، فبعث إليه بالمسالمة و أن يقلده واسط إذا تم أمره ، فاتفقا على ذلك و صرف نظره إلى أمر بغداد .

وزارة ابن مقلة و نكبته
و لما انصرف أبو الفتح بن الفرات إلى الشام استوزره الراضي أبا علي بن مقلة على سنن من قبلة و الأمر لابن رائق ، و ابن مقلة كالعارية . و كتب له في أمواله و أملاكه فلم يردها . فشرع في التدبير عليه ، فكتب إلى ابن رائق بواسط و وشمكير بالري يطمع كلاً منهما في مكانه ، و كتب الراضي يشير بالقبض على ابن رائق و أصحابه ، و استدعى يحكم لمكانه و أنه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألف دينار ، فأطعمه الراضي على كره . فكتب هو إلى يحكم يستحثه و طلب من الراضي أن ينتقل إلى دار الخلافة حتى يتم الأمر فأذن له و حضر متنكراً آخر ليلة من رمضان سنة ست و عشرين ، فأمر الراضي باعتقال و أطلع ابن رائق من الغد على كتبه فشكر ذلك له ابن رائق ، و أمر بابن مقلة في منتصف شوال فقطع ثم عولج ، و برئ و عاد إلى السعي في الوزارة و التظلم من ابن رائق و الدعاء عليه ، فأمر بقطع لسانه و حبسه إلى أن مات .

استيلاء يحكم على بغداد
لم يزل يحكم يظهر التبعية لابن رائق و يكتب على أعلامه و تراسه يحكم الرائقي إلى أن وصلته كتب ابن مقلة بأن الراضي قلده إمره الأمراء ، فطمع و كاشف ابن رائق و محانسبه إليه من أعلامه و سلاحه . و سار من واسط إلى بغداد في ذي القعدة سنة ست و عشرين . و كتب إليه الراضي بالرجوع فأبى ، و وصل إلى نهر دبالي و أصاب ابن رائق في غربيه فانهزموا و عبروا النهر سبحاً . و سار ابن رائق إلى عكبرا ، و دخل يحكم بغداد منتصف ذي القعدة ولقي الراضي من الغد ، و ولاه أمير الأمراء ، و كتب عن الراضي إلى القواد الذين مع ابن رائق بالرجوع عنه فرجعوا ، و عاد ابن رائق إلى بغداد فاختفى بها لسنة و أحد عشرة شهراً من إمارته ، و نزل يحكم بدار مؤنس و استقر ببغداد متحكماً في الدولة مستبداً على الخليفة .

دخول أذربيجان في طاعة و شمكير
كان من عمال و شمكير على أعمال الجبل السيكري بن مردى ، و كان مجاوراً لأعمال أذربيجان و عليها يومئذ ديسم بن إبراهيم الكردي من أصحاب ابن أبي الساج ، فحدثت السيكري نفسه بالتغلب عليها ، فجمع و سار إليها يزيد و خرج إليه ديسم فانهزم فاستولى على سائر بلاده إلا أردبيل و هي كرسي أذربيجان ، فحاصرها السيكري و ضيق حصارها ، فراسلوا ديسم بالمثنى لقتال السيكري من ورائه ففعل ، و جاءه يوم قتالهم من خلف ، فانهزم السيكري إلى موقان أصبهبذها ابن دوالة و سار معه نحو ديسم ، فانهزم ديسم و قصد و شمكير بالري و استمده على أن يدخل في طاعته و يضمن له مالاً في كل سنة . فأجابه و بعث معه العسكر و بعث أصحاب السيكري إلى و شمكير بأنهم على الطاعة ، و شعر بذلك السيكري فسار في خاصته إلى أرمينية و اكتسح في نواحيها . ثم سار إلى الزوزان من بلاد الأرمن ، فاعترضوه و قتلوه و من معه ، و رجع فلهم و قد ولوا عليهم سان بن السيكري و قصدوا بلد طرم الأرمني ليثأروا منهم بأصحابهم ، فقاتلهم طرم و أثخن فيهم ، و ساروا إلى ناصر الدولة بن حمدان وانحد بعضهم إلى بغداد ، و كان على المعادن بأذربيجان الحسين بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة ، فلما جاء إلى الموصل أصحاب السيكري مع ابنه بعثهم ابن عمه بأذربيجان لقتال ديسم ، فلم تكن له به طاقة و رجع إلى الموصل و استولى ديسم على أذربيجان في طاعة و شمكير .

ظهور ابن رائق و مسيره إلى الشام
و في سنة سبع و عشرين و ثلثمائة سار يحكم إلى الموصل و ديار ربيعة بسبب أن ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد ، فأقام الراضي بتكريت و سار يحكم ، و لقيه ناصر الدولة على ستة فراسخ من الموصل ، فانهزم و اتبعه يحكم إلى نصبين ثم إلى آمد ، و كتب إلى الراضي بالفتح . فسار من تكريت في الماء إلى الموصل ، و فارقه جماعة من القرامطة كانوا في عسكره ، و كان ابن رائق يكاتبهم من مكان إكتفائه ، فلما وصلوا بغداد خرج ابن رائق إليهم و استولى ، و طار الخبر الراضي فأصعد من الماء و سار إلى الموصل ، و كتب إلى يحكم بذلك . فرجع عن نصيبين بعد أن استولى عليها ، و شرع أهل العسكر يتسللون إلى بغداد فأهم ذلك يحكم . ثم جاءت رسالة ابن حمدان في الصلح و تعجيل خمسمائة ألف درهم ، فأجابوه و قرره و رجعوا إلى بغداد ، و لقيهم أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرازاد رسولاً عن ابن رائق في الصلح على أن يقلده الراضي طريق القرات و ديار مضر حران و الرها و ما جاورها جندي قنسرين و العواصم . فأجابه الراضي و قلده و سار إلى ولايته في ربيع الآخر . و كان يحكم قد استناب بعض قواد الأتراك على الأنبار و اسمه بالبان ، و طلب تقليد طريق الفرات فقلد و سار إلى الرحبة . ثم انتقض و عاد لابن رائق و عصى على يحكم ، فسار إليه غازياً بالرحبة على حين غفلة لخمسة أيام من مسيره ، فظفر به و أدخله بغداد على جمل و حبسه و كان آخر العهد به .

وزارة ابن البريدي
قد تقدم لنا مسير الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات إلى الشام ، و لما سار استناب بالحضرة عبد الله بن علي البصري ، و كان يحكم قد قبض على وزيره خلف ابن طباب ، و استوزر أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرازاد ، فسعى في وزارة ابن البريدي ليحكم حتى تم ذلك . ثم ضمن ابن البريدي أعمال واسط بستمائة ألف دينار كل سنة . ثم جاء الخبر بموت أبي الفتح بن الفرات بالرملة ، فسعى أبو جعفر ابن شيرزاد في وزارة أبي عبد الله للخليفة ، فعقد له الراضي بذلك و استخلف بالحضرة عبد الله بن علي البصري كما كان مع أبي الفتح .

مسير يحكم إلى بلد الجبل و عوده إلى واسط و استيلاؤه عليها
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:38 pm

كان يحكم قد أرسل ابن البريدي و صاهره و اتفقا على أن يسير يحكم إلى بلاد الجبل لفتحها من يد و شمكير ، و أبو عبد الله بن البريدي إلى الأهواز لأخذها من يد معز الدولة ابن بويه ، فسار يحكم إلى حلوان و بعث إليه ابن البريدي بخمسمائة رجل مدداً . و بعث يحكم بعض أصحابه إلى ابن البريدي يستحثه إلى السوس و الأهواز ، فأقام يماطله و يدافعه و يبين له أنه يريد مخالفة يحكم إلى بغداد . فكتب إليه بذلك فرجع عن قصده إلى بغداد ، و عزل ابن البريدي من الوزارة ، و ولى مكانه أبا القاسم بن سليمان بن الحسين بن مخلد و قبض على ابن شيرزاد الذي كان ساعياً له و تجهز إلى واسط و انحدر في الماء آخر ذي الحجة سنة ثمان و عشرين . و بعث عسكراً في البر ، و بلغ الخبر ابن البريدي فسار عن واسط إلى البصرة و استولى عليها يحكم و ملكها .

مسير ركن الدولة إلى واسط و رجوعه عنها
لما استقر ابن البريدي بواسط بعث جيشاً إلى السوس و بها أبو جعفر الظهيري وزير معز الدولة أحمد بن بويه و معز الدولة بالأهواز . فتحصن أبو جعفر بقلعة السوس ، و عاث الجيش في نواحيها و كتب معز الدولة إلى أخيه ركن الدولة و هو على أصطخر قد جاء من أصبهان لما غلبه و شمكير عليها . فلما جاء كتاب أخيه معز الدولة سار محمد إلى السوس و قد رجع عنه جيش ابن البريدي . ثم سار إلى واسط يحاول ملكها فنزل في جانبها الشرقي ، و ابن البريدي في الجانب الغربي ، و اضطرب عسكر ابن بويه و استأمن جماعة منهم إلى ابن البريدي . ثم سار الراضي و يحكم من بغداد إلى واسط للإمداد ، فرجع ركن الدولة إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز . و بلغه أن و شمكير قد أنفذ عسكره مدداً لما كان كالي و أن أصبهان خالية ، فسار إليها من رامهرمز و أخرج منبقي منها من أصحاب و شمكير و ملكها فاستقر بها .

استيلاء ابن رائق على الشام
قد تقدم لنا مسير ابن رائق إلى ديار مضر و ثغور قنسرين و العواصم فلما استقر بها حدثته نفسه بملك الشام فسار إلى حمص فملكها ثم سار إلى دمشق و بها بدر بن عبد الله الأخشيدي و يلقب بدير ، فملكها من يده . ثم سار إلى الرملة و منها إلى عريش مصر يريد ملك الديار المصرية ، و لقيه الأخشيد محمد بن طغج و انهزم أولاً و ملك أصحاب ابن رائق خيامه . ثم خرج كمين الأخشيد فانهزم ابن رائق إلى دمشق و بعث الأخشيد في أثره أخاه أبا نصر بن طغج ، و سار إليهم ابن رائق من دمشق فهزمهم و قتل أبو نصر ، فكفنه ابن رائق و حمله مع ابنه مزاحم إلى أخيه الأخشيد بمصر . و كتب يعزيه و يعتذر فأكرم الأخشيد مزاحماً ، و اصطلح مع أبيه على أن يكون مصر للأخشيد من حد الرملة و ما وراءها من الشام لابن رائق و يعطى الأخشيد عن الرملة في كل سنة مائة و أربعين ألف دينار .

الصوئف أيام الراضي
و في سنة اثنتين و عشرين سار الدمستق إلى سميساط في خمسين ألفاً من الروم ، و نازل ملطية و حاصرها مدة طويلة حتى فتحها بالأمان ، و بعثهم إلى مأمنهم مع بطريق من بطارقته . و تنصر الكثير منهم محبة في أهليهم و أموالهم . ثم افتتحوا سميساط و خربوا أعمالها و أفحشوا في أسطوله في البحر . ففحتوا بلد جنوة و مروا بسردانية فأوقعوا بأهلها ، ثم مروا بقرقيسيا من ساحل الشام فأحرقوا مراكبها ، و عادوا سالمين ، و في سنة ست و عشرين كان الفداء بين المسلمين و الروم في ذي القعدة على يد ابن ورقاء الشيباني البريدي ستة آلاف و ثلثمائة أسير .

الولايات أيام الراضي و القاهر قبله
قد تقدم لنا أنه لم يبق من العمال في تصريف الخلافة لهذا العهد إلا أعمال الأهواز و البصرة و واسط و الجزيرة ، و ذكرنا استيلاء بني بويه على فارس و أصبهان ، و وشمكير على بلاد الجبل ، و ابن البريدي على البصرة ، و ابن رائق على واسط ، و أن عماد الدولة بن بويه على فارس ، و ركن الدولة أخوه يتنازع مع و شمكير على أصبهان و همذان و قم و قاشان و الكرج و الري و قزوين . و استولى معز الدولة أخوهما على الأهواز و على كرمان و استولى ابن البريدي على واسط و سار ابن رائق إلى الشام فاستولى عليها . و في سنة ثلاث و عشرين قلد الراضي ابنيه أبا جعفر و أبا الفضل ناحية المشرق و المغرب . و في سنة إحدى و عشرين و رد الخبر بوفاة تكين الخاصكي بمصر و كان أميراً عليها ، و ولى القاهر مكانه ابنه محمداً و ثار به الجند ، فظفر بهم . و فيها وقعت الفتنة بين بني ثعلب و بني أسد و معهم طيء ، و ركب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله ابن حمدان و معه أبو الأعز بن سعيد بن حمدان ليصلح بينهم ، فوقعت ملاحاة قتل فيها أبو الأعز على يد رجل من ثعلب ، فحمل عليهم ناصر الدولة و استباحهم إلى الحديثة . فلقيهم يانس غلام مؤنس والياً غلام مؤنس والياً على الموصل ، فانضم إليه بنو ثعلب و بنو أسد و عادوا إلى ديار ربيعة . و في سنة أربع و عشرين قلد الراضي محمد بن طغج أعمال مصر مضافاً إلى ما بيده من الشام و عزل عنها أحمد بن كيغلغ .

وفاة الراضي و بيعة المتقي
و في سنة تسع و عشرين و ثلثمائة توفي الراضي أبو العباس أحمد بن المقتدر في ربيع الأول منها لسبع سنين غير شهر من خلافته . و لما مات أحضر يحكم ندماءه و جلساءه لينتفع بما عندهم من الحكمة فلم يفهم عنهم لعجمته . و كان آخر خليفة خطب على المنبر و أن خطب غيره فنادر . و آخر خليفة جالس السمر و واصل الندماء . و دولته آخر دول الخلفاء في ترتيب النفقات و الجوائز و الجرايات و المطابخ و الخدم و الحجاب ، و كان يحكم يوم وفاته غائباً بواسط حين ملكها من يد ابن البريدي ، فانتظر في الأمور وصول مراسمه ، فورد كتابه أبي عبد الله الكوفي يأمر فيه باجتماع الوزراء و أصحاب الدواوين و القضاة و العلويين و العباسيين و وجوه البلد عند الوزير أبي القاسم سليمان بن الحسن ، و يشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه و طريقه ، فاجتمعوا و ذكروا إبراهيم بن المقتدر ، و اتفقوا عليه و أحضروه من الغد و بايعوا له آخر ربيع الأول من سنة تسع و عشرين . و عرضت عليه الألقاب فاختار المتقي لله و أقر سليمان على وزارته كما كان ، و التدبير كله للكوفي كاتب يحكم ، و ولى سلامة الطولوني على الحجبة .

مقتل يحكم
كان أبو عبد الله البريدي بعد هربه إلى البصرة من واسط أنفذ جيشاً إلى المدار ، فبعث إلى لقائهم جيشاً من واسط عليهم توزون انتخب له الكرة ، فظفر بجيش ابن البريدي و لقي يحكم خبره في الطريق فسر بذلك ، و ذهب يتصيد فبلغ نهر جور ، و عثر في طريقة ببعض الأكراد فشره لغزوهم ، و قصدهم في خف من أصحابه و هربوا بين يديه و هو يرشقهم بسهامه ، و جاءه غلام منهم من خلفه فطعنه فقتله . و اختلف عسكره فمضى الديلم فكانوا ألفاً و خمسمائة إلى ابن البريدي ، و قد كان عزم على الهرب من البصرة ، فبعث لقدومهم و ضاعف لقدو مهم و ضاعف أرزاقهم و أدرها عليهم ، و ذهب الأتراك إلى واسط و أطلقوا بكتيك من حبسه و ولوه عليهم ، فسار بهم إلى بغداد في خدمة المتقي و حصر ما كان في دار يحكم من الأموال و الدواوين فكانت ألف ألف و مائة ألف دينار و مدة و إمارته سنتان و ثمانية أشهر .

إمارة البريدي ببغداد و عوده إلى واسط
لما قتل قدم الديلم عليهم بكشوار بن ملك بن مسافر و مسافر هو ابن سلا و صاحب الطرم الذي ملك ولده بعده أذربيجان ، و قاتلهم الأتراك فقتلوه ، فقدم الديلم عليهم مكانه كورتين منهم . و قدم الأتراك عليهم بكتيك مولى يحكم ، و انحدر الديلم إلى أبي عبد الله بن البريدي فقوي بهم ، و أصعدوا إلى واسط . و أرسل المتقي إليهم مائة و خمسين ألف دينار على أن يرجعوا عنها . ثم قسم في الأتراك في أجناد بغداد أربعمائة ألف دينار من مال يحكم . و قدم عليهم سلامة الطولوني و برز بهم المتقي إلى نهر دبالي آخر شعبان سنة ست و عشرين . و سار ابن البريدي من واسط فأشفق أتراك يحكم ، و لحق بعضهم بابن البريدي ، و سار آخرون إلى الموصل منهم توزون و جحجح . و اختفى سلامة الطولوني ، و أبو عبد الله الكوفي ، و دخل أبو عبد الله البريدي بغداد أول رمضان و نزل بالشفيعي و لقيه الوزير أبو الحسن بن ميمون و الكتاب و القضاة و أعيان الناس ، و بعث إليه المتقي بالتهنئة و الطعام ، و كان يخاطب بالوزير . ثم قبض على الوزير أبي الحسين لشهرين من وزارته و حبسه بالبصرة و طلب من المتقي خمسمائة ألف دينار للجند ، و هدده بما وقع للمعتز و المستعين و المهتدي ، فبعث بها إليه و لم يلقه مدة مقامه ببغداد . و لما وصله المال من المتقي شغب الجند عليه في طلبه و جاء الديلم إلى دار لأخيه أبي الحسين ، ثم انضم إليهم الترك ، و قصدوا دار أبي عبد الله ، فقطع الجسر و وثب العامة على أصحابه ، و هرب هو و أخوه و ابنه أبو القاسم و أصحابهم ، وانحدروا إلى واسط و ذلك سلخ رمضان لأربعة و عشرين يوماً من قدومه .

إمارة كوزتكين الديلمي
و لما هرب ابن البريدي استولى كورتكين على الأمور ببغداد و دخل إلى المتقي ، فقلده إمارة الأمراء ، و أحضر علي بن عيسى و أخاه عبد الرحمن فدبر الأمور و لم يسمهما بوزارة و استوزر أبا إسحق محمد بن أحمد الإسكافي القراريطي ، و ولى على الحجبة بدار الجواشيني . ثم قبض كورتكين على بكتيك مقدم الأتراك خامس شوال ، و غرقه و اقتتل الأتراك و الديلم و قتل بينهما خلق ، و انفراد كورتكين بالأمر و قبض على الوزير أبي إسحق القراريطي لشهر و نصف من وزارته ، و ولى مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي .

عواد ابن رائق إلى بغداد
قد تقدم لنا أن جماعة من أتراك يحكم لما أنقضوا عن المتقي ساروا إلى الموصل ، ثم ساروا منها إلى ابن رائق بالشام ، و كان من قوادهم توزون و جحجح و كورتكين و صيقوان فأطعموه في بغداد . ثم جاءته كتب المتقي يستدعيه ، فسار آخر رمضان و استخلف بالشام أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل و تنحى ناصر الدولة بن حمدان على طريقه . ثم حمل إليه مائة ألف دينار و صالحه ، و بلغ الخبر إلى أبي عبد الله بن البريدي ، فبعث إخوته إلى واسط و أخرج الديلم عنها و خطبوا له بها . و خرج كورتكين عن بغداد إلى عكبرا فقاتله ابن رائق أياماً ثم أسرى له ليلة عرفة فأصبح ببغداد من الجانب الغربي و لقي الخليفة ، وركب معه في دجلة ، و وصل كورتكين آخر النهار فركب ابن رائق لقتاله و هو مرجل ، و اعتزم على العود إلى الشام ، ثم طائفة من عسكره ليعبروا دجلة و يأتوا من ورائهم ، و صاحت العامة مع ابن رائق بكورتكين و أصحابه و رجموهم ، فانهزموا و استأمن منهم نحو أربعمائة فقتلوا و قتل قواده ، و خلع المتقي على ابن رائق أمير الأمراء ، و عزل الوزير أبا جعفر الكرخي لشهر من ولايته ، و ولى مكانه أحمد الكوفي و ظفر بكورتكين فحبسه بدار الخلافة .

وزارة ابن البريدي و استيلاؤه على بغداد و فرار المتقي إلى الموصل
لما استقر ابن رائق في إمارة الأمراء بدمشق ببغداد أخر ابن البريدي حمل المال من واسط ، فانحدر إليه في العساكر في عاشوراء من سنة ثلاثين ، و هرب بنو البريدي إلى البصرة . ثم سعى أبو عبد الله الكوفي بينهم و بين ابن رائق ، و ضمن واسط بستمائة ألف دينار و بقاياها بمائتي ألف . و رجع ابن رائق إلى بغداد فشغبت عليه الجند ، و فيهم تورون و أصحابه . ثم انفضوا آخر ربيع إلى أبي عبد الله بواسط ، فقوي بهم و ذهب ابن رائق إلى مداراته ، فكاتبه بالوزارة و استخلف عليها أبا عبد الله بن شيرزاد . ثم انتقض و اعتزم على المسير إلى بغداد في جميع الأتراك و الديلم . و عزم ابن رائق على التحصن بدار الخلافة ، و نصب عليها المجانيق و العرادات ، و جند العامة ، فوقع الهرج ، و خرج بالمتقي إلى نهر دبالي منتصف جمادى الآخرة . و أتاهم أبو الحسين في الماء و البر فهزمهم و دخل دار الخلافة ، و هرب المتقي و ابنه أبو منصور و ابن رائق إلى الموصل لستة أشهر من إمارته . و اختفى الوزير القراريطي و نهبت دار الخليفة ، و دور الحرم ، و عظم الهرج ، و أخذ كورتكين من محبسه فأنفذ إلى واسط ، و لم يتعرضوا للقاهر . و كان نزل أبو الحسن بدار الخلافة و جعل توزون على الشرطة بالجانب الغربي ، و أخذ رهائن القواد توزون و غيره و بعث بنسائهم و أولادهم إلى أخيه عبد الله بواسط . و عظم النهب ببغداد و ترك دورهم ، و فرضت المكوس في الأسواق خمسة دنانير على الكر فغلت الأسعار ، و انتهى إلى ثلثمائة دينار الكر ، و جاءت ميرة من الكوفة و أخذت فقيل إنها لعامل الكوفة ، و أخذها عامل بغداد و كان معه جماعة من القرامطة فقاتلهم الأتراك و هزموهم ، و وقعت الحرب بين العامة و الديلم فقتل خلق من العامة ، و اختفى العمال لمطاولة الجند إلى الضواحي ينتهبون الزرع بسنبلة عند حصاده ، و ساءت أحوال بغداد و كثرت نقمات الله فيهم .

مقتل ابن رائق و ولاية ابن حمدان مكانه
كان المتقي قد بعث إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمده على ابن البريدي عندها قصد بغداد ، فأمده بعسكر مع أخيه سيف الدولة ، فليقه بتكريت منهزماً و رجع معه إلى الموصل . و خرج ناصر الدولة عن الموصل حتى حلف له ابن رائق واتفقا ، فجاء و تركه شرقي دجلة و عبر
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:39 pm

إليه أبو منصور المتقي و ابن رائق فبالغ في تكرمتهما . فلما ركب ابن المتقي قال لابن رائق : أقم نتحدث في رأنيا فذهبا إلى الإعتذار ، و ألح عليه ناصر الدولة فاستراب و جذب يده و قصد الركوب ، فسقط فأمر ناصر الدولة بقتله و إلقائه في دجلة ، و بعث إلى المتقي بالعذر و أحسن القول ، و ركب إليه فولاه أمير الأمراء و لقبه ناصر الدولة و ذلك مستهل شعبان من سنة ثلاثين ، و خلع على أخيه أبي الحسن و لقبه بسيف الدولة ، فلما قتل ابن رائق سار الأخشيد من مصر إلى دمشق و بها محمد بن يزداد من قبل ابن رائق فاستأمن إليه و ملك الأخشيد دمشق و أقر ابن يزداد عليها ثم نقله إلى شرطة مصر .

عود المتقي إلى بغداد و فرار البريدي
لما استولى أبو الحسين البريدي على بغداد و أساء السيرة كما مر ، و إمتلأت القلوب منه نفرة ، فلما قتل ابن رائق أخذ الجند في الفرار عنه و الانتقاض عليه ، ففر جحجح إلى المتقي و اعتزم توزون و أنوش تكين و الأتراك على كبس أبي الحسين البريدي . و زحف توزون لذلك في الديلم فخالفه أنوش تكين في الأتراك فذهب توزون إلى الموصل فقوي بهم ابن حمدان و المتقي و انحدروا إلى بغداد ، و ولى ابن حمدان على أعمال الخراج و الضياع بديار مضر ، و هي الرها و حران . و لقيا أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل فاقتتلوا و قتل ابن مقاتل و استولى ابن طباب عليها . و لما وصل المتقي و ابن حمدان إلى بغداد هرب أبو الحسين ابن البريدي منها إلى واسط لثلاثة أشهر و عشرين يوماً من دخوله ، و اضطربت العامة و كثر النهب و دخل المتقي و ابن حمدان في العساكر في شوال من السنة . و أعاد أبا إسحق القراريطي إلى الوزارة ، و ولى توزون على الشرطة . ثم سار إليهم أبو الحسين البريدي ، فخرج بنو حمدان للقائهم و انتهوا إلى المدائن ، فأقام بها ناصر الدولة ، و بعث أخاه سيف الدولة و ابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ، فاقتتلوا عنده أياماً ، و انهزم سيف الدولة أولاً ، ثم أمدهم ناصر الدولة بالقواد الذين كانوا معه و جحجح بالأتراك ، و عادوا القتال فانهزم أبو الحسين إلى واسط ، و أقصر سيف الدولة عن اتباعه لما أصاب أصحابه من الوهن و الجراح . و عاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجة . ثم سار سيف الدولة إلى واسط و هرب بنو البريدي عنها إلى البصرة فملكها و أقام بها .

استيلاء الديلم على أذربيجان
كانت أذربيجان بيد ديسم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج ، و كان أبوه من أصحاب هرون الشاري من الخوارج . و لما قتل هرون لحق بأذربيجان و شرد في الأكراد فولد له ديسم هذا فكبر و خدم ابن أبي الساج ، و تقدم عنده إلى أن ملك بعدهم أذربيجان . و جاء السيكري خليفة و شمكير في الجبل سنة ست و عشرين و غلبه على أذربيجان . ثم سار هو إلى شمكير و ضمن له طاعة و مالاً ، و استمده فأمده بعسكر من الديلم و ساروا معه ، فغلب السيكري و طرده و ملك البلاد ، و كان معظم جيشه الأكراد فتغلبوا على بعض قلاعه فاستكثر من الديلم و فيهم صعلوك بن محمد بن مسافر بن الفضل و غيرهما . فاستظهر بهم و انتزع من الأكراد ما تغلبوا عليه ، و قبض على جماعة من رؤسائهم . و كان وزيره أبو القاسم علي ابن جعفر قد ارتاب منه ، فهرب إلى الطرم و بها محمد بن مسافر من أمراء الديلم و قد انتقض عليه و ابناه و هشودان و المرزبان و استوليا على بعض قلاعه ، ثم قبض على أبيهما محمد و انتزعا أمواله و ذخائره و تركاه في حصنه سلبياً فريداً ، فقصد علي بن جعفر المزبان و أطعمه في أذربيجان ، فقلده و زارته و كانت نحلتهما في التشيع واحدة . لأن علي بن جعفر كان من الباطنية و المرزيان من الديلم و هم شيعة . و كاتب علي بن جعفر أصحاب ديسم و استمالهم و استفسدهم عليه و خصوصاً الديلم ، ثم التفتوا للحرب و جاء الديلم إلى المرزبان واستأمن معهم كثير من الأكراد ، و هرب ديسم في فل من أصحابه إلى أرمينية و استجار بجاحق بن الديواني فأجاره و أكرمه ، و ندم على ما فرط في إبعاد الأكراد و هم على مذهبه في الخارجية ، و ملك المرزبان أذربيجان و استولى عليها . ثم استوحش منه علي بن جعفر وزير ديسم و تنكر له أصحاب المرزبان فأطعمه المرزبان فأخذ أموالهم و حملهم على طاعة ديسم ، و قتل الديلم عندهم من جند المرزبان ففعلوا . و جاء ديسم فملكها و فر إليه من كان عند المرزبان حتى اشتد عليه الحصار ، و استصلح أثناء ذلك الوزير علي بن جعفر ، ثم خرجوا من توزير ، و لحق ديسم بأردبيل ، و جاء علي بن جعفر إلى المرزبان . ثم حاصر المرزبان أردبيل حتى نزل له ديسم على الأمان و ملكها صلحاً . و ملك توزير كذلك . و وفى له ، ثم طلب ديسم أن يبعثه إلى قلعته بالطرم فبعثه بأهله و ولده و أقام هنالك .

خبر سيف الدولة بواسط
لما فر بنو البريدي عن واسط إلى البصرة و نزل بها سيف الدولة أراد الإنحدار خلفهم لانتزاع البصرة منهم ، و استمد أخاه ناصر الدولة فأمده بمال مع أبي عبد الله الكوفي ، و كان توزون و جحجح يستطيلان عليه ، فأراد الاستئثار بالمال فرده سيف الدولة مع الكوفي إلى أخيه ، و أذن لتوزون في مال الجامدة و لجحجح في مال المدار . و كان من قبل يراسل الأتراك و ملك الشام ومصر معه يجيبونه . ثم ثاروا عليه في شعبان من سنة إحدى و ثلاثين ، فهرب من معسكر و نهب سواده و قتل جماعة من أصحابه . و كان ناصر الدولة لما أخبره أبو عبد الله الكوفي بخبر أخيه في واسط ، برز يسير إلى الموصل ، و ركب إليه المتقي يستمهله ، فوقف حتى عاد و أغذ السير لثلاثة عشر شهراً من إمارته ، فثار الديلم و نهبوا داره ، و دبر الأمور أبو إسحق القراريطي من غير لقب الوزارة . و عزل أبو العباس الأصبهاني لأحد و خمسين يوماً من وزارته ، ثم تنازع الإمارة بواسط بعد سيف الدولة تورون و جحجح ، و استقر الحال أن يكون توزون أميراً و جحجح صاحب الجيش . ثم طمع ابن البريدي في واسط و أصعد إليها و طلب من توزون أن يضمنه إياها ، فرده رداً جميلاً . و كان قد سار جحجح لمدافعته فمر به الرسول في طريقه و حادثه طويلاً ، و سعى إلى توزون بأنه لحق بابن البريدي فأسرى إليه و كبسه منتصف رمضان ، فقبض عليه و جاء به إلى واسط فسمله ، و بلغ الخبر إلى سيف الدولة و كان لحق بأخيه ، فعاد إلى بغداد منتصف رمضان ، و طلب المال من المتقي لمدافعة توزون ، فبعث أربعمائة ألف درهم و فرقها في أصحابه و ظهر له من كان مستخفياً ببغداد و جاء توزون من واسط بعد أن خلف بها كيغلغ . فلما أحسن به يوسف الدولة رحل فيمن انضم إليه من أجناد واسط و فيهم الحسن بن هرون ، و سار إلى الموصل و لم يعاود بنو حمدان بعدها بغداد .

إمارة تورون ثم وحشته مع المتقي
لما سار سيف الدولة عن بغداد دخلها تورون آخر رمضان سنة إحدى و ثلاثين ، فولاه المتقي أمير الأمراء ، و جعل النظر في الوزارة لأبي جعفر الكرخي كما كان الكوفي . و لما سار تورون عن واسط خالفه إليها البريدي فملكها . ثم انحدر تورون أول ذي القعدة لقتل البريدي ، و قد كان يوسف بن وجيه صاحب عمان سار في المراكب إلى البصرة ، و حارب ابن البريدي حتى أشرفوا على الهلاك . ثم احترقت مراكب عمان بحيلة دبرها بعض الملاحين ونهب منها مال عظيم . و رجع يوسف بن وجيه مهزوماً في المحرم سنة اثنتين و ثلاثين ، و هرب في هذه الفتنة أبو جعفر بن شيرزاد من تورون فاشتمل عليه ، و كان تورون عند إصعاده من بغداد استخلف مكانه محمد بن ينال الترجمان . ثم تنكر فارتاب محمد ، و ارتاب الوزير أبو الحسن بن مقلة بمكان ابن شيرزاد من تورون و خافا عائلته و خوفا المتقي كذلك ، و أوهماه أن البريدي ضمنه من تورون بخمسمائة ألف دينار التي أخذها من تركه يحكم ، و أن ابن شيرزاد جاء عن البريدي ليخلفه و يسلمه ، فانزعج لذلك و عزم على المسير إلى ابن حمدان ، و كتبوا إليه ان ينفذ عسكراً يسير صحبته .

مسير المتقي إلى الموصل
و لما تمت سعاية ابن مقلة و ابن ينال بتورون مع المتقي اتفق وصول ابن شيرزاد إلى بغداد أول اثنتين و ثلاثين في ثلمائة فارس ، و أقام بدست الأمر و النهي لا يعرج على المتقي في شيء . و كان المتقي قد طلب من ناصر الدولة بن حمدان عسكراً يصحبه إلى الموصل . فبعثهم ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ، فلما وصلوا بغداد اختفى ابن شيرزاد و خرج المتقي إليهم في حرمه و ولده ، و معه و زيره و أعيان دولته مثل سلامة الطولوني و أبي زكريا يحيى بن سعيد السوسي و أبي محمد المارداني و أبي إسحق القراريطي و أبي عبد الله الموسوي و ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب ، و أبي نصر بن محمد بن ينال الترجمان . و ساروا إلى تكريت و ظهر ابن شيرزاد في بغداد ، و ظلم الناس و صادرهم ، و بعث إلى تورون في واسط بخبر المتقي ، فعقد ضمان واسط على ابن البريدي ، و زوجه ابنته ، و سار إلى بغداد . و جاء سيف الدولة إلى المتقي بتكريت . ثم بعث المتقي إلى ناصر الدولة يستحثه ، فوصل إليه في ربيع الآخر ، و ركب المتقي من تكريت إلى الموصل ، و أقام هو بتكريت . و سار تورون لحرب فتقدم إليه أخوه سيف الدولة فاقتتلوا أياماً . ثم انهزم سيف الدولة و غنم تورون سواده و سواد أخيه ، و لحقوا بالموصل تورون في اتباعهم . ثم ساروا عنها مع المتقي إلى نصيبين ، و دخل تورون الموصل و لحق المتقي بالرقة ، و راسل تورون بأن وحشته لأجل ابن البريدي ، و ان رضاه في إصلاح بني حمدان ، فصالحهما تورون و عقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين بثلاثة آلاف و ستمائة ألف درهم لكل سنة ، و عاد و تورون إلى بغداد و أقام المتقي و بنو حمدان بالرقة .

مسير ابن بويه إلى واسط و عوده عنها ثم استيلاؤه عليها
كان معز الدولة بن بويه بالأهواز ، و كان ابن البريدي يطمعه في كل وقت في ملك العراق ، و كان قد وعده أن يمده واسط . فلما أصعد تورون إلى الموصل خالفه معز الدولة إلى واسط و أخلف ابن البريدي و عده في المدد . و عاد تورون من الموصل إلى بغداد ، و انحدر منها للقاء معز الدولة منتصف ذي القعدة من سنة اثنتين و ثلاثين ، و اقتتلوا بقباب حميد بضعة عشر يوماً . ثم تأخر تورون إلى نهر ديالي فعبره و منع الديلم من عبوره بمن كان معه من المقاتلة في الماء ، و ذهب ابن بويه ليصعد و يتمكن من الماء ، فبعث تورون بعض أصحابه فعبروا ديالي و كمنوا له حتى إذا صار مصعداً خرجوا عليه على غير أهبة ، فانهزم هو و وزيره الصهيري و أسر منهم أربعة عشر قائداً و استأمن كثير من الديلم إلى تورون ، و لحق ابن بويه و الصهيري بالسوس . ثم عاد إلى واسط ثانية فملكها و لحق أصحاب بني البريدي بالبصرة .

قتل ابن البريدي أخاه ثم وفاته
كان أبو عبد الله بن البريدي قد استهلك أمواله في هذه النوائب التي تنويه ، و استقرض من أخيه أبي يوسف مرة بعد مرة ، و كان أثرى منه و مال الجند إليه لثروته . و كان يعيب على أخيه تبذيره و سوء تدبيره . ثم نمي الخبر إليه أنه يريد المكر به ، و الاستبداد بالأمر . و تنكر كل واحد منهما للآخر ، ثم أكمن أبو عبد الله غلمانه في طريق أبي يوسف فقتلوه ، و شغب الجند لذلك فأراهم شلوه فافترقوا ، و دخل دار أخيه و أخذ ما فيها من الأموال ، و جواهر نفيسة كان باعها له بخمسين ألف درهم ، و كان أصلها ليحكم و هبها لبنته حين زوجها له ، و أخذ يحكم من دار الخلافة ، فاحتاج إليه أبو عبد الله بعد فباعها له و بخسه أبو يوسف في قيمتها . و كان ذلك من دواعي العداوة بينهما . ثم هلك أبو عبد الله بعد مهلك أخيه بثمانية أشهر ، و قام بالأمر بعده بالبصرة أخوهما أبو الحسن ، فأساء السيرة في الجند فثاروا به ليقتلوه ، فهرب منهم إلى هجر مستجيراً بالقرامطة ، و ولوا عليهم بالبصرة أبا القاسم ابن أخيه أبي عبد الله ، و أمد أبو طاهر القرمطي أبا الحسن ، و بعث معه أخويه لحصار البصرة فامتنعت عليهم ، و أصلحوا بين أبي القاسم و عمه ، و دخل البصرة و سار منها إلى تورون ببغداد . ثم طمع يأنس مولى أبي عبد الله في الرياسة و داخل بعض قواد الديلم في الثورة بأبي القاسم ، و اجتمع الديلم إلى القائد و بعث أبو القاسم و ليه يأنس فهم به ليفرد بالأمر ، فهرب يأنس واختفى و تفرق الديلم و اختفى القائد . ثم قبض عليه و نفاه و قبض على يأنس بعد أيام و صادره على مائة ألف دينار ، و قتله . و لما قدم أبو الحسين البريدي إلى بغداد مستأمناً إلىتورون فأمنه و طلب الإمداد على ابن أخيه ، و بذل في ذلك أموالاً . ثم بعث ابن أخيه من البصرة بالأموال فأقره على عمله و شعر أبو الحسن بذلك فسعى عند ابن تورون في ابن شيرزاد إلى أن قبض عليه ، و ضرب و استظهر أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي بفتاوى الفقهاء و القضاة بإباحة دم أبي الحسين ،كانت عنده من أيام ناصر الدولة ، و أحضروا بدار المتقي و سئلوا عن فتاويهم ، فاعترفوا بأنهم أفتوا بها ، فقتل و صلب ثم أحرق و نهب داره . و كان ذلك منتصف ذي الحجة من السنة ، و كان ذلك آخر أمر البريديين .

الصوائف أيام المتقي
خرج الروم سنة ثلاثين أيام المتقي و انتهوا إلى قرب حلب فعاثوا في البلاد و بلغ سبيهم خمسة آلاف . و فيها دخل ثمل من ناحية طرسوس فعاث في بلاد الروم ، و امتلأت أيدي عسكره من الغنائم ، و أسر عدة من بطارقتهم . و في سنة إحدى و ثلاثين بعث ملك الروم إلى المتقي يطلب منه منديلاً في بيعة الرها زعموا أن المسيح مسح به وجهه ، فارتسمت فيه صورته ، و أنه يطلق فيه عدداً كثيراً من أسرى المسلمين ، و اختلف الفقهاء و القضاة في إسعافه بذلك ، و فيه غضاضة أو منعه و يبقى المسلمون بحال الأسر . فأشار عليه علي ابن
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:39 pm

عيسىبإسعافه لخلاص المسلمين ، فأمر المتقي بتسلميه إليه . و بعث إلى ملك الروم من يقوم بتسليم الأسرى . و في سنة اثنتين و ثلاثين خرجت طوارق من الروس في البحر إلى نواحي أذربيجان ، و دخلوا في نهر اللكز إلى بردعه . و بها نائب المرزبان ابن محمد بن مسافر ملك الديلم بأذربيجان ، فخرج في جموع الديلم و المطوعة فقتلوهم ، و قاتلوهم فهزموهم الروس و ملكوا البلد ، و جاءت العساكر الإسلامية من كل ناحية لقتالهم فامتنعوا بها ، و رماهم بعض العامة بالحجارة فأخرجوهم من البلد و قاتلوا من بقي ، و غنموا أموالهم و استبدوا بأولادهم و نسائهم . و استنفر المرزبان الناس و زحف إليهم في ثلاثين ألفاً ، فقاتلوهم فامتنعوا عليه فأكمن لهم بعض الأيام فهزمهم و قتل أميرهم ، و نجا الباقون إلى حصن البلد ، و حاصرهم المرزبان و صابرهم . ثم جاءه الخبر بأن أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان بلغ سلماس موجهاً إلى أذربيجان بعثه إليها ابن عمه ناصر الدولة ليتملكها ، فجهز عسكراً لحصار الروس في بردعة ،و سار إلى قتال ابن حمدان . فارتحل ابن حمدان راجعاً إلى ابن عمه باستدعائه بالإنحدار إلى بغداد . لما مات تورون و أقام العسكر على حصار الروس ببردعة ، حتى هربوا من البلد و حملوا ما قدروا عليه ، و طهر الله البلد منهم . و فيها ملك الروم رأس عين و استباحوها ثلاثاً و قاتلهم الأعراب ففارقوها .

الولايات أيام المتقي
قد تقدم لنا أنه لم يكن بقي في تصريف الخليفة إلا أعمال الأهواز و البصرة و واسط و الجزيرة و الموصل لبني حمدان . و استولى معز الدولة على الأهواز ثم على واسط ،و بقيت البصرة بيد أبي عبد الله بن البريدي و استولى على بغداد مع المتقي يحكم ، ثم ابن البريدي ، ثم تورتكين الديلمي ، ثم ابن رائق ثانية ، ثم ابن البريدي ثانية ، ثم حمدان ، ثم تورون . يختلفون على المتقي واحداً بعد واحد ، وهو مغلب لهم و الحل و العقد و الإبرام و النقض بأيديهم ، و وزير الخليفة عامل من عمالهم متصرف تحت أحكامهم ،و آخر من دبر الأمور أبو عبد الله الكوفي كاتب تورون ، و كان قبله كاتب ابن رائق ، و كان الحجبة بدر بن الجرسي ، فعزل عنها سنة ثلاثين و جعل مكانه سلامة الطولوني و ولي بدر طريق الفرات ففرع إلى الاخشيد و استأمن إليه فولاه دمشق . و كان من المستبدين في النواحي يوسف بن وجيه ، و كان صاحب الشرطة ببغداد أبا العباس الديلمي .

خلع المتقي و ولاية المستكفي
لم يزل المتقي عند بني حمدان من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين إلى آخر السنة ، ثم آنس منهم الضجر و اضطر لمراجعة تورون ، فأرسل إليه الحسن بن هرون و أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي في الصلح ، و كتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه ، فجاءه و انتهى إلى حلب و بها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان من قبل ابن عمه ناصر الدولة ، فارتحل عنها و تخلف عنه ابن مقاتل ، و قد كان صادره ناصر الدولة على خمسين ألف دينار ، فاستقدم الأخشيد و ولاه خراج مصر . و سار الأخشيد من حلب و لقي المتقي بالرقة ، و أهدى إليه والي الوزير بن الحسين بن مقلة و سائر الحاشية ، و اجتهد به أن يسير معه إلى مصر ليقيم خلافته هنالك فأبى ، فخوفه من تورون فلم يقبل . و أشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر فيحكمه في البلاد فأبى ، و كانوا ينتظرون عود رسلهم من تورون ، فبعثوا إليهم بيمين تورون و الوزير ابن شيرزاد بمحضر القضاة و العدول و العباسيين و العلويين و غيرهم من طبقات الناس . و جاء الكتاب بخطوطهم بذلزك و تأكيد اليمين ، ففارق المتقي الأخشيد و انحدر من الوقت في الفرات آخر المحرم سنة ثلاث و ثلاثين ، و لقيه تورون بالسندية فقبل الأرض و قال : قد وفيت بيميني ‍‍! و وكل به و بأصحابه و أنزله في خيمته . ثم سمله لثلاث سنين و نصف من خلافته ، و أحضر أبا القاسم عبد الله بن المكتفي فبايعه الناس على طبقاتهم ، و لقب المستكفي ، و جيء بالمتقي فبايعه و أخذت منه البردة و القضيب و استوزر أبا الفرج محمد بن علي السامري ، فكان له اسم الوزارة على سنن من قبله ، و الأمور راجعة لابن شيرزاد كاتب تورون . ثم خلع المستكفي على تورون و توجه و حبس المتقي ، و طلب أبا القاسم الفضل بن المقتدر الذي لقب فيما بعد بالمطيع ، فاختفى سائر أيامه و هدمت داره .

وفاة توزون و إمارة ابن شيرزاد
و في المحرم من سنة أربع و ثلاثين وثلثمائة مات توزون ببغداد لست سنين و خمسة أشهر من إمارته ، و كان ابن شيرزاد كاتبه أيامه كلها ، و بعثه قبل موته لاستخلاص الأموال من هيت . فلما بلغه خبر الوفاة عزم على عقد الإمارة لناصر الدولة بن حمدان ، فأبى الجند من ذلك و اضطربوا و عقدوا له الرياسة عليهم ، و اجتمعوا عليه و حلفوا ، و بعث إلى المستكفي ليحلف له ، فأجابه و حلف له بحضرة القضاة و العدول ، و دخل إليه ابن شيرزاد فولاه أمير الأمراء ، و زاد في الأرزاق زيادة متسعة فضاقت عليه الأموال ، فبعث أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي إلى ابن حمدان يطالبه بالمال و يعده بإمارة الأمراء ، فأنفذ إليه خمسمائة ألف درهم و طعاماً ، و فرقها في الجند فلم تكف ففرض الأموال على العمال و الكتاب و التجار لأرزاق الجند ، و مدت الأيدي إلى أموال الناس ، و فشا الظلم وظهرت اللصوص و كبسوا المنازل ، و أخذ الناس في الخلاص من بغداد . ثم استعمل على واسط ينال كوشه ، و على تكريت الفتح السيكري ، فسار إلى ابن حمدان و دعا له شكراً فولاه عليها من قبله .

استلاء معز الدولة بن بويه على بغداد و اندراج أحكام الخلافة في سلطانهم
قد تقدم لنا استبداد أهل النواحي على الخلافة منذ أيام المتوكل ، و لم يزل نطاق الدولة العباسية يتضايق شيئاً فشيئاً ، و أهل الدولة يستبدون واحداً بعد واحد إلى أن أحاطوا ببغداد و صاروا ولاة متعددة يفرد كل واحد بالذكر و سياقة الخبر إلى آخرها .و كان من أقرب المستبدين إلى مقر الخلافة بنوبويه بأصبهان و فارس ، و معز الدولة منهم بالأهواز . و قد تغلب على واسط ، ثم انتزعت منه . و بنو حمدان بالموصل و الجزيرة ، و قد تغلب على هيت و صارت تحت ملكهم ، و لم يبق للخلفاء إلا بغداد و نواحيها ما بين دجلة و الفرات ، و أمراؤهم مع ذلك مستبدون عليهم ، و يسمون القائم بدولتهم أمير الأمراء كما مر في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتقي و القائم بها ابن شيرزاد . و ولي على واسط ينال كوشه كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد .و كاتب معز الدولة ، و قام بدعوته في واسط و استدعاه لملك بغداد . فزحف في عساكر الديلم إليها و لقبه ابن شيرزاد و الأتراك و هربوا إلى ابن حمدان بالموصل ، و اختفى المستكفي و قدم معز الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلبي إلى بغداد ، فدخلها و ظهر الخليفة ، فظهر عنده المهلبي و جدد له البيعة عن معز الدولة أحمد بن بويه ، و عن أخويه عماد الدولة علي و ركن الدولة الحسن . و ولاهم المستكفي على أعمالهم و لقبهم بهذه الألقاب و رسمها على سكته . ثم جاءه معز الدولة إلى بغداد و ملكها ، و صرف الخليفة في حكمه ، و اختص باسم السلطان . فبقيت أخبار الدولة إنما تؤئر عنهم ، و إن كان منها ما يختص بالخليفة فقليل . فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفي إلى المتقي مندرجة في أخبار بني بويه و السلجوقية من بعدهم لعطلهم من التصرف إلا قليلا يختص بالخلفاء نحن ذاكروه و نرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم و السلجوقية الغالبين على الدولة عندما نفرد دولتهم كما شرطناه .

الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي و ما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد و نواحيها
لما دخل معز الدولة بن بويه إلى بغداد غلب على المستكفي و بقي في كفالته ، و كان المستكفي في سنة ثلاث و ثلاثين قبلها قبض على كاتبه أبي عبد الله بن أبي سليمان و على أخيه ، و استكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره ، و كان قبله كاتباً لابن حمدان ، و كان يكتب للمستكفي قبل الخلافة . فلما نصب للخلافة قدم من الموصل فاستكتبه المستكفي في هذه السنة على وزيره أبي الفرج لاثنتين و أربعين من وزارته ، و صادره على ثلثمائة ألف درهم . و لما استولى معز الدولة ببغداد على الأمر و بعث أبو القاسم البريدي صاحب البصرة ضمن واسط و أعمالها و عقد له عليها .

خلع المستكفي و بيعة المطيع
و أقام المستكفي بعد استيلاء مع الدولة على الأمر أشهراً قلائل ، ثم بلغ معز الدولة أن المستكفي يسعى في إقامة غيره ، فتنكر له ، ثم أجلسه في يوم مشهود لحضور رسول من صاحب خراسان ، و حضر هو في قومه و عشيرته ، و أمر رجلين من نقباء الديلم جاءا ليقبلا يد المستكفي ، ثم جذباه عن سريره و ساقاه ماشياً . و ركب معز الدولة و جاء به إلى داره فاعتقله بها ، و اضطرب الناس و عظم النهب و نهب دار الخلافة ، و قبض على أبي أحمد الشيرازي كاتب المستكفي ، و كان ذلك في جمادى الآخرة لسنة و أربعة أشهر من خلافته . ثم بويع أبو القاسم الفضل بن المقتدر ، و قد كان المستكفي طلبه حين ولي لإطلاعه على شأنه في طلب الخلافة ، فلم يظفر به و اختفى . فلما جاء معز الدولة تحول إلى داره و اختفى عنده ، فلما قبض على المستكفي بويع له و لقب المطيع لله ، ثم أحضر المستكفي عنده فأشهد على نفسه بالخلع ، و سلم عليه بالخلافة ، و لم يبق للخليفة من الأمر شيء البتة منذ أيام معز الدولة . و نظر وزير الخليفة مقصور على أقطاعه و نفقات داره و الوزارة منسوبة إلى معز الدولة و قومه من الديلم شيعة للعلوية منذ إسلامهم على يد الأطروش ، فلم يكونوا من شيعة العباسية في شيء و لقد يقال بأن معز الدولة اعتزم على نقل الخلافة منهم إلى العلوية ، فقال له بعض أصحابه : لا تول أحداً يشركك قومك كلهم في محبته و الاشتمال عليه ، و ربما يصير لهم دونك ، فأعرض عن ذلك و سلبهم الأمر و النهي ، و تسلم عماله و جنده من الديلم و غيرهم أعمال العراق و سائر أراضيه . و صار الخليفة إنما يتناول منه ما يقطعه معز الدولة و من بعده فما يسد بعض حاجاته . نعم إنهم كانوا يفردونهم بالسرير و المنبر و السكة و الختم على الرسائل و الصكوك و الجلوس للوفد و إجلالهم في التحية و الخطاب ، و كل ذلك طوع القائم على الدولة ، و كان يفرد في كل دولة بني بويه و السلجوقية بلقب السلطان مما لا يشاركه فيه أحد ، و معنى الملك من تصريف القدرة و إظهار الأبهة و العز حاصل له دون الخليفة و غيره ، و كانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظاً مسلوبة معنى ،و الله المدبر للأمور لا إله غيره .

انقلاب حال الدولة بما تجدد في الجباية و الأقطاع
لما استوى معز الدولة طلب الجند أرزاقهم على عادتهم و أكثر لسبب ما تجدد من الاستيلاء الذي لم يكن له ، فاضطر إلى ضرب المكوس و أخذ أموال الناس من غير وجهها ، و أقطع قواده و أصحابه من أهل عصيبته و غير المساهمين له في الأمر جميع القرى التي بجانب السلطان ، فارتفعت عنها أيدي العمال و بطلت الدواوين و اختلف حال القرى في العمارة عما كان في أيدي القواد و الرؤساء ، حصل بهم لأهلها الرفق فزادت عمارتها و توفر دخلها ، و لم تكن مناظرتهم في ذلك و لا تقديره عليهم ، و ما كان بأيدي العامة و الأتباع عظم خرابه لما كان يعدم من الغلاء و النهب و اختلاف الأيدي و ما يزيد الآن من الظلم و مصادرات الرعايا و الحيف في الجباية و إهمال النظر في تعديل القناطر و المشارب ، و قسم المياه على الأرضين فإذا خربت قراهم ردوها و طلبوا العوض عنها فيصير الآخر منها لما صار إليه الأول ، ثم أمر معز الدولة قواده و أصحابه بحماية الأقطاع و الضياع و ولاتها ، و صارت الجبايات لنظرهم و التعويل في المرتفع على أخبارهم . فلا يقدر أهل الدواوين و الحسابات على تحقيق ذلك عليهم ، و لم يقف عند ذلك على غاية . فبطلت الأموال و صار جمعها من المكوس و الظلامات ، و عجز معز الدولة عن ذخيرة يعدها لنوائب سلطانه . ثم استكثر من الموالي الأتراك ليجدع بهم من أنوف قومه ، و فرض لهم الأرزاق و زاد لهم الأقطاع ، فعظمت غيرة قومه من ذلك و آل الأمر إلى المنافرة كما هو الشأن في طبيعة الدول .

دولة بني حمدان ـ مسير ابن حمدان إلى بغداد
و لما استولى معز الدولة على بغداد و خلع المستكفي ، بلغ الخبر إلى ناصر الدولة بن حمدان ، فشق ذلك عليه ، و سار من الموصل إلى بغداد و انتهى إلى سامرا في شعبان سنة أربع . و كان معز الدولة حين سمع قدوم عساكره مع ينال كوشه و قائد آخر ، فقتل القائد و لحق بناصر الدولة . و جاء ناصر الدولة إلى بغداد فأقام بها و خالفه معز الدولة إلى تكريت فنهبها لأنها من أعماله . ثم عاد معز الدولة و المطيع فنزلوا بالجانب الغربي من بغداد ، و قاتلوا ناصر الدولة بالجانب الشرقي و تقدم ناصر الدولة إلى الأعراب بالجانب الغربي بقطع الميرة عن معز الدولة فغلت الأسعار و عزت الأقوات ، و منع ناصر الدولة من الخطبة للمطيع و المعاملة بسكته ، و دعا للمتقي و بيت معز الدولة مراراً . و ضاق الأمر به ، و اعتزم على ترك بغداد و العود إلى الأهواز . ثم أظهر الرحيل ذات ليلة و أمر وزيره أبا جعفر الصهيري بالعبور في أكثر العساكر ، و أقام بالكينة مكانه ، و جاء ينال كوشه لقتاله فانهزم و اضطرب عسكر ناصر الدولة و أجفلوا ، و غنم الديلم أموالهم و أظهرهم . ثم أمن معز الدولة الناس و عاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس و ثلاثين و قام التورونية عليه ، فلما شعروا به نكروه و هموا بقتله ، فأسرى هارباً و معه ابن شيرزاد ، وفر إلى الجانب الغربي . ثم لحق بالقرامطة فأجاروه و بعثوه إلى الموصل . ثم استقر الصلح بينه و بين الدولة كما طلب ، و لما وفر عن الأترام اتفقوا على تكين الشيرازي فولوه عليهم و قبضوا على من تخلف من كتابه و أصحابه ، و ساروا في أتباعه إلى نصيبين
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:41 pm

، ثم إلى سنجار ، ثم إلى الحديثة ، ثم إلى السن ، و لحق هنالك عسكر معز الدولة مع وزيره أبي جعفر الصهيري ، و قد كان استمده ناصر الدولة . و سار ناصر الدولة و ابن الصهيري إلى الموصل ، فنزلوا عليها و أخذ الصهيري من ناصر الدولة ابن شيرزاد و حمله إلى معز الدولة و ذلك سنة خمس و ثلاثين .

استيلاء معز الدولة على البصرة
و في هذه السنة انتقض أبو القاسم البريدي بالبصرة ، فجهز معز الدولة الجيش جماعة أعيانهم إلى واسط ، و لقيهم جيش ابن البريدي في الماء على الظهر ، فانهزموا إلى البصرة و أسروا من أعيانهم جماعة . ثم سار معز الدولة سنة ست و ثلاثين إلى البصرة و معه المطيع لاستنقاذها من يد أبي القاسم بن البريدي و سلكوا إلى البرية . فبعث القرامطة يعذلون في ذلك معز الدولة فكتب يهددهم . و لما قارب البصرة استأمنت إليه عساكر أبي القاسم ، و هرب هو إلى القرامطة فأجاروه ، و ملك معز الدولة البصرة . ثم سار منها إلى الأهواز لتلقي أخاه عماد الدولة ، و ترك المطيع و أبا جعفر الصهيري بالبصرة . و لقي أخاه بأرجان . ثم عاد إلى بغداد و المطيع معه و أراد السير إلى الموصل فأرسل إليه ناصر الدولة في الصلح و حمل المال فتركه . ثم انتفض سنة سبع و ثلاثين فسار إليه معز الدولة ، و ملك الموصل ، و لحق ناصر الدولة بنصيبين ، و أخذ معز الدولة في ظلم الرعايا و عسفهم . ثم بعث إليه أخوه ركن الدولة بأصبهان بأن عسكر خراسان قصدت جرجان و الري ، و استمده فاضطر معز الدولة إلى صلح ناصر الدولة عن الموصل و الجزيرة و ما ملكه سيف الدولة من الشام و دمشق و حلب على ثمانية آلاف ألف ألف درهم ، و يخطب لعماد الدولة و ركن الدولة و معز الدولة بني بويه ، فاستقر الصلح على ذلك و عاد إلى بغداد .

ابتداء أمر بني شاهين بالبطيحة
كان عمران بن شاهين من أهل الجامدة ، و حصلت عنده جبايات ، فهرب إلى البطيحة خوفاً من الحكام ، و أقام بين القصب و الآجام يقتات بصيد السمك و الطير و كشف سابلة البطيحة . و اجتمع عليه جماعة من الصيادين و اللصوص . ثم اشتد خوفه فاستأمن إلى أبي القاسم بن البريدي صاحب البصرة نقله جماعة الجامدة و نواحي البطائح . و جمع السلاح و اتخذ مقاتل على تلال البطيحة و غلب على نواحيها ، و سرح معز الدولة وزيره أبا جعفر الصهيري سنة ثمان و ثلاثين فقاتله و هرب و استأمن أهله و عياله . ثم جاء الخبر إلى معز الدولة بموت أخيه عماد الدولة بفارس ، و اضطراب أحواله بها . فكتب إلى الصهيري بالفرار إلى شيرزاد لإصلاح الأمور ، فسار إليها و عاد عمران بن شاهين إلى البطيحة ، و اجتمع إليه أصحابه و قوي أمره . و بعث معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره ، فأطال حصاره في مضايق البطيحة . ثم ناجزه الحرب فهزمه عمران و هرب عسكره ، و صار أصحابه يطلبون البذرقة و الخفارة من جند السلطان في السابلة ، و انقطع طريق البصرة إلا على الظهر . و كان الصهيري قد هلك و ولى مكانه المهلبي ، فكتب معز الدولة إلى المهلبي و هو بالبصرة ، فصعد إلى واسط و أمده بالقواد و السلاح ، و أطلق يده في الإنفاق . فزحف إلى البطيحة و ضيق على عمران فانتهى إلى مضايق خفية ، و أشار عليه روزبهان بمعالجة القوم ، و كتب إلى معز الدولة يشكو المطاولة من المهلبي ، فكتب إليه معز الدولة بالاستبطاء فبادر إلى المناجزة و توغل في تلك المضايق ، فانهزم و قتل من أصحابه و أسر و نجا هو سباحة في الماء ، و أسر عمران أكابر القواد حتى صالحه معز الدولة و قلده البطائح و أطلق له أهله على أن يطلق القواد الذين في أسره فأطلقهم .

موت الصهيري و وزارة المهلبي
كان أبو جعفر محمد بن أحمد الصهيري وزيراً لمعز الدولة ، و كان قد سار لقتال عمران و استخلف مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي ، فعرفت كفايته وإصلاحه و أمانته ، و توفي أبو جعفر الصهيري محاصراً لعمران ، فولى معز الدولة مكانه أبا محمد المهلبي ، فأحسن السيرة و أزال المظالم و خصوصاً عن البصرة فكان فيها شعب كثيرة من المظالم من أيام أبي البريدي ، و تنقل في البلاد لكشف المظالم و تخليص الحقوق ، فحسن أثره و نقم عليه معز الدولة بعض الأمور فنكبه سنة إحدى و أربعين و حبسه في داره و لم يعزله .

حصار البصرة
قد تقدم لنا أن القرامطة أنكروا على معز الدولة مسيره إلى البصرة على بلادهم ، و ذكرنا ما دار بينهم في ذلك . و لما علم يوسف بن وجيه استيحاشهم بعث إليهم يطمعهم في النصرة ، و استمدهم فأمدوه . و سار في البحر سنة إحدى و أربعين ، و بلغ الخبر إلى الوزير المهلبي ، و قد قدم من شأن الأهواز . فسار إلى البصرة و سبق إليها ابن وجيه و قاتله فهزمه و ظفر بمراكبه .

استيلاء معز الدولة على الموصل و عوده
قد تقدم لنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة . فلما كانت سنة سبع و أربعين أخرج حمل المال ، فسار معز الدولة إلى الموصل في جمادى و معه وزيره المهلبي ، فاستولى على الموصل و لحق ناصر الدولة بنصيبين و معه كتابه و جميع أصحابه ، و حاشيته ، و من يعرف وجوه المنافع ، و أنزلهم في قلعة كواشي و غيرها . و أمر الأعراب بقطع الميرة عن الموصل فضاقت الأبواب على عسكر معز الدولة ، فسار عن الموصل إلى نصيبين و استخلف عليها سبكتكين الحاجب الكبير ، و بلغه في طريقه أن أولاد ناصر الدولة بسنجار في عسكر ، فبعث عسكراً فكبسوهم و اشتغلوا بالنهب ، فعاد إليهم أولاد ناصر الدولة و هم غازون فاستلحموهم ، و سار ناصر الدولة عن نصيبين إلى ميافارقين . و رجع أصحابه إلى معز الدولة مستأمنين ، فسار هو إلى أخيه سيف الدولة بحلب فتلقاه و أكرمه و تراسلوه في الصلح على ألفي ألف درهم و تسعمائة ألف درهم ، و إطلاق من أسر بسنجار و أن يكون ذلك في ضمان سيف الدولة فتم بينهما ، و عاد معز الدولة إلى العراق في محرم سنة ثمان و أربعين .

بناء معز الدولة ببغداد
أصاب معزل الدولة سنة خمسين مرض أشفي منه حتى وصى ، و استوخم بغداد فارتحل إلى كلواذا ليسير إلى الأهواز ، و أسف أصحابه لمفارقة بغداد ، فأشاروا عليه أن يبني لسكناه في أعاليها . فبنى داراً أنفق عليها ألف ألف دينار ، و صادر فيها جماعة من الناس .

ظهور الكتابة على المساجد
كان الديلم كما تقدم لنا شيعة لإسلامهم على يد الأطروش ، و قد ذكرنا ما منع بقي بويه من تحويل الخلافة على العباسية إليهم . فلما كان سنة إحدى و خمسين و ثلثمائة أصبح مكتوباً على باب الجامع ببغداد : لعن صريح في معاوية و من غصب فاطمة فدك ، و من منع من دفن الحسن عند جده و من نفى أباذر ، و من أخرج العباس من الشورى ، و نسب ذلك إلى معز الدولة . ثم محى من الليلة القابلة ، فأراد معز الدولة إعادته ، فأشار المهلبي بأن يكتب مكان المحو : لعن معاوية فقط و الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه و سلم . و في ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنة أمر الناس بإظهار الزينة و الفرح لعبد العزيز من أعيان الشيعة . و في السنة بعدها أمر الناس في يوم عاشوراء أن يغلقوا دكاكينهم و يقعدوا عن البيع و الشراء و يلبسوا المسوح ، و يعلنوا بالنياحة ، و تخرج النساء مسبلات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن و لطمن خدودهن حزناً على الحسين ، ففعل الناس ذلك . و لم يقدر أهل السنة على منعه لأن السلطان للشيعة و أعيد ذلك سنة ثلاث و خمسين فوقعت فتنة بين أهل السنة و الشيعة و نهب الأموال .

استيلاء معز الدولة على عمان و حصاره البطائح
انحدر معز الدولة سنة خمس و خمسين إلى واسط لقتال عمران بن شاهين بالبطائح فأنفذ الجيش من هنالك مع أبي الفضل العباس بن الحسن ، و سار إلى الأبلة فأنفذ الجيش إلى عمان ، و كان القرامطة قد استولوا عليها و هرب عنها صاحبها نافع ، و بقي أمرها فوضى ، فاتفق قاضيها و أهل البلد أن ينصبوا عليهم رجلاً منهم فنصبوه ، ثم قتله بعضهم فولوا آخر من قرابة القاضي يعرف بعبد الرحمن بن أحمد بن مروان ، و استكتب علي بن أحمد الذي كان وصل مع القرامطة كاتباً ، و حضر وقت العطاء ، فاختلف الزنج و البيض في الرضا بالمساواة و بعدمها و اقتتلوا ، فغلب الزنج و أخرجوا عبد الوهاب و استقر علي بن أحمد أميراً . فلما جاء معز الدولة إلى واسط هذه السنة ، قدم عليه نافع الأسود صاحب عمان مستنجداً به ، فانحدر به من الأبلة ، و جهز له المراكب لحمل العساكر ، و عليهم أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس و هي مائة قطعة ، فساروا إلى عمان و ملكوها تاسع ذي الحجة من سنة خمس و خمسين ، و قتلوا من أهلها و أحرقوا مراكبها ، و كانت تسعة و ثمانين ، و عاد معز الدولة إلى واسط ، و حاصر عمران ، و أقام هنالك فاعتل و صالح عمران و انصرف عنه .

وفاة الوزير المهلبي
سار الوزير المهلبي في جمادى سنة اثنتين و خمسين إلى عمان ليفتحها فاعتل في طريقه و رجع إلى بغداد فمات في شعبان قبل وصوله ، و حمل فدفن بها لثلاث عشرة سنة و ثلاثة أشهر من وزارته . و قبض معز الدولة أمواله و ذخائره و صارت إليه و حواشيه ، و نظر في الأمور بعده أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي و أبو الفرج محمد بن العباس بن فساغس و لم يلقب أحد منهما بوزارة .

وفاة معز الدولة و ولاية ابنه بختيار
و لما رجع معز الدولة إلى بغداد اشتد مرضه فعهد بالسلطنة إلى ابنه عز الدولة ، و تصدق و أعتق . و توفي في ربيع من سنة ست و خمسين لاثنتين و عشرين سنة من سلطنته ، و ولى ابنه عز الدولة بختيار و قد كان أوصاه بطاعة عمه ركن الدولة ، و بطاعة ابنه عضد الدولة ، لأنه كان أكبر سناً ، و أخبر بالسياسة و وصاه بحاجبه سبكتكين و بكاتبيه أبي الفضل العباس و أبي الفرج ، فخالف وصاياه و عكف على اللهو و أوحش هؤلاء ، و نفى كبار الديلم شرها في أقطاعاتهم . و شغب عليه الأصاعد فذاداهم و اقتدى بهم الأتراك ، و جاء أبو الفرج محمد بن العباس من عمان بعد أن سلمها إلى نواب عضد الدولة الذين كانوا في أمداده ، و خشي أن يؤمر بالمقام بها و ينفرد أبو الفضل صاحبه بالوزارة ببغداد ، فكان كما ظن . ثم انتقض بالبصرة حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار سنة ست و خمسين ، فبعث الوزير أبو الفضل العباس فسار مورياً بالأهواز و نزل واسط و كتب إلى حبشي بأنه جاء ليسلمه البصرة و طلب منه المعونة على أمره فأنفذ إليه مائتي ألف درهم و أرسل الوزير خلال ذلك إلى عسكر الأهواز أن يوافوه بالأبلة لموعد ضربه لهم ، فوافوه و كبسوا حبشياً بالبصرة و حبسوه برامهرمز و نهبوا أمواله ، و كان من جملة ما أخذ له عشرة آلاف مجلد من الكتب و بعث ركن الدولة بتخليص حبشي ابن أخيه و جعله عند عضد الدولة فأقطعه إلى أن مات سنة سبع و ستين .

عزل أبي الفضل و وزارة ابن بقية
لما ولى أبو الفضل وزارة بختيار كثر ظلمه و عسفه ، و كان محمد بن بقية من حاشية بختيار ، و كان يتولى له المطبخ . فلما كثر شغب الناس من أبي الفضل عزله بختيار سنة اثنتين و ستين و ولى مكانه محمد بن بقية ، فانتشر الظلم أكثر ، و خربت النواحي و ظهرت العيارون و وقعت الفتن بين الأتراك و بختيار ، فأصلح ابن بقية بينهم و ركب سبكتكين بالأتراك إلى بختيار ، ثم أفسد بينهم و تحرك الديلم على سبكتكين و أصحابه فأرضاهم بختيار بالمال و رجعوا عن ذلك . كان ناصر الدولة بن حمدان قد قبض عليه ابنه أبو ثعلب و حبسه سنة ست و خمسين و طمع في المسير إلى بغداد ، و جاء أخوه حمدان و إبراهيم فارغين إلى بختيار و مستنجدين به فشغل عنهما بما كان فيه من شأن البطيحة و عمان ، حتى إذا قضى وطره من ذلك و عزل أبا الفضل الوزير و استوزر ابن بقية حمله على ذلك و أغراه به ، فسار إلى الموصل و نزلها في ربيع الآخر وسنة ثلاث و ستين ، و لحق أبو ثعلب بسنجار بأصحابه و كتابه و دواوينه . ثم سار إلى بغداد و بعث بختيار في أثره الوزير ابن بقية و سبكتكين فدخل ابن بقية بغداد و أقام سبكتكين يحاربه في ظاهرها ، و وقعت الفتنة داخل بغداد في الجانب الغربي بين أهل السنة و الشيعة . و اتفق سبكتكين و أبو ثعلب على أن يقبضا على الخليفة و الوزير و أهل بختيار ، و يعود سبكتكين إلى بغداد مستولياً و أبو ثعلب إلى الموصل . ثم أقصر سبكتكين عن ذلك و توقف ، و جاءه الوزير ابن بقية و أرسلوه إلى أبي ثعلب في الصلح . و أن يضمن البلاد و برد على أخيه حمدان أقطاعه و أملاكه إلا ماردين ، و عاد أبو ثعلب إلى الموصل و رجل بختيار ، و سار سبكتكين للقائه و اجتمع بختيار و أبو ثعلب على الموصل ، و طلب أبو ثعلب زوجته ابنة بختيار و أن يحط عنه من الضمان و يلقب لقباً سطانياً فأجيب إلى ذلك خشية منه ، و رحل بختيار إلى بغداد ، و سر أهل الموصل برحيله لما نالهم منه ، و بلغه في طريقه أن أبا ثعلب قتل قوماً من أصحابه ، وكانوا استأمنوا البختيار و زحفوا لنقل أهلهم و أموالهم فاشتد ذلك عليه ، و كتب إلى الوزير أبي طاهر بن بقية و الحاجب ابن سبكتكين يستقدمهما في العساكر ، فجاؤا و عادوا إلى الموصل ، و عزم على طلبه حيث سار . فأرسل أبو ثعلب في الصلح ، و جاء الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي و حلف على العلم في قتل أولئك المستأمنة ، و عاد الصلح و الاتفاق كما كان ، و رجع بختيار إلى بغداد و بعث ابنته إلى زوجها أبي ثعلب .

الفتنة بين بختيار و سبكتكين و الأتراك
كان بختيار قد قلت عنده الأموال و كثرت مطالب الجند و شغبهم ، فكان يحاول على جمع الأموال فتوجه إلى الموصل لذلك ، ثم رجع فتوجه إلى الأهواز ليجدد ريعه إلى مصادرة عاملها ، و تخلف عنه سبكتكين و الأتراك الذين معه ، و وقعت فتنة بين الأتراك و الديلم بالأهواز و اقتتلوا ولج الأتراك في طلب ثأرهم ، و أشار عليه أصحاب الديلم بقبض رؤساء الأتراك و قوادهم ففعل ، و كان من جملتهم عامل الأهواز و كاتبه ، و نهبت أموالهم و بيوتهم ، و نودي في البلد باستباحتهم ، و بلغ الخبر إلى سبكتكين و هو ببغداد فنقض طاعة بختيار و ركب في الأتراك و حاصر داره يومين و أحرقها و أخذ أخويه و أمهما فبعثهم إلى واسط في ذي القعدة سنة ثلاث و ستين ، و انحدر المطيع معهم فرده و ترك الأتراك في دور الديلم و نهبوها و ثارت العامة مع سبكتكين لأن الديلم كانوا شيعة و سفكت الدماء و أحرق الكرخ و ظهر أهل السنة .

خلع المطيع و ولاية الطائع
كان المطيع قد أصابه الفالج و عجز عن الحركة و كان يتستر به و انكشف حاله بسبكتكين في هذه الواقعة ، فدعاه إلى أن يخلع نفسه و يسلم الخلافة عبد الكريم ففعل ذلك منتصف ذي القعدة سنة ثلاث و ستين لست و عشرين سنة و نصف من خلافته ، و بويع ابنه عبد الكريم و لقب الطائع .

الصوائف
و عادت الصوائف منذ استبد ناصر الدولة بن حمدان بالموصل و أعمالها ، و ملك سيف الدولة أخوه مدينتي حلب و حمص سنة ثلاث و ثلاثين ، فصار أمر الطوائف إليه فنذكرها في أخبار دولتهم . فقد كان لسيف الدولة فيها آثار و كان للروم في أيامه جولات حسنت فيها مدافعته . و أما الولايات فانقطعت منذ استيلاء معز الدولة على العراق ، و انقسمت الدولة الإسلامية دولاً نذكر ولايات كل منها في أخبارها عند انفرادها على ما شرطناه .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:41 pm

فتنة سبكتكين و موته و إمارة افتكين
لما وقع بختيار في الأتراك بالأهواز ما وقع و انتقض سبكتكين ببغداد عمد بختيار إلى من حبسه من الأتراك فأطلقهم ، و ولى منهم على الأتراك زادويه الذي كان عامل الأهواز ، و سار إلى واسط للقائه و أخويه ، و كتب إلى عمه ركن الدولة و ابن عمه عضد الدولة يستنجدهما ، و إلى أبي ثعلب بن حمدان في المدد بنفسه ، و يسقط عنه مال الأقطاع ، و إلى عمران بن شاهين بالبطيحة كذلك ، فجهز إليه عمه ركن الدولة العسكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد ، و كتب إلى ابن عمه عضد الدولة بالمسير معه فتثاقل و تربص بختيار طمعاً في ملك العراق . و أما عمران بن شاهين فدافع و اعتذر بأن عسكره لا يفتكون في الديلم لما كان بينهم ، و أما أبو ثعلب فبعث أخاه أبا عبد الله الحسين في عسكر إلى تكريت . فلما سار الأتراك عن بغداد إلى واسط لقتال بختيار و جاء هو إليها ليقيم الحجة في سقوط الأقطاع عنه ، و وجد الفتنة حامية بين العيارين فكف القسامة و انتظر ما يقع ببختيار فيدخل بغداد و يملكها . و لما سار الأتراك إلى واسط حملوا معهم خليفتهم الطائع لله و أباه المطيع المخلوع ، و انتهوا إلى دير العاقول فهلك المطيع و سبكتكين معاً ، و ولى الأتراك عليهم أفتكين من أكابر قوادهم و مولى معز الدولة ، فانتظم أمرهم و ساروا إلى واسط و حاصروا بها بختيار خمسين يوماً حتى اشتد عليه الحصار و هو يستحث عضد الدولة .

نكبة بختيار على يد عضد الدولة ثم عوده إلى ملكه
لما تتابعت كتب بختيار إلى عضد الدولة باستحثاثه سار في عساكر فارس ، و جاءه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه إلى الأهواز في عساكر الري و ساروا إلى واسط ، و أجفل عنها أفتكين و الأتراك إلى بغداد و رجع أبو ثعلب إلى الموصل . و لما جاء عضد الدولة إلى واسط سار إلى بغداد في الجانب الشرقي ، و سار بختيار في الجانب الغربي و حاصروا الأتراك ببغداد من جميع الجهات . و أرسل بختيار إلى ضبة بن محمد الأسدي من أهل عين النمر و إلى أبي سنان و أبي ثعلب بن حمدان بقطع الميرة و الإغارة على النواحي فغلا السعر ببغداد و ثار العيارون و وقع النهب ، و كبس أفتكين المنازل في طلب الطعام فعظم الهرج ، و خرج أفتكين و الأتراك للحرب فلقيهم عضد الدولة فهزمهم و قتل أكثرهم و استباحهم ، و لحقوا بتكريت و حملوا الخليفة معهم ، و دخل عضد الدولة إلى بغداد في جمادى سنة أربع و ستين . و حاول في رد الخليفة الطائع فرده و أنزله بداره و ركب للقائه الماء في يوم مشهود . ثم وضع الجند على بختيار فشغبوا عليه في طلب أرزاقهم و أشار عليه بالغلظة عليهم ، و الاستعفاء من الإمارة ، و أنه عند ذلك يتوسط في الإصلاح فأظهر بختيار التخلي ، و صرف الكتاب و الحجاب ثقة بعضد الدولة ، و تردد السفراء بينهم ثلاثاً ثم قبض عضد الدولة على بختيار و إخوته و وكل بهم ، و جمع الناس و أعلمهم بعجز بختيار و وعدهم بحسن النظر و قام بواجبات الخلافة . و كان المرزبان بن بختيار أميراً بالبصرة فامتنع فيها على عضد الدولة ، و كتب إلى ركن الدولة يشكو ما جرى على أبيه بختيار من ابنه عضد الدولة و وزيره ابن العميد ، فأصابه من ذلك المقيم المقعد حتى لقد طرقه المرض الذي لم يستقل منه . وكان ابن بقية وزير بختيار قد سار إلى عضد الدولة و ضمنه واسط و أعمالها فانتقض عليه بها ، و داخل عمران بن شاهين في الخلافة فأجابه ، و كتب إلى مهل بن بشر وزير أفتكين بالأهواز و قد كان عضد الدولة ضمنه إياها و بعثه إليها مع جيش بختيار فاستماله ابن بقية ، وخرجت إليه جيوش عضد الدولة فهزمهم ، و كاتب أباه ركن الدولة بالأحوال ، و أوعز ركن الدولة إليه وإلى المرزبان بالبصرة على المسير بالعراق لإعادة بختيار . و اضطربت النواحي على عضد الدولة لإنكار أبيه ، و انقطع عن مدد فارس و طمع فيه الأعداء ، فبعث أبا الفتح بن العميد إلى أبيه يعتذر عما وقع ، و أن بختيار عجز و لايقدر على المملكة و أنه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم ، و يبعث بختيار و إخوته إليه لينزله بأي الأعمال أحب ، و يخير أباه في نزوله العراق لتدبير الخلافة و يعود هو إلى فارس ، و تهدد أباه بقتل بختيار و إخوته و جميع شيعهم إن لم يوافق على واحدة من هذه . فخاف ابن العميد غائلة هذه الرسالة و أشار بإرسال غيره و أن يمضي هو بعدها كالمصلح فبعث عضد الدولة غيره . فلما ألقى الرسالة غضب ركن الدولة و وثب إلى الرسول ليقتله ، ثم رده بعد أن سكن غضبه ، و حمله إلى عضد الدولة من الشتم و التقريع على ما فعله و على ما يطلب منه من كل صعب من القول . و جاء ابن العميد على أثر ذلك فحجبه و تهدده ، ثم لم يزل يسترضيه بجهده و اعتذر بأن قبوله لهذه الرسالة حيلة على الوصول إليه و الخلاص من عضد الدولة ، و ضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس و تقرير بختيار بالعراق ، فأجاب عضد الدولة إلى ذلك و أفرج عن بختيار و رده إلى السلطنة على أن يكون نائباً عنه و يخطب عنه ، و يجعل أخاه أبا إسحق أمير الجيش لعجز بختيار ، و رد عليهم ما أخذ لهم و سار إلى فارس و أمر ابن العميد أن يلحق به بعد ثلاث فتشاغل مع بختيار باللذات و وعده أن يصير إلى وزارته بعد ركن الدولة . و أرسل بختيار عن ابن بقية فقام بأمر الدولة و احتجن الأموال فإذا طولب بها دس للجند فشغبوا حتى تنكر له بختيار و استوحش هو .

خبر أفتكين
و لما انهزم أفتكين من عضد الدولة بالمدائن لحق بالشام و نزل قريباً من حمص ، و قصد ظالم بن موهوب أمير بني عقيل العلوية بالشام فلم يتمكن منه ، و سار أفتكين إلى دمشق و أميرها ريان خادم المعز لدين الله العلوي و قد غلب عليه الأحداث فخرج إليه مشيخة البلد و سألوه أن يملكهم و يكف عنهم سر الأحداث و ظلم العمال ، و اعتقاد الرافضة فاستحلفهم على ذلك و دخل دمشق و خطب فيها للطائع في شعبان سنة أربع و ستين . و رجع أيدي العرب من ضواحيها و فتك فيهم و كثرت جموعه و أمواله و كاتب المعز بمصر يداريه بالإنقياد ، فكتب يشكره و يستدعيه ليوليه من جهته ، فلم يثق إليه فتجهز لقصده ، و مات في طريقه سنة خمس و ستين كما نذكر بقية خبره في دولتهم .

ملك عضد الدولة بغداد و قتل بختيار
و لما انصرف عضد الدولة إلى فارس كما ذكرناه أقام بها قليلاً ثم مات أبوه ركن الدولة سنة ست و ستين بعد أن رضي عنه و عهد له بالملك كما نذكره في خبره . فلما مات شرع بختيار و وزيره ابن بقية في استمالة أهل أعماله مثل أخيه فخر الدولة و حسنويه الكردي و طلب ابن حمدان و عمران بن شاهين في عدوانه فسار عضد الدولة لطلب العراق و استمد حسنويه و ابن حمدان فواعداه و لم يبعداه فسار إلى الأهواز ، ثم سار إلى بغداد ، ولقيه بختيار فهزمه عضد الدولة و استولى على أمواله و أثقاله و لحق بواسط ، و حمل إليه ابن شاهين أموالاً و هدايا و دخل إليه مؤكداً للاستجارة به . ثم صعد إلى واسط ، و بعث عضد الدولة عسكراً إلى البصرة فملكوها ، و كانت مصر شيعة له دون ربيعة . و جمع بختيار ما كان له ببغداد والبصرة في واسط و قبض على ابن بقية و أرسل عضد الدولة في الصلح و اختلفت الرسائل ، و جاءه عبد الرزاق و بدر ابنا حسنويه في ألف فارس مدداً فانتقض و سار إلى بغداد و سار عضد الدولة إلى واسط ثم إلى البصرة فأصلح بين ربيعة و مضر بعد اختلافهم مائة و عشرين سنة . ثم دخلت سنة سبع و ستين فقبض عضد الدولة على أبي الفتح بن العميدي وزير أبيه و جدع أنفه و سمل إحدى عينيه لما بلغه عنه في مقامه بالفرات عند بختيار . و لما اطلع عليه من مكاتبته إياه فبعث إلى أخيه فخر الدولة بالري بالقبض عليه و على أهله فقبض عليه و أخذ داره بما فيها . ثم سار عضد الدولة إلى بغداد سنة سبع و ستين ، و بعث إلى بختيار بخيره في الأعمال فأجاب إلى طاعته ، و أمره بانفاذ ابن بقية إليه ففقأ عينيه و أنفذه ، و خرج عن بغداد بقصد الشام ، ودخل عضد الدولة بغداد و خطب له بها و ضرب على بابه ثلاث توتات و لم يكن شيء من ذلك لمن قبله ، و أمر بابن بقية فرمى بين الفيلة فقتلته . و لما سار بختيار إلى الشام و معه حمدان أخو أبي ثعلب و انتهوا إلى عكبرا أحسن له حمدان و قصد الموصل . و كان عضد الدولة قد استحلفه أن لا يدخل ولاية أبي ثعلب فنكث و قصدها ، و جاءته رسل أبي ثعلب بتكريت في إسلام أخيه حمدان إليه فيمده بنفسه ، و بعيده إلى ملكه فقبض على حمدان و بعثه مع نوابه فحبسه و سار أبو ثعلب إليه في عشرين ألف مقاتل ، و زحفوا إلى بغداد و لقيهما عضد الدولة فهزمهما و أمر ببختيار فقتل صبراً في عدة من أصحابه لإحدى عشرة سنة من ملكه .

استيلاء عضد الدولة على ملك بني حمدان
ثم سار عضد الدولة بعد الهزيمة و مقتل بختيار إلى الموصل فملكها منتصف ذي القعدة من سنة سبع و ستين ، و كان حمل معه الميرة و العلوفات فأقام في رغد ، و بث السراة في طلب أبي ثعلب ، و راسله في ضمان البلاد على عادته فلم يجبه ، فسار إلى نصيبين و معه المرزبان بن بختيار و أبو إسحق و طاهر أخو بختيار و أمهم ، فبعث عضد الدولة عسكراً إلى جزيرة ابن عمر مع حاجبه أبي عمر لحرب طغان ، و عسكراً إلى نصيبين مع أبي الوفاء طاهر بن محمد ففارقها أبو ثعلب إلى ميافارقين و ابتعه أبو الوفاء إليها فامتنعت عليه . و لحق أبو ثعلب بأردن الروم ثم بالحسنية من أعمال الجزيرة ، و تتبع أبو ثعلب قلاعه و أخذ أمواله في كواشي و غيرها ، و عاد إلى ميافارقين . ثم سار عضد الدولة إليه بنفسه و استأمن إليه كثير من أصحابه ، و رجع إلى الموصل و بعث العسكر في اتباعه فدخل بلاده فصاهره ورد الرومي المملك عليهم في غير بيت الملك ليستعين به على أمره ، و اتبعه عسكر عضد الدولة فهزمهم و نجا إلى بلاد الروم لمساعدة ورد على شأنه لما يؤمل من نصرته إياه . و اتفق أن ورداً انهزم فيئس منه أبو ثعلب و عاد إلى بلاد الإسلام و نزل بآمد شهرين ، حتى فتح عضد الدولة جميع بلاده كما يذكر في أخبار دولتهم ، و استخلف أبا الوفاء على الموصل و عاد إلى بغداد و انقطع ملك بني حمدان عن الموصل حيناً من الدهر .

وفاة عضد الدولة و ولاية ابنه صمصام الدولة
ثم توفي عضد الدولة في شوال سنة اثنتين و سبعين لخمس سنين و نصف من ملكه ، و اجتمع القواد و الأمراء عل ولاية ابنه كاليجار المرزبان و بايعوه و لقبوه صمصام الدولة . و جاءه الطائع معزياً في أبيه ، و بعث أخويه أبا الحسين أحمد و أبا طاهر فيروز شاه فانتفض أخوهم شرف الدولة بكرمان في فارس ، وسبق إليها أخويه و ملكها و أقاما بالأهواز ، و قطع خطبة صمصام الدولة أخيه و خطب لنفسه ، و تلقب تاج الدولة . و بعث إليه صمام الدولة عسكراً صحبة علي بن دنقش حاجب أبيه ، و بعث شرف الدولة عسكره مع الأمير أبي الأغر دفليس بن عفيف الأسدي ، و التقيا عند قرقوب ، فانهزم ابن دنقش في ربيع سنة ثلاث و سبعين و أسر و استولى أبو الحسن على الأهواز و رامهرمز ، و طمع في الملك . ثم إن أسفار بن كردويه من أكابر الديلم قام بدعوة شرف الدولة ببغداد سنة خمس و سبعين ، و استمال كثيراً من العسكر ، و اتفقوا على ولاية أبي نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:42 pm

شرف الدولة ، و راسلهم صمصام الدولة في الرجوع عن ذلك فلم يزدهم إلا تمادياً . و أجابه فولاد بن مابدرار أنفة من متابعة أسفار و قاتله فهزمه . و أخذ أبا مضل أسيراً و أحضره عند أخيه صمصام الدولة ، و اتهم وزيره ابن سعدان بمداخلتهم فقتله ، و مضى أسفار إلى أبي الحسين بن عضد الدولة و باقي الديلم إلى شرف الدولة . و سار شرف الدولة إلى الأهواز فملكها من يد أخيه الحسين . ثم ملك البصرة من يد أخيه أبي طاهر و راسله صمصام الدولة في الصلح فاتفقوا على الخطبة لشرف الدولة بالعراق ، و بعث إليه بالخلع و الألقاب من الطائع .

نكبة صمصام الدولة و ولاية أخيه شرف الدولة
لما ملك شرف الدولة من يد أخيه أبي طاهر سار إلى واسط فملكها ، و عمد صمصام الدولة إلى أخيه أبي نصر و كان محبوساً عنده فأطلقه و بعثه إلى أخيه شرف الدولة بواسط يستعطفه به ، فلم يلتفت إليه ، و جزع صمصام الدولة و استشار أصحابه في طاعة أخيه شرف الدولة فخوفوه عاقبته ، و أشار بعضهم بالصعود إلى عكبراً ثم منها إلى الموصل و بلاد الجبل حتى يحدث من أمر الله في فتنة بين الأتراك و الديلم أو غير ذلك ما يسهل العود ، و أشار بعضهم بمكاتبة عمه فخر الدولة و المسير على طريق أصبهان فيخالف شرف الدولة إلى فارس فربما يقع الصلح على ذلك . فأعرض صمصام الدولة عن ذلك كله و ركب البحر إلى أخيه شرف الدولة فتلقاه و أكرمه . ثم قبض عليه لأربع سنين من إمارته ، و سار إلى بغداد في شهر رمضان من سنة ست و سبعين فوصلها و أخوه صمصام الدولة في اعتقاله . و استفحل ملكه و استطال الديلم على الأتراك بكثرتهم فإنهم بلغوا خمسة عشر ألفاً ، و الأتراك ثلاثة آلاف . ثم كثرت المنازعات بينهم و عض الديلم و قتلوا منهم و غنموا أموالهم و سار بعضهم فذهب في الأرض ، و دخل الآخرون مع شرف الدولة إلى بغداد ، و خرج الطائع لتلقيه و هنأه و أصلح شرف الدولة بين الفريقين ، و بعث صمصام الدولة إلى فارس فاعتقل بها و استوزر شرف الدولة أبا منصور بن صالحان .

ابتداء دولة باد و بني مروان بالموصل
قد تقدم لنا أن عضد الدولة استولى على ملك بني حمدان بالموصل سنة سبع و ستين ، ثم استولى على ميافارقين و آمد و سائر ديار بكر من أعمالهم ، و على ديار مضر أيضاً من أعمالهم سنة ثمان و ستين و ولى عليها أبا الوفاء من قواده ، وذهب ملك بني حمدان من هذه النواحي و كان في ثغور ديار بكر جماعة من الأكراد الحميدية مقدمهم أبو عبد الله الحسين بن دوشتك ، و لقبه باد و كان كثير الغزو بتلك البلاد و إخافة سبلها . و قال ابن الأثير حدثني بعض أصدقائنا من الأكراد الحميدية أن اسمه باد و كنيته أبو شجاع و أن الحسين هو أخوه و أن أول أمره أنه ملك أرجيش من بلاد أرمينية فقوي . و لما ملك عضد الدولة الموصل حضر عنده و هم بقبضه ، ثم سأل عنه فافتقده و كف عن طلبه . فلما مات عضد الدولة استفحل أمره و استولى على ميافارقين ، و كثير من ديار بكر ، ثم على نصيبين . و قال ابن الأثير : سار من أرمينية إلى ديار بكر فملك ثم ميافارقين ، و بعث صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمهم و أسر جماعة منهم ، فبعث عساكر أخرى مع أبي القاسم سعيد بن الحاجب فلقيهم في بلد كواشى و هزمهم ، و قتل منهم و أسر ، ثم قتل الأسرى صبراً . و نجا سعيد إلى الموصل و باد في اتباعه فثاربه أهل الموصل نفوراً من سوء سيرة الديلم فهرب منها و دخل باد و ملك الموصل . و حدث نفسه بالمسير إلى صمصام الدولة ببغداد و انتزاع بغداد من يد الديلم و احتفل فيه و لقيهم باد في صفر من سنة أربع و سبعين فهزموه و ملكوا الموصل ، و لحق باد بديار بكر و جمع عليه عساكر . و كان بنو سيف الدولة بن حمدان بحلب قد ملكها معهم سعد الدولة ابنه بعد مهلكه ، فبعث إليه صمصام الدولة أن يكفيه أمر باد على أن يسلم إليه ديار بكر ، فبعث سعد الدولة إليه جيشاً فلم يكن لهم طاقة ، و زحفوا إلى حلب فبعث سعد الدولة من اغتاله في مرقده بخيمته من البادية و ضربه فاعتل و أشفى على الموت ، و بعث إلى سعد و زياد الأميرين بالموصل فصالحهما على أن تكون ديار بكر و النصف من طور عبدين لباد ، و رجع زياد إلى بغداد و هو الذي جاء بعساكر الديلم و انهزم باد أمامه . ثم توفي سعد الحاجب بالموصل سنة سبع و تسعين فتجدد لباد الطمع في ملكها ، و بعث شرف الدولة على الموصل أبا نصر خواشاذه فدخل الموصل و استمد العساكر و الأموال فأبطأت عنه فدعا العرب من بني عقيل و بني نمير و أقطعهم البلاد ليدافعوا عنها . و استولى باد على طور عبدين و أقام بالجبل ، وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فانهزم و قتل . و بينما خواشاذه يتجهز لقتال باد جاءه الجند بموت شرف الدولة . ثم جاء أبو إبراهيم و أبو الحسين ابنا ناصر الدولة بن حمدان أميرين على الموصل من قبل بهاء الدولة ، و بقيت في ملكهما إلى سنة إحدى و ثمانين ، فبعث بهاء الدولة عسكراً مع أبي جعفر الحجاج بن هرمز فمكلها ، و زحف إليه أبو الرواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل فقاتله و بالغ في مدافعته و استمد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير أبا القاسم علي بن أحمد و سار أول سنة اثنتين و ثمانين و كتب إلى أبي جعفر بالقبض عليه بسعاية ابن المعلم ، و شعر الوزير بذلك فصالح أبا الرواد و رجع و وجد بهاء الدولة قد قبض على ابن المعلم و قتله .

وفاة شرف الدولة و ملك بهاء الدولة
ثم توفي شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك بن عضد الدولة في جمادى سنة تسع و سبعين لسنتين و ثمانية أشهر من إمارته و دفن بمشهد على بعد أن طالت علته بالإستسقاء ، و بعث و هو عليل إلى أخيه صمصام الدولة بفارس فشمله ، و بعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس و معه الخزائن و العدد و جملة من الأتراك . و سئل شرف الدولة في العهد فملكه و أبى أن يعهد و استخلف أخاه بهاء الدولة لحفظ الأمور في حياته . فلما مات قعد في المملكة و جاء الطائع للعزاء و خلع عليه للسلطنة فأقر أبا منصور بن صالحان على وزارته ، و بعث أبا طاهر إبراهيم و أبا عبد الله الحسين ابني ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل ، و كان في خدمته شرف الدولة فاستأذنا بهاء الدولة بعد موته في الإصعاد إلى الموصل فأذن لهما . ثم ندم على ما فرط في أمرهما و كتب إلى خواشاذه بمدافعتهما فامتنعا و جاآ و نزلا بظاهر الموصل . و ثار أهل الموصل بالديلم و الأتراك و خرجوا إلى بني حمدان ، و قاتلوا الديلم فهزموهم ، و قتل الديلم كثيراً منهم و اعتصم الباقون بدار الإمارة فأخرجوهم على الأمان و لحقوا ببغداد ، و ملك بنو حمدان الموصل . و كان أبو علي بن شرف الدولة لما انصرف إلى فارس بلغه موت ابنه بالبصرة ، فبعث العيال و الأموال في البحر إلى أرجان و سار هو إليها . ثم سار إلى شيراز فوافاه بها عمه صمصام الدولة و أخوه أبو طاهر قد أطلقهما الموكلون بهما و معهما قولاد ، و جاؤا إلى شيراز ، و اجتمع عليهم الديلم و خرج أبو علي إلى الأتراك فاجتمعوا عليه ، و قاتل صمصام الدولة و الديلم أياماً . ثم سار إلى نسا فملكها و قتل الديلم بها . ثم سار إلى أرجان و بعث الأتراك إلى شيراز لقتال صمصام الدولة فنهبوا البلد و عادوا إليه بأرجان . ثم بعث بهاء الدولة إلى علي ابن أخيه يستقدمه ، و استمال الأتراك سراً فحملوا أبا علي على المسير إليه فسار في جمادى سنة ثمانين فأكرمه ثم قبض عليه و قتله . ثم وقعت الفتنة ببغداد بين الأتراك و الديلم و اقتتلوا خمسة أيام . ثم راسلهم بهاء الدولة في الصلح فلم يجيبوا و قتلوا رسله فظاهر الأتراك عليهم فغلبوهم ، و اشتدت شوكة الأتراك من يومئذ و ضعف أمر الديلم و صالح بينهم على ذلك و قبض على بعض الديلم و افترقوا .

خروج القادر إلى البطيحة
كان إسحق بن المقتدر لما توفي ترك ابنه أبا العباس أحمد الذي لقب بالقادر ، فجرت بينه و بين أخت له منازعة في ضيعة ، و مرض الطائع مرضاً مخوفا ثم أبل فسعت تلك الأخت بأخيها ، و أنه طلب الخلافة في مرض الطائع فأنفذ أبا الحسين بن حاجب النعمان في جماعة للقبض عليه ، و كان بالحريم الظاهري فغلبهم النساء عليه ، و خرج من داره متستراً ثم لحق بالبطيحة و نزل على مهذب الدولة فبالغ في خدمته إلى أن أتاه بشير الخلافة .

فتنة صمصام الدولة
لما تغلب صمصام الدولة على بلاد فارس و جاء أبو علي شرف الدولة إلى عمه بهاء الدولة فقتله كما ذكرنا ، سار بهاء الدولة من بغداد إلى خوزستان سنة ثمانين و ثلثمائة قاصداً بلاد فارس . و استخلف أبا نصر خواشاذه على بغداد ، و لما بلغ خوزستان أتاه نعي أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء به . ثم سار إلى أرجان فملكها و أخذ ما فيها من الأموال و كان ألف ألف دينار و ثمانية آلاف درهم ، و كثيراً من الثياب و الجواهر ، و شغب الجند لذلك فأطلق تلك الأموال كلها لهم ، ثم سارت مقدمته و عليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبندجان ، و بها عسكر صمصام الدولة فانهزموا و ثبت أبو العلاء بن الفضل في نواحي فارس . ثم بعث صمصام الدولة عسكره و عليهم قولاد بن مابدان فهزموا أبا العلاء و عاد إلى أرجان ، و جاءه صمصام الدولة من شيراز إلى قولاد ، ثم وقع الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس و أرجان و لبهاء الدولة خوزستان و ما وراءها من ملك العراق ، و أن يكون لكل واحد منهما أقطاع في بلد صاحبه ، و تعاقدا على ذلك ، و رجع بهاء الدولة إلى بغداد فوجد الفتنة بين أهل السنة و الشيعة بجانب بغداد ، و قد كثر القتل و النهب و التخريب فأصلح ذلك . و كان قبل سيره إلى خوزستان قبض على وزيره أبي منصور بن صالحان ، و استوزر أبا نصر سابور بن أردشير ، و كان الحكم و التدبير في دولته لأبي الحسين بن المعلم .


خلع الطائع و بيعة القادر
ثم إن بهاء الدولة قلت عنده الأموال و كثر شغب الجند و مطالباتهم ، و قبض على وزيره سابور فلم يغن عنه ، و امتدت عيناه إلى أموال الطائع و هم بالقبض عليه ، و حسن له ذلك أبو الحسين بن المعلم الغالب على هواه فتقدم إلى الطائع بالجيوش لحضوره في خدمته فجلس و جلس بهاء الدولة على كرسي ، ثم جاء بعض الديلم يقبل يد الطائع فجذ به عن سريره و أخرجه ، و نهب قصور الخلافة و فشا النهب في الناس ، و حمل الطائع إلى دار بهاء الدولة فأشهد عليه بالخلع سنة إحدى و ثمانين لسبع عشرة سنة و ثمانية أشهر من خلافته . و أرسل بهاء الدولة خواض أصحابه إلى البطيحة ليحضروا القادر بالله أبا العباس أحمد بن إسحق بن المقتدر ليبايعوه ، فجاؤا به بعد أن بايع مهذب الدولة صاحب البطيحة في خدمته و سار بهاء الدولة و أعيان الناس لتلقيه فتلقوه برحيل ، و دخل دار الخلافة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان ، و خطب له صبيحتها و كانت مدة إقامته بالبطيحة ثلاث سنين غير شهر ، و لم يخطب له بخراسان و أقاموا على بيعة الطائع فأنزله بحجرة من قصره ، و وكل عليه من يقوم بخدمته على أتم الوجوه ، و أجرى أحواله على ما كان عليه في الخلافة إلى أن توفي سنة ثلاث و تسعين فصلى عليه و دفنه .

ملك صمصام الدولة الأهواز و عودها لبهاء الدولة ثم استيلاؤه ثانيا عليها
قد تقدم لنا ما وقع بين بهاء الدولة و صمصام الدولة من الصلح على أن يكون له فارس و لبهاء الدولة خورستان و ما وراءها ، و ذلك سنة ثمان . و لما كانت سنة ثلاث و ثمانين تحيل بهاء الدولة فبعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز على أن يبعث إليه الجيوش مفترقة ، فإذا اجتمعت كبس بلاد فارس على حين غفلة . و شعر صمصام الدولة بذلك قبل اجتماع العساكر ، فبعث عساكره إلى خورستان ، ثم جاءت عساكر العراق و التقوا فانهزم أبو العلاء ، و حمل إلى صمصام الدولة أسيراً فاعتقله ، و بعث بهاء الدولة وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط يحاول له جمع المال فهرب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة . ثم كثر شغب الديلم على بهاء الدولة و نهبوا دار الوزير نصر بن سابور و استعفى و استوزر أبا القاسم علي بن أحمد . ثم هرب و عاد سابور إلى الوزارة و أصلح الديلم ، ثم أنفذ بهاء الدولة عسكره إلى الأهواز سنة أربع و ثمانين و عليهم طغان التركي ، و انتهوا إلى السوس فارتحل عنها أصحاب صمصام الدولة و ملكها طغان ، و كان أكثر أصحابه الترك و أكثر أصحاب صمصام الدولة الديلم و معه تميم و أسد ، فزحف إلى طغان بالأهواز ، و أسرى من تستر ليكبس الأتراك الذين مع طغان فقتل في طريقه و أصبح دونهم بمرأى منهم فركبوا لقتاله و أكمنوا له ثم قاتلوه فهزموه و فتكوا في الديلم بالقتل حرباً و صبراً . و جاء الخبر إلى بهاء الدولة بواسط فسار إلى الأهواز فترك بها طغان ، و رجع و لحق صمصام الدولة بفارس فاستلحم من وجد بها من الأتراك و هرب فلهم إلى كرمان ، و استأذنوا ملك السند في اللحاق بأرضه فأذن لهم ، ثم ركب لتلقيهم فقتلهم عن آخرهم . ثم جهز صمصام الدولة عساكره إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن و كان أفتكين برامهرمز من قبل بهاء الدولة مكان أبي كاليجار المرزبان بن سفهيعون و جاء بهاء الدولة إلى خورستان للعلاء قائد صمصام الدولة ، و كاتبه و كاتب أفتكين و ابن مكرم إلى أن قرب منهم ، و ملك البلد من أيديهم و أقاموا بظاهرها ، و استمدوا بهاء الدولة فأمدهم بثمانين من الأتراك فقتلوهم عن آخرهم ، و سار بهاء الدولة نحو الأهواز ، ثم عاد إلى البصرة و عاد ابن مكرم إلى عسكر مكرم و العلاء و الديلم في اتباعه إلى أن جاوزوا تستر إليه فاقتتلوا طويلاً و أصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز و هم الأتراك و أصحاب صمصام لدولة من تستر إلى أرجان فاقتتلوا ستة أشهر و رجعوا إلى الأهواز ثم رحل الأتراك إلى واسط و اتبعهم العلاء قليلاً ثم رجع و أقام بعسكر مكرم .

ملك صمصام الدولة البصرة
لما رحل بهاء الدولة إلى البصرة استأمن كثير من الديلم الذين معه إلى العلاء نحو من أربعمائة ، فبعثهم مع قائده السكرستان إلى البصرة و قاتلوا أصحاب بهاء الدولة ، و مال إليهم أهل البلد و مقدمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي و ارتاب بهم بهاء الدولة فهرب الكثير منهم إلى السكرستان و حملوه في السفن فأدخلوه البصرة . و خرج بهاء الدولة و أصحابه فكتب إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة يغريه بالبصرة ، فبعث إليها جيشاً مع قائده عبد الله بن مرزوق فغلب عليها السكرستان ، و ملكها المهذب الدولة ، ثم عاد السكرستان و قاتلها و كاتب مهذب الدولة بالصلح و الطاعة و الخطبة له بالبصرة ، و أعطى ابنه رهينة على ذلك ، فأجابه و ملك البصرة و عسف بهم ، و كان يظهر طاعة صمصام الدولة و بهاء الدولة و مهذب الدولة . ثم إن العلاء ابن الحسن نائب صمصام الدولة بخورستان توفي بعسكر مكرم فبعث مكانه أبا علي إسمعيل بن أستاذهرمز و سار إلى جند يسابور فدفع عنها أصحاب بهاء الدولة و أزاح الأتراك عن ثغر خراسان جملة و عادوا إلى واسط و كاتب جماعة منهم ففزعوا إليه ، ثم زحف إليهم أبو محمد مكرم ، و الأتراك و جرت بينهم وقائع ، ثم انتفض أبا علي إسمعيل بن أستاذهرمز و رجع إلى طاعة بهاء الدولة و هو بواسط سنة ثمان و ثمانين فاستوزره و دبر أمره و استدعاه إلى مظاهرة قائده ابن مكرم بعسكر مكرم ، فسار إليه و كانت من إسمعيل خديعة تورط فيها بهاء الدولة و استمد بدر بن حسنويه ، فأمده بعض الشيء و كاد يهلك ، ثم جاءه الفرج بقتل صمصام الدولة .

مقتل صمصام الدولة
كان صمصام الدولة بن عضد الدولة مستولياً على فارس كما ذكرناه ، و كان أبو القاسم و أبو نصر ابنا بختيار محبوسين ببعض قلاع فارس ، فجرد الموكلين بهما في القلعة و أخرجوا عنها و اجتمع إليهما من الأكراد و كان جماعة من الديلم استوحشوا من صمصام الدولة لما أسقطهم من الديوان ، فلحقوا بابني بختيار و قصدوا أرجان و تجهز صمصام الدولة إليهم و كان أبو علي بن استاذهرمز مقيماً بنسا فثاره الجند و حبسه ابنا بختيار ثم نجا . و قصد صمصام الدولة القلعة التي على شيراز ليتمنع فيها إلى أن يأتيه المدد ، فلم يمكنه أن يأتيها من ذلك ، و أشار عليه باللحاق بأبي علي بن أستاذهرمز أو بالأكراد ، و جاءته منهم طائفة فخرج معهم بأمواله فنهبوه و سار بعض الرودمان على مرحلتين من شيراز . و جاء أبو النصر بن بختيار إلى شيراز فقبض صاحب الرودمان على صمصام الدولة ، و أخذه منه أبو نصر و قتله في ذي الحجة سنة ثمان و ثمانين لتسع سنين من إمارته على فارس .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:43 pm

استيلاء بهاء الدولة على فارس
و لما قتل صمصام الدولة و ملك ابنا بختيار بلاد فارس ، كتبا إلى أبي علي بن أستاذهرمز في الأهواز بأخذ الطاعة لهما من الديلم ، و محاربة بهاء الدولة فخافهما أبو علي بما كان من قتله أخويهما ، و أغرى الديلم بطاعة بهاء الدولة . و راسله و استحلفه لهم فحلف و ضمن لهم غائلة الأتراك الذين معه ، و أغراهم بثأر أخيه من ابني بختيار فدخلوا في طاعته ، و جاءه وفد من أعيانهم فاستوثقوا منه و كتبوا إلى من كان بالسوس منهم بذلك . و ركب بهاء الدولة إلى نائب السوس فقاتلوه أولاً ثم اجتمعوا عليه و ساروا إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز و أرجان ، و ملكوا سائر بلاد خوزستان . و سار أبو علي ابن إسمعيل إلى شيراز و قاتلهم و تسرب إليه أصحاب ابني بختيار فاستولى على شيراز سنة تسع و ثمانين ، و لحق أبو نصر بن بختيار ببلاد الديلم و أبو القاسم ببدر بن حسنويه ، ثم بالبطيحة ، و كتب أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح فجاءه و ترك شيراز و أحرق قرية الرودمان حيث قتل أخوه صمصام الدولة ، و استأصل أهلها و بعث عسكراً مع أبي الفتح إلى جعفر بن أستأذهرمز إلى كرمان فملكها . و لما لحق أبو القاسم بن بختيار ببلاد الديلم ، كاتب من هنالك الديلم الذين بكرمان و فارس تسلمهم فأجابوه و سار إلى بلاد فارس ، و اجتمع عليه كثير من الزط و الديلم و الأتراك . ثم سار إلى كرمان و بها أبو جعفر بن أستاذهرمز فهزمه إلى السرجان ، و مضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها و أكثر كرمان ، و بعث بهاء الدولة الموفق بن علي بن إسمعيل في العساكر إلى جيرفت فاستأمن إليه من كان بها من أصحاب بختيار ، و ملكها ، و تجرد في جماعة من شجعان أصحابه لاتباع ابن بختيار فلحقه بدارين ، و قاتله فغدر به بعض أصحابه فقتله و حمل رأسه إلى الموفق ، و استولى على بلاد كرمان و إسمعيل عليها ، و عاد إلى بهاء الدولة فتلقاه و عظمه و استعفى الموفق من الخدمة فلم يعفه ، و لج الموفق في ذلك فقبض عليه بهاء الدولة ، و كتب إلى وزيره سابور بالقبض على ذويه ، ثم قتله سنة أربع و تسعين و استعمل بهاء الدولة أبا محمد مكرماً على عمان .

الخبر عن وزراء بهاء الدولة
قد ذكرنا أن بهاء الدولة كان استوزر أبا نصر بن سابور بن أردشير ببغداد و قبض على وزيره أبي منصور بن صالحان قبل مسيره إلى خوزستان ، و أن أبا الحسين بن المعلم كان يدبر دولته و ذلك منذ سنة ثمانين ، فاستولى ابن المعلم على الأمور و انصرفت إليه الوجوه ، فأساء السيرة و سعى في أبي نصر خواشاده و أبي عبد الله بن طاهر فقبضهما بهاء الدولة مرجعه من خوزستان ، و شغب الجند و طلبوا تسليمه إليهم ، و لاطفهم فلم يرجعوا فقبض عليه و سلمه إليهم فقتلوه و ذلك سنة اثنتين و ثمانين . ثم قبض على وزيره أبي نصر بالأهواز سنة إحدى و ثمانين ، و استوزر أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف ، ثم استوزر بعده أبا القاسم علي بن أحمد و قبض عليه سنة اثنتين و ثمانين لاتهامه بمداخلة الجند في أمر ابن المعلم ، و استوزر أبا نصر بن سابور و أبا منصور بن صالحان جميعاً . و شغب الجند على أبي نصر و نهبوا داره سنة ثلاث و ثمانين فاستعفى رفيقه ابن صالحان فاستوزر أبا القاسم علي بن أحمد ، ثم هرب و عاد أبو نصر إلى الوزارة بعد أن أصلح أمور الديلم فاستولى مكانه الفاضل ، و قبض عليه سنة ست و ثمانين و استوزر أبا نصر سابور بن أردشير فبقي شهرين ، و فرق أموال بهاء الدولة في القواد ثم هرب إلى البطيحة فاستوزر بهاء الدولة مكانه عيسى بن ماسرخس .

ولاية العراق
كان بهاء الدولة منذ استولى على فارس سنة تسع و ثمانين أقام بها و ولى على خورستان و العراق أبا جعفر الحجاج بن هرمز فنزل بغداد و لقيه عميد الدولة فساءت سيرته و فسدت أموال البلاد و عظمت الفتنة ببغداد بين الشيعة و أهل السنة و تطاول الدعار و العيارون فعزله بهاء الدولة سنة تسعين ، و ولى مكانه أبا علي الحسن بن أستاذهرمز ، و لقيه عميد الجيوش فأحسن السيرة و حسم الفتنة ، و حمل إلى بهاء الدولة أموالاً جليلة . ثم ولى مكانه سنة إحدى و تسعين أبا نصر سابور ، و ثار به الأتراك ببغداد فهرب منهم و وقعت الفتنة بين أهل الكرخ و الأتراك ، و كان أهل السنة مع الأتراك ثم مشى الأعلام بينهم في الصلح فتهادنوا .

انقراض دول و ابتداء أخرى في النواحي
و في سنة ثمانين ابتدأت دولة بني مروان بديار بكر بعد مقتل خالهم باد ، و قد مر ذكره . و في سنة اثنتين و ثمانين انقرضت دولة بني حمدان بالموصل و ابتدئت دولة بني المسيب من عقيب كما نذكرها . و في سنة أربع و ثمانين انقرضت دولة بني سامان من خراسان و ابتدئت دولة بني سبكتكين فيها . و في سنة تسع و ثمانين انقرضت دولة بني سامان مما وراء النهر و انقسمت بنو سبكتكين و ملك الخاقان ملك الترك . و في سنة ثمان و ثمانين ابتدئت دولة بني حسنويه الأكراد بخراسان . و في سنة تسع و تسعين كان ابتداء دولة بني صالح بن مرداس من بني كلاب بحلب كما نستوفي سياقة أخبارهم في دولهم منفردة كما شرطناه .

ظهور بني مزيد
و في سنة سبع و ثمانين خرج أبو الحسن علي بن مزيد في قومه بني أسد و نقض طاعة بهاء الدولة ، فبعث إليه العساكر فهرب أمامهم و أبعد حتى امتنع عليهم . ثم بعث في الصلح و الاستقامة ، و راجع الطاعة ، ثم رجع إلى انتقاضه سنة اثنتين و تسعين ، و اجتمع مع قرواش بن المقلد صاحب الموصل و قومه بني عقيل فحاصروا المدائن . ثم بعث إليهم أبو جعفر الحجاج و هو نائب بغداد العساكر فدفعوهم عنها ، و خرج الحجاج و استنجد خفاجة فجاء من الشام و قاتل بني عقيل و بني أسد فهزموه ، ثم خرج إليهم و لقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم و أثخن فيهم بالقتل و الأسر ، و استباح ملك بني مزيد و ظهر في بغداد في مغيب أبي جعفر من الفتنة و الفساد و القتل و النهب مالا يحصى فكان ذلك السبب في أن بعث بهاء الدولة أبا علي بن جعفر أستاذهرمز كما مر . و لقيه عميد الجيوش فسكن الفتنة و أمن الناس . و لما عزل أبو جعفر أقام بنواحي الكوفة و ارتاب به أبو علي فجمع الديلم و الأتراك و خفاجة ، و سار إليه و اقتتلوا بالنعمانية و ذلك سنة ثلاث و تسعين ، فانهزم أبو جعفر و سار أبو علي إلى خوزستان ، ثم إلى السوس ، فعاد أبو جعفر إلى الكوفة و رجع أبو علي في اتباعه فلم تزل الفتنة بينهما ، و كل واحد منهما يستنجد ببني عقيل و بني أسد و خفاجة ، حتى أرسل بهاء الدولة عن أبي علي و بعثه إلى البطيحة لفتنة بني واصل كما نذكره في دولتهم . و لما كانت سنة سبع و تسعين جمع أبو جعفر و سار لحصار بغداد و أمده ابن حسنويه أمير الأكراد ، و ذلك أن عميد الجيوش ولى على طريق خراسان أبا الفضل بن عنان ، وكان عدوا لبدر بن حسنويه فارتاب لذلك ، و استدعى أبا جعفر و جمع له جموعاً من أمراء الأكراد منهم هندي بن سعد و أبو عيسى شادي بن محمد ، و رزام بن محمد و كان أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي انصرف عن بهاء الدولة مغاضباً له ، فسار معهم و كانوا عشرة آلاف و حاصروا بغداد و بها أبو الفتح بن عنان شهراً . ثم جاءهم الخبر بانهزام ابن واصل بالبطيحة الذي سار عميد الجيوش إليه فافترقوا ، و عاد ابن مزيد إلى بلده و سار أبو جعفر إلى حلوان و أرسل بهاء الدولة في الطاعة عنده بتستر فأعرض عنه رغباً لعميد الجيوش .

فتنة بني مزيد و بني دبيس
كان أبو الغنائم محمد بن مزيد مقيماً عند أصهاره بني دبيس في جزيرتهم بخوزستان ، فقتل أبو الغنائم بعض رجالاتهم و لحق بأخيه أبي الحسن ، فانحدر أبو الحسن إليهم في ألفي فارس ، و استمد عميد الجيوش فأمده بعسكر من الديلم و لقيهم فانهزم أبو الحسن ، و قتل أخوه أبو الغنائم .

ظهور دعوة العلوية بالكوفة و الموصل
و في أول المائة الخامسة خطب قرواش بن المقلد أمير بني عقيل لصاحب مصر الحاكم العلوي في جميع أعماله : و هي الموصل و الأنبار و المدائن و الكوفة ، فبعث القادر القاضي أبا بكر الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه فأكرمه ، و كتب إلى عميد الجيوش بمحاورة قرواش ، و أطلق له مائة ألف دينار يستعين بها ، و سار عميد الجيوش لذلك فراجع قراوش الطاعة و قطع خطبة القلويين ، و كان ذلك داعياً في كتابه المحضر بالطعن في نسب العلوية بمصر ، شهد فيه الرضي و المرتضى و ابن البطحاوي و ابن الأزرق و الزكي و أبو يعلى عمر بن محمد ، و من العلماء و القضاة ابن الأكفاني و ابن الجزري و أبو العباس الأبي وردي و أبو حامد الأسفرايني و الكستلي و القدوري و الصهيري و أبو عبد الله البيضاوي و أبو الفضل النسوي و أبو عبد الله النعمان فقيه الشيعة . ثم كتب ببغداد محضر آخر بمثل ذلك سنة أربع و أربعين و زيد فيه انتسابهم إلى الديصانية من المجوس و بنو القداح من اليهود ، و كتب فيه العلوية و العباسية و الفقهاء و القضاة و عملت به نسخ و بعث بها إلى البلاد .

وفاة عميد الجيوش و ولاية فخر الملك
كان عميد الجيوش أبو علي بن أبي جعفر أستاذهرمز و كان أبو جعفر هذا من حجاب عضد الدولة ، و جعل ابنه أبا علي في خدمة ابن صمصام الدولة ، فلما قتل رجع إلى خدمة بهاء الدولة ، و لما استولى الخراب على بغداد و ظهر العيارون بعثه بهاء الدولة عليها فأصلحها وقمع المفسدين ، ومات لثمان سنين و نصف من ولايته إلى أول المائة الخامسة . و ولى بهاء الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب ، فوصل بغداد و أحسن السياسة و استقامت الأمور به . و اتفق لأول قدومه وفاة أبي الفتح محمد بن عنان صاحب طريق خراسان بحلوان لعشرين سنة من إمارته ، و كان كثير الأجلاب على بغداد . فلما توفي ولى ابنه أبو الشوك و قام مقامه فبعث فخر الملك العساكر لقتاله فهزموه إلى حلوان . ثم راجع الطاعة و أصلح حاله .

مقتل فخر الملك و ولاية ابن سهلان
كان فخر الملك أبو غالب من أعظم وزراء بني بويه ، و ولى نيابة بغداد لسلطان الدولة خمس سنين و أربعة أشهر . ثم قبض عليه و قتله في ربيع سنة ست و أربعمائة ، و ولى مكانه أبا محمد الحسن بن سهلان و لقبه عميد أصحاب الجيوش ، و سار سنة تسع إلى بغداد و جرد من الطريق مع طراد بن دشير الأسدي في طلب مهارش و مضر ابني دشير ، و كان مضر قد قبض عليه قديماً بأمر فخر الملك ، فأراد أن يأخذ جزيرة بني أسد منه و يوليها طراداً ، فساروا عن المدار و اتبعهم و لحق الحسن بن دبيس آخرهم فأوقع به و استباحه . ثم استأمن له مضر و مهارش فأمنهما و أشرك معهما طراداً في الجزيرة ، و رجع و أنكر عليه سلطان الدولة فعله ، و وصل إلى واسط و الفتنة قائمة فأصلحها ، ثم بلغه اشتداد الفتن ببغداد فسار و أصلحها و كان أمر الديلم قد ضعف ببغداد و خرجوا إلى واسط .

الفتنة بين سلطان الدولة و أخيه أبي الفوارس
قد ذكرنا أن سلطان الدولة لما ملك بعد أبيه بهاء الدولة ولى أخاه أبا الفوارس على كرمان ، فلما سار إليها اجتمع إليه الديلم و حملوه على الانتقاض و انتزاع الملك من يد أخيه ، فسار سنة ثمان إلى شيراز . ثم سار منها و لقيه سلطان الدولة فهزمه و عاد إلى كرمان ، و ابتعه سلطان الدولة فخرج هاربا من كرمان ، و
لحق محمود بن سبكتكين مستنجداً به فأكرمه و أمده بالعساكر ، و عليهم أبو سعيد الطائي من أعيان قواده ، فسار إلى كرمان و ملكها ، ثم إلى شيراز كذلك ، و عاد سلطان الدولة لحربه فهوزمه و أخرجه من بلاد فارس إلى كرمان ، و بعث الجيوش في أثره فانتزعوا كرمان منه ، و لحق بشمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه صاحب همذان ، و ترك ابن سبكتكين لأنه أساء معاملة قائده أبي سعيد الطائي . ثم فارق شمس الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة فأكرمه ، و بعث إليه أخوه جلال الدولة من البصرة مالاً و ثياباً و عرض عليه المسير إليه فأبى و أرسل أخاه سلطان الدولة في المراجعة و أعاده إلى ولاية كرمان ، و قبض سلطان الدولة سنة تسع على وزير بن فانجس و إخوته ، و ولى مكانه أبا غالب الحسن بن منصور .

خروج الترك من الصين
و في سنة ثمان و أربعين خرجت من المفازة التي بين الصين و ما وراء النهر أمم عظيمة من الترك تزيد على ثلثمائة ألف خيمة و يسمون الخيمة [ جذ كان ] ، و يتخذونها من الجلود . و كان معظمهم من الخطا قد ظهروا في ملك تركستان ، فمرض ملكها طغان فساروا إليها و عاثوا فيها ، ثم أبل طغان و استنفر المسلمين من جميع النواحي و سار إليهم في مائة و عشرين ألفاً فهزموا أمامه و اتبعهم مسيرة ثلاثة أشهر ، ثم كبسهم فقتل منهم نحواً من مائتي ألف و أسر مائة ألف ، و غنم من الدواب و البيوت و أواني الذهب و الفضة من معمول الصين ما لا يعبر عنه .

ملك مشرف الدولة و غلبه على سلطان الدولة
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:43 pm

لم يزل سلطان الدولة ثابت القدم في ملكه بالعراق إلى سنة إحدى عشرة و أربعمائة فشغب عليه الجند و نادوا بشعار أخيه مشرف الدولة فأشير عليه يحبسه فعف عن ذلك و أراد الإنحدار إلى واسط فطلبه الجند في الاستخلاف فاستخلف أخاه مشرف الدولة على العراق ، و سار إلى الأهواز ، فلما بلغ تستر استوزر سهلان ، و قد كان اتفق مع أخيه مشرف الدولة الوزير ابن سهلان أن لا يستوزره ، فاستوحش لذلك مشرف الدولة ، و بعث سلطان الدولة الوزير ابن سهلان ليخرجه من العراق فجمع أتراك واسط و أبا الأغر دبيس بن علي بن مزيد ، و لقي ابن سهلان عند واسط فهزمه و حاصره بها حتى اشتد حصاره ، و جهده الحصار فصالحه و نزل عن واسط فملكها في ذي الحجة من سنة إحدى عشرة . و سار الديلم الذين بواسط في خدمته ، و سار أخوه جلال الدولة أبو طاهر صاحب البصرة إلى وفاقه و خطب له ببغداد ، و قبض على ابن سهلان و كحله ، و سار سلطان الدولة إلى أرجان ثم رجع إلى الأهواز و ثار عليه الأتراك الذين هنالك ، و دعوا بشعار مشرف الدولة ، و خرجوا إلى السابلة فأفسدوها ، و عاد مشرف الدولة إلى بغداد فخطب لها بها سنة اثنتي عشرة ، و طلب منه الديلم أن ينحدروا إلى بيوتهم بخوزستان فبعث معهم وزيره أبا غالب ، فلما وصلوا إلى الأهواز انتفضوا و نادوا بشعار سلطان الدولة ، و قتلوا أبا غالب لسنة و نصف من وزارته . و لحق الأتراك الذين كانوا معه بطراد بن دبيس بالجزيرة ، و بلغ سلطان الدولة قتل أبي غالب و افتراق الديلم فأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الأهواز و ملكها . ثم وقع الصلح بينهما على يد أبي محمد بن أبي مكرم و مؤيد الملك الرخجي على أن تكون العراق لمشرف الدولة و فارس و كرمان لسلطان الدولة و استوزر مشرف الدولة أبا الحسين بن الحسن الرخجي و لقبه مؤيد الملك بعد قتل أبي غالب و مصادرة ابنه أبي العباس . ثم قبض عليه سنة أربع عشرة بعد حول من وزارته بسعاية الأثير الخادم فيه و استوزر مكانه أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين المغربي ، كان أبوه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان ، و هرب إلى مصر و خدم الحاكم فقتله و هرب ابنه أبو القاسم هذا إلى الشام ، و حمل حسان بن الفرج الجراح الطائي على نقض طاعة الحاكم و البيعة لأبي الفتوح الحسن بن جعفر العلوي أمير مكة ، فاستقدمه إلى الرملة و بايعه . ثم خلفه و عاد إلى مكة و قصد أبو القاسم العراق ، و اتصل بالوزير فخر الملك و أمره القادر بإبعاده ، فلحق بقرواش أمير الموصل ، و كتب له ثم عاد إلى العراق و تنقلت به الحال إلى أن وزر بعد مؤيد الملك الرخجي ، و كان خبيثاً محتالاً حسوداً . ثم قدم مشرف الدولة إلى بغداد سنة أربع عشرة و لقيه القادر و لم يلق أحداً قبله .

الخبر عن وحشة الأكراد و فتنة الكوفة
كان الأثير عنبر الخادم مستولياً في دولة مشرف الدولة الوزير أبي القاسم المغربي عديله في حملها فنقم الأتراك عليهما ، و طلب من مشرف الدولة الخراج من بغداد خوفاً على أنفسهما ، فخرج معهما غضباً على الأتراك ، و نزلوا على قرواش بالسندية . و استعظم الأتراك ذلك ، و بعثوا بالإعتذار و الرغبة . و قال أبو القاسم المغربي دخل بغداد إنما هو و أربعمائة ألف و خرجها ستمائة فاتركوا مائة و أحتمل مائة فأجابوه إلى ذلك خداعاً . و شعر بوصولهم فهرب لعشرة أشهر من وزارته . ثم كانت فتنة الكوفة بين العلوية و العباسية ، و كان لأبي القاسم المغربي صهر و صداقة في العلوية فاستعدى العباسيون المغربي عليهم فلم يعدهم لمكان المغربي . و أمرهم بالصلح فرجعوا إلى الكوفة ، و استمد كل واحد منهم خفاجة فأمدوهم و افترقوا عليهم ، و اقتتل العلوية و العباسية فغلبهم العلوية و لحقوا ببغداد ، و منعوا الخطبة يوم الجمعة ، و قتلوا بعض قرابة العلوية الذين بالكوفة ، فعهد القادر للمرتضى أن يصرف أبا الحسن علي بن أبي طالب ابن عمر عن نقابة الكوفة . و يردها إلى المختار صاحب العباسية . و بلغ ذلك المغريبي عند قرواش بسر من رأى فشرع في إرغام القادر . و بعث القادر إلى قرواش بطرده فلحق بابن مروان في ديار بكر .

وفاة مشرف الدولة و ولاية أخيه جلال الدولة
ثم توفي مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة سنة ست عشرة في ربيع لخمس سنين من ملكه ، و ولى مكانه بالعراق أخوه أبو طاهر جلال الدولة صاحب البصرة ، و خطب له ببغداد ، و استقدم فبلغ واسط ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته ، و خطب ببغداد في شوال لابن أخيه كاليجار بن سلطان الدولة ، و هو بخوزستان يحارب عمه أبا الفوارس صاحب كرمان . و سمع جلال الدولة بذلك فبادر إلى بغداد و معه وزيره أبو سعد ابن ماكولا . و لقيه عسكرها فردوه أقبح رد و نهبوا خزائنه فعاد إلى البصرة ، و استحثوا أبا كاليجار فتباطأ لشغله بحرب عمه ، و سار إلى كرمان لقتال عمه فملكها و اعتصم عمه بالجبال . ثم تراسلا و اصطلحا على أن تبقى كرمان لأبي الفوارس و تكون بلاد فارس لأبي كاليجار .

قدوم جلال الدولة إلى بغداد
و لما رأى الأتراك اختلال الأحوال و ضعف الدولة بفتنة العامة و تسلط العرب و الأكراد بحصار بغداد ، و طمعهم فيها و أنهم بقوا فوضى ، و ندموا على ما كان منهم في رد جلال الدولة ، اجتمعوا إلى الخليفة يرغبون إلى أن يحضر جلال الدولة من البصرة ليقيم أمر الدولة فبعث إليه القاضي أبا جعفر السمناني بالعهد عليه ، و على القواد فسار جلال الدولة إلى بغداد في جمادى من سنة ثمان عشرة . و ركب الخليفة في الطيار لتلقيه فدخل و نزل التجيبي و أمر بضرب الطبل في أوقات الصلوات . و منعه الخليفة من ذلك فقطعه مغاضباً . ثم أذن له الخليفة فيه فأعاده ، و أرسل مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم عند قرواش يستدعيه يعتذر عن الأتراك ، ثم شغب الأتراك عليه سنة تسع عشرة و حاصروه بداره و طلبوا من الوزير أبي علي بن ماكولا أرزاقهم ، و نهبوا دوره و دور الكتاب و الحواشي . و بعث القادر من أصلح بينهم و بينه فسكن شغبهم . ثم خالفوا أبا كاليجار بن سلطان الدولة إلى البصرة فملكها ، ثم ملك كرمان بعد وفاة صاحبها قوام الدولة أبي الفوارس بن بهاء الدولة كما نذكر في أخبارهم في دولتهم عند إفرادها بالذكر فنستوفي أخبارهم و دول سائر بني بويه و بني و شمكير و بني المرزبان و غيرهم من الديلم في النواحي .

مسير جلال الدولة إلى الأهواز
كان نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد صاحب الحلة ، و لم تكن الحلة يومئذ بمدينة ، قد خطب لأبي كاليجار لمضايقة المقلد بن أبي الأغر الحسن بن مزيد و جمع عليه منيعاً أمير بني خفاجة و عساكر بغداد ، فخطب هو لأبي كاليجار و استدعاه لملك واسط و بها الملك العزيز ابن جلال الدولة فلحق بالنعمانية و تركها ، و ضيق عليه نور الدولة من كل جهة فتفرق ناس من أصحابه و هلك الكثير من أثقاله و استولى أبو كاليجار على واسط ثم خطب له في البطيحة و أرسل إلى قرواش صاحب الموصل و عنده الأثير عنبر يستدعيهما إلى بغداد ، فانحدر عنبر إلى الكحيل و مات به . و قعد قرواش و جمع جلال الدولة عساكره ببغداد ، و استمد أبا الشوك و غيره ، و انحدر إلى واسط و أقام هنالك من غير قتال ، و ضاقت عليه الأحوال . و اعتزم أبو كاليجار على مخالفته إلى بغداد ، و جاءه كتاب أبي الشوك بزحف عساكر محمود بن سبكتكين إلى العراق ، و يشير بالصلح و الاجتماع لمدافعتهم ، فأنفذ أبو كاليجار الكتاب لجلال الدولة فلم ينته عن قصده ، و دخل الأهواز فنهبها ، و أخذ من دار الإمارة مائتي ألف دينار ، و استباح العرب و الأكراد سائر البلد و حمل حريم كاليجار إلى بغداد سبياً فماتت أمه في الطريق . و سار أبو كاليجار لاعتراض جلال الدولة و تخلف عنه دبيس لدفع خفاجة عن أصحابه ، و اقتتلوا في ربيع سنة إحدى و عشرين ثلاثة أيام فانهزم أبو كاليجار ، و قتل من أصحابه ألفان . و دبيس لما فارق أبا كاليجار وصل إلى بلده و جمع إليه جماعة من قومه ، و كانوا منتقضين عليه بالجامعين فأوقع بهم و حبس منهم و ردهم إلى وفاقه . ثم لقي المقلد بن أبي الأغر و عساكر جلال الدولة فانهزم أمامهم و أسر جماعة من أصحابه ، و سار منهزماً إلى أبي سنان غريب بن مكين فأصلح حاله مع جلال الدولة و أعاده إلى ولايته على ضمان عشرة آلاف دينار ، و سمع بذلك المقلد فجمع خفاجة و نهبوا النيل و سورا و أحرقوا منازلها . ثم عبر المقلد إلى أبي الشوك فأصلح أمره مع جلال الدولة ، ثم بعث جلال الدولة سنة إحدى و عشرين عسكره إلى المدار فملكها من يد أصحاب أبي كاليجار ، و استباحوها ، و بعث أبو كاليجار عسكره لمدافعتهم فهزموهم و ثار أهل البلد بهم فقتلوهم ، و لحق من نجا منهم بواسط و عادت المدار إلى أبي كاليجار .

استيلاء جلال الدولة على البصرة ثانيا و انتزاعها منه
لما استولى جلال الدولة على واسط نزل بها ولده و بعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح فملكها . ثم بعثه إلى البصرة و بها أبو منصور بختيار بن علي من قبل أبي كاليجار ، فسار في السفن و عليهم أبو عبد الله الشرابي صاحب البطيحة فلقى بختيار و هزمه . ثم سار الوزير أبو على في أثره في السفن فهزمه بختيار . و سيق إليه أسيراً فأكرمه و بعثه إلى أبي كاليجار فأقام عنده ، و قتله غلمانه خوفاً منه لقبيح منهم اطلع عليه . و كان قد أحدث في ولايته رسوماً جائرة و مكوساً فاضحة . و لما أصيب الوزير أبو علي بعث جلال الدولة من كان عنده من جند البصرة فقاتلوا عسكر أبي كاليجار ، و هزموهم و ملكوا البصرة و نجا من كان بها إلى أبي منصور بختيار بالأبلة . و بعث السفن لقتال من البصرة فظفر بهم أصحاب جلال الدولة فسار بختيار بنفسه و قاتلهم ، و انهزم و قتل و أخذ كثير من السفهاء . و عزم الأتراك بالبصرة على المسير إلى الأبلة و طلبوا المال من العامل فاختلفوا و تنازعوا و افترقوا ، و رجع صاحب البطيحة ، و استأمن آخرون إلى أبي الفرج ابن مسافجس وزير أبي كليجار ، و جاء إلى البصرة فملكها . ثم توفي بختيار نائب الملك أبي كاليجار في البصرة ، و قام بعده صهره أبو القاسم بطاعة أبي كاليجار في البصرة . ثم استوحش و انتقض و بعث بالطاعة لجلال الدولة و خطب له ، و بعث إلى ابنه العزيز بواسط يستدعيه فسار إليه و أخرج عساكر أبي كاليجار و أقام معه إلى سنة خمس و عشرين و الحكم لأبي القاسم . ثم أغراه الديلم به و أنه يتغلب عليهم ، فأخرجه العزيز و امتنع بالأبلة و حاربهم أياماً ، و أخرج العزيز عن البصرة ، و لحق بواسط و عاد أبو القاسم إلى طاعة أبي كاليجار .

وفاة القادر و نصب القائم
ثم توفي القادر بالله سنة اثنتين و عشرين و أربعمائة لإحدى و عشرين سنة و أربعة أشهر من خلافته ، و كانت الخلافة قبلها قد ذهب رونقها بجسارة الديلم و الأتراك عليها ، فأعاد إليها أبهتها و جدد ناموسها ، و كان له في قلوب الناس هيبة . و لما توفي نصب للخلافة ابنه أبو جعفر عبد الله ، و قد كان أبوه بايع له بالعهد في السنة قبلها لمرض طرقه و أرجف الناس بموته ، فبويع الآن و استقرت له الخلافة و لقب القائم بأمر الله . و أول من بايعه الشريف المرتضى . و بعث القاضي أبا الحسن الماوردي إلى أبي كاليجار ليأخذ عليه البيعة و يخطب له في بلاده . فأجاب و بعث بالهدايا . و وقعت لأول بيعته فتنة بين أهل السنة و الشيعة ، و عظم الهرج و النهب و القتل و خربت فيها أسواق و قتل كثير من جباة المكوس . و أصيب أهل الكرخ و تطرق الدعار إلى كبس المنازل ليلاً ، و تنادى الجند بكراهية جلال الدولة و قطع خطبته . و لم يجبهم القائم إلى ذلك و فرق جلال الدولة فيهم الأموال فسكنوا ، و قعد في بيته و أخرج دوابه من الأصطبل و أطلقها بغير سائس و لا حافظ لقلة العلف . و طلب الأتراك منه أن يحملهم في كل وقت فأطلقها ، و كانت خمسة عشر و فقد الجاري فطرد الطواشي و الحواشي و الأتباع و أغلق باب داره و الفتنة تتزايد إلى آخر السنة .

وثوب الجند بجلال الدولة و خروجه من بغداد
ثم جاء الأتراك سنة ست و عشرين إلى جلال الدولة فنهبوا داره و كتبه و دواوينه و طلبوا الوزير أبا إسحق السهيلي فهرب إلى حلة غريب بن مكين ، و خرج جلال الدولة إلى عكبراً و خطبوا ببغداد لأبي كاليجار و هو بالأهواز و استقدموه فأشار عليه بعض أصحابه بالامتناع فاعتذر إليهم فأعادوا لجلال الدولة . و ساروا إليه معتذرين و أعادوه بعد ثلاثة و أربعين يوماً و استوزر أبا القاسم بن ماكولا ، ثم عزله و استوزر عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم . ثم أمره بمصادرة أبي المعمر بن الحسين البساسيري فاعتقله في داره ، و جاء الأتراك لمنعه فضربوا الوزير و مزقوا ثيابه و أدموه . و ركب جلال الدولة فأطفأ الفتنة و أخذ من البساسيري ألف دينار و أطلقه ، و اختفى الوزير . ثم شغب الجند ثانياً في رمضان و أنكروا تقديم الوزير أبي القاسم من غير علمهم و أنه يرد التعرض لأموالهم فوثبوا به و نهبوا داره و أخرجوه إلى مسجد هنالك فوكلوا به فوثب العامة مع بعض القواد من أصحابه فأطلقوه و أعادوه إلى داره . و ذهب هو في الليل إلى الكرخ بحرمه و وزيره أبو القاسم معه . و اختلف الجند في أمره و أرسلوا إليه بأن يملكوا بعض أولاده الأصاغر ، و ينحدر هو إلى واسط ، و هو في خلال ذلك يستميلهم حتى فرق جماعتهم ، و جاء الكثير إليه فأعادوه إلى داره ، و استخلف البساسيري في جماعة للجانب الغربي سنة خمس و عشرين لاشتداد أمر العيارين ببغداد ، و كثر الهرج و كفايته هو و نهضته . ثم عاد أمر الخلافة و السلطنة إلى أن اضمحل و تلاشى ، و خرج بعض الجند إلى قرية فلقيهم أكراد و أخذوا دوابهم و جاؤا إلى بستان القائم فتعللوا على أعماله بأنهم لم يدفعوا عنهم ، و نهبوا ثمرة البستان ، و عجز جلال الدولة عن عتاب الأكراد و عقاب الجند ، و سخط القائم أمره و تقدم إلى القضاة و الشهود و الفقهاء بتعطيل المراتب الدينية ، فرغب جلال الدولة من الجند أن يحملهم إلى ديوان الخلافة فحملوا و أطلقوا ، و عظم أمر العيارين و صاروا في حماية الجند و انتشر العرب في النواحي فنهبوها و أفسدوا السابلة ، و بلغوا جامع المنصور من البلد ، و سلبوا النساء في المقبرة .
و لحق الوزير أبو سعيد وزير جلال الدولة بأبي الشوك مفارقاً للوزارة ، و وزر بعده أبا القاسم فكثرت مطالبات الجند عليه فهرب و أخذه الجند و جاؤوا به إلى دار الملك حاسراً عارياً إلا من قميص خلق ، و ذلك لشهرين من وزارته ، و عاد سعيد بن عبد الرحيم إلى الوزارة . ثم ثار الجند سنة سبع و عشرين بجلال الدولة و أخرجوه من بغداد بعد أن استمهلهم ثلاثاً فأبوا و رموه بالحجارة فأصابوه ، و مضى إلى دار المرتضى بالكرخ ، و سار منها إلى رافع بن الحسين بن مكن بتكريت ، و نهب الأتراك داره ، و قلعوا أبوابها ، ثم أصلح القائم شأنه مع الجند ، و أعاده و قبض على وزيره أبي سعيد ابن عبد الرحيم ، و هي وزارته السادسة . و في هذه السنة نهى القائم عن التعامل بالدنانير المعزية ، و تقدم إلى الشهود أن لا يذكروها في كتب التعامل .

الصلح بين جلال الدولة و أبي كاليجار
ترددت الرسل سنة ثمان و عشرين بين جلال الدولة و ابن أخيه كاليجار حتى انعقد بينهما الصلح على يد القاضي أبي الحسن الماوردي و أبي عبد الله المردوسي ، و استحلف كل واحد منهما للآخر ، و أظهر جلال الدولة سنة تسع و عشرين من القائم الخطاب بملك الملوك فرد ذلك إلى الفتيا ، و أجازه القاضي أبو الطيب الطبري ، و القاضي أبو عبد الله الصهيري ، و القاضي ابن البيضاوي و أبو القاسم الكرخي ، و منع منه القاضي أبو الحسن الماوردي و رد عليهم فأخذ بفتواهم ، و خطب له بملك الملوك . و كان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة ، و كان يتردد إليه . ثم انقطع عنه بهذه الفتيا ، و لزم بيته من رمضان إلى النحر فاستدعيه جلال الدولة و حضر خائفاً ، و شكره على القول بالحق ، و عدم المحاباة ، و قد عدت إلى ما تحب فشكره و دعا له ، و أذن للحاضرين بالانصراف معه ، و كان الأذن لهم تبعاً له .

استيلاء أبي كاليجار على البصرة
و في سنة إحدى و ثلاثين بعث أبو كاليجار عساكره إلى البصرة مع العادل أبي منصور ابن مافنة ، و كانت في ولايته الظهير أبي القاسم بن وليها بعد بختيار ، انتقض عليه مرة ثم عاد ، و كان يحمل إلى أبي كاليجار كل سنة سبعين ألف دينار ، و كثرت أمواله و دامت دولته . ثم تعرض ملا الحسين بن أبي القاسم بن مكرم صاحب عمان فكاتب أبا كاليجار و ضمن البصرة بزيادة ثلاثين ألف دينار ، و بعث أبو كاليجار العساكر مع ابن مسافيه كما ذكرنا . و جاء المدد من عمان إلى البصرة ، و ملكوها و قبض على الظهير أبي القاسم ، و أخذت أمواله و صودر على مائتي ألف دينار فأعطاها ، و جاء الملك أبو كاليجار البصرة فأقام بها أياماً و ولى فيها ابنه عز الملوك و معه الوزير أبو الفرج بن فسانجس ، ثم عاد إلى الأهواز و حمل معه الظهير .

شغب الأتراك على جلال الدولة
ثم شغب الأتراك على جلال الدولة سنة إثنتين و ثلاثين و خيموا بظاهر البلد و نهبوا منها مواضع . و خيم جلال الدولة بالجانب الغربي و أراد الرحيل عن بغداد فمنعه أصحابه فاستمد دبيس بن مزيد و قرواشاً صاحب الموصل فأمدوه بالعساكر . ثم صلحت الأحوال بينهم و عاد إلى داره و طمع الأتراك و كثر نهبهم و تعديهم و فسدت الأمور بالكلية .

ابتداء دولة السلجوقية
قد تقدم لنا أن أمم الترك في الربع الشرقي الشمالي من المعمور ، ما بين الصين إلى تركستان إلى خوارزم و الشاش و فرغانة ، و ما وراء النهر بخارى و سمرقند و ترمذ ، و أن المسلمين أزاحوهم أول الملة عن بلاد ما وراء النهر و غلبوهم عليها ، و بقيت تركستان و كاشغر و الشاش و فرغانة بأيديهم يؤدون عليها الجزاء . ثم أسلموا عليها فكان لهم بتركستان ملك و دولة ، نذكرها فيما بعد ، فإن استفحالها كان في دولة بني سامان جيرانهم فيما وراء النهر . و كان في المفازة بين تركستان و بلاد الصين أمم من الترك لا يحصيهم إلا خالقهم لاتساع هذه المفازة و بعد أقطارها فإنها فيما يقال مسيرة شهر من كل جهة ، فكان هنالك أحياء بادون منتجعون رجالة غذاؤهم اللحوم و الألبان و الذرة في بعض الأحيان و مراكبهم الخيل ، و منها كسبهم و عليها قيامهم و على الشاء و البقر من بين الأنعام ، فلم يزالوا بتلك القفار مذودين عن العمران بالحامية ، المالكين له في كل جهة . و كان من أممهم الغز و الخطا و التتر و قد تقدم ذكر هؤلاء الشعوب . فلما انتهت دولة ملوك تركستان و كان شغر إلى غايتها ، و أخذت في الاضمحلال و التلاشي كما هو شأن الدول و طبيعتها . تقدم هؤلاء إلى بلاد تركستان فأجلبوا عليها بما كان غالب معاشهم في تخطف الناس من السبل ، و تناول الرزق بالرماح شأن أهل القفر البادين ، و أقاموا بمفازة بخارى . ثم انقرضت دولة بني سامان و دولة أهل تركستان . و استولى محمود بن سبكتكين من قواد بني سامان و صنائعهم على ذلك كله . و عبر بعض الأيام إلى بخارى فحضر عنده أرسلان بن سلجوق فقبض عليه ، و بعث به إلى بلاد الهند
فحبسه ، و سار إلى أحيائه فاستباحها ، ولحق بخراسان ، و سارت العساكر في اتباعهم فلحقوا بأصبهان و هم صاحبها علاء الدولة بن كالويه بالغدر بهم ، و شعروا بذلك فقاتلوه بأصبهان فغلبهم ، فانصرفوا إلى أذربيجان فقاتلهم صاحبهم و هشودان من بني المرزبان . و كانوا لما قصدوا أصبهان بقي فلهم بنواحي خوارزم فعاثوا في البلاد ، و خرج إليهم صاحب طوس و قاتلهم . و جاء محمود بن سبكتكين فسار في اتباعهم من رستاق إلى جرجان ، و رجع عنهم ، ثم استأمنوا فاستخدمهم و تقدمهم يغمر ، و أنزل ابنه بالري . ثم مات محمود و ولي أخوه مسعود ، شغل بحروب الهند فانتفضوا و بعث إليهم قائداً في العساكر ، و كانوا يسمون العراقية و أمراؤهم يومئذ كوكاش و مرقا و كول و يغمر و باصعكي ، و وصلوا إلى الدامغان فاستباحوها ، ثم سمنان ، ثم عاثوا في أعمال الري و اجتمع صاحب طبرستان و صاحب الري مع قائد مسعود و قاتلوهم فهزمهم الغز و فتكوا فيهم و قصدوا الري فملكوه ، و هرب صاحبه إلى بعض قلاعه فتحصن بها ، و ذلك سنة ست و عشرين و أربعمائة . و استألفهم علاء الدولة بن كالويه ليدافع بهم ابن سبكتكين فأجابوه أولاً ، ثم انتقضوا . و أما الذين قصدوا أذربيجان منهم ، و مقدموهم بوقاوكوكباش و منصور و دانا فاستألفهم و هشودان ليستظهر بهم ، فلم يحصل على بغيته من ذلك . و ساروا إلى مراغة سنة تسع و عشرين فاستباحوها ، و نالوا من الأكراد الهديانية فحاربوهم و غلبوهم و افترقوا فرقتين ، فرجع بوقا إلى أصحابهم الذين بالري ، و سار منصور و كوكباش إلى همذان ، و بها أبو كاليجار بن علاء الدولة بن كالويه فظاهرهم على حصاره متى خسرو بن مجد الدولة فلما جهده الحصار لحق بأصبهان و ترك البلد فدخلوها و استباحوها ، و فعلوا في الكرخ مثل ذلك ، و حاصروا قزوين حتى أطاعوهم و بذلوا لهم سبعة آلاف دينار . و سار طائفة منهم إلى بلد الأرمن فاستباحوها و أثخنوا فيها و رجعوا إلى أرمينية . ثم رجعوا من الري إلى حصار همذان فتركها أبو كاليجار و ملكوها سنة ثلاثين و معهم متى خسرو المذكور فاستباحوا تلك النواحي إلى أستراباذ ، و قاتلهم أبو الفتح بن أبي الشوك صاحب الدينور فهزمهم و أسر منهم و صالحوه على إطلاق أسراهم . ثم مكروا بأبي كاليجار أن يكون معهم و يدبر أمرهم ، و غدروا به و نهبوه . و خرج علاء الدولة من أصبهان فلقي طائفة منهم فأوقع بهم و أثخن فيهم و أوقع و هشودان بمن كان منهم في أذربيجان و ظفر بهم الأكراد و أثخنوا فيهم ، و فرقوا جماعتهم . ثم توفي كول أمير الفرق الذين بالري ، و كانوا لما أجازوا من وراء النهر إلى خراسان بقي بمواطنهم الأولى هنالك طغرلبك بن ميكاييل بن سلجوق و إخوته داود و سعدان و ينال و همغري فخرجوا إلى خراسان من بعدهم . و كانوا أشد منهم شوكة و أقوى عليهم سلطاناً فسار ينال أخو طغرلبك إلى الري فهربوا إلى أذربيجان ثم إلى جزيرة ابن عمر و ديار بكر . و مكر سليمان بن نصير الدولة بن مروان صاحب الجزيرة بمنصور بن غز علي منه فحبسه و افترق أصحابه ، و بعث قرواش صاحب الموصل إليهم جيشه فطردهم و افترقت جموعهم ، و لحق الغز بديار بكر و أثخنوا فيها ، و أطلق نصير الدولة أميرهم منصوراً من يد ابنه فلم ينتفع منهم بذلك . و قاتلهم صاحب الموصل فحاصروه ثم ركب في السفين و نجا إلى السند و ملكوا البلد و عاثوا فيها . و بعث قرواش إلى الملك جلال الدولة يستنجده ، و إلى دبيس بن مزيد و أمراء العرب . و فرض الغز على أهل الموصل عشرين ألف دينار فثار الناس بهم ، و كان كوكباش قد فارق الموصل فرجع و دخلها عنوة في رجب سنة خمس و ثلاثين ، و أفحش في القتل و النهب . و كانوا يخطبون للخليفة و لطغرلبك بعده ، فكتب الملك جلال الدولة إلى طغرلبك يشكو له بأحوالهم ، فكتب إليه أن هؤلاء الغز كانوا في خدمتنا و طاعتنا حتى حدث بيننا و بين محمود بن سبكتكين ما علمتم ، و نهضنا إليه ، و ساروا في خدمتنا في نواحي خراسان فتجاوزوا حدود الطاعة و ملكة الهيبة ، و لا بد من إنزال العقوبة بهم ، و بعث إلى نصير الدولة بعده يكفهم عنه . و سار دبيس بن مزيد و بنو عقيل إلى قرواش حاجب الموصل و قعد جلال الدولة عن إنجاده لما نزل به من الأتراك . و سمع الغز بجموع قرواش فبعثوا إلى من كان بديار بكر منهم و اجتمعوا إليهم ، و اقتتل الفريقان فانهزم العرب أول النهار ، ثم أتيحت لهم الكرة على الغز فهزموهم و استباحوهم و أثخنوا فيهم قتلاً و أسراً ، و اتبعهم قرواش إلى نصيبين و رجع عنهم فساروا إلى ديار بكر و بلاد الأرمن و الروم ، و كثر عيثهم فيها و كان طغرلبك و إخوته لما جاؤا إلى خراسان طالت الحروب بينهم و بين عساكر بني سبكتكين حتى غلبوهم و حصل لهم الظفر ، و هزموا سياوشي حاجب مسعود آخر هزائمهم ، و ملكوا هراة فهرب عنها سياوشي الحاجب و لحق بغزنة ، و زحف إليهم مسعود و دخلوا البرية ، و لم يزل في اتباعهم ثلاث سنين . ثم انتهزوا فيه الفرصة باختلاف عسكره يوماً على الماء فانهزموا و غنموا عسكره و سار طغرلبك إلى نيسابور سنة إحدى و ثلاثين فملكها و سكن السادياج ، و خطب له بالسلطان الإعظم العمال في النواحي . و كان الدعار قد اشتد ضررهم بنيسابور فسد أمرهم و حسم عللهم ، و استولى السلجوقية على جميع البلاد . و سار بيقو إلى هراة فملكها و سار داود إلى بلخ و بها القوتباق حاجب مسعود فحاصره ، و عجز مسعود عن إمداده فسلم البلد لداود ، و استقل السلجوقية بملك البلاد أجمع . ثم ملك طغرلبك طبرستان و جرجان من يد أنوشروان بن متوجهر قابوس ، و ضمنها أنوشروان بثلاثين ألف دينار ، و ولى على جرجان مرداويج من أصحابه بخمسين ألف دينار ، و بعث القائم القاضي الحسن الماوردي إلى طغرلبك فقرر الصلح بينه و بين جلال الدولة القائم بدولته و رجع بطاعته .

فتنة قرواش مع جلال الدولة
كان قرواش قد أنفذ عسكره سنة إحدى و ثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت ، و استغاث بجلال الدولة ، و أمر قرواشاً بالكف عنه فلم يفعل و سار لحصاره بنفسه . و بعث إلى الأتراك ببغداد يستفسدهم على جلال الدولة فاطلع على ذلك فبعث أبا الحرث أرسلان
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:44 pm

البساسيري في صفر سنة إثنتين وثلاثين للقبض على نائب قرواش بالسندسية ، و اعترضه العرب فمنعوه و رجع و أقاموا بين صرصر و بغداد يفسدون السابلة ، و جمع جلال الدولة العساكر و خرج إلى الأنبار و بها قرواش فحاصروها . ثم اختلفت عقيل على قرواش فرجع إلى مصالحة جلال الدولة .

وفاة جلال الدولة و ملك أبي كاليجار
لما قلت الجبايات ببغداد مد جلال الدولة يده إلى الجوالي فأخذها و كانت خاصة بالخليفة . ثم توفي جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة في شعبان سنة خمس و ثلاثين و أربعمائة لسبع عشرة من ملكه . و لما مات خاف حاشيته من الأتراك و العامة فانتقل الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم و أصحابه الأكابر إلى حرم دار الخلافة ، و اجتمع القواد للمدافعة عنهم و كاتبوا الملك العزيز أبا منصور بن جلال الدولة في واسط بالطاعة و استقدموه و طلبوا حتى البيعة فراوضهم فيها ، فكاتبهم أبو كاليجار عنها فعدلوا إليه . و جاء العزيز من واسط و انتهى إلى النعمانية فغدر به عسكره ، و رجعوا إلى واسط و خطبوا لأبي كاليجار . و سار العزيز إلى دبيس بن مزيد ، ثم إلى قرواش بن المقلد ، ثم فارقه إلى أبي الشوك فغدر به فسار إلى ينال أخي طغرلبك فأقام عنده مدة . ثم قصد بغداد مختفياً فظهر على بعض أصحابه فقتله ، و لحق هو بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين سنة إحدى و أربعين . و أما أبو كاليجار فخطب له ببغداد في صفر سنة ست و ثلاثين . و بعث إلى الخليفة بعشرة آلاف دينار و بأموال أخرى فرقت إلى الجند و لقبه القائم بمحي الدين ، و خطب له أبو الشوك و دبيس بن مزيد و نصير الدولة بن مروان بأعمالهم . و سار إلى بغداد و معه وزيره أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس . و هم القائم لاستقباله فاستعفى من ذلك ، و خلع على أرباب الجيوش ، و هم البساسيري و النساوري و الهمام أبو اللقاء . و أخرج عميد الدولة أبا سعيد من بغداد فمضى إلى تكريت ، و عاد أبو منصور بن علاء الدولة بن كالويه صاحب أصبهان إلى طاعته ، و خطب له على منبره انحرافاً عن طغرلبك . ثم راجعه بعد الحصار و اصطلحا على مال يحمله ، و بعث أبو كاليجار إلى السلطان طغرلبك في الصلح و زوجه ابنته فأجاب و تم بينهما سنة تسع و ثلاثين .

وفاة أبي كاليجار و ملك ابنه الملك الرحيم
كان أبو كاليجار و المرزبان بن سلطان الدولة قد سارا سنة أربعين إلى نواحي كرمان ، و كان صاحبها بهرام بن لشكرستان من وجوه الديلم قد منع الحمل فتنكر له أبوه كاليجار ، و بعث إلى أبي كاليجار يحتمي به ، و هو بقلعة برد شير فملكها من يده ، و قتل بهرام بعض الجند الذين ظهر منهم على الميل لأبي كاليجار فسار إليه و مرض في طريقه ، و مات بمدينة جنايا في سنة أربعين لأربع سنين و ثلاثة أشهر من ملكه . و لما توفي نهب الأتراك معسكره و انتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور ، و أرادوا نهبه فمنعهم الديلم ، و ساروا إلى شيراز فملكها أبو منصور و استوحش الوزير منه فلحق ببعض قلاعه ، و امتنع بها ، و وصل خبر وفاة أبي كاليجار إلى بغداد و بها ولده الملك الرحيم أبو نصر خسر و فيروز فبايع له الجند و بعث إلى الخليفة في الخطبة و التلقب بالملك الرحيم فأجابه إلى ما سأل إلا اللقب بالرحيم للمانع الشرعي من ذلك . و استقر ملكه بالعراق و خوزستان و البصرة ، و كان بها أخوه أبو علي ، و استولى أخوه أبو منصور كما ذكرنا على شيراز فبعث الملك الرحيم أخاه أبا سعد في العساكر فملكها ، و قبض على أخيه أبي منصور ، و سار العزيز جلال الدولة من عند قرواش إلى البصرة فدافعه أبو علي بن كاليجار عنها . ثم سار الملك الرحيم إلى خوزستان ، و أطاعه من بها من الجند و كثرت الفتنة ببغداد بين أهل السنة و الشيعة .

مسير الملك الرحيم إلى فارس
ثم سار الملك الرحيم من الأهواز إلى فارس سنة إحدى و أربعين ، و خيم بظاهر شيراز ، و وقعت فتنة بين أتراك شيراز و بغداد فرحل أتراك بغداد إلى العراق ، و تبعهم الملك الرحيم لانحرافه عن أتراك شيراز . و كان أيضاً منحرفاً عن الديلم بفارس لميلهم إلى أخيه فلاستون بأصطخر ، و انتهى إلى الأهواز فأقام بها و استخلف بأرجان أخويه أبا سعد و أبا طالب فزحف إليهما أخوهما فلاستون . و خرج الملك الرحيم من الأهواز إلى رامهرمز للقائهم فلقيهم و انهزم إلى البصرة ثم إلى واسط . و سارت عساكر فارس إلى الأهواز فملكوها و خيموا بظاهرها . ثم شغبوا على أبي منصور . و جاء بعضهم إلى الملك الرحيم فبعث إلى بغداد و استقر الجند الذين بها ، و سار إلى الأهواز فملكها و أقام ينتظر عسكر بغداد . ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة إثنتين و أربعين . ثم تقدم سنة ثلاث و أربعين و معه دبيس بن مزيد و البساسيري و غيرهما . و سار هزار شب بن تنكير و منصور بن الحسين الأسدي فيمن معهما من الديلم و الأكراد من أرجان إلى تستر فسبقهم الملك الرحيم إليها و غلبهم عليها . ثم زحف في عسكر هزارشب فوافاه أميره أبو منصور بمدينة شيراز فاضطربوا و رجعوا ، و لحق منهم جماعة بالملك الرحيم فبعث عساكر إلى رامهرمز و بها أصحاب أبي منصور فحاصرها و ملكها في ربيع سنة ثلاث و أربعين . ثم بعث أخاه أبا سعد في العساكر إلى بلاد فارس لأن أخاه أبا نصر خسرو كان بأصطخر ، ضجر من تغلب هزارشب بن تنكير صاحب أخيه أبي منصور فكتب إلى أخيه الملك الرحيم بالطاعة فبعث إليه أخاه أبا سعد فأدخله أصطخر و ملكه . ثم اجتمع أبو منصور فلا ستون و هزارشب و منصور بن الحسين الأسدي ، و ساروا للقاء الملك الرحيم بالأهواز ، و استمدوا السلطان طغرلبك و أبوا طاعته ، فبعث إليهم عسكراً ، و كان قد ملك أصبهان و استطال و افترق كثير من أصحاب الملك الرحيم عنه ، مثل البساسيري و دبيس بن مزيد و العرب و الأكراد و بقي في الديلم الأهوازية و بعض الأتراك من بغداد و رأى أن يعود من عسكر مكرم إلى الأهواز ليتحصن بها و ينتظر عسكر بغداد . ثم بعث أخاه أبا سعد إلى فارس كما ذكرنا ليشغل أبا منصور و هزارشب و من معهما عن قصده فلم يعرجوا على ذلك . و ساروا إليه بالأهواز و قاتلهم فانهزم إلى واسط و نهب الأهواز و فقد في الواقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم فلم يوقف له على خبر ، و سار أبو منصور و أصحابه إلى شيراز لأجل أبي سعد و أصحابه فلقيهم قريباً منها ، و هزمهم مرات و استأمن إليه الكثير منهم ، و اعتصم أبو منصور ببعض القلاع و اعيدت الخطبة بالأهواز للملك الرحيم ، و استدعاه الجند بها و عظمت الفتنة ببغداد بين أهل السنة و الشيعة في غيبة الملك الرحيم و اقتتلوا ، و بعث القائم نقيب العلويين و نقيب العباسيين لكشف الأمر بينهما فلم يوقف على يقين في ذلك . و زاد الأمر و أحرقت مشاهد العظماء من أهل البيت ، و بلغ الخبر إلى دبيس ابن مزيد فاتهم القائم بالمداهنة في ذلك فقطع الخطبة له ثم عوتب فاستعتب و عاد إلى حاله .

مهادنة طغرلبك للقائم
قد تقدم لنا شأن الغز و استيلائهم على خراسان من يد بني سبكتكين عاد إثنتين و ثلاثين ، ثم استيلاء طغرلبك على أصبهان من يد ابن كالويه سنة إثنتين و أربعين . ثم بعث السلطان طغرلبك أرسلان بن أخيه داود إلى بلاد فارس فافتتحها سنة إثنتين و أربعين ، و استلحم من كان بها من الديلم ، و نزل مدينة نسا و بعث إليه القائم بأمر الله بالخلع و الألقاب ، و ولاه على ما غلب عليه فبعث إليه طغرلبك بعشرة آلاف دينار ، و أعلاق نفيسة من الجواهر و الثياب و الطيب ، و إلى الحاشية بخمسة آلاف دينار ، و للوزير رئيس الرؤساء بألفين ، و حضروا العيد في سنة ثلاث و أربعين ببغداد فأمر الخليفة بالاحتفال في الزينة و المراكب و السلاح . ثم سار الغز سنة أربع و أربعين إلى شيراز و بها الأمير أبو سعد أخو الملك الرحيم فقاتلهم و هزمهم كما نذكر في أخبارهم .

استيلاء الملك الرحيم على البصرة من يد أخيه
بعث الملك الرحيم سنة أربع و أربعين جيوشه إلى البصرة مع بصيرة البساسيري فحاصروا بها أخاه أبا علي و قاتلوا عسكره في السفن فهزموهم و ملكوا عليهم دجلة و الأنهر . و جاء الملك الرحيم بالعسكر في البر و استأمن إليه قبائل ربيعة و مضر فأمهنم و ملك البصرة ، و جاءته رسل الديلم بخوزستان بطاعتهم . و مضى أخوه أبو علي إلى شط عمان و تحصن به فسار إليه الملك الرحيم ، و ملك عليه شط عمان و لحق بعبادان ، و سار منها إلى أرجان . ثم لحق بالسلطان طغرلبك بأصبهان فأكرمه و أصهر إليه ، و أقطع له و أنزله بقلعة من أعمال جرباذقان . و ولى الملك الرحيم وزيره البساسيري على البصرة ، و سار إلى الأهواز و أرسل منصور بن الحسين و هزارشب في تسليم أرجان و تستر فتسلمها و اصطلحا . و كان المقدم على أرجان فولاذ بن خسرو من الديلم فرجع إلى طاعة الملك الرحيم سنة خمس و أربعين .

فتنة ابن أبي الشوك ثم طاعته
كان سعدي بن أبي الشوك قد أعطى طاعته للسلطان طغرلبك بنواحي الري ، و سار في خدمته ، و بعثه سنة أربع و أربعين في العساكر إلى نواحي العراق فبلغ النعمانية و كثر عيثه ، و راسله ملد من بني عقيل قرابة قريش بن بدران في الاستظهار له على قريش و مهلهل أخي أبي الشوك فوعدهم ، فسار إليهم مهلهل و أوقع بهم على عكبرا فساروا إلى سعدى و شكوا إليه و هو على سامرا فسار و أوقع بعمه مهلهل و أسره و عاد إلى حلوان و هم الملك الرحيم بتجهيز العساكر إليه بحلوان و استقدم دبيس بن مزيد لذلك . ثم عظمت الفتنة سنة خمس و أربعين ببغداد من أهل الكرخ و أهل السنة ، و دخلها طوائف من الأتراك ، و عم الشر و اطرحت مراقبة السلطان ، و ركب القواد لحسم العلة فقتلوا علوياً من أهل الكرخ فنادت نساؤه بالويل فقاتلهم العامة ، و أضرم النار في الكرخ بعض الأتراك فاحترق جميعه ، ثم بعث القائم و سكن الأمر ، و كان مهلهل لما أسر سار ابنه بدر إلى طغرلبك و ابن سعدي كان عنده رهينة ، و بعث إلى سعدي بإطلاق مهلهل عند ذلك ، فامتنع سعدي من ذلك و انتفض على طغرلبك ، و سار من همذان إلى حلوان و قاتلها فامتنعت عليه ، فكاتب الملك الرحيم بالطاعة و لحقه عساكر طغرلبك فهزموه ، و لحق ببعض القلاع هنالك و سار بدر في اتباعه إلى شهرزور ، ثم جاءه الخبر بأن جمعاً من الأكراد و الأتراك قد أفسدوا السابلة و أكثروا العيث ، فخرج إليهم البساسيري و اتبعهم إلى البواريج و أوقع بالطوائف منهم و استباحهم و عبروا الزاب فلم يمكنه العود إليهم و نجوا .

فتنة الأتراك
و في سنة ست و أربعين شغب الأتراك على وزير الملك الرحيم في مطالبة أرزاقهم و استعدوه عليه فلم يعدهم فشكوا من الديوان و انصرفوا مغضبين ، و باكروا من الغد لحصار دار الخليفة ، و حضر البساسيري و استكشف حال الوزير فلم يقف على خبر . و كبست الدور في طلبه فكان ذلك وسيلة للأتراك في نهب دور الناس . و اجتمع أهل المحال لمنعهم ، و نهاهم الخليفة فلم ينتهوا فهم بالرحلة عن بغداد . ثم ظهر الوزير و أنصفهم في أرزقهم فتمادوا على بغيهم عسفهم ، و اشتد عيث الأكراد و الأعراب في النواحي فخربت البلاد ، و تفرق أهلها ، و أغار أصحاب ابن بدران بالبرد و كبسوا حلل كامل بن محمد بن المسيب و نهبوها ، و نهبوا في جملتها ظهراً و أنعاماً للبساسيري و انحل أمر الملك و السلطنة بالكلية .

استيلاء طغرلبك على أذربيجان و على أرمينية و الموصل
سار طغرلبك سنة أربعين إلى أذربيجان فأطاعه صاحب قبرير أبو منصور و شهودان ابن محمد و خطب له و رهن ولده عنده . ثم أطاعه صاحب جنده أبو الأسوار ثم تبايع سائر النواحي على الطاعة و أخذ رهنهم ، و سار إلى أرمينية فحاصر ملاذكرد و امتنعت عليه فخرب ما جاورها من البلاد . و بعث إليه نصير الدولة بن مروان بالهدايا و قد كان دخل في طاعته من قبل و سار السلطان طغرلبك لغزو بلاد الروم و اكتسحها إلى أن أردن الروم ، و رجع إلى أذربيجان ثم إلى الري ، و خطب له قريش بن بدران صاحب الموصل في جميع أعماله و زحف إلى الأنبار ففتحها و نهب ما فيها البساسيري فانتفض لذلك و سار في العساكر إلى الأنبار فاستعاده من يده .

وحشة البساسيري
كان أبو الغنائم و أبو سعد أبا المجلبان صاحبي قريش بن بدران و بعثهما إلى القائم سراً من البساسيري بما فعل بالأنبار فانتقض البساسيري لذلك ، و استوحش من القائم و من رئيس الرؤساء ، و أسقط مشاهراتهم و مشاهرة حواشيهم ، و هم يهدم منازل بني الجلبان . ثم أقسر و سار إلى الأنبار و بها أبو القاسم بن المجلبان ، و جاءه دبيس بن مزيد ممداً له فحاصر الأنبار و فتحها عنوة و نهبها و أسر من أهلها خمسمائة ، و مائة من بني خفاجة و أسر أبا الغنائم و جاء به إلى بغداد فأدخله على جمل ، و شفع دبيس بن مزيد في قتله ، و جاء إلى مقابل التاج من دار الخليفة فقبل الأرض و عاد إلى منزله .

وصول الغز إلى الدسكرة و نواحي بغداد
و في شوال من سنة ست و أربعين وصل صاحب حلوان من الغز و هو إبراهيم بن إسحق إلى الدسكرة فافتتحها و نهبها و صادر النساء . ثم سار إلى رسغباد و قلعة البردان و هي لسعدي ابن أبي الشوك ، و بها أمواله فامتنعت عليه فخرب ما حولها من القرى و نهبها ، و
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:46 pm

قوى طمع الغز في البلاد و ضعف أمر الديلم و الأتراك . ثم بعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار الذي كان بالبصرة في جيش من الغز إلى خوزستان فاستولى على الأهواز و ملكها و نهب الغز الذين معه أموال الناس و لقوا منهم عناء .

استيلاء الملك الرحيم على شيراز
و في سنة سبع و أربعين سار فولاذ الذي كان بقلعة أصطخر من الديلم ، وقد ذكرناه إلى شيراز فملكها من يد أبي منصور فولاستون بن أبي كاليجار ، وكان خطب بها للسلطان طغرلبك فخطب فولاذ بها للملك الرحيم و لأخيه أبي سعد يخادعهما بذلك ، و كان أبو سعد بأرجان فاجتمع هو و أخوه أبو منصور على حصار شيراز في طاعة أخيهما الملك و اشتد الحصار على فولاذ و عدمت الأقوات فهرب عنها إلى قلعة أصطخر و ملك الأخوان شيراز و خطبا لأخيهما الملك الرحيم .

وثوب الأتراك ببغداد بالبساسيري
قد ذكرنا تأكد الوحشة بين البساسيري و رئيس الرؤساء . ثم تأكدت سنة سبع و أربعين و عظمت الفتنة بالجانب الشرقي بين العامة و بين أهل السنة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و حضروا الديوان حتى أذن لهم في ذلك و تعرضوا لبعض سفن البساسيري منحدرة إليه بواسط ، و كشفوا فيها عن جرار خمر ، فجاؤا إلى أصحاب الديوان الذين أمروا بمساعدتهم و استدعوهم لكسرها فكسروها ، و استوحش لذلك البساسيري و نسبه إلى رئيس الرؤساء . و استفتى الفقهاء في أن ذلك تعد على سفينته فأفتاه الحنفية بذلك . و وضع رئيس الرؤساء الأعيان على البساسيري بإذن من دار الخلافة ، و أظهر معايبه . و بالغوا في ذلك ، ثم قصدوا في رمضان دور البساسيري بإذن من دار الخلافة فنهبوها و أحرقوها ، و وكلوا بحرمه و حاشيته و أعلن رئيس الرؤساء بذم البساسيري و أنه يكاتب المستنصر صاحب مصر فبعث القائم إلى الملك الرحيم فأمره بإبعاده فأبعده .

استيلاء السلطان طغرلبك على بغداد و الخلعة و الخطبة له
قد ذكرنا من قبل رجوع السلطان طغرلبك من غزو الروم إلى الري ، ثم رجع إلى همذان ، ثم سار إلى حلوان عازماً على الحج و الاجتياز بالشام لإزالته من يد العلوية . و أجفل الناس إلى غربي بغداد ، و عظم الأرجاف ببغداد و نواحيها ، و خيم الأتراك بظاهر البلد . و جاء الملك الرحيم من واسط بعد أن طرد البساسيري عنه كما أمره القائم فسار إلى بلد دبيس بن مزيد لصهر بينهما . و بعث طغرلبك إلى لقائهما بالطاعة و إلى الأتراك بالمقاربة و الوعد فلم يقبلوا ، و طلبوا من القائم إعادة البساسيري لأنه كبيرهم . و لما وصل الملك الرحيم سأل من الخليفة إصلاح أمره مع السلطان طغرلبك فأشار القائم بأن يقوض الأجناد خيامهم و يخيموا بالحريم الخلافي ، و يبعثوا جميعاً إلى طغرلبك بالطاعة ، فقبلوا إشارته و بعثوا إلى طغرلبك بذلك فأجاب بالقبول و الإحسان . و أمر القائم بالخطبة لطغرلبك على منابر بغداد فخطب آخر رمضان من سنة سبع و أربعين ، و استأذن في لقاء الخليفة و خرج إليه رؤساء الناس في موكب من القضاة و الفقهاء و الأشراف و أعيان الديلم . و بعث طغرلبك للقائم وزيره أبا نصر الكندري و أبلغه رسالة القائم و استخلفه له و للملك الرحيم و أمراء الأجناد . و دخل طغرلبك بغداد و نزل بباب الشماسية لخمس بقين من رمضان ، و جاء هنالك قريش بن بدران صاحب الموصل و كان من قبل في طاعته .

القبض على الملك الرحيم و انقراض دولة بني بويه
و لما نزل طغرلبك بغداد و افترق أهل عسكره في البلد يقضون بعض حاجاتهم ، فوقعت بينهم و بين بعض العامة منازعة فصاحوا بهم و رجموهم ، و ظن الناس أن الملك الرحيم قد اعتزم على قتال طغرلبك فتواثبوا بالغز من كل جهة إلا أهل الكرخ فإنهم سألوا من وقع إليهم من الغز . و أرسل عميد الملك وزير طغرلبك عن عدنان ابن الرضي نقيب العلويين ، و كان مسكنه بالكرخ فشكره عن السلطان طغرلبك . و دخل أعيان الديلم و أصحاب الملك الرحيم إلى دار الخلافة نفياً للتهمة عنهم . و ركب أصحاب طغرلبك فقاتلوا العامة و هزموهم و قتلوا منهم خلقاً و نهبوا سائر الدروب و دور رئيس الرؤساء و أصحابه و الرصافة ، و دور الخلفاء ، و كان بها أموال الناس نقلت إليها للحرمة فنهب الجميع ، و اشتد البلاء و عظم الخوف و أرسل طغرلبك إلى القائم بالعتاب و نسبة ما وقع إلى الملك الرحيم و الديلم ، و أنهم انحرفوا ، و كانوا برآء من ذلك . و تقدم إليهم الخليفة بالحضور عند طغرلبك مع رسوله ، فلما وصلوا إلى الخيام نهبها الغز و نهبوا رسل القائم معهم ، ثم قبض طغرلبك على الملك الرحيم و من معه ، و بعث بالملك الرحيم إلى قلعة السيروان فحبس بها و كان ذلك لست سنين من ملكه . و نهب في تلك الهيعة قريش بن بدران صاحب الموصل ، و من معه من العرب ، و نجا سليباً إلى خيمة بدر بن المهلهل ، و اتصل بطغرلبك خبره فأرسل إليه و خلع عليه و أعاده إلى مخيمه ، و بعث القائم إلى طغرلبك بإنكار ما وقع في إخفار ذمته في الملك الرحيم و أصحابه ، وأنه يتحول عن بغداد فأطلق له بعضهم بلكسكسالربه و أنزع الاقطاعات من يد أصحابه الملك الرحيم فلحقوا بالبساسيري و كثر جمعه ، و بعث طغرلبك إلى دبيس بالطاعة و إنفاذ البساسيري فخطب له في بلاده ، و طرد البساسيري فسار إلى رحبة ملك ، و كاتب المستنصر العلوي صاحب مصر و أمر طغرلبك بأخذ أموال الأتراك الجند و أهملهم و انتشر الغز السلجوقية في سواد بغداد فنهبوا الجانب الغربي من تكريت إلى النيل ، و الجانب الشرقي إلى النهر و أنات و خرب السواد و انجلى أهله و ضمن السلطان طغرلبك البصرة و الأهواز من هزارشب بن شكر بن عياض بثلثمائة و ستين ألف دينار ، و أقطعه أرجان ، و أمره أن يخطب لنفسه بالأهواز دون ما سواها . و أقطع أبا علي بن كاليجار و يسين و أعمالها و أمر أهل الكرخ بزيادة الصلاة خير من النوم في نداء الصبح ، و أمر بعمارة دار المملكة و انتقل إليها في شوال . و توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم بالله في ذي القعدة من هذه السنة . ثم انكح السلطان طغرلبك من القائم بالله خديجة بنت أخيه داود و إسمها أرسلان خاتون ، و حضر للعقد عميد الملك الكندي وزير طغرلبك وأبو علي بن أبي كاليجار و هزارشب بن شكر بن عياض الكردي و ابن أبي الشوك و غيرهم من أمراء الأتراك من عسكر طغرلبك . و خطب رئيس الرؤساء و ولي العقد و قبل الخليفة بنفسه . و حضر نقيب النقباء أبو علي بن أبي تمام ، و نقيب العلويين عدنان ابن الرضي و القاضي أبو الحسن الماوردي و غيرهم .

انتقاض أبي الغنائم بواسط
كان رئيس الرؤساء سعى لأبي الغنائم بن المجلبان في ولاية واسط و أعمالها ، فوليها و صادر أعيانها ، و جند جماعة و تقوى بأهل البطيحة ، و خندق على واسط ، و خطب للمستنصر العلوي بمصر فسار أبو نصر عميد العراق لحربه فهزمه و أسر من أصحابه ، و وصل إلى السور فحاصره حتى تسلم البلد . و مر أبو الغنائم و معه الوزير بن فساجس و رجع عميد العراق إلى بغداد بعد أن ولى واسط منصور بن الحسين فعاد ابن فسانجس إلى واسط و أعاد خطبة العلوي و قتل من وجده من الغز ، و مضى منصور بن الحسين إلى المدار و بعث يطلب المدد فكتب إليه عميد العراق و رئيس الرؤساء بحصار واسط فحاصرها ، و قاتله ابن فسانجس فهزمه و ضيق حصاره ، و استأمن إليه جماعة من أهل واسط فملكها و هرب فسانجس و اتبعوه فأدركه و حمل إلى بغداد في صفر سنة ست و أربعين فشهر و قتل .

الوقعة بين البساسيري و قطلمش
و في سلخ شوال من سنة ثمان و أربعين سار قطلمش و هو ابن عم السلطان طغرلبك وجد بني قليج أرسلان ملوك بلاد الروم ، فسار و معه قريش بن بدران صاحب الموصل لقتال البساسيري و دبيس ، و سار بهم إلى الموصل و خطبوا بها للمستنصر العلوي صاحب مصر و بعث إليهم بالخلع . و كان معهم جابر بن ناشب و أبو الحسن و عبد الرحيم و أبو الفتح ابن ورائر و نصر بن عمر و محمد بن حماد .

مسير طغرلبك إلى الموصل
لما كان السلطان طغرلبك قد ثقلت وطأته على العامة ببغداد ، و فشا الضرر و الأذى فيهم من معسكره فكاتبه القائم يعظه و يذكره ، ويصف له ما الناس فيه فأجابه السلطان بالاعتذار بكثرة العساكر . ثم رأى رؤيا في ليلته كان النبي صلى الله عليه و سلم يوبخه على ذلك ، فبعث وزيره عميد الملك إلى القائم بطاعة أمره فيما أمر ، و أخرج الجند من وراء العامة و رفع المصادرات . ثم بلغه خبر وقعة قطلمش مع البساسيري و انحراف قريش صاحب الموصل إلى العلوية ، فتجهز و سار عن بغداد ثلاثة عشر شهراً من نزوله عليها ، و نهبت عساكره أوانا و عكبرا ، و حاصر تكريت حتى رجع صاحبها نصر بن عيسى إلى الدعوة العباسية ، و قتله السلطان ، و رجع عنه إلى البواريج فتوفي نصر و خافت أمه غريبة بنت غريب بن حكن أن يملك البلد أخوه أبو الغشام ، فاستخلفت أبا الغنائم بن المجلبان و لحقت بالموصل ، و نزلت على دبيس بن مزيد . و أرسل أبو الغنائم رئيس الرؤساء فأصلح حاله و رجع إلى بغداد و سلم له تكريت ، و أقام السلطان بالبواريخ إلى سنة تسع و أربعين ، و جاء أخوه ياقوتي في العساكر فسار إلى الموصل ، و أقطع مدينة بلد هزارشب بن شكر الكردي ، و أراد العسكر نهبها فمنعهم السلطان ، ثم أذن لهم في اللحاق إلى الموصل ، و توجه إلى نصيبين ، و بعث هزارشب إلى البرية في ألف فارس ليصيب من العرب ، فسار حتى قارب رحالهم ، و أكمن الكمائن ، و قاتلهم ساعة . ثم استطرهم و اتبعوه فخرجت عليهم الكمائن فانهزموا و أثخن فيهم الغز بالقتل و الأسر . و كان فيهم جماعة من بني نمير أصحاب حران و الرقة ، و حمل الأسرى إلى السلطان فقتلهم أجمعين . ثم بعث دبيس و قريش إلى هزارشب يستعطف لهم السلطان فقبل السلطان ذلك منهما ، و ورد أمر البساسيري إلى الخليفة و معه الأتراك البغداديون ، و قتل ابن المقلد وجماعة من عقيل إلى الرحبة ، و أرسل السلطان إليهما أبا الفتح بن ورام يستخبرهما فجاء بطاعتهما ، و بمسير هزارشب إليهما فأذن له السلطان في المسير ، و جاء إليهما و استحلفهما و حثهما على الحضور فخافا . و أرسل قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ، و دبيس ابنه منصوراً فأكرمهما السلطان ، و كتب لهما بأعمالهما . و كان لقريش نهر الملك و باذروبا و الأنبار و هيت و دجيل و نهر بيطر و عكبرا و أوانا و تكريت و الموصل و نصيبين . ثم سار السلطان إلى ديار بكر فحاصر جزيرة ابن عمر و بعث إليه يستعطفه و يبذل له المال ،و جاء إبراهيم ينال أخو السلطان و هو محاصر ، و لقيه الأمراء و الناس ، و بعث هزارشب إلى دبيس و قريش يحذرهما فانحدر دبيس إلى بلده بالعراق . و أقام قريش عند البساسيري بالرحبة و معه ابنه مسلم ، و شكا قطلمش ما أصاب أهل سنجار منه عند هزيمته أمام قريش و دبيس ، فبعث العساكر إليها ، و حاصرها ففتحها عنوة و استباحها ، و قتل أميرها علي ابن مرجى و شفع إبراهيم في البارقين فتركها و سلمها الله و سلم معها الموصل و أعمالها و رجع إلى بغداد في سنة تسع و أربعين فخرج رئيس الرؤساء للقائه عن القائم ، و بلغه سلامه و هديته ، وهي جام من ذهب فيه جواهر ، و ألبسه لباس الخليفة و عمامته فقبل السلطان ذلك بالشكر و الخضوع و الدعاء ، و طلب لقاء الخليفة ، فأسعف و جلس له جلوساً فخماً . و جاء السلطان في البحر فقرب له لما نزل من السهيرية من مراكب الخليفة ، و القائم على سرير علوه سبعة أذرع متوشحاً البردة و بيده القضيب ، و قبالته كرسي لجلوس السلطان فقبل الأرض و جلس على الكرسي ، و قال له رئيس الرؤساء عن القائم : أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك مستأنس بقربك ، و ولاك ما ولاه الله من بلاده ، و رد إليه مراعاة عباده فاتق الله فيما ولاك و اعرف نعمته عليك ، و اجتهد في نشر العدل و كف الظلم و إصلاح الرعية ، فقبل الأرض ، و أفيضت عليه الخلع و خوطب بملك الشرق و المغرب ، و قبل يد الخليفة و وضعها على عينيه و دفع إليه كتاب العهد ، و خرج فبعث إلى القائم خمسين ألف دينار و خمسين مملوكاً من الأتراك منتقين بخيولهم و سلاحهم ، إلى ما في ما في معنى ذلك من الثياب و الطيب و غيرهما .

فتنة ينال مع أخيه طغرلبك و مقتله
كان إبراهيم ينال قد ملك بلاد الجبل و همذان و استولى على الجهات من نواحيها إلى حلوان أعوام سنة سبع و ثلاثين . ثم استوحش من السلطان طغرلبك بما طلب منه أن يسلم إليه مدينة همذان و القلاع فأبى من ذلك ينال ، و جمع جموعا و تلاقيا فانهزم ينال و تحصن بقلعة سرماج فملكها عليه بعد الحصار ، و استنزله منها ، و ذلك سنة إحدى و أربعين . و أحسن إليه طغرلبك و خيره بين المقام معه أو اقطاع الأعمال فاختار المقام . ثم لما ملك طغرلبك بغداد و خطب له بها سنة سبع و أربعين ، أخرج إليه البساسيري مع قريش بن بدران صاحب الموصل و دبيس بن مزيد صاحب الحلة ، و سار طغرلبك إليهم من بغداد ، و لحقه أخوه إبراهيم ينال فلما ملك الموصل سلمها إليه و جعلها لنظره مع سنجار و الرحبة و سائر تلك الأعمال التي لقريش ، و رجع إلى بغداد سنة تسع و أربعين . ثم بلغه سنة خمسين بعدها أنه سار إلى بلاد الجبل فاستراب به و بعث إليه يستقدمه بكتابه و كتاب القائم مع العهد الكندي فقدم معه . و في خلال ذلك قصد البساسيري و قريش بن بدران الموصل فملكاها جفلوا عنها فاتبعهم إلى نصيبين ، و خالفه أخوه إبراهيم ينال إلى همذان في رمضان سنة خمسين . يقال إن العلوي صاحب مصر و البساسيري كاتبوه و استمالوه و أطمعوه في السلطنة ، فسار السلطان في اتباعه من نصيبين ، و رد وزيره عميد الملك الكندي و زوجته خاتون إلى بغداد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:46 pm

، و وصل إلى همذان و لحق به من كان ببغداد من الأتراك فحاصر همذان في قلعة من العسكر ، و اجتمع لأخيه خلق كثير من الترك و حلف لهم أن لا يصالح طغرلبك و لا يدخل بهم العراق لكثرة نفقاته . و جاءه محمد و أحمد ابنا أخيه أرباش بأمداد من الغز فقوي بهم ، و وهن طغرلبك فأفرج عنه إلى الري ، و كاتب إلى أرسلان ابن أخيه داود ، و قد كان ملك خراسان بعد أبيه سنة إحدى و خمسين كما يذكر في أخبارهم ، فزحف إليه في العساكر و معه أخوه ياقوت و قاروت بك ، و لقيهم إبراهيم فيمن معه فانهزم ، و جيء به و بابني أخيه محمد و أحمد أسرى إلى طغرلبك فقتلهم جميعاً و رجع إلى بغداد لاسترجاع القائم .

دخول السباسيري بغداد و خلع القائم ثم عوده
قد ذكرنا أن طغرلبك سار إلى همذان لقتال أخيه و ترك وزيره عميد الملك الكندي ببغداد مع الخليفة ، و كان البساسيري و قريش بن بدران فارقا الموصل عند زحف السلطان طغرلبك إليهما ، فلما سار عن بغداد لقتال أخيه بهمذان خلفه البساسيري و قريش إلى بغداد فكثر الأرجاف بذلك ، و بعث عن دبيس بن مزيد حاجبه ببغداد و نزلوا بالجانب الشرقي ، و طلب من القائم الخروج معه إلى إحيائه ، و استدعى هزارشب من واسط للمدافعة ، و استمهل في ذلك فقال العرب : لا نشير فأشيروا بنظركم ، و جاء البساسيري ثامن ذي القعدة سنة خمسين في أربعمائة غلام على غاية من سوء الحال و معه أبو الحسن بن عبد الرحيم ، و جاء حسين بن بدران في مائة فارس و خيموا مفترقين عن البلد ، و اجتمع العسكر و القوم إلى عميد العراق ، و أقاموا ازاء البساسيري و خطب البساسيري ببغداد للمستنصر العلوي صاحب مصر بجامع المنصور ، ثم بالرصافة ، و أمر بالأذان بحي على خير العمل ، و خيم بالزاهر ، و كان هوى البساسيري لمذاهب الشيعة ، و ترك أهل السنة للإنحراف عن الأتراك فرأى الكندي المطاولة لانتظار السلطان ، و رأى رئيس الرؤساء المناجزة و كان غير بصير بالحرب ، فخرج لقتالهم في غفلة من الكندي ، فانهزم و قتل من أصحابه خلق و نهب باب الأزج و هو باب الخلافة .
و هرب أهل الحريم الخلافي فاستدعى القائم العميد الكندي للمدافعة عن دار الخلافة فلم يرعهم إلا اقتحام العدو عليهم من الباب النوبي ، فركب الخليفة و لبس السواد ، والنهب قد وصل باب الغردوس ، و العميد الكندي قد استأمن إلى قريش فرجع و نادى بقريش من السور فاستأمن إليه على لسان رئيس الرؤساء ، و استأمن هو أيضاً معه ، و خرجا إليه و سارا معه و نكر البساسيري على قريش نقضه لما تعاهدا عليه ، فقال : إنما تعاهدنا على الشركة فيما يستولي عليه ، و هذا رئيس الرؤساء لك و الخليفة لي .
و لما حضر رئيس الرؤساء عند البساسيري وبخه و سأله العفو فأبى منه ، و حمل قريش القائم إلى معسكره على هيئته ، و وضع خاتون بنت أخي السلطان طغرلبك في بلد بعض الثقات من خواصه و أمره بخدمتها ، و بعث القائم ابن عمه مهارش فسار به إلى بلده حديثة خان و انزله بها . و أقام البساسيري ببغداد و صلى عيد النحر بالألوية المصرية و أحسن إلى الناس و أجرى أرزاق الفقهاء و لم يتعصب المذهب . و أنزل أم القائم بدارها و سهل جرايتها ، و ولى محمود بن الأقزم على الكوفة ، و سعى الفرات و أخرج رئيس الرؤساء من محبسه آخر ذي الحجة فصلبه عند التجيبي لخمسين سنة من تردده في الوزارة . و كان ابن ماكولا قد قبل شهادته سنة أربع عشرة ، و بعث البساسيري إلى المستنصر العلوي بالفتح و الخطبة له بالعراق . و كان هنالك أبو الغرج ابن أخي أبي القائم المغربي ، فاستهان بفعله و خوفه عاقبته ، و أبطأت أجوبته مدة ، ثم جاءت بغير ما أمل ، و سار البساسيري من بغداد إلى واسط و البصرة فملكها ، و أراد قصر الأهواز فبعث صاحبها هزارشب بن شكر فأصلح أمره على مال يحمله . و رجع البساسيري إلى واسط في شعبان سنة إحدى و خمسين ، و فارقه صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي إلى هزارشب ، و قد كان ولى بغداد أباه على ما يذكر . ثم جاء الخبر إلى البساسيري بظفر طغرلبك بأخيه ، و بعث إليه والي قريش في إعادة الخليفة إلى داره ، و يقيم طغرلبك ، و تكون الخطبة و السكة له فأبى البساسيري من ذلك ، فسار طغرلبك إلى العراق ، و انتهى إلى قصر شيرين ، و أجفل الناس بين يديه . و رحل أهل الكرخ بأهليهم و أولادهم براً و بحراً ، و كثر عيث بني شيبان في الناس ، و ارتحل البساسيري بأهله و ولده ساوس ذي القعدة سنة إحدى و خمسين لحول كامل .
من دخوله و كثر الهرج في المدينة و النهب و الإحراق . و رحل طغرلبك إلى بغداد بعد أن أرسل من طريقه الأستاذ أحمد بن محمد بن أيوب المعروف بابن فورك إلى قريش بن بدران بالشكر على فعله في القائم و في خاتون بنت أخيه زوجة القائم ، و أن أبا بكر بن فورك جاء بإحضارهما و القيام بخدمتهما ، و قد كان قريش بعث إلى مهارش بأن يدخل معهم إلى البرية بالخليفة ليصد ذلك طغرلبك عن العراق ، و يتحكم عليه بما يريد فأبى مهارش لنقض البساسيري عهوده ، و اعتذر بأنه قد عاهد الخليفة القائم بما لا يمكن نقضه و رحل بالخليفة إلى العراق ، و جعل طريقه على بدران بن مهلهل . و جاء أبو فورك إلى بدر فحمله معه إلى الخليفة و أبلغه رسالة طغرلبك و هداياه ، و بعث طغرلبك للقائه وزيره الكندي و الأمراء و الحجاب بالخيام و السرادقات و المقربات بالمراكب الذهبية فلقوه في بلد بدر . ثم خرج السلطان فلقيه بالنهروان و اعتذر عن تأخره بوفاة أخيه داود بخرسان و عصيان إبراهيم بهمذان ، و أنه قتله على عصيان . و أقام حتى رتب أولاد داود في مملكته و قال إنه يسير إلى الشام في اتباع البساسيري . و طال صاحب مصر فقلده القائم سيفه إذ لم يجد سواه ، و أبدى وجهه للأمراء فحيوه و انصرفوا . و تقدم طغرلبك إلى بغداد فجلس في الباب النوبي مكان الحاجب ، و جاء القائم فأخذ طغرلبك بلجام بغلته إلى باب داره و ذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة إحدى و خمسين و سار السلطان إلى معسكره و أخذ في تدبير أموره .

مقتل البساسيري
ثم أرسل السلطان طغرلبك خمارتكين في ألفين إلى الكوفة ، و استقر معه سرايا بن منيع في بني خفاجة ، وسار السلطان طغرلبك في أثرهم فلم يشعر دبيس و قريش و البساسيري ـ و قد كانوا نهبوا الكوفة ـ إلا و العساكر قد طلعت عليهم من طريق الكوفة ، فأجفلوا نحو البطيحة . و سار دبيس ليرد العرب إلى القتال فلم يرجعوا ، و مضى معهم ، و وقف البساسيري و قريش فقتل من أصحابهما جماعة و أسر أبو الفتح ابن ورام و منصور بن بدران و حماد بن دبيس ، و أصاب البساسيري سهم فسقط عن فرسه ، و أخذ رأسه لمتنكيرز و أتى العميد الكندري و حمله إلى السلطان ، و غنم العسكر جميع أموالهم و أهليهم ، و حمل رأس البساسيري إلى دار الخلافة فعلق قبالة النوبي في منتصف ذي الحجة . و لحق دبيس بالبطيحة و معه زعيم الملك أبو الحسن عبد الرحيم ، و كان هذا البساسيري من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة اسمه أرسلان و كنيته أبو الحرث و نسبه في الترك . و هذه النسبة المعروفة له نسبة إلى مدينة بفارس حرفها الأول متوسط بين الفاء و الباء ، و النسبة إليه فسوي ، و منها أبو علي الفارسي صاحب الإيضاح . و كان أولا ينسب إليها فلذلك قيل فيه هو بساسيري .

مسير السلطان إلى واسط و طاعة دبيس
ثم انحدر السلطان إلى واسط أول سنة اثنتين و خمسين و حضر عنده هزارشب بن شكر من الأهواز ، و أصلح حال دبيس بن مزيد و صدقة بن منصور بن الحسين ، أحضرهما عند السلطان و ضمن واسط أبو علي بن فضلان بمائتي ألف دينار ، و ضمن البصرة الأغر أبو سعد سابور بن المظفر ، و أصعد السلطان إلى بغداد ، و اجتمع بالخليفة ، ثم سار إلى بلد الجبل في ربيع سنة إثنتين و خمسين . و أنزل ببغداد الأمير برسو شحنة ، و ضمن أبو الفتح المظفر بن الحسين في ثلاث سنين بأربعمائة ألف دينار ، و رد إلى محمود الأخرم إمارة بني خفاجة ، و ولاه الكوفة و سقى الفرات و خواص السلطان بأربعة آلاف دينار في كل سنة .

وزارة القائم
و لما عاد القائم إلى بغداد ولى أبا تراب الأشيري على الأنهار و حضور المراكب ، و لقبه حاجب الحجاب ، و كان خدمه بالحديثة ثم سعى الشيخ أبو منصور في وزارة أبي الفتح بن أحمد بن دارست على أن يحمل مالاً فأجيب و أحضر من الأهواز في منتصف ربيع من سنة ثلاث و خمسين فاستوزره و كان من قبل تاجراً لأبي كاليجار ، ثم ظهر عجزه في استيفاء الأموال فعزله ، و عاد إلى الأهواز . و قدم أثر ذلك أبو نصر بن جهير وزير نصير الدولة بن مروان نازعاً منه إلى الخليفة القائم فقبله و استوزره ، و لقبه فخر الدولة .

عقد طغرلبك على ابنه الخليفة
كان السلطان طغرلبك قد خطب من القائم ابنته على يد أبي سعد قاضي الري سنة ثلاث و خمسين ، فاستنكف من ذلك . ثم بعث أبا محمد التميمي في الاستعفاء من ذلك و إلا فيشترط ثلثمائة ألف دينار و واسط و أعمالها . فلما ذكر التميمي ذلك للوزير عميد الملك بني الأمر على الإجابة قال : و لا يحسن الاستعفاء ، و لا يليق بالخليفة طلب المال ، و أخبر السلطان بذلك فسر به و أشاعه في الناس و لقب وزيره عميد الملك و أتى أرسلان خاتون زوجة القائم و معه مائة ألف ألف دينار و ما يناسبها من الجواهر و الجوار ، و بعث معهم قرامرد بن كاكويه و غيره من أمراء الري ، فلما وصلوا إلى القائم استشاط و هم بالخروج من بغداد . و قال له العميد : ما جمع لك في الأول بين الامتناع و الاقتراح و خرج مغضباً إلى النهروان فاستوقفه قاضي القضاة و الشيخ أبو منصور بن يوسف . و كتب من الديوان إلى خمارتكين من أصحاب السلطان بالشكوى من عميد الملك و جاءه الجواب بالرفق . و لم يزل عميد الملك يريض الخليفة و هو يتمنع إلى أن رحل في جمادى من سنة أربع و خمسين . و رجع إلى السلطان و عرفه بالحال ، و نسب القضية إلى خمارتكين فتنكر له السلطان و هرب ، و اتبعه أولاد ينال فقتلوه بثأر أبيهم ، و جعل مكانه سارتكين و بعث للوزير بشأنه . و كتب السلطان إلى قاضي القضاة و الشيخ أبي منصور بن يوسف بالعتب ، و طلب بنت أخي زوجة القائم فأجاب الخليفة حينئذ إلى الإصهار ، و فوض إلى الوزير عميد الكندري عقد النكاح على ابنته للسلطان ، و كتب بذلك إلى أبي الغنائم المجلبان فعقد عليها في شعبان من تلك السنة بظاهر تبريز . و حمل السلطان للخليفة أموالاً كثيرة و جواهر لولي العهد و للمخطوبة ، و أقطع ما كان بالعراق لزوجته خاتون المتوفاة للسيدة بنت الخليفة . و توجه السلطان في المحرم سنة خمس و خمسين من أرمينية إلى بغداد و معه من الأمراء أبو علي بن أبي كاليجار و سرخاب بن بدر و هزار و أبو منصور بن قرامرد بن كاكويه ، و خرج الوزير ابن جهير فتلقاه ، و ترك عسكره بالجانب الغربي ، و نادى الناس بهم . و جاء الوزير ابن العميد لطلب المخطوبة فأفرد له القائم دوراً لسكناه و سكنى حاشيته ، و انتقلت المخطوبة إليها و جلست على سرير ملبس بالذهب ، و دخل السلطان فقبل الأرض ، و حمل لها مالاً كثيراً من الجواهر و أولم أياماً ، و خلع على جميع أمرائه و أصحابه ، و عقد ضمان بغداد على أبي سعد الفارسي بمائة و خمسين ألف دينار ، و أعاد ما كان أطلقه رئيس العراقين من المواريث و المكوس ، و قبض على الأعرابي سعد ضامن البصرة ، و عقد ضمان واسط على أبي جعفر بن فضلان بمائتي ألف .

وفاة السلطان طغرلبك و ملك ابن أخيه داود
ثم سار السلطان طغرلبك من بغداد في ربيع الآخر إلى بلد الجبل ، فلما وصل الري أصابه المرض و توفي ثامن رمضان من سنة خمس و خمسين ، و بلغ خبر وفاته إلى بغداد فاضطربت ، و استقدم القائم مسلم بن قريش صاحب الموصل و دبيس بن مزيد و هزارشب صاحب الأهواز و بني ورام و بدر بن مهلهل فقدموا ، و أقام أبو سعد الفارسي ضامن بغداد سوراً على قصر عيسى ، و جمع الغلال ، و خرج مسلم بن قريش من بغداد فنهب النواحي ، و سار دبيس بن مزيد و بنو خفاجة و بنو ورام و الأكراد لقتاله . ثم استتيب و رجع إلى الطاعة و توفي أبو الفتح بن ورام مقدم الأكراد و الجاوانية ، و حمل العامة السلاح لقتال الأعراب فكانت سبباً لكثرة الذعار . و لما مات طغرلبك بايع عميد الدولة الكندري بالسلطنة لسليمان بن داود ، و جعفر بك ، و كان ربيب السلطان طغرلبك خلف أخاه جعفر بك داود على أمه ، و عهد إليه بالملك ، فلما خطب له اختلف عليه الأمر و سار باغي سيان و أرذم إلى قزوين فخطب لأخيه ألب أرسلان و هو محمد بن داود ، و هو يومئذ صاحب خراسان و وزيره نظام الملك سار إلى المذكور ، و سأل الناس إليه و شعر الكندري باختلال أمره فخطب بالري للسلطان ألب أرسلان و بعده لأخيه سليمان . و زحف ألب أرسلان في العساكر من خراسان إلى الري فلقيه الناس جميعاً و دخلوا في طاعته ، و جاء عميد الملك الكندري إلى وزيره نظام الملك فخدمه و هاداه فلم يغن عنه ، و خشي السلطان غائلته فقبض عليه سنة ست و خمسين و حبسه بمرو الروذ . ثم بعث بعد سنة من محبسه بقتله في ذي الحجة من سنة سبع و خمسين ، و كان من أهل نيسابور كاتباً بليغاً . فلما ملك طغرلبك نيسابور ، و طلب كاتباً فدله عليه الموفق والد أبي سهل فاستكتبه و استخلصه ، و كان خصياً يقال إن طغرلبك خصاه لأنه تزوج بامرأة خطبها له ، و غطى عليه فظفر به فحاصره و أقره على خدمته . و قيل أشاع عند أعدائه أنه تزوجها و لم يكن ذلك فخصى نفسه ليأمن من غائلته ، و كان شديد التعصب على الشافعية و الأشعرية . و استأذن السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان ، ثم أضاف إليهم الأشعرية فاستعظم ذلك أئمة السنة . و فارق خراسان أبو القاسم القشيري ثم ابو المعالي إلى مكة فأقام أربعة سنين يتردد بين الحرمين يدرس و يفتي حتى لقب إمام الحرمين . فلما جاء دولة ألب أرسلان أحضرهم نظام الملك وزيره فأحسن إليهم و أعاد السطان ألب أرسلان السيدة بنت الخليفة التي كانت زوجة طغرلبك إلى بغداد ، و بعث في خدمتها الأمير أيتكين السليماني ، و ولاه شحنة ببغداد ، و بعث معها أيضاً أبا سهل محمد بن هبة الله المعروف بابن الموفق لطلب الخطبة ببغداد فمات في طريقه ، و كان من رؤساء الشافعية بنيسابور . و بعث السلطان مكانه العميد أبا الفتح المظفر بن الحسين فمات أيضاً في طريقه ، فبعث وزيره نظام الملك ، و خرج عميد الملك ابن الوزير فخر الدولة بن جهير لتلقيهم ، و جلس لهم القائم جلوساً فخماً في جمادى الأولى من سنة ست و خمسين ، و ساق الرسل بتقليد ألب أرسلان السلطنة ، و سلمت إليهم الخلع بمشهد من الناس ، و لقب ضياء الدولة ، و أمر بالخطبة له على منابر بغداد ، و أن يخاطب بالولد المؤيد حسب اقتراحه ، فأرسل إلى الديوان لأخذ البيعة النقيب طراد الزينبي ، فأرسل إليه بنقجوان من أذربيجان و بايع و انتقض على السلطان ألب أرسلان من السلجوقية صاحب هراة و صغانيان ، فسار إليهم و ظفر بهم كما نذكر في أخبارهم و دولتهم عند إفرادها بالذكر انتهى .

فتنة قطلمش و الجهاد بعدها
كان قطلمش هذا من كبار السلجوقية و أقربهم نسباً إلى السلطان طغرلبك ، و من أهل بيته ، و كان قد استولى على قومة واقصراي و ملطية ، و هو الذي بعثه السلطان طغرلبك أول ما ملك بغداد سنة تسع و أربعين لقتال البساسيري و قريش بن بدران صاحب الموصل ، و لقيهم على سنجار الري . فجهز ألب أرسلان العساكر من نيسابور في المحرم من سنة سبع و خمسين ، و ساروا على المفارقة فسبقوا قطلمش إلى الري ، و جاء كتاب السلطان إليه و لقيه فلم يثبت و مضى منهزماً و استباح السلطان عسكره قتلاً و أسراً و أجلت الواقعة عنه قتيلاً ، فحزن له السلطان و دفنه . ثم سار إلى بلاد الروم معتزماً على الجهاد ، و مر بأذربيجان و لقيه طغرتكين من أمراء التركمان في عشيرة ، و كان ممارساً للجهاد فحثه على قصده ، و سلك دليلاً بين يديه فوصل إلى نجران على نهر أرس و أمر بعمل السفن لعبوره ، و بعث عساكر لقتال خوي و سلماس من حصون أذربيجان ، وسار هو في العساكر فدخل بلاد الكرخ و فتح قلاعها واحدة بعد واحدة كما نذكر في أخبارهم . و دوخ بلادهم و أحرق مدنهم و حصونهم ، و سار إلى مدينة آي من بلاد الديلم فافتتحها و أثخن فيها و بعث بالبشائر إلى بغداد و صالحه ملك الكرخ على الجزية و رجع إلى أصبهان . ثم سار منها إلى كرمان فأطاعه أخوه قاروت بن داود جعفر بك . ثم سار إلى مرو و أصهر إليه خاقان ملك ما وراء النهر بابنته لابنه ملكشاه ، و صاحب غزنة بابنته لابنه الآخر انتهى .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:48 pm

العهد بالسلطنة لملكشاه بن ألب أرسلان
و في سنة ثمان و خمسين عهد ألب أرسلان بالسلطنة لابنه ملكشاه ، و استخلف له الأمراء و خلع عليهم و أمر بالخطبة له في سائر أعماله ، و أقطع بلخ لأخيه سليمان و خوارزم لأخيه ازعزا . و مرو لابنه أرسلان شاه ، و صغانيان و طخارستان لأخيه إلياس و مازنداران للأمير ابتايخ و بيغوا و جعل ولاية نقشوان و نواحيها لمسعود بن ازناس و كان وزيره نظام الملك قد ابتدأ سنة سبع و خمسين بناء المدرسة النظامية ببغداد ، و تمت عمارتها في ذي القعدة سنة تسع و خمسين ، و عين للتدريس بها الشيخ إسحق الشيرازي ، و اجتمع الناس لحضور درسه ، و تخلف لأنه سمع أن في مكانها غصباً . و بقي الناس في انتظاره حتى يئسوا منه ، فقال الشيخ أبو منصور : لا ينفصل هذا الجمع إلا عن تدريس ، و كان أبو منصور الصباغ حاضراً فدرس و أقام مدرساً عشرين يوماً حتى سمع أبو إسحق الشيرازي بالتدريس فاستقر بها .

وزراء الخليفة
كان فخر الدولة بن جهير وزير القائم كما ذكرناه ، ثم عزله سنة ستين و أربعمائة فلحق بنور الدولة دبيس بن مزيد بالقلوجة ، و بعث القائم عن أبي يعلى والد الوزير أبي شجاع ، و كان يكتب لهزارشب بن عوض صاحب الأهواز فاستقدمه ليوليه الوزارة ، فقدم و مات في طريقه ، و نفع دبيس بن مزيد في فخر الدولة بن جهير فأعيد إلى وزارته سنة إحدى و ستين في صفر .

الخطبة بمكة
و في سنة إثنتين و ستين خطب محمد بن أبي هاشم بمكة للقائم و للسلطان ألب أرسلان ، و أسقط خطبة العلوي صاحب مصر و ترك حي على خير العمل من الأذان ، و بعث ابنه وافداً على السلطان بذلك فأعطاه ثلاثين ألف دينار ، و خلعاً نفيسة و رتب كل سنة عشرة آلاف دينار .

طاعة دبيس و مسلم بن قريش
كان مسلم بن قريش منتقضاً على السلطان ، و كان هزارشب بن شكر بن عوض قد أغرى السلطان بدبيس بن مزيد ليأخذ بلاده فانتقض . ثم هلك هزارشب سنة إثنتين و ستين بأصبهان منصرفاً من وفادته على السلطان بخراسان ، فوفد دبيس على السلطان و معه مشرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل ، و خرج نظام الملك لتلقيهما و أكرمهما السلطان و رجعا إلى الطاعة .

الخطبة العباسية بحلب و استيلاء السلطان عليها
كان محمود بن صالح بن مراد قد استولى هو و قومه على مدينة حلب ، و كانت للعلوي صاحب مصر . فلما رأى إقبال دولة ألب أرسلان و قوتها خافه على بلده فحملهم على الدخول في دعوة القائم ، و خطب له على منابر حلب سنة ثلاث و ستين ، و كتب بذلك إلى القائم ، فبعث إليه نقيب النقباء طراد بن محمد الزينبي بالخلع ، ثم سار السلطان ألب أرسلان إلى حلب و مر بديار بكر فخرج إليه صاحبها ابن مروان و خدمه بمائة ألف دينار . و مر بآمد فامتنعت عليه و بالرها كذلك . ثم نزل على حلب و بعث إليه صاحبها محمود مع نقيب النقباء طراد بالاستعفاء من الحضور فألح في ذلك ، و حاصره فلما اشتد عليه الحصار خرج ليلاً إلى السلطان ، و معه أمه منيعة بنت رتاب النميري ملقياً بنفسه فأكرمه السلطان و خلع عليه و أعاده إلى بلده فقام بطاعته .

واقعة السلطان مع ملك الروم و أسره
كان ملك الروم في القسطنطينية و هو أرمانوس قد خرج سنة إثنتين و ستين إلى بلاد الشام في عساكر كثيفة ، و نزل على منبج و نهبها و قتل أهلها ، و زحف إليه محمود بن صالح بن مرداس و ابن حسان الطائي في بني كلاب وطيء و من إليهم من جموع العرب فهزمهم ، و طال عليه المقام على منبج و عزت الأقوات فرجع إلى بلاده ، و احتشد و سار في مائتي ألف من الزنج و الروم و الروس و الكرخ ، وخرج في احتفال إلى أعمال خلاط و وصل إلى ملازجرد . و كان السلطان ألب أرسلان بمدينة خوي من أذريبجان عند عوده من حلب فتشوق إلى الجهاد ، و لم يتمكن من الاحتشاد ، فبعث أثقاله و زوجته مع نظام الملك إلى همذان و سار فيمن حضره من العساكر ، و كانوا خمسة عشر ألفاً و وطن نفسه على الاستماتة ، فلقيت مقدمته عند خلاط جموع الروسية في عشرة آلاف فانهزموا و جيء بملكهم إلى السلطان فحبسه ، و بعث بالأسلاب إلى نظام الملك ليرسلها إلى بغداد . ثم تقارب العسكران و جنح السلطان للمهادنة فأبى ملك الروم فاعتزم السلطان و زحف و أكثر من الدعاء و البكاء . و عفر وجهه بالتراب . ثم حمل عليهم فهزمهم و امتلأت الأرض بأشلائهم و أسر الملك أرمانوس ، جاء به بعض الغلمان أسيراً فضربه السلطان على رأسه ثلاثاً و وبخه . ثم فاداه بألف ألف دينار و خمسمائة ألف دينار ، و على أن يطلق كل أسير عنده . و أن تكون عساكر الروم مدداً للسلطان متى يطلبها . و تم الصلح على ذلك لمدة خمسين سنة . و أعطاه السلطان عشرة آلاف دينار و خلع عليه و أطلقه ،و وثب ميخائيل على الروم فملك عليهم مكان أرمانوس فجمع ما عنده من الأموال فكان مائتي ألف دينار ، و جيء بطبق مملوء بجواهر قيمته تسعون ألف . ثم استولى أرمانوس بعد ذلك على أعمال الأرمن و بلادهم .

شحنة بغداد
قد ذكرنا أن السلطان ألب أرسلان ولى لأول ملكه إيتكين السليماني شحنة ببغداد سنة ست و خمسين فأقام فيها مدة ، ثم سار إلى السلطان في بعض مهماته ، و استحلف ابنه مكانه فأساء السيرة ، و قتل بعض المماليك الدارية فأنفذ قميصه من الديوان إلى السلطان ، و خوطب بعزله . و كان نظام الملك يعنى به فكتب فيه بالشفاعة ، و ورد سنة أربع و ستين فقصد دار الخلافة و سأل العفو فلم يجب ، و بعث إلى تكريت ليسوغها بإقطاع السلطان فبرز المرسوم من ديوان الخلافة بمنع ذلك . و لما رأى السلطان و نظام الملك إصرار القائم على عزله ، بعث السلطان مكانه سعد الدولة كوهرابين اتباعا لمرضاة الخليفة . و لما ورد بغداد خرج الناس للقائه و جلس له القائم و استقر شحنة .

مقتل السلطان ألب أرسلان و ملك ابنه ملكشاه
سار السلطان ألب أرسلان محمد إلى ما وراء النهر ، و صاحبه شمس الملك تكين ، و ذلك سنة خمس و ستين ، و عبر على جسر عقده على جيحون في نيف و عشرين يوماً ، و عسكره تزيد على مائتي ألف . و جيء له بمستحفظ القلاع ، و يعرف بيوسف الخوارزمي فأمر بعقابه على ارتكابه فأفحش في سب السلطان فغضب و أمر بإطلاقه ، و رماه بسهم فأخطأه ، فسير إليه يوسف ، و قام السلطان عن سريره فعثر و وقع فضربه بسكينة ، و ضرب سعد الدولة ، و دخل السلطان خيمته جريحاً . و قتل الأتراك يوسف هذا ، و مات السلطان من جراحته عاشر ربيع سنة خمس و ستين لتسع سنين و نصف من ملكه ، و دفن بمرو عند أبيه . و كان كريماً عادلاً كثير الشكر لنعمة الله و الصدقة ، و اتسع ملكه حتى قيل فيه سلطان العالم . و لما مات و قد أوصى بالملك لابنه ملكشاه فجلس للملك ، و أخذ له البيعة وزيره نظام الملك ، و أرسل إلى بغداد فخطب له على منابرها . و كان ألب أرسلان أوصى أن يعطي أخوه قاروت بك أعمال فارس و كرمان و شيئاً عينه من المال ، و كان بكرمان . و أن يعطي ابنه أياس بن ألب أرسلان ما كان لأبيه داود ، و هو خمسمائة ألف دينار ، و عهد بقتال من لم يقض بوصيته . و عاد ملكشاه من بلاد ما وراء النهر فعبر الجسر في ثلاثة أيام . و زاد الجند في أرزاقهم سبعمائة ألف دينار ، و نزل نيسابور و أرسل إلى ملوك الأطراف بالطاعة و الخطبة فأجابوا . و أنزل أخاه أياس بن ألب أرسلان ببلخ و سار إلى الري . ثم فوض إلى نظام الملك و أقطعه مدينة طوس التي هي منشؤه و غيرها ، و لقبه ألقاباً منها أتابك و معناها الأمير الوالد ، فحمل الدولة بصرامة و كفاية و حسن سيرة ، و بعث كوهرابين الشحنة إلى بغداد سنة ست و ستين لاقتضاء العهد ، فجلس له القائم و على رأسه حافده و ولي عهده المقتدي بأمر الله ، و سلم إلى سعد الدولة كوهرابين عهد السلطان ملكشاه بعد أن قرأ الوزير أوله في المحفل و عقد له اللواء بيده و دفعه إليه .

وفاة القائم و نصب المقتدي للخلافة
ثم توفي القائم بأمر الله أبو جعفر بن القادر افتصد منتصف شعبان من سنة سبع و ستين و نام فانفجر فصاده ، و سقطت قوته . و لما أيقن بالموت أحضر حافده أبا القاسم عبد الله ابن ابنه ذخيرة الدين محمد ، و أحضر الوزير ابن جهير و النقباء و القضاة و غيرهم ، و عهد له بالخلافة . ثم مات لخمس و أربعين سنة من خلافته و صلى عليه المقتدي ، و بويع بعهد جده ، و حضر بيعته مؤيد الملك بن نظام الملك ، و الوزير فخر الدولة بن جهير و ابنه عميد الدولة ، و أبو إسحق الشيرازي و أبو نصر بن الصباغ ، و نقيب النقباء طراد ، و النقيب الطاهر المعمر بن محمد ، و قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني ، و غيرهم من الأعيان و الأماثل . و لما فرغوا من البيعة صلى بهم العصر و لم يكن للقائم عقب ذكر غيره لأن ابنه ذخيرة الدين أبا العباس محمدا توفي في حياته و لم يكن له غيره فاعتمد القائم لذلك . ثم جاءت جاريته أرجوان بعد موته لستة أشهر بولد ذكر فعظم سرور القائم به ، و لما كانت حادثة البساسيري حمله أبو الغنائم بن المجلبان إلى حران و هو ابن أربع سنين ، و أعاده عند عود القائم إلى داره . فلما بلغ الحلم عهد له القائم بالخلافة و لما تمت بيعته لقب المقتدي و أقر فخر الدولة بن جهير على وزارته بوصية جده القائم بذلك . و بعث ابن عميد الدولة إلى السلطان ملكشاه لأخذ البيعة في رمضان من سنة سبع و ستين ، و بعث معه من الهدايا ما يجل عن الوصف . و قدم سعد الدولة كوهرابين سنة ثمان و ستين إلى بغداد شحنة ، و معه العميد أبو نصر ناظراً في أعمال بغداد ، و قدم مؤيد الملك بن نظام الملك سنة سبعين للإقامة ببغداد ، و نزل بالدار التي بجوار مدرستهم .

عزل الوزير ابن جهير و وزارة أبي شجاع
كان أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري قد حج سنة تسع و ستين ، فورد بغداد منصرفاً من الحج ، و وعظ الناس بالنظامية ، و في رباط شيخ الشيوخ ، و نصر مذهب الأشعري فأنكر عليه الحنابلة ، و كثر التعصب من الجانبين ، و حدثت الفتنة و النهب عند المدرسة النظامية ، فأرسل مؤيد الملك إلى العميد و الشحنة فحضروا في الجند ، و عظمت الفتنة و نسب ذلك إلى الوزير فخر الدولة بن جهير ، و عظم ذلك على عضد الدولة فأعاد كوهرابين إلى الشحنة ببغداد و أوصاه المقتدي بعزل فخر الدولة من الوزارة ، و أمر كوهرابين بالقبض على أصحابه و نمي الخبر إلى بني جهير فبادر عميد الدولة ابن الوزير إلى نظام الملك يستعطفه . و لما بلغ كوهرابين رسالة الملك إلى المفتدي أمر فخر الدولة بلزوم منزله . ثم جاء ابنه عميد الدولة ، و قد استصلح نظام الملك في الشفاعة لهم ، فأعيد عميد الملك إلى الوزارة دون أبيه فخر الدولة و ذلك صفر سنة إثنتين و سبعين .

استيلاء تتش بن ألب أرسلان على دمشق و ابتداء دولته و دولة نفيه فيها
كان أتسز بهمزة و سين و زاي بن أبق الخوارزمي من أمراء السلطان ملك شاه و قد سار سنة ثلاث و ستين إلى فلسطين من الشام ففتح مدينة الرملة ، ثم حاصر بيت المقدس و فتحها من يد العلويين أصحاب مصر ، و ملك ما يجاورها ما عدا عسقلان . ثم حاصر دمشق حتى جهدها الحصار فرجع و بقي يردد الغزوات إليها كل سنة . ثم حاصرها سنة سبع و ستين و بها المعلى بن حمدرة من قبل المنتصر العبيدي فأقام عليها شهراً . ثم أقلع ديار أهل دمشق بالمعلى لسوء سيرته فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ، ثم أخذ إلى مصر و جلس بها و مات محبوساً و اجتمع المصامدة بعد هربه من دمشق و ولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي و لقبوه زين الدولة . ثم اختلفوا عليه و وقعت الفتنة ، و غلت الأسعار و رجع أتسز إلى حصارها فنزل له عنها انتصار على الأمان ، و عوضه عنها بقلعة بانياس و مدينة يافا من الساحل ، و خطب فيها أتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان و ستين . و تغلب على أكثر الشام و منع من الأذان بحي على خير العمل . ثم سار سنة تسع و ستين إلى مصر و حاصرها حتى أشرف على أخذها . ثم انهزم من غير قتال و رجع إلى دمشق و قد انتقض عليه أكثر بلاد الشام ، فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه و أمواله ، و رفع عنهم خراج سنة و بلغه أن أهل القدس و ثبوا بأصحابه و مخلفه و حصروهم في محراب داود عليه السلام ، فسار إليهم و قاتلهم فملكهم عنوة و قتلهم في كل مكان إلا من كان عند الصخرة . ثم إن السلطان ملك شاه أقطع أخاه تاج الدولة تتش سنة سبعين و أربعمائة بلاد الشام و ما يفتحه من نواحيها ، فسار إلى حلب سنة إحدى و سبعين و حاصرها و ضيق عليها ، و كانت معه جموع كثيرة من التركمان . و كان صاحب مصر قد بعث عساكره مع قائده نصير الدولة لحصار دمشق فأحاطوا بها ، و بعث أتسز إلى تتش و هو على حلب يستمده فسار إليه ، و أجفلت العساكر المصرية عن دمشق ، و جاء إليها تتش فخرج أتسز للقائه بظاهر البلد فتجنى عليه حيث لم يستعد للقائه ، و قبض عليه و قتله لوقته ، و ملك البلد و أحسن السيرة فيها و ذلك سنة إحدى و سبعين فيما قال الهمذاني . و قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر إن ذلك كان سنة اثنتين و سبعين . و قال ابن الأثير و الشاميون في هذا الاسم افسلس و الصحيح أنه أتسز و هو اسم تركي .

سفارة الشيخ أبي إسحق الشيرازي عن الخليفة
كان عميد العراق أبو الفتح بن أبي الليث قد أساء السيرة و أساء إلى الرعية و عسفهم ، و اطرح جانب الخليفة المقتدي و حواشيه فاستدعى المقتدي الشيخ أبا إسحق الشيرازي و بعثه إلى السلطان ملك شاه و الوزير نظام الملك بالشكوى من ابن العميد ، فسار لذلك و معه جماعة من أعيان الشافعية منهم أبو بكر الشاشي و غيره ، و ذلك سنة خمس و خمسين . و تنافس أهل البلاد في لقائه و التمسح بأطرافه و التماس البركة في ملبوسه و مركوبه ، و كان أهل البلاد إذا مر بهم يتسايلون إليه و يزدحمون على ركابه ، و ينشدون على موكبه كل أحد ما يناسب ذلك ، و صدر الأمر بإهانة ابن العميد و رفع يده عما يتعلق بحواشي المقتدي ، و جرى بينه و بين إمام الحرمين مناظرة بحضرة نظام الملك ذكرها الناس في كتبهم انتهى .

عزل ابن جهير عن الوزارة و إمارته على ديار بكر
ثم إن عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير عزله الخليفة المقتدي عن الوزارة و وصل يوم عزل رسول من قبل السلطان و نظام الملك يطلب بني جهير فأذن لهم و ساروا بأهلهم إلى السلطان فلقاهم كرامة و برا ، و عقد لفخر الدولة على ديار بكر و كان بني مروان و بعث معه العساكر سنة و أعطاه الآلة و أذن له أن يخطب فيها لنفسه ، و يكتب اسمه في السكة فسار لذلك سنة ست و سبعين ثم بعث إليه السلطان سنة سبع و سبعين بمدد العساكر مع الأمير أرتق بن اكسب جل أصحاب ماردين لهذا العهد ، و كان ابن مروان قد استمد فخر الدولة بن جهير بنواحيها ، و كان معه جماعة من التركمان فتقدموا إلى قتل مشرف الدولة ، و انهزم أمامهم و غنم التركمان من كان معه من أحياء العرب ، و دخل آمد فحصره بها فخر الدولة و أرتق ، فراسل أرتق و بذل له مالاً على الخروج من ناحيته ، فأذن له و خرج . و رجع ابن جهير إلى ميافارقين و معه بهاء الدولة منصور بن مزيد صاحب الحلة و النيل و الجامعين و ابنه سيف الدولة صدقة ففارقوه إلى العراق ، و سار هو إلى خلاط . و كان السلطان لما بلغه انهزام مشرف الدولة و حصاره بآمد بعث عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير في عسكره إلى الموصل و معه قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين العادل ، و كاتب أمراء التركمان بطاعته و ساروا إلى الموصل فملكوها . و سار السلطان بنفسه إليها و قارن ذلك خلوص مشرف الدولة من حصار آمد فراسل مؤيد الدولة بن نظام الملك و هو على الرحبة ، و أهدى له فسعى له عند السلطان و أحضره و أهدى للسلطان سوابق خيله و صالحه و أقره على بلاده ، و عاد إلى خراسان . و لم يزل فخر الدولة بن جهير في طلب ديار بكر حتى ملكها . فأنفذ إليه زعيم الرؤساء القاسم سنة ثمان و سبعين ، و حاصرها و ضيق عليها حتى غدر بها بعض أهل العسكر من خارج و ملكها . و عمد أهل البلد إلى بيوت النصارى بينهم فنهبوها بما كانوا عمال بني مروان ، و كان لهم جور على الناس . و كان فخر الدولة مقيماً على ميافارقين محاصراً لها ، و جاءه سعد الدولة كوهرابين في العسكر مدداً من عند السلطان فخرج في حصارهما و سقط بعض الأيام جانب من سورها فدهش أهل البلد و تنادوا بشعار السلطان ملك شاه ، و اقتحم فخر الدولة البلد و استولى على ما كان لبني مروان ، و بعث بأموالهم إلى السلطان مع ابنه زعيم الرؤساء فلحقه بأصبهان سنة ثمان و سبعين . ثم بعث فخر الدولة أيضاً عسكراً إلى جزيرة ابن عمر و حاصروها حتى جهدهم الحصار ، فوثب طائفة من أهل البلد بعاملها ، و فتحوا الباب ، و دخل مقدم العسكر فملك البلد و دخل سنة ثمان و سبعين . و انقرضت دولة بني مروان من ديار بكر و استولى عليها فخر الدولة بن جهير ، ثم أخذها السلطان من يده و سار إلى الموصل فتوفي بها ، و كان مولده بها و استخدم لبرلة بن مقلة و سفر عنه إلى ملك الروم . ثم سار إلى حلب و وزر لمعز الدولة أبي هال بن صالح . ثم مضى إلى ملطية ثم إلى مروان بديار بكر ، فوزر له و لولده . ثم سار إلى بغداد و وزر للخليفة كما مر في آخر ما ذكرنا ، و توفي سنة ثلاث و ثمانين انتهى .

خبر الوزارة
لما عزل الخليفة المقتدي عميد الدولة عن الوزارة سنة ست و سبعين رتب في الديوان أبا الفتح المظفر بن رئيس الرؤساء . ثم استوزر أبا شجاع محمد بن الحسين فلم يزل في الوزارة إلى سنة أربع و ثمانين فتعرض لأبي سعد بن سمحاء اليهودي كان وكيلاً للسلطان ، و نظام الملك ، و سار كوهرابين الشحنة إلى السلطان بأصبهان ، فمضى اليهودي في ركابه ، و سمع المقتدي بذلك فخرج توقيعه بإلزام أهل الذمة بالغيار فأسلم بعضهم و هرب بعضهم . و كان ممن أسلم أبو سعد العلاء بن الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب و قرابته ، و لما وصل كوهرابين و أبو سعد إلى السلطان و عظمت سعايتهما في الوزير أبي شجاع فكتب السلطان و نظام الملك إلى المقتدي في عزله فعزله ، و أمره بلزوم بيته ، و ولى مكانه أبا سعد بن موصلايا الكاتب ، و بعث المقتدي إليهما في عميد الدولة بن جهير فبعثا به إليه و استوزره سنة أربع و ثمانين ، و ركب إليه نظام الدولة فهنأه بالوزارة في بيته ، و توفي الوزير أبو شجاع سنة ثمان و ثمانين .
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم  - صفحة 3 Empty رد: تابع تاريخ بن خلدون الجزء الثالث - جعلة الله مفيدا لنا ولكم

مُساهمة من طرف أحمد بدوى الأحد نوفمبر 07, 2010 8:49 pm

استيلاء السلطان على حلب
قد ذكرنا من قبل استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب ، و خطبة صاحبها محمود ابن صالح بن مرداس على منابره باسمه سنة ثلاث و ستين . ثم عاد بعد ذلك إلى طاعة العلوية بمصر . ثم انتقضت دولة بني مرداس بها ، و عادت رياستها شورى في مشيختها ، و طاعتهم لمسلم بن قريش صاحب الموصل ، و كبيرهم ابن الحثيثي . و استقر ملك سليمان بن قطلمش ببلاد الروم ، و ملك أنطاكية سنة سبع و سبعين . و تنازع مع مشرف الدولة ابن قريش ملك حلب و تزاحفا فقتل سليمان بن قطلمش مسلم بن قريش سنة تسع و سبعين . و كتب إلى أهل حلب يستدعيهم إلى طاعته فاستمهلوه إلى أن يكاتبوا السلطان ملك شاه . فإن الكل كانوا في طاعته و كتبوا إلى تتش أخي السلطان و هو بدمشق أن يملكوه فسار إليهم و معه أرتق بن أكسب ، كان قد لحق به عندما جاء السلطان إلى الموصل و فتحها خشية مما فعله في خلاص مسلم بن قريش من حصار آمد فأقطعه تتش بيت المقدس . فلما جاء تتش إلى حلب و حاصر القلعة ، و بها سالم بن مالك بن بدران ابن عم مشرف الدولة مسلم بن قريش ، و كان ابن الحثيثي و أهل حلب قد كاتبوا السلطان ملك شاه أن يسلموا إليه البلد ، فسار من أصبهان في جمادى سنة تسع و ستين ، و مر بالموصل ثم بحران فتسلمها و أقطعها محمد بن مسلم بن قريش ، ثم بالرها فملكها من يد الروم ، ثم بقلعة جعفر فحاصرها و ملكها من يد بعض بني قشير ، ثم بمنبج فملكها ثم عبر الفرات إلى حلب فأجفل أخوه تتش إلى البرية و معه أرتق . ثم عاد إلى دمشق و كان سالم بن مالك ممتنعاً بالقلعة فاستنزله منها و أقطعه قلعة جعبر فلم تزل بيده و يد بنيه حتى ملكها منهم نور الدين العادل ، و بعث إلى السلطان بالطاعة على شيراز ، و ولى السلطان على حلب قسيم الدولة صاحب شيراز نصر بن علي بن منقذ الكناني و سلم إليه اللاذقية و كفرطاب و فامية ، فأقر شيراز ، و ولى السلطان على حلب قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين العادل ، و رحل إلى العراق و طلب أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فحمله معه و أنزله بديار بكر فتوفي فيها بحلل أملاق . و دخل السلطان بغداد في ذي الحجة من سنة تسع و سبعين و أهدى إلى المقتدي و خلع عليه الخليفة ، و قد جلس له في مجلس حفل و نظام الملك قائم يقدم أمراء السلطان واحداً بعد واحد آخر للسلام للخليفة ، و يعرف بأسمائهم و أنسابهم و مراتبهم . ثم فوض الخليفة المقتدي إلى السلطان أمور الدولة ، و قبل يده و انصرف . و دخل نظام الملك إلى مدرسته فجلس في خزانة الكتب و أسمع جزء حديث و أملى آخر . و أقام السلطان ببغداد شهراً و رحل في صفر من سنة ثمانين إلى أصبهان و جاء إلى بغداد مرة أخرى في رمضان من سنة أربع و ثمانين و نزل بدار الملك و قدم عليه أخوه تاج الدولة تتش و قسيم الدولة أقسنقر من حلب ، و غيرهما من أمراء النواحي . و عمل ليلة الميعاد من سنة خمس و ثمانين ، و لم ير أهل بغداد مثله و أخذ الأمراء في بناء الدور ببغداد لسكناهم عند قدومهم فلم تمهلهم الأيام لذلك .

فتنة بغداد
كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدء الخليفة فيما علمناه ، و اضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن ، و كثر فيها المفسدون و الدعار و العيارون من الرها ، و أعيا على الحكام أمرهم ، و ربما أركبوا العساكر لقتالهم و يثخنون فيهم فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً و ربما حدثت الفتن من أهل المذاهب و من أهل السنة و الشيعة من الخلاف في الإمامة و مذاهبها ، و بين الحنابلة و الشافعية و غيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات و الصفات ، و نسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد ، و حاشاه منه ، فيقع الجدال و النكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام . و تكرر ذلك منذ حجر الخلفاء . و لم يقدر بنو بويه و لا السلجوقية على حسم ذلك منها لسكنى أولئك بفارس ، و هؤلاء بأصبهان ، و بعدهم عن بغداد و الشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم . و إنما تكون ببغداد شحنة تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة ، و لم يحصل من ملوكهم إهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة و النواحي . و عامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم فاستمرت هذه العلة ببغداد ، ولم يقلع عنها إلى أن اختلفت جدتها و تلاشى عمرانها ، و بقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام .

مقتل نظام الملك و أخباره
كان من أبناء الدهاقين بطوس أبو علي الحسين بن علي بن إسحق ، فشب و قرأ بها و سمع الحديث الكبير و تعلق بالأحكام السلطانية و ظهرت فيها كفايته ، و كان يعرف بحسن الطوسي . و كان أميره الذي يستخدمه يصادره كل سنة فهرب منه إلى داود و حفري بك ، و طلبه مخدومه الأمير فمنعه ، و خدم أبا علي بن شادان متولي الأعمال ببلخ لحفري بك أخي السلطان طغرلبك ، و هو والد السلطان ألب أرسلان . و لما مات أبو علي و قد عرف نظام الملك هذا بالكفاية و الأمانة أوصى به ألب أرسلان فأقام بأمور دولته و دولة ابنه ملك شاه من بعده ، و بلغ المبالغ كما مر و استولى على الدولة . و ولى أولاده الأعمال و كان فيمن ولاه منهم ابن ابنه عثمان جمال . و ولى على مرو ، و بعث السلطان إليها شحنة من أعظم أمرائه ، وقع بينه و بين عثمان نزاع فحملته الحداثة و الإدلال بجاهه على أن قبض على الأمير و عاقبه ، فانطلق إلى السلطان مستغيثاً ، و امتعض لها السلطان و بعث إلى نظام الملك بالنكير مع خواصه و ثقاته فحملته الدالة على تحقيق تعديد حقوقه على السلطان ، و إطلاق القول في العتاب و التهديد بطوارق الزمن . و أرادوا طي ذلك عن السلطان فوشى به بعضهم . فلما كان رمضان من سنة خمس و ثمانين ، و السلطان على نهاوند عائداً من أصبهان إلى بغداد ، و قد انصرف الملك يومه ذلك من خيمة السلطان إلى خيمته ، فاعترضه صبي قيل إنه من الباطنة في صورة مستغيث فطعنه بسكينة فمات ، و هرب الصبي فأدرك و قتل ، و جاء السلطان إلى خيمة نظام الملك يومه ، و سكن أصحابه و عسكره ، و ذلك لثلاثين سنة من وزارته سوى ما وزر لأبيه ألب أرسلان أيام إمارته بخراسان .

وفاة السلطان ملك شاه و ملك ابنه محمود
لما قتل نظام الملك على نهاوند كما ذكرناه سار السلطان لوجهه ، و دخل بغداد آخر رمضان من سنته ، و لقيه الوزير عميد الدولة بن جهير و اعتزم السلطان أن يولي وزارته تاج الملك و هو الذي سعى بنظام الملك ، و كانت قد ظهرت كفايته . فلما صلى السلطان العيد عاد إلى بيته و قد طرقه المرض ، و توفي منتصف شوال ، فكتمت زوجته تركمان خاتون موته و أنزلت أموالها و أموال أهل الدولة بحريم دار الخلافة ، و ارتحلت إلى أصبهان . و سلوا السلطان معها في تابوته و قد بذلت الأموال للأمراء على طاعة ابنها محمود و البيعة له فبايعوه ، و قدمت من طريق قوام الدولة كربوقا الذي ملك الموصل من بعد ذلك ، فسار بخاتم السلطان لنائب القلعة و تسلمها . و لما بايعت لولدها محمود و عمره يومئذ أربع سنين بعثت إلى الخليفة المقتدي في الخطبة له فأجابها على شرط أن يكون أنز من أمراء أبيه هو القائم بتدبير الملك ، و أن يصدر عن رأى الوزير تاج الملك ، و يكون له ترتيب العمال و جباية الأموال فأبت أولاً من قبول هذا الشرط ، حتى جاءها الإمام أبو حامد الغزالي و أخبرها أن الشرع لا يجير تصرفاته فأذعنت لذلك ، فخطب لابنها آخر شوال من السنة ، و لقب ناصر الدولة و الدين ، و كتب إلى الحرمين الشريفين فخطب له بهما .

ثورة بركيارق بملك شاه
كانت تركمان خاتون عند موت السلطان ملك شاه قد كتمت موته و بايعت لابنها محمود كما قلناه ، و بعثت إلى أصبهان سراً في القبض على بركيارق ابن السلطان ملك شاه خوفاً من أن ينازع ابنها محموداً فحبس . فلما ظهر موت ملك شاه وثب مماليك بركيارق و نظام الملك على سلاح كان له بأصبهان و ثاروا في البلد و أخرجوا بركيارق في محبسه و بايعوه و خطبوا له بأصبهان . و كانت أمه زبيدة بنت عم ملك شاه و هو ياقولي خائفة على ولدها من خاتون أم محمود ، و كان تاج الملك قد تقدم إلى أصبهان و طالبه العسكر بالأموال فطلع إلى بعض القلاع لينزل منها المال و امتنع منها خوفاً من مماليك نظام الملك . و لما وصلت تركمان خاتون إلى أصبهان جاءها فقبلت عذره . و كان بركيارق لما أقامت خاتون ابنها محموداً بأصبهان خرج فيمن معه من النظامية إلى الري و اجتمع معه بعض أمراء أبيه و بعثت خاتون العساكر إلى قتاله ، و فيهم أمراء ملك شاه . فلما تراءى الجمعان هرب كثير من الأمراء إلى بركيارق و اشتد القتال فانهزم عسكر محمود و خاتون ، و عادوا إلى أصبهان وسار بركيارق في أثرهم فحاصرهم بها .

مقتل تاج الملك
كان الوزير تاج الملك قد حضر مع عسكر خاتون و شهد وقعة بركيارق . فلما انهزموا سار إلى قلعة يزدجرد فحبس في طريقه ، و حمل إلى بركيارق و هو محاصر أصبهان ، و كان يعرف كفايته فأجمع أن يستوزره ، و أصلح هو النظامية و بذل لهم مائتي ألف دينار و استرضاهم بها . و نمي ذلك إلى عثمان نائب نظام الملك فوضع الغلمان الأصاغر عليه الطالبين ثأر سيدهم و أغراهم فقتلوه و قطعوه قطعاً و ذلك في المحرم سنة ست و ثمانين . ثم خرج إلى بركيارق من أصبهان و هو محاصر لها عز الملك أبو عبد الله بن الحسين بن نظام الملك و كان على خوارزم ، و وفد على السلطان ملك شاه قبل مقتل أبيه . ثم كان ملكهما فأقام هو بأصبهان و خرج إلى بركيارق و هو يحاصرها فاستوزره و فوض إليه أمر دولته انتهى .

الخطبة لبركيارق ببغداد
ثم قدم بركيارق بغداد سنة ست و ثمانين ، و طلب من المقتدي الخطبة فخطب له على منابرها و لقب ركن الدين و حمل الوزير عميد الدولة بن جهير إليه الخلع فلبسها و توفي المقتدي و هو مقيم ببغداد .

وفاة المقتدي و نصب المستظهر للخلافة
ثم توفي المقتدر بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله في منتصف محرم سنة سبع و ثمانين ، و كان موته فجأة ، أحضر عنده تقليد السلطان بركيارق ليعلم عليه فقرأه و وضعه . ثم قدم إليه طعام فأكل منه ثم غشي عليه فمات ، و حضر الوزير فجهزوا جنازته و صلى عليه ابنه أبو العباس أحمد و دفن و ذلك لتسع عشرة سنة و ثمانية أشهر من خلافته . و كانت له قوة و همة لولا أنه كان مغلباً ، و عظمت عمارة بغداد في أيامه ، و أظن ذلك لاستفحال دولة بني طغرلبك . و لما توفي المقتدي و حضر الوزير أحضر ابنه أبا العباس أحمد الحاشية فبايعوه و لقبوه المستظهر ، و ركب الوزير إلى بركيارق و أخذ بيعته للمستظهر . ثم حضر بركيارق لثالثة من وفاته و معه وزيره عز الملك بن نظام الملك و أخوه بهاء الملك ، و أمر السلطان بأرباب المناصب فجمعوا و حضر النقيبان طراد العباسي و المعمر العلوي ، و قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني و الغزالي و الشاشي و غيرهم فحسبوا في العراء و بايعوا .

أخبار تتش و انتقاضه و حروبه و مقتله
قد ذكرنا فيما تقدم أن تتش بن السلطان ألب أرسلان استقل بملك دمشق و أعمالها ، و أنه وفد على السلطان ملك شاه ببغداد قبل موته و انصرف ، و بلغه خبر وفاته بهيت فملكها و سار إلى دمشق فجمع العساكر ، و زحف إلى حلب فأطاعه صاحبها قسيم الدولة أقسنقر . و سار معه ، و كتب إلى ناعيسان صاحب أنطاكية و إلى برار صاحب الرها و حران يشير عليهما بطاعة تتش حتى يصلح حال أولاد ملك شاه فقبلوا منه ، و خطبوا له في بلادهم و ساروا معه فحضر الرحبة و ملكها في المحرم سنة ست و ثمانين ، و خطب فيها لنفسه . ثم فتح نصيبين عنوة و عاث فيها و سلمها لمحمد بن مشرف الدولة و سار يريد الموصل و لقيه الكافي فخر الدولة بن جهير و كان في جزيرة ابن عمر فاستوزره و بعث إلى إبراهيم بن مشرف الدولة مسلم بن قريش و هو يومئذ ملك الموصل يأمره بالخطبة له ، و تسهيل طريقه إلى بغداد فأبى من ذلك و زحف إليه تتش و هو في عشرة آلاف و أقسنقر على ميمنته و توزران على ميسرته ، و إبراهيم في ستين ألفاً و التقوا فانهزم إبراهيم و أخذ أسيراً و قتل جماعة من أمراء العرب صبراً ، و ملك تاج الدولة تتش الموصل ، و ولى عليها علي بن مشرف الدولة . و فوض إليه أمر صفية عمة تتش و بعث إلى بغداد يطلب مساعدة كوهرابين الشحنة فجاء العذر بانتظار الرسل من العسكر ، فسار إلى ديار بكر و ملكها ، ثم إلى أذربيجان ، و بلغ خبره إلى بركيارق ، و قد استولى على همذان و الري فسار لمدافعته ، فلما التقى العسكران جنح أقسنقر إلى بركيارق و فاوض توران في ذلك ، و أنهما إنما اتبعا تتش حتى يظهر أمر أولاد ملكشاه ، فوافقه على ذلك ، و سارا معاً إلى بركيارق فانهزم تتش و عاد إلى دمشق ، و استفحل بركيارق و جاءه كوهرابين يعتذر من مساعدته لتتش في الخطبة فلم يقبله ، و عزله و ولى الأمير نكبرد شحنة بغداد مكانه . ثم خطب لبركيارق ببغداد كما قدمناه . و مات المقتدي و نصب المستظهر ، و لما عاد تتش من أذربيجان إلى الشام جمع العساكر و سار إلى حلب لقتال أقسنقر ، بعث بركيارق كربوقا الذي صار أمير الموصل مدداً لأقسنقر ، و لقيهم تتش قريباً من حلب فهزمهم و أسر أقسنقر فقتله صبراً . و لحق توران و كربوقا بحلب ، و حاصرهما تتش فملكها و أخذهما أسيرين ، و بعث إلى حران و الرها في الطاعة ، و كانتا لتوران فامتنعوا ، فبعث برأسه إليهم و أطاعوه ، و حبس كربوق في حمص إلى أن أطاعه رضوان بعد قتل أبيه تتش ، ثم سار تتش إلى الجزيرة فملكها ، ثم ديار بكر ثم خلاط و أرمينية ، ثم أذربيجان . ثم سار إلى همذان فملكها ، و كان بها فخر الدولة نظام الملك ، سار من حران لخدمة بركيارق فلقيه الأمير تاج من عسكر محمود بن ملكشاه بأصبهان ، فنهب ماله و نجا بنفسه إلى همذان ، و صادف بها تتش و شفع فيه باغسيان و أشار بوزارته فاستوزره ، و أرسل إلى بغداد يطلب الخطبة من المستظهر ، و بعث يوسف بن أبق التركماني شحنته إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخولها . و كان بركيارق قد سار إلى نصيبين و عبر دجلة فوق الموصل إلى أربل ، ثم إلى بلد سرخاب بن بدر حتى إذا كان بينه و بين عمه تسعة فراسخ ، و هو في ألف رجل و عمه في خمسين ألفاً ، فبيته بعض الأمراء من عسكر عمه فانهزم إلى أصبهان ، و بها محمود ابن أخيه ، و قد ماتت أمه تركمان خاتون فأدخله أمراء محمود ، و احتاطوا عليه . ثم مات محمود سلخ شوال من سنة سبع و ثمانين ، و استولى بركيارق على الأمر ، و قصده مؤيد الملك بن نظام الملك فاستوزره في ذي الحجة ، و استمال الأمراء فرجعوا إليه و كثر جمعه . و كان تتش بعد هزيمة بركيارق قد اختلف عليه الأمراء و راسل أمراء أصبهان يدعوهم إلى طاعته فواعدوه انتظار بركيارق ، و كان قد أصابه الجدري ، فلما أبل نبذوا إليه عهده ، و ساروا مع بركيارق من أصبهان ، و أقبلت إليهم العساكر من كل مكان و انتهوا إلى ثلاثين ألفاً و التقوا قريباً من الري فانهزم تتش و قتله بعض أصحاب أقسنقر ، و كان قد حبس وزيره فخر الملك بن نظام الملك فأطلق ذلك اليوم ، و استفحل أمر بركيارق و خطب له ببغداد .

ظهور السلطان ملكشاه و الخطبة له ببغداد
كان السلطان بركيارق قد ولى على خراسان و أعمالها أخاه لأبيه سنجر فاستقل بأعمال خراسان كما يذكر في أخبار دولتهم عند انفرادها بالذكر . و إنما نذكر هنا من أخبارهم ما يتعلق بالخلافة و الخطبة لهم ببغداد ، لأن مساق الكلام هنا إنما هو عن أخبار دولة بني العباس ، و من وزر لهم أو تغلب خاصة . و كان لسنجر بن ملكشاه أخ شقيق اسمه محمد . و لما هلك السلطان ملكشاه سار مع أخيه محمود و تركمان خاتون إلى أصبهان . فلما حاصرهم بركيارق لحق به أخوه محمد هذا و سار معه إلى بغداد سنة ست و ثمانين ، و أقطعه دجلة و أعمالها و بعث معه قطلغ تكين أتابك . فلما استوى على أمره قتله أنفة من حجره . ثم لحق به مؤيد الملك بن عبيد الله بن نظام الملك ، كان مع الأمير أنز و داخله في الخلاف على السلطان بركيارق . فلما قتل أنز كما نذكر في أخبارهم لحق مؤيد الملك بمحمد بن السلطان ملك شاه ، و أشار عليه ففعل و خطب لنفسه . و استوزر مؤيد الملك ، و قارن ذلك أن السلطان بركياق قتل خاله مجد الملك البارسلاني فاستوحش منه أمراؤه ، و لحقوا بأخيه محمد و سار بركيارق إلى الري و اجتمع له بها عساكر و جاء عز الملك منصور بن نظام الملك في عساكر . و بينما هو في الري إذ بلغه مسير أخيه محمد إليه فأجفل راجعاً إلى أصبهان فمنعه أهلها الدخول ، فسار إلى خوزستان . و جاء السلطان محمد إلى الري أول ذي القعدة من سنة اثنتين و تسعين ، و وجد أم بركيارق بها و هي زبيدة خاتون فحبسها مؤيد الملك و قتلها ، و استفحل ملك محمد ، و جاءه سعد الدولة كوهرابين شحنة بغداد و كان مستوحشاً من بركيارق ، و جاء معه كربوقا صاحب الموصل و جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر ، و سرخاب ابن بدر صاحب كركور فلقوه جميعاً بقم و سار كربوقا و جكرمش معه إلى أصبهان ، ورد كوهرابين إلى بغداد في طلب الخطبة من الخليفة ، و أن يكون شحنة بها فأجابه المستظهر إلى ذلك و خطب له منتصف ذي الحجة سنة اثنتين و تسعين و لقب غياث الدنيا و الدين .

اعادة الخطبة لبركيارق
لما سار بركيارق مجفلاً من الري إلى خوزستان أمام أخيه محمد ، و أمير عسكره يومئذ ينال بن أنوش تكين الحسامي ، و معه جماعة من الأمراء ، أجمع المسير إلى العراق ، فسار إلى واسط ، و جاءه صدقة بن مزيد صاحب الحلة . ثم سار إلى بغداد فخطب له بها منتصف صفر من سنة ثلاث و تسعين . و لحق سعد الدولة كوهرابين ببعض الحصون هنالك و معه أبو الغازي بن أرتق و غيره من الأمراء ، و أرسل إلى السلطان محمد و وزيره مؤيد الملك يستحثهما في الوصول ، فبعث إليه كربوقا صاحب الموصل و جكرمش صاحب الجزيرة فلم يرضه ، و طلب جكرمش العود إلى بلده فأطلقه . ثم نزع كوهرابين و من معه من الأمراء إلى بركيارق باغزاء كربوقا صاحب الموصل ، و كاتبوه فخرج إليهم و دخلوا معه بغداد و استوزره الأغر أبو المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني ، و قبض على عميد الدولة ابن جهير وزير الخليفة و طالبه بأموال ديار بكر و الموصل في ولايته و ولاية أبيه ، و صادره على مائة و ستين ألف دينار فحملها إليه و خلع المستظهر على السلطان بركيارق و استقر أمره .

المصاف الأول بين بركيارق و محمد و قتل كوهرابين و الخطبة لمحمد
ثم سار بركيارق من بغداد إلى شهرزور لقتال أخيه محمد ، و اجتمع إليه عسكر عظيم من التركمان ، و كاتبه رئيس همذان بالمسير إليه فعدا عنه ، و لقي أخاه محمداً على فراسخ من همذان و محمد في عشرين ألف مقاتل ، و معه الأمير سرخو شحنة أصبهان و على ميمنته أمير آخر و ابنه أياز ، و على ميسرته مؤيد الملك و النظامية ، و مع بركيارق في لقلب وزيره أبو المحاسن ، و في ميمنته كوهرابين و صدقة بن مزيد و سرخاب بن بدر . و في ميسرته كربوقا و غيره من الأمراء . فحمل كوهرابين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد
أحمد بدوى
أحمد بدوى
سوبر ستار المنتدى

رقم العضوية : 20
عدد المساهمات : 7431
المهارة : 45421
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
الكفاءة : 0

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 3 من اصل 4 الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى